من هيروشيما إلى فلسطين.. أمريكا “بطلة” العالم في الإجرام

“قتلنا في الموصل بالعراق، وفي الرقة بسوريا.. دمّرنا 69 مدينة يابانية.. ذبحنا الناس بأعداد هائلة، أناس أبرياء لا علاقة لهم بحكومتهم..”، ثم إنّ “دولتنا مشيّدة على بحر من الدماء، فكيف نجرؤ على انتقاد “إسرائيل”، هذا الكيان الذي أسّسناه نحن – على عقيدة الإجرام – ومنحناه كل الدعم العسكري والسياسي والإعلامي ليواصل قتل أطفال ونساء غزة، ريثما يستطيع التخلّص من رجال المقاومة، ثم لماذا نربط الحرب بقوانين وأخلاق وخطوط حمر وصفر وخضر؟ لماذا نلتزم بالقانون الدولي، ونحن بوسعنا استخدام قنبلة نووية، نلقيها على غزة، كما فعلنا ذلك في هيروشيما وناغازاكي؟ وهكذا نتخلص من أعدائنا الفلسطينيين بضربة واحدة”. هذا الخطاب، يمثّل ملخصا للرأي الذي تتبناه عصابة الحكم في البيت الأبيض الأمريكي، وهو ما يجسّده واقع حرب الإبادة في غزة، وما تترجمه تصريحات المسؤولين في واشنطن ولدى سلطة الكيان التي تواصل منذ 7 أكتوبر 2023 تنفيذ حرب إبادة غير مسبوقة في التاريخ.

وضمن هذا السياق، وخلال تعليقه عن الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ أكثر من 7 أشهر، اعترف رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي سابقا مارك ميلي، أنّ بلاده قتلت الكثير من المدنيين الأبرياء في الحروب التي شاركت بها.

وقال ميلي – على هامش مشاركته في معرض للذكاء الاصطناعي في واشنطن – “قبل أن نتبرأ جميعا بشأن ما تفعله “إسرائيل”، وأنا أشعر بالفزع تجاه موت الأبرياء في غزة، لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أننا نحن الولايات المتحدة قتلنا الكثير من الأبرياء في الموصل (العراق)، وفي الرقة (سوريا)”.

وأضاف المسؤول العسكري السابق: “قتلت الولايات المتحدة 12 ألف مدني فرنسي بريء، وها نحن في الذكرى الثمانين لنورماندي، لقد دمّرنا 69 مدينة يابانية، بخلاف هيروشيما وناغازاكي”.

وتابع ميلي: “لقد ذبحنا الناس بأعداد هائلة، أناس أبرياء لا علاقة لهم بحكومتهم، رجال ونساء وأطفال”. واستطرد: “الحرب شيء فظيع. لكن إذا كان لها معنى، إذا كانت لها أي حس أخلاقي، فلا بد أن يكون هناك هدف سياسي، ويجب تحقيقه بسرعة وبأقل تكلفة”.

من جانبه وزعم السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام – في مقابلة مع قناة “إن بي سي نيوز” الأمريكية مساء يوم الأحد – أنه يحق لـ”إسرائيل” ضرب غزة بقنبلة نووية، كما فعلت بلاده بمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين لإنهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

وقال غراهام “هذا هو القرار الصحيح (ضربة نووية)، أعطوا “إسرائيل” القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب، فهي لا تستطيع تحمّل الخسارة، واعملوا معها على تقليل الخسائر البشرية”، وفق زعمه.

وفي حديثه إلى كريستين ويلكر، قال الجمهوري غراهام إنّ “إسرائيل” سيكون لها ما يبرّر تسوية قطاع غزة بالأرض باستخدام سلاح نووي، وذلك ببساطة لأنّ الولايات المتحدة فعلت ذلك في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينيات ضد اليابان التي شنت أوّلاً الحرب على الولايات المتحدة في بداية الحرب بهجومها على ميناء بيرل هاربور الأمريكي.

وبدأ غراهام كلامه قائلاً: “لذلك عندما واجهنا الدمار كأمة بعد (هجوم اليابان على) بيرل هاربور، ومحاربة الألمان واليابانيين، قررنا إنهاء الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة النووية”، وفق ما نقله موقع «دايلي بيست» الأمريكي.

ووصف السيناتور قصف هيروشيما وناغازاكي بأنه “القرار الصحيح” من قبل الولايات المتحدة. وأضاف “أعطوا “إسرائيل” القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب التي لا تستطيع تحمّل خسارتها، واعملوا معها لتقليل الخسائر البشرية”.

من جهتها، أدانت حركة «حماس» كلام غراهام، قائلة إنّ التصريحات الصادمة التي أدلى بها السيناتور الأمريكي، “تدلل على عمق السقوط الأخلاقي الذي وصل إليه”، وأضافت في بيان لها: “إن عقلية الإبادة والاستعمار التي تسكنه، مع قطاعات من النخبة السياسية في الولايات المتحدة، والمتماهية مع جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، ينفّذها جيش الاحتلال المتجرّد من الأخلاق ضد مدنيين عُزَّل”.

ونقلت شبكة «إن بي سي» عن غراهام قوله إنّ “إسرائيل” من حقها أن تدافع عن نفسها، وإن عليها أن تفعل كل ما عليها للبقاء على قيد الحياة كـ(دولة) يهودية. وطالب إدارة البيت الأبيض بإلقاء قنبلتين نوويتين على إيران وغزة وقتل أولئك الذين يريدون قتل اليهود قبل أن يفعلوا ذلك، على حد تعبيره.

وسبق للنائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي تيم والبيرغ، أن اقترح إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة، مبديا معارضة حول إيصال المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، بحسب فيديو نشرته شبكة (CNN) الأمريكية.

وتعليقاً على خطة أمريكية لبناء رصيف عائم قبالة سواحل غزة يقال إن الهدف منه تقديم توصيل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة التي مزقتها الحرب، قال النائب الأمريكي عن ولاية ميشيغان: “يجب أن تكون مثل ناغازاكي وهيروشيما. انتهوا من الأمر بسرعة”، كما سمع وهو يتحدث علناً ضد المساعدات الإنسانية للقطاع.

يكشف التاريخ الدموي أنّ الولايات المتحدة سعت دائما إلى تحقيق أهدافها في مجال العلاقات الدولية، ولو بارتكاب أبشع الجرائم، فرغم أن سياستها تضج بالشعارات الإنسانية والديمقراطية، إلا أنها سجلت أبشع الجرائم على مر العصور، تحت ستار الدفاع عن القيم الإنسانية السامية.

وقد بدأ تاريخ الدم، عندما أبحر المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس – عام 1492 – من ميناء إسباني متجها إلى الهند، ولكنه ضلّ طريقه ووصل إلى أمريكا الوسطى، وهناك تعرف على شعب بدا له أن لونه يميل إلى الحمرة فأطلق عليه “الهنود الحمر” .

وتقول وثائق تاريخية إن كولومبوس كتب رسائل تحث الأوروبيين على احتلال هذه الأرض، وجاء في إحدى هذه الرسائل “هؤلاء السكان يجب أن يكونوا خداما جيدين وأتباعا مخلصين للكنيسة”. ولاحقا تتالت الرحلات الأوروبية الاستكشافية لأراضي أمريكا الشمالية والجنوبية.

أما الكتب الإنكليزية التي صدرت عن الهنود الحمر في بداية القرن الـ16 فقد وصفتهم بأنهم “وحوش لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم”. وقد لعبت هذه النظرة الاستعلائية والاستعمارية دورا مهما في تبرير إبادة همجية ارتُكبت ضد سكان الأرض التي سميت لاحقا الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع مطلع القرن الـ16 بدأت العديد من الدول الأوروبية – وبالذات إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا وهولندا – استغلال الموارد الطبيعية في أمريكا واستعباد سكانها وتهجيرهم من المناطق المهمة.

وعلى امتداد سنوات، تقاسمت الدول الأوروبية النفوذ والموارد في هذه الأرض. وفي فترات لاحقة اشتد التنافس بين فرنسا وبريطانيا وعملت كل منهما على شراء ولاء السكان الأصليين. وإلى جانب فرنسا وبريطانيا، أقامت السويد والدانمارك وهولندا مستعمرات على هذه الأرض وعلمت على استنزاف ثرواتها الهائلة ومضايقة سكانها الأصليين وتهجيرهم.

وأما أمريكا الجنوبية فكانت من نصيب البرتغال وإسبانيا، وعملت الدولتان على تأسيس مراكز تجارية واستغلال الموارد واستخراج الكنوز وفرض الضرائب على السكان الأصليين، وكان لهاتين الدولتين حضور أيضا في أمريكا الشمالية.

وقاوم السكان الأصليون الاستيطان الأوروبي وخاضوا كفاحا مسلحا ضد الفرنسيين والبريطانيين والإسبان. وتفيد الوثائق التاريخية بأن السكان الأصليين قتلوا من المستعمرين الإنكليز أكثر من 300 جندي في معارك بين الطرفين عام 1946، لكن السكان الأصليين انهزموا في نهاية هذه الجولة من الصراع. ولاحقا انتفض السكان الأصليون من جديد ضد الوافدين الأوروبيين في جولات عديدة في أعوام 1675-1676 و1680-1692 و1689-1763.

وبعد سقوط الاستعمار الإنكليزي وإعلان قيام الولايات المتحدة عام 1776، واصل السكان الأصليون كفاحهم رافضين الخضوع للسلطة التي قامت على أرضهم. ونفذت الحكومات الأمريكية حملات إبادة ضد السكان الأصليين وعملت على تدمير مزارعهم وطمس هوياتهم واقتلاعهم من جذورهم، وتهجيرهم من المناطق الخصبة وتلك التي تتوفر على موارد طبيعية إلى مناطق قاحلة لا تصلح للعيش. وتقول المؤرخة روكسان دنبار أورتيز إن حرب الأمريكيين البيض على السكان الأصليين شملت قتل المدنيين وتدمير الحقول.

وتروي أنّ الإبادة الجماعية للسكان الأصليين بلغت ذروتها في عهد الرئيس أندرو جاكسون الذي قاد الولايات المتحدة في الفترة من 1929 إلى 1839. وفي 28 مايو/أيار 1980 أصدر الكونغرس قانونا عرف باسم قانون “إبعاد الهنود”، وسمح هذا القانون للرئيس بالتفاوض مع الهنود الحمر لإبعادهم إلى أراض فدرالية غرب الميسيسيبي، مقابل التخلي عن أراضيهم الأصلية.

وقد تدفق ملايين المهاجرين الأوروبيين إلى مناطق الهنود الحمر واستولوا على أراضيهم، بدعم من الحكومة الأمريكية. واستمرت ثورات السكان الأصليين حتى 29 ديسمبر عام 1890، حيث ارتكب الجيش الأمريكي مذبحة “الركبة الجريحة” في منطقة “ساوت داكوتا”.

فقد قتل الجيش الأمريكي مئات من المدنيين العزل وبينهم النساء والأطفال، وشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف السكان الأصليين، مما أدى إلى سحق مقاومتهم وتمكين الأمريكيين الجدد من فرض سلطتهم على كل ما يسمى حاليا الولايات المتحدة الأمريكية.

شركاء حرب الإبادة

على بحيرة من الدم تأسّس الكيان الأمريكي الذي ارتكب أبشع الجرائم الكبرى، دون نسيان تلك الجرائم التي تنفذها الدولة الأمريكية ضد مدنيين، وبشكل عمدي فقد قال تقرير نشره موقع إنترسبت الأمريكي إنّ الحروب التي شنتها الولايات المتحدة، أسفرت عن مقتل وإصابة أعداد هائلة من المدنيين الأبرياء، ما يطرح تساؤلات أخلاقية وقانونية عن تلك الهجمات.

وأورد الكاتب نيك تورس عدة أمثلة على ذلك، وتحدث عن حادثة رصد مشاة البحرية الأمريكية – قبل نحو قرن – في طائرة مسلحة (من النماذج القديمة) مجموعة من الرجال المدنيين بنيكاراغوا يقطعون الأعشاب ويقلّمون الأشجار على مسافة بعيدة. ولسبب غير مفهوم، أطلقوا النار دون أن تكلف الولايات المتحدة نفسها عناء إحصاء الجرحى والقتلى.

وقبل عامين فقط، أطلقت القوات الأمريكية صاروخا نحو رجل يقود سيارته عبر العاصمة الأفغانية كابل “ظنا منها أنه إرهابي” مما أدى إلى مقتله مع 9 مدنيين آخرين، بينهم 7 أطفال.

وأكد الكاتب أنّ الجيش الأمريكي أظهر خلال القرن الماضي استهتارا مستمرا بحياة المدنيين، وصوّر الناس العاديين أو أخطأ في تعريفهم على نحو متكرر بأنهم أعداء، كما فشل في التحقيق في الأضرار التي لحقت بالمدنيين، وفشل في منع تكرارها أو محاسبة مرتكبيها.

وتتناقض هذه الممارسات طويلة الأمد بشكل صارخ مع الحملات العامة التي تشنها حكومة الولايات المتحدة لتسويق حروبها على أنها حميدة، وحملاتها الجوية على أنها دقيقة، واهتمامها بالمدنيين باعتباره طاغيا، ووفاة الأبرياء باعتبارها حالات شاذة “مأساوية”.

وأشار الكاتب إلى أن القوات الأمريكية هاجمت 67 مدينة في اليابان في أربعينيات القرن الماضي، وأحرقت 180 ميلا مربعا، وقتلت أكثر من 600 ألف مدني، وتركت 8.5 ملايين بلا مأوى. وقد دفع الموت والدمار الهائلان هنري ستيمسون، وزير الحرب، إلى القلق من أن الولايات المتحدة “ستكتسب سمعة التفوق على هتلر في الفظائع”.

مع ذلك، وقّع ستيمسون على ضربة نووية على مدينة هيروشيما أسفرت عن مقتل 140 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وضربة أخرى على ناغازاكي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 70 ألف شخص.

وخلال الحرب الكورية، أعلن الجنرال دوغلاس ماك آرثر أنه سيتم تدمير كل مدينة وقرية في الشمال. وتفاخر كيرتس ليماي، الجنرال بالقوات الجوية، لاحقا بأن الولايات المتحدة “قتلت أكثر من مليون كوري مدني وهجّرت عدة ملايين آخرين من منازلهم”.

وقبل سنوات من نهاية الحرب، كانت فيتنام الجنوبية مليئة بما يقدر بنحو 21 مليون حفرة، يبلغ قطر بعضها أكثر من 20 قدما. وفي كمبوديا المجاورة، بين عامي 1969 و1973، قتلت الهجمات الأمريكية ما يصل إلى 150 ألف مدني. كما قصفت الولايات المتحدة لاوس الصغيرة بأكثر من مليوني طن من الذخائر، مما يجعلها الدولة الأكثر قصفا في التاريخ، من حيث نصيب الفرد.

وقال الكاتب إنّ المسؤولين الإسرائيليين برّروا مرارا وتكرارا هجماتهم على غزة من خلال الاستشهاد بالأساليب التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد ألمانيا وقوى المحور الأخرى خلال الحرب العالمية الثانية.

وبخصوص الحرب الجوية الأمريكية في الصومال، أوضح أنه بينما يفترض أن يراقب الأمريكيون الأهداف من السماء، يجب التأكد من غياب المدنيين، ووجود هدف مطلوب، وذلك قبل شن الضربة. لكن ذلك لم يكن يتحقق في الغالب.

وأوضح الكاتب أنّ الولايات المتحدة نفّذت، خلال السنوات الـ20 الأولى من الحرب على الإرهاب، أكثر من 91 ألف غارة جوية في 7 مناطق صراع رئيسية هي: أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان والصومال وسوريا واليمن، وقتلت أكثر من 48 ألف مدني، وذلك وفقا لتحليل أجرته أيروير عام 2021، وهي مجموعة مراقبة الغارات الجوية ومقرها المملكة المتحدة.

واستعرض الكاتب دراسة نُشرت عام 2020 لحوادث سقوط ضحايا مدنيين بعد 11 سبتمبر التي وجدت أن معظمها لم يتم التحقيق فيها.، وعندما يخضعون للتدقيق الرسمي، تتم مقابلة الشهود العسكريين بينما يتم تجاهل المدنيين بشكل شبه كامل.

وحسب تصريحات آني شيل، مديرة الدعم في التربية المدنية في الولايات المتحدة، فإنه من غير المقبول أن يستمر الناجون المدنيون وعائلاتهم في الكفاح من أجل الحصول على أي نوع من الاعتراف من الولايات المتحدة، ودعت وزارة الدفاع إجراء التعديلات التي طال انتظارها بشكل عاجل بالتشاور مع الضحايا.

وخلال الحرب الهمجية على غزة، نجحت المقاومة في إظهار الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، بل أجبرت الرئيس الأمريكي على الجهر بانتمائه الصهيوني، فقد قال أكاديمي فرنسي إن جو بايدن، أول رئيس للولايات المتحدة يعلن نفسه صهيونيا، وأنه ما زال مصمما على البقاء مخلصا لالتزام دام أكثر من نصف قرن لصالح “إسرائيل”، وهو الآن رغم كونه “أقوى رجل في العالم” لم يتمكن من منع حرب الإبادة الصهيونية الجارية في رفح.

وتساءل أستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو – في عموده بصحيفة لوموند – عن سبب اختيار الديمقراطيين الأمريكيين لجو بايدن الثمانيني لمواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يصغره بـ4 سنوات، مبرزا أن سن بايدن ليست محل جدل أكثر من زلاته المتكررة والمثيرة للحرج، مثل خلطه بين حيفا ورفح عند حثه على عدم مهاجمة الأخيرة.

واستعرض فيليو سيرة بايدن (المولود عام 1942) الذي أصبح عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ في سن الـ30، ليقوم بأول زيارة إلى الخارج إلى مصر والكيان عام 1973، فلم يستقبل في مصر إلا من قبل مسؤولين من الدرجة الثانية، وبدلا من ذلك كان لقاؤه في الكيان مع رئيسة الحكومة الصهيونية غولدا مائير “أحد أهم اللقاءات” في حياته، حسب رأيه.

وكثيرا ما يروي بايدن كيف كشفت له رئيسة الوزراء عن سلاح “إسرائيل” السري، قائلة “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”، وكانت تكرر في وسائل الإعلام الأمريكية أن “الأمة الفلسطينية” لا وجود لها وكذا “الشعب الفلسطيني”، وكانت تقول أيضا إنها “لا تستطيع أن تسامح الفلسطينيين على إجبارها على قتل أطفالهم”، وهو اقتباس يستخدم على نطاق واسع اليوم في “إسرائيل”، حسب الكاتب.

وعاد السيناتور الشاب بايدن متحمسا للغاية من “إسرائيل” لدرجة أنه أعلن نفسه “صهيونيا”، وظل يكرر ذلك علنا، موضحا في كل مرة أنه “ليس من الضروري أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا”.

ودعم بايدن حكومة مناحيم بيغن في غزوها لبنان عام 1982، رغم سقوط عديد من المدنيين، ووصل به الحماس لدرجة أن بيغن هو الذي اضطر أن يخفف من غلوه، مذكرا بايدن بأن أي طرف محارب مطالب بالحفاظ على النساء والأطفال.

ودافع بايدن بحماس عن المساعدات العسكرية الهائلة للكيان في الكونغرس، قائلا “إنه أفضل استثمار قمنا به على الإطلاق بقيمة 3 مليارات دولار. لو لم تكن هناك “إسرائيل”، لكان على الولايات المتحدة أن تخترع “إسرائيل” لحماية مصالحها في المنطقة”.

وصوت بايدن لصالح قرار الكونغرس بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وهي مبادرة من شأنها أن تنسف عملية السلام الصهيونية الفلسطينية الجارية آنذاك، قام بها اليمين الجمهوري لإحراج كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس وزراء سلطة الكيان إسحاق رابين، الذي اغتيل بعد ذلك على يد متطرف يهودي.

وكرس الرئيس الأمريكي الحالي أغلب طاقته الدبلوماسية في الشرق الأوسط لتحقيق التطبيع بين الكيان ودول عربية، بدلا من إعادة إطلاق عملية سلام صهيونية فلسطينية تستحق هذا الاسم.

وبذلك تنازل بايدن عن دور الولايات المتحدة بوصفها وسيطا تاريخيا، وفقا للكاتب، ولم يغير هجوم السابع من أكتوبر 2023 شيئا في انحيازه، ليؤكد معه عدم قدرة بلاده على وقف المأساة المستمرة، والأسوأ أنه صدق كذبة “الإرهابيين الذين يقطعون رؤوس الأطفال”، قبل أن تنفيها أجهزته.

واعتبر فيليو أن قرار بايدن الأخير بتعليق شحنة عسكرية واحدة إلى “إسرائيل” بعد جسر جوي حقيقي يرقى إلى حد الاعتراف بشكل من أشكال الجريمة المشتركة، إذ إن البيت الأبيض يدعي قدرته على ضبط نطاق وشدة الحرب التي تشنها حليفته في غزة.

هذا هو وجهها الحقيقي..

أنظروا إلى أمريكا حين تنزع مساحيق التجميل!

أبرز الباحث في الشؤون الإستراتيجية، علي الطواب، أنّ كل من يتابع المشهد الأمريكي على مدار سنوات عديدة، يجد أنّ هؤلاء يجدون متعة بالغة في تدمير الأمم وارتكاب المجازر بحق البشر والحجر، وبشكلٍ خاص استهداف الثقافة والإرث العربي، فلا يمكن أن ننسى كعرب تاريخ التاسع من أفريل من عام 2003، وما حلّ بالعاصمة العراقية بغداد، وما اقترفته يد الإجرام الأمريكية هناك تحت غطاء مساعدة الشعوب وحماية الدول، وبدعوة أنّ هناك أصواتاً من الداخل هي من طلبت حمايتهم وغيرها من الحجج والمبررات الواهية التي كانت وراء نهب حضارات سادت ثم بادت.

وفي هذا الصدد، أوضح الطواب في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّه وبمجرد أن تطأ أقدام هؤلاء المجرمين أرض أي بلدٍ من بلدان العالم نجد أنّ ألوان التدمير والقتل والهدم قد عمت أرجاء المكان، في صورةٍ تترجم لك أنّ كل ما تدعيه أمريكا حول حماية الإرث الثقافي والمعرفي للأمم مجرد ادعاءات كاذبة لا تمت للواقع بصلة، فلا همّ لهؤلاء غير الهدم والنهب وإحلال الفوضى في كل مكان يمرون به.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّه ومن زاوية تاريخية محظ، يُمكن أن نرى وبشكلٍ جليّ أن عمر الولايات المتحدة الأمريكية لا يساوي شيئاً لو قمنا بمقارنته مع حضارة وثقافة بلد عربي ما على غرار العراق، اليمن، الجزائر أو مصر، فبعض الأشجار المتوارثة في بلادنا العربية قد يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر ولا تزالُ تعيش إلى حدّ هذه اللحظة، فوطننا العربي يتنفس آثارا وحضارة وإنسانية لا تجدها في أيّ بلدٍ أو موطنٍ آخر.

على صعيدٍ متصل، أفاد الباحث في الشؤون الإستراتيجية، بأنّ أمريكا أشبه بالجماعة الهمجية التي تقوم على القتل والذبح والهدم، والأدهى والأمر في هذا كله، أنّ هؤلاء يتحدثون عمّا يرتكبونه من جرائم ومجازر يُندى له جبين الإنسانية، بكل صحانية وجه، ويُمعنون في الإعلان عن ذلك من خلال أرقام رسمية يوضحون فيها عدد المدن التي استهدفوها ودمروها، وكل هذا جاء على ألسنتهم فنحن لا ندعي عليهم زورا أو بهتانا، مشيرا في السياق ذاته إلى ما جاء على لسان رئيس الأركان الأمريكي السابق مارك ميلي، الذي قال – بصريح العبارة – “قتلنا في الموصل بالعراق، وفي الرقة بسوريا.. دمرنا 69 مدينة يابانية.. ذبحنا الناس بأعداد هائلة، أناس أبرياء لا علاقة لهم بحكومتهم، رجالا ونساء وأطفالا..”.

وأردف محدثُ “الأيام نيوز” قائلا: “على العالم اليوم ألا ينسى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من دمرت مدينتين كاملتين في اليابان باستخدام قنابل ذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، ودمرت عقوداً وأجيالاً متتالية، في صورة ترجمت مدى ظلم وجبروت أمريكا التي تستمر اليوم في مدّ الكيان الصهيوني بمختلف الأسلحة والذخائر لارتكاب المزيد من المجازر بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة”.

إلى جانب ذلك، أشار المتحدث إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، ترى في “إسرائيل” إحدى ولاياتها التي لا بدّ أن تحافظ عليها من خلال منحها الدعم الكامل سواء كان ذلك من خلال تقديم الأسلحة أو من خلال منحها الغطاء السياسي لمواصلة حرب الإبادة الجماعية التي يتمادى الاحتلال الصهيوني في ارتكابها بحق الأبرياء والعزل في القطاع جهارا نهارا وأمام العالم بأسره.

في سياق ذي صلة، أوضح الخبير في السياسة، أنّ الحرب بمفهومها العام هي توجيه ضربات قاتلة في مناطق مؤثرة والاكتفاء بهذا، إلا أن ما يقوم به الاحتلال الصهيوني وبدعم منقطع النظير من حليفه التقليدي أمريكا، فاق كل التوقعات، فهؤلاء يتعمدون استهداف كل ما ينبض بالحياة في قطاع غزّة وارتكاب حرب إبادة جماعية وجرائم حرب مكتملة الأركان بحق البشر والشجر في قطاع غزّة.

هذا، وتحدث الطواب، عن همجية الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الحركات الطلابية المناهضة للعدوان الصهيوني المتواصل ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، فخلال السنوات القليلة الماضية، كُنا نسمع في كلّ مرة عن هذا الكم الهائل من البيانات الصادرة عن الخارجية الأمريكية التي تطالب هذه الدولة أو تلك بضمان حق المواطنين في التظاهر، وعلى النقيض تماماً نراها اليوم تمنع هذا الحق عن طلابها وبطريقة تعسفية بعيدة كل البعد عن المبادئ والقيم التي لطالما تغنت بها أمريكا، وصدعت بها رؤوسنا، ليتضح أنها مجردّ شعارات رنانة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر ولا أقل.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الباحث في الشؤون الإستراتيجية، علي الطواب، أنّ الإجرام هو ثقافة متجذرة لدى الاحتلال الصهيوني، ولدى العصابات الأمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” تحكمها بعض الأطراف التي تنتمي إلى عصابات صهيونية دموية قذرة، فالإجرام وحرب الإبادة الجماعية ستبقى شاهد عيان على ما تقوم به تل أبيب اليوم وعلى ما قامت به واشنطن من قبل سواء في القرون السابقة في اليابان أو حاليا من خلال قمع الحركات الطلابية عبر مختلف الجامعات الأمريكية، فالإجرام ثقافة دولة لدى الاحتلال الصهيوني وعصابة واشنطن على حدّ سواء.

بسبب هزيمتها في غزة..

واشنطن تجهر بسقوطها الأخلاقي والإنساني

أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ سلطة الاحتلال الصهيوني وبتماديها في ارتكاب مجازر مروعة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، أغرقت نفسها في وحل قطاع غزة، وأغرقت معها الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت تغيّر لهجتها بشأن الأحداث الجارية، بعد أن عجز نتنياهو ومن معه، في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة، بما فيها فشلهم الذريع في القضاء على حماس، وتحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.

وفي هذا الصدد، أفاد الحمامي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية سقطت أخلاقيا وإنسانيا وانكشف زيف ادعاءاتها بأنها الحامية لحقوق الإنسان، والمدافعة عن قيم العدالة والديمقراطية في العالم، بعد أن استخدمت أساليب القمع والعنف في تعاملها مع الحركات الطلابية فقط لأنها دافعت عن الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع أنواع الإجرام والإرهاب، فأمريكا لا تريد لأي طرف أيا كان أن يتدخّل من أجل رفع الغبن المفروض على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

في سياق ذي صلة، أشار ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، إلى أنّ هناك تحرّكات في الحزب الديمقراطي الأمريكي وفي الكونغرس وفي كل المجتمع الأمريكي رفضا لسياسة بايدن وبلينكن ووزير الدفاع المنحاز كل الانحياز إلى سلطة الاحتلال الصهيوني، خاصةً وأنّ “إسرائيل” لم تتمكن لا هي ولا الولايات المتحدة الأمريكية من تطويع وتركيع الشعب الفلسطيني الذي سطّر لنا أروع مشاهد الصمود والثبات بالرغم من سياسة الإجرام التي تنتهجها “إسرائيل” ومن ورائها أمريكا بحق الأبرياء والعزل في القطاع.

إلى جانب ذلك، قال الأستاذ الحمامي: “إننا كفلسطينيين ملزمون اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن نعجّل بتشكيل قيادة وطنية موحّدة، وأن ينضم الجميع داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي أبدت حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي موافقتها على دخولها، فالكرة الآن بأيدينا، والوحدة الوطنية وخيار المقاومة الفلسطينية هو ردّنا كذلك على بعض المسؤولين الفلسطينيين للأسف الشديد الذين يخرجون بأصوات نشاز، معتبرين المقاومة الفلسطينية إرهابًا، ويتسلّقون مع المشاريع الأمريكية والصهيونية، ونحن نقول أننا في المقاومة الفلسطينية لن نقبل بأن تُفرض علينا أي سيناريوهات أمريكية كانت أو غير ذلك”.

ختاما، أوضح ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، إن كانت تريد أن تعيد صورتها وألا تكون شرطي على العالم، عليها أن تدعو إلى وقف فوري لهذا العدوان النازي على الشعب الفلسطيني، وأن يتمّ عقد مؤتمر دولي للسلام، لأنه وعلى مدار ثلاثين عاما من الرعاية الأمريكية لمفاوضات السلام، تمّ منح كل الوقت لسلطة الاحتلال من أجل قضم الضفة والسيطرة على 70 بالمائة من مساحة الضفة الفلسطينية واستباحة باقي المدن، ونتنياهو اليوم لا يعترف باتفاقية أوسلو ولا بغير أوسلو ويتبجح الآن، ويريد أن يطيل في أمد الحرب من أجل مصالحه الشخصية، إلا أنّ صمود الشعب الفلسطيني ووقوف أحرار العالم معه سيدحر هذا الاحتلال ولا يوجد أمام أمريكا من خيار من أجل تبييض صورتها أمام العالم، إلا الضغط على سلطة الاحتلال، فبالجوهر “أمريكا” هي من تمارس الاعتداء على الشعب الفلسطيني، ولغة التغيير التي تظهرها الولايات المتحدة في الوقت الراهن، لن تنطلي على الشعب الفلسطيني الذي يؤمن فقط بلغة الفعل.

إنها شريعة الغاب..

حين يُختزل العالم في أقليّة غالبة

بقلم: عكنوش نور الصباح – خبير إستراتيجي جزائري

ما يحدث داخل المؤسّسة الفكرية الغربية خطير، يعبّر عن وحدة يهودية مسيحية (بروتستانتية) على المستوى العقائدي والمعياري تختزل العالم في فسطاط الإنسان وهو الكيان وأمريكا والغرب وفسطاط الوحش وهي الآخر المسلم أو اللّاغربي بصفة عامّة، وعلى هذا الأساس يتمّ توزيع القيم في إطار أخلاقي وإيديولوجي اختزالي للحياة والوجود بين أقليّة مستنيرة وأغلبية مستضعفة بما يبرّر الإبادة والجينوسايد وجرائم الحرب وكأنّها رسائل من المركز إلى الأطراف يرسلها الإكليروس إلى الخدام للتخلّص منهم أو استعبادهم بالمطلق.

على هذا الأساس تفكّر نخب الغرب المتصهين بمنهج تبريري يذهب ضحيّته الأطفال والنّساء والشّيوخ والأبرياء في الحضارات الأخرى قربانًا لشهوة السّيد فوق كرسي الشّيطان ولو تطلّب الأمر قنبلة نووية لفرز الأجناس وإعادة خلق البشر وبناء إمبراطورية الخلاص التي تكون خلاصة سرديات عقل عنصري واستئصالي يقرأ المستقبل بشكل جزئي يعطيه الحق في قتل النّاس بأيّ طريقة كانت لكي يسود منطقه.

تأصيل هذه المدرسة يوصلنا إلى كيف يفكّر هؤلاء بعد أن يبيعوا أرواحهم وأفكارهم للظّلام مقابل المال والسّلطة دون أدنى قيمة للبشرية التي أصبحت رهينة لهم وما يحدث في غزّة يكشف حقيقة الصّراع الحالي بين مجتمع نخبوي أمريكو-صهيوني فاسد أخلاقيًا وفكريًا وإعلاميًا وسياسيًا يحلم بهيروشيما ثانية إرضاء لغريزته التّدميرية وجنوب عالمي جديد يقدّم أوراق اعتماده للعالم لإنقاذه من الكارثة ونتيجة حرب غزّة ستحدّد مصير المعادلة الجديدة على مدى القرن الرّاهن.

لولا أنّ المقاومة تصدّت لهم..

سحرة البيت الأبيض وكهنة “تل أبيب” يضلّلون العالم

بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني

نحن واقعون، شئنا أم أبينا، وسط مجموعة من الكذّابين والمهرّجين وقتلة الأطفال الذين يكذبون حتّى وهم نيام، يبيعون للنّاس الوهم وهم يتنكّرون بملابس المهرّجين.

جوقة الكذّابين التي ترابط منذ سبعة أشهر في “تل أبيب” وواشنطن من أجل إكمال مؤامرة الإبادة والتّشريد ضدّ الشّعب الفلسطيني في غزّة، وتنفيذ مشاريعهم الاستعمارية الجشعة في غزّة وبحرها.

آخر أكاذيب هذه الجوقة الجبانة، حملة وفخ التّضليل الذي تمارسه آلة الدّعاية الإسرائيلية والأمريكية فيما يخصّ حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزّة، التي بدأت فصلًا جديدًا في محافظة رفح مع دخولها شهرها الثّامن.

الحديث المتداول حول محدودية العملية العسكرية في مناطق شرق رفح، ما هي إلّا أكاذيب يناقضها الوقائع والحقائق على الأرض وسط قصف جوّي وبرّى وبحري طال كافّة المناطق في محافظة رفح.

وتعرّضت رفح منذ بداية هذه الحرب الوحشية، للقتل والتّدمير الممنهج أسوة بباقي مناطق القطاع، وسجّلت عشرات الآلاف من الشّهداء والإصابات، إضافة إلى تدمير آلاف البيوت والوحدات السّكنية كليًّا أو جزئيًا.

ومنذ إعلان جيش الاحتلال اجتياح شرق رفح، ارتقى قرابة 100 شهيد وأصيب المئات، فضلًا عن تدمير عشرات البيوت، فيما طال القصف المدفعي بشكل عشوائي، مدارس ومساجد، وأبراج سكنية وسط وغرب المحافظة في الوقت الذي يدّعي العدو أنّ عملياته تتركّز في شرقها. وتسبّبت عمليات القصف المتواصل على مدار السّاعة، بنزوح الآلاف من الأسر الفلسطينية إلى وسط وغرب المحافظة، التي يسكنها قرابة مليون ونصف المليون فلسطيني.

كلّ ذلك يتمّ على مرأى من العالم، وعلى تماس مباشر مع النّظام الرّسمي العربي الذي يبدو وكأنّه يتوافق مع هذه الحرب في السّر، فالعالم يرى سيطرة العدو على معبر رفح وإغلاقه وتوقّف المساعدات وإمدادات الوقود، وإغلاق باقي المعابر بهدف تجويع المدنيين الفلسطينيين وإلحاق أكبر ضرر وخسائر بهم.

ومنذ سبعة أشهر والاحتلال يستخدم سلاح التّجويع والقتل البطيء ضدّ الفلسطينيين ضمن سياسة العقاب الجماعي لإجبار السكّان على الخضوع والنّزوح، وتبدو تصريحات الإدارة الأمريكية مخادعة ومضلّلة. لكنّ الشّيء المؤكّد هو أنّ تصريحات هذه الإدارة تؤكّد أنّها متورّطة بشكلٍ مباشر في الحرب على غزّة وفي إدارة العمليات الميدانية مع الكيان، فالكل يعرف تمامًا أنّها تستطيع إنهاء الحرب بإشارة من أصبعها وبدقائق معدودة.

أمّا الانتقادات الأمريكية الأخيرة للكيان الصّهيوني، وقرارها بتعليق إرسال شحنة قنابل هي مجرّد إجراءات شكلية لن توقف العدوان أو حرب الإبادة المستمرّة، كما أنّها مجرّد رسائل تخذير للرّأي العام الأمريكي الغاضب على سياسة الإدارة الأمريكية ودعمها اللّامحدود للكيان. وتبدو هذه الانتقادات ضمن تبادل الأدوار ولعبة الخدع والتّضليل التي يمارسها المهرّجون والسّحرة في “تل أبيب” والبيت الأبيض.  

“مقاولو الكوارث”..

شركاء أمريكا الإستراتيجيون يستثمرون في مآسي الشعوب

بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني

خلقت السّياسات الرّأسمالية للدّول الكبرى ماّسي وكوارث لشعوب كثير من الدّول سواء تحت مسمّى “تحقيق التّنمية والدّيموقراطية وحقوق الإنسان أو الأعمال الإغاثية”، إذ أنّ النّتائج دائمًا ما كانت سلبية وبعيدة عن المخطّط له، فضلًا عن أنّها حاولت إطالة أمد هذه الكوارث ليصبح الأمر أشبه ما يكون بتجارة كبرى تدرّ المليارات على الشّركات والمقاولين.

هذه خلاصة ما توصّل إليه الصّحفي الاسترالي انتوني لوبنشتاين في بحثه الاستقصائي الذي زار فيه ثماني دول من ضمنها أفغانستان وهاياتي واليونان، مسجّلاً ذلك في كتاب من 400 صفحة تحت عنوان “رأسمالة الكوارث”.

اللّجوء إلى مقاولين وشركات خاصّة لإدارة الأمن والأعمال الإغاثية والإشراف على الموانئ أمر ليس بالجديد، فالولايات المتّحدة استعانت بهذه الشّركات في أفغانستان والعراق وهايتي وغيرها من الدّول، إلّا أنّ هذه الشّركات التي تحظى بحصانة أمريكية تستعين بمقاولين محلّيين بالباطن؛ فتنشأ المعسكرات للتّدريب، وتستجلب المزيد من المرتزقة، وتنشئ شبكة فساد، وتصنع أمراء حرب لخفض الكلف والخسائر ورفع قيمة الأرباح.

اللّجوء إلى المقاولين هو الخيار الوحيد المتبقّي للولايات المتّحدة الأمريكية لإدارة المعابر والرّصيف البحري قبالة مدينة غزّة، بحجّة الإغاثة لفرض الحوكمة “الإسرائيلية”-الأمريكية في قطاع غزّة، ولتجنّب تورّط القوّات الأمريكية التي يقودها الجنرال مايكل كوريلا تحت مسمّى القيادة المركزية في العمليات العسكرية والتّعقيدات السّياسية.

فالولايات المتّحدة وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الاحتلال “الإسرائيلي” في إشراك سلطة رام الله أو إشراك الدّول العربية التي رفضت المقترح “الإسرائيلي” والأمريكي بإدارة المعابر وشؤون القطاع المدنية؛ فالدّول العربية أكّدت رفضها المشاركة في مشاريع نتنياهو.

لا يكاد يمضي يوم واحد على العدوان “الإسرائيلي” دون أن يسجّل فيه خسارة دبلوماسية أو سياسية أو ميدانية للكيان المحتل، ممتزجة بخسارة أخلاقية، تعكس عنف وإجرام الكيان في القطاع والضفّة الغربية وجنوب لبنان.

لذلك لا يتوقّع أن ينجح شركاء أميركا الإستراتيجيون (المقاولون) وشركاؤهم في الباطن من تحقيق ما عجزت عنه الماكينة العسكرية للولايات المتّحدة والكيان “الإسرائيلي” طوال الأشهر الثّمانية الماضية، خصوصًا في ظلّ الرّفض العربي والوعي الفلسطيني، فما سيضيفه هؤلاء المرتزقة لن يختلف عمّا أضافوه في مناطق أخرى من العالم بحسب لوبنشتاين مؤلّف كتاب “رأسمالية الكوارث”، وهو إطالة أمد الصّراع وتحويله إلى نزيف سياسي وأخلاقي واستراتيجي للولايات المتّحدة وحليفتها “إسرائيل” في المنطقة في أحسن الأحوال.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
إعادة تركيب الصورة المحطمة.. ديبلوماسية ماكرون في مرآة فرنسا الاستعمارية "إسرائيل" العالقة في مستنقع الموت تسأل: هل حرب غزة بلا نهاية؟ سموتريتش على اليمين وديرمر على اليسار.. نتنياهو يحاصر العالم بالشياطين قطع غيار إلى تونس ومعدات كهربائية إلى العراق.. سونلغاز تطلق حملة تصدير طموحة أحد أقطاب الأمن لدى الكيان يجيب.. هل الصهاينة من صنف البشر؟ انتهاكات المخزن بحق الصحراويين على طاولة مجلس حقوق الإنسان بجنيف سانشيز يهنئ الرئيس تبون ويؤكد: الجزائر ستجد دوماً في إسبانيا شريكاً وصديقاً موثوقاً قوجيل: الجزائر الجديدة نجحت في تعزيز الديمقراطية والشعب اختار رئيسه بحرية وسيادة عشية المولد النبوي.. حجز أزيد من 190 ألف وحدة من المفرقعات والألعاب النارية بالعاصمة رئيس تشاد يهنئ تبون بمناسبة انتخابه لولاية رئاسية جديدة رسميا.. شريف الوزاني يغادر نادي شبيبة الساورة التمدد الصهيوني الاستطاني يهدّد مواقع التراث الفلسطينية رسميا.. عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر لعهدة ثانية بنسبة 84.30 بالمائة للمرة الأولى.. حزب الله يقصف الجليل برشقة صاروخية كبيرة ويدمر ميركافا صهيونية مجمع “سونلغاز” يصدر توربينات لتوليد الطاقة الكهربائية نحو العراق رحلت في عيد ميلادها.. بطلة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" ناهد رشدي في ذمة الله عمرة 2024.. الجوية الجزائرية تطلق خدمة جديدة تونس.. انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسيات رئاسيات 2024.. الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات اليوم أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية.. وبرنت يسجل 71,61 دولار للبرميل