بعد صدور أوامرها ضدّ الكيان الصهيوني في جانفي الماضي، عادت المحكمة الدولية يوم الخميس 28 مارس 2024، لترفع صوتها من جديد ضدّ مرتكبي حرب الإبادة الصهيونية حين أصدرت – وبالإجماع – أمرا يقضي باتخاذ كلّ الإجراءات الضرورية والفاعلة لضمان دخول إمدادات الغذاء الأساسية لسكان قطاع غزة دون تأخير. وقبل هذا، كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قرارا يقضي بوقف الحرب في غزة فوراً، لكن الاحتلال الصهيوني – حتى هذه اللحظة – يتجاهل كل هذه القرارات ويمضي في ارتكاب جرائمه اليومية ضدّ المدنيين في غزة، فيما تستمر المعاناة الإنسانية وسط الأهالي المحاصرين ويتنامى خطر “المجاعة الوشيكة”، ما يطرح تساؤلات عديدة أهمها: ماذا على المجتمع الدولي أن يفعل للجم هذا الكيان الخارج عن السيطرة؟
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – منير بن دادي – سهام سوماتي ===
كان ولا يزال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتعرّض لسيل جارف من الانتقادات بسبب عجزه عن منع الحروب أو حتى وقفها، وهو ما أثبته تاريخ المجلس الذي فشل غالبا في الارتقاء إلى مستوى الملفات الحارقة، والسبب: حق النقض (الفيتو) للدول الخمسة دائمة العضوية، لكن الحال تغيّر – ولو نسبيا – بفضل إصرار الجزائر على دفع مجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياته إزاء حرب الإبادة الجارية في غزة، ما أسفر عن صدور القرار 2728 الذي صوّت له 14 عضواً من أصل 15، واللافت – هذه المرة – أنّ الولايات المتحدة لم تستخدم حق النقض، بل امتنعت عن التصويت. وهذا أمر أكثر من استثنائي، على اعتبار أنّ واشنطن داومت في الماضي على استخدام حق النقض بشكل منتظم لصالح الاحتلال الصهيوني.
هذا هو الجانب المضيء في الحدث، لكن الجانب المظلم يتمثل في أنّ الاحتلال كثّف من غاراته الجوية – منذ لحظة صدور القرار – إذ استهدف الطيران الحربي الصهيوني منازل على ساكنيها في مخيم رفح وكلهم من النازحين الذين هربوا من الموت في شمال القطاع ليلحق بهم في رفح التي ظنّ الناس أنها أكثر أمنا. وكل هذا يشير إلى أنّ سلطة الكيان الصهيوني ترفض الامتثال لقرار المجلس، ما يجعلها في نظر المجتمع الدولي خارج السيطرة، فقد بلغت المرحلة القصوى من النازية، وآن للمجتمع الدولي أن يتحرّك بشدّة ضدّها حتى لا تثبت عليه تهمة “التراخي” لمنح الاحتلال الصهيوني “المزيد من الوقت للاستمرار في استكمال حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني وإطالة أمدها وتعميق نتائجها الكارثية”.
وفي هذا السياق، أشارت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، يوم الأربعاء 27 مارس، إلى أنّ الكيان الصهيوني ما زال يراهن على “التراخي الدولي”، رغم تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بوقف فوري لإطلاق النار بقطاع غزة الذي يشهد عدوانا وحشيا منذ أكتوبر الفارط، وأوضحت الخارجية، في بيان لها، أن الكيان الصهيوني “يعمل على إشعال الحرائق في ساحة الصراع والمنطقة والعلاقات الدولية وضرب أمنها واستقرارها جميعا، لكسب المزيد من الوقت للاستمرار في استكمال حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وإطالة أمدها وتعميق نتائجها الكارثية”، وحذّرت الخارجية الفلسطينية من أنّ هذا الوضع سيؤدي إلى تكريس “منطق القوة الغاشمة والمهيمنة ودوامات الحروب والصراع، خاصة أنّ الاحتلال الصهيوني يتغذى على تلك الدوامات ويجدها ترجمة لأيديولوجيته الظلامية”.
ولفتت الوزارة إلى أنّ هناك “إمعانا صهيونيا رسميا في رفض أية خطط أو رؤى سياسية لحل الأزمة، ورفض ما يصدر عن المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية من قرارات وأوامر ورفض الحديث عن اليوم التالي للحرب وإمعانا في رفض القبول بالدولة الفلسطينية المستقلة كمدخل لحل الصراع وتحقيق أمن المنطقة والعالم واستقرارهما”. وأردفت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أنّ الاحتلال “يحاول الاختفاء بمصالحه خلف ردود فعله المتشنجة على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، من أجل تحقيق مصالحه وتدمير كامل قطاع غزة وتفريغه من سكانه”.
ورغم أنّ الكيان الصهيونية يشهد أسوأ مرحلة في تاريخه، إلا أنّ فشل المجتمع الدولي في إجباره على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل بـ”لاهاي” يشير إلى أنّ معركة “طوفان الأقصى” يجب أن تمتد لتصبح بمثابة ثورة عالمية ضدّ سرطان المؤسسة الصهيونية المتفشي عبر أنحاء العالم.
في غضون أسبوع واحد فقط، شهدنا صدور قرارين بارزين من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، الأول يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة والثاني يأمر بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ورغم ذلك، يستمر الكيان الصهيوني في تجاهل هذه القرارات ومواصلة حرب الإبادة الجماعية، ما اعتبره محللون استهانة بالقيم والقوانين الأممية، فالضغوط الدولية لم تعد كافية لفرض الالتزام على الكيان المحتل.
وقال أستاذ القانون العام في الجامعة العربية الأمريكية أحمد الأشقر، إنّ قرارات مجلس الأمن بصفة عامة قرارات ملزمة، لكن هذا القرار لا يتمتع بأي صيغة تنفيذية، لأنه صدر بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ولم يصدر بناء على الفصل السابع، ولم تتم الإشارة فيه إلى مسألة تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وأوضح الأشقر في تصريح له، أنّ القرار لم ينص على أمر إلزامي، بل ذهب إلى الحض على وقف إطلاق النار في فترة زمنية مرهونة برمضان، غير أنه أكد أن أهمية القرار تكمن في كونه يضع سلطة الكيان في “موقف محرج، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات عليها من قِبل بعض الدول إذا لم تلتزم به، لكن ليست عقوبات من قِبل مجلس الأمن أو تدابير عسكرية”.
ورجح الخبير القانوني أن يكون القرار أُدرج ضمن الفصل السادس “بناء على طلب أمريكي حتى لا يتم التصويت بحق النقض (فيتو)”، ومع ذلك فإنّ القرار “مهم” ويؤسّس لوقف إطلاق النار، وكان يمكن أن يكون له صيغة تنفيذية إذا صدر بناء على الفصل السابع، الذي يؤدي إلى استخدام القوة في مواجهة الكيان الذي لا يلتزم بمقتضيات القرار، وفق قوله.
ومن جهته، قال ستيفان تالمون، أستاذ القانون الدولي بجامعة بون الألمانية، إنّ محكمة العدل الدولية يمكن أن تتخذ قرارا بتقييد مبيعات السلاح الألماني إلى الكيان الصهيوني في إطار دعوى رفعتها نيكاراغوا ضد برلين أمام المحكمة، في حين تلفت ألمانيا الانتباه باعتبارها الدولة التي تقدم أكبر دعم بالأسلحة في أوروبا للكيان، الذي تُحاكم أمام محكمة العدل الدولية بتهمة “ارتكاب إبادة جماعية” في غزة، رغم الضغوط المتزايدة من جانب منظمات حقوق الإنسان.
وبحسب تقرير وزارة الاقتصاد وحماية المناخ الألمانية، فإنّ مبيعات البلاد من الأسلحة والمعدات العسكرية لفائدة الكيان العام الماضي زادت 10 مرات مقارنة بعام 2022، لتصل إلى 326.5 مليون يورو.
ورفعت نيكاراغوا دعوى قضائية ضد ألمانيا في محكمة العدل الدولية بدعوى أنها “سهلت ارتكاب الإبادة الجماعية” من خلال دعم الحرب المدمرة الصهيونية على الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن المقرر أن تعقد جلسة الاستماع الأولية للدعوى يومي 8 و9 أفريل المقبل؛ إذ تطالب نيكاراغوا محكمة العدل الدولية بأن تأمر ألمانيا بوقف دعمها العسكري للكيان المحتل.
من جانبه، دعا مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، دول العالم إلى زيادة الضغط على الاحتلال الصهيوني، لتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان وصول المساعدات الأساسية إلى سكان قطاع غزة. وحث لازاريني في منشور على منصة “إكس”، يوم السبت، دول العالم على إعادة النظر في قراراتها بشأن تمويل الوكالة، مشددا على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات جريئة لمنع حدوث المجاعة في القطاع.
وطالب، الاحتلال الصهيوني، بالسماح لقوافل الأغذية التابعة للمنظمة بالدخول إلى شمال غزة وفتح معابر برية لتسهيل إيصال المساعدات، وسط تحذيرات دولية من حدوث مجاعة، محذرا في ذات الصدد، من استمرار تدهور الظروف المعيشية لأكثر من مليوني شخص في القطاع، الذي “أصبح مكانا مستحيلا للعيش الكريم”.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الصهيوني شن عدوانه المدمر على قطاع غزة – رغم قرار مجلس الأمن المطالب بوقف فوري لإطلاق النار – حيث خلف أكثر من 32 ألف شهيد وأزيد من 75 ألف مصاب وكارثة إنسانية غير مسبوقة تسببت في نزوح أكثر من 85 بالمائة من سكان القطاع وهو ما يعادل 1.9 مليون شخص.
نكسة الأمم المتحدة..
“إسرائيل” في مواجهة المجتمع الدولي
يعدّ مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تكون قراراتها ملزمة بموجب القانون الدولي. وهذا يعني أنه إذا لم تقم الدول المذكورة في القرارات بالوفاء بالالتزامات المفروضة عليها، فيمكن لمجلس الأمن أن يهدّد بعقوبات أو أن يتخذ إجراءات أخرى.
قالت مجلة التحليل والأخبار “Eurasia review” في تقرير لها إنّ مسار رئيس سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو ينقسم إلى وجهين، الأول يتمثل في محاولة حفاظه على حكومته الهشة، والوجه الثاني استمراره في خوض حرب خسرها بالفعل في محكمة الرأي العام، وعلى الأرض في غزة، إذا قيست بأهدافها.
ووفق المجلة، فقد تعرضت “إسرائيل”، لأهم انتكاسة دولية منذ عام 2016 عندما سمحت الولايات المتحدة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقال المدير العام السابق لوزارة خارجية الاحتلال، ألون ليل، إن “العلاقات الثنائية (مع الولايات المتحدة) تعرضت لضربة خطيرة”، مضيفاً أنّ الأمر نفسه ينطبق على أوروبا حيث صوّت أعضاء مجلس الأمن الأوروبي لصالح وقف إطلاق النار.
ورأت المجلة أنّ فشل “الاحتلال” في هزيمة حماس يتفاقم، مشيرة إلى أنّ فراغ السلطة الناجم عن التكتيكات والسياسات العسكرية الصهيونية يعزز من صمود حماس وقدرتها على العودة إلى المناطق التي تنسحب منها القوات الصهيونية.
واعتبرت المجلة أنّ نكسة الأمم المتحدة وتطور الحرب يتناقضان مع تأكيدات نتنياهو أن “إسرائيل” تحقق أهدافها الحربية، بما في ذلك “تدمير حماس”، والإفراج عن أكثر من 100 من الأسرى، وضمان أن غزة لم تعد بمنزلة نقطة انطلاق للمقاومة الفلسطينية.
وعمّقت أحداث الـ7 من أكتوبر الخلافات بين المسؤولين الصهاينة بشأن المسؤولية عن الإخفاق الكبير، الذي مُنيت به “إسرائيل”. وتتزايد الخلافات في المستويين السياسي والعسكري، مع تصاعد المعارضة وسط المستوطنين، والانتقادات لحكومة نتنياهو بشأن إدارتها للحرب وملف الأسرى.
ومن جانب آخر أظهر تسريب نشرته صحيفة “أوبزرفر” البريطانية أن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك تلقت مشورة من محاميها بأن “إسرائيل” انتهكت القانون الإنساني الدولي في حربها على قطاع غزة.
وأوضحت الصحيفة أن التسريب يتضمن تعليقات أدلت بها رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم أليسيا كيرنز في فعالية لجمع التبرعات لحزب المحافظين في 13 مارس الحالي.
وقالت كيرنز “تلقت وزارة الخارجية مشورة قانونية رسمية مفادها أن “إسرائيل” انتهكت القانون الإنساني الدولي، لكن الحكومة لم تعلن ذلك، ولم توقف صادرات الأسلحة، لقد فرضت بعض العقوبات الصغيرة جدا على المستوطنين الإسرائيليين”.
وأوضحت أنها ووزير الخارجية ديفيد كاميرون “يؤمنان بقوة بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، لكن الحق في الدفاع عن النفس له حدود في القانون، والأمر ليس بلا حدود”، واعتبرت أن تصرفات سلطة الاحتلال تعرّض أمن الكيان وأمن بريطانيا للخطر على المدى الطويل.
وأكدت كيرنز يوم السبت تلك التصريحات، وقالت “ما زلت مقتنعة بأن الحكومة قد أكملت تقييمها بشأن ما إذا كانت “إسرائيل” تظهر التزاما بالقانون الإنساني الدولي، وأنها خلصت إلى أنها لا تظهر ذلك الالتزام”.
وسيضع هذا التقييم وزير الخارجية ورئيس الوزراء تحت ضغوط شديدة، لأن أي نصيحة قانونية من هذا القبيل ستعني أنه يتعين على بريطانيا وقف جميع مبيعات الأسلحة إلى “إسرائيل” بشكل فوري. وقال خبراء قانونيون إن عدم القيام بذلك من شأنه أن يخاطر بجعل بريطانيا في وضع انتهاك للقانون الدولي، وسيُنظر إليها على أنها تساعد وتحرض على جرائم الحرب.
وأوضح المستشار تشارلز فالكونر أن التقييم القانوني بأن “إسرائيل” قد انتهكت القانون الدولي سيمنع أيضا بريطانيا من تبادل المعلومات الاستخبارية مع “إسرائيل”، وقال “لا يمكن للحكومات التي تلتزم بسيادة القانون أن تتجاهل الأدلة المتزايدة على الانتهاك، الأمر الذي من شأنه أن يجعل تلك الحكومات في وضع انتهاك إذا واصلت المساعدة”. وبلغت صادرات بريطانيا من الأسلحة إلى الكيان نحو 53 مليون دولار في عام 2022، وهو رقم وصفه وزير الدفاع غرانت شابس بأنه “صغير نسبيا”.
المقاومة لديها الإجابة النهائية..
هل يسمح الفلسطينيون بدخول قوة دولية أو عربية إلى غزة؟
كان من المفترض أن تدفع الولايات المتحدة ومعها الأوروبيون إلى فرض سلطة قرارات المجتمع الدولي على الكيان المحتل، غير أنّ ما حدث هو عودة سيناريو تآمري يتعلق بخطة أعدّتها واشنطن وتريد من خلالها إقامة “مناطق آمنة” في جنوب غزة، وهو ما اعتبرته فصائل فلسطينية – يوم السبت – مسألة مرفوضة.
جاء ذلك في بيان للجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية التي تضم معظم الفصائل الفلسطينية. ونشرت البيان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبر منصاتها الرقمية، بمناسبة الذكرى الـ48 ليوم الأرض الفلسطيني.
وقالت الفصائل إنّ “حديث قادة الاحتلال حول تشكيل قوة دولية أو عربية لقطاع غزة وهم وسراب، وإن أي قوة تدخل لقطاع غزة مرفوضة وغير مقبولة وهي قوة احتلالية، وسنتعامل معها وفق هذا التوصيف”. وأضافت “نثمن موقف الدول العربية التي رفضت المشاركة والتعاون مع مقترح قادة الاحتلال حول تشكيل القوة”.
وشددت الفصائل على أن إدارة الواقع الفلسطيني “شأن وطني فلسطيني داخلي لن نسمح لأحد بالتدخل فيه، وإن كل محاولات خلق إدارات بديلة تلتف على إرادة الشعب الفلسطيني ستموت قبل ولادتها ولن يكتب لها النجاح”.
تسريبات إسرائيلية
ويوم الجمعة، نقل الإعلام الإسرائيلي أن وزير الدفاع يوآف غالانت أبلغ نتنياهو بحدوث تقدم في محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مقترح لنشر قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة. وذكرت القناة الـ12 العبرية الخاصة أن غالانت أجرى محادثات مع مسؤولين أمريكيين، خلال زيارته إلى واشنطن قبل أيام، بشأن تشكيل قوة متعددة الجنسيات وإدخالها إلى غزة لتكون مسؤولة عن أمن المنطقة وإدخال المساعدات الإنسانية وتنظيم توزيعها.
وادعت القناة أن هذه المحادثات أسفرت عن حدوث تقدم لم توضحه، لافتة إلى أن عناصر تلك القوة ستكون من 3 دول عربية، من دون أن تسميها. وأضافت أنّه من غير المؤكد حتى الآن إذا ما كانت هذه القوة ستضم جنودا أمريكيين.
وفي سياق متصل، جددت الفصائل تأكيد الموقف الوطني الجامع بأنه لا اتفاق ولا صفقة تبادل مع الاحتلال إلا بوقف شامل للعدوان، وعودة النازحين، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإيواء المهدمة بيوتهم وإعادة الإعمار، وكسر الحصار وفتح المعابر وإدخال المساعدات.
مقترح أمريكي مسموم
وفي نوفمبر الفارط نقلت وكالة بلومبيرغ عن مصادر لم تسمها أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يدفعون نحو خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزة بعد الحرب. وفي حين كشف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر عن أن واشنطن تريد إقامة “مناطق آمنة” في جنوب غزة، أعلنت وكالات رئيسية للأمم المتحدة رفض أي مشاركة في مقترحات أحادية الجانب لإقامة ما يوصف بمناطق آمنة في القطاع دون موافقة جميع الأطراف عليها.
وبحسب مصادر بلومبيرغ، فإنّ الإدارة الأمريكية ترى أن بحث نشر قوة حفظ سلام دولية في غزة قد يدفع سلطة الاحتلال للإسراع بإنهاء الحرب. وفي السياق قال مسؤولون لوكالة بلومبيرغ إن (الدول العربية) مترددة بمناقشة خطط مفصلة بشأن غزة وهي متمسكة حاليا بدعوات وقف إطلاق النار. وبحسب المصادر ذاتها فإنه ليس لدى المسؤولين الصهاينة ثقة كبيرة في أي جهة خارجية تدخل غزة.
وفي سياق آخر، قالت حركة حماس – السبت – إنّ موافقة الإدارة الأمريكية على إرسال شحنات أسلحة جديدة إلى الكيان تؤكد شراكة واشنطن الكاملة في حرب الإبادة على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقالت الحركة – في بيان نشرته على منصة تلغرام – “ندين بشدّة عزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إرسال شحنات جديدة من الأسلحة، تتضمّن قذائف وطائرات حربية، إلى الكيان الصهيوني المجرم”.
وكانت صحيفة واشنطن بوست نقلت – يوم الجمعة الماضي – عن مصدرين رسميين في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين موافقة إدارة بايدن على بيع طائرات حربية جديدة وآلاف القنابل غير الموجهة إلى الكيان التي تواصل حربها المدمرة على قطاع غزة. وأوضحت الصحيفة أن الشحنة الجديدة – التي تبلغ 2.5 مليار دولار – تتضمن 25 طائرة حربية من طراز إف-35 الشبحية، ومحركات طائرات.
وقالت حماس إنّ إرسال هذه الشحنة يؤكّد شراكة أمريكا بشكل كامل في حرب الإبادة الوحشية “التي يشنّها الاحتلال الصهيوني النازي ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”. وأضافت حماس – في بيان – أن “إصرار إدارة الرئيس بايدن على موقفها المنحاز والداعم سياسيا وعسكريا بلا حدود للاحتلال وسياساته الفاشية، التي تسعى لإبادة شعبنا وتهجيره عن أرضه يؤكّد كذب المواقف الأمريكية حول الوضع الإنساني في قطاع غزة، والكارثة التي تسببت بها آلة القتل الصهيونية”.
نداء عاجل إلى الأمم المتحدة..
هذا هو المطلوب لـ”لجم الاحتلال”
أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ محكمة العدل الدولية قبل أيام أصدرت أمراً يقضي باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية والفاعلة لضمان دخول إمدادات الغذاء الأساسية لسكان قطاع غزة دون تأخير، وقبل هذا، كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر قرارا يقضي بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزّة، وبالرغم من أنّ قرارات المجلس ملزمة باعتباره أعلى سلطة في الأمم المتحدة، إلا أنّ أمريكا خرجت وقالت إنّ هذا القرار غير ملزم للكيان الصهيوني في رسالة إلى سلطة الاحتلال المجرمة بأن تتمرّد على قرارات الأمم المتحدة وعلى قرار مجلس الأمن تحديداً.
وفي هذا الصدد، أوضح الحمامي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ترى بعين واحدة وهي العين الإسرائيلية، ولا ترى حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني وهي في كل مرة تبرّر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، فمن جهة تتحدث عن المساعدات الإنسانية ومن جهة أخرى تواصل إرسال القنابل والذخائر والأموال إلى سلطة الاحتلال التي تتمادى أكثر في قصف واستهداف الآمنين في بيوتهم في غزة.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ خلاف الإدارة الأمريكية مع حكومة نتنياهو ينحصر فقط حول آلية إدارة المعركة وكيف يمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية، وكيف يمكن فرض قيادة على الشعب الفلسطيني، تستجيب للسياسات العدائية الأمريكية ضدّ الشعوب وضدّ المنطقة وضدّ كل المضطهدين في العالم.
وفي حديثه عمّا ينبغي أن يفعله المجتمع الدولي للجم هذا الاحتلال الخارج عن السيطرة، أفاد الحمامي بأنّ البداية تكون على الصعيد الفلسطيني، فالمطلوب تبني موقف فلسطيني واحد موحّد وأن ترقى القيادة السياسية الفلسطينية إلى مستوى التضحيات الجسام التي يقدّمها الشعب الفلسطيني، معتبراً في السياق ذاته أنّ خطوة تشكيل حكومة فلسطينية تُعدُّ خطأ فادحا وانقلابا واضحا على حوارات موسكو، الأمر الذي من شأنه فتح الأبواب أمام التدخلات الأمريكية وغيرها والعبث بالدم الفلسطيني، وعلى السلطة الفلسطينية وقف كل أشكال العلاقة مع سلطة الاحتلال ووقف التنسيق الأمني معها، وسحب الاعتراف بالاحتلال والإيعاز إلى أجهزة الأمن بالدفاع عن الشعب الفلسطيني، خاصة أنّ الاحتلال والمستوطنين يعتدون بشكل يومي ويقتلون الأبرياء في الضفة الغربية، ويعرقلون حركة المواطنين ويقطعون أوصال الضفة الفلسطينية، فبدون موقف فلسطيني موحّد سيمعن هذا الاحتلال أكثر في ارتكاب المزيد من الاعتداءات والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ليس فقط في غزة وإنما في كل أرجاء فلسطين.
أما عربيا، فأردف محدّث “الأيام نيوز” قائلا: “على العرب أن يخجلوا من أنفسهم، وأن يخرجوا من دائرة بيانات الشجب والتنديد، والمسرحيات التي يقومون بها باتجاه موقف عربي يستخدم أوراق وعناصر القوة لدى أمتنا العربية، بدايةً بطرد السفراء الصهاينة من الدول العربية المطبّعة، وقطع كل أشكال العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل وقف هذا العدوان الجائر على الشعب الفلسطيني، وإن لم تغيّر واشنطن موقفها يتم اتخاذ أيضا إجراءات باتجاه قطع العلاقات مع أمريكا لأنها الداعم الأول لـ “إسرائيل” المارقة التي لا تحترم القانون الدولي وتستمر في إبادة شعب كامل، وهذا باعتراف محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي أكّدت أنّ الشعب الفلسطيني هو عرق محمي بموجب قرارات الأمم المتحدة ويُمنع ممارسة إبادة جماعية بحق هذا العرق وفق ما ينص عليه القانون الدولي والدولي الإنساني”.
إلى جانب ذلك، أفاد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، بأنّ المطلوب من الأشقاء والأصدقاء في العالم الحر الداعم للحق الفلسطيني أن يوقفوا العلاقات التي تربطهم مع الاحتلال وأن يوقفوا إرسال الأسلحة والذخائر كما فعلت العديد من الدول، فاليوم بقيت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من يدافع عن هذا الاحتلال السافر، وفي كل مرة تتحدث عن أمور وفي الواقع تفعل أمورا أخرى بعيدة تماما عما تتحدث عنه، المطلوب أيضا من المنظمات الدولية وكلّ أحرار العالم وكل من يدعم الشعب الفلسطيني أن يتحرك لإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية لسكان القطاع عبر معبر رفح، وفي حال استمر هذا العدوان وتمرّد الاحتلال أكثر فالمطلوب حظر هذا الكيان الجائر بالقوة، وعلى الأمم المتحدة أن تمارس القوة من أجل لجم هذا الاحتلال لأنه لا يوجد أي مبرر لاستمرار هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
في سياق ذي صلة، أبرز الحمامي أنّه بات جليا وواضحا بأنّ نتنياهو وحكومة الاحتلال هم من يقفون وراء عرقلة هذه المفاوضات، حيث قمنا بتقديم كل التسهيلات للوسطاء من أجل التوصل إلى إنجاز صفقة تبادل للأسرى، لكن الأمريكان يتحدثون فقط عن الرهائن وعن قضايا إنسانية ولا يتحدثون عن حقوق سياسية لشعب فلسطيني يرسخ تحت وطأة الاحتلال منذ نحو 76 سنة ويمارس بحقه كل أشكال القتل والتنكيل وحرب الإبادة الجماعية وغيرها من الممارسات التي لا تمت للإنسانية بصلة.
وأضاف قائلا: “نحن لن نتنازل عن حقنا بسحب قوات الغزو الصهيونية من قطاع غزة وعودة النازحين إلى الشمال وإلى بيوتهم التي هدّمت وهجّروا منها قسرا، وفتح كل المعابر وإدخال كل ما يحتاجه الشعب الفلسطيني من مساعدات إنسانية وأيضا إبرام صفقة تبادل أسرى مقابل أسرى، هذا هو ما طرحناه وهذا هو الحد الأدنى الذي يلبي شروط شعبنا الفلسطيني، ونحن مستعدون للقتال أشهر وسنوات أخرى أمام عنجهية هذا الاحتلال الذي وقع في وحل غزة وغرق فيه، وبالتالي على المجتمع الدولي ككل أن يتّخذ مواقف صارمة وحاسمة وأن تمارس كل أشكال القوة بحق هذا الاحتلال المارق والمعتدي على الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين من أجل لجمه ووضعه عند حده”.
هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ المطلوب من كافة الدول الداعمة للشعب الفلسطيني الالتحاق بجنوب إفريقيا لدعم طلبها المقدّم إلى محكمة العدل الدولية، لافتا في السياق ذاته إلى أنّ محكمة العدل الدولية ومن خلال التدابير التي اتخذتها دون إلزام الاحتلال بوقف إطلاق النار، يبقى مجرد كلام وحبر على ورق، كما سبق ذلك أن طالبت باتخاذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية و”إسرائيل” كانت قد قدّمت تقريرا سريا لمحكمة العدل الدولية اطلعت عليه جنوب إفريقيا ولا نعلم ما تضمنه هذا التقرير، إلا أنّ كل الشواهد تثبت أن هذا الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية ومجازر مروعة بحق الفلسطينيين في القطاع، هذه كلها إضافات يمكن أن تضاف إلى سجل وملف الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والمطلوب كذلك ضغط قانوني من خلال محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية والمطلوب أيضا ممارسة القوة ضد هذا الاحتلال السافر.
محكمة العدل الدولية..
القرار الأخير أقوى وأهم
أكّد الخبير في القانون الدولي المحامي أنيس القاسم، أنّ القرار الذي صدر عن محكمة العدل الدولية يوم الخميس الماضي بإجماع قضاة المحكمة والذي طالبوا خلاله “إسرائيل” بأن تتخذ كافة الإجراءات اللازمة والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية إلى السكان الفلسطينيين في قطاع غزة دون تأخير، يُعتبر أقوى من القرار الأول الذي صوّت لصالحه 7 من أصل 15 قاضيا في شهر فيفري الفارط.
وأضاف القاسم أنّ القرار في غاية الأهمية نظرا لإلزام الاحتلال بإدخال المساعدات الغذائية والطبية والماء والكهرباء وكل شيء يخص مناحي الحياة إلى القطاع الذي يعيش ظروفا إنسانية قاهرة، إضافة إلى دعوة الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف أعمال القتل والإبادة الجماعية والتهجير ووقف إطلاق النار، مبيّنا أنه ولأول مرة يكون هناك إجماع من قبل القضاة بهذه الطريقة ما يعني أنّ كافة المدارس القضائية من مختلف القارات ترفض ما يجري في غزة وتعتبرها مجرمة.
وبيّن الخبير في القانون الدولي أنّ القرار اعتبر أنّ الإنزالات الجوية والبحرية غير كافية ويجب فتح المعابر البرية لإدخال المساعدات، بالنظر إلى أنّ الوضع في قطاع غزة مرشّح لأن يزداد سوءا، مطالبة الاحتلال بالالتزام الكامل بهذا القرار.
هذا، وأشار القاسم إلى أنّ آليات تنفيذ القرار تعود إلى الاحتلال وكذا الأطراف الموقّعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية كون تلك الدول يجب أن تلتزم بالقرارات الصادرة عن المحكمة.
وختم الخبير في القانون الدولي المحامي أنيس القاسم، حديثه بالقول: “بإمكان دولة جنوب إفريقيا التي تقدّمت بالدعوى الذهاب إلى مجلس الأمن للمطالبة بتنفيذ القرار إلا أنّ ذلك بطبيعة الحال سيصطدم بالفيتو الأمريكي”.
خريطة الطريق..
نحو تصنيف الكيان الصهيوني كسلطة مارقة
بقلم: عبد الله المجالي – كاتب وإعلامي أردني
هناك خلاف بين فقهاء القانون الدّولي بشأن إلزامية قرار مجلس الأمن الدّاعي إلى وقف إطلاق نار فوري في غزّة من عدمه، حيث صيغ القرار أساسًا حتّى يكون حمّال أوجه وذلك لضمان تمريره، ومع ذلك فإنّ المواقف السّياسية سيكون لها الكلمة الفصل في ذلك.
هناك أطراف ودول ستعتبر القرار ملزمًا، فيما هناك أطراف ودول ستعتبره غير ملزم كما صرّحت بذلك الولايات المتّحدة.
بالنّسبة للدّول العربية وعلى رأسها الأردن من المفروض أن تصدر موقفًا رسميًا واضحًا يعتبر قرار مجلس الأمن 2728 قرارًا ملزمًا، خصوصًا أنّ هناك إشارات كثيرة تدلّ على ذلك، وحتّى أنّ خبراء قانونيون داخل الكيان يقرّون بأنّ القرار ملزم.
على الأردن، المعروف بالتزامه واحترامه للقرارات والمواثيق الدّولية، أن يجادل بقوّة أنّ القرار ملزم وعلى الكيان تحمّل تبعات عدم التزامه بالقرار، وأنّ عدم التزامه بالقرار يحوّله إلى “سلطة مارقة”.
إنّ عدم التزام الكيان بقرار مجلس الأمن وضربه عرض الحائط مناشدات جميع الدّول بإدخال المساعدات وعدم امتثاله لقرارات محكمة العدل الدّولية يجعله رسميًا “كيانًا مارقًا”. وعلى الأطراف والدّول التي تعتبر القرار ملزمًا أن تعامل الكيان معاملة السلطة المارقة، ما يتيح المجال لفرض عقوبات عليه؛ سياسية واقتصادية وحتّى عسكرية.
من العار أن يتمّ التّعامل مع “سلطة مارقة”، ومن العار أكثر أن تسعى دول لا تقيم علاقات معه أصلًا على إقامة علاقات معه. ولا بدّ من حملة شعبية عالمية مؤسّسية للضّغط على الدّول لاعتبار الكيان “سلطة مارقة” ومعاملته على هذا الأساس إذا لم يلتزم بقرار مجلس الأمن وحاول المراوغة بشأنه، وحثّ تلك الدّول على فرض عقوبات على الكيان.
قرار مجلس الأمن حول غزّة بين السّياسة والقانون!
بقلم: وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني
تأخّر صدور قرار مجلس الأمن رقم 2728 عن الدّعوة “لتسوية ما” في قطاع غزّة رغم مرور أزيد من 180 يومًا على حرب تعدّ هي الأعلى في المعدّل اليومي للقتلى من المدنيين بخاصّة الفلسطينيين، ومن المؤكّد أنّ العوامل السّياسية هي التي حالت دون صدور قرار أبكر من هذا.
وفي تقديري، إنّ جميع الأطراف – المحليين والإقليميين والدّوليين – في هذا الصّراع لم يتوقّعوا مسار الصّراع الذي جرى، بخاصّة من الجانب المتعلّق بالأوضاع الإنسانية، وهو ما دفع إلى تغييرات تدريجية في بيانات الأطراف كلّها، فأيّة مقارنة بين بيانات الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصّين في بداية المواجهة مع بياناتهم الحالية تكشف عن بعض التحوّل، ويكفي الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن فشل في كلّ المحاولات السّابقة في التّوصل إلى قرار بسبب الفيتو الأمريكي وفشل مرّة أخرى بسبب الفيتو الصّيني – الرّوسي المشترك.
وتتمثّل أهمّ التحوّلات التي جعلت الولايات المتّحدة تغضّ الطّرف عن الفيتو هذه المرّة هي:
أ- الضّغط الشّعبي في أغلب الدّول الكبرى المعارضة لوقف إطلاق النّار، ويكفي الإشارة إلى أنّ عدد المظاهرات في العالم تجاوزت 12700 مظاهرة كان 23 بالمائة منها في الولايات المتّحدة، ناهيك عن تصدّع واضح في صفوف الحزب الدّيمقراطي (حزب الرّئيس بايدن) من جناحه اليساري ومن فئة الشّباب ومن العرب والمسلمين الأمريكيين بل وبعض اليهود مثل حركة الصّوت اليهودي للسّلام وحركة “إنْ لم يكن الآن”، ناهيك عن ضغوط بعض القيادات الفكرية الأمريكية وبعض الجامعات ذات الوزن الكبير، وهو ما أقلق الرّئيس في سنة انتخابية تشير فيها استطلاعات الرّأي إلى تقدّمه على منافسه ترامب ولكن بنسبة تتراوح بين 1-2 بالمائة، وهو ما يعني أنّ أيّ تحوّل في شرائح صغيرة قد يقلب النّتيجة.
ب- إنّ الفيتو الأمريكي شكّل موضع نقد من الهيئات الدّولية والمفكّرين نظرًا لفداحة التّجاوز على القوانين الإنسانية من قبل القوّات “الإسرائيلية” التي تمارس القتل دون أيّ تمييز، وهو ما أصبح الموضوع الطّاغي في وسائل الإعلام وشهادات المنظّمات الدّولية من منظّمة الصحّة العالمية إلى اليونسيف إلى منظّمة الأغذية والزّراعة.. إلخ، ناهيك عن موقف جريء للأمين العام للأمم المتّحدة غوتيرش في نقده لما يجري في غزّة.
ت- القلق الأوروبي من أنّ فكرة التّهجير من غزّة التي ردّدها وزراء “إسرائيليون” قد تمتدّ إلى أراضيهم، وبخاصّة مع بدء النّزوح من الشّمال والوسط، وفتح منافذ بحرية قد تتحوّل وظيفتها لاحقًا من نقل المساعدات إلى محطّات انتقال وهجرة، وقد عانت أوروبا من هذه المشكلة في العقد الماضي بل وما تزال.
ث- الإحساس الغربي بشكل عام بأنّ قضيّة غزّة طمست قضايا هامّة أخرى بخاصّة أوكرانيا، وأفسحت المجال أمام بوتين لتحقيق إنجازات جديدة لا لبس فيها ميدانيًا، ناهيك عن استغلال صيني للأزمة بزيادة الايحاء بخصوص موقفها من مشكلة تايوان.
ج- القلق الغربي من أنّ احتمالات اتّساع الصّراع ستشكّل مرحلة لا تريد دوائر صنع القرار الأمريكي أو الأوروبي الوصول لها، وتعزّزت هذه الهواجس بعد الاضطراب في النّقل البحري في البحر الأحمر وظهور بوادر على احتمال انتقال الاضطراب إلى المحيط الهندي وصولًا لرأس الرّجاء الصّالح لا سيما أنّ أنصار الله لوّحوا بذلك إضافة للتوسّع التّدريجي في جنوب لبنان وفي مشاركة الحشد الشّعبي في عمليات ضدّ القوّات الأمريكية و”الإسرائيلية” في كلّ من سوريا والعراق.
ح- وثمّة عامل آخر لا يجوز تجاوزه وهو “سوء إدارة نتنياهو للمعركة”، لقد فشل في تحقيق الأهداف التي سطّرها لنفسه (القضاء على حماس واستعادة الرّهائن والسّيطرة على غزّة) ناهيك عن توتّر داخلي بين العسكريين والسّياسيين وبين العلمانيين والحريديم حول التّجنيد، بل والتّصريحات المتشنّجة والتي لم يحتملها حتّى بعض القيادات “الإسرائيلية”، ناهيك عن نقد حاد طال نتنياهو من قيادات كبرى مثل ايهود باراك وأولمرت ووبينيت.. إلخ.
خ- شكّلت محكمة العدل الدّولية نقطة ضغط معنوي أخرى على “إسرائيل” وعلى حلفائها، وانعكس ذلك على صورة “إسرائيل” دوليًا، وهو ما اتّضح في التحوّلات في الموقف الأوروبي وفي الموقف الإفريقي وأغلب دول أمريكا اللاتينية، بل إنّ البيانات الصّينية والرّوسية عزّزت هذا الجانب، ويكفي الإشارة إلى أنّ القرار صاغته عشر دول غير دائمة تمثّل أقاليم العالم كلّها تقريبًا إذا أخذ في الاعتبار أيضًا الموافقة الأوروبية بما فيها بريطانيا، وهو ما جعل الفيتو الأمريكي في حرج شديد، فآثر بايدن تجنّبه.
تلك هي البيئة السّياسية التي أفرزت القرار من مجلس الأمن، ولكن لنرى ما مضمون القرار:
أولًا: يكرّر المجلس مطالبته بأن تمتثّل جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدّولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدّولي والقانون الدّولي لحقوق الإنسان، ويدين في هذا الصّدد جميع الهجمات ضدّ المدنيين والأهداف المدنية، وكذلك جميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضدّ المدنيين، وجميع الأعمال الإرهابية، وإذ يشير إلى أنّ أخذ الرّهائن محظور بموجب القانون الدّولي.
من الواضح أنّ هذه الفقرة من القرار فيها إدانة “ضمنية” للطّرفين، فهي تدين “إسرائيل” لاستهدافها الأهداف المدنية وإيصالها الوضع الإنساني في غزّة إلى حدّ “الكارثة” طبقًا لنصّ القرار، كما تدين المقاومة وتدرجها ضمن الإرهاب وتدين أخذ الرّهائن، لكن النّص تجنّب الإشارة المباشرة للطّرفين.
ثانيًا: يطالب المجلس بوقف فوري لإطلاق النّار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف ممّا يؤدّي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النّار، ويطالب أيضًا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرّهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، ويطالب كذلك الأطراف بالامتثال لالتزاماتهم بموجب القانون الدّولي فيما يتعلّق بجميع الأشخاص الذين يحتجزونهم.
تمثّل هذه الفقرة جوهر القرار، لكن صياغته تخلق التباسا واضحًا من حيث:
أ- تحدّد الفقرة وقف إطلاق النّار بـ “شهر رمضان” أي لحوالي أسبوعين، لكنّها تعتبر وبشكل ضمني أنّ الوقف المحدّد برمضان هو تمهيد لوقف دائم ومستدام، وهو ما يعني إمكانية التّحايل على النّص من خلال اعتباره مرحلتين: التّمهيد من ناحية والتّمديد من ناحية أخرى.
ب- يطالب النص بالإفراج “الفوري وغير المشروط عن جميع الرّهائن”، وهو ما ينطوي على إشكال في معنى الفوري، فوقف إطلاق النّار يمكن أن تقوم به “إسرائيل” ليوم واحد وتطالب بالإفراج عن الرّهائن، وما إن يتم الإفراج تستأنف القتال بأيّة ذريعة قد تفتعلها هي، فقد تدّعي أن صاروخًا أطلق على المستوطنات أو غير ذلك من التّحايلات التي تتقنها “إسرائيل” في هذا الجانب.
ت- ثمة فقرة مهمة تنص على “التزام الأطراف بالقانون الدّولي فيما يتعلّق بالمحتجزين لديهم”، أي أنّ القرار يميّز بين المحتجز والرّهينة، (والأرجح أنّ “إسرائيل” ستحاول الاستفادة من تفسير أنّ المحتجز هو الذي تمّ اعتقاله بعد نشوب الحرب ولا يشمل الأسرى الفلسطينيين قبل الحرب، كما أنّ النّص لا يدعو للإفراج الفوري وبدون شروط عنهم على غرار ما نصّ عليه بخصوص الرّهائن)، لكن النّص يشير إلى “الأطراف.. ومن يحتجزونهم” وهو ما قد يعني أنّ المخاطب هنا هو كلّ من حماس و”إسرائيل” وبالتّالي هناك إمكانية للتّفسير بأنّ المحتجزين والرّهائن سواء، وهو التّفسير الذي يجب أن تتبنّاه المقاومة.
ثالثًا: يشدّد المجلس على الحاجة الملحّة لتوسيع تدفّق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزّة بأكمله، ويكرّر مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدّولي وكذلك القرارين 2712 (2023) و2720 (2023).
وتعني هذه الفقرة:
أ- يمكن لمصر أن تتسلّح بهذا النّص لفتح تام ومتواصل لمعبر رفح استنادًا لدعوة مجلس الأمن واعتبار الفتح استجابة لطلب المجلس “بتوسيع تدفّق المساعدات ورفع الحواجز التي تحول دون ذلك”، فإذا كانت مصر تتذرّع باتفاقياتها مع “إسرائيل” لعدم فتح المعبر بالشّكل المطلوب فإنّ المجلس الآن يشكّل لها غطاء قانونيًا، وحتّى لو ضربت “إسرائيل” المعبر فإنّ ذلك سيعدّ ورقة في يد الطّرف المصري لتأكيد خرق “إسرائيل” لقرار المجلس.
ب- ينصّ القرار على تعزيز حماية المدنيين، وهو ما يعني فتح المجال أمام عودة النّازحين (لأنّ العودة من الحقوق المتضمّنة في القانون الدّولي الإنساني).
رابعًا: يقرّر المجلس إبقاء هذه المسألة قيد نظره الفعلي، وهو ما يعني ضرورة المتابعة، وعليه لا بدّ من الدّعوة لتشكيل لجنة مراقبة لمجريات الواقع.
التّداعيات:
لعل ردة فعل الحكومة “الإسرائيلية” النّاقدة للقرار إلى حدّ تصاعد الإشكال مع الولايات المتّحدة ومنع وفدها الأمني من السّفر لواشنطن مؤشّر على أنّ القرار لم يترك أمام نتنياهو إلّا أن يواصل التشبّث بموقفه ويحرّك آلاته الدّبلوماسية والدّعائية لتبرير استمرار المعارك أو يخضع للإرادة الدّولية، لكن نتنياهو يقف أمام مآزق عدّة فهو محشور بين جدارين داخلي ودولي، أمّا الدّاخلي فيتمثّل في أزمة حادّة مع أهل الرّهائن أولًا ومع معارضة علمانية لم تعد تطيق معه صبرًا ثانيًا ومع الحريديم الذين يرفضون تطبيق قوانين الجندية عليهم وهم نسبة لا تقل عن 15-20 بالمائة من يهود “إسرائيل” ثالثًا، ناهيك عن سجلّه حول التّعديلات القضائية وحول قضايا الفساد التي تلاحقه.. وفشله في تحقيق أيّ من الأهداف التي كرّرها أكثر من مرّة.. وأمّا الجدار الدّولي فهو الذي أفرز قرار مجلس الأمن الحالي، ولعلّ ترحيب المقاومة الفلسطينية بالقرار مع كلّ محاذيره التي أشرت لها فإنّ العالم ينتظر ردّة فعل نتنياهو والتي هي أشبه بالمعروفة.
على المقاومة في ظلّ هذا الواقع أن تعمل على توحيد موقفها من القرار وبشكل علني، وعليها أن تتّفق على فهم موحّد لمعطيات القرار، وأن تستعدّ للمرحلة الدّبلوماسية القادمة في حال عدم تطبيق “إسرائيل” لوقف إطلاق النّار للانتقال من القرار الحالي والذي يميل الفقه الدّولي لاعتباره يقع ضمن الفصل السّادس من الميثاق إلى التحوّل لمناقشة التزامات الأطراف في ضوء الفصل السّابع، ولعلّ مطالبة غوتيرش في تصريح له بعد القرار على “ضرورة تطبيقه” يعزّز هذا التوجّه، لأنّ الأصل في قرارات المجلس هي الالزام حتّى لو خلا من الاجراءات التّنفيذية، رغم ادعاء الخارجية الأمريكية بأنّ القرار غير ملزم بحجّة عدم اشتماله على إقرار بأنّ النّزاع الموضوع للمناقشة “يهدّد الأمن والسّلم الدّولي”.
الكيان الصّهيوني يعبث بـ”الخط الأحمر“..
كيف سيكون الرد من المجتمع الدّولي؟
بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني
“نحن أمام جريمة بلا اسم”، بهذه العبارة وصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل في خطاب إذاعي عام 1941 الانتهاكات النّازية ضدّ الأقليات – خاصّة اليهود – في معرض تحذيره من هجوم ألماني محتمل لتدمير بلاده.
ممارسات وأفعال ألمانيا النّازية ضدّ الأقليّات خاصّة اليهود داخل المجتمعات التي كانت تسيطر عليها، حيث كانت لها تداعيات بارزة في ترسيخ مفهوم الإبادة الجماعية عندما صاغ المحامي اليهودي من أصل بولندي رافائيل ليمكين في العام 1944 للمرّة الأولى مصطلح “الإبادة الجماعية” كتعريف للجريمة التي وصفها تشرشل.
في العام 1950 – الذي صدّقت فيه على الاتفاقية – سنّت “إسرائيل” قانون جريمة الإبادة الجماعية “منعها ومعاقبتها” والذي يعاقب على الجريمة بالإعدام، كما يمنح المحاكم “الإسرائيلية” ولاية قضائية عالمية على هذه الجريمة من خلال تمكينها من محاكمة الأفراد بتهمة الإبادة الجماعية حتّى لو كانت الجريمة قد ارتكبت خارج “إسرائيل” التي بدورها حاولت إظهار التزام قوي تجاه محاربة تلك الجريمة، لارتباطها بمعاناة اليهود خلال الحقبة النّازية.
وبينما ساعد “الهولوكوست” في إدراك العالم فداحة أن تتمّ إبادة مجموعة من السكّان على أسس عرقية أو دينية أو قومية فإنّ حرب غزّة كشفت أنّ التعهّد الجماعي الدّولي لم يردع “إسرائيل” عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحقّ أهل غزّة، وعلى الرّغم من أنّ المحكمة لم تأمر “إسرائيل” بشكل واضح بوقف عملياتها العسكرية في قطاع غزّة كما كانت تطلب جنوب إفريقيا، فإنّ قرارها حمل أهميّة خاصّة كونه أعلن قبول المحكمة رسميًا اختصاصها في نظر الدّعوى.
قرار محكمة العدل الدّولية الاحترازي وضع “إسرائيل” موضع اتّهام دولي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، وقد أشارت المحكمة إلى اقتناعها بأنّه “من المعقول” أنّ “إسرائيل” ارتكبت أفعالًا تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية في غزّة.
وكان يفترض أن يؤدّي تطبيق قرار محكمة العدل الدّولية إلى تقليص الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزّة بصورة كبيرة ووضع حدود للسّلوك الوحشي الذي تمارسه حكومة الحرب بحقّ السكّان المدنيين في القطاع.
وعلى الرّغم من تبنّي مجلس الأمن، أوّل قرار له من أجل “وقف فوري لإطلاق النّار” في غزّة، بعد صدور قرار محكمة العدل الدّولية وجاء إصدار القرار بعد استشهاد أكثر من 32 ألف فلسطيني بعد خمسة أشهر من الحرب، بينما يواجه قطاع غزّة حالة طوارئ إنسانية خطيرة، وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة.
هناك إصرار من قبل حكومة الحرب الصّهيونية على الاستمرار بحرب الإبادة دون رادع أممي يحول دون وقف “إسرائيل” عن الاستمرار في ارتكاب جرائمها بحقّ المدنيين الفلسطينيين.
وبعد صدور قرارها وأوامرها ضدّ الكيان الصّهيوني، أمرت محكمة العدل الدّولية، الخميس الماضي، “إسرائيل”، القوة القائمة بالاحتلال بضمان توفير مساعدة إنسانية عاجلة لقطاع غزّة دون تأخير، مؤكّدة أنّ “المجاعة وقعت” في القطاع الذي يتعرّض لعدوان “إسرائيلي” منذ السّابع من أكتوبر 2023.
قرار محكمة العدل الدّولية يلقي بالمسؤولية على الإدارة الأمريكية والاتّحاد الأوروبي ودول مجموعة البريكس ودول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والنّظام العربي ليتحمّلوا جميعهم المسؤولية لوضع حدّ للتمرّد “الإسرائيلي” على قرار المحكمة الدّولية وقرارات الشّرعية الدّولية لإدخال المساعدات إلى غزّة ووقف حرب الإبادة الجماعية.