صنعاءُ القديمةُ، المدينةُ التي يكتنف تاريخها الكثير من الغموض والأساطير والروايات المختلفة، ما إن تضع قدميك على عتبات أحد أبوابها السبعة، إلاّ وتدفعُك الأشواق للتّجوال في أزقتها وملامسة بيوتها المبنية من الآجر والجص.. وقد تبدّل حالُها في زمن الحرب، إذ باتت تئنّ تحت قصف الطّيران تارة، وتارة أخرى تغرق أزقّتها في الأوحال، وتتهاوى أسقف وحيطان مبانيها، فهي لم تعُد قادرة على مقاومة الأمطار إذا ما هطلت بغزارة.
الأمطار الغزيرة، التي تشهدها العاصمة صنعاء وعموم المحافظات في الآونة الأخيرة، تسبّبت في إلحاق أضرار بالمنازل القديمة المبنية من الطوب الطينيّ. الأمر الذي أحدث ثقوبا في أسطح العديد من المنازل، بينما انهارت بعضها. ما يُنذر بحدوث كارثة وشيكة، قد تتسبّب في إخراج المدينة من سجّل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، التي انضمّت إليه منذ العام 1986، حين انطبقت عليها ثلاثةُ معايير من معايير اليونسكو العشرة.
مدينة التاريخ قد تندثر
صنعاء، كمدينة حضارية وتاريخية تحكي تاريخ شعب عبر كل العصور، آخذةٌ في التلاشي والاندثار بفعل الأمطار التي تتسرّب من بين جدران منازلها الشعبية القديمة المبنية بالآجر والجص والمسقوفة بالأخشاب. هكذا يتحدث ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
في وقت سابق، ناشد الأدباءُ والمثقفونُ الأمم المتحدة واليونسكو للتدخل من أجل حماية المدن التاريخية من الانهيار الذي تُسبّبه الأمطار من جهة، ومن جهة أخرى الحربُ التي تُمعنُ في قصف البنية التحتيّة.
تهدّم بيتُ شاعر اليمن
في أغسطس/أوت من العام 2020 انهار منزل شاعر اليمن الكبير “عبد الله البردوني”، الذي يقع في حي التحرير خلف شارع “علي عبد المغني”، والمُكوّن من طابقين. “انهار المنزل بفعل الأمطار، في مُؤشر ينُذر بانهيار منظومة قيم التنوير التي يُمثّلها البردوني، في زمن تراجعت فيه قيم الحرية والعدالة والسلام، التي كان يُنشدها ويُمثّلها شاعرنا الكبير”. هكذا وصف “محمد جميح” سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة، واقع الحال.
بيوتٌ قديمةٌ تحت التّهديد
في هذا السياق يقول سفير اليمن لدى اليونسكو: “إن مدينة صنعاء القديمة تواجهُ عدة مخاطر، منها الطبيعية كالأمطار وغيرها، وهو الأمر الذي يدعو إلى القلق أكثر، خاصة مع نقص الوعي لدى السكّان، وعدم الاهتمام بمنازلهم”.
وفي ظل التوقعات بأن يصل عدد المنازل المُتضرّرة إلى زهاء 500 منزل، أكد “جميح” بأن اجتماعات مُكثفة تقام من أجل جمع أموال طارئة لمواجهة الأضرار التي خلّفتها الأمطار.
“جهودٌ مُستعجلة يتطلّبها الوضع الرّاهن، لتلافي الوضع الكارثي في المدينة، الذي فاقم منه، عدم اهتمام الأهالي بعمل صيانة دورية للمباني في وقتنا الحالي كما كانوا يعملون من قبل، الأمر الذي أدّى إلى إصابتها بالتشققات المتنوعة، وسقوط بعض الأسقف”. هكذا قال “عقيل صالح” ناصر في إحدى تصريحاته السابقة.
من جهتها، “دعاء الواسعي”، وهي مسؤولة في الهيئة اليمنية للمحافظة على المدن التاريخية، فتُرجع الأضرار، التي تعرّضت وتتعرّض لها صنعاء القديمة، إلى الإهمال الزائد وعدم الصيانة منذ مدّة. مشيرة إلى أن القصف الجوي كان له أثرٌ بالغٌ في اختلال أساسات المنازل المتلاحمة، ولم يكن المطر سوى كاشف لاهتراء المباني وإهمال صيانتها.
مخاوفٌ شعبيةٌ
يتخوّف سكّان صنعاء القديمة من الآثار التي يُمكنها أن تترتّب عن ارتفاع منسوب المياه في السائلة الرئيسية التي تفصل جانبي مدينة صنعاء القديمة، وهو مشروع ساهمت الولايات المتحدة في إنشائه قبل سنوات من أجل حماية المدينة من أضرار وكوارث السيول.
وفيات
رغم تكتّم الجهات الرسمية، والتزامها بعدم التصريح، فثمّة تقارير تشير إلى وفاة أكثر من عشرة أشخاص بينهم أطفال، جرّاء سيول نجمت عن أمطار غزيرة شلت الحياة في الشارع اليمني والحي الصنعائي القديم. وهذا ما تُؤكّده هيئة مستشفى “الجمهوري” بصنعاء، والتي تحدّثت، أيضا، عن وفاة أربعة أشخاص جرّاء تهدّم جزء من عمارة يقطنونها.
أنفاق خارج الخدمة
في كل مرة تهطل الأمطار الغزيرة على صنعاء نجد أن الأنفاق، التي من شأنها تصريف المياه، خارجة عن الخدمة. وحينما يرتفع منسوب الماء، تتعطل الحركة المرورية، وتصبح الحياة شبه ميّتة لساعات عديدة.