لا تزال تداعيات “مجزرة” مليلية المحتلة، التي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من المهاجرين الأفارقة، تلقي بظلالها على سمعة ومصداقية المملكة المغربية على صعيد حماية حقوق الإنسان ومحاربة التمييز العنصري.
وعلى الرغم من مرور ما يقارب الشهر على هذه المجزرة، لا يزال عدد الضحايا والمفقودين من المهاجرين الأفارقة محل تضارب كبير، في ظل محاولة النظام المغربي التستر على هذه الجريمة النكراء، والتي فاقت تهم القتل خارج القانون، إلى الإساءة إلى الإنسان، بسبب المشاهد المشينة التي وثقتها الفيديوهات المروعة المتدوالة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه السلطات المغربية عن 18 قتيل من المهاجرين على أسوار مدينة مليلية المحتلة، ارتفع رقم الضحايا حسب تقارير إعلامية إسبانية إلى أربعين قتيل، غير أن الرقم الصادم هو ذلك الذي عبّر عنه مهاجرون سودانيون الأحد، في بيان جرى تعميمه على وسائل الإعلام، والذي تحدث عن 140 مفقود، ناهيك عن عدد القتلى، ما يعني العدد بين الضحايا والمفقودين يصل إلى المئات.
وجاء الإعلان عن عدد المفقودين من قبل المهاجرين السودانيين، ليزيد من الضغط على النظام المغربي، الذي بات مطالبا بالكشف عن العدد الحقيقي للقتلى والجرحى والمفقودين، في ظل تواتر الشهادات عن مسؤولية سياسية للنظام المغربي، تتعدى العنف الجسدي المفضي إلى القتل، مع ثبوت تورط قوات الدرك والأمن المغربيين في قمع وعنف غير مبرريْن، وهي الممارسات التي تم توثيقها من قبل شهود عيان أثناء وقوع الجريمة.
ومنذ انفجار الفضيحة وتحولها إلى قضية على مستوى كبرى المحافل الدولية، تحاول المملكة المغربية لملمة القضية والمسارعة إلى طمس الأدلة من خلال إقدامها على دفن الضحايا دون انتظار تشريح الجثث، في مشهد يحاكي الجاني الذي يسارع الزمن مرعوبا، وهو يحاول إخفاء جثة ضحيته في ثنايا الظلام بعيدا عن الأنظار.
وفي محاولة لتفادي نسيان القضية، أصدر عدد من طالبي اللجوء السودانيين المتواجدين بالمغرب والذين كانوا من الناجين من الفاجعة مليلية، بيانا أماط اللثام عن الكثير من نقاط الظل في مجزرة مليلية، التي دفع ثمنها عدد كبير من المهاجرين السودانيين.
وتحدث البيان عن 140 مفقود في تلك المجزرة، بالإضافة إلى عدد آخر من القتلى ليس بالرقم الذي لا زالت السلطات المغربية تروجه والمقدر بـ 23 قتيلا فقط، كما طالبوا بكشف هوية القتلى والمفقودين وعلاج المصابين وعدم استخدام العنف ضد المهاجرين وإيقاف ما وصفوه بالترحيل القسري والجماعي لطالبي اللجوء وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف إعادة المهاجرين وطالبي اللجوء بعد العبور إلى الأراضي الإسبانية.
وجاء هذا البيان في الوقت الذي شرعت المحكمة الابتدائية بالناظور، في إصدار أولى أحكامها على مجموعة من المهاجرين الذين تم اعتقالهم بداعي محاولة اقتحام سياج مدينة مليلية المحتلة في الرابع والعشرين من الشهر المنصرم، والذي قرأ فيه موقعو البيان، محاولة من قبل النظام المغربي لطي هذا الملف الفضيحة، دون أداء الحساب على تلك الجرائم.
وعلى الرغم من محاولات النظام المغربي لملمة الفضيحة، إلا أن القضية لا تزال حية في مخيال الأفارقة باعتبارها كانت رمزا للوحشية، حيث تتوإلى التصريحات المنددة بتلك الجرائم، ومنها ما جاء على لسان الإعلامي الناميبي، فيتاليو أنغولا، الذي حمل المغرب مسؤولية مجزرة مليلية، وقال: “المذبحة التي نفذت ضد مهاجرين أبرياء فارين من مناطق نزاعات، ومن مصاعب الفقر في بلدانهم الأصلية بتشاد، والنيجر، والسودان وجنوب السودان، هي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان بل وجريمة ضد الإنسانية”.