مهزلة الردع الفكاهي.. رد صهيوني على طريقة “عصابة دالتون”

نجحت الدفاعات الجوية الإيرانية في إسقاط عدّة مسيرات صغيرة بمضادّات أرضية على ارتفاع منخفض جداً بمحافظة أصفهان وسط البلاد، وأكدت طهران على أنّ الوضع في منشآتها النووية آمن بالكامل، وبالمقابل فإنّ سلطة الكيان صمتت إزاء هذا العمل التخريبي الذي جاء – من الطرف الصهيوني – كمحاولة يائسة لرفع العتب، وهو ما يتطلب من الطرف الإيراني، ردّا أمنيا فقط، وإذا كانت وسائل الإعلام الإيرانية قد اتخذت من مسيرات الكيان مادة للسخرية، فإنّ وسائل إعلام إسرائيلية تحدّثت عن ردود غاضبة أطلقها مسؤولون لدى الكيان تجاه منشور وزير “الأمن القومي” الصهيوني، إيتمار بن غفير، والذي تضمّن – تعليقا على الحدث – كلمةً واحدة: “مهزلة”.

وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا” بأنّ التصدي للمسيرات لم يتم بأنظمة دفاع صاروخية، بل بمضادات أرضية على ارتفاع منخفض جداً، ما أحدث أصوات انفجارات. وقالت الوكالة إنّ الوضع في محافظة أصفهان ومنشآتها النووية آمن بالكامل، مشددةً على “عدم ورود تقارير عن وقوع إصابات أو انفجارات واسعة النطاق تسببت بأي تهديدات جوية”.

وبالتزامن مع ذلك، نقل التلفزيون الإيراني عن مصادر تأكيدها عدم تعرّض أي منشأة نووية أو مراكز عسكرية في أصفهان لأي هجوم من خارج البلاد، مشيراً إلى رفع القيود التي فرضت على حركة الطيران في سماء بعض المدن الإيرانية. ونفت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ما تردد عن اجتماع طارئ للمجلس، مؤكّدةً أن “لا حاجة لمثل هذا الاجتماع”.

وسارعت الولايات المتحدة، أمس الجمعة، إلى نفي ضلوعها في الهجوم على مدينة أصفهان الإيرانية، وقال مسؤولون أمريكيون إنّ “إسرائيل” نفذته، بينما دعت دول غربية وعربية إلى ضبط النفس، وتجنب زيادة التصعيد في المنطقة. وفي حين أكد مسؤولون إيرانيون أنّ الهجمات بالمسيّرات نفذها متسلّلون وليس جهة خارجية، وقلّلوا من أهميتها، نقلت وسائل إعلام أمريكية بينها شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين أمريكيين وصهاينة أنّ “إسرائيل” هي من نفّذت هذه الهجمات ردا على الضربات الإيرانية غير المسبوقة التي استهدفتها قبل أسبوع.

وبدت هذه الضربة الإسرائيلية فاقدة لأي معنى، وخالية تماما من التخطيط، إلى جانب أنها تبدو مثل أعمال جماعات إرهابية تسعى إلى تنفيذ الفعل من أجل الفعل، بعدما كان الاحتلال في السابق ينفذ هجمات داخل إيران دون أن يتلقى الرد اللازم على خلفية سياسة الصبر الإستراتيجي التي اعتمدتها طهران لتفادي الانخراط في صراع مباشر مع خصومها، الذين كانوا يسعون إلى جرها إلى حالة تصعيد غير مرغوب فيها إيرانيا.

تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس الجمعة، عن ردود سياسية غاضبة أطلقها مسؤولون في كيان الاحتلال تجاه منشور وزير “الأمن القومي”، إيتمار بن غفير، والذي تضمّن كلمةً واحدة، “مهزلة”، وذلك في أعقاب الهجوم التخريبي بواسطة عدد من المسيّرات، شهدته أصفهان الإيرانية أمس الجمعة.

وأشارت “القناة الـ13” إلى أنّ الجميع لدى الكيان يلتزم الصمت التام تجاه ما حدث في أصفهان، “باستثناء وزير واحد وعضو في الكابينت، هو بن غفير”، إذ نشر تعليقه، الذي أخذه كل العالم، ونشرته المؤسسات الإعلامية العالمية. ويتلاقى ما عبّر عنه بن غفير مع هواجس العضو السابق في “الكنيست”، أبير كارا، الذي علّق على الكلام عن هجوم على إيران، مؤكداً أنّ “ردع “إسرائيل” يتآكل، وهي تخسر الكثير من أوراقها”. ورأى كارا أنّه “كان على “إسرائيل” أن ترد مباشرةً ليلة الهجوم الإيراني، بإطلاقها 40 صاروخاً مقابل كل صاروخ من إيران”.

ويأتي تصريح بن غفير فيما أصدرت وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال توجيهات للسفارات والممثليات الصهيونية في أرجاء العالم بـ”التزام الصمت، وعدم قول أي أمر يمكن أن يُورّط “إسرائيل”، يُفسّر منه أي شيء قد يولّد لدى الطرف الآخر رغبة بتنفيذ رد من جانبه”، وقبل ذلك وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الهجوم الذي شنته إيران على (إسرائيل) الأسبوع الماضي، بأنه كان “إحدى أكبر الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة التي شهدها العالم على الإطلاق، وبدوره، قال مدير المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز، إن صد “إسرائيل” للهجوم الإيراني كان سيفشل لولا المعلومات الاستخبارية الأمريكية “ودعمنا ودعم الشركاء”، على حد قوله.

الإيرانيون يتساءلون بكل سخرية: هل علينا الرد؟

وتسبب الهجوم التخريبي بالطائرات المسيّرة على أصفهان، بموجة كبيرة من السخرية بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، كونه يعدّ رداً تافهاً على ما يقرب من 300 صاروخ وطائرة مسيّرة أطلقتها إيران باتجاه الأراضي المحتلة الأسبوع الماضي.

وفي أحد مقاطع الفيديو التي تمت مشاركتها على نطاق واسع عبر الإنترنت، تظهر فتاة وهي ترمي طائرة ورقية على مبنى سكني وتقارنها بالضربة الإسرائيلية، وتضحك بينما ترتطم الورقة المطوية بالهيكل الخرساني. وأعاد آخرون استنساخ التجربة مع تكرار التعليق ذاته.

ونشرت ناشطة أخرى صورة لحفرة صغيرة جداً محفورة بشكل يدوي في أرض ترابية، معلقةً “أول صورة حصرية للموقع الذي ضربت فيه الصواريخ الإسرائيلية قاعدة شيخاري الثامنة في أصفهان”، مضيفةً “تريد إخافة الناس الذين يأكلون اللبن مع أذن الفيل بطائرة كواد كابتر، أليس كذلك يا عنتر؟”. و”أذن الفيل” هي نوع من المخبوزات المقلية المحلاة المعروفة في إيران، وتحمل هذا الاسم لأنها مصنوعة على شكل أذن الفيل.

ونشر آخرون صورة مركبة تجمع طائرة “كواد كابتر” صغيرة الحجم مكتوب تحتها “الرد الإسرائيلي”، وصاروخاً بالستياً مكتوب تحته “الرد الإيراني”. وتحت صورة لطائرة مسيّرة صغيرة جداً موضوعة على باطن كف يد بشرية سأل أحد الناشطين: “جدياً هل أرسلت “إسرائيل” طائرة صغيرة رداً على صاروخ “عماد” الباليستي؟. وتحت صورة مشابهة كتبت قناة إيرانية غير رسمية على تطبيق “تلغرام”: “هل علينا الرد على هذا؟”.

وجمعت صورة مركّبة أخرى ثلاثي خط الهجوم المرعب في فريق “برشلونة” الإسباني في مرحلة سابقة، الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار والأوروغوياني لويس سواريز، وقد كُتِبَ تحتها “خط هجوم إيران”، وإلى اليسار صورة للشخصيات الكرتونية جو وجاك ووليام، وهم الإخوة السذج الثلاثة الذين يشكلون “عصابة دالتون” في مسلسل الكارتون الأمريكي الذي يحمل الاسم نفسه، وقد كُتِبَ تحتها “خط هجوم “إسرائيل”.

ونشر أحد الناشطين صورتين إحداهما لنسر مهيب، والثانية لأحد أفراخ الطيور التي لم يكس جسدها الريش بعد، وكتب تحتها “إسرائيل” في الإعلام وعلى أرض الواقع”، وتضمنت تغريدات أخرى صوراً لقط أليف وصغير الحجم مقابل نمر ضخم مع التعليق ذاته. وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أنه بينما يتداول الإيرانيون النكات والمنشورات الساخرة حول حجم الهجوم التخريبي، فقد وصف مسؤولون لدى الكيان الهجوم بالضعيف، وقالت الصحيفة إن النقاد في البرامج الإخبارية الصباحية في “إسرائيل” أقروا بأن الضربة لا يبدو أنها تسببت في أضرار كبيرة في إيران.

ويُظهر الهجوم الذي أكدت إيران أنه ليس من خارج البلاد، أنّ “إسرائيل” لجأت إلى تفعيل أدواتها الداخلية للقيام بعملية تخريبية في إيران عبر عدد محدود من المسيّرات. وفي هذا السياق، قالت صحيفة “إسرائيل هيوم”، إنّ النطاق المحدود للهجوم، وعدم تبنّي “إسرائيل” المسؤولية عنه، يسمحان للإيرانيين بأن يقولوا لشعبهم وللعالم إنّه “لا يوجد شيء”، لأنّه “لم يكن هناك شيء”.

وحيد سيف الدين - الجزائر

وحيد سيف الدين - الجزائر

اقرأ أيضا