يتهم مسؤولون أمريكيون وبريطانيون، الصين بقيادة حملة تجسّس إلكترونية واسعة النطاق، يزعمون أنها استهدفت ملايين الأشخاص، منهم مشرّعون وأكاديميون وصحفيون وشركات وكذلك مقاولو الدفاع، ما استدعى فرض عقوبات جديدة على الصين، ويأتي هذا الاتهام كحلقة في مسلسل الحرب السرية الكبرى بين واشنطن وبكين.
جاء هذا في تقارير أوردتها رويترز التي اعتبرت أنّ العقوبات بمنزلة تصعيد كبير، وتأتي ضمن وقت حساس في العلاقات السيبرانية بين الولايات المتحدة والصين. وأصدر مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، كريستوفر راي – في وقت سابق من هذا الشهر – تحذيرا عاما شديدا ادعى فيه أنّ مجموعات مختلفة من المتسللين الصينيين كانت تستعد لإحداث الفوضى والتسبب في ضرر حقيقي للمواطنين والمجتمعات.
وأطلقت السلطات على جانبي المحيط الأطلسي على مجموعة القرصنة اسم “التهديد المستمر المتقدم 31” والذي يعرف اختصارا “إيه بي تي 31” (APT31) ووصفتها بأنها ذراع وزارة أمن الدولة الصينية. وقد أصدر المسؤولون قائمة طويلة من الأهداف: موظفو البيت الأبيض، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، البرلمانيون البريطانيون، المسؤولون الحكوميون في جميع أنحاء العالم الذين انتقدوا بكين.
ولم تذكر التقارير حالات محدّدة أوقفت فيها الحكومة الصينية الخدمات الأساسية باستخدام القرصنة، مع أنّ وكالات الاستخبارات الأمريكية قد حذّرت – الأشهر الأخيرة – من أنّ البرامج الضارة تبدو مخصّصة للاستخدام في حال أرادت الولايات المتحدة مساعدة تايوان.
وبحسب تقارير لرويترز، فإنّ الصين قد تحاول – من خلال إيقاف الخدمات الحيوية عن القواعد العسكرية والسكان المدنيين – جعل قلق الأمريكيين على إمدادات الكهرباء والغذاء والماء أكبر من قلقهم حول مساعدة جزيرة بعيدة (تايوان) التي تملكها بكين. وقالت ليزا موناكو نائبة المدعي العام الأمريكي – في بيان – إنّ الهدف من عملية القرصنة العالمية هو “قمع منتقدي النظام الصيني، وتعريض المؤسسات الحكومية للخطر، وسرقة الأسرار التجارية”.
وفي لائحة اتهام تم الكشف عنها أول أمس الإثنين ضدّ 7 من المتسللين الصينيين المزعومين، قال ممثلو الادعاء الأمريكي بالمحكمة إنّ القرصنة أدت إلى اختراق مؤكد أو محتمل لحسابات العمل ورسائل البريد الإلكتروني الشخصية والتخزين عبر الإنترنت وسجلات المكالمات الهاتفية التي تخص ملايين الأمريكيين.
جهات سيبرانية خبيثة
واتهم مسؤولون في لندن، مجموعة القرصنة الصينية باختراق المشرعين البريطانيين الذين ينتقدون الصين، وقالوا إنّ مجموعة ثانية من الجواسيس الصينيين كانت وراء اختراق هيئة مراقبة الانتخابات، مما أدى بشكل منفصل إلى اختراق بيانات ملايين الأشخاص بالمملكة المتحدة. وتعد العقوبات جزءا من حملة مشتركة بين واشنطن ولندن تهدف – حسب الادعاء الغربي دائما – إلى وقف القرصنة الصينية تجاه الخدمات الحيوية.
وفي إعلان الإجراءات الجديدة، وصفت وزارة الخزانة، الجهات السيبرانية التي ترعاها الصين بأنها واحدة من أكبر التهديدات وأكثرها استمرارًا للأمن القومي الأمريكي. وأضافت الوزارةُ “شركةَ العلوم والتكنولوجيا” إكسيارزهي (Xiaoruizhi) إلى قائمة العقوبات، ووصفتها بأنها واجهة لوزارة أمن الدولة الصينية.
وبرزت وزارة أمن الدولة الصينية بصفتها الإدارة الكبرى لعمليات الحماية من القرصنة، وذلك بعد استثمار كبير من الحكومة. وتتولى هذه الوزارة – الخاضعة للسيطرة المباشرة للقيادة الصينية – مسؤولية جيش “التحرير الشعبي” الذي أدار معظم عمليات صد الهجمات التجسسية الصادرة من شركات أمريكية، بهدف سرقة أسرار الشركات أو التصاميم الدفاعية الصينية.
وقد تطورت إستراتيجية الصين الآن، ويبدو أنّ هدفها الأول هو إيجاد طريقة لردع الجهد العسكري الذي تبذله واشنطن لمساعدة تايوان إذا قررت الصين ضم الجزيرة. وقال بريان نيلسون وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية: تركّز الولايات المتحدة على تعطيل الأعمال الخطيرة وغير المسؤولة التي ينفذها القراصنة وكذلك حماية مواطنينا وبنيتنا التحتية الحيوية. كما فرضت وزارة الخزانة عقوبات على مواطنين صينيين لدورهما في الهجمات الإلكترونية.
وفي حين لم يذكر الرئيس بايدن التهديد علنا أبدا، فقد ركز مساعدوه على عملية فولت تايفون (Volt Typhoon) التي تكشفت منذ أوائل العام الماضي. وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، عملت واشنطن مع الشركات الوطنية التي تعتبر بالغة الأهمية للبنية التحتية، حتى أنها أصدرت تحذيرا مفصلًا الأسبوع الماضي بخصوص كيفية اكتشاف التدخلات الصينية بالأنظمة الحيوية. وتجاوز إعلان واشنطن شبكات الكهرباء وأنظمة المياه، وأشار إلى مقاول دفاعي يصنع أجهزة محاكاة الطيران للجيش، وشركة طيران ودفاع، وشركة أبحاث طيران ودفاع.
هجمات قراصنة لتخريب شبكات المياه
وقبل أيام قليلة حذرت الحكومة الأمريكية حكام الولايات من أن متسللين أجانب يشنون هجمات إلكترونية مدمرة على أنظمة المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد، بحسب وكالة رويترز.
وحذر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير وكالة حماية البيئة مايكل ريجان، في رسالة صدرت الثلاثاء الماضي، من أن “أعطال الهجمات الإلكترونية تضرب أنظمة المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء الولايات المتحدة”. وخصت الرسالة بالذكر من زعمت أنهم مخربون إيرانيون وصينيون.
وأشار سوليفان وريجان إلى حالة وقعت في الآونة الأخيرة قام فيها – حسب زعمه – قراصنة متهمون بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني بتعطيل وحدة تحكم في منشأة للمياه بولاية بنسلفانيا.
كما أشاروا إلى مجموعة قرصنة صينيين يطلق عليها اسم “فولت تايفون” أو “الإعصار فولت”، وقالوا إنها “اخترقت تكنولوجيا المعلومات لأنظمة البنية التحتية الحيوية المتعددة، بما في ذلك مياه الشرب في الولايات المتحدة والأقاليم التابعة لها”. وجاء في الرسالة أن “هذه الهجمات لديها القدرة على تعطيل شريان الحياة الحيوي لمياه الشرب النظيفة والآمنة، فضلا عن فرض تكاليف كبيرة على المجتمعات المتضررة”.
أزمات مستقبلية
تستخدم أغلب الدول في العالم تقريبا المتسللين لجمع المعلومات الاستخبارية، وتمتلك القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا مراكز ضخمة لمثل هذه الجماعات التي أطلق خبراء الأمن السيبراني على العديد منها ألقابا متعددة، مثل إكوايجن غروب أو فانسي بير. ويبدأ القلق يتنامى – لدى الخبراء – عندما يتحول اهتمام مثل هذه المجموعات من جمع المعلومات الاستخبارية إلى التخريب الرقمي.
تقول شركة مايكروسوفت في مدونة في ماي من العام الماضي، إن فولت تايفون “تسعى إلى تطوير القدرات التي يمكن أن تعطل البنية التحتية الحيوية للاتصالات بين الولايات المتحدة ومنطقة آسيا في المستقبل في حالة وجود أزمات”، ما أعاد إلى الأذهان على الفور التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان. ومن المؤكد أن أي صراع بين هذين البلدين سوف ينطوي على هجمات إلكترونية عبر المحيط الهادي بحسب رويترز.
وتدعي مايكروسوفت أن فولت تايفون كانت تعمل من خلال السيطرة على مساحات كبيرة من الأجهزة الرقمية الضعيفة حول العالم – مثل أجهزة التوجيه وأجهزة المودم وحتى الكاميرات الأمنية المتصلة بالإنترنت – لإخفاء الهجمات اللاحقة على أهداف أكثر حساسية.
وتشكل هذه المجموعة من الأنظمة التي يتم التحكم بها عن بعد والمعروفة باسم شبكة الروبوتات، مصدر قلق رئيسي لمسؤولي الأمن لأنها تحد من رؤية مسؤولي الأمن السيبراني الذين يراقبون البصمات الأجنبية في شبكات الحاسوب الخاصة بهم.
وفي تقرير صدر في وقت سابق، قالت شركة تصنيفات الأمن السيبراني “سكيورتي سكور كارد” إن أجهزة شركة سيسكو سيستمز معرضة بشكل خاص لنشاطات اختراق من قبل فولت تايفون. وقالت إنها حددت “شبكة من البنية التحتية السرية العاملة في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا والمحيط الهادي التي يبدو أنها تتكون من أجهزة توجيه مخترقة وأجهزة طرفية أخرى للشبكة”.
عاصفة خفية
يعمل جميع جواسيس الإنترنت تقريبا على إخفاء مساراتهم، واستخدام ما يسمى بشبكات الروبوت من قبل كل من الحكومة والمتسللين لإخفاء عملياتهم السيبرانية، وهو ليس بالأمر الجديد. وغالبا ما يُستخدم هذا النهج عندما يريد المهاجم استهداف العديد من الضحايا بسرعة في وقت واحد أو يسعى إلى إخفاء آثارهم.
وأصبح التجسس موضع تركيز حاد على مدى السنوات العشر الماضية، إذ ربط الباحثون الغربيون الانتهاكات بوحدات محددة داخل جيش التحرير الشعبي، واتهمت سلطات إنفاذ القانون الأمريكية سلسلة من الضباط الصينيين بسرقة أسرار أمريكية.
وقالت شركة “سكيور وركس” – وهي ذراع لشركة ديل – في منشور على مدونة نشر العام الماضي: “إن اهتمام فولت تايفون باختراق الأمن التشغيلي من المحتمل أن يكون نابعا من الإحراج بسبب قرع طبول لوائح الاتهام الأمريكية والضغط المتزايد على القيادة (الصينية) لتجنب التدقيق العام في نشاطها التجسسي الإلكتروني”.
وقد ركزت إدارة بايدن بشكل متزايد على القرصنة، ليس فقط خوفا من أن تحاول الدول تعطيل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم أو تحويل مسارها، ولكن لأن برامج الفدية تسببت بفوضى في الشركات الأمريكية عام 2023.
الصين تندد باتهامات هولندا لها بالقرصنة
وفي فيفري الماضي، أعلنت الاستخبارات العسكرية الهولندية وجهاز الأمن في بيان اكتشاف برمجية خبيثة زرعت في شبكة حاسوب يستخدمها جيشها، محملة مسؤولية ذلك إلى جهة حكومية صينية، وهو ما دفع بكين إلى التنديد بهذا الاتهام. وكانت رويترز أوردت أن الوكالتين الاستخباريتين الهولنديتين المعروفتين بالاختصارات “إم أي في دي” و”إيه أي في دي”، ذكرتا أن المتسللين وضعوا برامج ضارة معقدة تخفي نشاطها داخل شبكة الوزارة.
وذكرت الوكالتان في بيان مشترك أن “الصين تستخدم هذا النوع من البرامج الضارة للتجسس على شبكات الحاسوب، وقد طُورت البرمجيات الخبيثة خصيصا لأجهزة فورتيغيت التي تستخدمها المؤسسات كجدار حماية على أنظمتها، وتورد الشركة المصنعة فورتينت هذا المنتج في أنحاء العالم”. وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها هولندا ضلوع الصين في نشاط تجسس إلكتروني مع تزايد التوترات المرتبطة بالأمن القومي بين بكين ولاهاي، بحسب رويترز.
وردا على ذلك ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية رد السفارة الصينية في لاهاي والذي شدد على أن بكين “دائما ما تعارض بشدة وتتصدى للهجمات السيبرانية بكل أشكالها طبقا للقانون”. وأضافت السفارة في بيان على موقعها الإلكتروني: “لن نسمح لأي بلد أو شخص يستخدم بنى تحتية صينية بالانخراط في مثل تلك النشاطات غير القانونية”. وتابع البيان أن “الصين تعارض أي تكهنات خبيثة واتهامات باطلة”، معتبرة الأمن السيبراني “تحديا مشتركا لكل الدول”. وعثر على البرمجية في شبكة تقوم بأعمال بحث وتطوير غير سرية، وفق أجهزة الاستخبارات الهولندية.