تشهد كينيا توترًا سياسيًا متزايدًا في ظل تصاعد الخلاف بين الرئيس وليام روتو ونائبه ريغاثي غاتشاغوا، فيما بدأت الأغلبية في البرلمان الكيني إجراءات لعزل نائب الرئيس. وجاء هذا التحرك بعد اتهامات خطيرة وُجّهت لجاتشاغوا بتقويض الحكومة وإثارة الكراهية العرقية، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي في البلاد.
الخلافات بين روتو ونائبه غاتشاغوا بدأت تتفاقم منذ فترة، وذلك بعد أن ادعى غاتشاغوا شعوره بالتهميش في القرارات الحكومية، خاصة بعد أن قام روتو بتعيين أعضاء من المعارضة في حكومته بعد موجة الاحتجاجات التي اجتاحت كينيا في جوان وجويلية 2023. بسبب زيادة الضرائب المفروضة في قانون المالية، وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصًا، وأثار استياءً واسع النطاق في الشارع الكيني.
وكان غاتشاغوا قد نفى التهم الموجهة إليه من قبل حلفاء روتو بأنه كان وراء تلك الاحتجاجات العنيفة المناهضة للحكومة. وأكد أنه قد تم تهميشه بشكل متعمد، وأن الاتهامات الموجهة إليه تهدف لتشويه سمعته وتهيئة الأرضية لعزله من منصبه.
إجراءات عزل نائب الرئيس
في هذا السياق، أعلن كيماني إيتشونغواه، زعيم الأغلبية في البرلمان، عن تأييده الكامل لإجراءات المساءلة ضد نائب الرئيس. وأضاف إيتشونغواه أن الهدف من هذه الخطوة هو وقف عملية تقويض الحكومة من الداخل، والتي يُتهم بها غاتشاغوا.
الاتهامات الموجهة إلى غاتشاغوا لا تقتصر فقط على تقويض الحكومة، بل تتضمن أيضًا إثارة الكراهية العرقية من خلال تصريحاته المتكررة التي شبه فيها الحكومة بشركة، مشيرًا إلى أن من صوتوا لصالح الائتلاف الحاكم هم فقط من يستحقون الوظائف العامة والمشاريع التنموية. هذا التصريح أثار غضبًا واسعًا بين أعضاء البرلمان وحتى بين المسؤولين في الحكومة.
وفي خطوة غير مسبوقة، وقع 83% من أعضاء البرلمان على الاقتراح الذي قدمه موينجي موتوسي، وهو عضو في ائتلاف روتو، وإذا تمت الموافقة على الاقتراح بأغلبية الثلثين في مجلس النواب، سيتم تقديمه لمجلس الشيوخ، الذي سيشكل لجنة خاصة للتحقيق في الاتهامات الموجهة ضد غاتشاغوا.
وفي حال تم عزل غاتشاغوا، سيؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار السياسي في كينيا، خاصة في ظل الدعم الشعبي الذي يتمتع به نائب الرئيس في منطقة جبل كينيا المكتظة بالسكان. فقد لعب غاتشاغوا دورًا حاسمًا في الفوز الانتخابي لروتو عام 2022، حين ساعد في حشد أصوات الناخبين من تلك المنطقة.
لكن منذ موجة الاحتجاجات الأخيرة، انخفض نفوذ غاتشاغوا بشكل ملحوظ، بعد أن قرر روتو تعيين أعضاء من المعارضة في حكومته كجزء من استراتيجية “حكومة واسعة القاعدة” بهدف احتواء الغضب الشعبي. إلا أن هذه الخطوة أثارت انتقادات واسعة بين المواطنين الذين اعتبروا أن الحكومة تسعى فقط إلى استمالة المعارضة وليس تقديم إصلاحات حقيقية.
ردود الفعل الداخلية
من جانبه، قال غاتشاغوا إن أي محاولة لعزله يجب أن تحظى بموافقة الرئيس روتو، مشيرًا إلى أنه إذا وصل الاقتراح إلى البرلمان فهذا يعني أن الرئيس قد وافق عليه. وعلى الرغم من تصريحات غاتشاغوا، لم يصدر أي تعليق رسمي من مكتب الرئيس روتو حول هذه الأزمة حتى الآن.
وفي الوقت نفسه، وصف رئيس البرلمان موسيس ويتانجولا هذه الخطوة بأنها لحظة دستورية غير مسبوقة في ديمقراطية كينيا، وأكد أن البرلمان سيبدأ عملية المساءلة بجلسة استماع عامة في الأسبوع المقبل، حيث سيتم استدعاء غاتشاغوا للرد على الاتهامات في 8 أكتوبر.
كما أثار وزير العمل الكيني ألفريد موتوا الجدل عندما علق على الأزمة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا) قائلاً: “لعنة أفريقيا كانت دائمًا القبلية والفساد. هذا الاقتراح لا يتعلق بالسياسة بل بإنقاذ روح كينيا”. في إشارة إلى تأثير القبلية على المشهد السياسي في البلاد.
وليام روتو، رجل أعمال ورئيس كينيا، وُلد عام 1966 في أسرة فقيرة بمقاطعة أوسين جيشو. نشأ في بيئة متواضعة، حيث بدأ حياته ببيع الدجاج والفول السوداني للمساعدة في إعالة أسرته. والتحق بالجامعة وتخصص في علم النبات وعلم الحيوان، وحصل لاحقًا على درجة الدكتوراه في علم البيئة النباتية.
دخل روتو عالم السياسة في عام 1992 من خلال الانضمام إلى الجناح الشبابي لحزب “كانو”. برز في السياسة بسبب قربه من شعبه وفهمه لطموحاتهم ومعاناتهم. وخلال مسيرته السياسية، تقلد عدة مناصب حكومية، منها وزير الزراعة والتعليم العالي.
في عام 2013، شغل منصب نائب رئيس كينيا. وبعد سلسلة من التحالفات السياسية، ترشح لرئاسة البلاد في انتخابات 2022 وفاز بها. خلال فترة رئاسته، واجهت كينيا أزمة اقتصادية حادة، مما أدى إلى تراجع قيمة العملة وارتفاع تكاليف المعيشة. رغم محاولاته لتمرير قانون للضرائب لمعالجة العجز المالي، تراجع عن توقيع القانون بعد اندلاع احتجاجات شعبية عام 2024.
على الرغم من أن هذه الأزمة تشكل تحديًا كبيرًا للرئيس روتو، إلا أن مصير غاتشاغوا سيظل مرتبطًا بتوازن القوى داخل البرلمان والشيوخ، بالإضافة إلى الدعم الشعبي الذي يتمتع به في بعض المناطق.
ختامًا، تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مصير نائب الرئيس، وما إذا كانت هذه الأزمة ستمثل نقطة تحول في المشهد السياسي الكيني، أو ستظل جزءًا من صراع القوى المستمر بين الرئيس ونائبه.
كينيا.. نظرة شاملة
كينيا، الواقعة في شرق إفريقيا، تُعد إحدى الوجهات المتميزة بتنوعها الطبيعي وتاريخها الغني. تحدها عدة دول منها الصومال، تنزانيا، وأوغندا، وتبلغ مساحتها حوالي 580 ألف كيلومتر مربع. عاصمتها نيروبي، وهي مدينة تعكس مزيجًا من الحداثة والطبيعة الخلابة، حيث تتمتع بمناخ معتدل بسبب ارتفاعها الجغرافي. تعتبر كينيا واحدة من أبرز الدول الإفريقية التي تشتهر بواحاتها البرية ومحمياتها الطبيعية، التي تضم تنوعاً هائلاً من الحيوانات والنباتات البرية.
المعلومات الأساسية: تُعرف كينيا رسميًا باسم “جمهورية كينيا”، ويبلغ عدد سكانها حوالي 55 مليون نسمة (بحسب إحصائيات 2023). حصلت البلاد على استقلالها في 12 ديسمبر 1963 عن المملكة المتحدة، وتعتبر السواحلية والإنكليزية اللغتين الرسميتين.
الجغرافيا والمناخ: تشمل تضاريس كينيا السهول المنخفضة والمرتفعات التي يفصلها الوادي المتصدع العظيم، كما تتواجد فيها جبال شهيرة مثل جبل كينيا، الذي يعتبر ثاني أعلى جبل في إفريقيا. المناخ في نيروبي معتدل، في حين أن مدينة مومباسا الساحلية أكثر حرارة ورطوبة. تشكل الغابات حوالي 6.3% من مساحة البلاد، ويشارك جزء من بحيرة فيكتوريا الشهيرة مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى بحيرة توركانا المشتركة مع إثيوبيا.
السكان: تتألف كينيا من أكثر من 40 مجموعة عرقية مختلفة، وأكثر من 85% من السكان يعتنقون المسيحية، فيما يشكل المسلمون حوالي 10.9%. رغم التنوع العرقي والثقافي، تعاني البلاد من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، حيث يقطن معظم السكان في المناطق الريفية.
النظام السياسي: تعتمد كينيا على نظام جمهوري متعدد الأحزاب، حيث يجمع رئيس الدولة بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. السلطة التشريعية تتكون من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، فيما يتم تعيين القضاة من قبل الرئيس بعد موافقة الجمعية الوطنية.
التاريخ: يعود تاريخ المنطقة إلى القرن الثاني الميلادي حيث كانت تُعرف بأرض “الزنج”، وقد استعمرتها البرتغال في القرن الخامس عشر قبل أن تصبح محمية بريطانية في عام 1895. حصلت كينيا على استقلالها في عام 1963، لكنها شهدت فترات من الاضطرابات السياسية مثل انتفاضة “ماو ماو” والصدامات التي تلت انتخابات 2007.
الاقتصاد: يُعد اقتصاد كينيا من الأقوى في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حيث يعتمد على الزراعة والسياحة بشكل أساسي. يُسجل الاقتصاد نموًا سنويًا بنسبة 4.8%، مما يعكس حيوية قطاعاته الاقتصادية المتنوعة.