بعدما فشل الاحتلال الصهيوني في إنكار حرب الإبادة التي يشنها على غزة، والتي أصبحت مكشوفة أمام العالم بأسره بفضل التوثيق المستمر عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بدأ الاحتلال في الآونة الأخيرة بمحاولة تبرير هذه الحرب الدموية بطرق مختلفة. حتى إن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو لجأ إلى التذكير بجريمة ارتكبها الجيش الفرنسي حين قصف حفل زفاف في شمال مالي، وبمقتل أعداد كبيرة من المدنيين في الحرب العالمية الثانية، ليقارن كل ذلك بما يتعرض له المدنيون في غزة جراء حرب إبادية يتم تصويرها اليوم على أنها مجرد ضرورة عسكرية لا بد منها. وهكذا، يكون الاحتلال قد تجاوز مرحلة الإنكار ليسقط في فخ التبرير باستدعاء التاريخ للتغطية على وقائع دامية استند إليها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، ضمن التهم التي تتطلب إصدار مذكرة ضد اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===
اعتاد العالم – خلال حرب الإبادة المتواصلة في غزة – على رؤية مجرم الحرب رئيس وزراء سلطة الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو”، وهو يرسل وفوده للتفاوض مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكنه في ذات الحين يعلن على لسان مكتبه أن الشرط الأساسي لإنهاء الحرب لن يتغيّر وهو “تدمير قدرات حماس العسكرية والسلطوية”، فهو بذلك يفاوض رجالا على إمكانية قتلهم لفرض أسلوبه الدموي، وهذا هو الجنون في حد ذاته، أو ربما الغباء.
والأخطر من كل هذا أن “نتنياهو” الذي غالبا ما يدرس مع حكومته الإرهابية مبادرات الهدنة – أو وقف إطلاق النار – المطروحة أمامه، هو نفسه “نتنياهو” الذي يُعتبر في حكم المطلوب – من المحكمة الجنائية الدولية – للاعتقال بسبب ثبوت مسؤوليته على حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال يوميا في حق المدنيين الفلسطينيين بقطاع غزة.
إنه يأمر بقتل الأطفال والنساء بينما مفاوضوه يواصلون اتصالاتهم مع الوسطاء، مستخدمين ورقة القتل المجاني كـ”أداة” للضغط عن المقاومة وإجبارها على الاستسلام، وهو ما لم ولن يحدث، ما اضطر الرئيس الأمريكية جو بايدن لاقتراح خطة حول الأسرى ووقف الحرب، تكون من خلالها إدارة بايدن قد أخذت زمام المبادرة لتحل محل إدارة مجرم الحرب نتنياهو وتفاوض حماس على ما قد يطرح على الطاولة.
وكان المجرم نتنياهو قد قارن خلال مقابلة مع قناة “تي.إف.1” الفرنسية حرب الإبادة في غزة ومقتل عشرات المدنيين بغارة نفذها الجيش الفرنسي على حفل زفاف في مالي. قائلا: هناك “قامت القوات الفرنسية في سعيها لاستهداف (قادة الإرهابيين) بقصف حفل زفاف، ما تسبب في خسائر فادحة بصفوف المدنيين”، وتابع نتنياهو “هذا شيء يحدث في الحرب، لكنني لا أقول إن ماكرون مجرم حرب”.
إن عبارة نتنياهو الأخيرة: “لا أقول إن ماكرون مجرم حرب”، تعني بالضبط إن “ماكرون مجرم حرب فما الذي يمنعني أن أكون أنا أيضا مجرما؟”، وجاءت هذه المقابلة – التي أجريت عن بعد – وسط موجة من السخط الدولي أثارها القصف الدامي لمخيم للنازحين في رفح، حيث يواصل جيش الاحتلال الصهيوني ضرباته وهجومه البري الذي بدأه في 7 ماي الجاري على المدينة المكتظة بالنازحين.
ومن جهته، لم يجد رئيس وزراء فرنسي سابق لتبرير الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة سوى تشبيهها بحرب التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في الموصل. وقال مانويل فالس: “سقط مئات بل آلاف القتلى من المدنيين الذين استخدمهم داعش كدروع بشرية في الموصل بسبب قصف الجيش العراقي والتحالف الدولي الذي تُشارك فيه فرنسا”.
وكانت تصريحات فالس جزءا من مقابلة أجراها مع “Radio J” التابع للجالية اليهودية في فرنسا، ورداً على سؤال الصحفي: “إذن فرنسا قتلت المدنيين؟”، أجاب فالس: “نعم، لسوء الحظ، كان هناك وفيات لأنها حرب”. وكان فالس قد زار الكيان في نهاية شهر أكتوبر الماضي، والتقى بعائلات المحتجزين لدى “حماس”. وكان يرافق وفدا من السياسيين الفرنسيين.
وجاء في مقال نَشرته صحيفة “هآرتس” العبرية قبل أيام، تحليلاً نفسياً مطوّلاً تناول فيه شخصية نتنياهو الذي يعاني، من عدة متلازمات مَرَضية، إحداها هي “متلازمة لويس الرابع عشر”، كناية عن الحالة التي وصل إليها الملك الفرنسي المذكور عام 1655م، حين أطلق مقولته الشهيرة “أنا الدولة، والدولة أنا” رداً على البرلمان الذي سعى إلى تذكيره بجوع الفرنسيين وانتشار الفساد.
الصهيونية وعقد الإبادة
اليوم، وفي خضم حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيونية على غزة، يبدو أن بقاء مجرم الحرب نتنياهو سياسياً ليس منوطاً بشخصيته فحسب، بل تلعب طبيعة المجتمع الصهيوني وتكوينه النفسي والأيديولوجي دوراً مهماً في مقدرة نتنياهو على استمرار التحكم فيه وقيادته إلى الهاوية، من دون أن يُحرك ساكناً لإقصاء نتنياهو أو، على الأقل، كبح جماح مغامراته ونزواته الدموية.
وجاء في المقال أن نتنياهو ليس وحده من يعاني عُقداً نفسية وسلوكية، بل إن المجتمع الصهيوني في غالبيته يعيش هو الآخر عُقد الاستعلاء والشعور بالتفوق القائم على فلسفة “شعب الله المختار” المستندة إلى الاصطفاء الإلهي، وهو ما يجعل بقية العالم “أغياراً” خارج دائرة القداسة يباح له أذيتهم، بل وقتلهم إذا لزم الأمر.
ثم إن نمط سلوك نتنياهو ووزراء حكومته في إثر الفشل والإخفاق نتيجة “طوفان الأقصى” وما تلاه، ليس جديداً ولا مستغرباً. ومن المفارقة أن غياب ثقافة تحمّل المسؤولية يُضعِف احتمال حدوثها في الواقع السياسي الصهيوني الحالي، ويبدو أن الجمهور “المُحبَط” لدى الكيان يدرك صعوبة امتثال المسؤولين المنتخبين لهذه الثقافة، وتحديداً نتنياهو، في ضوء حقيقة أنه استمر في السنوات الماضية في منصبه على الرغم من تقديم لوائح اتهام ضده.
الخُلاصة – وفق ما أورده المقال – أن الإسرائيليين يؤمنون أنهم “قِلة من البشر الأخيار مُحاطين بعالم يعاديهم ويكرههم، وأنهم يواجهون خطر الإبادة، وأنه ليس لديهم ما يخسرونه في هذه الحرب الوجودية، وأن مجرم الحرب نتنياهو، بما يفعله، يحاول حمايتهم وهو الوحيد القادر على فعل ذلك في خضم كل هذه التحديات”، ولهذا فإن التوجه نحو إبادة الفلسطينيين جزء من تكوين الفرد الصهيوني.
وبعد أن كان من المتوقع أن تجبر الإعلانات المنفصلة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية مجرم الحرب نتنياهو على وقف هجومه الحالي على مدينة رفح، قام بتكثيف فظائعه، وفقًا لموقع ميدل إيست آي البريطاني الذي أشار إلى أن محاولة أعلى محكمتين في العالم دعم القانون الدولي وإنهاء الفظائع في غزة حوّلت “إسرائيل” إلى “عدو” للقانون الدولي.
وسرد الموقع، في تقرير -بقلم جوناثان كوك- بعض الفظائع التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني، والتي وصفها مسؤولو الأمم المتحدة بأنها “الجحيم على الأرض”. وقد حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أشهر من أن الهجوم الصهيوني على رفح سيشكل “خطا أحمر”، لكن هذا الخط الأحمر تبخر فور تجاوزه من قبل قوات الاحتلال، ووصفت واشنطن الصور القادمة من رفح بأنها “تفطر القلب”.
وأضاف الموقع أنه قبل أيام من طلب محكمة العدل الدولية من “إسرائيل” وقف هجومها على رفح، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بدورها بالتحرك. أعلن كريم خان، كبير المدعين العامين، أنه سيسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق مجرم الحرب نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
ويُتهم كلا المجرمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك محاولات إبادة سكان غزة من خلال التجويع المخطط له، إذ منعت “إسرائيل” تسليم المساعدات لعدة أشهر، مما أدى إلى حدوث مجاعة، وهو الوضع الذي تفاقم بعد استيلائها مؤخرًا على المعبر الذي كان يتم من خلاله تسليم المساعدات بين مصر ورفح.
وأشار الكاتب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة “ذات أسنان” وهي أكثر خطورة على “إسرائيل” من محكمة العدل الدولية، لأن أحكامها تفرض التزامًا على أكثر من 120 دولة بموجب نظام روما الأساسي باعتقال مجرم الحرب نتنياهو وغالانت إذا وطئا أراضيها.
الحبل القانوني يضيق حول عنق “إسرائيل”
ولهذا السبب، اتهمت “إسرائيل” المحكمة بأنها “معادية للسامية” وهددت بإيذاء مسؤوليها، ووقفت واشنطن بدعمها إلى جانبها، وفقًا للكاتب. وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ردًا على سؤال بمجلس الشيوخ عما إذا كان سيدعم اقتراحًا جمهوريًا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية: “نريد العمل معكم لإيجاد الرد المناسب”.
وتابع التحقيق أنه من المرجح أن تكون الأعمال الانتقامية الأمريكية، وفقا لصحيفة فايننشال تايمز، على غرار العقوبات التي فرضها سلف بايدن عام 2020 بعد أن هددت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأفغانستان على التوالي.
وقد اتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب آنذاك المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب “فساد مالي ومخالفات على أعلى المستويات”، وهي اتهامات لم يتم إثباتها قط، ولكن مُنعت المدعية العامة وقتها فاتو بنسودا، من دخول الولايات المتحدة، كما تعهدت الإدارة باستخدام القوة لتحرير أي أمريكيين أو إسرائيليين يتم اعتقالهم.
وأشار جوناثان كوك إلى أن تحقيقا أجراه الموقع الإسرائيلي 972 وصحيفة غارديان البريطانية كشف هذا الأسبوع أن “إسرائيل”، بدعم من الولايات المتحدة، كانت تدير حربا سرية على المحكمة الجنائية الدولية منذ فترة ليست بالقصيرة، بدأت منذ أن أصبحت فلسطين طرفا في المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، وتكثف بعد أن بدأت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السابقة فاتو بنسودا تحقيقا أوليا في جرائم الحرب الصهيونية.
وجدت بنسودا نفسها وعائلتها مهددين، وزوجها يتعرض للابتزاز عندما انخرط رئيس الموساد الصهيوني يوسي كوهين شخصيا في حملة ترهيب، شبهها مسؤول مطلع على سلوكه “بالمطاردة”.
وبالفعل حاول رئيس الموساد تجنيدها إلى جانب “إسرائيل”، قائلا لها “يجب أن تساعدينا وتسمحي لنا بالعناية بك. أنت لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن عائلتك للخطر”، وتدير “إسرائيل” أيضا – حسب التحقيق – عملية تجسس معقدة على المحكمة، وتقوم باختراق قاعدة بياناتها لقراءة رسائل البريد الإلكتروني والوثائق، وقد حاولت تجنيد موظفي المحكمة الجنائية الدولية للتجسس على المحكمة من الداخل.
ولأن “إسرائيل” تشرف على الوصول إلى الأراضي المحتلة، فقد منعت مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من التحقيق بشكل مباشر في جرائم الحرب التي ترتكبها، وقامت بمراقبة جميع المحادثات بين المحكمة الجنائية الدولية والفلسطينيين الذين يبلغون عن الفظائع، وسعت لإغلاق المنظمات الحقوقية الفلسطينية وصنفتها “منظمات إرهابية”.
وأشار التحقيق إلى أن مراقبة المحكمة الجنائية الدولية استمرت خلال فترة ولاية خان، وعلمت أن مذكرات الاعتقال قادمة، وبالفعل تعرضت المحكمة، وفقا لمصادر تحدثت إلى صحيفة الغارديان وموقع 972، “لضغوط هائلة من الولايات المتحدة” لمنعها من المضي قدما في إصدار أوامر الاعتقال، بل إن مجموعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في الولايات المتحدة أرسلت رسالة تهديد إلى خان تقول “استهدف “إسرائيل” وسوف نستهدفك”.
وعلى الرغم من الترهيب، فإن الحبل القانوني يضيق بسرعة حول عنق “إسرائيل”، منذ أن أصبح من المستحيل على أعلى السلطات القضائية في العالم أن تتجاهل المذابح التي ترتكبها منذ 8 أشهر في غزة والدمار شبه الكامل للبنية التحتية، من المدارس والمستشفيات إلى مجمعات المساعدات والمخابز.
ولأن دور المحكمة الدولية ومحكمة جرائم الحرب هو على وجه التحديد وقف الفظائع وأعمال الإبادة الجماعية قبل فوات الأوان، فإن هناك التزاما على أقوى دول العالم بالمساعدة في فرض مثل هذه الأحكام، وبالتالي على مجلس الأمن أن يصدر قرارا لتنفيذ القرار.
الصدمة والرعب
وقد دعمت واشنطن بقوة، رغم أنها ليست طرفا في نظام روما الأساسي، مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ضد الزعيم الروسي فلاديمير بوتين عام 2023، وفرضت مع حلفائها عقوبات اقتصادية على موسكو، وزودت أوكرانيا بأسلحة لا حصر لها، ولكنها الآن لا ترى القيام بذلك في حالة “إسرائيل”.
ولأن دور الولايات المتحدة لا يقتصر على ترك “إسرائيل” تواصل الإبادة الجماعية في غزة -كما يقول الكاتب- بل هي تساعد بشكل نشط من خلال تزويد “إسرائيل” بالقنابل، وقطع التمويل عن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة التي تعد شريان الحياة الرئيسي لسكان غزة، ومن خلال تبادل المعلومات الاستخبارية مع “إسرائيل”، ورفض استخدام نفوذها لوقف المذبحة، فإنه يعتقد بشكل جازم أنها سوف تستخدم حق النقض ضد أي قرار ضد الكيان .
ونبه الموقع إلى أن ازدراء واشنطن لأعلى السلطات القضائية في العالم صارخ لدرجة أنه بدأ يؤدي إلى توتر العلاقات مع أوروبا التي ألقى منسق سياستها الخارجية جوزيب بوريل بثقله خلف المحكمة الجنائية الدولية، ودعا إلى احترام أي حكم ضد مجرم الحرب نتنياهو وغالانت.
ونبه الكاتب على أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تدركان تماما المخاطر المترتبة على التعامل مع “إسرائيل”، وهما لذلك تتحركان ببطء شديد وحذر في التعامل مع الفظائع الصهيونية.
وذكر أن حملة القصف “الصدمة والرعب” وسنوات الاحتلال الوحشي للعراق من قبل القوات الأمريكية والبريطانية، والاحتلال الأطول والأكثر دموية لأفغانستان، هي التي مزقت كتاب قواعد القانون الدولي ورفعت فوقه نظاما، القاعدة الوحيدة المهمة فيه هي أن القوة هي التي تصنع الحق.
ولهذا السبب، بذل خان كل ما في وسعه لعزل نفسه عن الانتقادات، وذلك بحرصه على وضع اتهامات ضد حماس أكبر من “إسرائيل”، وفي لائحة الاتهام ورط كلا من جناحي حماس السياسي والعسكري في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حين تجاهل تماما دور الجيش الصهيوني الذي ظل ينفذ رغبات مجرم الحرب نتنياهو وغالانت حرفيا على مدى الأشهر الثمانية الماضية.
والجدير بالذكر أيضا أن خان اتهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، مع أن كل الأدلة تشير إلى أنه لم يكن لديه علم مسبق بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر، وبالتأكيد لم يكن له أي دور في العمليات، كما تجاهل خان الكثير من جرائم الحرب الصهيونية التي يسهل إثباتها، مثل تدمير المستشفيات ومرافق الأمم المتحدة، والقتل المستهدف لأعداد كبيرة من عمال الإغاثة والصحفيين، وحقيقة أن 70% من المساكن في غزة قد تم تدميرها وأصبحت غير صالحة للسكن.
ومن خلال رفع القضية ضد “إسرائيل”، عرف خان بوضوح أنه كان يواجه خصما شرسا، نظرا للدعم القوي الذي تتلقاه “إسرائيل” من الولايات المتحدة، حتى إنه قام بتعيين لجنة من الخبراء القانونيين على أمل أن يوفر له ذلك بعض الحماية من الانتقام.
وفي مقابلة حصرية مع شبكة “سي إن إن”، بدا خان حريصا على استباق الهجمات القادمة، وأشار إلى أن سياسيا أمريكيا كبيرا لم يذكر اسمه حاول بالفعل ردعه عن توجيه الاتهام إلى القادة الإسرائيليين، وأشار إلى وجود تهديدات أخرى خلف الكواليس.
وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة والدولة العميلة المفضلة لديها لا تبديان أي علامة على استعدادهما للخضوع للقانون الدولي، وهم يفضلون مثل شمشون هدم البيت، على احترام قواعد الحرب الراسخة، لتصبح القوة وحدها هي التي تصنع الحق في عالم بلا قوانين، وسيكون الجميع خاسرا في نهاية المطاف.
من كل ما سبق يتضح أن “الإبادة الجماعية” هي الإستراتيجية الأساسية التي يعتمد عليها مجرم الحرب نتنياهو في حربه ضد المقاومة، وهو نهج يتجلى بوضوح من خلال التكثيف المستمر للهجمات العشوائية والجرائم الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة، بما في ذلك التجويع الممنهج للسكان ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
هذه الأعمال الإجرامية لا تعكس فقط تجاهل “إسرائيل” الصارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان، بل تؤكد أيضًا على اعتماد مجرم الحرب نتنياهو على العنف الشامل والتدمير كوسيلة لتصفية الفلسطينيين، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو تحقيق أهداف سياسية وعسكرية عبر الإبادة الجماعية وتدمير حياة المدنيين الفلسطينيين بشكل ممنهج.
للتهرب من المساءلة الدولية..
هكذا تبرّر “إسرائيل” هجماتها على المدنيين
بقلم: بثينة فراس – كاتبة وصحفية فلسطينية
يُعدُّ قتل المدنيين من الجرائم الكبيرة تحت القانون الدولي الإنساني، وحمايتهم تعدُّ من أهم ركائزه التي بُني عليها هيكله من العقوبات والمحاكمات والقوانين، وبالتالي، ليس لدولة أو جيش التصريح بقتل المدنيين علناً، ولذا يتفنن صُناع القرار في إيجاد التبريرات لتفسير قتل المدنيين في الحروب.
وفي خضم العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزّة – الذي وصف من حقوقيين بأنه إبادة جماعية – يحاول جيش الاحتلال في كل مرة تبرير مقتل وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وادعى أن قتلهم لم يكن مقصودا أو أنهم كانوا مجرد أضرار جانبية.
ولكن الحجة المفضلة لدى السياسيين والإعلاميين المناصرين لـ “إسرائيل” لتبرير عدد المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا على يد جيش الاحتلال وصواريخه هي لوم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وادعاء أنها تجعل من الفلسطينيين دروعا بشرية ضد الجيش الإسرائيلي.
ففي تصريحات لشبكة “سي إن إن” قالت كارين حاجيوف المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي “بصفتنا جيش يلتزم بالقانون الدولي والمعايير الأخلاقية، نخصص الكثير من الموارد لتقليل الأذى الذي يتعرض له المدنيون الذين غصبتهم حماس على أداء دور الدروع البشرية. فحربنا ضد حماس وليست ضد شعب غزة”.
على من تقع المسؤولية؟
ترسم تهمة الدروع البشرية صورة وحشية في خيال المستمع لرجال مسلحين يستخدمون النساء والأطفال لحماية أنفسهم، وبالتالي تبرر ضرورة استمرار القتال حتى إن أدى ذلك لقتل المدنيين، كما أن هذه الصورة هي محاولة لإسقاط المسؤولية التي يتحملها المهاجم.
ويشير المصطلح إلى أي “مدني يوضع أمام هدف عسكري، بحيث يردع كونه مدنيا العدو عن مهاجمة ذلك الهدف”. إن حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، وبالتالي تحظر مجموعة متنوعة من الصكوك القانونية استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب.
ولكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أنه حتى إذا لجأ طرف ما في الحرب إلى استخدام الدروع البشرية، فإن الطرف المهاجم لا يزال ملزما بموجب القانون الدولي الإنساني بالتمسك بمبادئ الاحتياط والتناسب، أي أن على الطرف المهاجم أخذ كل معايير الاحتياط التي من شأنها تقليل عدد الضحايا المدنيين ويجب على الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم أن تكون متناسبة مع قوة الهجوم التدميرية وحصيلة الأرواح الناتجة عنه.
وإن وجد الطرف المهاجم أن العملية العسكرية قد يفوق ضررها فائدتها فيجب عليه وقفها وتصبح الهجمة محظورة تحت القانون الدولي الإنساني، ويعني ذلك أنه في حين أن استخدام الدروع البشرية محظور، فمن الممكن لهجمة أن تكون قانونية إذا ما كانت متناسبة.
وقانونيا، هناك نوعان من الدروع البشرية، طوعية وغير طوعية، وينطبق التصنيف الأول على المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيّمة لديهم، أما الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه.
وتنص مواد القانون الدولي على حماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال تضر بالعدو، ولكنه لا يوضح ما إذا كان جعل المدنيين من أنفسهم دروعا بشرية طوعية يعد مشاركة مباشرة في النزاع.
وفي العدوان على غزة، بررت “إسرائيل” هجومها على مشفى الشفاء، بالقول إن هناك مقرا لقيادة حماس تحته، وبأن الحركة استخدمت المدنيين فيه دروعا بشرية، ولكن وبعد دخول جيش الإحتلال للمشفى، وُجد أن المزاعم الإسرائيلية لم تقدم حججا مقنعة تبرر الهجوم، وقصف المدنيين داخل المستشفى وقتلهم.
ولطالما سخّرت “إسرائيل” مفهوم الدروع البشرية لشرعنة هجماتها، رغم النقد العالمي المستمر لذلك، ويقول الباحث تشارلز أندرسون إن الجيش البريطاني استخدم الفلسطينيين دروعا بشرية في محاولته لقمعهم، وورث الجيش الإسرائيلي الممارسة بعد ذلك.
وإذا ما عاينا الأدلة نجد أن الطرف الوحيد في النزاع الحالي الذي استخدم الدروع البشرية بشهادة وتوثيق المنظمات الإنسانية والعالمية والحقوقية هو “إسرائيل”، ورغم قصص الضحايا التي لا تنتهي في كل حرب تشنها “إسرائيل” على غزة، يتعسر في كل مرة جمع الأدلة التي تدين الاحتلال رغم أنها تملأ المواقع، ومقاطع الفيديو، والكتب، والمقالات الأكاديمية.
وجعلت “إسرائيل” استخدام الدروع البشرية سياسة حربية معلنة لجيشها خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000، وكان أفراد جيش الاحتلال يقتحمون البيوت عشوائيا ويجبرون ساكنيها على مساعدتهم في تحقيق أهدافهم العسكرية.
وتضمنت الممارسات استخدام الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين دروعا بشرية في 2002 كإجبارهم على دخول بيوت الملاحقين للتأكد من وجودهم، ودخول المباني المشتبه بأنها مفخخة، وجعلهم درعا بين أنفسهم وبين جماهير الفلسطينيين الغاضبة لردع الطلقات أو الحجارة في اتجاههم، والاختباء وراء ظهورهم وإطلاق النار، وحبسهم في البيوت التي اقتحمها الجيش واتخذها مقرا لمنع المقاومة من الهجوم، وغصبهم على التقاط بعض الأشياء من الشارع المشتبه بأنها مفخخة.
نصف القنابل التي ألقيت على القطاع غير موجّهة
وخلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة -وفقا للتقييمات الأميركية- فإن نصف الذخائر والقنابل التي ألقيت على القطاع غير موجهة.
ووفق تحليلات الخبراء التي جمعتها الصحفية جوليا فرانكل من وكالة أسوشيتد برس فإن حرب “إسرائيل” تعتبر من أكثر الحروب فتكا وخطرا من بين الحروب المعاصرة.
واستدلت فرانكل باستنتاجات الباحثين كوري شير، وجامون فان دين هوك من جامعة نيويورك وجامعة أوريغون، وهما خبراء في رسم الخرائط لتقييم الأضرار أثناء الحروب.
ووجد الباحثان أن “إسرائيل” قد حطمت ثلثي المباني في شمال قطاع غزة وربع المباني في جنوب خان يونس، وأعربا عن قلقهما من استخدام “إسرائيل” القنابل غير الموجهة على مساحة ضيقة ومكتظة سكانيا مع اليقين بأنها ستؤدي لقتل المدنيين.
ويعلق الباحث نيف غوردون في مقابلة مع مجموعة “مشروع البحوث والمعلومات حول الشرق الأوسط” قائلا إنّ “إسرائيل” عبر ادعائها المستمر بأن 20 ألف مدني كانوا دروعا بشرية، تحول المدنيين من أبرياء محميين إلى مشاركين غير مباشرين بالحرب”.
وأضاف أن “ضم شعب بأكمله تحت مسمى الدروع البشرية ينخر بالعديد من الحدود القانونية التي وضعت لحماية المدنيين، ويوسع نطاق دائرة العنف الذي قد تستخدمه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين”.
ويرى خبراء حقوقيون أن تسمية 20 ألف مدني بـ”دروع بشرية” مع استمرار قصفهم بقنابل غير موجهة لقتلهم، هو مثال لكيفية استخدام بعض السياسيين المصطلحات القانونية لإضفاء جو من الشرعية على تصرفات تنتهك القانون الدولي الإنساني.
ويضرب آخرون مثالا لذلك، بقولهم إنه “إذا استخدم إرهابي المدنيين دروعا بشرية في مبنى في وسط باريس أو نيويورك مثلا، فهل من المنطقي تدمير المبنى بأكمله وسط المدينة؟ أو هل لأحد من عناصر الأمن أن يقترح حلا كهذا؟ عند طرح هذه الأسئلة يتبين للسامع مدى غرابة وفظاعة الافتراضات التي تحوم وراء هذه التبريرات”.
ما وراء القتل المتعمّد للمدنيين..
“الإبادة الجماعية”.. إستراتيجية “إسرائيل” في الحرب
بقلم: د. عمرو هاشم ربيع – باحث إستراتيجي مصري
لا يزال عدد ضحايا الاعتداء على المدنيين في غزة في ارتفاع متواصل، وسيتواصل هذا الارتفاع بعد انتهاء العدوان، عندما تبدأ عملية رفع الأنقاض لتتكشّف عن مزيد ومزيد من جثث الشهداء، ناهيك عن الوفاة المحتملة لبعض جرحى العدوان البربري على أسرّة المستشفيات، بسبب إصاباتهم الخطيرة.
والمؤكد أن “إسرائيل” تعي أن الغالبية العظمى من ضحاياها هم مدنيون، لا يربطهم رابط سياسي – وبالأحرى عسكري – بحركة حماس، وأن غالبيتهم أطفال ونساء وبعضهم من موظفي الأمم المتحدة، كما تدرك أن غالبية المباني التي سوّتها بالأرض هي مساكن يقطنها مدنيون عُزل، وأن بعضها مستشفيات ومساجد وكنائس أو منشآت للأمم المتحدة، وأن بعض السيارات المستهدفة كانت سيارات إسعاف.
واقع الأمر أنّ هناك أسبابًا خاصة بغزة وأخرى عامة، يمكن إيجازها فيما يلي:
أولًا: السعي إلى تعميق فكرة التّرانسفير أو التهجير إلى مصر وهذه فكرة متصلة بتاريخ حركات وعصابات الاستيطان، التي كانت تُمعن في القتل والتشريد بغية تعميق خوف الفلسطينيين على حياتهم، ليهربوا، فيحل مكانهم يهود من مختلف بلدان العالم، بعبارة أخرى، أن فكرة التخويف وعدم الأمان- وإن كانت ظاهرة للعيان في حرب غزة- متجذرة في الفكر الصهيوني، وقد حدثت بالفعل في تهجير الكثيرين من أرض فلسطين بعد قرار التّقسيم رقْم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم عام1947، ثم عقب نكبة 1948، وهي منذ العام 1967 سياسة متّبعة بغية تهجير سكّان الضفة الغربية إلى الأردن.
ثانيًا: غرس كراهية حماس في نفوس مواطني غزة
على اعتبار أنّ حماس هي من تتسبب لهم في النكبات على حدّ زعمهم، فيقود ذلك إلى الفتنة والاقتتال الداخلي، فلا يصبح القطاع بيئة آمنة للمقاومة، وينزع سكانه فكرة المقاومة من قاموسهم السياسي، ويقبلون بالأمر الواقع، وهو عيشة الخنوع، في مقابل الأمن الشخصي، وتطليق فكرة العيش بكرامة، ولو كان الثمن هو الحياة.
ثالثًا: استرداد كرامة “إسرائيل” كدولة متفوقة
ولو عبر ضرب أهداف لا قيمة عسكرية لها، وهي تدرك أنها مكروهة من جميع محيطها كدولة (ومجتمع)، وأنها تعيش وفق مبادئ شريعة الغاب، وأنها نموذج للدولة العاصية في القانون الدولي وفي النظم السياسية المتحضرة، لأن أفكارها تناقض كلية مفاهيم حق تقرير المصير وسيادة الشعوب على أرضها وثرواتها ومقدساتها، فالسلطة الصهيونية تدرك أنها شعب شتات لا تمكن حمايته إلا بالطرق والوسائل غير التقليدية، كالمذابح وطرد السكان وتشريد أصحاب الأرض، وأن حقيقتهم أنهم مشروع استعماري استيطاني مدعوم من الغرب لتحقيق مصالحه ومصالحهم.
وهذا الأخير(الغرب) أنشأ هذا الكيان ليضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية يتخلص من وجود اليهود في أوروبا، ومن ناحية أخرى يستخدمهم كمخلب قط لتحقيق مصالحه في هذه المنطقة من العالم الغنية بالنفط، والتي تمثل لليهود حلمًا قديمًا، لذلك كله أصاب “طوفان الأقصى” غرور كثيرين في السويداء، سويداء كل صهيوني محتل، وسويداء مؤسسي الكيان في الغرب المعجبين بقدرته على العيش وسط التحديات، وسويداء من واجهوه فخسروا معاركهم معه، وسويداء الراغبين في التطبيع معه بسبب قدرته على تحدي قوانين الطبيعة.
رابعًا: التغطية على الفشل في مواجهة حماس
فجيش الاحتلال الذي تحول خلال العقود الماضية إلى جيش نظامي يجيد فنون الحرب في الساحات المحدودة وأمام الجيوش النظامية، فقدَ تدريجيًا لياقته في حروب العصابات، التي كانت تجيدها عصاباته الصهيونية في البداية، وهو بهذه الصورة أقل قدرة على مواجهة رجال المقاومة الفلسطينية الذين يجيدون حرب الشوارع، ويستخدمون أسلحة بدائية غير معروفة تربك العدو، لذلك لم يكن غريبًا أن “إسرائيل” أدركت منذ عدة سنوات أهمية العودة لحرب العصابات، عبر دسّ ما يسمى باليهود المستعربين وسط سكان الأرض الأصليين، وتسليح المستوطنين.
خامسًا: يرتبط قتل المدنيين بالعقيدة الصهيونية القائمة على النظر باحتقار ودونية للآخر، وسلب حقوقه دون هزة من ضمير “ليس علينا في الأميين سبيل…آل عمران”، واعتبار أنفسهم شعب الله المختار، المخلوق ليسود العالم، ومن ثم فإن من يقاومهم يستحق القتل والتشريد، وقد عبّر عن ذلك بن جوريون أول رئيس لوزراء “إسرائيل” بقوله: “نحن الشعب الكنز.. بوسعنا أن نصبح منارة لكل الأمم”.
هذه الأفكار التي تحمل كل أشكال الغرور، هي التي أفرخت العنف تجاه من يسمونه “المحتل العربي”، وهي أفكار تجذرت بعد اضطهاد اليهود في أوروبا تاريخيًا، ما جعلهم يرفعون شعار المظلومية، وهو شعار يستجدون به تعاطف الغرب، فعلوها مع بريطانيا لتدعم إنشاء كيان لهم، ويفعلونها مع أميركا اليوم عبر اللوبي الصهيوني المتغلغل في شرايين الدولة والمجتمع ووسط تيار المسيحية الصهيونية، لذلك ليس غريبًا في ظل وجود ذلك اللوبي، أن تتحدى أميركا العالم كله بالدفاع عن الكيان العدواني اليهودي، مهما قتل وعذّب ليس فقط من يقاومونه من أصحاب الأرض، بل العزل من المدنيين، وهو ما تكرسه العقيدة الصهيونية في مناهج التعليم والقوانين العنصرية.
من الذل التاريخي إلى الغطرسة المعاصرة..
غرور نتنياهو يعجّل بزوال الكيان الصهيوني
بقلم: عبد الله المَشوخي – أكاديمي فلسطيني
عاش اليهود عبر التاريخ في ذل وهوان ومسكنة لأسباب عدة منها كفرهم بآيات الله، وقتلهم للأنبياء بغير حق وعصيانهم لله واعتدائهم.
وبسبب غطرستهم وفسادهم ومراباتهم وغدرهم ونقضهم للعهود لفظتهم كافة الأمم والشعوب، وعلى سبيل المثال.. عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وادع اليهود وأمنهم على أموالهم ونفوسهم ودينهم وفق معاهدة حفظت لهم كافة حقوقهم، لكنهم كعادتهم غدروا ونقضوا العهد وقاموا بتأليب الأحزاب لمهاجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وبسبب غدرهم ونقضهم للعهود تم قتل رجالهم ومصادرة أموالهم وسبي نسائهم وصدق فيهم قول الحق سبحانه وتعالى: (يخربون بيوتهم بأيديهم).
واستمرارا لصلفهم وغطرستهم وعنجهيتهم المتأصلة في نفوسهم المريضة، نجد نتنياهو يقود شعبه نحو الهلاك، فهو يرى نفسه فريد زمانه ووحيد قرنه وأنه أكثر زعيم حكم الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، لذلك تجده في كل خطبة يفتخر بأن الكيان في عهده أصبح من أفضل دول العالم تقدما في مجال التقنيات والتكنولوجيا والأمن السيبراني والطب والطاقة والتصنيع والحوسبة التي تحلل الرموز.. إلخ.
وأنه استطاع اختراق العديد من الدول العربية والإسلامية في بناء علاقات دبلوماسية وتجارية معها، وأن عدد المهاجرين اليهود للكيان ازداد في عهده…الخ حتى أصيب الرجل بغرور القائد العظيم الملهم .
وعندما حل بكيانه اليوم الأسود -كما سماه- يوم السابع من أكتوبر أصيب الرجل بصدمة جارفة حطمت كبرياءه وكافة آماله، فتعامل مع الطوفان بجرائم مروعة يندى لها الجبين جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلا، مما أفقد الكيان سمعته ومكانته لدى أغلب دول العالم.
ورغم ذلك استمر في جرائمة غير عابئ بأخلاقيات الحروب وسائر القوانين والأعراف الدولية، ودون أدنى اعتبار لسائر الاحتجاجات العالمية على جرائمه بل اخذ يتعامل مع الكل بسياسة لي الذراع ومنطق القوة ومخالفة التيار ظنا منه أنه سيعيد للكيان هيبته وقوته ومكانته، ولكن النتائج جاءت عكس ذلك.
وعلى سبيل المثال في الجانب العسكري فشل فشلا ذريعا حيث فقد آلاف الجنود بين قتيل وجريح وأسير وخسر أغلب معداته العسكرية التي طالما تبجح بتفوقها.
وعلى المستوى السياسي خسر العديد من الحلفاء بل إن بعض الدول قطعت علاقتها الدبلوماسية مع الكيان، وأخرى اعترفت بدولة للفلسطينيين، ودول أخرى توترت علاقتها بهم.
وعلى المستوى الاقتصادي، تراجع الاقتصاد تراجعا كبيرا وأصبح الكيان بيئة طاردة للشركات وسائر المؤسسات الاقتصادية لفقدان الأمن وازدادت فاتورة ثمن المعركة بسبب إطالتها لعشرات المليارات، واضطرت الشركات الصهيونية للتسجيل في الولايات المتحدة الأمريكية استعدادا لمغادرة الكيان.
وعلى المستوى الأمني، ساد الخوف والرعب كافة المستوطنين وبدأوا بالهجرة العكسية لعدم شعورهم بالأمن والاستقرار فضلا عن هجرة داخلية لمئات الآلاف منهم .
وعلى المستوى الأخلاقي، أصبح الكيان في نظر العالم كيانا نازيا عنصريا مجرما بعد أن كان في نظرهم كيانا حضاريا ديموقراطيا.
ووفق القانون الدولي، أصبح الكيان متهما لدى محكمة العدل الدولية باقتراف جرائم إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة.
وعلى المستوى الاجتماعي، أخذ الكيان بالتفكك والتشرذم والانقسام بين المتدينين والعلمانيين.
وعلى المستوى العالمي، اجتاحت جامعات الدول الغربية لا سيما أمريكا ثورة طلابية عارمة تندد بجرائم الكيان وتطالب بحقوق للفلسطينيين، إضافة إلى مظاهرات عارمة تجوب عواصم دول العالم تندد بجرائم الكيان.
ورغم كل ما سبق نجد نتنياهو يعمل على مخالفة التيار ظنا منه أن العالم كله رهين قبضته، فهو تارة يهدد محكمة العدل الدولية قائلا: “لست قلقا بشأن مكانتنا وينبغي على المدعي العام أن يقلق بشأن مكانته”.
وتارة يعاقب الدول التي اعترفت بدولة للفلسطينيين، وتارة يصف طلاب الجامعات المؤيدين للفلسطينيين داخل الجامعات الأمريكية بأنهم غوغاء معاديين للسامية، وردا على قرارات أممية بمنع اجتياح رفح، يقوم بقصف المدنيين العزل داخل خيامهم متحديا الجميع.
هكذا يتصرف نتنياهو بسياسة هوجاء متغطرسة أوصلت الكيان الصهيوني إلى أسوأ مرحلة في تاريخه، وهذا ما أكده العديد من قادة الكيان الصهيوني، فقادة الجيش على سبيل المثال يتهمونه بتعريض حياة الجنود للخطر، وفريق التفاوض يتهمونه بإضاعة الوقت.
وقادة الائتلاف الحكومي يتهمونه بالتصرف كعدو لـ”إسرائيل” وأنه أضر بصورة “إسرائيل” أمام المجتمع الدولي بأكمله.
وزعيم المعارضة لابيد يصف حكومة نتنياهو أنها أكذب حكومة وافظعها في تاريخ البلاد.
في الختام، لعل نتنياهو وبسبب صلفه وكبريائه وغطرسته يكون سببا في انهيار وزوال الكيان، لأنه يفتقر إلى الحنكة وبعد النظر ويتصرف بدافع الانتقام والحرص على سلامته وتحقيق نصرا بعيد المنال يهدف إلى إعادة هيبة الكيان وقوته، ولكن هيهات هيهات فالوقت يمضي لغير صالحه وكل يوم يمضي ينحدر الكيان فيه نحو الهاوية والتفكك والتشرذم.
نتنياهو يتآمر على بايدن ويمعن في إهانته..
حرب غزة في معادلة الانتخابات الأمريكية
بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني
بنيامين نتنياهو يجلس مرتاحا في مقعد رئيس الحكومة، وغير مكترث بالدعوات لإسقاطه، أو بدعوات لحل “الكنيست” وتقديم موعد الانتخابات، فحكومته تحظى بدعم 64 نائبا في “الكنيست”، إذ تتكون الحكومة الائتلافية من ستة أحزاب يمينية هي: الليكود (32 مقعدا) يهدوت هتوراه (7 مقاعد)، شاس (11 مقعدا)، وحزب الصهيونية الدينية، “اندماج أحزاب دينية” (14 مقعدا) وهم جماعة بن غفير وسموتريتش.
لذلك رد بكل برود وتحد واحتقار على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بايدن الجمعة وعرض فيه تفاصيل مقترح جديد لوقف إطلاق النار. وقال النتن بشكل مباشر وصريح إن “شروط “إسرائيل” لإنهاء الحرب لم تتغير، وهي عبارة عن تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية، وإطلاق سراح كافة الرهائن، والضمان بأن غزة لن تشكل تهديداً على “إسرائيل”.
وأضاف أنه “بموجب المقترح، ستواصل “إسرائيل” الإصرار على استيفاء هذه الشروط قبل أن يتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. إن فكرة موافقة “إسرائيل” على وقف دائم لإطلاق النار قبل استيفاء هذه الشروط هي فكرة غير مقبولة”.
إذن الرد أن مبادرة بادين وما جاء في خطابه “فكرة غير مقبولة”.
ليس فقط أن نتنياهو يمعن في إهانة بايدن والتقليل من شأنه وإحراجه أمام العالم بل أنه يتآمر عليه، وبايدن يعرف ذلك تماما لكنه مثل بطة عرجاء مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بالكاد يستطيع الوقوف على قدميه.
وبحسب ما ورد، ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، فقد التقى نتنياهو، بثلاثة مبعوثين للسياسة الخارجية يعملون مع الرئيس السابق، والمرشح الرئاسي الحالي، دونالد ترامب، الذي لا يزال بإمكانه الفوز في الانتخابات، على الرغم من إدانته بنحو 34 تهمة جنائية. وما رشح عن هذا الاجتماع قليل لكنه كان مؤشرا على ما يخطط له النتنن.
وأخبر ترامب، المانحين اليهود، أنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، فإنه سيشن حملة صارمة على الجماعات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، بل سيقوم بترحيل الطلاب الأجانب المشاركين في هذه الاحتجاجات.
وعلى عكس رغبة إدارة بايدن، يستعد نتنياهو قريبا بناء على دعوة من الجمهوريين لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة في “الكونغرس”. وهو بذلك يكسر الشراكة الثنائية مع الحزبين التي انتهجها الاحتلال على مدى سنوات طويلة، نتنياهو تحالف مع الجمهوريين وأظهر احتقارا وازدراء للديمقراطيين.
بالطبع بايدن قدم لسلطة الاحتلال دعما ماليا وعسكريا ولوجستيا وسياسيا غير مسبوق، لكن احتقار نتنياهو له نابع من شخصية النتن نفسه، الشخصية الاستعلائية العدائية التي لا تتقبل أي نقد أو اختلاف في الآراء، شخصية عنيدة ومدمرة، تتسلح بكمية هائلة من الأكاذيب والتضليل، سيبقى في حالة حرب بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتجديد النصفي في “الكونغرس”.