يعيش رئيس سلطة الكيان الإرهابي –مجرم الحرب- بنيامين نتنياهو، في فقّاعة من الأوهام حيث يخطّط لتنفيذ أهدافه في الشرق الأوسط، ظنّا منه أن عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ستكون المفتاح الذي يسهّل له ذلك. ويراهن الإرهابي نتنياهو على تغييرات تكتيكية سطحية، مثل تطبيع العلاقات مع دول الخليج والتخلص من التهديد النووي الإيراني، في حين أن هذه الخطط تفتقر إلى أبسط الأسس المنطقية، ما يجعلها أقرب إلى التلاعب المتهور الذي سيعمّق الأزمات الإقليمية ويغذي عدم الاستقرار ويضرّ بحلفاء الكيان أنفسهم.
نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية مقالًا للكاتب الإسرائيلي شالوم ليبنر، الذي شغل منصب مستشار في مكتب رئيس سلطة الكيان الإرهابي خلال فترة خدمة سبعة رؤساء وزراء متعاقبين. وسلّط ليبنر في مقاله، الضوء على سياسات مجرم الحرب بنيامين نتنياهو التي تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، محذرًا من أن هذه السياسات المنقطعة عن الواقع تقترب من حافة الفشل المدوي. ويُظهر المقال أن نتنياهو يراهن على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كوسيلة لتحقيق أهدافه المزعومة، مثل القضاء على حلفاء إيران في العراق وسوريا واليمن، وإنهاء التهديد النووي الإيراني، وتصفية ما يُسمى “حل الدولتين”، ودفع دول الخليج نحو تطبيع كامل مع الكيان. ولكن في واقع الأمر، يشير ليبنر إلى أن هذه الخطط لا تعدو كونها أوهامًا سياسية محفوفة بالمخاطر.
فبينما يسعى الإرهابي نتنياهو إلى تعزيز قبضته على المنطقة من خلال صفقات تكتيكية قد تُعتبر نجاحات مؤقتة، إلا أن ليبنر يحذر من أن هذه “النجاحات” لن تضمن استقرارًا طويل الأمد، بل قد تؤدي إلى سلسلة من الأزمات المتوالية. ففي غياب أي خطوات حقيقية وذات مصداقية، ستجد “إسرائيل” نفسها غارقة في صراعات مفتوحة لا نهاية لها، ما يعزز عزلتها الدولية ويدفعها إلى مزيد من التأزيم الأمني والاقتصادي. وفي هذا السياق، تصبح رهانات مجرم الحرب نتنياهو على دعم ترامب أشبه بسراب ووهم وخيالات، إذ إن الدعم الأمريكي قد يكون غير مستقر ويعتمد على تقلبات سياسية غير مؤكدة، ما يزيد من هشاشة الموقف الصهيوني في ظل الفشل المتوقع لخططها الإقليمية.
يستند نتنياهو، وفقًا لرؤية الكاتب، إلى تصور مفاده أن ترامب سيقدم دعماً غير مشروط لسلطة الكيان، استنادًا إلى سجله السابق في تعزيز اتفاقات أبراهام وفرض “الضغط الأقصى” على إيران. ومع ذلك، يحذّر ليبنر من خطورة هذا الرهان، مشيرًا إلى أن ترامب –بسبب مزاجيته وتقلبّباته- “شخص غير قابل للتنبؤ بتصرفاته”، وأن هذا الدعم قد يأتي على حساب “عزلة (إسرائيل) على الساحة الدولية”. ويضيف الكاتب أن الإفراط في الاعتماد على الولايات المتحدة قد يجعل وضع الكيان “أكثر هشاشة” ويعرضها لمخاطر استراتيجية.
رغم الدعم العسكري والدبلوماسي الكبير الذي تقدمه إدارة الرئيس جو بايدن للكيان، يشير المقال إلى أن العلاقة بين بين عصابات واشنطن والمجموعة الإرهابية في “تل أبيب” شهدت توترات عديدة. وقد تجسد ذلك في “الاحتكاك المتزايد مع الولايات المتحدة” بسبب رفض سلطة الكيان التوصل إلى وقف لإطلاق النار ورفضها السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما يشير المقال إلى أن اليمين الصهيوني يرى في عودة ترامب فرصة لتعزيز طموحاته التوسعية في الضفة الغربية، استنادًا إلى اعتقاد بأن الانتصارات العسكرية قد تجبر أعداء الاحتلال على السعي إلى السلام المذلّ. لكن ليبنر يحذر من أن هذا النهج المتعلق بتعزيز “القبضة العسكرية للاحتلال على الضفة الغربية”، معتبرا أنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات ضد الكيان في فلسطين وحتى في نوادي المجتمع الدولي.
يتناول ليبنر طموح مجرم الحرب نتنياهو في تحقيق تطبيع شامل مع الدول العربية، وخاصة السعودية، مستفيدًا من العلاقات الوثيقة بين ولي العهد محمد بن سلمان والولايات المتحدة، ذلك أن مجرم الحرب نتنياهو يرى في ترامب ورقة رابحة لتحقيق هذا الهدف، خاصة أن الأخير كان يُعتبر، كما يصفه ليبنر، “أعظم صديق للكيان في البيت الأبيض”. ومع احتمال تعيين شخصيات داعمة للكيان مثل السيناتور ماريو روبيو ومايك هاكابي في مناصب حساسة، تعزز سلطة الاحتلال ثقتها في الحصول على دعم أمريكي غير مشروط.
يشير الكاتب إلى الضغوط الهائلة التي يواجهها مجرم الحرب نتنياهو من داخل ائتلافه الحكومي، خاصة من شخصيات إرهابية مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يدفعان باتجاه تبني سياسات أكثر عدائية وتصعيدية. ويتجلى هذا النهج في تصريح سموتريتش بأن “عام 2025 سيكون عام السيادة الصهيونية في يهودا والسامرة”، وهو ما يعكس نية واضحة لتعزيز السيطرة على الضفة الغربية، مما يزيد تعقيد المشهد الإقليمي ويؤجج التوترات بشكل غير مسبوق.
تزوير وابتزاز
يتناول الكاتب الوضع الداخلي في “إسرائيل”، مشيرًا إلى الإرهاق الكبير الذي يشعر به الجمهور الإسرائيلي بعد أكثر من عام من الحرب. مع استمرار احتجاز الرهائن في غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية، يواجه “الجيش” الصهيوني ضغوطًا متزايدة. كما يلفت ليبنر إلى استياء جنود الاحتياط الذين أمضوا فترات طويلة بعيدًا عن أسرهم وأعمالهم، خصوصًا من الطبقات المتدينة المتطرفة (الحريديم) الذين يتجنبون المسؤولية. هذا الغضب الداخلي قد يؤثر بشكل سلبي على معنويات “الجيش” الصهيوني، ويزيد من تعقيد تنفيذ سياسات سلطة الاحتلال.
وترى تقارير حقوقية أن سلطة الاحتلال تسعى في ظل الضغط الهائل على “الجيش” الصهيوني إلى تقليل العبء عن المنظومة العسكرية عبر تجنيد غير رسمي لقطعان المستوطنين لتنفيذ اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ يمنحهم حرية الحركة بحماية أمنية تحت غطاء حكومي مع حصانة تبعدهم عن أي مساءلة قانونية، وهو ما تدينه أغلب المنظمات الحقوقية حتى لدى الغرب.
في هذا السياق، يقدم ليبنر صورة معقدة للطموحات الصهيونية المبنية على معطيات خاطئة وسياسات متذبذبة، مع مخاوف من أن تتحول الحرب إلى ساحة اشتباك تهدد مصالح الغرب وقد تعرض مواقعه للاستهداف. كما يبدو أن ترامب لن يظل داعمًا قويًا للسياسات الصهيونية كما كان يتوقع نتنياهو، في وقت تزداد فيه الضغوط الدولية على “إسرائيل” بسبب ممارساتها في الأراضي المحتلة. هذا، فيما تتفاقم داخليًا، الانقسامات بين فئات المجتمع الإسرائيلي، مما يعقد الوضعين السياسي والعسكري. وهذه العوامل مجتمعة تخلق عوائق كبيرة أمام طموحات مجرم الحرب نتنياهو في المنطقة.
يشير ليبنر إلى تورط كبار موظفي الإرهابي نتنياهو في قضايا فساد خطيرة، بما في ذلك ابتزاز ضباط “الجيش” الصهيوني وتزوير البروتوكولات الحكومية للتغطية على مخالفات. هذه القضايا تعمق المأزق الذي يواجهه رئيس الحكومة، الذي يخضع لمحاكمة فساد خاصة به بعد استنفاد جميع سبل الاستئناف، مما يعكس تدهورًا في الثقة والشرعية داخل حكومته. وإضافة إلى ذلك، يتم التحقيق مع أحد المتحدثين باسم مجرم الحرب نتنياهو بتهم تسريب معلومات استخباراتية سرية، ما يعرض الأمن القومي للخطر ويزيد من تعقيد الموقف السياسي.
ويُسلط ليبنر الضوء على قرار نتنياهو بإقالة الجنرال غالانت، الذي كان يُعتبر من أبرز المسؤولين الإسرائيليين المقربين من إدارة بايدن. ويعزو الكاتب هذه الخطوة إلى محاولة نتنياهو استرضاء الحريديم في الائتلاف الحكومي، الذين هددوا بالانسحاب ما لم يتم إقرار تشريع لإعفائهم من الخدمة العسكرية. هذه المناورة السياسية تكشف عن أولويات مجرم الحرب نتنياهو الشخصية في الحفاظ على السلطة على حساب الأمن القومي للكيان المخترق من كل جانب، مما يضعف تماسك المجتمع الإسرائيلي ويزيد من توتر العلاقات مع (القوات المسلحة) التي كانت –قبل انطلاق “طوفان الأقصى” تشكل أساس القوة الصهيونية.
المخاطر العسكرية التي تواجه “إسرائيل”
ينتقل ليبنر إلى الحديث عن المخاطر العسكرية التي تهدد “إسرائيل”، لا سيما في غزة ولبنان. فعلى الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي من حيث العتاد والوسائل وتعداد الجنود، يشير الكاتب إلى أن “إسرائيل” قد تجد نفسها غارقة في صراعات طويلة الأمد، تشبه المستنقع الفيتنامي، مما يعقد بشكل كبير وضعها العسكري. ويستعرض التهديدات المستمرة من حزب الله وإيران بالانتقام من “إسرائيل”، موضحًا أن “الجيش” الصهيوني يعاني من نقص حاد في الجنود والذخيرة، مما يزيد من تعقيد وضعه المزري خاصة أنه حتى هذه اللحظة لا يزال يتعرض لهزائم كبيرة وبشكل يومي.
كما يلفت ليبنر إلى أن مجرم الحرب نتنياهو يسعى حاليًا إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حزب الله كهدية لترامب بعد الانتخابات الأمريكية. لكن هذا المسعى قد يواجه معارضة شديدة من اليمين الديني الصهيون، لا سيما من سموتريتش وبن غفير، اللذين يعارضان أي جهود لتقليص الوجود العسكري الصهيون في غزة والضفة الغربية. هذه الخلافات الداخلية قد تدفع “إسرائيل” إلى مسار تصادمي مع ترامب، الذي قد يفضل سياسات أكثر تصالحًا.
وإمعانا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023، دعا الإرهابي سموتريتش إلى إعادة احتلال قطاع غزة وخفض عدد الفلسطينيين فيه إلى النصف من خلال تشجيع ما أسماها “الهجرة الطوعية”. وقال سموترتيش في مؤتمر مجلس المستوطنات الصهيونة في الضفة الغربية يوم الإثنين: “لدى (إسرائيل) فرصة ذهبية في عهد الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترمب، (لتشجيع) سكان قطاع غزة على الهجرة الطوعية”، مضيفًا أنّ الهدف هو تقليص عدد سكان القطاع إلى النصف.
يتناول ليبنر أيضًا التحديات التي يواجهها مجرم الحرب نتنياهو -الذي أصبح مُلاحقا من العدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية- في مجال تطوير علاقاته مع المملكة العربية السعودية. فمع رفض سموتريتش وبن غفير لأي مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو المطلب الأساسي للرياض، يواجه مجرم الحرب نتنياهو صعوبة كبيرة في إرضاء المملكة. كما يشير الكاتب إلى أن السعودية قد تكون أكثر ميلًا للتقارب مع إيران في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، ما يعقد جهود “إسرائيل” للضغط على الرياض في قضايا الأمن الإقليمي.
في الختام، يوجه ليبنر نصيحته إلى مجرم الحرب بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرارات جذرية وحاسمة لإنهاء الحروب الدائرة حاليًا، مشددًا على أن استمرار هذه الفوضى المشتعلة لن يؤدي سوى إلى إلحاق أضرار جسيمة بمصالح “إسرائيل” على مختلف الأصعدة السياسية، العسكرية، والاقتصادية. ومع تصاعد الضغوط من عدة جهات، سواء من واشنطن، حتى قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العائدة مجدّدا إلى السلطة، أو من اليمين الصهيوني الديني المتطرف، الذي يضغط باتجاه سياسات توسعية وعدائية، يجد نتنياهو نفسه في موقف صعب لا يُحسد عليه.
وهكذا، يتعين على نتنياهو تحقيق توازن دقيق بين الاستجابة للضغوط الخارجية والداخلية، وهو تحدٍّ يبدو بعيد المنال لشخص يحمل سجلًا مليئًا بالممارسات المتهورة وتاريخًا من القرارات ذات الطابع الإرهابي. ومع ذلك، فإن الإصرار على سياسة العناد والمراهنة على التصعيد قد يؤدي إلى تعميق الأزمات التي تواجهها “إسرائيل” حاليًا، مما يجعل خيارات نتنياهو أكثر تقييدًا ويزيد من احتمالية اندلاع حرب أهلية داخل الكيان، دون استبعاد تعرض نتنياهو للاغتيال في أي لحظة.