نتنياهو محاصر بين مدرّجات الجامعات ومحكمة لاهاي.. الصداع داخل أمريكا والتصدّع في “إسرائيل”!

العبث الدموي الذي مارسه كيان نتنياهو لأكثر من نصف سنة من الوحشية الصهيونية المؤطرة والمحمية برعاية أمريكية وغربية في حق أطفال ونساء وشيوخ غزة، ارتدّ على “عرّابيه” وطهاة وجبته وأجندته المعولمة القصف والنحر، لتكون النتيجة ما نراه من نقلة إنسانية نوعية لمعادلة  الرعب إلى الضفة الأخرى، حيث غزة اليوم، لم تعد قطاعا محاصرا في رقعة مغلقة على موتها الصامت، ولكنها العالم كله من ساحات ومدرّجات جامعاته ونخبته، فمن جامعة كولومبيا الأمريكية، حيث كانت الشرارة الأولى لانتفاضة الطلاب على البعبع الصهيوني، إلى جامعة السوربون بباريس وصولا إلى جامعة مانشيستر ببريطانيا، فجامعة هومبلت ببرلين، وجامعة  تورنتو بكندا، فإنّ لسان الحال اليوم لا عنوان له سوى أنه “هنا غزة”، والبقية رعب ومخاوف وكوابيس أمريكية وأوروبية من طوفان جامعي، ترجمته خرجة السيناتور الأمريكي “توم كوتون” الذي لم يتردّد في الاعتراف قائلا: “غزات صغيرة ظهرت في الجامعات الأمريكية.. هذه الغزات بالوعات من الكراهية مثيرة للاشمئزاز”.

وهو ذات الحال وذات الرعب الذي أظهره رئيسه جو بايدن، حين ندّد بالغليان الجامعي في بيته “المتهاوي”، متهما النخبة الجامعية، طلبة وأساتذة، بأنها تمارس الكراهية وتعادي السامية، وذلك في طمأنة للوبي الصهيوني الأمريكي الحاكم، وفي استجابة لدعوة المسمى رئيس “إسرائيل” “إسحاق هرتسوغ”، الذي اعتبر الاحتجاجات بالجامعات الأمريكية أنها مؤسسات أكاديمية بارزة ملوّثة بالكراهية ومعاداة السامية، حاله من حال الوزير الأول لدويلة الكيان بنيامين نتنياهو، الذي دعا عجوز البيت الأبيض الهرم، للتحرّك ووقف ثورة الجامعات الأمريكية والتصدي لموجة الكراهية، وذلك من خلال اتهام نتنياهو لثورة الأسرة الجامعية بأنها لا تعادي السامية فقط، ولكنها تحرّض على الإرهاب وتسانده..

الجنون الصهيوني جراء ما فعلته غزة وطوفان أقصاها داخل مُكَوِنّ البنية الإنسانية الأمريكية والغربية وذلك على المستوى الفكري والاجتماعي، تحوّل فعلا وقولا، إلى رعب آخر، يضاف إلى رعب طوفان الأقصى الذي ألغى خرافة “إسرائيل” ومظلوميتها كشعب ودولة وكقوة يحسب لها حساب، حيث الانهيار الإسرائيلي اليوم، لم يعد مقاومة بغزة لا زالت تصنع صمودها بالروح والدم، ولكنه انهيار لفلسفة المحرقة الوهمية ولبعبع معاداة السامية، لتكون النتيجة ما نراه من ثورة نخبة بدأت بجامعة كولومبيا بأمريكا وانتهت بالجامعات الفرنسية والألمانية والبريطانية والكندية، والقاسم المشترك بين كل الثائرين، أنها غزة اليوم من ترافع وتحاضر لحريتها من مدرجات الجامعات، فيما الوحشية المستهدفة دويلة كيان فقدت كل مؤهلات استمرارها، ليس فقط في فلسطين ولكن في حدود وجغرافيات عواصم غربية، كانت هي قواعدها الخلفية لوجودها، فإذا بأمريكا وأوروبا، ومن خلال ثورة النخبة الجامعية يرسخان، أنه آن للخرافة الإسرائيلية بأوهام محرقتها التاريخية التسويق، أن تنتهي، فلا محرقة في واقع اليوم إلا ما حدث في غزة، أما ما سبق، فإنّ “هتلر” مات وشبع موتا، ولا أحد أصبح يصدق مظلومية شتات وحشتي ودموي وظالم، فضحته فاتورة الأربعين ألف ضحية لغزة الصمود والثبات..

الغريب في تطوّر الأحداث بكل الغليان الذي يحدث على مشارف الجامعات الدولية، أنّ نتنياهو وزمرته من رهط “العجل” السامري، لا زالوا يكابرون بدمويتهم، غير مبالين بكرة الثلج المتدحرجة من علٍ، والتي انتقلت من ثورة الطلبة الجامعيين، إلى محكمة العدل الدولية، وذلك في جولة جديدة، انتقلت من عهد التنديد والاستنكار وإبداء الأسف الرسمي، إلى تحركات جادة من محكمة لاهاي، لإصدار أوامر اعتقال بحق قادة عسكريين وسياسيين على رأسهم بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي دفع حكومة الكيان من خلال وزيرها الأول، إلى إعلان الحرب على ما كان بالأمس القريب فقط، محافلا أممية ذات سلطة شرعية، استغلت في تصفية الشهيد صدام حسين ومن خلفه عراق الحضارة والتاريخ، وكذا قذافي ليبيا ورئيس السودان الأسبق عمر البشير، ناهيك عن زعماء غربيين، ليفاجـأ العالم اليوم، ليس فقط بتهديد “إسرائيل” للأمم المتحدة ومحكمتها الجنائية، ولكن بوقوف أمريكا في صف الكيان الصهيوني، لعرقلة سير العدالة الدولية.

وهو الأمر الذي تمخّض عنه، خروج المدعي العام بالجنائية الدولية، طلبا للحماية وداعيا إلى وقف فوري لكافة المحاولات الرامية إلى إعاقة المحكمة وتخويف قضاتها، والمهم في مأزق الكيان الصهيوني من جهة ومأزق أمريكا ومن خلفها أوروبا من جهة أخرى، أنّ العالم صحا على مطاطية الديمقراطية الغربية المزيفة على مستوى “دعاتها” وعرابوها من خلال قمع احتجاجات الطلبة واعتقال أكثر من أربعين ألف منهم بأمريكا فقط، كما صحا نفس العالم على وهم “العدالة” الدولية، بعد أن اقتربت من مساحة “البعبع” وقررت في لحظة فارقة أن تطبّق القوانين الدولية على الكيان الصهيوني وساسته، لتكون ردة الفعل، أنّ لا عدالة ولا عدل، إلا ما يحفظ لـ”إسرائيل” وجودها، وأنّ كل تلك المزاعم عن استقلالية القرار القضائي الدولي، ما هي إلا شعارات غرب ضد من يخرج عن السرب من الزعماء العرب، وهو ما رأيناه في واقعة بغداد صدام وليبيا القذافي وسودان عمر البشير وحتى “بوتين” روسيا..

يوم استبق الكاتب “محمد الماغوط” زمنه بسنوات مختزلا العالم في كونه طبخة سياسية تعدّها أمريكا، وتوقدها روسيا وتبرّدها أوروبا ويغسل صحونها العرب، فإنه لم يكن يضرب خط الرمل، ولكنه كان يقرأ الغد بعيون حاضره الذي يعايش مسخه، ليعيش العرب اليوم، كما العالم،  تداعياته ومتغيّراته، حيث صدق نظرة الرجل، تجسّد في وظيفة “غسل” الصحون التي أتقنتها الأنظمة الأعرابية ممالكا وإمارات وجمهوريات “موز”، لم تكتف بخذلان قضية أمة مقدّسة من خلال “غزة” منتهكة، بل زايدت على ذلك، بأن أصبحت جزءا من لعبة تضييق وتآمر وحتى مؤازرة وإسنادا للكيان الصهيوني، وهو ما كشفته التطورات الجارية في محيط مملكة آل سعود، حيث في الوقت الذي يُشيع فيه عالم “الجامعات” الأمريكية والأوروبية، نهيك عن تحرّك الجنائية الدولية، ضد جثمان الكيان الصهيوني، تعالت أصوات مشروع التطبيع من مملكة “بن سلمان”، لمحاولة بعث الرميم في “تطبيع” وشيك بين السعودية و”إسرائيل”.

وبعيدا على أنه لا إضافة يمكن أن يجنيها الكيان الصهيوني من تطبيع بن سلمان، وذلك بعد أن فقدت “إسرائيل” “تطبيعها” مع شعوب العالم الغربية، فإنها مهزلة “غسل” الصحون، من لا زالت تصنع مشاهد الخيانة والخنوع والخذلان في عروش الممالك والإمارات الأعرابية، بدءا من مملكة بن سلمان ووصولا إلى إمارات بن زايد وانتهاء بخم محمد السادس، والمخزي قبل المؤسف هنا، أنه بالتزامن مع إعلان رئيس كولومبيا “غوستافو بيترو” عن قطعه للعلاقات الدبلوماسية مع المسخ الإسرائيلي، نصرة لغزة، نجد “الأعراب” في ممالك وإمارات الهوان، يغسلون صحون “نتنياهو” في تموقع بائس مع “البعبع” المنتهي الصلاحية في ساحة “كولومبيا” كجامعة أمريكية وفي “كولومبيا” كدولة وكرئيس وقف أمام شعبه ليخاطبه بلغة “السيادة” قائلا: هنا أمامكم، حكومة التغيير وحكومة رئيس الجمهورية، تعلن أننا غدا سنقطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”.. لأنّ لديها حكومة ورئيسا يرتكبان الإبادة”، وطبعا شتان بين الثرى ممثلا في أعراب “بول البعير” وبين الثريا في كولومبيا، جامعة أمريكية كانت، أو دولة ذات سيادة ورئيس بكامل المواصفات..

آخر الكلام في هكذا صحوة عالمية من جهة وفي هكذا عار وعُرّي أعرابي من جهة أخرى، أنّ التصدّع العالمي الذي أحدثته غزة على كافة المستويات، أضحى واقعا نراه في “صداع” صهيوني حقيقي، حيث النزيف الإسرائيلي الحقيقي، هو ذلك السقوط المدوي لوهم معاداة “السامية” ولحصانة محرقة تاريخية اللهب ناهيك عن تهاو مفصول فيه لكل مزاعم القوى واللوبيات الصهيونية في التحكم في القرار الدولي سواء على مستوى المنظمات الدولية أو على مستوى الوعي، وهو ما تؤكّده يوميات الخروج عن أطروحات الكيان الصهيوني، وآخر الخرجات، ما قام به النائب البلجيكي “مارك بوتنغا”، حين وقف مرافعا للحقيقة من منبر البرلمان الأوروبي متهما إياه بالنفاق، حيث خاطب النائب أوروبا قائلا: “تعاقبون إيران لردها على قصف سفارتها. لماذا لا تعاقبون “إسرائيل” على إرهابها؟ قصفت لبنان وسوريا والعراق”، ليواصل قائلا: “ترسلون طائرات مقاتلة لحماية القواعد العسكرية الإسرائيلية، ولكن طوال ستة أشهر، لم يستحق أي طفل فلسطيني حمايتكم. قاعدة عسكرية إسرائيلية أهمّ من حياة 15 ألف طفل فلسطيني؟”.

والرسالة الواضحة من كل ما سبق، العالم يستفيق، “إسرائيل” تنهار أما أعراب “التطبيع” والخذلان.. فكما العادة، يغسلون الصحون، فيما غزة تكتب بذاكرة دماء أطفالها تاريخ العالم.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا