للمرة الثانية، وحتى النفس الأخير، قاوم «عدي التميمي»، منفّذ عملية مخيم شعفاط بالقدس المحتلة، حتى أدرك الشهادة، بعد أن كان قد أطلق النار على حراس من جيش الاحتلال عند مدخل مستوطنة «معاليه ادوميم» ـ شرق القدس ـ مساء الأربعاء الماضي 19 أكتوبر الماضي.
فبعد 11 يومًا، من المطاردة، دوّخ فيها التميمي جيش الاحتلال، وكشف فشل منظوماته في الوصول إليه رغم الحصار وآليات آلاف الجنود والقوات الخاصة لمخيم شعفاط، ثم اختار ـ في النهاية ـ أن يذهب بنفسه إلى المستوطنة ليواجه حراسها من جديد بمسدسه، وقد أظهر مقطع فيديو، بسالة استثنائية للشهيد وهو يخوض اشتباكًا بمسدس مع جنود الاحتلال وحرّاس أمن المستوطنة.
وتحوّل الشهيد عدي التميمي (22 عاما) إلى أسطورة بطولية وسط الفلسطينيين، إذ حطم خرافة (الجيش الذي لا يُقهر)، بأنْ قهره بنفسه وأدخله حالة هستيريا وصلت إلى حد محاصرة مخيمي شعفاط وعناتا وكان هو يجوب القدس.
وفي عمليته الأولى على حاجز شعفاط، مساء 8 أكتوبر الجاري، ترجل «عدي» من سيارة الأجرة بكل هدوء على الحاجز، ومن ثم امتشق مسدّسه ليوجه 8 رصاصات ويصيب ثلاثة من جنود الاحتلال، منهم مجندة ماتت بعد ساعات، وبقي اثنان رهن العلاج، في حين تمكن هو من الانسحاب بكل هدوء، ليختفي بين أزقة وحواري القدس.
حركة فتح نعت الشهيد ودعت الأقاليم الشمالية إلى الإضراب الشامل يوم الخميس الماضي لكل مناحي الحياة في الضفة الغربية حدادا على روح الشهيد وتنديدا بجرائم الاحتلال، كما دعت الحركة في بيان صحفي إلى تصعيد المواجهات في نقاط التماس بفلسطين تأكيدا على نهج النضال والكفاح الوطني.
إضراب وحداد
وفي القدس نعت القوى الوطنية الشهيد ابن مخيم شعفاط، وأعلنت الإضراب والحداد التجاري عن روحه ويوم نفير عام في أرجاء العاصمة المحتلة، حيث سيتم رفع الرايات السوداء على أسطح المؤسسات والمنازل.
وكانت قد جابت تظاهرات حاشدة شوارع وأزقة مخيم شعفاط وصولا إلى منزل عائلة التميمي ردد خلالها المشاركون الشعارات المنددة بجرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وفي الضفة الغربية انطلقت مسيرات عفوية تحيةً لروح الشهيد المشتبك «عدي التميمي» مرددين هتافات التمجيد لروحه، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تفاعل الآلاف مع الحدث وتصدّر وسم عدي التميمي ليعكس النبض الفلسطيني المحب للشهداء والأبطال والثورة.
رفض الذل والهاون
وقال الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي لـ«الأيام نيوز» إن استشهاد البطل عدي التميمي ابن فلسطين البار، يؤكد أن الشعب الفلسطيني يثبت يوما بعد يوم أنه صاحب حق مشروع في الدفاع عن قضيته الوطنية العادلة، مضيفا أن شباب هذا الوطن، يرفضون الذل والهوان والتمييز العنصري الإسرائيلي، وقال إن طريق النضال والكفاح والانتفاضة الشعبية بات ممهدا أكثر أمامهم لطرد هذا الاحتلال البغيض واقتلاع مستوطنيه الأشرار.
واعتبر البرغوثي أن الإضراب العام والمظاهرات المقاومة الشعبية تؤكد التفاف الشعب الفلسطيني حول خيار المقاومة والانتفاضة الشعبية في وجه الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، داعيا كافة القوى الوطنية إلى التوحّد للارتقاء إلى مستوى الكفاح الذي يصنعه المقاومون الفلسطينيون.
وقال مراسل القناة 14 العبرية هيلل بيتون روزين: “على مدار 10 أيام وقفت المنظومة الأمنية الإسرائيلية بأكملها على قدميها للقبض على فلسطيني هرب من مكان عملية إطلاق نار، وأخيراً وصل وقام بتنفيذ عملية أخرى بعيدًا عن المكان الذي توقعّوا أنه كان يختبئ فيه: كيف يحدث مثل هذا الشيء؟”.
فشل للشاباك والجيش
الصحفية الإسرائيلية في صحيفة «يسرائيل هيوم» ليلاخ شوفال، قالت: “لا يمكن وصف ما حدث بخصوص مقتل التميمي في مستوطنة معاليه ادوميم إلا بأنه فشل لجهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» والجيش”.
وقالت صحيفة هآرتس العبرية: إن “الفشل باعتقال التميمي يعود إلى الفشل الاستخباراتي في التعامل مع مخيم شعفاط ، على الرغم من أن قوات كبيرة عملت لاعتقال التميمي، وبذل جهاز أمن الاحتلال جهدًا استخباراتيا مضاعفا، إلا أنه تمكن من التملص منهم ومغادرة المخيم مسلحاً وتنفيذ هجوم جديد”، معتبرة أن “ذلك يظهر نقص المعلومات الاستخباراتية التي تصل من مخيم شعفاط”.
واعتبرت هارتس أن “هروب التميمي يشير إلى أن إغلاق الحاجز بعد حادث إطلاق النار، والإجراءات المشددة والتفتيش الصارم الذي أجري على المغادرين والداخلين كانت إجراءات خاطئة وغير ضرورية.”
بينما قالت صحيفة معاريف العبرية: في جهاز الأمن ظنّوا ـ حتى قبل تنفيذ العملية ـ أن التميمي لا يعتزم الخروج حيا من مكان مخبئه، وكان التخوف أنه سيحاول ـ باحتمالية عالية ـ تنفيذ عملية أخرى لأنه ليس لديه ما يخسره وهو مسلح. وقد تحققت الفرضية بالفعل لكن في مكان غير ذاك الذي تم تقديره.