في خضم توجّه الحكومة الخاص بحلحلة ملف السيارات من خلال برنامج الشروع في التصنيع محليا ورفع التجميد عن قرار إستيراد السيارات الذي دخل حيّز التنفيذ قبل أيام، تُطرح مسألة الاستفادة من القرض الإستهلاكي لتمويل شراء سيارة بقوة، بما أنها تتعلق فقط بالمُصنّعة محليا، في وقت تطالب فيه مختلف الأطراف من منتخبي الشعب، خبراء، ممثلي منظمات المستهلك وغيرها من فواعل المجتمع، بتعميم هذا القرض ليشمل السيارات المستوردة، نظرا لاعتبارات ومتغيّرات واقعية، تجعل حصر القرض الاستهلاكي في المنتوج المحلي، مبتورا في هذا الوقت بالذات.
إعداد: وهيبة حمداني
رغبة المواطن وتطلعاته الخاصة بشراء سيارة من خلال قرض تمويل قد تصطدم بعقبة تعليمة وزارية تنص على حصر منح القرض الإستهلاكي لتمويل شراء المنتوجات المحلية فقط، بالرغم من أن صياغة هذه التعليمة جاء في وقت وفي سياق يختلف عن متغيرات اليوم، ما يجعل مراجعتها ضرورة ملحة تستجيب لمتطلبات المواطن أولا، وثانيا لن تُلحق اختلالا برؤية وتوجّه الحكومة الخاص بدعم الإنتاج الوطني، لاسيما وأن تصنيع السيارات لن يرى النور إلا بعد مدة، خاصة وأن المُصنّع محليا لن يسدّ الاحتياجات الوطنية التي تتراوح بين 150 ألف إلى 200 ألف سيارة سنويا، إلى جانب معطيات أخرى خاصة بحجم ما يُصنّع محليا.
متغيّرات ومؤشرات تؤكد على ضرورة مراجعة شروط القرض الاستهلاكي ومدته المحددة، والتي قد تشكّل عائقا للمواطن البسيط فيما يخص تسديد الدفعات، في ظل ما يعيشه من ارتفاع الأسعار، تدهور القدرة الشرائية وغيرها من العقبات والصعوبات اليومية، وعليه فإن ممثلي الشعب على مستوى المجالس المحلية والوطنية، مطالبون بنقل إنشغالاته لتخفيف العبء عليه، حيث أكد النائب البرلماني، الطيب رمضاني، على ضرورة تعميم القروض الإستهلاكية الموجّهة لتمويل شراء سيارة ليشمل السيارات المستوردة عوض حصرها على المصنّعة محليا، في ظل التحديات الراهنة ومتغيرات السوق الوطنية التي تعرف نقصا فادحا، وتماشيا ورؤية الرئيس تبون الذي أكد عل حلحلة عقدة ملف السيارات، وتمكين المواطن من اقتناء سيارة بعد سنوات من الحرمان، يضيف محدثنا.
كما شدّد منتخب الشعب في تصريح لـ “الأيام نيوز”، على أن الحل المستعجل يكمن في تحقيق وفرة في السيارات وتلبية مطالب المواطنين، في انتظار تبني مستقبلا استراتيجية لتغطية السوق الوطنية بالمركبات المُصنّعة محليا، وفق سياسة جديدة، فيما دعا إلى مراجعة الفترة المحدّدة والخاصة بتسديد قروض الإستهلاك، بما يتماشى والوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن، من خلال توسيع مدة التسديد.
ومن جهته، دافع، البرلماني عز الدين زحوف، عن خيار تعميم قروض تمويل شراء السيارات لتشمل المستوردة، في ظل الاحتياج الذي وصفه بـ “الرهيب”، بعد قرابة السبع سنوات من تصحيرها بسبب قرار وقف الإستيراد سنة 2016، وتوقيف مصانع التركيب عام 2019، مؤكدا أنه مع هذا الخيار لسد الثغرات وتمكين المواطن من شراء سيارة، باعتبار أنه مطلب أساسي في ظل معاناته مع النقل العمومي، واهتراء الطرقات، ناهيك عن ظروف جعلت الجزائر تتصدر دول العالم فيما يخص إرهاب الطرقات.
وبعد أن دافع عن مسعى حماية المنتوج المحلي ولاسيما السيارات التي وجب أن تكون ذات جودة وبمواصفات ومعايير دولية، أيّد منتخب الشعب، في اتصال مع “الأيام نيوز”، مطلب مراجعة مدة تسديد القرض الإستهلاكي شريطة الأخذ بعين الاعتبار السياق الحالي الخاص بشروط تتعلق بالأسعار، الوضع المالي للمواطن وقدرته الشرائية، خاصة وأن ضبط هذه المدة اعتمد في زمن يختلف تماما عن الوقت الراهن.
كما تحدث البرلماني، عن “تجاوز قانوني” يتعلّق بإدراج استيراد السيارات ضمن قانون المالية لـ 2020، وإخلال الحكومة بوعودها، ليدفع المواطن الضريبة، وهو ما تأسف له منتخب حركة مجتمع السلم. وعلى نفس التوجه، سار زميله بالبرلمان، زكريا بلخير، حينما تحدث عن معالجة مثل هكذا قضايا من خلال مراعاة الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لأنه لا يجب أن تكون هناك قراءة اقتصادية محضة على حساب الحياة الاجتماعية للمواطن الجزائري، لاسيما وأن الدولة تراعي الطابع الاجتماعي في التسيير استنادا إلى بيان الفاتح من نوفمبر.
وبالمقابل أكد بلخير، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، على ضرورة الارتقاء بجودة المنتوج المحلي تماشيا وتطلعات المواطن الجزائري، لأنه إذا تم إغلاق الاستيراد وإغلاق الاستهلاك على المواطن الجزائري، وتوجيه الاستهلاك للصنع المحلي الذي لم يرقى بعد إلى حد هذه الساعة ليكون تنافسي مع ما هو معروف في العالم فهذا فيه شيء من الإجحاف، يضيف بلخير.
وفيما يخص رأي الخبراء والمختصين، فأوضح الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، لـ “لأيام نيوز”، بأن القروض الإستهلاكية تموّل المنتجات داخل الوطن وخارجها، المصنّعة محليا والمستوردة، إلا أن النص القانوني يؤكد على أنها تُطبّق على المنتجات المحلية، أو المركّبة كالأجهزة الإلكترونية، وحتى السيارات المُركبّة سابقا، لأنه بالأساس لا يوجد ـ يؤكد ـ منتجات مُصنّعة محليا 100 بالمائة. وبعد أن ذكّر بأن قراري تجميد نشاط مصانع تركيب السيارات ووقف الاستيراد، أفرز فراغا ونقصا فادحا لا يمكن إشباعه بالكمية المُسقّفة مسبقا والمُنتظر استيرادها أو المُركّبة محليا التي لم يتم بعد الشروع في إنتاجها، أكد أن تطبيق ما يؤكد النص القانوني الخاص بالقرض الإستهلاكي حرفيا سيحرم الكثير من المواطنين الذين لا يستطيعون اقتناء سيارة دفعة واحدة أو من خلال قرض يُرخّص للمنتوج المحلي فقط دون المستورد.
وجزم سليمان ناصر، بعدم تطبيق القاعدة القانونية بحذافيرها بالنظر للأسباب المذكورة سالفا، مؤكدا أن الحل يكمن في اعتماد قروض كلاسيكية أو في إطار المرابحة، لاسيما وأن سعر المركبة مرتفع جدا نظرا لتدهور قيمة العملة الوطنية، والرسوم الجمركية وغيرها من الأسباب التي رفعت سعر السيارة، هذه الأخيرة التي لم تصبح اليوم في متناول الطبقة المتوسطة حتى.
ومن جانبه، رافع الخبير المالي أبو بكر سلامي، من أجل اعتماد قروض استهلاكية خاصة بتمويل شراء سيارة جديدة مستوردة، خاصة وأن التصنيع المحلي للمركبات مازال بعيد الأمد، مضيفا أنه من الأحسن الشروع في منح إمكانية تمويل شراء السيارات عن طريق قرض بنكي في انتظار الشروع في التركيب، قصد تمكين كل مواطن ومستهلك من الحصول على سيارة وتحقيق وفرة في ظل النقص الفادح للسيارات على مستوى الأسواق والحظيرة الوطنية، ليتم فيما بعد ـ يؤكد ـ وقف تمويل شراء السيارات المستوردة وحصره على المحلية الصُنع، تشجيعا للمنتوج المحلي كما هو منصوص عليه ومعتمد سابقا.
بالنسبة للجانب المالي والاقتصادي، أبرز، أبوبكر سلامي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن القروض الاستهلاكية ستعطي حركية في الكتلة المالية، ما يجعل البنوك تعرف ديناميكية مالية من خلال منح تمويلات للمواطنين لشراء السيارات، جازما بأن تعميم القروض الإستهلاكية سيحقّق قيمة مضافة وفائدة كبيرة، ناهيك عن تكريس جعل التمويل عبر البنك قاعدة لتجنب الدفع نقدا، فيما أشار إلى أن مدة تسديد القرض المحدّدة في تعليمة وزارية، تخضع لمقاييس تخص السن والأجر، والبنوك.
طالب رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، في اتصال مع “الأيام نيوز”، الوكلاء المعنيين باستيراد السيارات بطرح عروض تتوافق ومعتقدات الجزائريين لاسيما ما تعلّق بالتعامل مع بنوك تعتمد منتجات الصيرفية الإسلامية وخدمات في إطار المرابحة بعيدا عن القروض الربوية، لتمكين المواطنين من شراء السيارات.
وعاد زبدي ليُوضح، بأن المعمول به سابقا يكفل اعتماد قروض لشراء منتجات مستوردة، على خلفية أن هذه الأخيرة وبمجرد دخولها إلى الجزائر تصبح منتجات وسلع وطنية، مؤكدا أن شراء السيارات أو السلع المستوردة الموجودة في السوق الوطنية بالإعتماد على القروض معمول به سابقا. كما أبرز، أن المواطن يستطيع شراء سيارة بمجرد تقديم طلب على مستوى البنك بعد دخول السيارات المستوردة إلى السوق الوطنية، على أن يكون الوكيل المستورد من المتعاملين مع هذا البنك، لاسيما وأن التصنيع المحلي للسيارات وتسويقها، وشراءها من قبل المواطنين من خلال قروض حلال، سيكون بعد فترة تمتد إلى أكثر من سنة.