هذه أمريكا في ثوب الفيتو البائس.. دولة الوعود الكاذبة والحقائق المغلوطة

أعربت دول عربية عن استيائها من إجهاض واشنطن مشروع قرار بمجلس الأمن يطالب بمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتّحدة، فيما أعلنت الجزائر عن نية العودة لتقديم طلب باسم المجموعة العربية بالمجلس.

جاء ذلك بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجزائر والسعودية والإمارات وقطر والكويت ومصر والأردن وفلسطين، بعد الفيتو الأمريكي، مساء الخميس، على مشروع القرار الذي قدّمته الجزائر بمجلس الأمن.

ورغم تصويت 12 من أعضاء مجلس الأمن، لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتّحدة، وامتناع سويسرا وبريطانيا عن التّصويت، كان استخدام واشنطن لحق النّقض الفيتو ضدّ مشروع القرار كافيًا لإسقاطه.

وكان مشروع القرار يحتاج من أجل تمريره موافقة 9 دول أعضاء في مجلس الأمن، شرط عدم اعتراض أي من الدّول الخمس صاحبة “الفيتو”، وهي الولايات المتحدة وفرنسا والصّين وروسيا وبريطانيا.

إنّ المتتبّع لتصريحات وشعارات أمريكا التي دعّمت الحرب على غزّة وتمدّ “إسرائيل” بكافّة احتياجاتها من كافّة أنواع الأسلحة يكتشف أنّها تراوغ وتتهرّب عن الوفاء بتعهّداتها التي تعهّدت بها فيما يتعلّق بإعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس، التي أغلقها الرّئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب في عام 2019، وتصريحات بايدن ووزير خارجيته بلينكن حول رؤيا الدولتين والتي ألقت ظلالًا من الشّكوك حول صدقية المواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية حين قال إنّ “الولايات المتّحدة تريد أن ترى سلامًا دائمًا يتمّ التوصّل إليه عبر المفاوضات بين سلطة “إسرائيل” والشّعب الفلسطيني”.

مضيفًا ومصرًّا “يجب أن تظلّ “إسرائيل” دولة يهودية ديمقراطية مستقلّة”، وتابع “لا يزال حلّ دولتين لشعبين يعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن هو أفضل السّبل لتحقيق ذلك، فكلاهما لهما جذور عميقة وقديمة في هذه الأرض”. لكنّه لم يذكر أيّ تفاصيل ولم يتحدّث عن إحياء العملية المتوقّفة من أجل التوصّل إلى تسوية بين الجانبين.

إدارة الرّئيس الأمريكي بايدن هي من تغالط نفسها بممارساتها وضغوطاتها ضدّ أيّ مشروع قرار يعرض على مجلس الأمن للاعتراف بالدّولة الفلسطينية وتهدّد بإفشال المخطّط الفلسطيني في الحصول على العضوية الكاملة بالأمم المتّحدة.

تقول إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن أنّ إحدى أهم نقاط الخلاف بينها وبين حكومة بنيامين نتنياهو حول حرب غزّة هو عدم وجود أفق سياسي نحو حلّ الدّولتين في رؤية نتنياهو للحرب، وتسوّق واشنطن لرؤيتها تحت عنوان حلّ الدّولتين بأنّ السّلطة الفلسطينية وليس الاحتلال، هي البديل لحركة حماس وقوى المقاومة.

الصّيغة المعروضة على مجلس الأمن الدّولي لمنح دولة فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتّحدة تمثّل نظرياً أفضل ترجمة لحلّ الدّولتين، فهي تمنح السّلطة الفلسطينية نقاط قوّة في التّوازن الفلسطيني الدّاخلي، وتقول إنّ هناك دولة فلسطين ودولة الكيان وفقاً لنصّ قرار التّقسيم رقم 181 عام 1949 مع تعديل اعتماد حدود العام 1967 بدلاً من تقسيم الأراضي المحتلّة عام 1948 كخطّ فاصل بين الدّولتين.

وهذا لا يعني تحديداً نهائياً للحدود والسّيادة ومصير اللّاجئين والقدس، بل يجعل الخلاف حولها موضوع تفاوض بين دولتين كاملتي العضوية في الأمم المتّحدة، وفقاً للنّظرة الأميركية لحلّ الدّولتين، فلماذا تستخدم واشنطن حقّ النّقض (الفيتو) بوجه مشروع القرار؟

وهذا يؤكّد أنّ أمريكا تعبث بعملية السّلام وتتلاعب بالتّصريحات والوعود ومصداقيتها كانت على المحكّ الحقيقي فيما إذا كانت تؤيّد حلّ الدّولتين أو لا وأنّ مشروع الاعتراف بعضوية دولة فلسطين الذي عرض على مجلس الأمن لم يخرج عن الإطار المتّفق عليه دوليًا للحل وأنّ مشروع القرار يدعوا للاعتراف بدولة فلسطين بحدود عام 67 ويطلب أن تنسحب “إسرائيل” إلى حدود الرّابع من حزيران عام 67.

إنّ معارضة واشنطن لهذا المشروع المستند أساسًا إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 والقرار 2334 يعني أنّ أمريكا مساندة لـ”إسرائيل” في ادعائها أنّ الأراضي المحتلّة أراضي متنازع عليها وأنّ واشنطن تقرّ بمشروعية الاستيطان وبتهويد القدس لأنّ الاعتراف بحدود الدّولة إقرار بالسّيادة الوطنية وبحدود الدّولة وعكس هذا إثبات أنّ واشنطن لا ترغب في إقامة الدّولة المستقلّة الأمر الذي لابدّ من كشفه ومعرفة حقائقه.

والحجّة الأميركيّة هي أنّ الاعتراف بالدّولة الفلسطينية من حيث المبدأ وليس فقط لجهة الحدود ومصير القدس واللّاجئين، يجب أن يأتي كحاصل تفاوض، بما يعني أنّه يحجب أن يكون موضوع قبول “إسرائيلي”. وهذا يعني التخلّي كلياً عن أيّ فكرة تقوم على الحاجة لممارسة الضّغط على “إسرائيل” للقبول بالدّولة الفلسطينية وحلّ الدّولتين، لأنّ “إسرائيل” لن تقبل من تلقاء ذاتها بقيام دولة فلسطينية مهما تنازل الفلسطينيون في ملفّات الحدود والقدس واللّاجئين، والشّكل النّموذجي للضّغط المنشود هو بالموافقة على مشروع القرار.

برؤية واشنطن إنّ الموافقة “الإسرائيلية” المسبقة على مبدأ قيام دولة فلسطينية شرط للاعتراف بحقّها بالوجود. وهذا لا يعني إلّا شيئاً واحداً هو أنّ واشنطن تمنح الكيان “الإسرائيلي” الفرصة لمقايضة القبول بإفراغ الدّولة من كلّ محتوى حقيقيّ، وبدلاً من التّفاوض على حدود الدّولة والقدس واللّاجئين سيصبح التّفاوض على مبدأ قيام الدّولة مقابل التخلّي عن المطالب المحقّة والمشروعة في ملفّات الحدود والقدس واللّاجئين والمياه والأمن.

عملياً واشنطن تقول إنّها لا تريد حلّ الدّولتين، لكنّها ترفعه كشعار من باب النّفاق السّياسي للتّغطية على حجم الدّعم العملي الذي تمنحه لـ “إسرائيل”، بل للجرائم “الإسرائيلية”.

إنّ أيّ قرار لا يخدم التوجّه الفلسطيني والتطلّعات الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية يتطلّب إنهاء تلك العبثية في استمرار عملية السّلام الموهوم، وأن يتمّ اتخاذ قرار استراتيجي يؤدّي للانتقال من السّلطة إلى الدّولة تحت الاحتلال كأحد الخيارات الاستراتيجية وأن يتحمّل المجتمع الدّولي مسؤوليته تجاه القضيّة الفلسطينية والشّعب الفلسطيني وتأمين الحماية الدّولية للشّعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

فلا يعقل أن يستمرّ الاحتلال “الإسرائيلي” وإلى الأبد ولا يعقل أن يقف المجتمع الدّولي عاجزًا عن حلّ القضية الفلسطينية ولا يعقل أن يستسلم الفلسطينيون للضّغوط الأمريكية – “الإسرائيلية” وعلى الفلسطينيون أن يرفضوا تلك الضّغوطات الأمريكية و”الإسرائيلية” التي تدّعي بعدم قدرة الفلسطينيون على إدارة الدّولة أمنيًا واقتصاديًا ويجب فكّ الارتباط مع “إسرائيل” كليًا أو إعادة الاحتلال “الإسرائيلي” ليصبح حقّ المقاومة للاحتلال حقّ مشروع حسب ما أقرّته كلّ القوانين والمواثيق الدّولية في مقاومة الاحتلال بحيث على الفلسطيني أن يعي لدقّة المرحلة القادمة وأن لا تجرّنا “إسرائيل” لأهدافها وغاياتها وأن نعتمد للمرحلة المقبلة تكتيكًا وأسلوبًا جديدًا لإفشال المخطّط الفلسطيني ومتطلّبات المرحلة تتطلّب سرعة إنهاء الانقسام وإعادة إحياء مؤسّسات منظّمة التّحرير وهذا يتطلّب موقف عربي داعم وفاعل للرّد على الخداع والخذلان الأمريكي بوقف كافّة أشكال التّطبيع مع الاحتلال “الإسرائيلي”.

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

اقرأ أيضا