بدأت يوم الثلاثاء حملة الحرث والبذر للموسم 2024-2025 في الجزائر، وذلك في ظل أزمات عالمية وتغيرات مناخية تهدد استقرار الإمدادات الغذائية. وتعتبر هذه الحملة جزءًا من استراتيجية الدولة الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي، ضمن الجهود الوطنية لتقليل الاعتماد على الواردات. على الرغم من التحضيرات المكثفة والدعم اللوجستي المقدم للفلاحين، تبقى التحديات قائمة، بدءًا من التغيرات المناخية وصولًا إلى نقص الموارد المائية. لذا، تبرز أهمية البحث عن حلول فعالة، بما في ذلك توظيف البحث العلمي وتطبيق الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي.
تُعدّ حملة الحرث والبذر عملية زراعية سنوية تُنفّذ في الجزائر خلال فصل الخريف، وتهدف إلى تجهيز الأراضي لزراعة المحاصيل، لاسيما الحبوب مثل القمح والشعير. وتشمل هذه الحملة تزويد الفلاحين بالبذور والأسمدة، إضافةً إلى توفير الدعم الفني والتقني لتعزيز الإنتاجية الزراعية. كما تتضمن الحملة تنظيم ورش عمل ولقاءات تجمع مختلف الفاعلين في القطاع الزراعي، بهدف تجميع جميع الموارد المادية والبشرية لضمان نجاح الموسم الفلاحي وتحقيق الأهداف الاستراتيجية. إنّ حملة الحرث والبذر في الجزائر ليست مجرد ممارسة زراعية سنوية، بل تشكّل جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
واستعداداً لانطلاق حملة الحرث والبذر، نظمت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية لقاءً وطنياً في 24 سبتمبر 2024، برئاسة الوزير يوسف شرفة. ضم هذا اللقاء الفاعلين الرئيسيين في قطاع الحبوب، بما في ذلك مدراء المصالح الفلاحية، ورؤساء تعاونيات الحبوب، والأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين. كان الهدف من هذا الاجتماع هو التنسيق لضمان جاهزية الفلاحين وكافة الجهات المعنية للموسم الزراعي الجديد.
تم خلال اللقاء مناقشة التحديات السابقة والحلول المقترحة، كما تم الإعلان عن توفير 4.2 مليون قنطار من البذور المعتمدة و3.5 مليون قنطار من الأسمدة. هذا الدعم اللوجستي يعد جزءاً من جهود الحكومة لضمان توفير جميع الموارد اللازمة للفلاحين بهدف تحقيق إنتاجية عالية.
موسم الحرث بين الظاهر والهدف الاستراتيجي
تسعى الحكومة الجزائرية من خلال حملة الحرث والبذر لموسم 2024-2025 إلى تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب، لاسيما القمح الصلب، بحلول عام 2025. هذا الهدف لا يُعتبر مجرد طموح اقتصادي، بل يُعد ضرورة وطنية تفرضها الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية. تأتي هذه الجهود في إطار المخطط الوطني الذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على الواردات، والتي تمثل عبئًا متزايدًا على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التقلبات المستمرة في الأسعار العالمية وارتفاع تكلفة المواد الأساسية مثل الحبوب.
تكمن أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب في تعزيز الاستقرار الغذائي والاقتصادي معًا. من خلال إنتاج محلي كافٍ لتلبية الاحتياجات الداخلية، ستتمكن الجزائر من تقليل تأثير الأزمات الخارجية على أسعار المواد الغذائية، مما يحمي المستهلكين من تقلبات الأسعار ويضمن استقرار السوق المحلي.
ولتحقيق هذا الهدف، وضعت الحكومة خطة لزيادة الإنتاج عبر تخصيص مساحات زراعية إضافية في مناطق الجنوب الكبير، التي تتمتع بإمكانيات زراعية هائلة سواء من حيث التربة الخصبة أو الموارد المائية. وقد تم تحديد 500 ألف هكتار لزراعة الحبوب في هذه المناطق، مع توجيه استثمارات كبيرة لتحسين البنية التحتية الزراعية وتوفير الوسائل اللازمة لزيادة الإنتاجية.
والمعروف لدى أهل الاختصاص أن زيادة إنتاج الحبوب المحلية لا تُعتبر خطوة نحو الاكتفاء الذاتي فحسب، بل تشكل جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال خفض فاتورة الواردات المتعلقة بالحبوب وتوجيه تلك الموارد المالية لدعم مجالات أخرى.
تحديات تواجه نجاح الحملة
رغم التحضيرات الواسعة لحملة الحرث والبذر لهذا الموسم، تبقى التحديات قائمة، حيث تشكل التغيرات المناخية أبرز العقبات التي تؤثر بشكل كبير على نوعية وكميات المحاصيل الزراعية. شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة اضطرابات مناخية ملحوظة، مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المطول، مما أدى إلى تراجع في كفاءة الزراعة. وكل هذه الظروف المناخية غير المستقرة تجعل من الصعب على الفلاحين الاعتماد على الوسائل التقليدية في الزراعة، وهو ما يفرض الحاجة الملحة لتبني تقنيات زراعية حديثة.
ومن بين أكبر التحديات التي تواجه الجزائر هو نقص المياه، خاصة في المناطق الجنوبية التي يعتمد جزء كبير من إنتاجها الزراعي على تقنيات الري. تعاني هذه المناطق من ندرة حادة في المياه، مما يحد من إمكانية دعم الإنتاج الزراعي الموسع. وفي هذا السياق، أصبح من الضروري اعتماد تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والري الذكي، التي تساهم في تقليل استهلاك المياه وزيادة كفاءة الري، مما يساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان إنتاج زراعي مستدام.
إلى جانب التحديات المناخية والمائية، هناك تحديات لوجستية تتعلق بتوزيع البذور والأسمدة. في المواسم السابقة، واجهت بعض الولايات مشكلات في توزيع هذه الموارد على الفلاحين في الوقت المناسب، مما أثر سلبًا على قدرتهم على الاستفادة الكاملة من موسم الزراعة. هذا التأخير في توزيع الموارد يؤثر على توقيت الزراعة، وهو عامل حاسم في نجاح الحملة، حيث يرتبط بشكل وثيق بظروف المناخ وتوافر المياه.
ومع ذلك، تسعى الحكومة جاهدة لتجاوز هذه العقبات من خلال تحسين التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك الفلاحين والتعاونيات والمؤسسات الحكومية. بالإضافة إلى الدعم اللوجستي، هناك جهود لتعزيز أنظمة المراقبة والمتابعة لضمان توزيع البذور والأسمدة في الوقت المناسب وبالشكل الملائم.
البحث العلمي لتحقيق نقلة نوعية في مجال الزراعة
يُعد البحث العلمي أحد الركائز الأساسية لتطوير القطاع الزراعي في الجزائر، حيث يلعب دورًا حاسمًا في تقديم حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الزراعية المتزايدة. لقد أصبح التعاون بين الجامعات والمعاهد الزراعية المحلية والدولية أكثر أهمية من أي وقت مضى لضمان تحقيق تقدم مستدام في الزراعة. من خلال هذا التعاون، يتم تسخير الخبرات العلمية والتكنولوجية لابتكار تقنيات وأساليب جديدة تسهم في تحسين جودة وكميات الإنتاج الزراعي، مع تعزيز استدامة الموارد الطبيعية.
الجامعات والمعاهد الزراعية ليست مجرد مراكز للبحث النظري، بل تمثل منصات عملية تتيح للفلاحين والمستثمرين الزراعيين اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لتبني أفضل الممارسات الزراعية. تقدم هذه المؤسسات برامج تدريبية تستهدف الفلاحين، تُعرِّفهم على أحدث التقنيات في مجالات مثل الري الذكي، استخدام الأسمدة العضوية، ومكافحة الآفات البيولوجية. هذا النوع من التدريب لا يقتصر فقط على نقل المعرفة، بل يشجع أيضًا على التطبيق العملي الفوري في الحقول، مما يسهم في تحسين الإنتاجية بشكل فعلي.
إلى جانب ذلك، يشكل التعاون بين الجزائر ومؤسسات البحث العلمي الدولية مجالًا هامًا لتعزيز الابتكار في الزراعة. من خلال هذا التعاون، تستفيد الجزائر من تجارب وخبرات دول أخرى في مجالات مثل الزراعة الصحراوية، إدارة المياه، والزراعة المستدامة. كما يساعد هذا التعاون على نقل التكنولوجيا المتطورة إلى الجزائر، مما يسهم في سد الفجوة التكنولوجية وتحسين كفاءة العمليات الزراعية المحلية.
البحث العلمي لا يقتصر على تحسين الإنتاجية الزراعية فحسب، بل يمتد إلى معالجة التحديات البيئية والزراعية المستقبلية. على سبيل المثال، يتم من خلال الأبحاث المشتركة العمل على تطوير محاصيل أكثر مقاومة للجفاف والتغيرات المناخية، إلى جانب استراتيجيات جديدة لإدارة الموارد المائية بشكل فعال. هذه الحلول العلمية تضمن أن القطاع الزراعي في الجزائر سيكون قادرًا على التأقلم مع التحديات المستقبلية، مما يعزز من استدامته على المدى الطويل.
في نهاية المطاف، يعكس البحث العلمي والتعاون مع الجامعات والمعاهد الزراعية التزام الجزائر بتطوير قطاع زراعي حديث يعتمد على الابتكار والمعرفة. هذه الجهود تسهم في تحقيق نقلة نوعية في الزراعة، وتعزز من قدرة البلاد على تحقيق الأمن الغذائي ومواجهة التحديات البيئية بشكل فعال ومستدام.
التعاون الدولي وتبادل الخبرات
يُعد التعاون الدولي دعامة أساسية في استراتيجية الجزائر لتطوير قطاعها الزراعي وتعزيز استدامته. فمن خلال شراكات استراتيجية مع دول رائدة في المجال الزراعي، مثل قطر وإيطاليا، تسعى الجزائر إلى نقل التكنولوجيا المتقدمة والخبرات العملية لتحسين إنتاجية القطاع الزراعي المحلي. هذا التعاون لا يقتصر فقط على تبادل المعدات والموارد، بل يمتد إلى تطوير المعرفة والقدرات التي تسهم في تحسين إدارة العمليات الزراعية واستغلال الموارد بشكل أمثل.
من أبرز الأمثلة على التعاون الدولي، يأتي مشروع “بلدنا” القطري الذي يهدف إلى تطوير زراعة الحبوب في الجنوب الجزائري باستخدام أحدث التقنيات الزراعية. هذا المشروع لا يدعم فقط الإنتاج المحلي، بل يساهم أيضًا في بناء قدرات الفلاحين من خلال تقديم الدعم الفني والتدريب العملي على استخدام التكنولوجيا المتقدمة. مثل هذه المشاريع المشتركة توفر فرصة حقيقية للجزائر لتحسين كفاءة الإنتاج الزراعي في المناطق التي تواجه تحديات بيئية قاسية، مثل نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة.
الشراكات مع إيطاليا تُعد أيضًا ذات أهمية كبيرة في تحسين تقنيات الزراعة في المناطق الصحراوية. تتميز إيطاليا بخبرتها الطويلة في تطوير الزراعة في البيئات الجافة، ومن خلال هذا التعاون يتم نقل هذه المعرفة إلى الجزائر لتطبيقها في الزراعة الصحراوية. هذا التعاون يساهم في تعزيز قدرات الجزائر على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مواجهة التحديات المناخية والبيئية.
ولا يقتصر تبادل الخبرات -في إطار التعاون الدولي- على نقل التكنولوجيا فقط، بل يشمل أيضًا تطوير القدرات البشرية المحلية. برامج التدريب والتعليم المستمر التي تقدمها هذه الشراكات تمكّن الفلاحين والمهندسين الزراعيين من اكتساب مهارات جديدة وتحسين ممارساتهم الزراعية. ومن خلال هذه البرامج، يتم تعليم الفلاحين كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة في مراقبة المحاصيل وإدارة الموارد بفعالية، مما يسهم في تحسين جودة الإنتاج وتقليل التكاليف.
بشكل عام، يعكس التعاون الدولي التزام الجزائر بتعزيز قطاعها الزراعي من خلال استغلال الشراكات العالمية التي توفر للبلاد الفرصة لتحديث أساليبها الزراعية والانتقال نحو زراعة أكثر استدامة وكفاءة. هذه الشراكات الدولية ليست فقط وسيلة لتحسين الإنتاجية، بل هي أيضًا جسر يربط الجزائر بأحدث الابتكارات الزراعية ويضمن تبادل الخبرات والمعرفة لتحقيق مستقبل زراعي مستدام.
الرقمنة في خدمة الزراعة
التكنولوجيا الحديثة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مستقبل الزراعة العالمية، والجزائر تسعى جاهدة لمواكبة هذا التحول من خلال تبني تقنيات متطورة تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية وزيادة الإنتاجية الزراعية. في ظل التحديات البيئية والمناخية التي تواجه القطاع الزراعي، أصبحت الحلول التكنولوجية مثل الري الذكي والطائرات بدون طيار من الأدوات الأساسية لتحسين إدارة الأراضي والمحاصيل.
تقنية الري الذكي، التي تعتمد على استشعار احتياجات النباتات وقياس مستوى الرطوبة في التربة، توفر كميات المياه اللازمة بدقة، مما يساهم في تقليل الهدر وزيادة كفاءة استغلال المياه، وهو مورد حيوي في مناطق الجزائر الجنوبية. وهذه التقنية تساعد الفلاحين على تجاوز مشكلة ندرة المياه، مما يعزز من إنتاجية الأراضي حتى في المناطق التي تعاني من نقص الموارد المائية.
من جهة أخرى، تلعب الطائرات بدون طيار دورًا مهمًا في مراقبة الأراضي الزراعية ورصد المحاصيل. من خلال الصور الجوية والبيانات الدقيقة التي توفرها، يتمكن الفلاحون من متابعة حالة المحاصيل بشكل أفضل، مما يسمح بالكشف المبكر عن أي مشكلات صحية أو بيئية تؤثر على المحصول. هذا النوع من التكنولوجيا يتيح للفلاحين اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على معلومات دقيقة، مما يساهم في تحسين الإنتاجية بشكل عام.
من خلال تطبيقات الهاتف المحمول ونظم المعلومات الجغرافية، أصبح بإمكان الفلاحين متابعة بيانات المحاصيل والمناخ وتحليلها بشكل مستمر. فالرقمنة لا تقتصر على تسهيل إدارة المحاصيل فحسب، بل تساهم أيضًا في تحسين سلاسل التوريد والتوزيع من خلال تعزيز الشفافية والقدرة على التتبع، وهو ما يؤدي إلى تقليل الفاقد وضمان استدامة الموارد الطبيعية.
إلى جانب تحسين الإنتاجية، تعتبر هذه التقنيات جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق الاستدامة في الزراعة الجزائرية. من خلال الاستخدام الفعال للتكنولوجيا، يمكن للفلاحين تقليل استهلاك المياه والطاقة، وتحسين إدارة الأراضي والمحاصيل، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق زراعة أكثر استدامة وفعالية.
في المجمل، تبني التكنولوجيا والرقمنة في الزراعة ليس فقط وسيلة لتحسين الإنتاجية وزيادة الأرباح، بل هو أيضًا جزء من رؤية أوسع نحو تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية في الجزائر. هذه الحلول التكنولوجية تتيح للفلاحين التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية بمرونة وفعالية، مما يضمن تحقيق توازن بين زيادة الإنتاج وحماية الموارد الطبيعية.
ماذا عن دور التعاونيات والمؤسسات المالية؟
تلعب التعاونيات الفلاحية والمؤسسات المالية دورًا حيويًا في دعم الفلاحين وتحقيق النجاح في حملة الحرث والبذر. تعتبر هذه المؤسسات الركيزة الأساسية لتوفير التمويلات اللازمة والدعم التقني الذي يسهم في تحسين الإنتاجية وزيادة كفاءة الفلاحين في مواجهة التحديات الاقتصادية والمناخية.
على رأس هذه المؤسسات يأتي بنك “بدر” والصندوق الوطني للتعاون الفلاحي، حيث يقدمون حزم تمويلية مخصصة لتغطية تكاليف الإنتاج الزراعي، بما في ذلك شراء المعدات الزراعية الحديثة والأسمدة والبذور. هذه التمويلات تساعد الفلاحين على تحسين قدراتهم الإنتاجية ومواجهة متطلبات السوق والتغيرات المناخية.
بالإضافة إلى التمويل، تقدم هذه المؤسسات الدعم الفني للفلاحين من خلال استشارات وإرشادات حول أفضل الممارسات الزراعية. هذا النوع من الدعم يعزز من قدرة الفلاحين على تحسين أساليبهم الإنتاجية وزيادة مردودية الأراضي الزراعية. كما أن التعاونيات الفلاحية بدورها تقدم خدمات مميزة تشمل توفير المواد الأولية بأسعار معقولة، مما يساهم في تقليل التكاليف الإنتاجية، خاصة في المناطق النائية.
تعتبر الشراكات بين التعاونيات والمؤسسات المالية أداة رئيسية في دعم الفلاحين المحليين، وتصل أيضاً إلى التعاون مع القطاع الخاص. مع زيادة الاهتمام بالاستثمار في القطاع الزراعي، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، أصبحت الزراعة مجالًا جاذبًا للاستثمارات الخاصة. هذه الشراكات تعزز فرص تطوير الزراعة المستدامة من خلال إدخال تقنيات حديثة وتحسين سلاسل التوزيع والتسويق.
التعاون بين القطاعين العام والخاص يعتبر خطوة استراتيجية لتطوير الزراعة في الجزائر. الاستثمارات الخاصة تسهم في تحديث البنية التحتية الزراعية وتبني الابتكارات التكنولوجية التي تعزز كفاءة الإنتاج، مثل تطوير شبكات الري وتحسين عمليات النقل والتخزين. هذا يساعد في تقليل الفاقد من المحاصيل وزيادة الأرباح.
إلى جانب الزراعة التقليدية، تدعم المؤسسات المالية والتعاونيات الزراعية مشاريع الزراعة المستدامة التي تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية. هذه المشاريع تشجع على استخدام أساليب زراعية تراعي الحفاظ على التربة والمياه، مما يسهم في تحقيق توازن بين زيادة الإنتاج وحماية البيئة.
في النهاية، تلعب التعاونيات الفلاحية والمؤسسات المالية دورًا محوريًا في نجاح حملة الحرث والبذر. ومن خلال التمويل والتدريب والتعاون مع القطاع الخاص، يتم توفير الدعم الشامل للفلاحين، مما يتيح لهم تحقيق إنتاجية عالية وضمان استدامة القطاع الزراعي على المدى البعيد.
من المزرعة إلى المستهلك
تسويق المنتجات الزراعية يمثل تحديًا كبيرًا للفلاحين في الجزائر، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية التي تبعد عن مراكز الأسواق الكبرى. على الرغم من الإنتاج الجيد الذي يحققه الفلاحون في بعض الأحيان، فإن ضعف سلاسل التوزيع والبنية التحتية اللوجستية يؤدي إلى صعوبات كبيرة في تسويق المنتجات بسرعة وكفاءة. هذا التأخير في وصول المنتجات إلى الأسواق يسبب أحيانًا تلف المحاصيل أو زيادة تكاليف النقل، مما يؤثر سلبًا على أرباح الفلاحين وقدرتهم على الاستمرار في الإنتاج.
لتجاوز هذه التحديات، أصبح تطوير سلاسل التوزيع أمرًا ضروريًا. يتطلب هذا التطوير تحسين البنية التحتية للنقل، وزيادة عدد مراكز التخزين القريبة من مناطق الإنتاج، وإنشاء شبكات توزيع تضمن وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق المحلية والدولية في الوقت المناسب وبأقل تكلفة ممكنة.
مراكز التخزين تلعب دورًا مهمًا في هذه العملية، حيث أن تحسينها، خاصة تلك المبردة والمجهزة، يمكن أن يساعد في تقليل الفاقد من المنتجات الزراعية مثل الفواكه والخضروات التي تتطلب ظروف تخزين خاصة. تحسين مراكز التخزين لا يعتبر استثمارًا قصير الأمد فقط، بل هو جزء من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تعزيز كفاءة سلاسل التوزيع وتحقيق الاستدامة في تسويق المنتجات الزراعية.
من جانب آخر، القطاع الخاص يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير شبكات التوزيع الزراعي. من خلال الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، يمكن تعزيز سلاسل التوزيع الحالية وتحسين العمليات اللوجستية. هذه الشراكات يمكن أن تساهم في بناء مراكز توزيع جديدة، تحسين وسائل النقل، وتطوير الأسواق المحلية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه الشراكات فرصًا للفلاحين لبيع منتجاتهم بأسعار عادلة، مما يعزز من قدرتهم على تحقيق أرباح أكبر واستدامة أعمالهم.
إدماج التكنولوجيا والرقمنة في سلاسل التوزيع يمثل خطوة مهمة نحو تحسين التسويق الزراعي. تطوير منصات إلكترونية لبيع المنتجات الزراعية يمكن أن يقلل من اعتماد الفلاحين على الوسطاء ويوفر لهم إمكانية الوصول المباشر إلى المستهلكين. هذا يتيح للفلاحين بيع منتجاتهم بأسعار أفضل وتقليل التكاليف التشغيلية. إضافة إلى ذلك، توفر هذه المنصات للفلاحين القدرة على متابعة الطلبات والمخزون بشكل فعال، مما يسهم في تحسين التخطيط والإدارة.
في النهاية، تطوير سلاسل التوزيع من المزرعة إلى المستهلك يعزز من استدامة الزراعة في الجزائر، ويحقق للفلاحين فرصًا أكبر للنمو في السوق وتحقيق الأرباح.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
نجاح حملة الحرث والبذر لموسم 2024-2025 يمثل خطوة حاسمة لدعم الاقتصاد الوطني الجزائري. فمن خلال تحقيق الأهداف الزراعية، خاصة في إنتاج الحبوب، يمكن للجزائر أن تقلل من اعتمادها على استيراد الحبوب من الأسواق الدولية، مما سيؤدي إلى تقليص فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الصعبة. هذه العملات يمكن استثمارها في قطاعات أخرى مثل البنية التحتية، التعليم، والصحة، مما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي بشكل شامل ومستدام.
تقليل الواردات في مجال الحبوب يعزز الاستقلالية الاقتصادية للجزائر، مما يحصن البلاد من تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية. عندما تكون الجزائر قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية من الإنتاج المحلي، فإنها تقلل من تعرضها لتقلبات الأسعار العالمية واضطرابات الإمدادات الغذائية. هذا يعزز استقرار السوق المحلي ويضمن توفر المواد الأساسية بأسعار معقولة للمواطنين، مما يسهم في الحفاظ على القدرة الشرائية وتجنب التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الاستيراد.
على الصعيد الاجتماعي، نجاح الحملة سيؤدي إلى تحسين مستوى معيشة الفلاحين بشكل مباشر. في المناطق الريفية والجنوبية، حيث يعتمد العديد من السكان على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، فإن تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي سيوفر فرص عمل جديدة ويزيد من دخل الأسر الريفية. هذا سيسهم في الحد من الهجرة من الريف إلى المدن، ويشجع السكان على البقاء والمساهمة في تطوير مناطقهم.
إلى جانب تحسين مستوى الدخل، ستساهم الحملة في تعزيز التنمية المحلية من خلال تشجيع استثمارات إضافية في مجالات مثل البنية التحتية الزراعية، التخزين، والنقل. هذه الاستثمارات ستدعم تطوير المناطق الريفية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لسكان هذه المناطق، مما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة بشكل عام.
علاوة على ذلك، نجاح الحملة يعزز الثقة بين الفلاحين والحكومة، حيث يتم تقديم الدعم المادي والتقني اللازمين لتمكين الفلاحين من تحقيق إنتاجية أفضل. هذه الثقة ستساهم في تعزيز العلاقة بين الدولة والمجتمعات الزراعية، مما يدفع بالمزيد من التعاون لتحقيق أهداف التنمية الزراعية والاقتصادية.
في المجمل، الحملة الزراعية لموسم 2024-2025 تمثل أكثر من مجرد جهود لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل هي خطوة نحو تنمية شاملة ومستدامة تؤثر إيجابيًا على الاقتصاد الوطني بشكل عام. من خلال هذه الحملة، تسعى الجزائر إلى بناء نموذج زراعي مستدام يقلل من الاعتماد على الواردات ويعزز الاستقلال الغذائي في مواجهة التحديات العالمية.
هذا النموذج لا يقتصر فقط على تحسين الإنتاج الزراعي، بل سيساهم أيضًا في تعزيز الصناعات المرتبطة بالزراعة مثل الصناعات الغذائية، والتخزين، والنقل. الحملة ستلعب دورًا كبيرًا في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحسين أوضاع الفلاحين في المناطق الريفية والجنوبية. تعزيز فرص العمل وزيادة الدخل في هذه المناطق سيساهم في تقليص الفجوة التنموية بين المدن والريف، مما يعزز تماسك المجتمع ويسهم في تحقيق التنمية المتوازنة بين مختلف مناطق البلاد.
تحسين البنية التحتية في المناطق الزراعية سيعود بالنفع ليس فقط على الفلاحين، بل على كافة السكان في تلك المناطق من خلال تحسين الخدمات مثل النقل، التعليم، والرعاية الصحية. بذلك، تتعدى حملة الحرث والبذر كونها مجرد موسم زراعي لتحقيق أهداف إنتاجية، فهي مشروع استراتيجي متكامل لتحقيق التنمية المستدامة، وتقديم دفعة قوية نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا غذائيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا.
الخبير في مجال الفلاحة أحمد مالحة لـ”الأيام نيوز”:
هل آن الأوان لتغيير الرزنامة الفلاحية؟
اعتبر الخبير في مجال الفلاحة، أحمد مالحة، أن ما تقدمه الدولة لإنجاح الموسم الزراعي يُعتبر “دعماً لا بأس به”، لكنه يحتاج إلى المزيد. ونبه إلى أن النجاح في موسم الحرث والبذر لهذا العام لا يعتمد فقط على زيادة المساحات المزروعة، بل أيضاً على تحسين إنتاجية كل هكتار. وأشار إلى أن تخصيص أكثر من 3 ملايين هكتار لزراعة الحبوب يُعد خطوة هامة، لكنها لن تكون كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي إذا لم تُتبنَ استراتيجيات زراعية دقيقة.
وأوضح مالحة في تصريح لـ”الأيام نيوز” أن الدعم الحكومي الموجه للفلاحين لا بأس به، لكنه يبقى غير كافٍ لتحقيق الأهداف الوطنية الطموحة، وعلى رأسها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح الصلب.وأكد الخبير الفلاحي أن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب يتطلب دعماً حكومياً أكبر، ومتابعة يومية دقيقة للعملية الزراعية، بدءاً من توفير المدخلات الأساسية مثل البذور والأسمدة، وصولاً إلى تقديم الدعم الفني والتقني للفلاحين في مختلف مراحل الزراعة. كما شدد على ضرورة تحسين آليات توزيع البذور وضمان توفرها بكميات كافية وجودة عالية، لتجنب تكرار المشكلات التي شهدها الموسم الماضي.وقال مالحة: “ضمان توزيع البذور في الوقت المناسب وبالكميات الكافية أصبح تحدياً كبيراً يُضاف إلى قائمة الصعوبات التي يواجهها القطاع الزراعي”.
مشاريع صوامع التخزين ضرورة حتمية
أكد الخبير الفلاحي أن الدولة الجزائرية أولت اهتمامًا كبيرًا لتعزيز قدرات التخزين من خلال إطلاق مشاريع عديدة لبناء صوامع تخزين الحبوب. وأوضح أن هذه المشاريع تلعب دورًا محوريًا في سلسلة الإنتاج الزراعي، مشددًا على ضرورة إنهاء مشاريع الصوامع خلال هذا العام لتجنب أي مشاكل مستقبلية تتعلق بقدرات التخزين.
وأشار مالحة إلى أن التخزين هو جزء لا يتجزأ من أي استراتيجية زراعية ناجحة، حيث لا يمكن التركيز فقط على زيادة الإنتاج دون التفكير في كيفية تخزين هذا الإنتاج بشكل مناسب وآمن. واعتبر أن الصوامع تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على المحاصيل وتوفير مرونة للفلاحين من خلال تمكينهم من تخزين كميات كبيرة من الحبوب حتى يحين الوقت المناسب لتسويقها.
وأضاف أن تأخير تنفيذ مشاريع الصوامع قد يؤدي إلى ضغوط على المزارعين والأسواق، مما قد يؤثر سلبًا على الاستفادة الكاملة من الجهود المبذولة لزيادة الإنتاج الزراعي في الجزائر. ولذلك، يعتبر الانتهاء من مشاريع الصوامع خطوة استراتيجية ضرورية لضمان سلسلة إنتاج متكاملة ومستدامة، تلبي احتياجات الأمن الغذائي الوطني وتدعم الفلاحين في تسويق محاصيلهم بكفاءة أكبر.
ضرورة مراجعة الرزنامة الفلاحية في الجزائر
ووفقًا لما صرح به ذات المتحدث، فإن الاضطرابات الجوية وتداخل الفصول جعلت من الضروري إعادة النظر في الرزنامة الفلاحية التي تم اعتمادها منذ التسعينات. يؤكد مالحة أن الرزنامة الفلاحية، التي تحدد الأوقات الملائمة للزراعة والبذر والحصاد، أصبحت تحتاج إلى مراجعة جذرية لتتوافق مع الظروف المناخية الحالية. فقد كانت عمليات الحرث والبذر تُجرى سابقًا في شهر أكتوبر الذي كان يشهد تساقطًا كثيفًا للأمطار، ولكن نتيجة للتغيرات المناخية المستمرة، أصبح من الصعب تحديد الوقت الأمثل لبدء الموسم الزراعي. هذه التغيرات تتطلب تفكيرًا جديدًا لإعادة ضبط الرزنامة الفلاحية بما يتلاءم مع التحديات المناخية المتزايدة.
وأشار مالحة إلى أن التعاونيات الفلاحية تُعد ركيزة أساسية لدعم الفلاحين، حيث تساهم في توفير البذور، والمكننة الزراعية، وتخفيف الأعباء عنهم، مما يسمح لهم بالتركيز على عمليات الإنتاج فقط. ومع ذلك، أوضح أنه هناك تحديات تواجه هذه التعاونيات، من بينها قلة انضمام الفلاحين إليها، وهو أمر يتطلب معرفة الأسباب الحقيقية التي تمنع الفلاحين من الهيكلة ضمن هذه التعاونيات.
وفي هذا السياق، شدد مالحة على ضرورة أن تقوم الغرفة الوطنية للفلاحة والغرف الولائية بدور أكبر في عمليات التوعية والتحسيس حول أهمية التعاونيات. وأعرب عن اعتقاده بأن التحفيزات المقدمة للفلاحين للانضمام إلى التعاونيات غير كافية، مشيرًا إلى أن الزراعة على مستوى العالم قد شهدت تطورًا كبيرًا بفضل التعاونيات والجمعيات المتخصصة التي تعمل على تعزيز الإنتاج وتحقيق الاستدامة.
المتخصص في الأمن الغذائي والمائي إبراهيم موحوش لـ”الأيام نيوز”:
مستقبل الزراعة في الجزائر مرهون بتبني حلول مائية مبتكرة
أكد الأستاذ إبراهيم موحوش، المتخصص في الأمن الغذائي والمائي وعضو المجلس الأعلى للبحث العلمي والتكنولوجي، أن ندرة المياه في الجزائر تعد أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القطاع الزراعي، خصوصًا خلال مواسم الحرث والبذر.
وأوضح موحوش، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن “الفلاحة بدون مياه غير ممكنة”، مشيرًا إلى أن نقص الموارد المائية يستدعي تبني سياسات مدروسة لتخصيص المياه للقطاعات الأكثر احتياجًا وأهمية مثل الشرب، وتربية الحيوانات، والزراعة ذات القيمة المضافة.
في الشمال الجزائري، حيث الموارد المائية محدودة، يقول موحوش إنه يجب أن تُخصص المياه لري المحاصيل التي تعود بربح اقتصادي واضح مثل الفواكه والخضروات، مع تفادي المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، مثل القمح والشعير والذرة بسبب القيود المائية.
حلول مستدامة لتحسين إدارة الموارد المائية
وفيما يتعلق بإيجاد حلول لمشكلة ندرة المياه، أشار موحوش إلى أن هناك أربعة محاور رئيسية يمكن أن تساهم في تحسين إدارة الموارد المائية في الجزائر. أولًا، أكد على أهمية الاستغلال الأمثل للمياه دون تبذيرها، سواء في الاستهلاك البشري أو الزراعي أو الصناعي. “تبذير المياه يمكن أن يُفاقم من أزمة ندرة المياه ويزيد من تعقيد إدارة الموارد المائية، لذا من الضروري تطبيق تقنيات المحافظة على المياه في كافة القطاعات”، يقول الأستاذ إبراهيم.
ثانيًا، تطرق إلى استغلال مياه الأمطار بشكل فعال، بما في ذلك جمع المياه من أسطح العمارات والمنازل لاستخدامها في الري أو الاستخدامات اليومية. “هذه التقنية البسيطة قد تبدو غير كافية لمواجهة التحديات الكبيرة، لكنها تقدم حلولًا فعالة على المستوى المحلي وتقلل من الاعتماد على الموارد المائية الجوفية أو السطحية في المناطق التي تشهد تساقط أمطار موسمية”.
ثالثًا، أكد موحوش على أهمية إعادة استخدام المياه المستعملة، حيث أشار إلى أن الجزائر تمتلك حوالي “220 محطة لإعادة معالجة المياه المستعملة”. هذه المحطات قادرة على إنتاج ما يصل إلى “1.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا”، وهو ما يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في المحاصيل الزراعية. “الاستفادة من هذه المياه المعاد تدويرها تعتبر خطوة مهمة في تحسين استدامة الزراعة، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص حاد في المياه”.
وأخيرًا، تحلية مياه البحر تعد واحدة من الحلول الأكثر فعالية على المدى الطويل. وأوضح موحوش أن الجزائر بدأت في تنفيذ مشاريع تحلية المياه منذ أكثر من 15 عامًا، وهذه المشاريع ساعدت في تقليل الاعتماد على المياه الجوفية السطحية، خاصة في المناطق الساحلية. “مع ارتفاع الاحتياجات المائية وتزايد السكان، تبقى تحلية مياه البحر حلاً استراتيجيًا يمكن أن يدعم احتياجات الجزائر في المستقبل”، يؤكد الأستاذ المختص في الأمن المائي.
تقنيات الري المقتصدة
وفيما يتعلق بتقنيات الري، أوضح موحوش أن الري بالتنقيط والرش المحوري هما أفضل الحلول المتاحة للفلاحين، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المياه. هذه التقنيات تتيح توزيع المياه بكفاءة عالية، مما يقلل من هدر المياه ويضمن وصولها إلى جذور النباتات بشكل مباشر. وأشار إلى أن اعتماد مثل هذه التقنيات يمكن أن يساعد بشكل كبير في تحسين الإنتاجية الزراعية، حيث تساهم في توفير المياه المستخدمة في الري بنسب كبيرة مقارنة بالتقنيات التقليدية.
في هذا الصدد، يقول موحوش: “الري بالتنقيط، على سبيل المثال، يسمح بتوزيع المياه بكميات محددة ومباشرة إلى النباتات، مما يقلل من تبخر المياه ويزيد من فعالية استخدامها. في المقابل، الرش المحوري يمكن أن يكون فعالًا مع المحاصيل الكبيرة التي تحتاج إلى كميات أكبر من المياه، لكن يجب أن يتم تطبيقه بحذر لتجنب الهدر”.
البنية التحتية المائية
أما ما يتعلق بالبنية التحتية المائية في الجزائر، أشار موحوش إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن في نقص البنية التحتية، بل في ندرة المياه نفسها. “الجزائر تمتلك شبكة جيدة من السدود والخزانات ومحطات معالجة المياه، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود كميات كافية من المياه لملء هذه الخزانات وتشغيل هذه البنية التحتية بكفاءة”. وأكد موحوش أن الجهود المبذولة من قبل الدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، تركزت على تحسين الأمن المائي من خلال تشييد محطات تحلية المياه وزيادة استخدام المياه المعالجة.
التحسينات المستمرة في البنية التحتية المائية تساهم في توفير المزيد من المياه للقطاع الزراعي والمناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل. ومع ذلك، أشار موحوش إلى أن هذه الجهود تحتاج إلى استمرارية وتخطيط استراتيجي لضمان تأمين موارد مائية مستدامة للمستقبل.
وفي ختام حديثه، شدد إبراهيم موحوش على أن الأمن المائي هو العنصر الأهم لضمان استدامة الفلاحة في الجزائر. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الزراعي، تبقى الحلول المستدامة مثل تحلية مياه البحر، إعادة استخدام المياه المستعملة، وتقنيات الري المقتصدة هي المفاتيح الرئيسية للتغلب على هذه الصعوبات.
مديرة المعهد التقني لتنمية الفلاحة الصحراوية بولاية المغير خالد حليمة:
من قلب الصحراء تولد حلول الأزمات الغذائية العالمية
أكدت خالد حليمة، مديرة المعهد التقني لتنمية الفلاحة الصحراوية بولاية المغير، أن استغلال المناطق الصحراوية في الجزائر يعد جزءًا حيويًا من جهود تحقيق الأمن الغذائي في البلاد، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية والأزمات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا.
وأشارت حليمة، في تصريح لـ”الأيام نيوز” إلى أن الجزائر تمتلك خصائص طبيعية مميزة في المناطق الصحراوية، مثل الأراضي الواسعة والمياه الباطنية، التي تجعل من الزراعة في هذه المناطق عنصرًا هامًا في تأمين الاحتياجات الغذائية المستقبلية. كما أكدت على أن الدولة الجزائرية تشجع على الاستثمار في الزراعة الصحراوية، لا سيما في الزراعات الاستراتيجية.
وتطرقت مديرة المعهد التقني لتنمية الفلاحة الصحراوية بولاية المغير الى التقنيات الزراعية التي يمكن اعتمادها في المناطق الصحراوية لضمان نجاح موسم الحرث والبذر، حيث شددت على أهمية عدم الاقتصار على زراعة محاصيل مثل القمح والشعير فقط، بل توسيع الزراعة لتشمل محاصيل أخرى مثل الذرة الحبية ودوار الشمس.
وأوضحت أن إدارة المياه بشكل دقيق يعد أمرًا أساسيًا، حيث تعتمد المناطق الصحراوية على المياه الباطنية، مما يستوجب الحفاظ عليها وعدم هدرها. وبيّنت أن احترام المسار التقني للسقي ومواعيد الزراعة المناسبة يسهمان في تحسين الإنتاجية، مؤكدة أن بعض المحاصيل تحتاج إلى رعاية خاصة خلال فترات الإزهار التي قد تتأثر بالتغيرات المناخية.
عقبات تواجه فلاحي الجنوب
وأبرزت حليمة أن التحديات المناخية تشكل العقبة الرئيسية التي تواجه الفلاحين في المناطق الصحراوية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه. ومع ذلك، أشادت بالتحسن التدريجي في توفير البذور، بفضل الجهود التي تبذلها تعاونيات الحبوب والمخازن التي تم تشييدها مؤخرًا لتلبية احتياجات الفلاحين. وأكدت أن هذا التحسن في توزيع البذور يساهم بشكل كبير في تحسين الإنتاج الزراعي واستدامته في المناطق الصحراوية.
كما أشارت المتحدثة إلى أن نجاح الزراعة في المناطق الصحراوية يعتمد على المكننة المتكيفة مع الظروف الصحراوية، حيث تتطلب هذه البيئة تقنيات خاصة لضمان استدامة الإنتاج الزراعي. مؤكدة أن احترام المواسم الزراعية ومواعيد السقي المناسب يساهم في تعزيز مردودية المحاصيل الزراعية في هذه المناطق.
في ختام حديثها، أكدت خالد حليمة أن الزراعة الصحراوية في الجزائر تعد ركيزة أساسية لضمان الأمن الغذائي، وأن الاستثمار في هذه المناطق يحتاج إلى رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار التحديات المناخية وإدارة الموارد الطبيعية بشكل فعال.
مدير المدرسة الوطنية العليا للفلاحة طارق حرطاني:
أبحاث متقدمة وتقنيات مبتكرة.. الزراعة الجزائرية تتجه إلى المستقبل
مع انطلاق موسم الحرث والبذر 2024-2025، يبرز بشكل متزايد الدور الحاسم الذي تلعبه المؤسسات التعليمية والبحثية في تعزيز قطاع الزراعة في الجزائر. وتُعَدُّ المدرسة الوطنية العليا للفلاحة، بقيادة مديرها طارق حرطاني، واحدة من الركائز الأساسية التي تساهم في رفع كفاءة الإنتاج الزراعي، من خلال تقديم حلول مبتكرة وتوصيات علمية مدعومة بالأبحاث. وفي هذا السياق، أشار حرطاني في تصريح لـ”الأيام نيوز” إلى أن البحث العلمي المتقدم والتعاون الوثيق بين المؤسسات الفلاحية والمعاهد التقنية يشكلان مفتاح النجاح لموسم الحرث والبذر، خاصة في ظل التحديات المناخية والبيئية المتزايدة.
أكد طارق حرطاني أن دور المدرسة الوطنية العليا للفلاحة في إنجاح موسم الحرث والبذر يرتكز بشكل كبير على تقديم توصيات تقنية مدعومة بالبحث العلمي، تهدف إلى تحسين الإنتاجية الزراعية والحفاظ على التربة والمياه، وأوضح مدير المدرسة الوطنية العليا للفلاحة أن “العلوم الفلاحية تقدم حلولاً مبتكرة، مثل استخدام تقنيات البذر المباشر أو الحد الأدنى من الحرث لتجنب انجراف التربة والحفاظ على رطوبتها”.
وأضاف أنه توجد توصيات خاصة بمناطق محددة، مثل زراعة أصناف معينة من القمح الصلب في مناطق الشرق والوسط، بينما يُفضل زراعة الشعير في الغرب. كما أشار إلى أن جنوب البلاد يحتاج إلى حلول زراعية تتناسب مع ظروفه المناخية والتربة الخاصة به، حيث يجب تصميم مسارات تقنية تأخذ بعين الاعتبار هذه الخصائص، نظرًا لأن الممارسات الزراعية المستوردة من الشمال قد لا تكون فعالة بشكل كافٍ في هذه المناطق.
التعاون مع الجامعات والمعاهد الدولية
بالإضافة إلى البحث العلمي المحلي، تبرز أهمية التعاون مع الجامعات والمعاهد الدولية في تقديم تقنيات زراعية جديدة لتعزيز استدامة الزراعة في الجزائر. أوضح حرطاني أن “التذبذب في تساقط الأمطار وفجائية الرياح الساخنة يتطلبان التحكم في عوامل الإنتاج بشكل أكبر.” وبيّن أن التقنيات الدولية، التي تم تبنيها نتيجة مشاريع بحثية مشتركة، تساهم في تحسين عمليات الإنتاج من خلال تخصيب التربة بمواد مثل غبار المواشي وزراعة حواجز مائية صغيرة لتحسين إدارة المياه.
وأكد المتحدث، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس لجنة التفكير المختلطة لتطوير إنتاج الحبوب، أن “تقنية البذر المباشر للحبوب، التي تم تطبيقها بناءً على التعاون البحثي الدولي، تعتبر إحدى الحلول التي تساهم في تحسين الإنتاجية الزراعية وتخفيف تأثير التغيرات المناخية”.
إلى جانب البحث العلمي، تلتزم المدرسة الوطنية العليا للفلاحة بتقديم برامج تدريبية مكثفة للفلاحين، تهدف إلى مساعدتهم في تحسين ممارساتهم الزراعية. وأكد حرطاني أن المدرسة تراقب الفلاحين في عمليات ضبط الآلات، مثل تحديد عمق البذور وكثافتها، إضافة إلى تقدير كميات المياه والأسمدة المطلوبة لكل منطقة بناءً على الظروف البيئية.
“تختلف الوصفة التقنية من منطقة إلى أخرى”، يوضح حرطاني، مضيفًا أن استخدام أنظمة الري الذكي يعتمد على البيانات المحلية لضمان الاستخدام الأمثل للموارد الزراعية. من خلال هذه البرامج، يتم تدريب الفلاحين على استخدام التقنيات الحديثة التي تعزز من إنتاجية الحقول وتساعد في تقليل التكاليف الزراعية.
الأبحاث في مواجهة الجفاف وتغيرات المناخ
مع بدء موسم الحرث والبذر، يعتمد الفلاحون بشكل كبير على الأبحاث التي تركز على تطوير محاصيل مقاومة للجفاف وتغيرات المناخ. أشار حرطاني إلى أن “هناك أدوات علمية تساعد في تصميم سيناريوهات مناخية دقيقة يمكن من خلالها تحديد المسار التقني للزراعة وتفادي فترات الجفاف.” ومع ذلك، يشير إلى أن هذا الأمر يتطلب قاعدة بيانات عالية الجودة وتحليلات تربة شاملة. ومن جهة أخرى، تعمل مراكز البحث والجامعات في الجزائر على استحداث أصناف هجينة من الحبوب تتميز بمقاومتها للجفاف والأمراض الزراعية الشائعة، مما يعزز من فرص نجاح الموسم الزراعي وزيادة الإنتاجية.
عند دور المدرسة العليا للفلاحة في تقديم حلول مبتكرة للتحديات التي يواجهها الفلاحون، شدد حرطاني على أهمية “ربط الأقسام الفلاحية بالجامعات مع الفروع المهنية محليًا، لتعزيز التعاون بين الفلاحين والباحثين.” هذه المقاربة التشاركية تتيح للفلاحين الوصول إلى أحدث التوصيات التقنية التي تساعد في تحسين عمليات الزراعة.وأوضح حرطاني أن المدرسة تعمل بالتعاون مع الغرف الفلاحية الولائية لتقديم الدعم اللازم خلال الموسم الزراعي، مع التركيز على متابعة التوصيات التقنية بعد عمليات البذر لضمان نجاح الموسم.
الأستاذ المتخصص في استخدام التكنولوجيات الحديثة في مجال الزراعة عبد القادر لعريبي:
التكنولوجيا الحديثة.. ثورة متوقعة في الزراعة الجزائرية
يعتبر عبد القادر لعريبي، الأستاذ المتخصص في استخدام التكنولوجيات الحديثة في مجال الزراعة، أن التكنولوجيا والرقمنة تملكان إمكانيات هائلة لتغيير وجه الزراعة في الجزائر. ولكن التحديات المرتبطة بالبنية التحتية والوعي التكنولوجي لا تزال قائمة. ومع ذلك، فإن المستقبل حسبه يبدو واعدًا مع التطورات المستمرة في هذا المجال، مما يفتح الباب أمام تحول رقمي شامل في القطاع الزراعي الجزائري، يمكن أن يعزز من الإنتاجية ويحقق الاستدامة البيئية.
وأوضح عبد القادر لعريبي، في تصريح لـ”الأيام نيوز” حول إمكانيات استغلال الرقمنة لتحسين القطاع الزراعي في الجزائر، أن التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، يمكن أن تحدث ثورة في القطاع الزراعي في الجزائر. وذكر أن “هذه التقنيات تستطيع توفير بيانات دقيقة حول التربة والمحاصيل، مما يساعد المزارعين في اتخاذ قرارات مدروسة حول توقيت ومواقع عمليات الحرث والبذر”.
وأضاف لعريبي أن الطائرات بدون طيار قادرة على مراقبة المحاصيل بدقة، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى رعاية خاصة، مثل الأماكن التي تعاني من نقص المياه أو الأمراض الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، توفر الأقمار الصناعية معلومات مهمة حول حالة الطقس والظروف البيئية، مما يمكن الفلاحين من اتخاذ قرارات مسبقة تتعلق بعمليات الزراعة بشكل عام.
تحديات قائمة
ورغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرها التكنولوجيا الحديثة، أشار الأستاذ لعريبي إلى نقص توفر التطبيقات الرقمية المخصصة للفلاحين في الجزائر. وأوضح أنه “حتى الآن، لا تتوفر بشكل واسع تطبيقات رقمية تمكن الفلاحين من متابعة حالة التربة أو تحديد أفضل أوقات البذر بناءً على بيانات الطقس.” ومع ذلك، كان لعريبي متفائلاً بشأن المستقبل، مؤكدًا أن هذا المجال سيشهد تطورًا كبيرًا في السنوات المقبلة مع دخول المزيد من الابتكارات الرقمية إلى القطاع الزراعي الجزائري.
ومع الحديث عن فوائد التكنولوجيا، أشار لعريبي إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الفلاحين في الجزائر لاعتماد الرقمنة في إدارة مزارعهم. وأوضح أن “نقص الوعي التكنولوجي وصعوبة الوصول إلى الإنترنت في المناطق الريفية، بالإضافة إلى التكاليف العالية للتكنولوجيا الحديثة، تعد من أبرز العوائق التي تحول دون تبني الفلاحين لهذه الحلول.” وأشار أيضًا إلى وجود مقاومة للتغيير بين بعض الفلاحين الذين يفضلون الاعتماد على الأساليب التقليدية في الزراعة، وهو ما يبطئ من عملية التحول الرقمي في هذا القطاع.
استدامة الموارد الزراعية
من جانب آخر، تطرق لعريبي إلى دور البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي في تحسين اتخاذ القرارات الزراعية وتقليل التكاليف. وأوضح قائلًا: “تتيح البيانات الكبيرة تحليل كميات ضخمة من المعلومات الزراعية، مما يمكن المزارعين من فهم أنماط الزراعة بشكل أفضل.” وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يستخدم هذه البيانات لتقديم توصيات دقيقة حول الزراعة، مثل توقيت الري أو كمية الأسمدة اللازمة، وهو ما يسهم في تقليل الفاقد الزراعي وزيادة الكفاءة، وبالتالي خفض التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ.
وفي هذا الصدد، سلط لعريبي الضوء على دور الرقمنة في تحسين استدامة الموارد الزراعية، وخاصة فيما يتعلق باستهلاك المياه والطاقة. وأوضح قائلًا: “تساعد الرقمنة في تحسين إدارة الموارد من خلال تقنيات مثل الري الذكي، الذي يعتمد على البيانات لمراقبة استهلاك المياه وتوزيعها بشكل فعال.” وأضاف أن هذه التقنيات تساعد الفلاحين على تقليل الفاقد من المياه وتحسين استخدام الطاقة في العمليات الزراعية، مما يسهم في تحقيق زراعة أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
مفتاح التحول الرقمي
توقع لعريبي أن يكون المستقبل حافلاً بالتقنيات الزراعية الجديدة التي من شأنها أن تعزز من الإنتاجية الزراعية في الجزائر. وأشار إلى تقنيات الزراعة الدقيقة، الطائرات بدون طيار، وأدوات التحليل البياني كأمثلة على الابتكارات التي يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تحسين العمليات الزراعية في المستقبل القريب. وأضاف: “التقنيات الحديثة مثل الروبوتات الزراعية يمكن أن تساهم في تحسين الكفاءة وتقليل الاعتماد على العمل اليدوي، مما يسهم في رفع الإنتاجية وتحقيق التنمية المستدامة في القطاع الزراعي.”
واختتم الأستاذ المتخصص في استخدام التكنولوجيات الحديثة في مجال الزراعة حديثه بالإشارة إلى أهمية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز استخدام التكنولوجيا في الزراعة. وأكد أن “تقديم الدعم المالي والتدريب للمزارعين يعد جزءًا أساسيًا من تحقيق التحول الرقمي في الزراعة.” وأضاف أن هذا التعاون يمكن أن يسهم في تسهيل تبني الفلاحين للتكنولوجيا وتحقيق زراعة مستدامة وفعالة في الجزائر.
عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين عبد المجيد صغيري:
المهندسون الزراعيون في مواجهة التغيرات المناخية
أكد عبد المجيد صغيري، عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، أن الاتحاد يضطلع بدور رئيسي في دعم الفلاحين خلال موسم الحرث والبذر، حيث يتضمن هذا الدعم تقديم النصائح الفنية والتقنية اللازمة لتحقيق موسم زراعي ناجح.
وأوضح صغيري، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، الذي أُسس عام 1995 وبدأ بنشاط أكبر في عام 2018، يُعتبر منظمة وطنية تقنية علمية تهتم بكل ما يتعلق بالقطاع الزراعي في الجزائر. ويعمل الاتحاد من خلال عقد اتفاقيات مع مختلف الشركاء والمؤسسات الزراعية، ويسهم في تطوير استراتيجيات لدعم الإنتاجية وتعزيز مردودية المحاصيل، خاصة في الزراعات الاستراتيجية مثل الحبوب والذرة والنباتات الزيتية.
وأشار صغيري إلى أن الاتحاد يقوم بحملات توعية للفلاحين خلال موسم الحرث والبذر لضمان انطلاقة ناجحة للموسم الزراعي. وتشمل هذه الحملات تقديم نصائح فنية وتطبيقات عملية للفلاحين والمستثمرين في مختلف المناطق الزراعية. ومن بين النصائح الأساسية التي يقدمها المهندسون الزراعيون للفلاحين هو القيام بتحليل التربة في بداية كل موسم لضمان معرفة احتياجاتها من الأسمدة والمواد العضوية. كما ينصحون بعمليات الحرث الربيعية والخريفية لضمان تحسين جودة التربة وتحقيق إنتاجية أعلى.
وأضاف صغيري أن الاتحاد قدم توجيهات دقيقة حول مواعيد البذر التي تختلف من منطقة إلى أخرى، حيث تبدأ في المناطق الصحراوية من بداية أكتوبر حتى نهاية نوفمبر، وفي المناطق الشمالية والهضاب العليا من 15 أكتوبر إلى 15 نوفمبر. هذه المواعيد تعتبر أساسية لضمان توافق عمليات الزراعة مع الظروف المناخية والجغرافية لكل منطقة.
توصيات المهندسين الزراعيين
فيما يتعلق بالتقنيات الزراعية الحديثة، أوضح صغيري أن الري بالتنقيط يُعتبر من أفضل الحلول المتاحة لضمان استخدام فعال للمياه في المناطق التي تعاني من نقص المياه. كما يوصي المهندسون الزراعيون باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة العمليات الزراعية وتقليل الهدر في الموارد. هذه التقنيات تساهم في تحسين الإنتاجية الزراعية بشكل ملحوظ وتعزز من استدامة المحاصيل.
أما بالنسبة للتحديات التي يواجهها المهندسون الزراعيون، أشار صغيري إلى أن تغيير ذهنيات الفلاحين، خاصة في المناطق التي لا تزال تعتمد على الطرق التقليدية في الزراعة، يُعتبر من أصعب المهام التي تواجههم. وأضاف أن ضعف الإمكانيات المادية، والتي تعيق تنظيم ملتقيات وأيام إرشادية للفلاحين، تشكل تحديًا إضافيًا للمهندسين في محاولتهم لنشر الممارسات الزراعية الحديثة.
كما أوضح المتحدث أن المهندسين الزراعيين يلعبون دورًا مهمًا في مساعدة الفلاحين على التكيف مع التغيرات المناخية، حيث يقدمون النصائح حول اختيار الوقت المناسب للبذر وأهمية اختيار الأصناف الزراعية الملائمة للظروف المناخية المتغيرة. هذه الأصناف غالبًا ما تكون مقاومة للجفاف وبعض الأمراض، مما يساعد الفلاحين على تحقيق إنتاجية جيدة رغم الظروف البيئية الصعبة.
أما فيما يتعلق بالتدريب، فقد أوضح صغيري أن الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين قد أبرم اتفاقيات مع معاهد تقنية، كما قام بإنشاء أكاديمية متخصصة في تكوين المكونين. وتعمل هذه الأكاديمية على تكوين المهندسين الزراعيين وتزويدهم بالمعرفة والتقنيات الحديثة التي تمكّنهم من تقديم الدعم الفني للفلاحين. وأضاف أن الاتحاد يسعى إلى توقيع اتفاقيات مستقبلية مع وزارة التكوين المهني لخلق شبكة واسعة من المهندسين الفلاحيين الذين يتم تدريبهم على أعلى مستوى.
رئيس جمعية تربة عبد المجيد عرفة لـ”الأيام نيوز”:
تدوير المحاصيل.. الحل القديم لمشاكل الزراعة الحديثة
أكد عبد المجيد عرفة، رئيس جمعية تربة، أن تحليل التربة يُعد الخطوة الأساسية التي يجب أن يتبعها الفلاحون لضمان اختيار المحاصيل الأنسب وتحديد كميات الأسمدة المطلوبة لتحقيق إنتاجية عالية لكل هكتار.
وأوضح عرفة، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن تحليل التربة يعني معرفة مكونات التربة وقدراتها، مما يساعد على تخصيبها بالشكل الملائم. “التربة الجيدة تحتوي على نسبة مواد عضوية تصل إلى 5%، بينما التربة السيئة لا تتعدى 1%”، مشيرًا إلى أن معرفة هذه النسب يساعد الفلاحين على تحديد نوعية الزراعة التي تناسب التربة، سواء كانت أشجارًا مثمرة، خضروات، أو محاصيل أخرى.
ومع بدء موسم الحرث والبذر، أشار عرفة إلى أن التحديات الرئيسية التي تواجه الفلاحين في الجزائر تشمل تآكل التربة وفقدان الخصوبة. وأوضح أن التربة الخصبة هي الأساس في تحقيق إنتاجية زراعية عالية، مؤكدًا أن الفلاحين يجب أن يركزوا على تطعيم التربة وليس فقط على تغذية النباتات. وأشار إلى أن الاعتناء بالتربة وجعلها “حية” هو ما يضمن إنتاجية مستدامة. “التحدي الكبير يكمن في كيفية خلق الخصوبة في أي نوع من التربة”، مؤكدًا أن هذا يتطلب جهدًا من الفلاحين وفهمًا لخصوصية التربة التي يعملون عليها.
تأهيل التربة
وفيما يتعلق بإعادة تأهيل التربة، أوضح عرفة أن تخصيب التربة هو الحل الأساسي، خصوصًا في الزراعات الصغيرة. لكن التحدي الأكبر يواجه الزراعات الواسعة مثل القمح والشعير، حيث يصعب تخصيبها بشكل كامل بسبب مساحاتها الكبيرة. ولحل هذه المشكلة، اقترح عرفة اتباع نظام تدوير المحاصيل، بحيث يتم زراعة البقوليات بجانب القمح والشعير، مما يساعد في تحسين خصوبة التربة بشكل طبيعي. وأوضح أن هذه الطريقة قديمة وكان يستخدمها الأجداد، كما أنها تُدرس في المعاهد التقنية اليوم.
وأضاف رئيس الجمعية أن زراعة البقوليات بجانب الحبوب لا يحسن فقط من خصوبة التربة، بل يزيد أيضًا من إنتاجية الفلاح وربحيته. “عوضًا عن إنتاج القمح فقط، يمكن للفلاح أن ينتج البقوليات الأخرى أيضًا”، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة تتيح للفلاحين الاستفادة من أراضيهم بشكل أكبر وزيادة مردودهم.
كما أشار عرفة إلى أن التغيرات المناخية تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على خصوبة التربة، مما يستوجب على الفلاحين اعتماد تقنيات جديدة للتكيف مع هذه التغيرات. وأكد أن الحرث العميق، الذي يتجاوز 15 سم، قد يؤدي إلى تدهور التربة، داعيًا إلى اعتماد تقنيات أكثر لطفًا في الحرث. وذكر أنه توجد تقنيات حديثة لا تتطلب الحرث العميق، بل تسمح بزراعة المحاصيل مباشرة دون التأثير السلبي على التربة، وهي تقنيات بدأ بعض الفلاحين في الجزائر باستخدامها بنجاح، حيث أظهرت نتائج إيجابية.
التركيز على تقنيات الحرث المستدامة
وأوضح عرفة أن التقنيات التقليدية للحرث قد تؤدي إلى فقدان التربة لخصوبتها، ولذلك من المهم أن يكون الحرث مدروسًا وملائمًا للتغيرات البيئية. وبيّن أنه توجد تقنيات مستدامة يمكن استخدامها لتحسين جودة التربة دون الحاجة إلى تدخلات عميقة تضرب بالتربة على المدى البعيد. وأشار إلى أن هذه التقنيات تساعد الفلاحين على الحفاظ على خصوبة التربة، وفي الوقت نفسه تساهم في استدامة الإنتاج الزراعي، حتى في ظل الظروف المناخية المتغيرة.
في ختام حديثه، شدد عبد المجيد عرفة على أن تحليل التربة وفهم مكوناتها هو الأساس في تحديد الزراعة المناسبة لكل منطقة وضمان نجاح موسم الحرث والبذر. وأكد أن خلق خصوبة التربة من خلال اعتماد ممارسات زراعية مستدامة مثل تدوير المحاصيل واستخدام تقنيات الحرث اللطيف يعد عاملين رئيسيين لضمان إنتاجية مستدامة، مشيرًا إلى أن التكيف مع التغيرات المناخية يتطلب اعتماد تقنيات جديدة تسهم في الحفاظ على خصوبة التربة وتحقيق الأمن الغذائي.
الأستاذة والخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة د. منال سخري لـ”الأيام نيوز”:
هذا هو الحل الأمثل للتكيف مع التغيرات المناخية!
أكدت الدكتورة منال سخري، وهي أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة، أن الجزائر، شأنها شأن دول شمال إفريقيا، تواجه تهديدات متزايدة من تأثيرات التغيرات المناخية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها المائي والغذائي، بالإضافة إلى الصحة العامة والاقتصاد.
وأوضحت سخري، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن هذه التأثيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المجال الزراعي، مشيرة إلى أن ندرة تساقط الأمطار، الجفاف، التصحر، وحرائق الغابات، بالإضافة إلى درجات الحرارة الشديدة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، كلها عوامل تؤثر على كمية ونوعية المنتجات الزراعية.
وأشارت سخري إلى أن الجزائر بحاجة ملحة إلى تبني مقاربة جديدة للتكيف مع التغيرات المناخية، وذلك من خلال تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة. وأكدت أن هذه الممارسات يجب أن تشمل وضع خطة واضحة لتكوين الفلاحين وتعزيز وعيهم البيئي، مشددة على ضرورة أن يتم تجسيد هذه الممارسات ميدانيًا لضمان استدامة القطاع الزراعي.
وأضافت أن الوكالة الوطنية للتغيرات المناخية تلعب دورًا محوريًا في هذا الإطار، حيث تعمل على إعداد قاعدة للمعطيات المتعلقة بالتغيرات المناخية. كما أن المخطط الوطني للتغيرات المناخية، الذي نتج عن تعاون 18 قطاعًا مختلفًا، يعكس مدى التزام الحكومة بمواجهة هذا التحدي. إلا أن المتحدثة أوضحت أن هناك حاجة لوضع استراتيجية واضحة في قطاع الفلاحة خصيصًا للتكيف مع هذه التغيرات، مع التركيز على الشراكة مع باقي القطاعات لتعزيز التكامل في تنفيذ السياسات المناخية.
التركيز على استعادة الأراضي الزراعية
وأبرزت الخبيرة في السياسات البيئية أهمية استعادة الأراضي الزراعية المتدهورة، وخاصة تلك التي تضررت من حرائق الغابات، كجزء من الجهود المبذولة لمواجهة التغيرات المناخية. وأشارت إلى أن الاستثمار في البنية التحتية والمقدرات الوطنية، خصوصًا في مجال المياه، هو أمر حيوي، داعية إلى استغلال التقلبات الجوية لجمع مياه الأمطار ومنع ضياعها، مما يسهم في تعزيز الأمن المائي.
وشددت على ضرورة تعزيز الحوكمة المناخية من خلال وضع إطار مؤسسي وقانوني واضح لإدارة الأراضي واستخدامها، وضمان الدعم المالي اللازم لمواجهة التغيرات المناخية. وأكدت أن الجاهزية المالية يجب أن تكون محلية ووطنية لضمان استدامة الحلول المقترحة. كما دعت إلى تعزيز مؤشرات الرصد والمراقبة، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر للتصدي للأزمات المناخية المحتملة.