هرولة السعودية إلى باب الكيان.. “الصهيونية” تحجّ هذا العام!

لن يكون بناء علاقات سياسية واقتصادية بين النظام السعودي والكيان الصهيوني أمرا مفاجئا ولا حدثا جللا، وإنما سيكون مجرد إجراء شكلي لترسيم علاقات موجودة فعلا، ومكرّسة منذ زمن غير يسير، خاصة في المجال الاقتصادي والمالي، حيث ميدان اختلاط الشركات وتمازج رؤوس الأموال وتداخل فرص الاستثمار ميدان يعرف توهجا متزايدا بين رجال الأعمال من هنا ومن هناك، على اعتباره مجالا خصبا لتفاعل العلاقات البينية، والتي صار لها من المؤيدين داخل أسوار المملكة ما يقارب الخُمْسَين، بحسب آخر معطيات سبر واستطلاع الرأي الأمريكية.

إلى هنا، كانت العلاقات دافئة بين الأفراد والمؤسسات المحدودة، من دون أن يجرؤ أحد على الزج باسم المملكة في مسعى كهذا لا يتوافق والخطاب السياسي- الديني، الموروث عن ملوك ومشايخ التأسيس الأوائل، الذين اتفقوا منذ البدء على كيفية تقاسم وممارسة السلطة الروحية والسياسية في البلاد. حيث استأثر آل الشيخ بالسلطة الروحية الدينية، واستولى آل سعود على السلطة السياسية النظامية، بصورة توافقية لا تترك مجالا للصدام والخلاف بين القطبين.

وعلى هذا التوافق، تمّ إخضاع رقاب القبائل البدوية بجزيرة العرب واجبارها على إقرار البيعة تحت طيلسان الفقيه وسيف السلطان.. وظل الوضع على ما اتُّفِقَ عليه، في تعاقب رتيب على حكم البلاد، لم يشهد الكثير من الهزات الظاهرة سوى ما تعلق بعملية اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، العام 1975م على يد ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، بتخطيط من المخابرات الأمريكية، انتقاما منه لمواقف الشرف التي كان قد تبناها أثناء حرب أكتوبر وقطعه البترول عن الغرب المؤيد للكيان الصهيوني بما فيها أمريكا، رفقة الجزائر، الكويت، البحرين، الامارات، قطر، العراق وليبيا.

الملك فيصل ملكُ المملكة العربية السعودية الثالث، والحاكمُ السادس عشر من أسرةِ آل سعود، والابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز – بن عبد الرحمان آل سعود- الذكور من زوجته الأميرة طُرفة بنت عبد الله بن عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسن آل الشيخ، حفيد إمام الدعوة الأولى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي يعد الأب الروحي والمرجع الأساس للفكر الديني للملكة.. وبالتالي يعتبر الملك فيصل الوحيد الذي جمع بين الدّمين؛ دم الملوك ودم المشايخ، أو السلطة السياسية والسلطة الروحية، وقد أضاف إليهما السلطة الوطنية التي جعلت منه زعيما قوميا على غرار الزعيمين؛ هواري بومدين وجمال عبد الناصر.

إلى أن بزغ نجم الأمير محمد بن سلمان، من الجيل الثالث، كوليِّ عهدٍ لمُلْكِ أبيه سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي آلت إليه الولاية بعدما بلغ من العمر عتيا،لحدّ أن صار بالكاد يدري ما يدور حوله، وهو الظرف الذي وضع الأمير المتهور في منصب أمير بصلاحيات ملك في تسيير شؤون مملكة الزيت والثراء يديرها على مزاجه، خاصة بعدما كان قد بدأها بإذلال بني عمومته من الأمراء وكسر شوكتهم الواحد تلو الآخر.. ثم تدجين شيوخ الفقه والفكر والإفتاء، والزج بمن لم يوافق هواه في السجن، الواحد تلو الآخر.. ثم أشعل الحد الجنوبي في حرب عبثية ضد اليمن، وهو المستنقع الدموي الإجرامي الذي لم يستطع الخروج منه إلى اليوم.. ثم جريمة اغتيال “خاشقجي” داخل مقر سفارة المملكة بتركيا، ثم… وعلى درب نظرائه من أمراء الساحل الشرقي لجزيرة العرب، في دولة الإمارات العربية، راح يتمسح بأبواب الكيان الصهيوني هرولة وانبطاحا، مقابل لا شيء، وعلى حساب الدماء الفلسطينية المهدورة، والأرواح المغدورة والقضية المقبورة.. بسرعة قصوى فاجأت الجميع بما فيهم الكيان الصهيوني.. ولولا “حماس” وعملية طوفان الأقصى، لكان سفير “خادم الحرمين الشرفين” اليوم خادما للكيان الصهيوني في “تل أبيب” ضمن إطار علاقات دبلوماسية رسمية، ولكان اليوم سفير “الكيان الصهيوني” يطوف بالحرم العتيق منقبا عن بقايا بني قريضة وبني قينقاع وبني النضير، مُحْرِمًا بين المسلمين في حمى سلاطين الهوى الذين باعوا بالأمس أولى القبلتين.

لقد أجلت “حماس”، فعلا، مراسم حفل ترسيم العلاقات بين الكيان الصهيوني ومملكة “الموسم” وبن سلمان، بل وأفسدت على “الأمير ولي العهد” عرس تبادل السفراء، وذاك الذي زاده حقدا على المقاومة الفلسطينية، خاصة حماس التي تتقرب كثيرا من النظام الإيراني، عدو السعودية اللدود، والذي لم يبخل على الحركة بالمال والسلاح.

كانت هَرْوَلَة “الأمير” على خطى أمراء المذلة والخيانة، بحثا عن المجد الوهمي بين أحضان الصهاينة والأمريكان، كان قد بدأها باختبار “مشاعر” القابلية للسعوديين في التواصل مع الصهاينة، وذلك من خلال استضافة المملكة لمجموعة متنوعة من يهود الكيان، شملت رياضيين وفنانين واقتصاديين وغيرهم. وقبل هذا، وكجزءٍ من صفقة توسّطت فيها الولايات المتحدة العام 2022م، مرورا بموافقة الكيان الصهيوني، اتفقت السعودية ومصر على إعادة جزيرتين صغيرتين – كانت تسيطر عليهما مصر شمال شرقي البحر الأحمر- إلى السعودية، لتصبح “الرياض” فعلا دولة ضامنة للسلام بين مصر والكيان الصهيوني، ومحافظة على أمن ملاحة السفن الصهيونية القادمة والمغادرة عبر مضيق تيران وخليج العقبة.

كما وافقت المملكة، ضمن هذا الاتفاق، على السماح بتحليق الطائرات المدنية الصهيونية في مجالها الجوي، وهي الخطوة المهمة التي اعتبرها ملاحظون بأنها فاتحة لعلاقات بينية “طبيعية”، كما جرّ هذا التفاهم سلطنة عُمان إلى الموافقة على تحليق الطائرات الصهيونية في أجوائها، لتصبح مدة الرحلات من “مطار بن غوريون الصهيوني” إلى الوجهات الآسيوية أقصر بكثير من المرور عبر الأجواء الدولية.. وبهذا، تكون المملكة السعودية قد هيأت الظروف كلها لتسهّل على نفسها عملية الانخراط في مسار “سلام” شامل ومفتوح مع الكيان الصهيوني.

إذا، وعلى عكس ما ذهبت إليه تسريبات رسمية بأن مساعي التطبيع قد توقفت مع حكومة الاحتلال الصهيوني، فاجأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الجميع حين صرّح لوسائل الإعلام بأنّ: “..السعودية تحقق تقدّمًا في اتجاه التطبيع مع “الكيان الصهيوني”.. حيث أننا نقترب كل يوم أكثر فأكثر من الهدف المسطر.. وأن المفاوضات تجري بشكل جيّد حتى الآن.. وأما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فإنها تبقى ذات أهمية بالغة، وجب علينا حلّها..”.

انفجر الوضع، مرة أخرى، في غزة وفلسطين كلها، وأطلقت العصابة الصهيونية العنان لصلفها وعدوانها، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها فرنسا، ألمانيا وبريطانيا، حولت القطاع المحاصر برا وبحرا وجوا إلى محرقة لإعدام الأطفال والنساء والمدنيين العزل، على مرأى ومسمع من العالم.. فتحركت الشعوب الحرة وتظاهر الشرفاء، ورافع الأحرار من أجل رفع الظلم ووقف القتل وإنقاذ غزة وفلسطين.. في كل مكان من العالم، وحتى في واشنطن ونيويورك وباريس ولندن وبرلين.. اهتزت مشاعر الشعوب للمشاهد الدموية والصور الإرهابية، وانتفضت الشوارع وخرج الناس وكلهم غضب على ما وصل إليه الحقد الصهيوني، من فظاعة وإجرام وقبح وبشاعة.. إلا السعودية، فلم تهتز لها قصبة، بل وأقامت الاحتفالات وأشعلت الأضواء ودعت النجوم، ورقص الناس فيها اختلطوا ذكورا وإناثا واستمتعوا بموسم الرياض “الأسطوري”، وكأن لا شيء يعنيها في غزة الممزقة وفلسطين المحتلة.

في السياق ذاته، وفي الوقت نفسه الذي يعمد فيه الصهاينة إلى قصف المدنيين وتدمير الأحياء وإسالة الدماء وتمزيق الأشلاء.. يخرج وزير الاستثمار السعودي “خالد بن عبد العزيز الفالح”، خلال جلسة نقاشية في منتدى “بلومبرغ” للاقتصاد الجديد المنعقد في سنغافورة، وراح يطمئن قتلة الأطفال بأن قال: “..مسألة تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني “إسرائيل” لا تزال على جدول الأعمال، رغم الأحداث التي يشهدها قطاع غزة.. لقد كان هذا الأمر مطروحا على الطاولة، وما زال مطروحا، ومن الواضح أن الانتكاسة التي حدثت في الشهر الماضي، أوضحت سبب إصرار المملكة العربية السعودية على أن حلّ الصراع يجب أن يكون جزءا من تطبيع أوسع في الشرق الأوسط..”.

وعلى هامش القضية، أكد الوزير السعودي رفض بلاده القطعي إمكانية استخدام أسعار النفط كوسيلة لتحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.. مشددا على أن هذا الطرح ليس مدرجا على جدول الأعمال حاليا، وفي الظروف الحاصلة، وأن السعودية تريد تحقيق السلام من خلال التطبيع والمفاوضات.

يحدث هذا من قِبَل مملكة “العروبة والتوحيد”، في وقت قررت فيه جمهورية بوليفيا اللاتينية طرد سفير الكيان الصهيوني من “لاباز” عاصمة البلاد، على نهج جمهورية كولومبيا التي سبقت وطردت سفير الكيان من العاصمة “بوغوتا”، على خلفية الجرائم المرتكبة من قبل الصهاينة في غزة وفلسطين.. فعلا، هي الحرية والكرامة وعزة النفس وغيرها من الخلال السمحة، لا دين لها ولا جنس، وانما هي موروث فطري بشري، لا يعرف قيمته إلا شرفاء الأرض وأحرارها.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الداخلية يأمر باستكمال مشاريع الحماية المدنية قبل موسم الاصطياف مشروع التصفية الكبرى في غزة.. هل يسكت العالم على نكبة القرن؟ وكالة "عدل" تُفنّد اتهامات والي وهران محادثات في جدة حول أوكرانيا.. "دبلوماسية الفنادق" تفرض إيقاعها آفاق جديدة للتعاون الجزائري الإثيوبي في قطاعات حيوية نداء أممي لرفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات فورًا ديوان الحج والعمرة يعلن فتح بوابة برمجة رحلات الحج بالتعاون مع اليونسكو.. توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد لموقع تيمقاد الأثري نهاية مسلسل الاختراق.. "إسرائيل" تزحف داخل المغرب الحكومة الفرنسية تعتبر إشادة تبون بماكرون خطوة نحو تجاوز الخلافات وزير الثقافة: "السينما الجزائرية تشهد ديناميكية حقيقية" بينما الأمم المتحدة تتفرج.. الاحتلال المغربي يستمر في قمع الصحراويين تحذيرات جوية.. عواصف رعدية وأمطار غزيرة بهذه الولايات في ظل تحديات إقليمية ودولية.. قرارات رئاسية حاسمة العلاقات الجزائرية الفرنسية.. الرئيس تبون يضع النقاط ويحدّد المسار الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات استثنائية للجالية الوطنية بالخارج بالتنسيق مع وزارة الدفاع.. إجراءات استباقية لمواجهة أسراب الجراد رئيس الجمهورية يوافق على إدماج أكثر من 82 ألف أستاذ متعاقد في قطاع التعليم تحذيرات من خطر تمدّد الاختراق الصهيوني للنسيج الاجتماعي في المغرب "كناص" يُطلق خدمات رقمية جديدة عبر منصة "فضاء الهناء"