ساهم العرب الأمريكيون في وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض عام 2020، ولعبت أصواتهم دورا حاسما في هزيمة خصمه ـ الرئيس السابق دونالد ترامب ـ بولاية ميشغان التي يسكنها الكثير من العرب الأمريكيين، وتعد إحدى الولايات الحاسمة في الرئاسيات الأمريكية، بحكم كونها ولاية “متأرجحة”، ولم يستطع أيّ من الحزبين ـ الديمقراطي والجمهوري ـ السيطرة على ناخبيها.
وخلال حملته الانتخابية السابقة كشف جو بايدن عن أرضية أسماها A Plan for Partnership (خطة للشراكة)، أكد من خلالها التزامه بالحقوق المدنية للعرب الأمريكيين، ووعدهم بسياسة خارجية أكثر توازنا في الشرق الأوسط، أما وقد أعلن بايدن ترشحه لعهدة ثانية، نعود إلى قائمة وعوده للعرب الأمريكيين الذين منحوه أصواتهم منذ ما يقارب الثلاث سنوات، لنرى ما تحقق منها وما لم يتحقق.
برامج التصدي للإرهاب!
تعهدت حملة بايدن عام 2020، بإنهاء البرامج الفدرالية الرامية إلى منع “التطرف” التي استهدفت بشكل مباشر الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصفها المدافعون عن حقوقهم بكونها مخطّط تجسّس سريّ تحت ستار التعاون بين مختلف أجهزة الأمن للتصدي للإرهاب.
ووعد الرئيس الأمريكي جو بايدن من خلال “خطة الشراكة”، بوقف العمل بتلك البرامج، وإلغاء العمل بـ Terrorist Watchlist(قائمة مراقبة الإرهاب) التي اسُتحدثت بعد أحداث الـ11 سبتمبر، والتي قال النقاد إنها تستهدف بشكل غير متوازن العرب والمسلمين الأمريكيين والقادمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، دون منحهم حق الاستفادة من الإجراءات القانونية الواجبة للطعن في وضع أسمائهم على القائمة.
لكن، رغم مرور ما يقارب الثلاث سنوات من العهدة الأولى للرئيس جو بايدن، لم يُقدم هذا الأخير على إلغاء هذه البرامج الفدرالية، بل على العكس لا يزال المسلمون والعرب الأمريكيون يعانون منها، وحسب آخر تقرير صدر عن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية The Council on American-Islamic Relations، أو كما يُرمز له بـCAIR ـ وهي أكبر منظمة غير حكومية تُدافع عن حقوق وحريات المسلمين ـ فإن الولايات المتحدة اليوم تمتلك قائمة للمشتبه بهم تحتوي على أكثر من مليون وثلاث مائة اسم، معظمها أسماء عربية أو مسلمة، وأكثر اسم متداول هو اسم “محمد”.
قوانين تقيّد الحق في مقاطعة “إسرائيل”
تحدثت أرضية الشراكة أيضا عن القوانين السارية في عشرات الولايات الأمريكية والتي تفرض عقوبات على الأمريكيين الذين يقاطعون “إسرائيل”، ولطالما شجبها المدافعون عن حرية التعبير باعتبارها تهديدا لحقوق حرية التعبير التي يكفلها التعديل الأول للدستور الأمريكي.
وبينما عبّرت حملة بايدن ـ بشكل متكرّر ـ عن معارضة المقاطعة، وشددت على أنها ستحترم حقوق الناس في حرية التعبير، فإن إدارته وخلال السنوات الماضية من عهدته الرئاسية الأولى، لم تفعل شيئا ملموسا في هذا الإطار الذي قد يتعدى صلاحياتها بحكم استقلال الولايات الأمريكية عن الحكومة الفدرالية، وحريتها في سن القوانين التي يرى حكامها وناخبيها أنها الأصلح لولاياتهم.
التعهد بضمان المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين
أخذت القضية الفلسطينية حيزا في البرنامج الانتخابي للرئيس جو بايدن الموجه للعرب والمسلمين الأمريكيين، فوعد بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي أُغلقت في فترة حكم دونالد ترامب وضمان دعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ولكن الوقائع تشير إلى أن ما صدر عن حملة بايدن في عام 2020، من وعود متعلقة بالقضية الفلسطينية لا تعدو كونها بيانات للاستهلاك الإعلامي، ومحاولة لاستمالة الناخبين العرب والمسلمين والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية.
حقوق الإنسان في الشرق الأوسط
بنى الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن حملته السابقة (2020) في شقها الخاص بالشرق الأوسط، على الترويج لفكرة مفادها أنه سيفعل عكس ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب، ففي حين كان هذا الأخير قريبا من حكام الخليج وعلى رأسهم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، روّجت حملة بايدن إلى أن إدارته ستنهي تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع ما أسمته ـ ملوك وعسكريين ديكتاتوريين في الشرق الأوسط ـ وستنتصر لحقوق الإنسان.
لكن الحرب الأوكرانية الروسية، والعقوبات الأمريكية على روسيا وما نتج عنها من تداعيات على الاقتصاد العالمي، أنست إدارة بايدن شعارات حقوق الإنسان، ورمت بها إلى حضن دول الخليج، فكانت صورة الأمير محمد بن سلمان وهو يصافحه بـ”القبضة” أكبر دليل على أن الرئيس بايدن اضطر إلى التراجع عن وعده بالحد من علاقات بلاده مع المملكة العربية السعودية، وتجاوز الحديث عن الانتصار لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
لم يقدّم الرئيس جو بايدن ـ الذي أعلن بشكل رسمي ترشحه لعهدة ثانية ـ إلى العرب الأمريكيين سوى الإعلان عن تحديد شهر أفريل كشهر للتراث العربي الأمريكي، وهي خطوة وإن اعتبرها البعض تقدما نحو ترسيخ الهوية العربية الأمريكية، فإنها تظل بحاجة إلى اعتراف رسمي بهم كأقلية في التعداد السكاني، ليكون لهم صوت أعلى وحقوق أضمن، كما يظل السؤال مطروحا حول منح العرب الأمريكيين أصواتهم لبايدن الذي لم يف بوعوده لهم، وتتويجه رئيسا للولايات المتحدة مرة ثانية في عام 2024.