هل بدأ الكيان الصهيوني يلفظ أنفاسه الأخيرة؟

“في حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو وإنما إرهاقه حتى يُسَلم بالأمر الواقع، فالمقاومة في الفيتنام لم تهزم الجيش الأمريكي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخطّطات الأمريكية، وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات (1954-1962) في حرب تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي”، بهذه الكلمات يوضح المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، توقعاته بـ”نهاية قريبة” للكيان الصهيوني ربما خلال الـ50 عاما القادمة.

إذ يقول المسيري، مؤلف موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية”، إن هذه الدولة ستواصل التقهقر وإن المقاومة الفلسطينية ستنهك “إسرائيل” إلى أقصى حد حتى وإن لم تتمكن من هزيمتها، ممّا سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود لأن “الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة ممّا مضى”.

وتؤكد الأحداث والوقائع الأخيرة توقعات المسيري وغيره ممن تنبأوا بزوال هذا الكيان، فمع تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية، والصمود الشعبي، ارتفع منسوب الخوف الصهيوني من إمكان زوال دولتهم المزعومة، وهو ما عبّرت عنه التحذيرات المتزايدة، على لسان قادة الاحتلال بشأن مصير كيانهم.

وفي ظلّ التحدّيات الداخلية والخارجية، التي تواجهها حكومة الاحتلال الصهيوني، تتزايد حدّة التحذيرات من مختلف المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية في الكيان، ومفادها أنّ “إسرائيل” تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهو ما أكدته مؤخراً، التصريحات المتتالية الصادرة عن عدد من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين “الإسرائيليين”، خلال “مؤتمر هرتسليا” في نسخته العشرين التي عُقدت في 22 و23 ماي المنصرم، لمناقشة المخاطر التي يُواجهها الكيان الصهيوني. وسنستعرض في عدد اليوم من “الأيام نيوز”، أهم هذه التصريحات، لكن قبل هذا سنحاول التعريف بمؤتمر هرتسليا في كيان العدو وأهم أهدافه.

ماذا تعرف عن مؤتمر هرتسليا في كيان العدو؟

مؤتمر هرتسيليا من المؤتمرات الهامة لدى العدو “الإسرائيلي”، وهو مؤتمر يعقد بشكل دوري منذ عام 2000، وتأسس بمبادرة من عوزي آراد، الضابط السابق في الموساد والذي شغل منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وينظم هذا المؤتمر، معهد السياسة والاستراتيجية، ويعقد في مركز متعدّد المجالات بمنطقة هرتسليا، وأطلق هذا الاسم عليها تيمناً باسم “تيودور هرتزل” مؤسس الحركة الصهيونية.

من هم المشاركون فيه؟

ويشارك في هذا المؤتمر قيادات سياسية وأمنية وعسكرية “إسرائيلية”، حيث يضم النخب الصهيونية في الحكومة والجيش والمخابرات والجامعات ورجال الأعمال، وذلك بحضور ضيوف من المتخصّصين الأجانب من الولايات المتحدة وأوروبا، كما يُشارك فيهِ شخصيات رسمية وغير رسمية عربية وفلسطينية.

“مناقشة مستقبل الكيان” أهم أسباب انعقاده

ويتم في هذا المؤتمر، مناقشة مستقبل الكيان الصهيوني ووضعه اقتصاديًا وعسكريًا واجتماعيًا، ورصد الأخطار المحيطة بها من الداخل والخارج في دول الجوار وفي الإقليم وفي العالم تحت هدف استراتيجي واسع وهو “الأمن القومي للكيان الصهيوني”. وانعقد المؤتمر هذا العام على مدر يومين تحت عنوان “الرؤية والاستراتيجية في عصر عدم اليقين”، وحملت التصريحات خلاله رسائل داخلية “للإسرائيليين” أنفسهم لتوحيد صفوفهم والاستعداد لجميع السيناريوهات.

وتعكس الكلمات في المؤتمر، في العادة، اتجاه الريح في أوساط النخب “الإسرائيلية” المتنفذة، وهناك من يرى بأنه بمثابة “التئام للعقل الجماعي الاستراتيجي المفكر في الكيان الصهيوني”، وهناك اهتمام واسع بتلخيصاته وتوصياته، فهي من جهة تعكس تفكير نخب متنوعة، ومن جهة أخرى تؤثر على سياسات مسؤولين في موقع اتخاذ القرار ورسم الاستراتيجيات.

رئيس الهستدروت:” هل نفكّك المشروع الصهيوني بأيدينا؟”

ومن أهم الكلمات الواجب الالتفاتإليها في هذا المؤتمر الأخير، وفي كل مؤتمر بالطبع، كلمة رئيس الهستدروت “الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية”، لسبب بسيط، وهو أن لهذه المنظمة ثقل كبير في الكيان الصهيوني، سياسيًا فهي تعتبر دولة داخل الدولة. والهستدروت يشكّل قوة اقتصادية واجتماعية كبرى، فهو يملك أو يشرف على مؤسسات اقتصادية تساهم بنحو 60 بالمائة من الإنتاج الزراعي في دولة الاحتلال، و50 بالمائة من الصناعة الثقيلة، و25 بالمائة من الإنتاج الصناعي، و45 بالمائة من أعمال البناء، و39 بالمائة من وسائل النقل، أي أنه يُسيّطر على حوالي ربع الإنتاج القومي.

كما يشارك في بعض الأوقات مع رأس المال الحكومي أو الخاص أو الأجنبي في إقامة المشاريع وإدارتها في الداخل، وكذلك في بعض البلدان في الخارج، وخاصة في إفريقيا وبعض بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية، كما يمتلك مصرفًا خاصًا ومؤسسات كبيرة للخدمات الصناعية والاجتماعية. وفي كلمة رئيس الهستدروت،”أرنون بار ديفيد”، حذّر من أن البلاد “تتحول من بلاد لجميع مواطنيها إلى بلاد لجميع قبائلها”.

وقال نصًا: “لم يكن الوضع الاجتماعي هنا في (إسرائيل) قط قطبيًا وخطيرًا وإشكاليًا كما هو الآن. إننا نتحول من “دولة” جميع مواطنيها إلى دولة جميع قبائلها. القبيلة العلمانية، القبيلة الأرثوذكسية، قبيلة المستوطنين، قبيلة التكنولوجيا الفائقة، والقبيلة اليسارية، والقبيلة الشرقية. أسأل – هل خرجنا عن القضبان؟”.

وتابع رئيس الهستدروت: “هل نفكك المشروع الصهيوني بأيدينا؟ من مكان ضمان متبادل ودولة اجتماعية، تحولنا إلى مجموعة من القبائل التي يهتم كل منها بجمهورها”. وأضاف: “نحن الآن الحصول على مجتمع مستقطب تتسع فيه الفجوات.. نحن ندمر ما حاربنا من أجله منذ عرش الصهيونية”. وهو كلام خطير يعبّر بعمق عن الحجم الحقيقي للتفكك والانقسام الداخلي داخل الكيان.

القادة الأمنيون: “التهديد الإيراني يُحاصرنا”

أما الشخصيات الأمنية، فامتلأت كلماتهم بالخوف والتحذير من تنامي القدرات والخطر الإيراني على الكيان الصهيوني، واجتمعوا مع بعضهم البعض لتوزيع التهديدات والوعد والوعيد تجاه إيران، وأبرز من وزع التهديدات كان: وزير الحرب يوآفغالانت، ورئيس أركان الجيش هرتسيهليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش أهارون حاليفا، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الاستخبارات غيلا غمالائيل، ورئيس “الموساد” دافيد برنياع، وغيرهم من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين.

ومن جهته، قدّم وزير الحرب، يوآفغالانت، بيانات عن إنشاء إيران لما أسماه “قواعد إرهابية عائمة”، وأبرز النشاط المتسارع للحرس الثوري لتحويل السفن التجارية المدنية إلى سفن عسكرية، ويعَكَسَ كلامه الشعور بالخوف وبأن إيران تضيق الخناق على الكيان في الدوائر الاستراتيجية التي حددها لأمنه القومي.

أما رئيس الأركان هرتسي هاليفي، فقد ذهب إلى خلاصة مفادها أن “العالم يمر بقدر كبير من التغيير والعديد من الأزمات. وأن عدم اليقين آخذ في الازدياد”. واستنتج هاليفي صعوبة حروب الجيوش التقليدية مع الجيوش غير النظامية وأهمية الروح القتالية، وهي إشارة لا تخطئها العين إلى معضلة الكيان في صراعه مع المقاومة. وبخصوص إيران، قال هاليفي:”على الصعيد الإقليمي، إيران معنية بكل أمر من حولنا، وفي كل أمر ضدنا، في التوجيهات والمعرفة والمال. كل عدو نلتقيه بدرجة أو بأخرى له بصمة إيرانية”.

“الكيان الصهيوني فعّل آلية لتدمير الذات”

أما رئيس الموساد السابق فقد ذهب إلى خلاصة لافتة وموحية وهي أن: “الكيان الصهيوني فعّل آلية لتدمير الذات”، حيث قال تامير باردو الرئيس السابق للموساد في مؤتمر هرتسيليا إن “أكبر تهديد “لدولة الاحتلال” هو الانقسام الداخلي”.

أما الحاخام الأكبر يعقوب شبتاي، مفوض الشرطة فقد صاح شاكيا من نقص الموارد، وقال إن “شرطة الكيان صغيرة بالنسبة لمهامها.. المهام تتراكم، لكن القوة البشرية في الشرطة لا تتزايد بما يتناسب مع التطابق بين زيادة المهام والنمو الديموغرافي. تؤدي قوة شرطة صغيرة وقليلة العدد إلى الاستنزاف، ويقضي الاستنزاف على قدرتنا على الصمود”.

التهديدات المركزية الإستراتيجية التي تواجه الكيان في 2023

ولمزيد من الكشف عن هشاشة الموقف الصهيوني وحجم القلق والخوف الذي يسيطر على محتل يعرف أن هذه الأرض ليست له، وأن ثمة شعبا مقاوما عنيدا، يعمل ليل نهار في سبيل تحرير أرضه ومقدساته، مهما كان الثمن غاليا، وقد استوت لديه فكرة الموت والحياة، عكس الصهاينة الذين يفجعهم الموت ويدمر نفوسهم، ويخشونه بطريقة لا يمكن وصفها بأقل من خوف القاتل من حبل المشنقة.

فقد ذكر اللواء المتقاعد، عاموس جلعاد، والذي يرأس معهد هرتسليا الآن، في محاضرة مشتركة له مع إثنين آخرين من طاقم المعهد في مطلع العام الجاري تحت عنوان (“إسرائيل” في العام 2023- رؤية إستراتيجية)، حيث اعتبر هذا الحوار كأحد الوثائق المرجعية للمؤتمر، أنه يقف على رأس قائمة التهديدات المركزية الإستراتيجية التي تواجه الكيان للعام الجاري، كل من إيران والصراع مع الفلسطينيين.

تدمير دولة الاحتلال أحد الأهداف الإستراتيجية لإيران

وينبع التهديد الأول من حقيقة أن إيران لا تخفي أن أحد أهدافها الإستراتيجية هو تدمير دولة الاحتلال، وأضاف جلعاد أن من يحاول انكار هذا الهدف من “الإسرائيليين” فهو أعمى، خاصة وأن إيران تستعد وتتجهز لتحقيق هذا الهدف سواء في المجال النووي أو الصاروخي أو الطائرات المسيرة او التكنولوجي أو بتحالفاتها في المنطقة، الأمر الذي يفرض على الاحتلال الاستعداد الجدي لمواجهة هذا التهديد.

المفارقة هنا كما ذكر عاموس جلعاد، أن دولة الاحتلال تسير في اتجاه معاكس، إذ بدل الاستعداد فهي تنفذ ما من شأنه إضعاف القدرة على مواجهة هذا التهديد، وللتوضيح يضيف جلعاد أن هناك حاجة للتفريق بين القوة العسكرية والقوة الإستراتيجية، إذ فيما تمتلك دولة الاحتلال القوة العسكرية، إلاّ أنها مؤخراً بدأت تفقد القوة الإستراتيجية التي تمكنها من توظيف قوتها العسكرية، والمقصود بالقوة الإستراتيجية كما يشرح جلعاد هو التعاون المشترك على المستوى الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الأوروبي، هذا التعاون الذي شرعت حكومة الاحتلال الحالية بضرب الأسس والمبادئ التي يقوم عليها من خلال هجومها على السلطة القضائية.

أما التهديد الثاني الذي مصدره الفلسطينيين، فقد قسمه عاموس جلعاد الى مستويين متداخلين، الأول هو تهديد مركزي إستراتيجي ويتمثل في الإنزياح الواضح نحو إنتاج واقع الدولة الواحدة، والذي بدأت وتيرته تتسارع في  تبني التيار اليميني الذي يحكم دولة الاحتلال الآن لإستراتيجية معلنة وواضحة تسعى للقضاء على المعيقات التي تمنع ضم الضفة الغربية، حيث تتمثل هذه المعيقات في الإدارة المدنية وحرس الحدود الذين يعتبران جزء أصيل من مبني الجيش في الضفة الغربية، فالخطة الرامية لفصلهم عن الجيش ووضعهم تحت مسؤولية التيار اليميني الديني المتطرف ينطوي على تهديد لهوية الكيان الصهيوني كدولة يهودية ديمقراطية.

ويتجلى المستوى الثاني لهذا التهديد في وضع الضفة، فهو من جهة وفقاً لأقوال جلعاد يخدم إستراتيجية حماس الرامية الى اضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والدفع بانهيارها، ومن جهة أخرى يخدم استراتيجية إيران، لا سيما إذا أصبح المسجد الأقصى مركز الصراع.

ابتسام مباركي - الجزائر

ابتسام مباركي - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
من مزبلة التاريخ إلى مكبّ لنفايات أوروبا.. المخزن.. مملكة برتبة "سلّة قمامة" عام على زلزال الحوز بالمغرب.. المتغطي بدثار "المخزن" عريان غدا الثلاثاء.. صوت الصحراء الغربية وفلسطين يعلو في جنيف «تبّون» رئيسا لعهدة ثانية.. خيار الاستمرارية يفوز الإعلان عن نتائج الرئاسيات.. مديريات الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاثة تصدر بيانا مشتركا عملية "معبر الكرامة": من قال إن القضية الفلسطينية شأن الفلسطينيين وحدهم! بعد انتخابه لعهدة ثانية.. زعماء دول العالم يهنّؤون الرئيس تبون بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية.. قوجيل يهنئ الرئيس تبون بنسبة بلغت 94.65 بالمائة.. عبد المجيد تبون رئيسا لعهدة ثانية إعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية الفاف.. بن ناصر يغادر تربص “الخُضر” لهذا السبب! ظاهرة فلكية نادرة في سماء الجزائر هذا الإثنين جراء سيول الأمطار المتساقطة في الولايات.. الحماية المدنية تحذر عمليات حفظ السلام.. اجتماع جديد لمجلس الأمن هذا الإثنين المحكمة الدستورية تتسلم محاضر فرز التصويت لـ 6 ولايات اليمن.. فأر يتسبب بانفجار منزل وقتل طفلين طرق مقطوعة بسبب ارتفاع منسوب المياه شمال قطاع غزة.. استشهاد 5 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال لمخيم جباليا أمطار رعدية غزيرة مرفوقة ببرد على أغلب ولايات الوطن اليوم نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بلغت 48.03 بالمائة