بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، بدأت ملامح سياسته تتضح أكثر، خصوصًا في خطاب التنصيب في جانفي 2025، حيث تعهد بأن “رؤية جديدة” ستوجه الولايات المتحدة، إذ تتمحور السياسة الخارجية لترامب حول “الواقعية المبدئية”، أي تبني استراتيجية تركز على المصلحة الوطنية الأمريكية مع الحفاظ على القيم التي تؤمن بها البلاد.
وقال ترامب، في خطابه، إنه سيجعل من أمريكا أمة عظيمة، وسينتهي الانهيار الأمريكي، وتعهد باستعادة أمريكا مكانتها الصحيحة “باعتبارها أعظم وأقوى وأكثر الدول احتراما على وجه الأرض”، كما تعهد باستعادة القضاء العادل.
لطالما كان ترامب يروج لفكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تضع مصالحها العليا في المقام الأول، كما يجب أن تركز على تعزيز الاقتصاد المحلي وحماية المواطنين، معتبرا أن التدخلات العسكرية الخارجية والتحالفات الدولية التي كانت تمثل أولوية للعديد من الإدارات السابقة يجب تفاديها.
كما أنَّ هذا التوجه الجديد لترامب يسعى من خلاله إلى توسيع اتفاقيات أبراهام لتطبيع الدول العربية مع “إسرائيل”، في إطار تطلعات الولايات المتحدة إلى التوسيع المُزعم لدائرة السلام في الشرق الأوسط، وذلك في إطار ما تعتبره خطوة استراتيجية في تحقيق ادعاءاتها بأنه استقرار طويل الأمد في المنطقة.
قطر بين مسار التطبيع و”العقيدة الترامبية”
وفي هذا السياق، أعرب ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، عن “اعتقاده بأن الولايات المتحدة قادرة على دفع دولة قطر نحو الانخراط في عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، وفي مقابلة حصرية مع قناة فوكس نيوز، أكد ويتكوف أن “جميع دول منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تنضم إلى مسار التطبيع مع إسرائيل”، مشيراً إلى أن “الدول العربية قد تتبع خطى الإمارات والبحرين، اللتين أقامتا علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل في إطار اتفاقيات أبراهام”.
وردا على سؤال عن الدول التي يمكن أن تشارك في هذه الجهود، أشار ويتكوف إلى “قطر باعتبارها لاعباً مهمّاً في هذا السياق”، موضحاً أن “الدوحة قد لعبت دوراً حاسماً في تسهيل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في قطاع غزة، وكان لقطر دور محوري في الوساطة بين الأطراف المتنازعة، مما يعزز من موقفها كلاعب دبلوماسي مؤثر في المنطقة.”
وأشار ويتكوف إلى أنه “سيقوم بزيارة إلى المنطقة، حيث يعتزم المشاركة في فريق التفتيش الدولي الذي سيتم نشره في قطاع غزة للإشراف على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار”، وأضاف أنه “سيزور إسرائيل أيضاً للمساهمة في آلية التفتيش الخاصة بهذه القضية.”
مفهوم “أمريكا أولاً” عند ترامب
عندما تبنى ترامب شعار “أميركا أولاً”، أعاد تفسيره ليشمل مصلحة المواطنين الأمريكيين وأمنهم الاقتصادي، وهو ما يتناقض مع السياسات التي كانت تعتمد على التعاون والتكامل مع حلفاء أمريكا حول العالم، ومع أن ترامب لم يكن أول من استخدم هذا المصطلح، إلا أنه وضعه في سياق جديد يتسم بالتشكيك في جدوى الاتفاقات الدولية، مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) أو منظمة التجارة العالمية، فضلًا عن موقفه المتشدد تجاه الهجرة والتعاون الدولي في المجالات العسكرية والاقتصادية.
إن “عقيدة ترامب” ليست مجرد شعار انتخابي، بل تمثل تحولًا كبيرًا في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، تقوم على تعزيز المصالح الوطنية وتقليص الالتزامات الخارجية، لكن هذه العقيدة أثارت جدلاً واسعًا بشأن مدى استدامتها وتأثيراتها على العالم.
دونالد ترامب يختلف تماماً عن غيره من القادة في طريقة تعامله مع القضايا الدولية، حيث يفضل ترامب نهجاً عمليّاً يعتمد على التعامل مع الأمور “قطعة قطعة”، بمعنى أنه يتعامل مع كل قضية كصفقة مستقلة، مما يعكس اهتمامه بتفاصيل كل اتفاق على حدى، ويبدو أن هذا الأسلوب يتماشى مع شخصيته التي ترى السياسة كعملية تجارية يمكن استثمارها وتحقيق مكاسب مباشرة منها.
وبحسب تحليلات “العقيدة الترامبية”، فإن ترامب لا يميل إلى الاتفاقيات متعددة الأطراف التي تشمل دولا عدة، بل يفضل الاتفاقيات الثنائية التي تكون بين طرفين فقط، فهذه الاتفاقيات تتيح له فرصة أكبر للتركيز على تحقيق أهدافه الخاصة، فضلاً عن رغبته في أن يكون هو الشخص الذي يبرم الصفقة بنفسه.
هذه المقاربة تعكس توجهه الذي يرى أن النجاح في السياسة الدولية يكمن في السيطرة على التفاصيل وتحقيق نتائج ملموسة لكل طرف بمفرده.