هل حان وقت السقوط؟.. “إسرائيل” تحفر قبر جيشها

مع تصاعد عمليات المقاومة، تواجه (إسرائيل) أزمة متفاقمة تهدد تماسك جيشها وتفضح هشاشته أمام التحديات المتزايدة. فبعد فصول مريرة من العدوان والتوسع الاستيطاني، تجد نفسها غارقة في خسائر بشرية متزايدة، وانهيارات نفسية في صفوف جنودها، ونقص حاد في قواتها القتالية. وبينما تحاول قيادتها العسكرية إعادة ترتيب صفوفها المنهكة، تتزايد مؤشرات الانهيار الداخلي، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على الصمود في وجه المتغيرات الإقليمية. فهل بات الاحتلال على أعتاب مرحلة لا يستطيع تحملها؟ وهل تمثل هذه الأزمات المتراكمة بداية أفول هيمنته العسكرية في المنطقة؟

تواجه المؤسسة العسكرية الصهيونية أزمة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخها الحديث، حيث كشفت وزارة أمن الاحتلال عن ارتفاع كبير في أعداد الجرحى والمعوّقين في صفوف “الجيش” الصهيوني نتيجة الحرب الأخيرة. ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الوزارة، فقد بلغ عدد الجنود المصابين 78 ألفاً، معظمهم من عناصر قوات الاحتياط، وهو ما يعكس حجم الخسائر التي تكبدها جيش الاحتلال خلال الأشهر الماضية.

ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن أكثر من 50% من هؤلاء الجرحى هم من فئة الشباب الذين لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، مما يشير إلى التأثير الكبير الذي خلفته الحرب على الأجيال الشابة داخل “الجيش” الصهيوني. كما أوضحت الوزارة أن 62% من المصابين يعانون من أزمات نفسية حادة، بما في ذلك اضطرابات ما بعد الصدمة، القلق المزمن، والاكتئاب الشديد، نتيجة لما شهدوه في ساحة المعركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك ما لا يقل عن 10% من الجرحى يعانون من إصابات بالغة ومتوسطة الخطورة، مما يتطلب رعاية طبية طويلة الأمد وإعادة تأهيل مكثفة. وأشارت الوزارة إلى أن 194 جندياً لا يزالون يخضعون للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وهو مؤشر آخر على فداحة الخسائر.

بالتزامن مع هذه الأزمة الصحية، تزايدت المخاوف داخل هيئة أركان “الجيش” الصهيوني من نقص غير مسبوق في القوى البشرية. فقد باتت القيادات العسكرية تدرك أن استمرار القتال واستنزاف القوات سيدفع الجنود النظاميين إلى تحمل أعباء ثقيلة غير مسبوقة، ستجعل عودتهم إلى منازلهم أمراً غير ممكن لسنوات قادمة. ووفقاً لما نقلته مصادر مطلعة داخل شعبة العمليات في “جيش” الاحتلال، فإن (إسرائيل) مقبلة على أزمة نقص في الجنود لم تشهدها منذ حقبة الحزام الأمني في جنوب لبنان، التي امتدت لسنوات طويلة، واستمرت تداعياتها حتى اندلاع الانتفاضة الثانية.

قيادة “الجيش” الصهيوني في حالة قلق

وقد أكّدت مصادر عسكرية أن رئيس الأركان، إيال زامير، يشعر بقلق بالغ إزاء هذه الأزمة المتفاقمة، لكنه في المقابل يواجه تجاهلاً واضحاً من قبل المستوى السياسي الإسرائيلي، الذي لا يُبدي اهتماماً حقيقياً لمعالجة المشكلة. وتذهب التقديرات العسكرية إلى أن أكثر من 12 ألف جندي صهيوني قد سقطوا بين قتيل وجريح منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وهو ما فاقم بشكل كبير النقص في عدد الجنود القادرين على الخدمة الفعلية، ما يزيد من خطورة الوضع العسكري الصهيوني على المدى القريب والبعيد.

إلى جانب الخسائر البشرية الفادحة، يعاني جيش الاحتلال من تحدٍ إضافي يتمثل في التوسع العسكري السريع على عدة جبهات، مما يضاعف الحاجة إلى تعزيز القوات البشرية. فقد ازدادت أعداد الألوية والكتائب المدرعة والهندسية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لكن هذا التوسع لم يكن مدعوماً بزيادة مماثلة في عدد الجنود، مما أدى إلى عجز متزايد في القوى البشرية. وأكدت تقارير عسكرية أن الجنود النظاميين هم من سيدفعون ثمن هذا النقص، إذ باتوا يعملون تحت ضغوط غير مسبوقة على مختلف الجبهات، في ظل غياب أي حلول ملموسة لتعويض النقص الحاد في القوات القتالية.

جيش الاحتلال يتآكل

وفي ضوء هذا العجز الكبير، صرّح مسؤولون عسكريون بأن “الجيش” الصهيوني يحتاج اليوم إلى آلاف المقاتلين لتأمين المواقع الجديدة التي تم إنشاؤها في عدة مناطق استراتيجية، مثل الحدود اللبنانية، وجبل الشيخ السوري، والجولان المحتل، فضلاً عن المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها داخل قطاع غزة. وأكد المسؤولون أن الجنود النظاميين هم من سيتحملون العبء الأكبر لهذه المتطلبات العسكرية، في ظل تضاعف عدد الكتائب المنتشرة في غلاف غزة وفرقة الجليل مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع الحرب الأخيرة.

وبحسب المعطيات العسكرية، فإن هذا الواقع الجديد لن يتغير في المستقبل القريب، حتى في حال تحقق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، مما يعني أن جيش الاحتلال مقبل على سنوات من العجز والضغط المتزايد، وهو ما سيضع تحديات وجودية أمام قدرته على مواصلة عملياته العسكرية بنفس الكفاءة التي كان يطمح إليها قادته.

التصعيد في غزة.. تهديدات صهيونية وحالة من الرعب

وفي سياق متصل، تناولت الصحف والمواقع العالمية التهديدات المتزايدة التي تطلقها (إسرائيل) بشأن احتمال استئناف الحرب على قطاع غزة، وسط تعثر واضح في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها أن قطاع غزة يعيش حالة من الرعب، في ظل استمرار الغارات الجوية الصهيونية، التي تقوّض أي آمال في التوصل إلى هدنة جديدة.

وأوضح التقرير أن القصف الصهيوني اليومي على القطاع، الذي يعاني بالفعل من دمار هائل، تسبب في حالة من الشك والخوف بين السكان، خاصة بعد تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، مما زاد من حالة الغموض حول مستقبل الأوضاع في القطاع المحاصر.

وفي ذات السياق، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر إسرائيلية قولها إن سلطة الاحتلال تعمل حالياً على تطوير خطط لتصعيد القتال ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بهدف الضغط عليها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة. وأشارت الصحيفة إلى أن (إسرائيل) قد تلجأ إلى فرض مزيد من العقوبات القاسية، مثل قطع إمدادات الكهرباء والمياه عن القطاع، وإذا لم تؤتِ هذه الإجراءات ثمارها، فقد تستأنف تل أبيب الغارات الجوية، بل وقد تسعى إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين مرة أخرى، في إطار سياسة ممنهجة لإعادة رسم الخارطة السكانية في غزة.

ضغوط أمريكية ودعم إنجيلي لمخططات

ومن جهة أخرى، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن وجود ضغوط كبيرة من قادة التيار المسيحي الإنجيلي في الولايات المتحدة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحمله على إعلان أن (إسرائيل) تملك حق السيادة على الضفة الغربية المحتلة. ووفقاً للصحيفة، فإن قادة الإنجيليين البارزين تبنوا استراتيجيات متعددة للضغط على إدارة ترامب، من خلال تنظيم زيارات إلى الكيان، وعقد مؤتمرات دولية، وتقديم التماسات رسمية إلى البيت الأبيض، سعياً منهم لترسيخ دعم واشنطن لسياسات التوسع الاستيطاني الصهيوني.

اليمن يهدد الاحتلال مجدداً

وفي تطور آخر، ذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن هددت بإعادة شن هجمات على الكيان واستهداف السفن في البحر الأحمر، في حال استمرار تل أبيب بقطع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة. ووفقاً للصحيفة، فإن وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أكدت أن الحوثيين أمهلوا الوسطاء الدوليين أربعة أيام لاستئناف إدخال المساعدات إلى غزة، ملوحين بأنهم سيستأنفون عملياتهم البحرية ضد (إسرائيل) في حال استمرار الحصار. وبهذا التصعيد المتزايد على مختلف الجبهات، يبدو أن الاحتلال الصهيوني يواجه مستقبلاً مجهولاً، مع تصاعد التهديدات الأمنية، وتزايد أزماته الداخلية، في ظل ضغوط محلية ودولية تهدد استقراره.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
روسيا تُبدي رغبتها في إطلاق مشاريع استثمارية جديدة في الجزائر الاتحاد الأوروبي يُشيد بدور الجزائر كشريك موثوق واستراتيجي في المنطقة توجيهات صارمة لتسريع عمليات صيانة وتجهيز البواخر مولوجي تُبرز جهود الدولة في التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة وزير العدل: مشروع قانون الإجراءات الجزائية حماية للمال العام والاقتصاد الوطني سايحي يدعو إلى تكثيف الجهود لتحسين التكفل بمرضى السرطان وتوسيع مراكز العلاج وزير التجارة يؤكد على ضرورة تطوير آليات العمل الرقابي لمواكبة تحولات السوق مجاهد: نجاح الجزائر يكمن في تعاملها مع القضايا بالمبادئ لا بالمصلحة أزيد من 20 شركة روسية تستكشف السوق الجزائرية في منتدى أعمال مشترك فرنسا تغازل أحفاد النازيين.. ما القصة؟ الجزائر تستعدُّ لاحتضان مؤتمر إفريقي هام الأضاحي المستوردة.. الأولوية للفئات المعوزة وأصحاب الدخل المحدود حصيلة مروعة.. 39 قتيلا في حوادث المرور خلال أسبوع وزير الاتصال: "التكوين أساس تشكيل جبهة إعلامية تدافع عن الوطن" هذا موعد انطلاق الطبعة الثالثة للصالون الإفريقي للأعمال بوهران وزارة التربية تواصل سلسة جلسات دراسة وتدقيق اقتراحات المنظمات النقابية المعتمدة شنقريحة: العلاقات الجزائرية-الرواندية نموذج للتنسيق السياسي في الدفاع عن إفريقيا اللغة الأمازيغية.. دعم متزايد لإصدارات في مختلف المجالات الثقافية عرقاب: الجزائر تُشجع التحول نحو نموذج طاقوي مستدام ومتكامل في إفريقيا الغموض يخيّم على واغادوغو.. حملة اعتقالات تفضح صراع أجنحة في جيش بوركينا فاسو