في الوقت الذي يُتابع فيه العالم عن كثب التطورات اليومية للسباق نحو البيت الأبيض، وتشتدّ فيه المنافسة بين كل من –مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس– تبرز الشركات التكنولوجية كلاعب قوي في تشكيل مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتتصدر المشهد السياسي الأمريكي الذي لا يتصف بصراع الأيديولوجيات والأجندات فحسب، بل يتسم أيضاً بالضبابية المحيطة بـ“الأموال المظلمة” التي تقف وراء الديناميكيات المعقدة في أروقة واشنطن.
وبخلاف الاستحقاقات الانتخابية السابقة، لم يَعُد دور عمالقة “السيليكون فالي” –هذه المرة– مقتصراً على مواجهة التضليل والأخبار الكاذبة فقط، بل امتدّ إلى إمكانية ترجيح فرص فوز أحد المرشحين على الآخر، ومحاولة التأثير المباشر على مسار العملية الانتخابية ككل، حيث تحاول الشركات التكنولوجية، في السباق الحالي المقرر حسمه شهر نوفمبر المقبل، أن تنسج نفسها بعمق في نسيج الحملات الانتخابية للمرشحين، من خلال التمويل المالي وحملات جمع التبرعات.
وبالرجوع إلى “القاعدة الانتخابية” التي تقول: “إن الحزب أو المرشح الذي يستطيع جمع أموال أكثر هو الذي سيفوز بالانتخابات“، يرى مراقبون أن العامل الحاسم في هذه الاستحقاقات الأمريكية هي “أموال اللوبيات“، سواء أكانت تلك الأموال “ناعمة” ومعلنة ومعروفة المصدر، أم “أموالًا مظلمة“ لا يعرف الناخب الأمريكي مصدرها، أو من يتبرع بها، أو الغاية والهدف من تقديمها لهذا المرشح، أو ذاك.
“لاعبو الظل السياسي” وصناعة “القرار الأمريكي“
وهنا، قد يتساءل البعض عمن يقف وراء “الأموال المظلمة” وما حكايتها؟ فوفقا لموقع “إنفيستو بيديا“، تشير “الأموال المظلمة“ أو “الدارك ماني” إلى الأموال التي يجري ضخها في الحملات السياسية من مانحين أو منظمات مجهولة، وغالباً ما تتحايل هذه الإسهامات على متطلبات الإفصاح التقليدية، مما يترك الناخبين في حالة جهل بشأن الأصول الحقيقية والدوافع وراء الرسائل والمبادرات السياسية.
ويعود صعود هذا النوع من المال إلى سلسلة من الثغرات القانونية والتنظيمية، فبداية من عام 1976، سمحت المحكمة الفيدرالية العليا بما يسمى “الأموال المظلمة“، وهي أموال شرعية وقانونية تمامًا، لكن مصدرها المباشر غير معروف، بمعنى أن يتبرع المتبرع للمرشح على نحو غير مباشر، وغالبًا ما يكون هذا المتبرع شخصًا، أو مجموعة عرقية، أو سياسية، أو شركة عملاقة، ويقدم هذا النوع من المتبرعين الأموال إلى المرشحين عن طريق التبرع إلى مؤسسات غير ربحية في المرحلة الأولى، ثم بعد ذلك تُعيد هذه المؤسسات غير الربحية التبرع إلى المرشح، أو الحزب، وهنا يكون المعروف والمعلوم للناخب هي هذه المؤسسات غير الربحية، دون الكشف عن “المتبرع الحقيقي“.
وكنتيجة حتمية لذلك، فُتحت أبواب الإنفاق السياسي غير المعلن على مصاريعها في الولايات المتحدة، مما أدى إلى تغيير المشهد الانتخابي بشكل جذري، وبات المرشحون والأحزاب السياسية في أمريكا يعتمدون على الإسهامات والنفقات التي تقدمها أطراف ثالثة لدعم الحملات الانتخابية ماليّاً، بينما تعد الملايين التي تتدفق عبر لجان العمل السياسي غير الربحية مثالاً على كيفية استخدام المانحين الأثرياء المال المظلم لتشكيل السياسة الأمريكية مع البقاء في الخفاء.
هكذا أسقط الـ“دارك ماني” “قلعة” الديمقراطية الأمريكية
وبالعودة إلى مسار الاستحقاقات السابقة، نجد أن قادة الحزب الديمقراطي حرصوا على تقديم صورة لهم بأنهم لا يحبذون، ولا يهرولون وراء هذه “الأموال المظلمة“، لكن التحليل الإحصائي لإنفاق التبرعات في انتخابات 2020 كشف عكس ذلك تماماً، فقد كشفت هذه الإحصاءات أن الحزب الديمقراطي هو من سعى أكثر من الحزب الجمهوري للحصول على “الأموال المظلمة“.
وحصل بالفعل على نحو 1.5 مليار دولار من الأموال المظلمة، مقابل 900 مليون دولار للحزب الجمهوري والرئيس دونالد ترامب، وأن 15 جمعية ومؤسسة تعمل على المستوى الوطني الأمريكي قدمت “أموالها المظلمة“ للرئيس جو بايدن، والحزب الديمقراطي، في حين قدمت 8 جمعيات فقط من المؤسسات الكبيرة هذا النوع من “الأموال المظلمة“ للرئيس السابق دونالد ترامب، ومرشحي الحزب الجمهوري.
ويقول مراقبون: إن الأخطر من ذلك هو أن منحنى التبرع “بالأموال المظلمة“ يزداد في كل موعد انتخابي أكثر بكثير مما كان عليه في استحقاق سابق، وهو ما يؤكد حسبهم أن “لاعبي الظل السياسي“ بات لهم دور أكبر في صناعة “القرار الأمريكي“، الأمر الذي يمحو أحد الملامح الرئيسة “للصورة النمطية“ التي تحاول الولايات المتحدة أن ترسمها لنفسها أمام العالم أنها “قلعة الديمقراطية“، في حين أن “جوهر القرار الأمريكي“ نابع من مصالح لوبيات خاصة، وليس بالضرورة التعبير عن المصالح الوطنية للشعب الأمريكي.
لاعبون فوق الشطرنج ضمن الانتخابات الأمريكية
هذا التأثير الكبير للمال على صنع القرار السياسي الأمريكي دفع الكثيرين من الأمريكيين إلى طرح السؤال كالتالي: هل الولايات المتحدة بالفعل دولة ديمقراطية؟ وهل ديمقراطيتها باتت تباع على الأرصفة لكل من يملك المال أو التكنولوجيا؟ وهنا وجب علينا العودة إلى الحديث عن انخراط شركات التكنولوجيا كلاعبين وبيادق ضمن لعبة الشطرنج في الانتخابات الأمريكية، وكيف سيحدد هؤلاء من سيكون “الساكن الجديد للبيت الأبيض“.
وبخلاف الحياد الذي يجب أن تتمتع به المنصات التكنولوجية في التعامل مع الانتخابات الأمريكية، فإن التحولات التي شهدها السباق الانتخابي بعد انسحاب بايدن ومحاولة اغتيال ترامب الفاشلة، قد غيّرت المشهد حيث عبّرت عدد من الشركات والمنصات الرئيسية عن دعم علني لترامب.
ويعدّ هذا التحول إلى معسكر اليمين لشريحة كانت تميل إلى المعسكر الديمقراطي تقليديا إحدى القضايا الكبرى في هذه الانتخابات الرئاسية، خاصة، أن المعسكر الداعم للرئيس السابق دونالد ترامب ضمّ أغنى مستثمري التكنولوجيا في الولايات المتحدة، الذين قرروا السعي وراء تعظيم مصالحهم من خلال دعم ترامب، حيث يحظى هذا الأخير حالياً بدعم كل من بيتر ثيل، وبن هورويتز، وشاماث باليهابيتيا، وإيلون ماسك الرئيس التنفيذي الحالي لمنصة “إكس“، إلى جانب انضمام رجل الأعمال السابق جيه دي فانس إلى قائمة مانحي الحزب الجمهوري.
وبالرغم، من أن كامالا هريس، منافسة ترامب في هذا السباق الرئاسي، تشتهر بتاريخ معقد مع وادي السليكون، حيث كانت صارمة مع عمالقة التكنولوجيا مثل “ميتا” و“باي بال“ عندما كانت المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، إلاّ أن انسحاب بايدن والدفع بهاريس ومحاولتها طمأنة المانحين بأنها “رأسمالية“، قد أحدث تحولاً في موقف بعض الشركات التكنولوجية، حيث تمكنت هاريس هي الأخرى من الفوز بتأييدات عامة من كبار الشخصيات، بما في ذلك ريد هوفمان المستثمر والمؤسس المشارك لـ(LinkedIn)، وريد هاستينجز المؤسس المشارك لـ(Netflix)، الذي ورد أنه تبرع بـ7 ملايين دولار لحملة هاريس، هذا بالإضافة إلى رسائل الدعم من كل من شيريل ساندبرغ الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة (Meta)، وميليندا فرينش غيتس.
“تبرعات ضخمة“.. هل يحسم “وادي السيليكون” نتيجة السباق؟
وهكذا اصطف عمالقة التكنولوجيا في وادي السليكون للتبرع للمتنافسين على كرسي البيت الأبيض، فبالنسبة لترامب جمعت أمريكا باك (America Pac) –وهي لجنة العمل السياسي الكبرى التي تم تشكيلها في أواخر ماي لدعم ترامب –أكثر من 8.7 مليون دولار من 13 شركة عملاقة في مجال التكنولوجيا حتى نهاية جوان، وفقاً لتقرير مالي ربع سنوي مُقدَّم إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، بما في ذلك تبرع بمليون دولار من جو لونسديل المؤسس المشارك لشركة بالانتير.
كما تبرع مستثمرا العملات المشفرة كاميرون وتايلر وينكليفوس بمبلغ 250 ألف دولار من قِبَل كلٍّ منهما، كما تم إدراج مؤسسي أندريسن هورويتز ودوج ليون من شركة سيكويا من بين المساهمين في قطاع التكنولوجيا الذين يدعمون ترشح دونالد ترامب للرئاسة، فيما تعهد “كيث رابوا” أحد المديرين التنفيذيين الأوائل في باي بال ولينكد إن، الذي وصف ترامب في عام 2016 بأنه “معتل اجتماعياً“، بمبلغ مليون دولار لحملته.
أما عن الدعم المادي الذي تلقاه المعسكر الآخر، فقد كشف مقال في فايننشال تايمز أن نحو 80 بالمئة من التبرعات من شركات الإنترنت ذهبت إلى الديمقراطيين حتى الآن في الدورة الحالية للانتخابات (على الرغم من أن هذه النسبة انخفضت من 90 بالمئة في عام 2020)، إلا أنها تُعبِّر عن أن المحاربين القدامى في شركات التكنولوجيا الكبرى، ما زالوا يدعمون الحزب الديمقراطي، مثل عضو مجلس إدارة مايكروسوفت “ريد هوفمان“، حيث قدم العديد من قادة التكنولوجيا تبرعات مكونة من ستة أرقام للجنة العمل السياسي الفائقة (Biden Victory Fund) التي أعيدت تسميتها بصندوق (Harris Victory Fund).
وتُظهر البيانات الصادرة عن لجنة الانتخابات الفيدرالية أن اللجنة تلقت أموالاً من لورين باول جوبز رائدة الأعمال وزوجة المؤسس المشارك لشركة (Apple) ستيف جوبز، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة (OpenAI)، وديفيد إليسون مؤسس شركة (Skydance) ومديرها التنفيذي، الذي من المقرر أن يقود شركة (Paramount) بعد اندماج الشركتين، على الرغم من أن والده لاري إليسون مؤسس شركة (Oracle)، كان مؤيداً مخلصاً للحزب الجمهوري، كما أفادت مصادر مطلعة لشبكة (CNBC) بأن داعمي هاريس في وادي السليكون يبذلون جهودهم لجمع أكثر من 100 مليون دولار من كبار المانحين في صناعة التكنولوجيا.
“هاريس” و“ترامب” يشعلان حربا في “السيليكون فالي“
وهو الأمر، الذي جعل وادي سيليكون يشهد حالة غير مسبوقة من الانقسامات في الآراء السياسية بين كبار قادة شركات التكنولوجيا، حيث تصاعدت –مؤخرا– حرب كلامية بين أكبر الأسماء في المجال وتصاعدت التوترات بسبب انتخابات الرئاسة الامريكية، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال“.
وتشتد حدة الاتهامات والانتقادات العلنية بين قادة الصناعات التكنولوجيا، يوماً بعد يوم، واعتبرت الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” أن هذا النوع من الصراع الداخلي كان “نادرا” في الانتخابات الرئاسية السابقة، إذ كان القطاع يميل تاريخيا إلى اليسار، وحذرت من أن الانقسام السياسي يؤدى إلى تدهور العلاقات التجارية، ويهدد حتى بعض الصداقات القديمة بين رواد هذا القطب التكنولوجي.
وبعد أن دعمت مجموعة مؤثرة من القادة، بمن فيهم إيلون ماسك، المرشح الجمهوري دونالد ترامب وأصبحوا أكثر صراحة بشأن تغيير ولاءاتهم الحزبية، أثار الأمر ردود فعل قوية من آخرين كانوا عادة يحتفظون بصمت بشأن آرائهم السياسية، حيث وصف إيلون ماسك، الداعم للرئيس السابق دونالد ترامب، المستثمر في التكنولوجيا والديمقراطي “فينود خوسلا“ بأنه “مختل” على منصة “إكس“ بسبب رفضه ترامب، وفى المقابل، سخر آرون ليفى، الرئيس التنفيذى لشركة (Box) ومؤيد كامالا هاريس، من المستثمر ديفيد ساكس، مشيرا إلى أنه ربما يكون “تحت تأثير الأدوية“ لدعمه ترامب.
وامتدت التوترات أيضا إلى قضايا البيئة، حيث انتقد بعض المستثمرين في مجال الطاقة الخضراء موقف إيلون ماسك الداعم لترامب كما وجد الصديقان السابقان “ريد هوفمان“ و“بيتر ثيل“ اللذان عملا معا سابقا في “باي بال“، نفسيهما على طرفي النقيض، إذ أصبح هوفمان مؤسس (LinkedIn)، داعما قويا للحزب الديمقراطي، وتبرع بملايين الدولارات لحملة بايدن وهاريس، بينما أعلن ثيل دعمه لترامب والحزب الجمهوري، وأدى هذا الخلاف في المواقف إلى قطع العلاقات الشخصية بينهما، وقد كشف هوفمان علنا في مؤتمر “صن فالي” أنهما لم يعودا يتحدثان بسبب آراء ثيل السياسية.
وفى منتصف أوت المنصرم، كان وادي السيليكون قد شهد تصعيدا آخر في التوترات بسبب الخلافات السياسية، بعد أن وجه المستثمر البارز، بن هوروفيتز، المؤسس المشارك لشركة (Andreessen Horowitz) الاستثمارية، اتهامات حادة إلى مايكل موريتز، الرئيس السابق لشركة (Sequoia Capital).
وكانت نقطة الخلاف مقالا نشر على موقع (The San Francisco Standard)، الذي يموله “موريتز“ جزئيا وتناول تحول “هوروفيتز“ وزوجته السياسي من الحزب الديمقراطي إلى الجمهوري، واصفا إياه بـ“اللغز“، قبل أن يتهم الثاني “موريتز“ بتوجيه الموقع لنشر “مقالات تشهيرية” ضده، ورغم أن الرجلين تربطهما علاقات تجارية، حيث استثمرت شركتاهما في بعض المشاريع المشتركة، وتقول الصحيفة أن الخلاف السياسي بين الرجلين “بدا أعمق من أي روابط مهنية“.
دعوات لإنهاء الصراع
ومع تواصل حملات الدعم وتبادل الاتهامات، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن أصوات متصاعدة بين بعض التنفيذيين في القطاع التكنولوجي، تدعو إلى وقف هذا الصراع العلني، ومن أبرز هذه الأصوات مارك بينكوس، المؤسس المشارك لشركة ألعاب الفيديو(Zynga) فرغم تاريخه في دعم القضايا الديمقراطية، أعلن بينكوس أنه لن يدعم أيا من المرشحين في هذه الانتخابات.
وفي منشور له على “لينكدإن“، عبر بينكوس عن قلقه من حدة الاستقطاب قائلا: “نحن نؤمن بعمق أن جانبنا صالح لدرجة أننا نحكم أخلاقيا على الجانب الآخر“. وأضاف محذرا: “لقد ذهبنا جميعا بعيدا جدا“، ويجدر التذكير، بأن قادة التكنولوجيا في وادي السيليكون يعدون من بين كبار المتبرعين لكلا الجانبين، وكان النصيب الأكبر لحملة هاريس، بحوالي 204 ملايين دولار، و47.5 مليون دولار لدونالد ترامب.
“الذكاء الاصطناعي” على خطى “الدارك ماني“
وإلى جانب، ما يثار حول دور أموال أباطرة وادي السيليكون في التأثير على مسار الانتخابات الأمريكية، ظهرت مخاوف أخرى تتعلق بما يمكن أن تُساهم به أدوات الذكاء الاصطناعي من تضليل ونشر لأكاذيب من شأنها الانتشار سريعا وبالتالي التأثير في توجهات الرأي العام، قبيل التصويت.
ففي فيفري الماضي، وقعت مجموعة من الشركات التكنولوجية الشهيرة على اتفاقية تُحاول الحد من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إعاقة مسيرة الانتخابات بنزاهة، من خلال تبنى إجراءات احترازية تحاول منع فبركة صُنع صور أو مقاطع فيديو بهذه التقنيات الحديثة تعمل على توجيه الرأي العام، لما لهذه التقنيات من دقة في صناعة المحتوى المُستهدف بشكل يصعب على المتلقي العادي التمييز بين حقيقته من زيفه.
لإحباط الخصوم وتقوية الحلفاء..
هكذا يتحالف الساسة الأمريكيون مع صقور التكنولوجيا
يرى الدكتور عبد الحكيم بوغرارة أستاذ علوم الإعلام والاتصال، بجامعة المدية، أن الانتخابات الأمريكية تشهد العديد من الاستقطابات، خاصة ما تعلق برجال الأعمال أو ما يسمى بالصقور الناشطين في مختلف المجالات العسكرية والتكنولوجية، إلى جانب “اللوبيات“ الصهيونية سواءً المالية أو التكنولوجية التي تسيطر بدورها على “السيليكون فالي” في الغرب الأمريكي، هذه المنطقة المعروفة بالاستثمارات التكنولوجية وصناعة النانو تكنولوجي.
وفي هذا الصدد، أشار الدكتور بوغرارة، في تصريح لـ“الأيام نيوز” إلى ما عرفته الحملة الانتخابية القبلية لانتخابات الرئاسة الأمريكية، على غرار مجاملة الرئيس السابق “دولاند ترامب” للملياردير “إيلون ماسك” مالك منصة “إكس“، كما وعده بضمه إلى فريقه الحكومي في حالة فوزه بكرسي الرئاسة لمرة ثانية.
واعتبر محدثنا، أن هذا الأمر، يؤكد المصالح المشتركة بين السياسيين ورجال الأعمال ورواد التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الهيمنة والسيطرة من جهة، ومن أجل إحباط الخصوم في الانتخابات وتقوية الحلفاء في الخارج من جهة أخرى، ناهيك عن الانتقام عبر الحروب السيبرانية من أعداء الولايات المتحدة.
وفي هذا الشأن، أكد الدكتور عبد الحكيم بوغرارة، أن هذا الملف يملك الكثير من الأهمية بالرغم من عدم تداوله بقوة في وسائل الاعلام الأمريكية بالنظر إلى خطورته، خاصة في ظل دخول أمريكا في حرب تكنولوجية مع الصين، أين أوقفت الاستثمارات الصينية في الجيل السادس بالهاتف النقال، وربطت الأمر بالأمن القومي الاقتصادي الأمريكي، كما أثارت شكوك فيما يخص “تيك توك“.
وأكد المتحدث ذاته، أن كل الملفات المطروحة والمعطيات والشواهد تؤكد أن للمستثمرين في مجال التكنولوجيا دور كبير جدا في صناعة القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والتأثير على اتجاهات الرأي العام خلال الحملات الانتخابية.
ومن بين هذه المعطيات –يوضح بوغرارة– تبرز النتائج الباهرة للذكاء الاصطناعي الذي أصبح “بإمكانه أن يقول الانسان ما لم يقل ويجعله يمشي في الولايات المتحدة الأمريكية وبعد دقيقة يصبح متواجدا في اليابان ويدلي بتصريحات ويتم تصويره مع أبناءه وهم يمشون بجانبه، وأبعد من ذلك، حيث بإمكانه أيضا تصويره مع أي رئيس في العالم بمشاهد حية“.
وهذا، إلى جانب اتهامات الخبراء المتواصلة لترامب بأنه تفوق على هيلاري كلينتون بفعل حرب سيبرانية بالتعاون مع روسيا، بالإضافة إلى معطيات أخرى على غرار كيفية تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والمستثمرين الكبار في مجال التكنولوجيا للتضييق على الآراء التي تساند القضية الفلسطينية والتي تتهجم على الكيان الصهيوني، يقول المتحدث ذاته.
سرية تلغرام في مواجهة “مافيا البيانات“
وفيما يخص قضية اعتقال مؤسس منصة تلغرام، بافل دوروف، يعتقد الدكتور بوغرارة، أن هذا الأمر يدخل في سياق حرب غربية روسية بفعل تبعات تطور الأزمة الأوكرانية، كما أن هناك سيناريو مخفي وحلقة مفقودة في هذه القضية، خاصة أن روسيا كانت على دراية بأن خروج هذا الرجل قد يعرضه للاعتقال أو للابتزاز والمسائلة للحصول على أسرار منصة تلغرام وعلى كيفية اختراق التشفير المتطور جدا الذي يحكم هذه المنصة، والكثير من المعطيات الأخرى، ناهيك عن دخول الإمارات على الخط وحديثها عن امتلاك هذا الرجل لجنسية إماراتية.
وأوضح محدثنا، أن هذا الملف متشابك جدا ويدخل في سياق الحروب النفسية والسيبرانية والاعلامية بين روسيا والغرب بصفة عامة، كما أن القضية فيها الكثير من السياسة بينما يأتي العامل التكنولوجي في مرحلة ثانية، خاصة أن الغرب متفوق في الأمر بالمقارنة مع روسيا، وهو ما يوحي بأن الدول الغربية استغلت هذه الفرصة للضغط على روسيا.
ومن جهة أخرى –يضيف المتحدث– فإن روسيا وعبر السماح للرجل بالخروج تريد خوض حرب أخرى بعيدا عن هزائمها في مقاطعة “الكورسك“ و“البيلغورود“ وعما يحدث في الحدود الأوكرانية والخسائر الكبيرة هناك، ناهيك عن عدد الأسرى الكبير في مختلف المحاور، وبالتالي الملف فيه الكثير من السياسة والحروب النفسية بين الشرق والغرب، أكثر من كونه قضية متعلقة بالتكنولوجيا.
أما فيما يتعلق بدلالات إهانة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاوند، رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، عندما وصفه بـ“الشيطان“، يرى بوغرارة، أن فرنسا لا تملك تلك القيمة الكبيرة لتهين الولايات المتحدة الأمريكية، لأن واشنطن –على سبيل المثال– نزعت صفقة الغواصات من فم فرنسا دون أن تحتج هذه الأخيرة، وفوق ذلك زار ماكرون الولايات المتحدة الأمريكية بعد نزع صفقة الغواصات الفرنسية نحو أستراليا واستبدالها بأخرى أمريكية دون أن يقوم هذا الأخير بأي رد فعل، كما أن فرنسا تاريخيا أكدت أنها دولة هشة فالألمان دخلوها في 11 يوما بعد أن استسلم الفرنسيين.
وفي ختام حديثه لـ“الأيام نيوز، أكد محدثنا، أن فرنسا لا يمكنها أن تهين شخصيات أمريكية، لأنه وبالنظر إلى العديد من المعطيات على غرار “عملية بيكاسوس“ والتجسس على الفرنسيين، لا يمكن اعتبار تصريح فرانسوا هولاند إهانة لإيلون ماسك –الذي اشترى منصة إكس “تويتر” سابقا بـ 44 مليار دولار في صفقة تاريخية– خاصة أن هذا الأخير بإمكانه التأثير على فرنسا في الكثير من الأمور.
حسابات قادة شركات التكنولوجيا وصراع النفوذ..
استراتيجيات خفية في عصر التحالفات المظلمة
بقلم: هيشام داود الغنجة – أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر
أدى اعتقال مؤسس تطبيق تلغرام بافل دوروف (Pavel Durov)، مؤخرا، من قبل السلطات الفرنسية إلى تساؤلات عديدة حول خلفيات الاعتقال ومآلاته، حيث يأتي هذا الاعتقال بضعة أشهر فقط بعد ظهور إعلامي نادر ومطول لدوروف خص به الصحفي الأمريكي ذي الميول الجمهورية تاكر كارلسون (Tucker Carlson).
ويسمح لنا تحليل مضمون سريع لمحتوى الحوار الذي تم إجراؤه بتاريخ 16 أفريل 2024؛ أن نستشف بسهولة أن دوروف كان وفيا لمبادئه التي عرف بها، خاصة ما تعلق بالحرية وعدم التدخل في الخصوصية، والتأكيد على ضرورة تحقيق الاستقلالية عن السلطات المركزية في العالم.
وترجعنا هذه التصريحات التي أكد عليها في هذا الحوار إلى أفكاره الأولى التي كان يتبناها حينما أسس تطبيق (VK) في روسيا، وهو أكبر تطبيق تواصل اجتماعي مستخدم في روسيا حاليا.
ونستذكر كذلك أنه بعد ضغوطات تلقاها من قبل السلطات الروسية متعلقة بأمور سياسية داخلية حينئذ، أسس كذلك تطبيق تلغرام ودعمه بخاصية المحادثات السرية والمشفرة، بل وسمح لكل الجماعات والأشخاص مهما كان شكلها وهدفها بامتلاك حسابات وقنوات على تلغرام دون أي خضوع لضغوطات الحكومات، ودون أي تقييد لنشاطهم، مما جعله عرضة لحملة غير معلنة من قبل العديد من الحكومات الغربية خاصة، بدعوى سماحه لجماعات إرهابية وإجرامية بالنشاط على تلغرام دون قيود.
لكن، إذا ربطنا كل ذلك بالانتخابات الأمريكية المزمع إجرائها شهر نوفمبر المقبل، ما الذي يجعل تطبيق تلغرام يحظى بهذه الشعبية لدى القيادات في الحزب الجمهوري داخل الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الراهنة، بشكل جعل تاكر كارلسون على سبيل المثال؛ الصحفي الداعم لترامب يستضيف دوروف ويحاوره، رغم ما قد يشكل ذلك من مخاطر عليه شخصيا؟
في الحقيقة يمكن تفسير ذلك في مجموعة من النقاط، يأتي على رأسها معطى مهم، ألا وهو أن خطاب قادة الحزب الجمهوري أصبح خطابا معاديا “للدولة العميقة” الأمريكية تحديدا وفي العالم عموما.
خاصة وإذا تذكرنا أن ترامب قد تعرضت حساباته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي للحظر سابقا أياما بعد أحداث اقتحام أنصار له لمبنى الكابيتول يوم 6 جانفي 2021 بعيد خسارته الانتخابات الأمريكية آنذاك أمام منافسه؛ الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية؛ جو بايدن.
بشكل جعل من شعور المظلومية، والخطاب الشعبوي المعادي لما يسميه الجمهوريون بالدولة العميقة يتنامى بشدة في الحملة الانتخابية الحالية. مما جعل المشهد الأمريكي يبدو وكأنه يعيش حالة استقطاب حادة وغير مسبوقة بين اتجاهين: اتجاه ليبرالي يساري مدعم من قبل قادة التكنولوجيا الليبراليين، وعلى رأسهم مارك زوكربيرغ مالك مجمع ميتا، الذي هدده الرئيس الأمريكي السابق ترامب بالسجن مؤخرا، سام ألتمان (Sam Altman) المدير التنفيذي لشركة (OpenAI)، وغيرهما من جهة.
ومن جهة أخرى اتجاه ينادي بالحرية “المطلقة” والاستقلالية عن الحكومات واللامركزية، يقوده إيلون ماسك؛ المدير التنفيذي لمنصة X، إضافة إلى مؤسس تطبيق تلغرام ومديره التنفيذي بافل دوروف، ودافيد ساكس (David Sacks)، أحد مؤسسي شركة بايبال (Paypal) سابقا، وغيرهم.
واستغل الحزب الجمهوري حالة الاستقطاب هذه، وعلاقات الصراع المتنامية بين عمالقة التكنولوجيا، لدعم أطروحة التأكيد على الجانب المؤامراتي المعادي للحكومات والمؤكد على وجود قوى خفية يسارية تتحكم في المشهد السياسي الأمريكي وحتى العالمي، وهذا ما قد يفسر كذلك دعم إيلون ماسك لترامب، وهما اللذان كانا يكيلان التهم والهجمات لبعضهما البعض سابقا، وبشكل جعل بافل دوروف كذلك يثق في المقربين من الحزب الجمهوري مما جعله يبدو متعاطفا إلى حد ما مع أطروحات الحزب السياسية.
كما لا ينبغي إغفال عامل أساسي، قد يفسر دعم الكثير من عمالقة التكنولوجيا للحزب الجمهوري، ويتمثل في أن دونالد ترامب قد وعد مجتمع العملات المشفرة مرارا بالدعم وتسهيل النشاط حال فاز بالانتخابات المقبلة.
ويعتبر دوروف في هذه الحالة من أكبر المستفيدين المتوقعين من ذلك، باعتباره يمتلك عملة (TON) المشفرة الخاصة بتطبيق تلغرام، والتي بلغت قيمتها السوقية عند كتابة هذه الأسطر، أكثر من 13 مليار دولار أمريكي. هذا دون إغفال الاهتمام الكبير الذي يوليه إيلون ماسك كذلك للعملات المشفرة، والتي يعتبر هدفها الأسمى حسبه الاستقلالية عن سيطرة الحكومات المركزية، وظهر ذلك جليا حين قام باستثمار ملايير الدولارات من ثروته الخاصة لشراء بعض أصول العملات المشفرة سنتي 2020 و2021.
لكن الإشكالية التي يمكن أن تطفو إلى السطح مجددا حال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية المقبلة، تتمثل في التساؤل حول هل سيبقي ترامب وصقور الحزب الجمهوري، تاكر كارلسون، فانس (Vance) المرشح لمنصب نائب الرئيس، وغيرهم على خطهم الداعم لهذا الخطاب الراديكالي اللامركزي المعادي للحكومات والسلطات المركزية، أم أن الأمر مرتبط بضرورات الحملة الانتخابية فحسب، والضغوطات المتعلقة بضرورة جمع تبرعات كذلك التبرع الضخم الذي قدمه ماسك لترامب مؤخرا، والمقدر بحوالي 45 مليون دولار؟
أي هل يمكن أن يتراجع ترامب عن تعهداته التي قمنا بذكر أهمها في هذا المقال، خاصة وأنه معروف عنه إعجابه بما يسمى بالأنظمة الديمقراطية غير الليبرالية، كما وصفها ونظر لها المفكر الأمريكي فريد زكريا، وهي الأنظمة المعروف عنها أنها تعادي أي توجه لا مركزي معادي لمركزية الدولة، وتفضل خلق جو سياسي غير ليبرالي، معاد لحرية التعبير، حرية التجمع، حرية الاعتقاد، وغيرها من الحريات التي يدافع عنها إيلون ماسك وبافل دوروف وغيرهما بشدة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل المعقد، يمكن أن نفترض توقعا مستقبليا أن ترامب يكون قد تعلم من أحداث الكابيتول، حينما قام (Establishment) الأمريكي، وقوى الدولة العميقة اليسارية المتحالفة – كما يصفها – بحظره من أغلبية وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك، بدعوى أنه يمثل خطرا على الديمقراطية.
بشكل قد يجعله يعمل على استمالة إيلون ماسك وغيره أكثر، وهو الذي قد صرح مؤخرا أنه يعتزم اقتراح منصب حكومي رفيع على ماسك حال فوزه بالانتخابات شهر نوفمبر، وبالتأكيد محاولته كذلك الحفاظ على الأقلام “الحرة” في المشهد الإعلامي والتكنولوجي الأمريكي.
ومن جهة أخرى، يدفعنا هذا إلى التساؤل حول الطريقة التي سيتعامل معها ترامب مع أي اضطراب سياسي أو أمني قد تشهده بلاده، على شاكلة الاضطرابات الحادة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد حادثة مقتل جورج فلويد (George Floyd) يوم 25 ماي 2020.
أي هل سيلجأ ترامب إلى ممارسات غير ليبرالية مثل الحظر من منصات التواصل الاجتماعي؟، أو حظر المحتوى المنشور، أو غيرها؟. وهي ممارسات غير ليبرالية لطالما حاربها داعموه المقربون من عمالقة شركات التكنولوجيا، كإيلون ماسك، وبافل دوروف. وكيف سيتعامل كذلك مع مناوئيه التقليديين مثل زوكربيرغ، وألتمان؟
هذا الأخير الذي اتهمته دراسة صادرة يوم 8 ماي 2023 عن معهد بروكنجز الأمريكي، تحت عنوان: The politics of AI: ChatGPT and political bias بالتحيز عند تطويره لتطبيق ChatGPT بشكل واضح لأطروحات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، وحزب العمال في المملكة المتحدة، بشكل قد يجعل من أطروحات الجمهوريين حول وجود تحالف يساري ليبرالي عالمي ذات مصداقية إلى حد كبير.
رسالة إلى عمالقة “السوشيال ميديا“..
القوة التكنولوجية لا تعني الحرية المطلقة!
بقلم: رشيد سكاي – إعلامي وباحث جزائري مقيم في بريطانيا
في انتخابات 2024، يبدو أن قادة التكنولوجيا هم أكثر من مجرد مراقبين، إنهم لاعبون رئيسون، فالتأثير الذي يتمتعون به يمكن أن يتجاوز حدود وسائل الإعلام التقليدية ليصل إلى التأثير المباشر في عقول الناخبين.
إدارة المنصات الاجتماعية الكبرى، مثل “ميتا” و“تويتر“، تحكمت بالفعل في مدى انتشار الرسائل السياسية، وهذا التحكم قد يغير من قواعد اللعبة، فالأصوات التي يمكن سماعها، أو إسكاتها، قد تحدد مصير انتخابات بأكملها، ونفوذ هؤلاء القادة يصبح محورياً لأن لديهم القدرة على توجيه النقاشات وإبراز أو إخفاء أصوات معينة.
وقد اتهمت الإدارات الأمريكية السابقة روسيا بأنها تدخلت في التأثير على نتائج الانتخابات، وأشارت تقارير صحفية أمريكية فيما بعد ان موسكو تكون استعملت خوارزميات للضرر بأداء المرشحة هيليني كلينتون.
كما أن الإجراءات المتخذة ضدّ بافل دوروف، تشير إلى الصراع المتزايد بين الحكومات والمنصات التي توفر مساحات للحرية والتعبير بعيداً عن أعين السلطات، اعتقاله ثم الإفراج عنه مع منعه من مغادرة فرنسا يعكس محاولة لاحتواء هذه المنصات وإظهار قدرة الحكومات على فرض رقابتها. ولكنه أيضًا يعكس الرغبة في إبقاء دوروف تحت المراقبة وتقييد حركته كرسالة لباقي القادة التكنولوجيين: “القوة التكنولوجية لا تعني الحرية المطلقة“.
فيما يحمل وصف إيلون ماسك بـ“الشيطان” دلالات أعمق من مجرد انتقاد شخصي؛ إنه يعكس قلقاً أوروبياً من نفوذ ماسك المتزايد على الاقتصاد والسياسة العالميين، فتصاعد مكانة ماسك تزعج القوى التقليدية، التي ترى فيه تهديدًا لنفوذها وسيادتها.
هذا الوصف قد يشير إلى محاولة لترهيب ماسك وإعادة تقييد نفوذه، ولكن هل نهاية ماسك قريبة؟ الأمر يعتمد على مدى قدرته على المناورة في هذا العالم المليء بالخصوم والأعداء. حتى الآن، ماسك أظهر قدرة هائلة على النجاة وتوسيع نفوذه، ولكن المعارك القادمة قد تكون أصعب وأشد ضراوة.
خلاصة إن الأقطاب التكنولوجيين هم الآن بيادق أقوى على رقعة الشطرنج السياسي، ولكنهم ليسوا معصومين من الأخطاء أو التهديدات. نهايتهم أو انتصارهم يعتمد على قدرتهم على التكيف مع لعبة النفوذ والسياسة المتغيرة باستمرار، فكل الحجج المطروحة تحاكي لعبة معقدة يتداخل فيها النفوذ السياسي مع سلطة التكنولوجيا والاقتصاد.
السيطرة على السرد..
الحرية في مرمى نيران القيود الرقمية العالمية
بقلم: الداه يعقوب – كاتب وصحفي موريتاني مقيم في واشنطن
يجذب السباق الرئاسي الحالي في الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً من قِبَل الناشطين في مجال التقنيات والتكنولوجيا، الذين أصبحوا أكثر وضوحاً في كشف توجهاتهم الانتخابية. بعد إعلان الملياردير إيلون ماسك، صاحب منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، دعمه لدونالد ترامب وتخصيصه أكثر من عشرين مليون دولار شهرياً لدعم حملته الانتخابية، التي تركز على الحفاظ على المجتمع ومنع التحول الجنسي وتدريسه في المناهج التعليمية، فضلاً عن إجراء مقابلة شاهدها الملايين على منصة “إكس” في الأسابيع الأخيرة، توافد كبار المشتغلين في وادي السيليكون لدعمه.
في المقابل، تمكنت مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، من استقطاب شخصيات بارزة في مجال التكنولوجيا. ومن أبرز هؤلاء مارك زوكربيرغ، مالك ومؤسس شركة “ميتا“، الذي هدد ترامب بزجه في السجن حال فوزه في السباق الرئاسي، وذلك على خلفية تعليق حساب ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة.
الصراع بين رواد التكنولوجيا في وادي السيليكون ألقى بظلاله على كيفية التعامل مع منصة “تلغرام” وصاحبها المليونير الروسي، بافل دوروف، الذي يُتهم برفض تقديم معلومات عن مستخدميه وحماية حقوقهم. ويؤكد هذا الاعتقال ومنع السفر أن العالم المتقدم بدأ يفرض قيوداً على المنصات التي أصبحت وسائل إعلامية رائدة وحيوية.
لم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل امتد استهداف قادة التكنولوجيا ليشمل الرؤساء أيضاً. فقد وصف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إيلون ماسك بالشيطان، وهو وصف يتماشى مع الاتهامات والقوانين التي قد تؤثر على عمل منصة “إكس“، خاصة في ظل العراقيل التي وُضعت أمام “تلغرام“، وتطبيق حظر على “إكس” في الصين ودول أخرى بتهمة نشر الأخبار الكاذبة.
يعتبر هذا مؤشراً قد يدل على احتمال قرب نهاية “ماسك” وخضوعه للحكومات التي بدأت تمل من عدم تعاونه معها لحماية الأمن، وهو نفس المصير الذي تعرضت له منصة “فيسبوك” التي بدأت في تقديم معلومات عن المستخدمين ومشاركتها مع السلطات.
في الوقت الذي ضخ فيه رواد “وادي السيليكون” أموالاً ضخمة في حملات هاريس وترامب، حيث حصلت هاريس على أكثر من 200 مليون دولار بينما حصل ترامب على أكثر من أربعين مليون دولار، فإن صراع الحكومات مع رواد التكنولوجيا لن يحسم قريباً في ظل التوتر بين الحرية والأمن.
في العالم العربي، يستمر النقاش حول المخاوف من الحرية المطلقة لوسائط التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الأمن. فقد سعت الدول العربية لوضع قوانين وأنظمة لحماية أمنها القومي، خاصة في ظل استخدام هذه المنصات لتبادل الرسائل المشفرة بين التنظيمات الإرهابية التي استفادت منها في العديد من الأحيان.
إلى طاولة “إكس“؟..
هل ستُلبي “هاريس” دعوة “ماسك”
بقلم: زين الدين بوعشة – كاتب وصحفي بالتلفزيون الجزائري
يراهن الجمهوريون على دعم أقطاب التكنولوجيا أكثر من الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، تزامناً مع الحملات الانتخابية والتجمعات التي تعقد في هذا الصدد. فقد توجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، خلال شهر جويلية الماضي، إلى وادي السيليكون في كاليفورنيا لاستقطاب مليارديرات التكنولوجيا إلى صفه.
بعد هذه الزيارة، نظم الملياردير دايفيد ساكس، مستثمر ومؤثر ومقدم بودكاست بعنوان “أول إن“، حملة لجمع التبرعات لصالح ترامب، حيث بلغ ثمن التذاكر في الحفل 300 ألف دولار أمريكي.
منذ أسبوع، كشف مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ عن أن مسؤولين بارزين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مارسوا ضغوطاً كبيرة على إدارة فيسبوك لفرض قيود على بعض المحتويات المتعلقة بجائحة كورونا وقضية “هانتر” نجل الرئيس بايدن. وعلى الرغم من أن زوكربيرغ لم يؤيد علنياً أي مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أن توقيت نشر هذه المعلومة يبدو أنه يأتي في إطار محاولة التشويش على مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس، التي أحرزت تقدماً ملحوظاً في استطلاعات الرأي على حساب دونالد ترامب.
وفي الوقت الذي عبر فيه الملياردير إيلون ماسك عن تأييده لدونالد ترامب خلال محادثة جمعتهما على منصة “إكس” –التي تابعه خلالها 190 مليون شخص– وعد ترامب ماسك بتعيينه على رأس لجنة تشرف على الإنفاق الحكومي.
بعد هذه المحادثة، نشر ماسك تغريدة على “إكس” يقول فيها إنه “سعيد باستضافة كامالا هاريس على المنصة أيضاً“، في دعوة صريحة للمرشحة الديمقراطية للانضمام إلى محادثة مماثلة. لكن، هل ستلبي كامالا هاريس دعوة مؤيد غريمها الجمهوري دونالد ترامب؟ حتى الآن، لم يصدر أي رد فعل من قبل هاريس، ويبقى أن ننتظر ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
تحدّي التصدي لهجمات الأيديولوجيا..
الحرب الناعمة ومحاذير اختراق الأمن الفكري
بقلم: الدكتور حرز الله محمد لخضر – كاتب وباحث أكاديمي
يعد مفهوم “الحرب الناعمة” من المفاهيم التي استحدثت في عالم الحروب كما عبر عن ذلك جوزيف ناي في كتابه “وثبة نحو القيادة” سنة 1990، وأعاد استخدامه ضمن كتابه “مفارقة القوة الأمريكية” سنة 2002، ثم طور هذا المفهوم في كتابه “القوة الناعمة” سنة 2004 وتعني: “استخدام كافة الوسائل المتاحة للتأثير على الآخرين دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية“.
مصطلح الحرب الناعمة هو مركب إضافي يتكون من كلمتين تبدوان متناقضتين؛ “الحرب” و“الناعمة” فالحرب عبر التاريخ لم تكن ناعمة، وذلك بالنظر لأمرين:
- أدواتها: في الحرب تستخدم الأسلحة الفتاكة ذات القوة التدميرية الهائلة.
- نتائجها: فالحرب تؤول إلى سفك الدماء ونهب الثروات وتدمير البنية التحتية للدول.
أما “الحرب الناعمة” فهو مصطلح تسويقي صاغته الأدبيات الإمبريالية الحديثة التي طورت تقنيات الحروب مستبدلة وسائلها الصلبة، بأدوات أكثر إثارة وجاذبية وفاعلية. فمن حيث:
- الأدوات: أصبحت التكنولوجيا الحديثة والإنترنت والإعلام والمال والفن والرياضة والسينما والثقافة والخونة والمتعاونين والمرتزقة؛ أسلحة جديدة للفتك بأمن الدول واكتساح المساحات الشاغرة في عقول الشعوب المقهورة القابعة تحت نير الجهالة والاستبداد والفقر.
- أما مادتها: تتمثّل في اللعب على أوتار الصراعات الإثنية والعصبيات الطائفية والمذهبية، والاختلافات اللغوية والعرقية والثقافية والأخلاقية، والتجاذبات الإيديولوجية الحادة، والنزاعات السياسية، والإرهاب والتطرف الديني.
- الأهداف: الحرب الناعمة تستهدف العقول والأفكار والقيم والأخلاق والهويات والأديان بالتحريف والتزييف والتجريف، دون استعمال أي سلاح مادي عنيف، بغرض إحلال الفتن الطائفية وتحطيم القيم الأخلاقية لدى الشباب والنساء والرجال، وإغراق الفكر في متاهة التفاهات والسفاسف والشبهات والجدليات، وصولا إلى الاحتراب والتنابذ.
وفي خضم التحولات الثورية التي يشهدها عالم اليوم، ظهرت العديد من التهديدات الجديدة التي تطال الأنساق الثقافية والفكرية والسياسية للمجتمع، فتؤثر على أمنه الفكري والوطني ومن ثَمَّ تجره نحو عواقب مأساوية، ونقصد بهذه التهديدات تحديدا الاستخدام السيئ أو المغرض لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من طرف فئات واسعة من المجتمع لا سيما فئة الشباب والأحداث، المولعة باستهلاك موادها والتفاعل معها دون إدراكٍ لعواقبها.
وهذا ما ولَّد أنواعا من الجرائم الالكترونية المستحدثة، مثل التنمر والتنابز ونشر الأراجيف والإشاعات والمواد الإعلامية المزيفة… وقد كان لذلك الأثر الأخطر على الأمن الفكري للشعوب، خاصة تلك التي تعاني ضعفا على مستوى الوعي الرقمي، وأساليب إدارة حروب الجيل الخامس (الحرب الناعمة)، مما ينذر بتفكك أواصرها الاجتماعية، وتهشيم بنيتها الثقافية، وانخرام لحمتها الوطنية، وتلكم هي أخطر مهددات الأمن القومي.
تستهدف حروب الجيل الخامس المنظومة الفكرية للمجتمعات بأدوات ناعمة ولكنها أشد ضراوة وفتكا، إذ تعمل على اختراق الكيان المجتمعي من داخله، عبر إعادة تشكيل نفسية الأفراد وتنميط أفكارهم وسلوكاتهم، باستخدام تقنيات اتصالية فائقة التأثير، موظفة مقاربات نفسية واجتماعية وإعلامية، مثل نظريات الغرس الثقافي والنمذجة السلوكية وغسل الأدمغة، بهدف تأجيج النعرات وإيغار الصدور وصولا إلى إيقاد نار الثورات وتقسيم الأوطان، أو نشر الانحلال الأخلاقي وغرس ثقافات مناوئة للقيم الوطنية، تمهيدا لإخضاع الأجيال القادمة لرؤى القوى الإمبريالية، وتوظيف ضحاياهم في أجندات مخططة بإحكام لتخريب أوطانهم وخدمة مخططات أعدائهم.
لقد كان العالم العربي والإسلامي على مدار العقود الأخيرة ساحة مفتوحة لعمليات تفكيكية في غاية الدقة والخطورة، نتجت عنها تهديدات طالت نظامه الفكري وأمنه الوطني، وإذا أردنا البحث عن مسببات هذا الوضع المأزوم، فإنه يرجع بالدرجة الأولى إلى الهشاشة الفكرية التي تعانيها مجتمعاتنا، وانخفاض مستوى المقروئية والوعي والبحث العلمي، واستحكام الاستبداد والغلق السياسي، وضعف التنمية في جميع المجالات وانخفاض مستوى دخل الأفراد، مما جعلهم مادة مستساغة أمام التيار الجارف للعولمة والتثاقف، وما يترتب عنه من استيلاب واغتراب هوياتي، وتبعية ثقافية، وجمود فكري، قد يتعدى خطره من اختراق الأمن الفكري، إلى تهديد الأمن الوجودي في صورة تفكيك الأوطان وتدمير بنيتها الحضارية.
إن غياب المعرفة السياسية الرصينة التي تجسدها مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية وعلم المستقبليات، وأقسام وكليات العلوم السياسية بالجامعات العربية، دفع بشرائح عريضة من الشباب للتأثر بأصحاب الأيديولوجيات المشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذين يتفننون في أساليب التجييش والتهييج، رغم ضعف زادهم المعرفي واعتوار مذهبهم الفكري، وافتقادهم لأدوات التحليل الاستراتيجي والرؤية المتبصرة للمآلات، وهذا ما جعل أوطاننا عرضة لمشاريع التقسيم والفوضى الخلاقة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وكان من آخرها مشروع (الربيع العربي) الذي أحال دولا عربية إلى قاع صفصف، وأطاح بكيانها السياسي والاجتماعي، في حين أنه لم يكن سوى حلقة من حلقات مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي شكل فيه (اتفاق أبراهام) وافتتاح موجة التطبيع هدفا تكتيكيا ضمن منظومةِ أهدافٍ استراتيجية، تسعى لرسم خارطة جيواستراتيجية جديدة للمنطقة، يكون للكيان الصهيوني فيها دورا متقدما، بعد إنهاكها اقتصاديا وسياسيا وتدميرها حضاريا، عبر الحروب بالوكالة، وتغذية الاحتراب الطائفي، واستنبات الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، والاستثمار في تنمية الصراع الثقافي واللغوي والديني.
إن الطبيعة التهديدية للحروب الناعمة ولدت حاجة ماسة لاختصاصات أمنية جديدة، تتجاوز مفهوم الأمن بمقارباته التقليدية أو بمفهومه السياسي والجغرافي (أمن الحدود)، فأضحى الأمن الثقافي والفكري والإعلامي والسايبراني والديني، يحظى بنصيب بالغ من اهتمام دوائر هندسة السياسات الأمنية، باعتباره يرتكز على صيانة فكر الأفراد ومعتقداتهم من خطر الاختراق والاستغلال. كما أن الاهتمام بتنمية رأس المال البشري، عبر تطوير مناهج التعليم وترقية أداء مراكز البحث، وتفعيل التنشئة الاجتماعية، وترقية المستوى المعيشي، وربط الأمن الشامل بالتنمية المستدامة، هي مرتكزات ضرورية لصيانة الأمن القومي من غوائل الحرب الناعمة.
يكشف أسرارها عبد العالي زواغي في حوار مع “الأيام نيوز“..
هكذا يتم استخدام الخوارزميات والبيانات الضخمة في لعبة التوجيه الانتخابي
أبرز عبد العالي زواغي الباحث في الإعلام الاجتماعي، في حوار مع “الأيام نيوز“، أن التأثير الأكبر لعمالقة التكنولوجيا على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يأتي من البيانات الضخمة التي يحوزها هؤلاء، والتي تمكنهم من الوصول إلى ملايين الناخبين والتأثير على توجهاتهم وخياراتهم الانتخابية، والتعاون مع حملتيّ المرشحين لتنفيذ خطط العلاقات العامة والدعاية السياسية، من خلال استخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لاستهداف الجمهور وتوقع سلوكهم الانتخابي، ومن ثم توجيهه، بإظهار المحتوى الذي يتوافق مع هدف الحملة، أو إرسال رسائل دعائية تحض على اختيار هذا المرشح أو ذاك.
الأيام نيوز: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر المقبل، يشهد وادي السيليكون “انقساما غير مسبوق” في الآراء السياسية بين القادة والشخصيات البارزة في عالم التكنولوجيا، ويبرز من جديد دور هؤلاء في رسم معالم السباق نحو البيت الأبيض، ما هي قراءتكم لتأثير أقطاب التكنولوجيا على نتائج الرئاسيات الأمريكية؟
عبد العالي زواغي: أصبح لقادة التكنولوجيا في أمريكا، المتمركزين في وادي السيليكون، دور بارز في الانتخابات الأمريكية القادمة، بعدما صار لهم موقف سياسي معلن ومنحاز لأحد المعسكرين، الديمقراطي الذي تمثله المرشحة “كاميلا هاريس“، والجمهوري الذي يمثله المرشح الرئيس السابق المثير للجدل “دونالد ترامب“، هذا الأخير الذي يحظى بدعم واضح وصريح من طرف رجل الأعمال ومالك شركة “أكس” أو “تويتر” سابقا، إيلون ماسك، الذي جهر بدعمه لترامب وصار يخصص ندوات افتراضية على منصته لاستضافته والحديث معه، وهي عبارة عن نقاشات سياسية يتحدث فيها ويستمع إليها الملايين من الأمريكيين، بسبب الانتشار الواسع الذي تحظى به هذه المنصة في الولايات المتحدة.
ولا يقتصر الأمر على هذا، فملاك شركات التكنولوجيا قاموا بالتبرع للمرشحين بملايين الدولارات، حيث قدرتها بعض المصادر بـ 204 مليون دولار لكاملا هريس، و47.5 مليون دولار لدونالد ترامب، وسط انقسام كبير وحرب كلامية غير مسبوقة بين رواد التكنولوجيا بسبب الانحياز السياسي، وهذا أمر كان نادرا في الانتخابات السابقة.
لكن التأثير الأكبر يأتي من البيانات الضخمة التي يحوزها قادة التكنولوجيا في وادي السيليكون، والتي تمكنهم من الوصول إلى ملايين الناخبين والتأثير على توجهاتهم وخياراتهم الانتخابية، والتعاون مع حملتي المرشحين لتنفيذ خطط العلاقات العامة والدعاية السياسية، من خلال استخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لاستهداف الجمهور وتوقع سلوكهم الانتخابي، ومن ثم توجيهه، بإظهار المحتوى الذي يتوافق مع هدف الحملة، أو إرسال رسائل دعائية تحض على اختيار هذا المرشح أو ذاك، رغم القوانين المتشددة التي تمنع قيام شركات التكنولوجيا من التعدي على البيانات الخصوصية لمستخدميها.
أما خارجيا، فالتأثير يأتي من شركات التكنولوجيا الأجنبية، وعلى رأسها الصين التي تمتلك تطبيق “تيك توك“، الذي باتت يسبب وجع الرأس للقادة الأمريكيين، بسبب إمكانية تأثيره على السياسة الأمريكية والرأي العام بعدما أصبح منتشرا ومتغلغلا بين الأمريكيين، إضافة إلى شركات التكنولوجيا الروسية التي لها باع في حملات التأثير الانتخابي بأمريكا، دون الحديث عن الذكاء الاصطناعي الذي أضحت هذه الجهات توظفه بكثافة للتأثير على المرشحين والناخبين على السواء، وهو الأمر الذي قاد بعض شركات التقنية إلى إبرام اتفاقية لمنع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في عرقلة الانتخابات الأمريكية القادمة، لاسيما المنصات الاجتماعية التي من المرجح أن يظهر فيها التزييف العميق الذي يهدف إلى خداع الناخبين.
الأيام نيوز: أثار اعتقال مؤسس تطبيق “تلغرام“، بافال دوروف، في فرنسا يوم 26 أوت الماضي، اهتماماً عالميا واسعاً، ورغم الإفراج عنه مؤقتا ومنعه من السفر، ما تزال هذه القضية تصنع الحدث، خاصة بالنظر للأسباب الحقيقية التي قد تكمن وراءها، ما دلالات اعتقال مؤسس تلغرام ثم الإفراج عنه مع منعه من مغادرة فرنسا، في نظركم؟
عبد العالي زواغي: اعتقال “بافيل دوروف” روسي الجنسية، مؤسس تطبيق تلغرام سنة 2013 رفقة شقيقه نيكولاي، جاء على خلفية الدور البالغ الذي بات يلعبه على مستوى العالم ليكون مصدرا رئيسا للمعلومات، وتملصه من الرقابة والاختراق مقارنة ببقية المنصات، بسبب المواصفات والميزات التقنية التي يتمتع بها، لاسيما القدرة العالية على ضمان الخصوصية لمستخدميه البالغ عددهم مليار مستخدم، من خلال ضمان السرية والتشفير القوي للرسائل والمحادثات، وهو ما جعل العديد من أجهزة المخابرات تفشل في تتبع الكثير من الأهداف التي تهمها، رغم العروض الكثيرة التي قُدمت لدوروف من دول كثيرة للتعاون معها ورفضه لها.
وقد يكون توقيفه في فرنسا نابعا من هذه الخلفية، كمحاولة للضغط عليه من خلال توجيه القضاء الفرنسي لاتهامات تبدو غير منطقية لمالك تلغرام، منها تورطه بعمليات غسيل أموال وتمكين (مجرمين) من التواصل عبر تقنيات تشفير يضمنها تطبيقه، فالتوقيف في اعتقادي جزء من المحاولات الغربية الهادفة إلى السيطرة على التطبيق واستغلاله وإخضاعه للرقابة، وهو ما جعل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي تدعم بلاده دوروف ومشاريعه التكنولوجية بعد سنوات من ممارستها ضغطاً عليه، يعلق على توقيفه في فرنسا بالقول أنه يدفع ثمن استقلاله عن الغرب لكونه حرا في إدارة تطبيق التواصل الاجتماعي الذي يملكه، واعتبار ذلك جزءا من خطة سياسية أكبر للغرب لبسط سلطته على روسيا.
الأيام نيوز: لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذا، هو: إلى متى سيظل العالم العربي صامتًا أمام استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لزعزعة الأمن؟
عبد العالي زواغي: بعيدا عن أحاديث وإرهاصات النظام العالمي ونهاية القطبية الأحادية التي صاغت ملامح عالم اليوم، إن وجدت في صمت، قطبية أخرى أخذت شكلا مختلفا خلال العقدين الأخيرين، فقد صار العالم عالما (تكنوبولاريا) قطبية تقنية، عالم تمارس فيه شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي، تأثيرا غير مسبوق على المسرح العالمي، حيث باتت مفاهيم مثل السيادة والنفوذ لا يتم تحديدها من خلال الأراضي المادية أو القوة العسكرية، ولكن من خلال السيطرة على البيانات والخوادم، والأهم من ذلك، الخوارزميات.
صحيح أننا لم نصل بعد إلى عالم خاضع للتكنولوجيا بشكل مهمين وكامل، لكننا من جهة أخرى، موجودون في قلب نظام رقمي تسيطر فيه شركات التكنولوجيا الكبرى على المعايير والعمليات والتفاعلات والأمن والاقتصاد فيما يعرف بالعالم الافتراضي، العالم الموازي الذي نحياه ونتشكل به وفيه.
وهذه الشركات الكبرى التي تتوزع ما بين أمريكا والصين على وجه التحديد، لديها ميزتان رئيستان تتمتع بهما: الأولى هي هيمنتها على الفضاء الرقمي، والتي تؤثر بشكل عميق على حياة مليارات الأشخاص كل يوم؛ والثانية دورها في توفير البنية التحتية الرقمية الحيوية اللازمة لإدارة الاقتصاد والمجتمع الحديث.
ومع تقدم الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات التحويلية، وتحول المزيد والمزيد من حياتنا اليومية إلى الإنترنت، فقد حدث تحول في ديناميكيات السلطة، حيث تعمل شركات التكنولوجيا على توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من المجال الرقمي، إلى الاقتصاد، والسياسة، بل وحتى الأمن القومي، وهذا من شأنه أن يتحدى ويغير الأفكار التقليدية حول القوة العالمية، والتي قد تتحدد من خلال المنافسة بين الدول القومية وشركات التكنولوجيا، بقدر ما هي الحال بين الولايات المتحدة والصين على سبيل المثال، ولذلك، فمن المحتمل أن الطريقة التي تختار بها هذه الشركات ممارسة السلطة وتفاعلاتها مع الحكومات، سوف تشكل مسار مستقبلنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني، وغيرها.
ولذلك أيضا، ستظل الدول التي لا تُطوّر نظمها التعليمية ولا تخلق البيئات المشجعة للكوادر والكفاءات، ولا تستبق التغيرات البنيوية التي يعرفها العالم، من خلال استشرافها، مجرد أسواق لصرف منتجات وأفكار العالم الآخر، وحصونا ضعيفة سهلة على الغزو.
الأيام نيوز: في خضم ما تشهده الساحة التكنولوجية من تطورات، أهان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، واصفا إياه بـ“الشيطان“: ما دلالات وطبيعة هذا الوصف، وهل تبدو نهاية ماسك قريبة؟
عبد العالي زواغي: ينطلق هذا التوصيف الذي أطلقه هولاند، من الخلفية السياسية والفكرية الاشتراكية التي تطبعه، والتي تأتي على التضاد مع أفكار ومواقف إيلون ماسك، الذي يرى فيه أداة من أدوات الليبرالية المتوحشة التي يهمها الربح ولا تقيم وزنا للعدالة الاجتماعية، وأيضا يرى فيه عضدا لليمين المتطرف في أمريكا بزعامة ترامب، وهو التيار الذي لازال هولاند يكافحه وينتقده ويعتبره تهديدا للديمقراطية، إضافة إلى مواقف أخرى لماسك تناقض ما يؤمن به هولاند.
ولا أعتقد أن التجاذبات السياسية حول إيلون ماسك ومنصته سوف تؤثر عليه أو مستقبله، أولا لأنه رجل أعمال من أغنى أغنياء العالم وله العديد من الشركات، لاسيما تلك التي تشتغل على المستقبل، وثانيا لأن منصات التواصل الاجتماعي تعرف ازدهارا وتغلغلا متزايدا.