تعيش العلاقات بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية على وقع برودة غير معهودة، ترسّخت بشكل لافت منذ الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان إلى الجزائر، التي كشفت عن تقارب كبير في وجهات النظر بين الجزائر والرياض في العديد من الملفات.
من بين ما صرح به رئيس الدبلوماسية السعودية وهو يهم بمغادرة الجزائر عائدا إلى بلاده، إعلانه دعم الرياض لترشح الجزائر لعضوية مجلس الأمن الدولي من أجل الفوز بمقعد غير دائم، فضلا عن إشارته إلى وجود تعاون البلدين في بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك.
المراقبون ومن ورائهم النظام المغربي كانوا ينتظرون تصريحا من الأمير السعودي بشأن جهود الوساطة التي قالت وسائل إعلام مقربة من دوائر القصر الملكي في الرباط، إن الرياض تقوم بها من أجل تقريب وجهات النظر بين البلدين الجارين، بعد قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب الصائفة المنصرمة.
ردّ الجزائر الحازم على تسريبات الإعلام المقرب من القصر الملكي المغربي، على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، وتأكيده بأنه “لا توجد أية وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا”، وتجاهل الخارجية السعودية لاضطلاع الرياض بهذه الوساطة، وضع الرباط في حرج كبير أمام الرأي العام المحلي والدولي، وأعطى الانطباع بأن المملكة المغربية تتسول المصالحة مع الجزائر ولم تجد من يساعدها على معالجة هذا الملف الشائك.
هذه الأيام وعلى غير العادة، تحولت المملكة العربية السعودية إلى هدف للصحافة المغربية القريبة من النظام المغربي، بالنقد والتجريح ضد دولة (مملكة) تعتبر من أوفى الأوفياء للنظام المغربي على مدار عقود طويلة، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول هذا التحول اللافت في العلاقات المغربية السعودية.
من بين ما كتبته الصحافة المغربية، مقالا جاء تحت عنوان “رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي يدعو بايدن لعدم زيارة السعودية أو مصافحة ولي العهد لأنه “قاتل”، في واحد من أغرب المقال التي تكتب عن الرجل الأول الفعلي في المملكة العربية السعودية، ولي العهد، محمد بن سلمان.
ونقلت الصحيفة المغربية دعوة آدم شيف وهو نائب ديمقراطي ورئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب لمحطة (سي. بي. إس) الرئيس الأمريكي جو بادين، إلى عدم زيارة المملكة العربية السعودية. وأوردت نقلا عن شيف قوله: “ما كنت سأذهب. وما كنت سأصافحه. هذا هو الشخص الذي قتل مواطنا أمريكيا ومزقه إربا وبأبشع طريقة وبشكل متعمد”، في إشارة إلى الصحفي جمال خاشقجي، وذلك بينما كان يتحدث عن الأمير محمد بن سلمان.
من يقرأ هذه العبارات يعتقد أنها جاءت في صحف إنجليزية أو أمريكية، غير أن تلك العبارات جاءت في صحف دولة تعتبر حليفة للملكة العربية السعودية وهو معطى يدفع المراقب إلى التوقف مطولا حول خلفيات مثل هذا التحول المثير في موقف الصحافة المغربية من دولة محورية.
وفق بعض المراقبين فإن المملكة المغربية تشعر بخيانة كبيرة من شقيقتها السعودية في وقت جد حساس، فالرياض سايرت الجزائر في مسعاها الرامي إلى عقد القمة العربية المقبلة في الجزائر، رغم التحفظ المغربي، كما يعتقد نظام المخزن المغربي أن الرياض لم توظف كافة أوراقها في الضغط على الجزائر من أجل التصالح مع الرباط، بما يعيد لها الامتيازات التي فقدتها بعد قطع العلاقات الثنائية، مثل إعادة التزود بالغاز، ورفع الحظر المفروض على الطائرات المغربية فوق الأجواء الجزائرية.
والواقع أن العلاقات المغربية السعودية لم تكن خلال السنوات الأخيرة في مستوى ما كانت عليه في السابق، ولعل انسحاب المغرب من التحالف “العربي” بقيادة السعودية ضد اليمن يعتبر من أبرز مظاهر هذا الخلاف، الذي تجلى أيضا من خلال تصويت الرياض ضد احتضان المغرب نهائيات كأس العالم في سنة 2026.
