إنّ السياسة تُلقي بظلالها على كلّ شيءٍ في الحياة، ومن ذلك مجالات الآداب والفنون والإعلام.. ومنذ أسفر “التَّطبيع” مع الكيان الصُّهيوني عن وجهه بشكلٍ جليٍّ واضحٍ، وتجسَّد في التَّعاون السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي والسياحي.. فمن المُجدي التَّساؤل عن مكانة فلسطين في الأدب العربي المعاصر، وهل سيتأثَّر الأدب أيضًا ويتنكَّر لفلسطين والفلسطينيين؟ ومنطلق التّساؤل أنَّ الأدب – والفنون عمومًا – مجالٌ شعبيٌّ مرتبطٌ بروح المجتمع ووجدان الشُّعوب، ولكنه محكومٌ بالسياسة بشكل ما.. وإذا ما تسلَّلت إليه “لوثة” السياسة وأصابه مرض تأجير الأقلام وبيع الذّمم الأدبية، فإنَّ فلسطين التي هي “الإسمنت الذي يوحّد العرب”، كما قال الرئيس الراحل “هواري بومدين”، ستكون “الديناميت الذي يفجّر تلك الوحدة العربيّة” كما قال الرئيس أيضًا.. وسيكون الأدب من مجالات “التفجير” التي تؤثِّر سريعًا في فكر ووجدان الشُّعوب العربيَّة!
لا يُمكن الإجابة في سِياق عام عن مكانة فلسطين في الأدب العربي المعاصر، فلكلّ أديبٍ رؤيته الخاصة، انطلاقًا من تجاربه وكتاباته الإبداعيَّة وموقفه “الشخصي” الذي قد لا يستطيع التَّعبير عنه بجرأة لاعتباراتٍ عديدةٍ.. وقد توجَّهت جريدة “الأيام نيوز” إلى نخبة من الكُتَّاب العرب، ورصدت آراءهم حول مكانة فلسطين في الأدب العربي المُعاصر من منطلق أنَّ فلسطين هي القضية الوحيدة التي لم يختلف حولها الأدب العربي، وقد أثَّرت فيه وفي أدبائه منذ بدايات القرن العشرين، وتعمَّق التأثير والتّأثر بشكلٍ أكبر منذ خمسينيات القرن الماضي، فنادرًا ما يُوجد أديب عربي لم يكتب عن فلسطين.. فهل ما زالت فلسطين بهذه المكانة والقوة في عقل ووجدان الأديب العربي، على الأقلّ خلال هذا العقد أو العقود القليلة الماضية؟
لم نتجاوز في التساؤل إلى مستقبل فلسطين في الأدب العربي، بالنَّظر إلى الحرب الجهنَّميّة المُعلنة على الشعب الفلسطيني في “غزّة”.. فالزَّمن الرَّاهن يكشف كلّ يومٍ بأنَّ الأطراف التي تنكَّرت لفلسطين عديدةٌ، ابتداءً من العرب المُطبّعين، مرورًا بالضَّمير العالمي، وصولاً إلى الإعلام العربي والعالمي.. ونخشى أن يمتدَّ التنكُّر إلى الأدب، فقد تُكسر أقلامٌ أدبيَّة عربيَّة أو يتمَّ التّضييق عليها حتى لا تكتب عن فلسطين، وقد تستدعي الكتابةُ الأدبية عن فلسطين مُستقبلاً التّوقيعَ بأسماء مُستعارة أو تتطلّب “رخصة” للتَّعبير عن الوجدان الشعبي العربي، لا سيما في البلدان التي “طبَّعت”، وقد يصير اسم “فلسطين” من المُحرَّمات في قواميسها..
هي هواجس نُطلقها “مُستبقين” ما قد تؤول إليه الأمور حتى في مجال الأدب العربي ومختلف الفنون بالضّرورة.. وكلّنا ثقة ويقين أنَّ الأديب العربي لن يخون رسالته، ولن يُحمّل الأدباء الفلسطينيين مسؤولية مجابهة الكيان الصهيوني والإعلام الغربي، وفي الوقت نفسه، مسؤوليَّة مواجهة من يتنازل عن رسالته الأدبيَّة من الكُتّاب العرب حتى ولو كانوا من زمرة المُخربشين على شبكات التّواصل الاجتماعي..
فلسطين.. المتلازمة التي لم تغب يومًا
بقلم: مصطفى بشارات – كاتب وصحفي وباحث فلسطيني مختص بثقافة الصورة والنوع الاجتماعي
إذا كان تاريخ البشريّة لا يعدو كونه تاريخ الحروب حسب عالم الاجتماع الفرنسي “غاستون بوتول”، فإنَّ حقيقة ما جرى في هذه الحروب وما تسبّبت به من مآسي، بما في ذلك نكبة فلسطين، لا يمكن العثور عليها إلاّ في “الهامش” حيث ينمو الأدب ويزدهر بعيدًا، إلى حدٍّ ما، عن سطوة السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال؛ لذا جاء الحديث عن الأدب، والفن بعموم أشكاله، بوصفهما المعبِّر عن ضمير الأمة.

وحتى يكون ذلك مفهومًا، سأستعير ما قاله الشاعر الفلسطيني “فتحي رطروط”، ذات حديث إذاعي، حين اعتبر أنَّ ما قدّمه “محمود درويش” للقضية الفلسطينية يفوق ما قدَّمته “دزّينة من الفصائل”، وتقاطعت مع “رطروط” في ذلك الناقدة العمانية “سعيدة الفارسي” وهي تستعرض وقائع لقاءٍ شعري لـ “درويش” مع الجمهور الألماني في إحدى صالات معرض الكتاب العربي في “فرانكفورت”، وكيف غصَّت القاعة بالرُّواد الذين قدموا للاستماع إلى الشاعر بوصفه أحد أعلام القضية الفلسطينية المعبِّرين عن واقع الشعب الفلسطيني وآلامه وحقوقه وتطلعاته، ويومها لم يجد الشاعر لنفسه مكانًا فوقف مسندًا ظهره إلى أحد الجدران!
بناءً على ذلك، كان الاستهداف الصهيوني لمجموعة من ألمع الأدباء والمثقفين والصحافيين الفلسطينيين، ومن هؤلاء المناضل والصحفي “حنا مقبل” أحد مؤسسي صحيفة (فتح) الناطقة بلسان “حركة فتح” ورئيس تحرير مجلة (فلسطين الثورة)، وارتقى شهيدًا في جريمة نفَّذها الموساد الإسرائيلي عام 1984، ومن أشهر أقواله التي تعبِّر عن القضية الفلسطينية وفلسطين وماذا تعني وكيف يكون الانتماء لها “فلسطين هي هويّة نضاليّة، من يناضل من أجل فلسطين ولو ولد في الهنولولو، فهو فلسطيني ابن فلسطيني، ومن لا يناضل من أجل فلسطين، وإن ولد في القدس، ليس فلسطينيًّا ولا علاقة له بفلسطين”.
ومن هؤلاء أيضًا، بل أوّلهم، الشهيد “غسان كنفاني” الذي جمع في شخصيَّته بين المناضل والسياسي والأديب والناقد والفنان والمسرحي، وبعد اغتياله عام 1972 بأمر من رئيسة وزراء الكيان “غولدا مئير”، قالت الأخيرة إنَّ “إسرائيل” بذلك ” تخلَّصت من كتيبة من الفدائيين!”.
لذلك، ربَّما، كان عنوان أحد مقالات الكاتب المصري (محمد الخشاب) “فلسطين يحرِّرها الأدب العربي”، حتى أنَّه اختتم مقاله مؤكدًا “يبقى السؤال دائمًا قيد التفكير: متى ستُسعفنا الحقيقة لتحرير فلسطين كلٍ منا؟”، وهنا، وهذا يمثل نقطة انطلاق في أيّ حديث عن مكانة القضية الفلسطينية في الأدب العربي، يجعل “الخشاب” من هذه القضية بمثابة متلازمة في الكتابة لدى الأدباء والكتاب العرب، باعتبار أنَّ استقلال بلدانهم والحرية التي تتطلَّع إليها شعوبها ستبقى منقوصة طالما بقيت فلسطين محتلّة!
النّاقدة العمانية “فاطمة الشيدي” تؤكِّد كذلك على محوريَّة القضية الفلسطينية في الأدب العربي، مستشهدة على ذلك بالشعر، وتقول “إذا كان الشعر هو ديوان العرب، فإنَّ فلسطين هي قضيتهم الأولى”.
لكن أصدق من عبَّر عن تلك المتلازمة، التي أشار إليها “الخشاب”، هو الشاعر الفلسطيني “خالد أبو خالد” عندما توجَّه إلي وقال بلغة الواثق، وذلك خلال مقابلة إذاعية أجريتها معه قبل رحيله بفترة، “نحن سنلتقي في القدس – يا صاحبي – عاصمة فلسطين وعاصمة العرب، ودون القدس ليس هناك وطن عربي حر، القدس هي عنوان لمن يسكن الوطن العربي، والقدس هي فلسطين، وفلسطين هي الوطن العربي بكل ضفافه وأنهاره وبحاره، هذه هي القدس التي نناضل من أجل تحريرها”.
كما لم يكفّ الأدب الفلسطيني منذ نكبة عام 1984، عن كونه “أدب منفى”، وإن كان كذلك “أدب مقاومة” و “أدب معتقلات وصمود” – بالنَّظر إلى شعور حتى الفلسطيني الموجود في وطنه بأنّه مستلبٌ طالما بقي الاحتلال جاثمًا على أرضه – فإنَّ الأديب العربي لم يتنكَّر يوما للقضية الفلسطينية التي كانت بمثابة المتلازمة لمعظم نتاجاته الأدبية، تارة حضرت بالوعي وتارة باللاَّوعي. وإذا كان هذا الحضور يخفت أحيانا ويسطع أحيانا أخرى، وارتبط ذلك بأسباب سياسية فلسطينية وعربية مصدرها سياسيون من الجانبين.. فإنَّه لم يغب يوما!
فلسطين نبض اليراع المتجدّد
بقلم: أ.د. درية فرحات – قاصة وناقدة وأستاذة جامعة من لبنان
الوطن هو أرض وجماعة تتلاحمان وتنصهران في مدى من الزّمن وحركة التّاريخ. وتنشأ عبر هذا الـتّلاحم رابطة تجمع بين أفـراد هذه الجماعة وبين الأرض. ولم يكن من السّهل على كل جماعة أن تعيش عـلى أرضها من دون نشوب صراعات ونزاعات بين الأمم والأوطان، وقد تضعف أمّة في صراعها مع المحتلين والمستبدّين، وما يساعـد هذه الأمّة على البقـاء والصّمود لكونها ذات تاريخ وحضارة وتـجربة وطنيّة و قـوميّة أصيلة.. واستطاع الأدب شعراً و نثراً أن يكون الصـوت المعبّر عن الوطن بأرضه و شعبه، وأن يصوّر آلامه وآماله.
ولم يكن الشّعب العربيّ بعيدًا عن تبنِّي القضايا الوطنيّة، فالشّعور الوطنيّ والقوميّ الذي ساد المجتمع العربيّ في فترة السّتينيّات والسّبعـينيّات، تبعه ارتباط وثيق بالنّتاج الأدبيّ. ويمكن القول إنّ أبرز ما جمع أبناء الشّعب العربيّ هو قضية فلسطين، فكانت الأساس الذي بنى الأدباء نتاجهم عليه.
فلسطين هي الجرح النّازف الذي ألمّ بأبناء هذا الوطن، وفلسطين هي القضية المركزيّة لقضايا القوميّة العربيّة، وإذا برز في نتاج الأدباء ما يُحيل إلى النّهج القوميّ، فإنّ الحديث عن فلسطين هو جزء من هذا النّهج. إنّ هذا الوطن المذبوح علّم من حوله معنى النّضال، وأصبح الحلم بواقع جديد أمرًا مطلوبًا ولن يتحقّق إلاّ بالنّضال.
وظلّت فلسطين نبض الأدب، ومُحرّك المشاعر الإنسانيّة، فإذا تصفّحنا نتاجات الأدباء سنعيش معهم هذه الصّورة الواحدة المعبرّة عن عمق القضية الفلسطينيّة، وعن حقّ العودة، وعن إحساس الانتماء إلى الأرض الطّاهرة، على الرّغم من اختلاف السّياسات أو ما بتنا نراه من دعوات إلى التّطبيع من قبل الحكومات، لكن الدّعم الشّعبي ظلّ معبّرًا عن روحيّة طاهرةٍ صادقةٍ تؤكّد حق الفلسطينيّ بأرضه.
ومع كلّ انتفاضة في أرض فلسطين، ينتفض القلم العربيّ لينقل المشاعر والأحاسيس، فالكلمة أمضى الأسلحة، وقد قيل إنّ من بين جميع أسلحة الدّمار التي يستطيع الإنسان ابتكارها، تعدّ الكلمة هي الأكثر إثارة للرّعب، فهي تستطيع التّدمير من دون أن تترك أية أدلّة.
وقد عرف الأدب العربي أقلامًا كبيرة ظلّت فلسطين نُصب أعينهم، ولن ننسى الكثير منهم، وظلّت كلماتهم شعرًا ونثرًا شواهد تتكرّر على ألسنة العامة، وذلك لأنّها تعبِّر عن تجربة صادقة وعن مشاعر حقيقيّة، ولن يصعب علينا أن نختار منها النّماذج العديدة، ولم يقتصر الأمر على تلك الأقلام.. فإنّ الحبر لم ولن يجف.
وها هي “غزّة” الآن تجدّد هذا السّيلان، فنعود نشمّ معها عبق النّصر، فقاسم الحريّة يجمعنا، وشيمة الكرامة تظلّل سماءنا، وسيل النّضال ديدننا.
إنّ نضال أبناء فلسطين و”غزّة” الأبيّة يكرّس لجماهير الأمّة أنّ العين تقاوم المخرز، وأنّ زمن الهزائم قد ولّى، وأنّ ثقافة المقاومة هي صمّام أمان الكرامة والعزة والعنفوان واسترداد المقدّسات، إنّ نضالهم ينسج خيوط التلاحم بين شعوب الأمّة، وينشر وعيًّا بأنّ ناهبي المقدّسات والمُتعالين على البشرية يبرزون جمعًا وقلوبهم شتّى… وأنّ المستقبل لطالبي الحياة بكرامة.
قد نذرف دمعة ودمعة تسيل على مذبح الحريّة، قد نتألم لصورة طفل يحضن أملًا برؤية مستقبل بهيٍّ، فتخونه الحياة وتسرق منه النور، قد نتوجع لسماع آهات امرأة ثكلت برحيل الأحبّة، قد نخفي وجوهنا عند رؤية رجل كسرته القذائف، فجعلته عاجزًا عن لملمة أشلاء أبنائه، قد نغلق أعيننا عند رؤية عجوز أثقلته أصوات القنابل فأحنت كتفيه وجعلته يركع قرب ركام بيت أعلى مداميكه سنة بعد أخرى، قد نصمّ آذاننا عن عويل صوت سيارة إسعاف تنقل شهيدًا تلو شهيد أو جريج وراء جريح، وقد وقد وقد…
لكنّنا لن ننسى أن نرفع هاماتنا فخرًا بما فعلت زنود أبناء فلسطين، وسنشنِّف آذاننا لزغاريد البنادق ترمي العدو بزخّات الطّلقات، وستحلّق أعيننا مع كلّ الصّواريخ تدكّ معاقل الجبناء، وسيبتهج العقل لخبريَّات الأسرى الذين وقَّعوا بقبضة الأشاوس المقدامين..
نعم هكذا تظلّ فلسطين هي القضية المركزيّة التي لن يحيد عنها أيّ شريف حر، قد تختلف رؤية أديب عن آخر، في طريقة التّعبير عن هذه القضية الجوهرية، لكنها راسخة ثابتة، فقد نعبّر عنها شعرًا أوسردًا.
ولأنّني أعيش مع غزة… مع فلسطين، فقد حرّكت المشاهد الأليمة يراعي في قصص قصيرة جدًا، تحاول أن تنقل هذه الصّور في أسلوب سرديّ:
“الجريلين Ghrelin“
مرّت أيّام ومعدته خاوية، إلّا ما يسدّ الرّمق، البيت فارغ، والسّير في الطّرقات محفوف بالمخاطر.
أثلج ريقه رائحة طيبة فاحت في أرجاء البيت، دغدغت هرمون الجريلين في معدته، وأوصلته إلى طبق فيه إدام. نظر إلى أمّه شاكرًا تعبها.
هدرت أصوات القذائف فوقه، ركض سريعًا جائعًا إلى كرامة تحميه من عدوان غاصب، توزّعت أشلاؤه على طريق القدس، وظلّ طبقه ساخنًا يبحث عن جائع.
لقاء
جاءوا من كل حدب وصوب، تعارفوا، تعدّدت الطّرق والأحياء التي أتوا منها.
تركوا وراءهم مقاعد دراسيّة فوقها كتاب مفتوح على درس الحقّ والسّلام.
ارتحلوا من الأرض إلى السّماء، وفرحوا بلقائهم على طريق القدس.
رضيع
سكَن في رحمٍ، يقتات روحيًّا وماديًّا، وفي أعماقه عالم آخر يستعجل أيامه ليهنأ بملذّاته، فمن حكاية الحياة عرف بأنّ آدم وحواء خُلِقَا لعمار الأرض، ومن جلجامش أخذ أسطورة الخلود.
ولم يعلم أنّ وراء الأكمة غيلان تغدر برحيق الأمل، وتسلب الحياة ورْدات الجنّة، فعاد مع الرُّضُع على طريق القدس إلى الرّحم الأكبر.
فلسطين والمشهد الأدبي العربي
بقلم: ثامر سعيد – شاعر وكاتب من البصرة – العراق
ربّما قد يغبن هذا العنوان الكثير من الأدباء غير العرب الذين دافعوا عن القضية الفلسطينية في مواقفهم الشخصية أو مُنتجهم الأدبي باعتبارها قضية إنسانية تجسد معاناة شعب تعرَّض للظلم والتقتيل والتهجير في حضرة ما يسمى كذباً بالعدالة الدولية وحقوق الإنسان. ولا بدَّ أن يحضر أمامنا هنا الكولومبي الكبير “غابرييل غارثا ماركيز” الذي ناصر نضال الشعب الفلسطيني في أكثر من مناسبة، ورفض زيارة الكيان الصهيوني، وتحديدًا بعد حصوله على جائزة “نوبل للآدب”.
ولم نتوقف عند “ماركيز” في هذا الموقف الإنساني النبيل، فهناك طابور طويل من الأدباء يمتدّ من شرق أوروبا حتى غربها، ومن أقصى الجنوب الإفريقي حتى شمال العالم الإمبريالي.
لكن تبقى هذه القضية في صميم المشهد الأدبي العربي شعرًا كان أم نثرًا، ولم تزل – أو تهون وتضعف – رغم كل محاولات الانبطاح والتَّطبيع منذ “كامب ديفيد” حتى يومنا هذا. وهي القضية التي هي الأهمّ من بين قضايا الأمة العربية الكثيرة التي لم يختلف فيها وعليها مشهدنا الأدبي العربي بمختلف أجناسه..
فمنذ “وعد بلفور” المشؤوم في العام 1917، والذي مهّد لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وحفّزهم على النّزوح من شتات الأرض، بدأ الوعي الجمعي العربي يتوجّه إلى التصدي لهذه الفكرة الإمبريالية المقيتة من خلال الأقلام العروبية في كثير من الصحف والدَّوريات وقتذاك في مصر والعراق والجزائر والشام وغيرها من البلدان العربية رغم كونها تحت السلطات الاستعمارية والانتدابات..
استقرَّت قضية فلسطين في صميم الأدب العربي المعاصر، وتنامت جيلاً بعد جيل، وتأجَّجت في حقب متوالية بدءًا من حقبة المذابح العنصرية التي اقترفتها عصابات الهاجاناه الصهيونية منذ العام 1921 في القدس إبّان الانتداب البريطاني على فلسطين، وتغاضي ذلك الانتداب عن تلك المجازر، مرورًا بحروب: 48 و67 و73، ليتشكَّل أدب (القضية الفلسطينية) الذي تبنّاه أدباءٌ عربٌ ملتزمون بقضيتهم المركزية، رغم متوالية الانتكاسات الحربية وفقدان الأرض بشكل تدريجي وفقًا للاتفاقيات جائرة.
إنَّ الصراع العربي الصهيوني كان صراعًا وجوديًّا دينيًّا قوميًّا، لذا تمركز أدب القضية على محاور القوميّة والوجود، وهذا هو السبب الأهمّ الذي جعل أدب المقاومة يستمرّ ويتصاعد.. ما زال هنالك احتلال وقمع وتوسّع استيطاني يستفز الروح العربية والعقل العربي الذي ما أنفك يرنو إلى تحرير كل التراب الفلسطيني المحتَلّ، وإنصاف الشعب المُبتلى بسياسات الكولونية المقيتة.
لا أريد في هذه الكتابة السريعة استعراض أسماء كل الأدباء الذين تصدّوا للدفاع عن هذه القضية المركزية، ولكن أودّ الإشارة إلى ثلاثة أصناف منهم الصنف الأول وهم أدباء فلسطينيون، والثاني أدباءٌ عرب من خارج التراب الفلسطيني، والثالث من أحرار العالم الذين يعتبرون الهمَّ الإنساني همًّا مشتركًا يتوجَّب الدفاع عنه من خلال الإشهار والمغامرة وتحدّي النُّظم السياسية التي تحكمهم.
وأخيرًا أرى أنَّ من الواجب والحتمي علينا كأدباء أن نتعامل مع قضية فلسطين كونها قضية تاريخ ومبدأ ودين وكرامة لا يجب التخلِّي عنها كي لا نقترف سوءة سوداء تلطِّخ تاريخنا وإنسانيتنا.
وطني الأسمر.. أحبّك وأكثر
بقلم: سحر عيسى جويلس – كاتبة وشاعرة ومديرة مدرسة ومركز تعليمي من مدينة الخليل – فلسطين
عند الحديث عن فلسطين، لا بدّ أن نعود إلى الوراء فقضيتنا لا زالت شائكة، لم ينته الاستعمار فهو استعمار عقائدي، الهدف منه القدس والأقصى، ولا خلاف في أنّ جلّ الشعراء العرب سخَّروا أقلامهم لخدمة القضية الفلسطينية، كما شعراء فلسطين الأم، مثل: سميح القاسم، محمود درويش، فدوى طوقان.. والعديد من الشعراء الحاليين، فكلّ جيل يسلِّم راية النضال الوطني لمن يأتي بعده، حيث أبدع الشعراء في الشعر الحرّ، وكانوا الأكثر إبداعًا، وتطويرًا لهذا النمط، فمن أفضل منهم ليعبّر عن مآسي وطنه الجريح؟، فقد جسّدوا النكبات والمجازر، والهزائم والانتصارات، منذ “وعد بلفور”، والانتفاضة واللاجئين، وتقاعس الحكام العرب عن نصرتهم.. وكذلك في الشعر العامودي، وخير من وظَّف الرَّمز هم شعراء المهجر كأمثال: إيليا أبو ماضي، إلياس فرحات.
من النادر أن نجد شاعرًا لم يُنشد لفلسطين، فالجرح الفلسطيني ينزف في العراق والشام ومصر والمغرب العربي، ومن أهم دوافع اهتمامهم… البعد الديني، فالقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين، والانتماء القومي العربي الحرّ كان حاضرًا في فضح جرائم الاحتلال، على سبيل المثال من مصر: علي طه، أمل دنقل. ومن العراق: نازك الملائكة، علي الحلي. من سوريا: نزار قباني، عمر أبو ريشة. ومن لبنان: خليل مطران.. وغيرهم الكثير.
وعن مكانة القضية الفلسطينية في الشعر العربي الجزائري أنموذجًا… ظهرت أول قصيدة سنة 1929 في الشعر الجزائري، رغم الاستعمار، وملاحقاته للشعراء والكتّاب، مثل: محمد العيد آل خليفة، أحمد سحنون، صالح خرفي، محمد بوزيدي، محمد الأخضر.. كلُّهم كانت فلسطين قضيّتهم المحوريّة، في الشأن السياسي، والأدبي معًا.
وحالي كحال معظم الشعراء والأدباء العرب، بوصلتنا واحدة، وحرفنا نحو القدس الشريف، وفي كل مشاركاتي الثقافية في بلدان الوطن العربي كانت فلسطين الحاضرة الأولى في أولى كلمات الأدباء العرب ومشاركاتهم، وهذا إن دلّ إنَّما يدلّ على عمق الانتماء والالتزام بالقضية الفلسطينية..
أختم حديثي بقصيدة من ديواني “وطني الأسمر أحبك وأكثر”..
أصحو باكرًا…
أصحو باكرًا لأعجن رغيفًا
من جمر قلبي
فأنا إن جعتُ
أقضم لقمةً من خبز أرضي
أغمسها فتاتًا بالزّيت والزّعتر
أمضغها بلعاب من الصبَّر والجلَد
فتنبت بأحشائي سنابل القمح
يطلع الفجر
يشتدُّ عودي
فتزهر أغصاني
وتشدو بزغاريد
العز والفرح
ختامًا، كلِّي شكرٌ وامتنان لاهتمامكم بقضية العرب الأولى فلسطين، ولهذه المساحة الصادقة التي منحتموني إيَّاها لتسليط الضوء على قضيتنا.. قضية العرب والمسلمين.
قبل النكسة وبعدها… هل أنصف الأدبُ العربي قضيةَ فلسطين؟
بقلم: محمد سيد أحمد عقبة – أديب وباحث لغوي وخبير تربوي من مصر
فلسطين هي قضية معاناة وجهد ومصابرة ومجالدة وجهر بالشكوى ضد التسلّط والاستبداد الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني وكل عربي أصيل معه.
فلسطين، تلك الأرض التي توالت عليها موجات عديدة من الاستعمار، وضربت بقاعها الفوضى على مدار قرون عديدة.. منذ فجر التاريخ وفلسطين أرض بلا راحة ولا هدوء ولا استقرار إلاّ في سنوات نادرة قليلة، وما هذا إلاَّ لأنَّها أرض قيِّمة نادرة مطلوبة محبوبةٌ، ومركز رائع لكل من أراد حُكمًا وسلطانًا، وأرض الأنبياء بكل يقين، ولها مهابة دينيَّة لا تضاهيها إلاَّ مهابة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة على ساكنها محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وإذا تتبَّعنا تاريخ الشعب الفلسطيني، سنجد أنّ المقاومة والتحدي والتصدي جزءٌ أصيلٌ من تكوينه، بل تكاد كلمة المقاومة تختلط بدمه ويتشرَّبها أهله كابرًا عن كابر، حتى صارت الجينات الخاصة بكل منه تحمل جينًا اسمه المقاومة والتصدي، والأمة العربية بأسرها تشهد لأهلها بذلك، بل ويشهد العالم بأسره لهم بذلك.
بعيدًا عن دهاليز السياسة التي لا أحبها ولا أقدّرها، لا يكاد يخلو بيت فلسطيني من مقاوم أو شهيد أو مصاب على مرّ تاريخ البلد، فالكل ضحّى بأغلى ما عنده من أجل تراب وطنه، ولم يعلن الاستسلام أبدًا رغم ما أصابه، بل أعلن دائمًا أنّه لن يبيع تراب وطنه، وسيظل متمسّكًا بمفاتيح بيته وسيعود وإن طال الزمان.
يمكنني القول بلا تردُّد، إنَّ الأدب الفلسطيني هو أدب المقاومة والتصدّي والثورة والتحدّي.. إنَّ الأدب الفلسطيني كان ولا يزال ملتزمًا برسالة وطنية حياتيّة بقائيّة منذ عام 1948، ومرورًا بعدوان 1967، وتوالي الانتفاضات وحتى طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من عام 2023.
برزت لنا أسماء مثل: حنا أبو حنا، توفيق زياد، راشد حسين، جمال قعوار، سالم جبران، حبيب قهوجي، سميح القاسم.. الذين عبّروا عن العرب بعد حرب 1948، وكيف أنّهم لن يسلِّموا الوطن حتى وهم تحت نير العدو الصهيوني البغيض.
وكانت أشعارهم وقصصهم ورواياتهم ومقالاتهم: ذاتية تعبّر عن مأساة شخصية، ووطنية تعبّر عن هويتهم، وقوميّة تعبّر عن مشاكل عروبتهم وانتصارها وانكسارها، وأمميّة لتنشر للعالم الأذى المتعرِّضين له من طرف الصهاينة، وإنسانية معبّرة عن الصراع العربي الصهيوني وليس الصراع اليهودي العربي.
لكن الملاحظة الكبيرة أنَّ شعر المقاومة جاء في جملته غنائيًّا، وإن لم يخل من المعالجة القصصيّة والمسرحيّة في قصائد: محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، سالم جبران.. وقد لجأ الجميع إلى اللغة العربية البسيطة السّهلة الواضحة التّركيب والعبارات حتى يفهمها الناس، ويردِّدونها في الشوارع والطرقات، وليسهل حفظها على مدار السنوات والعقود.
يقول الكاتب والمؤرِّخ الفلسطيني “إميل توما” وهو من الذين أقاموا في فلسطين المحتلة تحت مُسمّى عرب 48: “ليس هناك عند (إسرائيل) ما يغزوننا به ثقافيا؛ إذ ليس لديهم سوى ثقافة عسكرية، ليس لديهم فولكلور ولا أزياء ولا موسيقى ولا فكر، أمّا فيما عدا ذلك، فهي عمليات سطو على الثقافة الفلسطينية وعلى الأزياء والمأكولات والموسيقى وما إلى ذلك من ثقافة، ومن هنا فليس لدى (إسرائيل) من شيء تغزونا به إلاّ الناحية العسكرية، وهذا هو الحاصل الآن”.
إنَّ الإبداع الفلسطيني يشكِّل هوية الشعب ومظاهر المعاناة الشعبية والمقاومة المستمرة التي لم تنقطع بحثًا عن الحق الفلسطيني في الأرض والوطن والتراب والتاريخ والثقافة والهوية العربية في كل شبرٍ من أرض فلسطين.
في انتفاضات الأمم ومعاركها وبناء أمجادها.. للأدب دور التكوين والقيادة والخلود شرط أن يكون ناضجًا وشجاعًا ومُعبّرًا عن الحقيقة، وبقدر القوة والحصافة واستلهام تاريخ الأمة وحاضرها ورسم مستقبلها؛ يكون خلود الأدب وبقائه ونموه وازدهاره.
وجهة نظري الثابتة، أنَّ الكبار أمثال: الكواكبي، محمد عبده، الأفغاني، اليازجي، البستاني، البارودي، أحمد شوقي، العقاد، طه حسين.. والنوابغ مثلهم في كل الوطن العربي هم أساس انتفاضة الشرق الأوسط، ومصدر يقظته وتفرُّعه وثباته، والأدب جزء من كيان الأمة ووجدانها وطاقته الذي تمدّها بروافد الوجود والبقاء والديمومة، ولا شك.
في بداية النكبة الفلسطينية، كان أدباء فلسطين وحدهم في مواجهة العدوين الصهيوني والبريطاني، ويصارعون قوى الاستعمار العتيدة وحدهم، وحاولوا إثارة العرب ليقفوا معهم، ولكن كانت محاولات العرب خجولة على استحياء، ولو كان الأدب العربي كله في صفهم وشحذ همّة الأمة العربية معهم لما تأخّرت القضية عن الحلّ حتى يومنا هذا.. إنَّ الأدب لا بدّ أن يسبق الحوادث ويتحسّس المستقبل وينبّه الغافل ويخرق الحجب ويمزّق الظلام ويهيئ الأفكار ويوقظ النائم ويعيدنا إلى جادَّة الصواب.
على عكس الصهاينة ومن تابعهم من دول العالم، فقد استعدّوا للمعركة باكرًا، وتشبّعوا بأفكار الصهيونية العالميّة، وحشدوا الحشود ورتّبوا الأمور حتى صارت فلسطين ضحيّة مُستساغة سهلة بين ضروسهم وطواحنهم.
وبعد اشتعال الحرب وضياع الجزء الأكبر من أراضي فلسطين، انتبه العرب وأدباء العرب إلى ضرورة اليقظة وشحذ الشعوب وتهيئة الناس للمعركة القادمة، وصارت قضية فلسطين هي قضية الأدب والثقافة والفكر، وهي المُعبِّر عن لسان الصدق والفهم والحب للعرب والإسلام.
فتناولوا القضية من جميع أبعادها، وبينوا للناس النتائج المترتّبة على خسرانها، ووضّحوا معاناة الشعب الفلسطيني مع المحتلّ البغيض، وخذلان المجتمع الدولي، وتخلّي أصحاب القوة والصوت عنها.
ومن ذلك ما قاله الشاعر فؤاد الخطيب:
هو الصوت دوى من فلسطين عاليا — وأوغل يغشى الشرق والغرب باكيا
فهل سمعت منه العروبة من صدى — وهل نشدت للعار بالسيف ماحيا
هي الجولة الأولى وللعرب كرة — وغير بعيد كل ما كان آتيا
وقد عرفت عنا فلسطين أنّنا — وإن نحن فارقنا استطعنا التّلاقيا
وما قاله الشاعر محمد علي السنوسي:
هزّوا الجزيرة من أركانها حردا — وأشعلوا الشرق من أقطاره غضبا
إنّ الحياة جهاد والجدير بها — من غالب العاصفات الهوج والثّوبا
وقال محمد المسيطير أخذًا بالثأر:
قلوب أهلي على الأوطان محدقة — وعن فلسطين عين القوم لم تنم
بالثأر بالصيحة الكبرى تضجّ قوى — بالنار أمطرهم من وابل حمم
أنا الذي أصنع التاريخ مهتديا — ساطع الحق أجلو حندس الغمم
يا دولة قوم الباغون سطوتها — وساقها الغدر من عاد ومن إرم
قد أوجب المجد أن نحيا على كرم — أوجب الله أن نبقى على شمم
لا زلت أرى أنَّ الشعر حاليًّا، وفي هذا العصر تحديدًا، في إجازة إجبارية طويلة جدًّا، ولم يعد ينتشر صيته كما كان سابقًا، ولم تعد القصائد تنتشر بسرعة كما كان في أيام: شوقي وحافظ والبارودي والعقاد واليازجي والرصافي والمازني.. فقد كان العرب ينتظرون قصائدهم انتظار البردان للشمس المشرقة، والأرض الجرداء للمطر، وتأخذ شهورًا بين تعليق وتحقيق وحوار ونقاش، ولكنه الركود الأدبي الكبير.
ويمكنني القول إنَّ الشعر العربي بعد النكبة وبعد الثورات الفلسطينية المتعددة، وخاصة الشعر الفلسطيني، استطاع ترسيخ وبناء هوية ثقافية عربية مقاومة للاحتلال، ومجسِّدة عن طريق اللغة واقع الاحتلال المرير، بروح ثوريّة فلسطينية تقاوم بكل السبل، وتؤمن بحتميّة الانتصار على هذا العدو.
ولا زلت أرى أنَّ الفلسطينيين من بني فلسطين هم المُعبّر بحماسة شديدة عن فلسطين وقضيتها بكل أركانها.
لقد شكَّلت فلسطين ديوان شعرها من أبنائها، فهي ديوان الشاعر المقيم تحت الاحتلال، وهي ديوان الشاعر المشرَّد في المخيَّمات والمنافي، فكان على رأس هؤلاء الشعراء: فدوى طوقان، إبراهيم طوقان، محمود درويش، سميح القاسم، عزالدين المناصرة، توفيق زياد، كمال ناصر، يوسف الخطيب، فدوى طوقان، إبراهيم نصر الله، مريد البرغوثي، توفيق صايغ، أحمد دحبور، معين بسيسو، سلمى الخضراء الجيوسي، راشد حسين.. وغيرهم ممَّن يُعدّون بالآلاف.
وفي الأخير، أختم بهذا المقطع الجميل للشاعر الكبير “نزار قباني” الشاعر العروبي الثائر كما أحبُّ أن أسمّيه، فقد تأثر كثيرًا بالأحداث التي أصابت الأمة العربية، فكتب لفلسطين والقدس وبيروت وبغداد… وقد أفرد دواوين شعرية لقصائده السياسية، فاحتلَّت فلسطين جزءًا كبيرًا، منها هذه القصيدة التي يحفظها الصغير والكبير في العالم العربي.
يا قدس يا منارة الشرائع
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
حزينة عيناك يا مدينة البتول
يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول
حزينة مآذن الجوامع
حزينة حجارة الشوارع
من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟
من ينقذ الإنجيل؟
من ينقذ القرآن؟
وستظل فلسطين قضيتنا حتى الحرية، ومع احتلال الأرض الفلسطينية وحصار الشعب الفلسطيني والتَّعتيم على حقوقه، ومع محاولات الإبادة الجماعيّة والتصفية الجسديّة والنفسيّة والحضارية لهذا الشعب، فما زال صوته يرتفع متخطيًّا الحواجز والسدود.. ولن يقف أبدًا الإبداع الفلسطيني عند حدٍّ، ولن يكتم صوت الطفل أيّ سدٍّ، بل سيظل يخفق عاليًا في سماء العالم، “عربيٌّ أنا أرضي فلسطين”.
فلسطين في الأدب العربي المعاصر..
شعر د. جمال مرسي أنموذجًا
بقلم: د. بسيم عبد العظيم عبد القادر – شاعر وناقد أكاديمي، رئيس لجنة العلاقات العربية باتحاد كتاب مصر
فلسطين هي القضية الوحيدة التي لم يختلف حولها الأدب العربي، وقد أثَّرت فيه وفي أدبائه منذ بدايات القرن العشرين، وتعمَّق التأثير والتّأثر بشكل أكبر منذ خمسينيات القرن الماضي، فنادرًا ما يُوجد أديب عربي لم يكتب عن فلسطين.. وما زالت فلسطين بهذه المكانة والقوة في عقل ووجدان الأديب العربي.
يا أخت أندلس عليك سلام
فمنذ عصر “صلاح الدين الأيوبي” وقف الشعر بجانب السيف في مواجهة الحروب الصليبية وتحرير القدس، وكان لصلاح الدين شعراؤه، كما كان الشعراء من قبل في مواجهة التّتار الذين أسقطوا الخلافة العباسية.. ثم كان العصر الحديث وكان سقوط الخلافة الإسلامية على يد “كمال أتاتورك”، وواكب أمير الشعراء هذا الحدث فكتب في رثاء الخلافة الإسلامية قصيدته:
يا أخت أندلس عليك سلام — هوت الخلافة عنك والإسلام
وقد تمَّ تقسيم الدول العربية على دول الاحتلال الأوروبي، وكانت معاهدة “سايكس بيكو”، وظلَّ بعضها تحت الاحتلال مائة وثلاثين سنة مثل الجزائر، وتفاوتت فترات احتلال الدول العربية، وكان الشِّعر والخطابة السياسية والمقالات والخطب والقصة والرواية والفن من وسائل مقاومة العدو المُحتلّ.. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب — بكل يد مضرجة يدق
لن أكتب إلاَّ لفلسطين حتى تتحرّر
وفي عام 1948م، قامت الحرب بين العدو الصهيوني، والدول العربية، عقب إعلان “دولة” الكيان الصهيوني الغاصب، ومن يومها حتى اليوم والقضية الفلسطينية هي لبّ اللّباب ومحور الأدب المقاوم، وعندما قامت انتفاضة أطفال الحجارة في ديسمبر 1987م، واكبها الشعر والشعراء، فعبَّروا عنها وشاركوا فيها حتى إنَّ بعض الشعراء أطلقوا على دواوينهم أسماء قصائد شاركوا بها في هذه الانتفاضة، وأنا شخصيا أطلقت على ديواني الأول الصادر عام 2004م، “هموم وأشجان”، وهو عنوان قصيدتي عن انتفاضة أطفال الحجارة، وهناك دُور نشرٍ خصَّصت سلسلة لأدب القدس، ونشرت بها دواوين للشعراء من الأمّة العربية كلها، ومن فلسطين بصفة خاصة ومنها ديوان “غزة الصامدة”، وهو باقة من قصائد شاعر فلسطين “هارون هاشم رشيد”، وهو رقم 16 في سلسلة أدب القدس بمركز الإعلام العربي الصادر عام 1434هـ / 2013م، وقد صدر بمقدمة للنَّاشر عن أهمية الكلمة في ساحة الجهاد لنصرة فلسطين والأقصى الحبيب، تلتها مقدمة بعنوان “هارون هاشم رشيد شاعر الحلم الفلسطيني” بقلم الصحفي “صلاح عبد المقصود”، تحدَّث فيها عن تزامل القلم والسلاح معًا في ساحة المقاومة الفلسطينية، فكان الشِّعر رديف البندقية في مواجهة الاحتلال الصهيوني للأرض المباركة، ثم تعريف بـ “هارون هاشم رشيد” ودور شعره في المقاومة لدرجة أنَّ الكثيرين حاولوا إقناعه بكتابة شعر غزلي، ولكنه رفض قائلاً: “لن أكتب إلاَّ لفلسطين حتى تتحرر”.(انظر غزة الصامدة ص 13)
صرخة الأقصى
إنَّ معظم الشعراء العرب كتبوا في القضية الفلسطينية، لكنه لا يوجد شاعر خصَّص كل نتاجه الأدبي والشعري لصالح القضية، غير “هارون هاشم رشيد”، الذي يرى أنَّ أفضل من كتب عنها هما الشاعران: “محمود حسن إسماعيل، وعلي محمود طه”. (غزة الصامدة ص15).
وتكشف النَّماذج الشعرية عند “هارون هاشم رشيد” عن “مدى غيرته على وطنه وأقصاه، وروح الأمل التي تسكن وجدانه، ويستشعر معها قرب النَّصر، وكذلك قدر اعتزازه بالعقيدة، وكيف يمكن أن يكون الاعتصام بالله أقوى أسباب هذا النصر، حيث يقول في قصيدته: “صرخة الأقصى”
المسجد الأقصى يباح ويهدم — والعالم العربي غاف يحلم
المسجد الأقصى يدور بساحه — الآثمون الغادرون ويظلم
المسجد الأقصى على أفواهنا — نغم نردده وشعر ينظم
المسجد الأقصى وفي كلماتنا — وعد بنصرته وعهد يبرم
هو ثالث الحرمين أول قبلة — للمسلمين نقولها ونسلم
وردة على جبين القدس
وفي قصيدته: “وردة على جبين القدس” يقول هارون هاشم رشيد:
الله أكبر.. فجرت تتردد — والقدس شاخصة المآذن تشهد
“الله أكبر”.. يوم أطلقها الفتى — عبرت إلى أم الشهيد، تزغرد
قالت لها: ثاراتنا لما تزل — نبراس ثورتنا، يضيء، ويوقد
من قال: أنا قد نسينا ثأرنا — أو أننا عن ثأرنا نتردد؟
عين بعين، لن نغير نهجنا — سن بسن، شرعة تتجدد
“الله أكبر”.. يوم فجرها الفتى — رفت، كطير في السماء يغرد
والمتصفح للديوان والمستعرض لقصائده يشعر بلا شك بأهميّة الكلمة الشاعرة في نصرة القضية الفلسطينية.
رسائل المثقفين إلى غزَّة..
وهناك شعراء كثيرون لعبوا دورًا مهمًّا في نصرة القضية الفلسطينية منهم: الشاعر إبراهيم طوقان والشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود ومحمود درويش وسميح القاسم ود. عبد الرزاق حسين وبسام دعيس أبو شرخ، وحتى شعراء الغزل مثل نزار قباني وفاروق جويدة.
وقد خصصت “أخبار الأدب” عددًا خاصًّا بعنوان: “رسائل المثقفين إلى غزَّة: تحية إلى الصامدين” (العدد 1982ـ 5 من جمادى الأولى 1445هـ / 19 من نوفمبر 2023م)، وتابعت النشر عن القضية الفلسطينية في العدد التالي، بعنوان: إدوارد سعيد ومحمود درويش وغسان كنفاني.. حوار افتراضي حول المشهد الدامي في غزة، كما قدّمت في العدد نفسه تغطية للندوة التي أقيمت حول كتاب “اغتصاب الذاكرة: الاستراتيجيات الإسرائيلية لتهويد التاريخ” للكاتب الصحفي “إيهاب الحضري”، والتي عقدت بفندق بالدقي، وتشرَّفتُ بالدعوة للمشاركة فيها مع نخبة من العلماء والأدباء والصحفيين والإعلاميين.
الأزهر والقضية الفلسطينية
كما أنَّ مجلة “الأزهر” خصَّصت عدد جمادى الأولى 1445هـ/ نوفمبر وديسمبر 2023م لقضية فلسطين، وعلى غلافه صورة لمجاهد يحمل علم فلسطين، وكتب تحت الصورة: “الأزهر للمقاومة الفلسطينية وأهل غزة: تحية طيبة من عند الله مباركة لكم أيّها الأبطال”، وأصدرت ملحقين بالمجلة تضمنَّا بحوثًا لكبار العلماء قدّمت في مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية حول اليهود والصهيونية العالمية والمسجد الأقصى والقدس وفلسطين، تحت عنوان: الأزهر والقضية الفلسطينية، أحدهما بعنوان: “توصيف عداوة اليهود”، والآخر بعنوان: “بشائر النصر ووسائله” وقدَّم للكتابين أمين عام مجمع البحوث الإسلامية ورئيس تحرير المجلة أ.د. نظير محمد عياد.
وأصدرت مجلة “الهلال” عددًا خاصًّا هو العدد 1570 ـ ديسمبر 2023م بعنوان “فلسطين المقاومة” استكتبت فيه عددا من الأكاديميين والأدباء والصحفيين والفنانين.
القضية الفلسطينية في شعر د. جمال مرسي
الشاعر د. جمال مرسي، شاعر مصري معاصر وصاحب قناديل الفكر والأدب، وهو يكتب الشِّعر العمودي وشعر التفعيلة، وقد غلب على قصائده عن القضية الفلسطينية الشعر العمودي… وسينصب حديثنا حول آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وهي “طوفان الأقصى” وموقف الشاعر من القضية الفلسطينية في ضوئها.
على شطّ غزة
ففي يوم انعقاد قمة الدول العربية والإسلامية في “الرياض” يكتب شاعرنا د. جمال مرسي قصيدته “على شطّ غزة”، وهي قصيدة قصيرة نسبيًّا من خمسة عشر بيتًا على بحر المتقارب، يقول فيها:
عَلَى شَطِّ غَزَّةَ كَانَ انتِظَارِي.. — نَقَشتُ عَلَى رَملِهِ اْلمَوعِدَا
رَأَيتُكِ كَالنِّيلِ شَقَّ الحِصَارَ — بِرَغمِ المَعَابِرِ، رَغمَ العِدَى
فَلُذتُ مِن الخَوفِ فِي مُقلَتَيكِ — وقَبَّلتُ قَلبَكِ، قَلبَ النَّدَى
هُنَالِكَ عَادَت إِلَيَّ الحَيَاةُ — بِوَجهٍ بَشُوشٍ تَمُدُّ اليَدَا
حُرُوفُكِ يَا غَزَّةُ الكِبرِيَاءُ — وسَيفُكِ يَا غَزُّ لَن يُغمَدَا
بِبَحرِكِ أَلقَيتُ كُلَّ هُمُومِي — وأَغرَقتُ لَيلَ الأَسَى الأَسوَدَا
كَأَنِّي وقَد قَبَّلَتْكِ العُيُونُ — أَسِيرٌ، بِوَصلِكِ قَد قُيِّدَا
لأجلكِ إِنِّي نَسَجتُ الحُرُوفَ — أيا غزةَ الخيرِ أَبهَى رِدَا
فَضُمِّي إليكِ شَتَاتِي وكُونِي — زُهُوراً إِذَا مَا طَوَانِي الرَّدَى
هُوَ النَّورُ أنتِ بداجي الظلامِ — وَسِفرُ صُمودِكِ قد خُلِّدا
وأنتِ انتفاضُ العروبةِ فينا — وصبركِ نهجٌ لنا يُقتَدى
إلى القدس نمضي معا لا نبالي — بليلٍ على قدسِنا استأسدا
فإما الشهادةُ بعد نضالٍ — أو النصرُ يُسعدُنا سَرمدا
جَعَلتُ قَصِيدِيَ مَهرَ رِضَاكِ — وقَلبِي الذِي تَملِكِينَ فدا
وأَسلَمتُ أَمرِي لِمَن لا يَنَامُ — وخَرَّ الأَنَامُ لَهُ سُجَّدَا
والقصيدة نفثة مصدور وصرخة مكلوم، وجهد المقلّ الذي لا يملك سوى شعره وقلبه يقدّمهما مهرًا لغزّة العزّة ليشدّ من أزرها، ويثبتها على طريق النصر واسترداد القدس وتحرير المسجد الأقصى، وهي غنيّة عن التعليق لاتسامها بصدق التّعبير وجودة التصوير، وحرارة المشاعر النابضة بالحب نحو غزّة والقدس الشريف، ولهذا فقد أثبتُّها كاملة.
حرَّة في زمن القهر
وبعد هذه القصيدة والوقفة على شط غزَّة، بثمانية أيام، يصدح شاعرنا د. جمال مرسي بقصيدته “حرَّة في زمن القهر”، وهي ستة وعشرون بيتا، من بحر الكامل، يشيد فيها بغزّة وصمودها الأسطوري، مجيبًا على من يسأله عنها وعن أنبائها، واصفًا حالها وحال أبنائها الصامدين في وجه العدوان الهمجي للصهيونية العالمية وجيوشها الجرّارة التي تقاطرت على هذه البقعة المباركة الشامخة الشمّاء، التي سجّل نصرها للمجد سِفرًا يزدهي بعلائها، فيقول في قصيدته التي تشكِّل وحدة عضوية وصورة شعرية واحدة لا يمكن الاجتزاء منها أو تقسيمها، فقد فضحت العالم المنافق، وكشفت زيف شعاراته الجوفاء عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وغيرها من الشعارات التي تهاوت وصارت حبرًا على ورق على يد الصهيونية العالمية وأعوانها، ولهذا فقد سقتُها كاملة:
يا سَائِلًا عَنهَا وعَن أَنبَائِهَا — النُّورُ يَبزُغُ مِن زَكِيِّ دِمَائِهَا
أَفَلا تَرَى شَمسَ الحَقِيقَةِ أَشرَقَتْ — لِيُضيءَ كُلُّ الكَونِ عَبرَ سَمَائِهَا
أَفَلا تَرَى الأَروَاحَ حُبًا تَنتَشِي — مَنِ اْرتَقَى لِلْخُلدِ مِن أَبنَائِهَا
هِيَ سِيرَةُ الأَجدَادِ، فَاْستَشهِد بِمَا — قَد أَخبَرُوا عَن حُسنِهَا وحَيَائِهَا
هِيَ فَرحَةُ الأَولادِ حِينَ يَضُمُّهُم — صَدرٌ يَجُودُ بِحُبِّهَا وعَطَائِهَا
هِيَ نَخلَةٌ شَمَّاءُ لَيسَتْ تَنحَنِي كَلَّا — ولا تَخشَى لَظَى أَعدَائِهَا
زَيتُونَةٌ فِي الأَرضِ مَدَّتْ جِذرَهَا — لَن يَستَطِيعَ البَغيُ كَسرَ إِبَائِهَا
صُوتُ المُؤَذِّنِ حِينَ يَختَرِقُ المَدَى — لِيُرِيقَ فِي الآذَانِ نَبضَ دُعَائِهَا
لَونُ الثَّرَى لَمَّا رَوَتْهُ دِمَاءُ مَنْ — زَرَعُوا البُطُولَةَ فِيهِ مِن شُهَدَائِهَا
هِيَ دَمعُ أَطفَالٍ بَكَوْا، فَتَسَاءَلُوا — أَينَ العَدَالَةُ واْحتِكَامُ قَضَائِهَا
أَشلاؤُهُم رَغمَ الفَنَاءِ تَرَعرَعتْ — لِتَبُوحَ للدُّنيَا بِسِرِّ بَقَائِهَا
وتُقِضَّ نَومَ السَّاكِتِينَ عَلَى الأَذَى — البَاذِلِينَ الصَّمتَ رَغمَ عَنَائِهَا
الشَّاهِدِينَ عَلَى فَظَاعَةِ جُرمِهِم — ومُؤَيِّدِي “صُهيُونَ” فِي هَيجَائِهَا
هِيَ قَلبُ أُمٍّ، خَفقُهُ يَعلُو عَلَى — صَوتِ الرَّصَاصِ مُدَوِّيًا بِفَضَائِهَا
هِيَ صَرخَةُ المَكلُومِ يَحمِلُ طِفلة — قَتَلَتْ بَرَاءَتَهَا يَدٌ بِغَبَائِهَا
هِيَ صَوتُ طُوفَانٍ يَدُكُّ حُصُونَ مَن — ظَنُّوا الحَيَاةَ لَهُم بِكُلِّ بَهَائِهَا
وبِأَنَّهُم أَقوَى الجُيوشِ، وجُندُهُم — فِي هَذِهِ الدُّنيَا لَمِن عُظَمَائِهَا
حَتَّى أَتَاهُم مَن يُزَلزِلُ تَحتَهُم — أَرضًا تَأَذَّتْ مِن عَدُوِّ رَخَائِهَا
هِيَ صَبرُ أَعوَامٍ طَغَى فِيهَا الأَسَى — لَكِنَّها اْنتَصَرَتْ عَلَى ظَلمَائِهَا
وغَدَتْ بِكُلِّ صُمُودِهَا أَيقُونَةً — لِلمُبتَلَى بِالظُّلمِ مِن نُظَرَائِهَا
هِيَ حُرَّةٌ رَغمَ القُيُودِ بِعَالَمٍ — فَرضَ القُيودَ عَلَى نَقَاءِ هَوَائِهَا
هِيَ حُرَّةٌ رَغمَ الخِيَانَاتِ الَّتِي — بُلِيَتْ بِهَا ورَبَتْ عَلَى إِحصَائِهَا
هِيَ غَزَّةُ العَذرَاءُ يَصدَعُ صَوتُهَا — بِالحَقِّ رَغمَ النَّارِ فِي أَجوَائِهَا
فَضَحَتْ مَزَاعِمَ مَن تَغَنَّى وَاهِمًا — بِحُقُوقِ إِنسانٍ تَشَرَّدَ تَائِهَا
وحُقُوقِ طِفلٍ لَم يَزلْ فِي مَهدِهِ — ضَاقَت عَلَيهِ الأَرضُ رَغمَ غَنَائِهَا
هِيَ غَزَّةُ الشَّمَّاءُ، سَجَلَ نَصرُهَا — لِلمَجدِ سِفرًا يَزدَهِي بِعَلائِهَا
إلى غزّة الصمود والإباء
ويكتب شاعرنا قصيدته “من جذوة الشعر”، ويهديها إلى غزّة الصمود والإباء، من ستة وعشرين بيتًا كسابقتها، ولكن على بحر البسيط، فهو يريد مشاركة غزَّة العزة في محنتها ولا يملك إلاَّ الشعر ليشارك به، فجذوة الشعر تلتهب في داخله، فيتأجج الشعر مُطلقًا البركان والغضب، يقول شاعرنا في مطلع قصيدته متحدثا عن شعره:
مِن جَذوَةِ الشِّعرِ أجَّ الشِّعرُ مُلتَهِبا — في دَاخِلي، يُطلِقُ البُركَانَ والغَضَبَا
كانَ الرَّمَادَ الذي يُخفِي بِدَاخِلِهِ — شَمسَ الحَقِيقَةِ والأَقمَارَ والشُّهُبا
رَبَّيتُهُ نِصفَ قَرنٍ فِيَّ، أُطعمهُ — مِن سَلَّةِ الحرفِ تِينَ الحُبِّ والعِنَبا
أسقِيهِ من مُهجَتِي رَاحاً، وأُلبِسُهُ — مِمَّا أفاءَ الهَوَى أَثوَابَهُ القُشُبا
سِرّاً أُقَبِّلُهُ، جَهراً أُدَلِّلُهُ — عُمراً أُبَادِلُهُ الأَقلامَ والكُتُبا
حَتَّى نَمَا عَاشِقاً رُوحَ الجَمَاِل وما — أَضفَى الجَمَالُ على أبياتِهِ حِقَبا
يَبكِي إذا دَمِعَت عَينُ الجمالِ دَماً — يَشدُو إذا فَرِحَت دَقَّاتُهُ طَرَبا
يَرنُو بِمُقلةِ مَفتُونٍ بِفاتِنَةٍ — يُحيلُ قَشَّتَهُ مِن أَجلِهَا ذَهَبا
حَسِبتُهُ غَضَّ عَن أَحدَاثِ أُمَّتِهِ طَرْفاً — وعَن نُصرَةِ المُستَضعَفِينَ نَبَا
وخِلتُهُ شَاخَ أو جَفَّت مَنَابِعُهُ — فَجَاءَ يَصرُخُ: نَبعِي بَعدُ ما نَضَبَا
وكَيفَ يَنضَبُ أو تَنأى رَوَافِدُهُ — إنْ أَجدَبَ الرَّوضُ في الأَوطَانِ واستُلِبا
أو عَربَدَ الظُّلمُ في أَرجَائِهِ، فغدا — كالنار ثائرةً إن أُلقِمَت حَطَبا
اعتذار إلى غزّة..
ثم يتوجه شاعرنا د. جمال مرسي إلى غزّة معتذرا لها، مُعلنًا خجله منها، راكضًا نحو بابها في شغف، مضطرب القلب، مناديًا إيَّاها ومكررًا النداء، معلنّا أنَّ دمه يفدي ترابها ونخلها وهضابها، فيقول:
يا غَزَّةَ الخَيرِ: جِئتُ اليَومَ مُعتَذِراً=والذَّنبُ مِن خَجَلِي قَد شَقَّنِي إِرَبَا
أَتَيتُ أَركُضُ نَحوَ البَابِ فِي شَغَفٍ=تَحتَ الجَوَانِحِ قَلبٌ مَاجَ مُضطَرِبَا
نَادَاكِ، نَادَاكِ يا بِنتَ الكِرامِ: دَمِي=يَفدِي تُرابَكِ، يَفدِي النَّخلَ والهِضَبا
وما ذلك إلاَّ لأنَّها تستحقّ الفداء بالنّفس والنّفيس، فقد ضربت لنا أمثلة في العزّ، وبلغت الأوج في الصمود، ونالت المجد بتصبُّرها، حتى بلغت الذُّرى في عزة وإباء، ويثني على رجالها ونسائها وأطفالها الصغار، الذين حطّم العدو ألعابهم فما بكوها، وكانت حجارتهم قوسًا وراجمة، ثم يثني على الشباب الذين أرخصوا أعمارهم حتى يعيش تراب الأرض منتصبًا فيقول:
يا من ضَرَبتِ لنا فِي العِزِّ أَمثِلةً — وفِي الصُّمودِ بَلَغتِ الأَوجَ والسُّحُبَا
وبِالتَّصَبُّرِ نِلتِ المَجدَ عن ثِقَةٍ — حَتَّى بَلَغتِ الذُّرا فِي عِزَّةٍ وإِبَا
فلا رِجَالُكِ ما صَالَ العِدا رَكَعُوا — ولا حِصَانُكِ مَا حُمَّ القَضَاءُ كَبَا
ولا صِغَارُكِ والأَلعَابُ بُغيَتُهُم — بَكَوْا، وإنْ حَطَّم البَاغِي لَهُم لُعَبا
كانت حِجَارَتُهُم قَوساً ورَاجِمَةً — للهِ دَرُّ يَمِينٍ أَطلَقَت لَهَبَا
للهِ دَرُّ شَبَابٍ رُوحُهُم رَخُصَت — حَتَّى يَعِيشَ تُرَابُ الأَرضِ مُنتَصِبَا
ويتحسَّر في ختام قصيدته موجّهًا حديثه إلى غزّة الأمجاد، متعجّبًا على حالنا، فقد غدونا غثاء كغثاء السيل، فليس منّا مُنكِر منتفِض ولا مخلِص مستنكِر، وينفض يده من العرب، فلم يعد له فيهم أمل، فلا جدوى من استصراخ غزَّة بهم، ويقدِّم اعتذاره معلنًا أنّه لا يجد ما يبرِّر غيابه، طالبًا منها أن تغفر له، فقد شقي بشعره، وأن ترفع عنه العتب، مخاطبًا إياها بقطر النَّدى، ولا يخفى ما في هذا الرمز من دليل على الغنى والقدرة، لو صدقت النوايا في النصرة، فيقول:
يا غَزَّةَ الخَيرِ والأَمجَادِ: أَرَّقَني — أَنَّا غَدَونَا غُثَاءَ السَّيلِ، وا عجبا
لا مُنكِرٌ في فَلاةِ التِّيِهِ مُنتَفِضٌ — كَلاَّ، ولا مُخلِصٌ فِي أُمَّتِي شَجَبَا
ما عَادَ بِي أَمَلٌ فِي أُمَّةٍ عَرَبٍ — باللهِ، بِاللهِ لا تَستَصرِخِي العَرَبَا
إنِّي أتيتُكِ يا غزّاهُ مُعتَذِراً — وفِي سِجِلِّ غِيَابِي لم أَجِد سَبَبَا
فَلتَغفِري ذَنبَ مَن أَشقَتهُ قَافِيَةٌ — ولتَرفَعِي عَنهُ يا قَطرَ النَّدى عَتَبَا
وأعِدّوا لهم…هل أصبحت أثرًا؟
ويستند شاعرنا إلى دائرة أوسع بعد أن يئس من العرب والعروبة وأيقن بخذلانهم لغزّة، فيتّجه إلى الإسلام، مذكّرًا بأمر الله عز وجل للمؤمنين به أن يعدّوا لعدوّه وعدوّهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل ليرهبوه، فيكتب قصيدته، “وأعِدّوا لهم…هل أصبحت أثرًا”. والقصيدة من بحر الكامل، وعدد أبياتها اثنان وعشرون بيتا، ويبدأها بالاستفهام، عمّن الذي سيوقف آلة التدمير التي بيد الغشوم سلالة الخنزير، ومن سيوقف زحف قرد رأسه خاوٍ إلاّ من غارة ومغير، فما عاد يطربه السلام ولا يرتضي صوت العقل أو صدى الضمير، فلم تعد له لغة سوى لغة الرصاص ومنطق التفجير، فالقدس ترزح تحت وطأة قيده، وتصيح هل من ناصر وظهير، وتئن المآذن من غدره، فتفرج الأحزان بالتكبير، يقول شاعرنا:
مَن ذا سيوقفُ آلةَ التدميرِ — بيدِ الغَشُومِ، سُلالةِ الخنزيرِ
مَن ذا سيوقفُ زحفَ قردٍ، رأسهُ — خاوٍ سِوى من غارةٍ ومُغيرِ
ما عاد يطربهُ السلامُ ولا ارتضى — صوتاً لعقلٍ أو صدىً لضميرِ
وتراهُ لا تدري لهُ لُغةً سِوى — لُغةِ الرَّصَاصِ ومَنطقِ التفجيرِ
القدس ترزحُ تحت وطأةِ قيدِهِ — وتصيحُ هل مِن ناصرٍ وظهيرِ
وتَئِنُّ مِن غدرِ اللئيمِ مآذنٌ — فَتُفَرِّج الأحزانَ بالتكبيرِ
متى “يُبعث” صلاح الدين الأيوبي؟
ويتكئ فيها كذلك على التاريخ الإسلامي المُشرّف ممثّلاً في “صلاح الدين الأيوبي” الذي حرَّر المسجد الأقصى من دنس الصليبيين، متحسِّرًا في القصيدة كلّها على حال الأمّة الإسلامية، التي ضنّت بمثل صلاح الدين، متهكِّما بقوله “أمّة التنوير”، وينعي علينا أحلامنا الوردية بينما أجسامنا خشب تزينها ثياب الحرير، نطعم شهد الكلام، نلوكه حتى غدا هذيانا بلا تأثير، وقد تعطّلت فينا لغة السلاح واستبدلت بلسان سلم ناعق مبتور، نمدّ يدنا بالسلام لقاتل تأبى كفّه سوى التّقتيل لأنّه حقير، ثم يصرخ شاعرنا في الباني السلام الواهي من دون إعداد ولا تدبير، منبّهًا إيّاه بأنَّ السلام الذي لا تحرسه القوة ويكون وراءه جيش مارد يغدو شعارًا واجب التغيير، يقول شاعرنا:
اللهُ أكبرُ يا صلاحَ الدينِ، هل — ضنَّت بمثلكَ أُمَّةُ التنويرِ
أَوَ تعجزُ الأرحامُ في المليارِ أن — تُهدي إلينا فارسَ التحريرِ
صهيونُ يبني جُندَهُ وعتادَهُ — ونغطُّ في نومٍ ودفءِ سريرِ
أحلامنا ورديةٌ، وجسومنا — خُشُبٌ تزينها ثيابُ حريرِ
وطعامُنا شهدُ الكلامِ، نَلُوكُهُ — حتى غدا هذياً بلا تأثيرِ
لُغةُ السِّلاحِ تعَطَّلت، واستُبدِلَت — بلسانِ سِلمٍ ناعقٍ مبتورِ
ونمُدُّ كفّاً بالسلامِ لقاتلٍ — تأبى سوى التقتيلِ كفُّ حقيرِ
يا أيها البانِي سلاماً واهياً — مِن دونِ إعدادٍ ولا تدبيرِ
إنَّ السلامَ بغير جيشٍ ماردٍ — يغدو شعاراً واجبَ التغييرِ
ويتحسَّر شاعرنا على شعار هذه الأمّة وأمر الله لها، متسائلاً في استنكار: هل “أعِدّوا” أصبحت أثرًا، وصارت الخيل للتصوير؟! فاليهود قد تمرَّسوا على نقض العهود، لا فرق بين بيغين وشامير، أو بين بايدن ونتنياهو.. فقد أكلوا لحوم الأطفال في غزّة، فقد أغرتهما شمس الخيانة، فانتهى بهما الطريق إلى خطة التهجير، لتنفيذ ما أسموه صفقة القرن، يقول شاعرنا:
يا ليتَ شعري، هل أعِدوا أصبحت — أَثَراً، وصارَ الخيلُ للتصويرِ؟
قومٌ على نقضِ العهودِ تمرَّسوا — لا فرقَ بين مَناحمٍ وشميرِ
أو بينَ بَايدنَ والنِتِنْيَاهُو، فقد — أَكَلا بِغَزَّةَ لَحمَ كُلِّ صَغيرِ
أغْرَتْهُمَا شمسَ الخيانةِ، فانتهى — بِهِمَا الطريقُ لِخُطَّةِ التّهجِيرِ
يا أمَّتي.. هيَّا استفيقي!
ويختم شاعرنا قصيدته، مخاطبًا أمَّته ومنبّهًا إيَّاها بأن تستفيق وتحطُّم قيد الخنوع بعزمها المشهور، لتُرجع عهد الأولى ملكوا الدُّنى بالسيف والعدل لا بالظلم والجور، فكان الإله حسيبهم، فمن ارتضى بالله كان الله له خير نصير، يقول شاعرنا:
يا أمَّتي: هيَّا استفيقي واحطمي — قيدَ الخُنوعِ بعزمِكِ المشهورِ
ولتُرجِعي عهدَ الأُلى، إنَّ الأُلى — ملكوا الدُّنى بالسيف لا بالنير
كان الإلهُ حسيبَهم، ومن ارتضى — باللهِ، كان اللهُ خيرَ نصيرِ
فلسطينُ تصرخُ هل من مجيب؟
وأخيرا يصرخ شاعرنا د. “جمال مرسي” بقصيدته “فلسطين تصرخ”، من اثنين وعشرين بيتًا على بحر المتقارب، والقصيدة وإن كانت قديمة إلاَّ أنها تصدق على وضع فلسطين الحالي، ويصدق عليها قول القائل: ما أشبه الليلة بالبارحة. ففلسطين تصرخ ولا من مجيب، ولا من دواء ولا من طبيب، وهي تتطلّع إلى الدفء الذي تبعثه شمس النهار في ليل جفاه الكرى والحبيب، ويبكي فيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، فيبكي لبكائه الضُّحى والمغيب، وقد صوَّح زهر الرياض الجميل، وأمسك العندليب عن شدوه، يقول في مطلع قصيدته:
فلسطينُ تصرخُ هل من مجيبْ؟ — وهل من دواءٍ وهل من طبيبْ؟
وهل تبعثُ الدفءَ شمسُ النهارِ — بليلٍ جفاهُ الكرى والحبيبْ؟
بكى فيهِ مسرى النبيِّ الأمينِ — فأُهريق دمعُ الضُّحى والمغيبْ
وصُوِّحَ زهرُ الرياضِ الجميلُ — وأمسك عن شدوِهِ العندليبْ
هل ماتت المروءة؟
ثم يتساءل عن المروءة، وهل داهمتها جيوش الظلام البهيم العصيب؟ فخلَّفت الصمت، بخافق الزمان كصمت القبور، وأرخت السدول على مقلتيه، فما عاد يبصر أو يستجيب.
فأين المروءةُ، هل داهمتها — جيوشُ الظلامِ البهيمِ العصيبْ؟
فخلَّفَتِ الصمتَ، صمتَ القبورِ — بخافقِ هذا الزمانِ العجيبْ
وأرخت على مقلتيهِ سدولاً — فما عاد يُبصرُ أو يستجيبْ
دماءٌ تروي الأزاهير العطشى
ثم يصوّر الحالَ في فلسطين وسقوط الضحايا في كل يوم وتَمزُّق أشلائها في الدروب، مستشهدًا بالطفل “محمد الدرة”، أيقونة انتفاضة أطفال الحجارة في ديسمبر 1978م، والطفلة “إيمان” التي قُتلت على أيدي الغاصبين، ومزَّقتها رصاصات “شارون” عند الغروب، ويتساقط الشهداء صباحًا ومساء كما يتساقط الجرحى النجباء، وهذه الدماء تروي الأزاهير العطشى بالوادي الجديب، يقول شاعرنا:
ففي كلِّ يومٍ تخِرُّ الضحايا — وتسقطُ أشلاؤها في الدروبْ
سلوا “درة” القدسِ عمّا جناهُ — ليرتَعَ فيهِ رصاصُ الغريبْ
ويغتالَ أحلامَ طفلٍ برئٍ — بحضن أبيهِ الحبيب الحبيبْ
وما ذنبُ “إيمانَ” إذ مزَّقتها — يدُ الغاصبينَ وما من رقيب؟
تفتّتُ أحشاءها في برودٍ — رصاصاتُ “شارونَ” عند الغروبْ
وعند الصباحِ، وعند المساءِ — شهيدٌ ولفُ جريحٍ نجيبْ
تسيلُ دماهُ بحاراً فتروي — أزاهيرَ عطشى بوادٍ جديبْ
العالم شاهدٌ على اغتيال الإنسانية في فلسطين
كل ذلك يحدث في فلسطين، وأعين العالم قد تعامت وماتت القلوب من الانكسار، بينما أبناء صهيون لا تغيب جحافلهم في كل واد، يعيثون به ظلمًا وفسادًا، ويحترفون البكاء والنحيب، يقول شاعرنا:
وأعين عالمنا قد تعامت — وماتت من الانكسارِ القلوبْ
وأبناءُ صهيونَ في كلِّ وادٍ — جحافلهم فيهِ ليست تغيبْ
يعيثونَ ظُلماً بِهِ أو فساداً — ويحترفونَ البُكا والنحيبْ
ويحذر شاعرنا في ختام قصيدته من الانخداع لدعاة السلام، وادّعائهم ففيه اللهيب، ويدعو أمّة الخير إلى عدم اليأس، فإنّا حماتك رغم اشتداد الخطوب، ومهما استطال الزمان وصالت خيول العدوّ بمسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا بدّ أن تشرق الشمس يومًا، وتخلع ثوب الحداد الكئيب، ولا بدّ أن يرجع صوت الأذان للقدس، ويعود للأمّة بعد أن سلبه اليهود، يقول شاعرنا:
فلا يخدعنَّكَ ما يدَّعيِهِ — دعاةُ السلامِ، ففيهِ اللهيبْ
ولا يأس يا أمةَ الخيرِ، إنَّا — حُماتُكِ رغم اشتدادِ الخطوبْ
ومهما استطال الزمانُ وصالتْ — خيولُ العدوِّ بمسرى الحبيبْ
فلا بدَّ أن تُشرِقَ الشمسُ يوماً — وتخلعَ ثوبَ الحِدادِ الكئيبْ
ويرجعَ للقدسِ نبضُ الأذانِ — غداة تعودُ لنا يا سليبْ
ملاحظات أخيرة
وفي ختام حديثنا عن القضية الفلسطينية وطوفان الأقصى في شعر د. جمال مرسي يمكن أن نسجل الملاحظات الآتية:
ـ مع أن د. جمال مرسي يكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة، فقد لاحظت غلبة الشعر العمودي على قصائده التي عالج فيها القضية الفلسطينية.
ـ نوَّع الشاعر في بحوره فجاءت قصيدتان على بحر الكامل، وقصيدتان من بحر المتقارب، وقصيدة في بحر البسيط.
ـ غلبة القوافي المطلقة على القوافي المقيدة، والقافية المطلقة تجود في الشعر الحماسي، لأنَّها تتيح للشاعر مد النفس، وكأنَّه يصرخ ليسمِع الصمَّ الدّعاء.
ـ د. جمال مرسي شاعرٌ ملتزم بقضايا أمّته الإسلامية، وفي القلب منها قضية القدس والمسجد الأقصى وفلسطين الحبيبة.
ـ د. جمال مرسي لا يعوِّل كثيرًا على العرب والعروبة، بل يوسِّع الدائرة لتشمل الأمة الإسلامية التي يرى في وحدتها واجتماع كلمتها خلاصًا وحلاًّ لقضية فلسطين.
ـ يوظف د. جمال مرسي التاريخ الإسلامي مُمثّلاً في صلاح الدين الأيوبي، ما دام الحديث عن المسجد الأقصى والقدس التي حرّرها صلاح الدين.
ـ يستلهم شاعرنا د. جمال مرسي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف في شعره عموما وفي شعره المقاوم خصوصًا، حتى إنه ليجعل عنوان إحدى قصائده “وأعدوا لهم.. هل أصبحت أثرًا”.
ـ لا يفقد شاعرنا د. جمال مرسي الأمل في تحرير المسجد الأقصى مهما طال الزمن وتكالبت علينا الأمم، فلا بدّ أن يأتي يوم ترجع فيه الأمّة إلى ربها وتعتصم بحبله المتين، وتنصر الله حتى ينصرها.
لا قبل ولا بعد.. فلسطين عربيّة إلى الأبد
بقلم: محمد خالد النبالي – شاعر من الأردن
تعتبر فلسطين من البلدان التي لها مكانة مميزة في الأدب العربي المعاصر، فهي موطن لعدد كبير من الكتاب والشعراء الذين ترجموا تجربتهم وحياتهم اليومية إلى أعمال فنية راقية، إذًا يُعتبر الأدب الفلسطيني جزءًا لا يتجزّأ من الأدب العربي الذي يعكس الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للبلاد.

فلسطينيون في سماوات العرب
تاريخ الأدب الفلسطيني يمتدُّ إلى قرون عديدة، إذ يمكن تتبّع أولى المحاولات الأدبية التي سُجِّلت في العصور الوسطى، حيث كان الشعراء الفلسطينيين يحاولون توثيق أحداث حياتهم ومعاناتهم من خلال قصائدهم. ومع تطوّر الأدب العربي وانتشاره، زادت الأعمال الأدبية الفلسطينية في التنوّع والثّراء في العصر الحديث، وبرزت شخصيات مرموقة في الأدب الفلسطيني المعاصر مثل: غسان كنفاني، إدوارد سعيد، محمود درويش.. إذ استطاع هؤلاء الكتَّاب أن يصنعوا لأنفسهم أسماء في عالم الأدب العربي من خلال أعمالهم المميَّزة التي تناولت قضايا الاستعمار والهجوم الصهيوني على فلسطين واحتلال الأرض وبالتالي تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه إلى بلدان عربية.. والسكن في مخيمات اللاجئين المنتشرة في الدول العربية وخاصة الأردن ولبنان، ومنهم من توزَّع داخل فلسطين على مئات المخيامات في أراضي الضفة الغربية.. ومن ثم جاءت النكسة عام 1967، ممّا ساهم في تهجير الكثير من الفلسطينيين إلى العالم العربي.. وازدادت أعداد المخيمات، وازدادت معاناة الشعب الفلسطيني، كذلك هناك من هاجروا إلى الغربية حول العالم..
الأدباء صوت الشَّعب
كما انعكست الواقعية السياسية في الأعمال الأدبية الفلسطينية المعاصرة، حيث تحاول تلك الأعمال إثارة الوعي السياسي لدى الجمهور وإيصال صوت الفلسطينيين المظلومين إلى العالم، وتُستخدم الأعمال الأدبية وسائلَ تعبيريَّة متنوِّعة مثل: الشعر والرواية والمسرح.. لنقل رسائلها وتناول قضاياها.
علاوة على ذلك، تعكس الأعمال الأدبية الفلسطينية المعاصرة معاناة الشعب الفلسطيني وصموده أمام الاحتلال والحروب والتهجير، وتعبِّر تلك الأعمال عن الحلم بالعودة إلى أرض الأجداد وتحقيق الحرية والكرامة..
فلسطين ولاَّدة الشعراء والمُبدعين
أدب فلسطين غنيٌّ بالأدباء والشعراء المتميِّزين الذين قدَّموا إسهامات كبيرة في الحقل الأدبي.. تاريخ الأدب العربي المعاصر في فلسطين يعود إلى القرن العشرين حيث بزغت العديد من الأسماء المهمة التي تركت بصمتها في التاريخ الأدبي.
من بين أبرز الكتاب الفلسطينيين المعاصرين يأتي في المقدِّمة “غسان كنفاني”، الذي اشتهر بأعماله الأدبية القوية والمعبرة كـ “أرض الرمال” و”مريض القسم الثاني”، وتُعتبر رواياته من أهمِّ الأعمال الأدبية الفلسطينية التي تناولت القضايا الاجتماعية والسياسية في فلسطين، كما أنَّه كتب العديد من القصص القصيرة، والمقالات التي تعبِّر عن تجربته الشخصية وآرائه السياسية.
ثم يأتي “محمود درويش”، الشاعر الفلسطيني الكبير الذي اشتهر بقصائده العميقة التي تعبر عن الحب والوطن والحرية، كانت كلماته تحمل رسائل قوية ومؤثرة عن الحالة الإنسانية والوطنية للفلسطينيين، من أشهر قصائده “يا غصن الزيتون” و”رجعوا”..
ومن الشعراء الفلسطينيين المعاصرين “سميح القاسم” الذي يُعتبر واحدًا من أهمّ الشعراء الفلسطينيين الحديثين، تتميز قصائده بالجماليَّة وبالمقاومة والعمق والعواطف الصادقة، عُرف بتناوله للقضايا الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر وصريح..
ومن الكتاب الفلسطينيين البارزين في الأدب العربي المعاصر الدكتور “سعيد الحاج”، الذي يعتبر أحد أبرز الكتّاب في مجال الأدب والثقافة والتاريخ، قدَّم العديد من الأعمال البحثية والنَّقدية التي تسلِّط الضوء على تاريخ وثقافة فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الكتّاب والشعراء الفلسطينيين الذين يستحقون الذِّكر مثل: سميح القاسم، عبد الرحيم محمود، مريد البرغوثي، إبراهيم طوقان، وتميم البرغوثي، فدوى طوقان، شكيب نجيب جهشان من قرية المغار، عبد الكريم الكرمي، وغيرهم الكثير. وحتى لا نظلم.. هناك أسماء كبيرة شعراء فلسطين في الداخل وفي بلاد الغربة والمخيمات المنتشرة في العالم العربي، وربَّما نشهد لاحقًا، خلال الفترة القادمة، أسماء كثيرة.. وممّن سخّروا حياتهم لكتابة القضية كثيرون، ولعلّ “محمود درويش” واحد من المئات لكنه أبدع وظهر بفترة مهمّة جدًّا في تاريخ القضية الفلسطينية..
ما يأفل نجمٌ حتى تبزع نجومٌ..
وفي رأيي هناك شعراء من الجنسين وقد أبدعوا كثيرًا وتفوَّقوا على بعض الأسماء المشهورة أو التي اشتهرت، فالزمن والظروف لها دور في شهرة الشخص، كذلك شبكات التواصل الاجتماعي سبّبت ازدحامًا، والمنشورات الضعيفة وتدنِّي الذّائقة جعل الشعراء أصحاب الكلمة الذين حملوا رسائل وقضية إنسانية.. ولكن للأسف أحيانًا يطفو الزَّبد، فهناك أسماء أبدعت وهذا رأيٌ شخصي، وأقول، كل من يكتب للقضية الفلسطينية من الفلسطينيين يعطي من وقته وألمه فقد عاش في ضنك وفي ظلم بعض الدول.. فهل ننكر هؤلاء الكتاب الذين لم يجدوا حظّهم بالانتشار، وقد يكون بسبب قصور الإعلام العربي، كذلك هناك كتّاب عرب من الأشقاء حملوا على أكتافهم قضية فلسطين ومن مختلف العالم العربي.. الساحة العربية زاخرة بالمبدعين الفلسطينيين والعرب، فهؤلاء حملوا قضية فلسطين لعدالتها وحملوا مشعل الأدب.
إنَّ تألّق الأدب العربي المعاصر في فلسطين يعكس تنوّع الموضوعات والأساليب التي يتناولها الأدباء والشعراء الفلسطينيون والعرب، ويظهر العمق والرَّوعة في الكلمة والفكر والمشاعر التي يعبِّرون عنها في أعمالهم.. ويظلُّ الأدب الفلسطيني يحمل رسائل مهمة وضرورية عن الإنسانية والحرية والعدالة التي تميِّز هذا الشعب الصامد في وجه التحدِّيات.
أدب اللاجئين والمهجر في خدمة القضيّة
يُعتبر الأدب من أهمِّ وسائل التعبير عن الواقع والمشاعر، ويحمل في طياته رسالة الوجدان والإنسانية، ويعكس واقع الحياة وتاريخ الشعوب وثقافتها، ومن ثم فإنَّ الأدب العربي المعاصر يعدُّ منبرًا مهمًّا للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تهمُّ العالم العربي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص.
وعلينا أن نشير بأنَّ تأثير الأدب العربي المعاصر في فلسطين يظهر بوضوح من خلال المؤلِّفين والشعراء الذين ينشرون قصائدهم ورواياتهم التي تعبِّر عن واقع الحياة في فلسطين وعن الصراع الدائر في هذه الأرض المقدسة، فالأدباء الفلسطينيين وغيرهم من المهجَّرين في مخيمات اللجوء في العالم الغربي والعربي يسعون إلى تسليط الضوء على قضاياهم ومعاناتهم، ويحاولون نقل صوت الشعب الفلسطيني المظلوم إلى العالم الخارجي.
قدَّموا قصائد تعبِّر عن الحب والحرب والشجن والأمل وتردِّي الوضع في فلسطين، فغالبية الشعراء المقيمين خارج فلسطين يرقبون ما يجري بالدَّاخل وقد ينقلون بصفة أقوى وأعمق.. فالكاتب الذي يعيش بالداخل مقيّدًا لا يملك الحرية الكاملة، ومن هنا نرى الكتّاب المغتربين اللاجئين تحمّلوا المسؤولية ونقلوا الواقع بشجاعة وقوة.. ومن هنا نكتشف قوة الانتماء لدى الشعراء المهجّرين خارج فلسطين، وقد تُرجمت قصائدهم إلى عدة لغات ليصل صوتهم إلى عدد أوسع من القرّاء في العالم، والدّليل “غسان كنفاني” و”محمود درويش” وغيرهم من الكبار.. هؤلاء كلهم هجروا وعاشوا خارج فلسطين، هذا لا يعني انتقاصًا من أدباء الداخل، أبدًا، ولكن القيود الصهيونية تفرض عليهم وتحكم عليهم بالسجن، وتحدُّ من سقف الحرية في التَّعبير، وخاصة في العقد الأخير.. فالكتّاب خارج فلسطين حملوا المسؤولية ونقلوا الواقع الفلسطيني في الداخل إلى العالم أجمع.
فلسطين متجذّرة في الوجدان العربي
فلسطين هي القضية الوحيدة التي لم يختلف حولها الأدب العربي.. منذ النكبة في عام 1948، باتت فلسطين بمعانيها الكثيرة والعميقة تمثِّل مصدر إلهامٍ للكتّاب والشعراء والروائيين العرب. أثَّرت قضية فلسطين بشكل كبير في الأدب العربي وفي أدبائه.. ويمتلك الأدب الفلسطيني مكانة خاصة في قلوب العرب، الأدب الفلسطيني يحمل أعباء هذه القضية بكل تفاصيلها، ويعكس الجوانب المختلفة للواقع الفلسطيني بكل صدق وصراحة.. إنَّ الأدب العربي وفلسطين يشكلان رابطًا وثيقًا يجمع بين الفن والسياسة والإنسانية.. فلسطين هي القضية الوحيدة التي لم يختلف حولها الأدب العربي، إذ يعبّر الأدب الفلسطيني عن جذور عميقة وروح وطنية قوية تتجذَّر في أعماق القلب العربي
القضية الفلسطينية هي واحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل في العالم، حيث حقَّقت هذه القضية شهرة عالمية ورصيدًا سياسيًّا كبيرًا على مدى العقود الماضية. ومن المعروف أنَّ الشعب الفلسطيني يواجه الكثير من التحدّيات والمصاعب، سواء داخل فلسطين نفسها أو في المخيّمات التي تضم اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والعالم بأسره.
لذلك، فإنَّه لا شك أنَّ فلسطين ما زالت تحتل مكانة خاصة ومهمّة في قلب وعقل الأديب العربي، وستظل تظل شعلة الأمل والصمود التي تضيء في سماء الأدب العربي، وتشجِّع على المزيد من الكتابات والأعمال الفنية التي تعبّر عن الوجع والأمل في فلسطين وشعبها.
سؤال سهلٌ ولكن يصعب الإجابة عنه!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل: ما زالت فلسطين بهذه المكانة والقوة في عقل ووجدان الأديب العربي؟ والإجابة على هذا السؤال ليست بالسهولة التي نعتقد، فالأمور تتغيّر وتتطوّر بمرور الزمن، وقد تختلف الأولويات والاهتمامات لدى الأديب العربي اليوم عن تلك التي كانت لديه في الماضي.
تباينت انتماءات الأفراد الفلسطينيين إلى قضيتهم الوطنية، فهناك مجموعة من الفلسطينيين المهجَّرين في مخيمات الشتات، وهناك الآخرون الذين بقوا داخل فلسطين رغم مصاعب وصعوبات الوضع السياسي والاقتصادي فيها، فمن الصعب تحديد من هو الأكثر تأثّرًا وانتماءً لهذه القضية المهمة، فكل فلسطيني يحمل في قلبه الوطن والأرض التي فقدها أجداده وأسلافه.
فلسطين في الأدب.. بعد التَّطبيع
تأثرت القضية الفلسطينية بشكل كبير في الأدب العربي بعد الهرولة من جانب العديد من الدول العربية من أجل التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد شهدت القضية الفلسطينية تحوُّلات كبيرة في السنوات الأخيرة نتيجة للتطوُّرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم العربي بعد ما سُميَّ “الربيع العربي”. كانت القضية الفلسطينية تعتبر قضية خالدة ومركزية في الوعي العربي، ممَّا أثَّر بشكل كبير على الوعي العربي لقضية فلسطين، وقد بدأ الأدباء العرب غير الفلسطينيين بالتَّعبير عن تأثرهم بالواقع الجديد وتحوّلات السياسة العربية، لا تزال القضية الفلسطينية محورية في الوعي العربي.. يندفع الأدباء العرب غير الفلسطينيين للكتابة عنها ودعمها.
لكن يُمكن القول بأنَّ الفلسطيني المهَّجر في مخيمات الشَّتات لديه صورة أعمق وأكثر تأثيرًا لهذه القضية، حيث يعيش في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، ما يجعله يشعر بالحنين والانتماء الشديد إلى الأرض التي فقدها، وإلى الوطن الذي لم يره.. يعيش الفلسطيني المهَّجر في ذاكرته وفي حنايا روحه كل ما فقده وما حُرم منه، الأمر الذي يزيد من انتمائه وتأثره بالقضية الفلسطينية.
من ناحية أخرى، يمكن القول بأنَّ الأديب الفلسطيني الذي بقي داخل فلسطين يعيش القضية الفلسطينية بشكل مباشر، حيث يشهد يوميًّا المظاهر الواقعية للاحتلال والظلم الذي يمارس بحق شعبه. يعيش الأديب الفلسطيني في قلب الحدث، وبالتالي يكون لديه تأثير أكبر وأقوى في نقل رسالة القضية الفلسطينية إلى العالم عبر أعماله الأدبية والثقافية.
بشكل عام، يمثل الأديب الفلسطيني المُهجَّر والأديب الذي بقي في داخل فلسطين جانبين مهمين من نضال الشعب الفلسطيني، يكمِّل كل منهما الآخر ويساهم في نشر الوعي والتوعية حول قضيتهم الوطنية. إنهما جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الفلسطيني، وهما يمثلان وجهين لعملة واحدة، وهي حق العودة والحرية للشعب الفلسطيني.
المكانة الأدبيّة.. من المكانة الدينيّة المُقدّسة
مكانة فلسطين في الأدب العربي منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، لعبت فلسطين دورًا هامًّا في تاريخ الأدب العربي، وكان لها مكانة مميزة في نفوس الكتّاب والشعراء العرب. ممَّا جعلها مصدر إلهام للكثير من الأدباء والشعراء العرب.. هي مصدر إلهام للكثير من الكتّاب العرب، فقد كتب العديد من الأدباء العرب عن جمال الطبيعة في فلسطين. كما تُعتبر فلسطين مكانًا مقدَّسًا لدى العديد من الكتّاب والشعراء، وهي تمثِّل لكثير من الأدباء والشعراء العرب مصدر إلهام لإبداعهم وموضوعًا رئيسيًّا في أعمالهم.. تعتبر فلسطين مركزًا حضاريًّا وثقافيًّا هامًّا في العالم العربي، وسوف تظل موضوعًا محوريًّا في الأدب العربي.
خلاصة القول
تُسهم أعمال الكتاب الفلسطينيين في فهم تاريخ وثقافة ونضال الشعب الفلسطيني. ويُعتبر الأدب العربي المعاصر في فلسطين من التيارات الأدبية الهامة في الوطن العربي، حيث يعكس واقع الشعب الفلسطيني وصراعاته. وتكتسي قضية فلسطين في الأدب العربي أهميّةً كبيرة، فهي مصدر إلهام للكتاب والشعراء والمبدعين. وأيضًا، هي حاضرة في قلوب الأدباء العرب، وأقوى رابط للتضامن بين جميع الفلسطينيين في داخل فلسطين أو بلدان اللجوء والمهاجر.