التزمت الصين بموقف “رمادي” من الحرب الروسية الأوكرانية، فهي مع الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة فيما يتعلّق باحترام حدود الدول، وهي الحليف الأكبر لروسيا دون أن تقدّم لها دعما سياسيا أو عسكريا. وقد نشر الكاتب “سيندي سوي”، في “صوت أمريكا”، مقالا حول الدور المُحتمل للصين في خفض التوتّر العالمي والتخفيف من حدّة التصعيد النووي، تُقدّمه جريدة “الأيام نيوز” إلى قرّاء العربية، مع الإشارة بأن المقال يعبّر عن وجهة نظر كاتبه.
مع تنامي المخاوف من نشوب صراع نووي مُحتمل بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، هناك آمالٌ في أن تتمكن الصين من نزع فتيل الأزمة. لكن هذا الحليف، الأكثر نفوذا، لروسيا قد لا يكون لديه الرغبة أو القدرة على المساعدة، وفقًا لما يرى المُحلّلون.
مبدأ: الصين أولاً
قال ستيف تسانغ، مدير معهد الصين بجامعة (أس أو أ أس) في لندن: “إذا كان لأي قوة تأثير على بوتين، فهي الصين” ولكن المشكلة. بحسب تسانغ، هي أن “السياسة الخارجية في ظل الرئيس الصيني الحالي، “شي جين بينغ” تسترشد بمبدأ: الصين أولاً وليس العالم أولاً”، مما يعني أن “بكين” سوف تزن مزايا أو عيوب الانخراط في المُساعدة.
بين بكين وواشنطن ثأرٌ اسمه تايوان
الصين هي العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي تعهّد بألاّ تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية. كما أنها أكبر شريك تجاري لروسيا، ويمكن القول إنها الدولة الأكثر نفوذًا سياسيًا على روسيا. لكن بعض المحللين يقولون بأن بكين ليس لديها حافز يذكر لمساعدة واشنطن في نزع فتيل الأزمة، بسبب غضبها من تعامل إدارة بايدن مع العلاقات الأمريكية الصينية، وخاصة قضية تايوان. ويقولون إن مبيعات الأسلحة الأمريكية للجزيرة التي تأمل الصين في إعادة توحيدها يومًا ما، إلى جانب الزيارات الأخيرة لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، يُنظر إليها على أنها تُشجع الحزب الحاكم في تايوان المؤيد للاستقلال.
حتى لو أرادت.. فقد لا تستطيع
“هذا عامل حاسم، لأن بكين يجب أن تفكر: لماذا أفعل هذا من أجل واشنطن؟ بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تبدو، بلا هوادة، في اتخاذ تدابير كل يوم لإلحاق الضرر بالمصالح الصينية، من التجارة إلى التكنولوجيا، ومن قضية تايوان إلى الهند”، هذا ما قاله “يوان جينغ دونغ”، الأستاذ المتخصص في السياسة الخارجية الصينية في جامعة سيدني. ويعتقد بعض الخبراء بأن الصين حتى لو أرادت مساعدة واشنطن، فقد تفتقر إلى القدرة على إقناع بوتين بإنهاء الحرب.
من جهته، قال تشو فنغ، عميد كلية الدراسات الدولية بجامعة نانجينغ بشرق الصين، إن “نفوذ الصين في حرب أوكرانيا محدود للغاية”، وأضاف أنه “بالنظر إلى أن الحرب تسير بقوة ضد بوتين، فإن حثه على إنهائها الآن يرقى إلى مطالبته بقبول الهزيمة.. فهل تستطيع الصين إقناعه بالموت سياسيا؟” وأجاب “يوان جينغ دونغ” على تساؤل زميله، وقال: “سيقول بوتين ببساطة، شكرًا لك.. بل يسحب شكره. عليه أن يفكر في شيء أكثر جدية، بما في ذلك بقاءه في السلطة”.
الصين لا تسكب الزيت على النار
في اجتماع مع وزير خارجية أوكرانيا، على هامش جلسة لمجلس الأمن الدولي في نيويورك الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: “بصفتها دولة رئيسية مسؤولة ودولة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لطالما كانت الصين ملتزمة بالحوار من أجل السلام. ولا تقف على الهامش، ولا تسكب الزيت على النار، ناهيك عن السعي وراء المكاسب الأنانية. نحن نقف دائمًا إلى جانب السلام وسنواصل لعب دور بنّاء”.
على الرغم من أن موقف بكين من الحرب كان غامضًا – لم تدن الصين الجانب الروسي، وامتنعت مؤخرًا، جنبًا إلى جنب مع البرازيل والغابون والهند، عن قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدين الاستفتاءات التي تدعمها موسكو في شرق أوكرانيا، إلاّ أن بكين لم تصل، لحد كبير، إلى تزويد روسيا بالدعم السياسي والعسكري”.
بوتين ليس لديه ميول انتحارية
في اجتماع أخير بين الرئيسين: الروسي “فلاديمير بوتين” والصيني “شي جين بينغ”، كشف بوتين أن لدى الصين أسئلة ومخاوف بشأن الحرب. ويقول محللون إنه من المحتمل أن يكون “شي” قد اقترح طُرقًا لخفض التصعيد في المحادثات الخاصة مع بوتين، ويتكهن آخرون بأن الصين قد لا تعتقد بأن أزمة نووية وشيكة.
قال “تشو فنغ” بأنه من المحتمل أن الصين “لا تعتقد أن بوتين سيستخدم الأسلحة النووية لأن بوتين ليس لديه ميول انتحارية”، و”ستعاني الحياة السياسية الشخصية لبوتين من تأثير هائل، وستنخفض مرتبة روسيا إلى نوع من الدولة الفاشلة”.
أيّ خسارة روسية تترك الصين وحيدةً في مواجهة الغرب
قال سايمون تشين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تايوان الوطنية، إن “القلق الأكبر لبكين هو خسارة بوتين للسلطة السياسية بسبب الهزيمة الكاملة في الحرب”. وأضاف: “قد يضر ذلك بفرص بوتين في تأمين فترة ولاية أخرى في الانتخابات الرئاسية عام 2024 ويعزز فرص أحزاب المعارضة الديمقراطية في روسيا، القريبة من الولايات المتحدة.. هذا ليس مفيدًا للصين، ولا تريد الصين رؤيته حقًا. لهذا السبب تريد بكين أن يتفاوض الطرفان على إنهاء الحرب “.
يعتقد “يوان جينغ دونغ” بأن “الهزيمة الكاملة لروسيا ستترك الصين وحدها ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الأوروبيين والآسيويين، وستجعل من الصعب جدًا على الصين تحقيق ما قررت القيام به”.
هل تكون بكين صانع السلام العالمي؟
أما “ستيف تسانغ” فيعتقد بأنه قد يكون من مصلحة الصين لعب دور وساطة أقوى بكثير، حتى لو كان كبار المسؤولين الصينيين قد لا يرون ذلك مفيدًا. وأضاف: “إذا نجحت الصين في إنهاء الحرب، فسوف تبرز كصانع سلام عالمي رائد، وستحقق صورة الصين العالمية الكثير من الخير، كما ستحقق نهاية الحرب فوائد اقتصادية”. وأوضح بأن “المشكلة هي أن الرئيس الصيني لا يرى ذلك، ولا يجرؤ أحد في الحكومة الصينية على إخباره”. يقول المحللون إن العمل على إنهاء الصراع في أوكرانيا يمكن أن يساعد الصين أيضًا على تحقيق أهداف جيوسياسية طويلة الأجل، ومساعدة الصين في تحسين صورتها بطرق أخرى. ويرى
طريق تجاري صيني عابر للقارات
“آلان تشونغ”، الأستاذ المساعد في مدرسة “إس راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة، بأن “تايوان استغلت الصراع في أوكرانيا للادعاء بأن الصين ستغزو الجزيرة قريبًا. لكن الحكومة الأمريكية قالت إنه لا يوجد دليل على أن بكين تستعد لغزو”.
تغذي الحرب الروسية الأوكرانية أيضًا الشكوك الأوروبية في أن طريق بكين التجاري الطموح العابر للقارات – مبادرة الحزام والطريق – يخفي النوايا الإمبريالية وفخاخ الديون التي يجب على البلدان أن تسقط فيها، وهو الموقف الذي تنفيه بكين باستمرار.
“إن تحسين الصورة لن يحل مشكلة تايوان الصينية”، وأضاف “سون يون”، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون بواشنطن، “إن الأمر قد لا يؤدي حتى إلى اتخاذ الولايات المتحدة نهجًا أقل قوة تجاه تايوان، لذلك قد يقول المرء إن هناك حاجة إلى حافز إيجابي لدفع مواقف الصين”.