“خلال عام، سنقضي عليهم جميعًا، ثم نعود إلى حراثة حقولنا”.. لأن مثل هذا الشر لن يدع قلوبنا تنسى حبا مقدسا بالدم”..
هكذا أنشد أطفال الكيان الصهيوني لإضفاء طابع التقديس على “الجريمة”، وكان بالأمس القريب، عام 2009، قد أعلن الحاخام “مانيس فريدمان” في حوار له أجراه مع مجلة شعاره في الحرب ضد العرب الموسوم بـ: “دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”.
=== أعدّ الملف: منير بن دادي وسهام سعدية سوماتي ===
ما بين أطفال اليوم وحاخامات الأمس (“فريدمان” أنموذجا)، يتّضح جليا أن الوعي المجتمعي في الكيان الصهيوني شكّلته ثقافة الإرهاب وفكر التوحُّش، ما يجعل الإجرام وسفك الدماء وتدمير المباني وإحراق الحقول “أفعالا مقدسةً، ترتكبها جحافل الصهيونية – في قطاع غزة خاصة وفي فلسطين عموما – انطلاقا من إيمانها بمقولة «شعب الله المختار»، الذي تبرر له موروثاته الدينية والعرقية أن يمارس حرب الإبادة حيث يكون، لأن هذا هو جوهر وجود الكائن الصهيوني القائم على العنصرية والتطرف ونزعة إزالة الآخر بكل ما يدل عليه أو يُستدل به عليه!
لقد صدم الإرهاب الصهيوني الجيل الجديد في الغرب ودفع أغلبيتهم إلى طرح تساؤلاتٍ حول الخلفية الدينية والفكرية التي تستند إليها الصهيونية في ممارسة توحشها وإجرامها، بعدما سقطت أوراق التوت التي كانت تستُر المجتمع الصهيوني وجيشه وسلطته أمام أعين العالم، وهكذا انكشفت الحقيقة المرعبة وراحت تلطم وجه الإنسانية وضمير البشرية بلطماتٍ مُهَدِدَةٍ لثبات منظومة الأمن والسلم الدوليين اللتين طالما ادعت الإدارة الأممية أنها تسعى إلى إرساء قواعدهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ورغم محاولات اقتلاع أعين الحقيقة من خلال استهداف عشرات الصحفيين في غزة، إلا أن ما وصل من صور أظهر بشاعة الجريمة وهولها في غزة، فقد شاهد العالم كيف أقدم جيش الاحتلال الصهيوني على استخدام الجرافات لدفن مصابين فلسطينيين مدنيين أحياءً في ساحة مستشفى «كمال عدوان» في بلدة «بيت لاهيا» شمالي قطاع غزة، حيث ظهر اللحم البشري مخلوطا بالتراب والحجارة!
وبحسب ما أورده شهود عيان، قامت قوات الاحتلال الصهيوني بحفر حفرة كبيرة في ساحة المستشفى، ونبشت نحو 26 جثة لشهداء دفنوا في أوقات سابقة في المكان لتعذر دفنهم في المقابر، حيث عملت الجرافة على إخراجهم بشكل مهين بكرامة الميت.
وقال الشهود إن أحد المسنين توفي نتيجة الجوع والعطش داخل المستشفى، كما توفي آخر بعدما أطلق عليه جنود صهاينة كلابهم التي نهشت لحمه حيا، وفي مشهد آخر قام جنود بربط متفجرات على أحد سكان مدينة غزة وأجبروه على الدخول إلى نفق قيل إن رجال المقاومة يستخدمونه!
وقال حكيم (30 عاما) لموقع «ميدل إيستآي» البريطاني إنه كان بين الفلسطينيين الذين شوهدوا مجردين من ملابسهم وقيدوا بعد اعتقالهم من قبل الجنود الصهاينة، الذين استخدموه درعا بشريا أثناء بحثهم عن مقاتلي المقاومة تحت الأرض.
وأوضح الفلسطيني، الذي رغب في الكشف عن هويته بالاستدلال باسمه الأول فقط، أنه واحد من عشرات الرجال الذين شوهدوا في الصور والفيديوهات التي وثقت تقييد القوات الصهيونية لهم قبل أن تجرّدهم من ملابسهم، ويتذكر حكيم أن أحد الجنود قال له إنه يريد أن يأخذه إلى نفق حماس، مضيفا: “لقد جعلني أرتدي حزاما مليئا بالمتفجرات، ووضع كاميرا “غوبرو” على رأسي مع حبل حول خصري”، واستمر حكيم يروي أن الجندي دفعه بعد ذلك إلى النفق وأُمره باستكشافه لمعرفة ما إذا كان هناك أي مقاتلين بالداخل.
وقال: “كانوا مستعدين لتفجير النفق باستخدام جسدي إذا أظهرت الكاميرا الموجودة على رأسي أي مقاتلين بالداخل، كنت متأكدا بنسبة 100% من أنني سأقتل في تلك اللحظة، لكنهم أخرجوني من النفق عندما لم يجدوا شيئا بالداخل”. وشهد حكيم أن صبيا يبلغ من العمر 15 عاما تعرض للمعاملة ذاتها، وقال إن الصبي الذي كان محتجزا معه نجا وأطلق سراحه بعد 3 أيام.
ولم تقتصر جرائم الوحشيّة الصهيونية على الأحياء بل امتدّت إلى ضحاياها من الأموات الشهداء، وقد نقل أحد الصحافيين المقيمين في غزة صورة عما حصل في مقبرة الفالوجا، بعد أن نبشت الجرافات العسكرية الصهيونية القبور فيها، حيث اكتشف بعض السكان فقدان قبور بعض أقاربهم، كما أشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى سرقة الجيش الصهيوني جثثا يعتقد أنها تخص نشطاء فلسطينيين.
إضافة إلى تجريف المقابر وسرقة الجثث ودفن الأحياء، تابع الجيش الصهيوني اعتقال آلاف المدنيين، وارتكب جرائم إعدام ميدانية، وتنكيل بالمعتقلين وإخفائهم قسرا.
هذه الممارسات الصهيونية الوحشية ليست وليدة اليوم، بل ممتدة في التاريخ ولها جذور دينية وعرقية، فقد ذكر الدكتور “عصام سخنيني” أستاذ تاريخ سابقا في جامعة «البترا» الأردنية ، في كتابه “الجريمة المقدسة”، أن خطاب الإبادة الصهيوني استخدم التوراة وأسفارها لشرعنة جرائمه في فلسطين، رغم التعارض الصارخ بين الصهيونية بوصفها حركة علمانية والتوراة بوصفها نصا دينيا.
أكذوبة “شعب الله المختار” ترسّخ شريعة التّقتيل..
الصهاينة يعتمدون نصوصا تشريعية دينية تحرّض على إبادة “الأغيار”
دينهم أن كلّ من هو غير يهودي زوائد بشرية!
لا يحق لأحد في العالم أن يحاسب “إسرائيل”.. بهذه الطريقة عبّر الإرهابي “أرييل شارون”، رئيس وزراء الكيان الأسبق، عن عقدة الوهم الصهيوني الأكبر بأن اليهود هُم «شعب الله المختار»، ومن ثم فإن لديهم مطلق الحرية في أن يفعلوا ما يشاءون وأن يقتلوا من يشاءون، تماما كما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر المنقضي.
ولأنهم ـ حسب زعمهم ـ «شعب الله المختار»، فإن «الأغيار» (كل مَن هو غير يهودي) عبارة عن زوائد بشرية، أو على أقصى تقدير بشر من الدرجة الأدنى قياسًا باليهود من بني صهيون، ومن أكثر الناس كرهًا لدى الصهاينة «العرب»، وهو ما يعكسه شعارهم الشهير: «العربي الجيد هو العربي الميت»، وهو الأمر الذي نشهده بأعيننا في تلك الحرب الوحشية التي يمارسها الصهاينة ضد فلسطينيي غزة من النساء والرجال والأطفال والشيوخ.
ولأن الصهيونية مزيج بين الدين والقومية، فإن أعتى الصهاينة ـ حتى ولو كانوا ملحدين ـ يستغلون الأساطير التوراتية والتلمودية لتحقيق أهدافهم السياسية بقتل وطرد وتهجير عرب فلسطين من أراضيهم لأكثر من 75 عامًا، انطلاقًا من وَهْمِ «شعب الله المختار»، إذ يقول التلمود في هذا الصدد: “إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة، فالذي يصفع اليهودي يصفع العناية الإلهية سواءً بسواء”!
في كتابه “الجريمة المقدسة”، يرى الدكتور عصام سخنيني أن فعل الإبادة الصهيوني اتخذ من الرموز والأساطير الكتابية – أو التوراتية – “مرجعية له يستوحي منها ما فعل الأسلاف لتطبيقه على الواقع الراهن”، وهو ما يؤكده تصريح الأستاذ بجامعة حيفا “بيت هلحمي”، إذ يرى أن الصهيونية تتعامل مع كتابها المقدس بوصفه مرجعا تاريخيا يجب تكرار أحداثه التاريخية.
بالنظر إلى النص التوراتي، بوصفه مرجعا تاريخيا للحركة الصهيونية، سنجد أن سفر التثنية يشرح بوضوح الإستراتيجية الحربية الواجب اتباعها عند دخول البلدان، حيث يقول: “حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفُتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك”.
وفي النص ذاته، ذكر الآتي: “وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها… واضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، فغنيمة لنفسك”.
انطلاقا من هذا التأصيل الكتابي، يرى الدكتور “رشاد الشامي”، الباحث المخضرم في الشؤون العبرية، أن هذه القوانين الكتابية “هي التي يتسلمها القادة الصهاينة كمصدر وحي، وكشريعة مقدسة لاستئناف البعث الصهيوني في فلسطين، على أساس أن كل جريمة تصبح شرعية وقانونية من أجل تحقيق وعد السماء”.
وبمزيد من التأمل في هذا التأصيل الكتابي، سنجد في سفر يشوع بأن “يشوع” عند اقتحامه أرض كنعان – فلسطين التاريخية – مع جيشه من بني “إسرائيل”، لم يُبقوا عِرقا ينبض بالحياة في كل المدن التي اقتحموها، فبعد أن أخذوا أريحا “حرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها”. والتحريم هنا معناه الإبادة، وكذلك فعلوا بـ”عاي” التي يحكي النص أن “يشوع” أحرقها “وجعلها تلا أبديا خرابا”.
بموجب هذا السِّفر وغيره، يرى “سخنيني” أن شخصية “يشوع” التوراتية، بما نُسِبَ إليها من جرائم إبادة واستئصال للآخر، تبدو الشخصية التوراتية الأبرز لقادة المشروع الصهيوني ومحل إعجابهم الأول، حتى إن رئيس الوزراء الصهيوني الأول “ديفيد بن غوريون” صرَّح يوما أنه “لا بد من وجود استمرارية من يشوع بن نون إلى جيش الدفاع الصهيوني”.
جذورها تمتد إلى مطلع القرن الـ 20..
الصهيونية الدينية.. من طفرة المنشأ إلى التوغّل في الجيش ودهاليز السّياسة
متطرفون يهود قتلوا “إسحق رابين” بتهمة التفريط في “أرض إسرائيل”
وُلدت الصهيونية الدينية مطلع القرن الـ20 من تزاوج الدين مع الصهيونية السياسية، وحظيت بدعم من “أفراهام كوك” كبير حاخامات الطائفة اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل عام 1948، حيث جادل “كوك” بأن الحركة القومية العلمانية اليهودية تشكل أداة إلهية وخطوة للخلاص النهائي في آخر الزمان.
ووافق قبل وفاته في عام 1935 على تأسيس (دولة) يهودية علمانية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط يعيش فيها اليهود تحت سيادة ذاتية كاملة، وهو ما أرسى أسس التعاون بين الجناحين الديني والعلماني للحركة الصهيونية، التي خالفت التيار اليهودي الأصولي الذي يرى أن (إسرائيل) ينبغي أن تقام فقط عند ظهور المسيح المخلص، ويعتبر أن العمل على تأسيسها قبل ذلك يخالف الشريعة اليهودية.
شكلت حرب عام 1973 صدمة بخصوص مستقبل الكيان، وقوضت الثقة بالحكومة التي يسيطر عليها اليسار، ما دفع قادة الصهيونية الدينية إلى تأسيس جماعة “غوش أمونيم” التي سعت للحفاظ على مكاسب حرب 1967 عبر تعزيز الاستيطان في القدس والضفة الغربية. وأسهم ذلك في ارتفاع عدد المستوطنين بالضفة من 2800 مستوطن في عام 1977 إلى نصف مليون مستوطن حاليا بحسب حسن البراري في كتابه المترجم إلى اللغة العربية بعنوان “الصهيونية وإسرائيل والعرب: مئة عام من الصراع”، وتزامنت تلك التطورات مع فوز اليمين الصهيوني بانتخابات الكنيست في عام 1977 للمرة الأولى.
لاحقا، عارضت الصهيونية الدينية بتشكيلاتها المتنوعة اتفاق أوسلو، ونظمت احتجاجات واسعة رفضا للتنازل عن أراضي من الضفة الغربية وغزة تحت شعار “هذه أرضنا”، وأقدم “إيغال عمير” أحد الطلاب الصهاينة المتدينين بجامعة “بار إيلان” على قتل رئيس وزراء الكيان “إسحق رابين” عام 1995 بحجة تفريطه في (أرض إسرائيل) التي لا وجود لها، وذلك بعد أن نفذ المتطرف “باروخ غولدشتاين” مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994.
أصيبت جماعات الصهيونية المتدينة بصدمة عندما قرر “شارون” الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة ومن أجزاء من شمال الضفة الغربية في عام 2005، واكتشفت تلك الجماعات أن سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان فشلت في منع إخلاء 8600 مستوطن من غوش قطيف بغزة و680 من شمال الضفة الغربية، وهو ما وضعها أمام خيارين إما التمسك بالأرض ورفض قرارات حكومة الكيان وإما احترام قرارات الحكومة والمحافظة على الوحدة الداخلية ، هربا من شبح الاقتتال البَيْني الذي تسبب تاريخيا في تدمير الممالك اليهودية القديمة، فاختارت الخيار الأخير.
بعد الانسحاب من غزة، رأى “قادة” الصهيونية الدينية أن “الملعب الذي يُحدد فيه مصير الكيان هو السياسة والإعلام”، فقرروا التركيز على مراكمة السلطة داخل مؤسسات الكيان والأحزاب السياسية، وكذلك على تدشين حملات شعبية لإقناع الآخرين بمواقفهم السياسية.
ورأوا الفرصة سانحة للتغلغل داخل حزب الليكود الذي بقي فيه الصقور فقط بعد أن انسحب منه شارون ليؤسس حزب كاديما، وبالتالي ارتفع عدد الصهاينة المتدينين في الحزب حتى قال نتنياهو “كان من المعتاد القول إن الليكودي هو الذي يمشي وقلنسوته في جيبه، لكن الآن نجد مجموعة من الليكوديين يمشون وقلنسواتھم على رؤوسهم، علينا أن نكون فخورين بهم”.
كما حرص الصهاينة المتدينون على الانخراط في الجيش الصهيوني، إذ ارتفعت نسبتهم بين عامي 2000 و2012 في دورات تدريب الضباط من 15 % إلى 43 %، كما ازداد عددهم في الشرطة.
الطريق إلى هرم السلطة
تمثّل الصهيونية الدينية مجموعات غير متجانسة تختلف عن قضايا دينية واجتماعية وسياسية، لكنها تجتمع على رفض إخلاء المستوطنات وضم الضفة الغربية، وتبرير العنف ضد “الأغيار” من غير اليهود وطردهم مما يزعمون أنها (أرض إسرائيل) أو قتلهم، فضلا عن السعي إلى بناء الهيكل، وتُقدر أعدادهم حسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي بنحو 600 ألف شخص أي نحو 10% من الإسرائيليين.
ولم يكتف الصهاينة المتدينون ـ وقد صاروا أغلبية مطلقة ـ بحضورهم المتزايد في حزب الليكود، إنما شكلوا عدة أحزاب مثل البيت اليهودي في عام 2008 بزعامة “نفتالي بينيت”، والقوة اليهودية في عام 2012، والصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش.
ونجحوا، للمرة الأولى عبر تشكيل حكومة ائتلافية مع نتنياهو في انتخابات 2022، في الفوز بمناصب وزارية حساسة مثل وزارتي المالية والأمن القومي، مما ضمن لها مقعدين داخل مجلس الوزراء الأمني المصغر، وتوظيف مؤسسات الدولة لتنفيذ مخططاتهم. وخلال أقل من سنة من تولي حكومة نتنياهو السلطة، اقتحم بن غفير المسجد الأقصى عدة مرات، أولها كان في جانفي 2023 بعد أسبوع من توليه منصبه، في حين دعا الوزير “سموتريتش” في مارس الماضي لمحو قرية حوارة قرب نابلس من الوجود عقب حدوث هجمات بها ضد المستوطنين فضلا عن تصريحه بأن” الشعب الفلسطيني اختراع لم يتجاوز عمره 100 سنة”. وصادق الكنيست في الشهر ذاته على إلغاء قانون فك الارتباط الذي يقضي بإلغاء حظر الدخول والبقاء في 4 مستوطنات سبق إخلاؤها في شمال الضفة الغربية منذ عام 2005، وعقب اعتماد القانون، تحدثت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك عن غزة قائلة: “غزة جزء من (أرض إسرائيل)، وسيأتي اليوم الذي نعود إليها”.
واقتطع الوزير “سموتريتش”، كذلك، أكثر من 260 مليون شيكل من أموال عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية بحجة أنها تُدفع لعائلات الأسرى والشهداء، وكثف جهوده بهدف مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الضفة من نصف مليون إلى مليون مستوطن.
وأعطى الشرعية لبناء 10 بؤر استيطانية جديدة، وخصص ربع ميزانية وزارة المواصلات لتطوير الاستيطان في الضفة الغربية، في حين ازدادت اعتداءات مجموعات “فتية التلال” الصهيونية على الفلسطينيين في الضفة الغربية عبر اقتلاع أشجار الزيتون ونهب قطعان الماشية وحرق المنازل.
تصهيُن الغرب جعله يقفز على القوانين الإنسانية ويبرّر التطرف..
وجود “إسرائيل” مبني على العنف ضد أصحاب الأرض والاحتماء بأمريكا
الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني شوّه صورة واشنطن!
أصبحت أُسُس القوة المعيارية للعالم الغربي: “مَنْ ليس مع (إسرائيل) فهو ضدنا” (ضد العالم الغربي)، و”من لا يُدين حماس فهو إرهابي”، لذلك يسعى الغرب جاهدًا إلى الحؤول دون تشكُّل رأي غربي، وعالم يكتشف زيف الرواية الصهيونية ويضغط على حكوماته للكف عن الدعم غير المشروط للكيان، خاصة في واشنطن، لأن ما شهدته من مظاهرات خلال حربها على العراق وفيتنام ليس منَّا ببعيد.
وعلى مدى تاريخ فلسطين الحديث، ظل المشروع الصهيوني ينتج العنف تلقائيا وبشكل دائم لأنه مشروع غير قابل للتطبيق بالوسائل السلمية، فمن يريد أن يسلب الناس أرضهم ووطنهم فهو بحاجة إلى العنف والبطش، فصاحب الأرض والوطن لا يتنازل عنهما أبدا، ولا يمنحهما للمستعمر بطيب خاطر، وهو لن يستقبل بالورد من يريد أن ينتزع منه أرضه وبلده، وعليه سيكون خياره دائما المقاومة.
وحين قررت الحركة الصهيونية إقامة كيان يهودي في فلسطين، فقد أعلنت العدوان على شعب فلسطين، لأن إقامة هذا الكيان يحتاج منطقيا إلى السيطرة على الأرض والجغرافيا، وطرد الناس لتغيير الديموغرافيا، وهذا غير ممكن تنفيذه سوى بالعنف وبالبطش بأهل البلد، كما يحصل حاليا في قطاع غزة، لكن بأبشع طريقة صدمت العالم.
محو الآخر.. تزييف التاريخ وتشويه الجغرافيا
لقد اقترن المشروع الصهيوني بالإجرام، الذي أصبح مكوّنا مركزيا وإلزاميا له، ولا مكان من دونه للمقومات الأربعة الأخرى: الهجرة والاستيطان واللغة العبرية والارتباط بقوة إمبريالية كبرى، ذلك أن الإرهاب الصهيوني قائم بشكل دائم عبر التهجير والاستيطان والمصادرة والحصار والاحتلال والتهويد والقمع والبطش والاضطهاد والقتل والتدمير وسلب الحقوق ومحو الآخر وتزييف التاريخ والجغرافيا، والقائمة طويلة، وهو بالتأكيد ليس حدثا عابرا له بداية ونهاية، لقد بدأ مع بداية المشروع الصهيوني ولن ينتهي إلا بنهايته وتفكيكه.
لقد استفحلت الصهيونية في المجتمع الغربي سياسيًّا وقانونيًّا وإعلاميًّا، وبات الدفاع عنها يشكل الصورة الأكثر تشويها لعالم كان من المفترض أن يمثل التحضر وليس الهمجية. وفي هذا الشأن أكد مستشار الرئيس الفلسطيني، محمود الهباش، يوم الإثنين، أن الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني جعل صورة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا “مقيتة” لأنها ترعى عدوانا واضحا وهمجيا.
وقال المتحدث – في تصريح صحفي – إن استمرار الولايات المتحدة في دعم العدوان الصهيوني على قطاع غزة أمر غير مقبول”، مضيفا “نريد حلا شاملا ونهائيا يمنع العدوان وينهي الاحتلال وينزع كل أسباب الصراع (…) أولوياتنا الحالية هي وقف العدوان وحماية الشعب الفلسطيني”.
وشدد المتحدّث على أن الفلسطينيين يريدون “حلا عادلا قائما على الشرعية الدولية في إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب من ممارسة حقوقه المشروعة”، كما أكد على أنه “لا يمكن أن نتنازل عن وجودنا أو حقوقنا في فلسطين”، مطالبا الكيان الصهيوني بأن يكف عن عدوانه ويطبق الشرعية الدولية.
وكان مستشار الرئيس الفلسطيني قد دعا المجتمع الدولي، في وقت سابق، إلى الخروج عن “صمته المخزي ونفاقه اللامحدود”، مطالبا بمعاقبة مسؤولي الاحتلال وجنوده أمام المحكمة الجنائية الدولية كـ”مجرمي حرب وخطر على البشرية جمعاء”.
حاصرت المنشأة الصحية عدة أيام قبل ارتكابها المجزرة النازية..
قوات الاحتلال تجرف قبورا وتدفن المصابين أحياء في باحة مستشفى “كمال عدوان”
المرصد “الأورو – متوسطي” يطالب بفتح تحقيق دولي مستقل في الأحداث
طالب المرصد “الأورو- متوسطي” لحقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي مستقل في أخبار عن قيام جيش الاحتلال الصهيوني بدفن مصابين فلسطينيين مدنيين أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان، في بلدة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة.
وقال المرصد “الأورو- متوسطي”، الذي مقره جنيف، في بيان تداولته مصادر إخبارية، إنه تلقى “شهادات وشكاوى من طواقم طبية وإعلامية تؤكد أن جرافات الاحتلال دفنت فلسطينيين أحياء في ساحة المستشفى قبل انسحابها منه”.
وأشار المصدر إلى أنه “كان بالإمكان مشاهدة أحد الجثامين – على الأقل – وسط أكوام الرمال، في ظل تأكيد مواطنين أنه كان مصابا قبل دفنه حيا”، لافتين إلى أنه “قبل نحو 9 أيام، اقتربت دبابات الاحتلال من المستشفى، واعتلى قناصة جيش الاحتلال البنايات العالية وشرعوا في إطلاق النار على كل شخص يتحرك بالمنطقة”.
وأكد المرصد ذاته أن فرقه “تواصل توثيق ما جرى في المستشفى بما في ذلك المعلومات عن قتل أحياء ومصابين بدفنهم في ساحة المستشفى”، وشدد على ضرورة “فتح تحقيق دولي في مجمل ما شهده المشفى من انتهاكات فظيعة، استهدفت المرضى والنازحين والطواقم الطبية على مدار الأيام الماضية”.
وأفاد البيان، تضيف المصادر ذاتها، بأنه “بعد عدة أيام من الاعتداءات المتكررة والحصار، نفذت جرافات الاحتلال الصهيوني، صباح أمس، عمليات تجريف داخل المستشفى، ودمرت بالكامل الجزء الجنوبي منه، قبل أن تنسحب منه مخلفة دمارا هائلا”.
وذكر أنه “خلال اقتحام المستشفى، دمرت القوات الصهيونية البوابات الخارجية، وجزءا من مبنى الإدارة والصيدلية وأحرقت مخزن الأدوية، ودمرت بئر المياه ومولد الكهرباء ومحطة الأكسجين”.
وأردف أن قوات الاحتلال “أحدثت حفرة كبيرة في ساحة المستشفى، ونبشت حوالي 26 جثة لشهداء دفنوا في أوقات سابقة في المكان لتعَثّر دفنهم في المقابر، حيث عملت الجرافة على إخراجهم بشكل مهين وحاط بكرامة الميت”.
وأكد المرصد “الأورو – متوسطي” تلقيه “شهادات عن وفاة أحد المسنين نتيجة الجوع والعطش داخل المستشفى، ووفاة آخر بعدما أطلقت قوات الاحتلال تجاهه أحد كلابها التي نهشته حيا، فيما مات عدد من الأطفال والمرضى كانوا داخل غرفة العناية المركزة، نتيجة عدم تلقيهم الرعاية الصحية الملائمة”.
وقال المرصد إن “الفظائع التي اقترفتها قوات الاحتلال في مستشفى كمال عدوان امتداد لتوثق ضمن هجمات الجيش الصهيوني المتكررة على المرافق والطواقم ووسائل النقل الطبية، ضمن سياسة ممنهجة منذ 7 أكتوبر الماضي، هدفها تدمير نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.
من جهتها، وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية، مي الكيلة، “المعلومات والشهادات الواردة من المواطنين والطواقم الطبية والإعلامية تشير إلى قيام الاحتلال بدفن مواطنين أحياء في ساحة المستشفى “كمال عدوان”، وأن بعضهم شوهدوا أحياءً قبل حصارهم من قبل الاحتلال”، ووصفت منظمة الصحة العالمية ما لحق بمستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة من “تدمير فعلي” ارتكبه الجيش الصهيوني بـ”المفزع”، وأودت هذه العملة – بحسب الهيئة الأممية – بـ 8 مرضى على الأقل.
وجاء في منشور للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على منصة “أكس” “تم اعتقال العديد من أفراد الطواقم الطبية، وتسعى منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بشكل عاجل للحصول على معلومات حول وضعهم”، وأشار المدير العام للمنظمة إلى أن “كثيرا من المرضى اضطروا للإجلاء ذاتيا وسط مخاطر تهدّد صحّتهم وأمنهم إذ تعذّر على سيارات الإسعاف الوصول إلى المرفق”.
وتابع “من بين المرضى الذين قضوا، العديد ماتوا بسبب غياب الرعاية الصحية المناسبة، وبينهم طفل يبلغ 9 سنوات”، معربا عن “قلق شديد إزاء سلامة النازحين داخليا، الذين لجؤوا إلى المستشفى”، وشدّد تيدروس على أن النظام الصحي في غزة كان يعاني قبل تدمير المستشفى، مضيفا أن “خسارة مستشفى آخر وإن كان يعمل بالحد الأدنى، ضربة قوية”.
المحلل السّياسي الفلسطيني عبد الله الأسمر لـ “الأيام نيوز”:
“الوحشية الصهيونية نابعة من النزعة الاستعلائيّة المتأصّلة في الفكر الغربي”
يرى المحلّل السياسي الفلسطيني، عبد الله الأسمر، أن هناك نظرة نشأت عبر الأجيال وانبثقت من الفكر الغربي المادي الاستعماري، وهي الفكر “استعلائي”، وإيديولوجية الكيان الصهيوني تنتمي إلى هذا الفكر سواء من حيث نشأته في الغرب إبان بروز القومية الغربية والتي تحولت مع الوقت إلى فاشية ونازية، أو حتى فيما يتعلق بالجذور الدينية للفكر اليهودي المتطرف الموجود حاليا، والذي لا يمت لليهودية الحقة بصلة، إذ إن الصهيونية لديها شعور بالاستعلاء على الآخرين، لذلك نجد أنهم لا ينظرون ولا يرون أن الفلسطينيين بشر على مستوى كل البشر الآخرين.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ عبد الله الأسمر، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الاحتلال الصهيوني، ومنذ اللحظات الأولى من عدوانه الجائر على قطاع غزة بتاريخ السابع أكتوبر الماضي، بدا واضحًا وبشكلٍ جليّ نيته ارتكاب حرب إبادة ممنهجة ومجازر مروعة في حق الشعب الفلسطيني في غزة، وهذا ما عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي، غالانت، حينها بالقول: “نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك”.
في السياق ذاته، أشار محدّثنا إلى أن وحشية الاحتلال الصهيوني وإمعانه في ارتكاب ممارسات شنيعة بحق الأبرياء والعزل في غزة، يأتيان كردّة فعل انتقامية بعد نجاح المقاومة الفلسطينية، يوم السابع من أكتوبر الماضي، في اختراق كلّ المنظومات الدفاعية لـ “إسرائيل”، والتوغّل داخل مستوطنات غِلاف غزّة، وقتل وأسر عدد كبير من جنود الاحتلال، ما شكّل ضربة قوية لأسطورة الجيش الذي لا يُقهر، فلم يجد الاحتلال الجائر بدّا غير إفراغ حقده على كل ما هو فلسطيني واقتراف مجازر مروعة هزت الضمير الإنساني.
في سياق ذي صلة، أبرز المحلل السياسي الفلسطيني أن هستيرية (الجيش) الإسرائيلي في عدوانه على غزة نابعة – كذلك – من شعوره بالضعف وتخوفه من نهضة أو ثورة فلسطينية تلوح في الأفق، فالإسرائيلي لا يرى أن مشكلته تقتصر على “المقاومة” فقط، إنما تتجاوزها إلى كل ما هو فلسطيني؛ فبالنسبة إليه، فإن وجود أي فلسطيني هو حالة مقاومة إن لم تكن اليوم فستتحقق في المستقبل، ومن هنا نجد أن الجنود الصهاينة يتصرفون بسادية وبعنصرية غير مسبوقة وباستخفاف بأرواح البشر بدون رحمة أو هوادة.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد الله الأسمر، أن مشاهد القتل والتنكيل في غزة وحتى في أماكن أخرى من الضفة الغربية والقدس، وإمعان الاحتلال الصهيوني في إهانة الفلسطينيين ودفنهم أحياء وقتلهم بدم بارد، وبدون أدنى إنسانية، بالإضافة إلى كونه نابعا من ثقافة متعمقة لدى الفكر الصهيوني الذي نشأ في حالة من الاستعلاء على غير اليهود، هو كذلك ناشئ ونابع من الفكر الغربي الاستعلائي الاستعماري، والذي ترجمته حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها الفرنسيون بحق الجزائريين في وقت سابق، وما فعله الإيطاليون مع الليبيين، وما اقترفه الإنكليز من انتهاكات ومجازر دامية في مستعمراتها، وبالتالي فإن فكرة الاستعلاء متجذرة لدى الصهاينة كما هي كذلك لدى الغرب.
الخبير في علم الاجتماع فوزي بن دريدي يؤكد لـ “الأيام نيوز”:
“دعوات التحريض على إبادة كلّ الفلسطينيين عنصرية ويقف وراءها الحاخامات”
أبرز الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أن المُلاحظ في عدوان الاحتلال الصهيوني الهمجي المتواصل على قطاع غزة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتمادى في ارتكاب انتهاكات يَندى لها الجبين بحق المدنيين العزل في غزة، في تعدّ صارخ على القوانين والمواثيق الدولية التي تؤطر الحروب والنزاعات وتحفظ حقوق الإنسان في كل الحالات، وتمنع استهداف المدنيين والاعتداء على الحياة والسلامة البدنية لهم، وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
وفي هذا الشأن، أوضح الدكتور بن دريدي، في تصريح خصّ به “الأيام نيوز” أن جيش الاحتلال الصهيوني ذهب بعيدًا في الانسلاخ من الإنسانية حتى وصل به الأمر إلى جرف القبور ودفن الأحياء وقتل الجرحى والمصابين في المستشفيات، في تصرف لا يقبله لا العقل ولا يتصوّره الخيال. وبطبيعة الحال، هذا الأمر يرتبط بمرجعيات دينية ودعوات التحريض والعنصرية التي يقف وراءها الحاخامات، حيث وجه العشرات من كبار الحاخامات في “إسرائيل” رسالة لحكومة الاحتلال، يحثونهم فيها على “استهداف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة باعتبار أن الشريعة اليهودية والأخلاق لا تحرم ذلك”، بناءً على “استخدام نصوص توراتية تحث على إبادة العدو”، وفق تعبيرهم.
في السياق ذاته، أشار الخبير في علم الاجتماع إلى أن الوحشيّة التي أظهرتها “إسرائيل” في ردّ فعلها ضد غزة ناتجة – كذلك – عن التركيبة النفسية لدى الشخص الصهيوني في حدّ ذاته، الذي يرى في تقديره الخاص “أن عليه محو النسل الفلسطيني والتخلص من كل ما له علاقة به فوق هذه الأرض”، وهذا ما يُحاول (جيش) الاحتلال الإسرائيلي اليوم تجسيده على أرض الواقع في قطاع غزة، فلولا عدسات الكاميرات ووجود الإعلام البديل لما تردد هذا المحتل الجائر المتجرد من كل ما يمت للإنسانية بصلة في إبادة كل سكان غزة بدون أن يرف له جفن. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير التراث الإسرائيلي حول دعوته إلى ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية وإبادة سكانه كأحد الخيارات المطروحة.
ختاماً، أبرز الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أن شعور (جيش) الاحتلال بالهزيمة جعله يتصرف بعشوائية مُطلقة، فهذا (الجيش) المهزوم اليوم يعيش حالة نفسية لا ترتبط بمفهوم الجندي النظامي، والدليل على ذلك حالة الذعر والهلع التي يعانيها جنود الاحتلال، حتى وصل بهم الأمر إلى قتل ثلاثة من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وقتل عشرين منهم بنيران صديقة في صورة تلخص وبشكلٍ جلي حالة التخبط والهوان التي يعيشها (الجيش) الإسرائيلي الذي لطالما صدع رؤوسنا بأسطورة الجيش الذي يقهر.
الأخصائية الاجتماعية حفصة حيدر تذكّر عبر “الأيام نيوز”:
“إستراتيجية أمريكا ضد السّكان الأصليين تتكرّر بحذافيرها في غزّة!“
الصمت العربي والتطبيع شجّعا الاحتلال الصهيوني على ارتكاب المجازر
أبرزت الأخصائية الاجتماعية، حفصة حيدر، أن الإستراتيجية التي ينتهجها الاحتلال الصهيوني في استهداف الأبرياء والمدنيين العزل في قطاع غزة، بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ، هي نفسها الإستراتيجية التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد السكان الأصليين، أو من اصطلحت هي على تسميتهم بالهنود الحمر خلال القرون الماضية، والقائمة أساسًا على الحروب والمجازر الجماعية والقتل والتنكيل وسلب حق الغير بدون أدنى وجه حق.
وفي هذا الصدد، أوضحت الأستاذة حيدر، في تصريح خصّت به “الأيام نيوز”، أن النقطة الأخرى التي جعلت الاحتلال الإسرائيلي يستفرد أكثر بسكان غزة ويمارس عليهم أبشع الجرائم والمجازر، هي الصمت العربي المُطبق وثقافة التخلي التي تتسم بها الكثير من الحكومات والأنظمة العربية للأسف، وعدم وجود وحدة عربية حقيقية في ظل وجود دول مطبعة لا تُلقي بالا لما يتعرض له أهل غزة، الأمر الذي يعتبره الاحتلال الإسرائيلي ضوءً أخضرَ للاستقواء على الآمنين في بيوتهم في غزة وارتكاب جرائم حرب مكتملة الأركان بحقهم دون أي حسيب أو رقيب.
النقطة الأخرى التي أشارت إليها الأخصائية الاجتماعية تتمثل في أن وحشية وهمجية الاحتلال الصهيوني في عدوانه على غزة ما هي إلا رد فعل لهزيمة وفشل قواته العسكرية في تحقيق أي انتصار أو أي هدف عسكري يستحق الذكر؛ فعلى أرض الميدان نجد أن المقاومة الفلسطينية تسطر مشاهدا أسطورية في مجابهة العدوّ، وهذا نابع من إيمان المسلم الراسخ بفكرة الجهاد والاستشهاد في سبيل الأرض والوطن، وهذا الأمر لا نجد له أثرا لدى الصهيوني الذي لديه إحساس كامن بأنه لا يدافع عن شيء من حقه، وبالتالي نجد أن هزيمة جنود الاحتلال على الأرض وفي ظل وجود ضغط داخلي لوقف هذا العدوان، تدفعهم إلى التصرف بعشوائية وبعنف وارتكاب المزيد من المجازر الدامية التي أزاحت عنهم وشاح الإنسانية وفضحت كذب وزيف سرديتهم وادعاءاتهم الباطلة.
حقد أسود وكراهية مسمومة وانتقام أعمى..
سرّ وحشية الصّهاينة في غزّة!
بقلم: الدكتور عبد الله المشوخي – أستاذ جامعي فلسطيني
ما يحدث اليوم من مجازر مروّعة لأهلنا في قطاع غزّة، من قتل للأطفال والنّساء والشّيوخ وتدمير للمستشفيات ودور العبادة، من قبل اليهود وبمساعدة ومشاركة الغرب الصّليبي لهم، ليس بجديد أو غريب عنهم؛ فجرائم اليهود ضد شعبنا الفلسطيني انطلقت منذ اليوم الأول من تشكيل عصاباتهم الوحشية على أرض فلسطين مثل منظمة الأرجون والهاجاناة وشتيرن وغيرها .
حيث تمّ تشكيل هذه العصابات الصهيونية الإجرامية قبيل عام 1948م بدعم ورعاية ومساعدة من قبل الحكومة البريطانية، التي كانت محتلّة لأرض فلسطين وقتها. بل ساهمت الحكومة البريطانية بمساعدة وتسليح هذه العصابات مما ساعدها على اقتراف مجازر عدة زادت عن 75 مجزرة اقترفتها هذه العصابات ما بين عام 1937 الى عام 1948م حيث ذهب ضحيتها آلاف المدنيين العزّل من مختلف القرى والمدن الفلسطينية وأجبروا أهلها على النّزوح وترك أراضيهم وبيوتهم ومزارعهم، ومن بين هذه المجازر مجزرة دير ياسين وقبية وطنطورة وأبو شوشة وغيرها من المجازر التي شملت أغلب قرى ومدن فلسطين.
في عام 1956م، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر واحتلال قطاع غزّة، قام اليهود بقتل عدد كبير من شباب وشيوخ أبناء قطاع غزّة العزّل بدم بارد، حيث جمعوهم في العراء وقيّدوهم وأطلقوا عليهم النّار. وعام 1967م ، جمع اليهود أسرى جنود المصريين في صحراء سيناء وقاموا بقتلهم بدم بارد .أمّا في معركة طوفان الأقصى، فقد قام اليهود بقتل عشرات الآلاف من المدنيين العزّل وقصف البيوت على ساكنيها وتدمير المستشفيات ودور العبادة والمدارس والجامعات، وقاموا بتدمير كلّ مقوّمات الحياة من آبار المياه والمخابز ومخازن الدّواء ومنعوا الوقود والطّعام عن السّكان، والماء والكهرباء عن الجميع. وعلى إثر ذلك، مات عشرات الآلاف من الأطفال بما في ذلك الخدج داخل المستشفيات.وشنّوا حملة اعتقالات لعدد من الرّجال المدنيين حيث أخذوهم من مراكز الإيواء وقاموا بتجريدهم من ملابسهم وعصبوا أعينهم وأجلسوهم في العراء بعد أن تمّ التّنكيل الشّديد بهم وقتل وسجن بعضهم.
وفي جريمة أخرى قامت جرّافات اليهود بدفن مصابين فلسطينيين مدنيين وهم أحياء في ساحة مستشفى كمال عدوان، في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزّة، إضافة إلى عمليّات تجريف داخل المستشفى وقاموا بحرق مخزن للأدوية ، كما قاموا بنبش حفرة فيها موتى وأخرجوا منها الجثث بشكل مهين لكرامة الموتى.
وكلّ ما ذكر من جرائم مروّعة يعدّ نقطة صغيرة في بحر جرائمهم التي اقترفوها بوحشيّة ضدّ الإنسانية وضدّ الشّعب الفلسطيني بالذّات. فتُرى ما سرّ هذه الجرائم البشعة؟ بالعودة إلى المعتقدات الدّينية اليهودية المنبثقة من التّوراة والتّلمود وفتاوى حاخاماتهم نجد أنّ السّلوك اليهودي الإجرامي يستلهم هذه الجرائم من خلال تعاليم ونصوص مقدّسة وردت في كتبهم تجيز ذلك بل وتحثّ عليه. فاليهود ابتداء يعتقدون أنّهم وحدهم شعب الله المختار وغيرهم بمنزلة العبيد لا قيمة لهم ولا وزن. لذلك علاقتهم مع “الأغيار” – وهم غير اليهود – تقوم على أنّهم هم السّادة وغيرهم عبيد وخدم لهم .
ووفق هذه المعادلة، يقوم التّعامل مع الآخرين على مبدأ الاستعباد حال الاستسلام لهم أو القتل وتدمير كل شيء حال عدم الاستسلام (انظر إلى الاصحاح الثاني عشر من سفر التثنية)، حيث يلاحظ أنّ هناك عدّة نصوص تحثّ اليهود على تخريب أماكن الآخرين وهدم مذابحهم وتكسير أنصابهم وحرق سواريهم بالنّار حال عدم الاستسلام. ومما يؤكد على هذا الإجرام ما جاء في سفر العدد الإصحاح الحادي والثّلاثون لقتالهم لأهل مدين فقد جاء ما نصه: “وقتلوا كل ذكر.. وسبى بنو اسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنّار وأخذوا كلّ الغنيمة وكلّ النّهب من النّاس والبهائم”.
وورد في سفر التثنية: “وحين تقرب من مدينة لتحاربها، استدعها للصّلح فإن أجابتك إلى الصّلح وفتحت لك فكلّ الشّعب الموجود فيها يكون لك للتّسخير ويستعبد لك وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرّب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السّيف وأمّا النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة كلّ غنيمتها فتغنمها لنفسك”.
هكذا يقترف اليهود جرائمهم وفقاً لمعتقدات ونصوص توراتية مقدسة ووفق فتاوى حاخاماتهم. ومن كانت هذه عقيدته فلا غرابة منه في اقتراف كلّ موبقة وهتك عرض وسفك دم بريء دون ذرة رحمة ودون أدنى شعور بالذّنب ولو بعد مدّة، وهذا ما صرّح به أحد أفراد عصابات اليهود عام 1948م في مقابلة تلفزيونية جرت معه بعد عدّة عقود حيث صرّح بأنّه قتل بكل ما يملك من طلقات رصاص أطفالاً ونساء وشيوخاً من قرية فلسطينية مسالمة أيّام حرب 48م، وعندما سأله الصّحفي عن شعوره قال هذا واجبي .
فهؤلاء اليهود قتلة أنبيائهم والصّالحين منهم، ماذا يتوقّع منهم سوى اقتراف كلّ خطيئة.. كلّ جريمة.. كلّ بشاعة.. كلّ دناءة.سلوكهم مملوء بالحقد الأسود والكراهية المسمومة والانتقام الأعمى المبني على معتقدات عنصرية فاسدة تجرّعوا سمومها من نصوص محرّفة مزيّفة فحواها ومحورها استعباد من يسالمهم وتسخيرهم . وأمّا من يحاول محاربتهم، فمصيره القتل والحرق وسفك دماء الصّغير والشّيوخ والنّساء بل قتل الحيوانات وحرق البيوت وهذا ما يطبّقونه اليوم في معركة طوفان الأقصى.. سيبقى هذا سلوكهم وديدنهم ورثوه كابراً عن كابر من نصوص مقدّسة، ويخطئ من يظنّ أنّ السّلام والصّلح يجديان معهم.
بخلفية تلمودية توراتيَّة محرَّفة..
اليهود.. وقتل الأغيار!
بقلم: إبراهيم باجس عبد المجيد – باحث مقدسي
أرسل إليَّ الصّديق الصّحفي منير بن دادي يخبرني أنّ ملف هذا الأسبوع في “الأيام نيوز” سيكون حول الأسباب التي جعلت الصّهيونية تنشئ لديها – وفي الغرب كذلك- أجيالاً فاقدة تماماً لأبسط حِسٍّ إنساني.
وكان الدّاعي للحديث عن هذا الموضوع هو قيام الاحتلال الصّهيوني بدفن فلسطينيين أحياء داخل مستشفى كمال عدوان في غزّة بعد اقتحامه وتدميره، وقبلَه تلك المجزرة التي ارتكبتها قوّات الاحتلال بحقّ المستشفى المعمداني، وقتلت فيه أكثر من 500 من المواطنين اللاجئين إليه والمحتمين به . وجوابي عن هذا السّؤال باختصار هو في موضوع الملف الآخر الذي أفردته “الأيام نيوز” في الأسبوع الأول من هذا الشّهر، وكان بعنوان “الصهيونية واليهودية زواج مسيار تباركه الحاخامات”.
فقدان الحسِّ الإنساني عند هؤلاء القوم، والذي يلمسه كلّ إنسان حرِّ شريف، مردُّه إلى عقيدة تلمودية توراتيَّة محرَّفة، تنظر إلى كلّ من هو غير يهودي نظرة دونيَّة، ملؤها الاحتقار. يرون هؤلاء “الأغيار” – كما يسمّونهم – حيوانات بشرية تمشي على الأرض. لذلك صدرت عدّة فتاوى من مرجعيات دينية لديهم تُبارك ما يقوم به (الجيش) الإسرائيلي من أعمال قتل في غزّة، وتبرير قتل النّساء والأطفال، كما قال صديقنا الدّكتور عبد الله المشوخي في مقاله الذي كتبه في الملف المشار إليه آنفاً.
ولا أريد التوقّف كثيراً في تفصيل السّبب الذي أشرت إليه، فربّما نجد الإجابة عليه في مقالات غيري من الزّملاء الذين كتبوا في هذا الملف، أو في الملفّات السّابقة. لكنّني أريد التّذكير بما أدّاه ذلك السّبب، والنّتيجة النّاجمة عنه منذ قيام هذا الكيان الغاصب، بل وقبل قيامه، وإلى اليوم. وما نشاهده الآن من مجازر تقشعرّ لها الأبدان، ممّا يرتكبه هؤلاء المتوحّشون، وما سمعناه ورأيناه قبل أيام من قيام (جيش) الاحتلال الصّهيوني من دفن المواطنين العزّل في ساحة المستشفى خير دليل على ذلك.
أودُّ التّذكير بما ارتكبته العصابات الصّهيونية من مجازر بحقّ الشّعب الفلسطيني منذ قرن من الزّمان، تمهيداً لإقامة دولتهم على أرض فلسطين. تلك الدّولة التي يرى فيها بعض المخدوعين في العالم أنّها واحة للحريّة والإنسانية والتّحضُّر والتمدُّن في محيط تسوده الوحشية والتخلُف.. يرى المخدوعون بعض الجمال في حدائق الأطفال، والمتاحف التّاريخية ومواقف السّيارات المنظَّمة، التي تفتقر إليه كثير من الدّول.
لكن هل علم هؤلاء المخدوعون أنّ حديقة الأطفال التي أقيمت في قرية (العبَّاسية) المدمَّرة، في قضاء مدينة يافا، أقيمت على أنقاض مقبرة إسلامية قديمة، عمرها عدّة قرون، وتعود إلى العصر المملوكي؟ وهل علم هؤلاء المخدوعون أنّ مواقف السّيارات المنظَّمة والجميلة التي يشاهدونها، أُقيمت فوق قبور جماعية في قرية (الطنطورة) قضاء حيفا، بعد أن اقترفت العصابات الصّهيونية مجزرة دموية بحقّ أهل هذه القرية، ودفنتهم فيها، وكان بعضهم أحياء حين دفنهم؟!
كثير من القُرَّاء سمعوا بمذبح دير ياسين أو مذبحة كفر قاسم التي ارتكبتها العصابات الصّهيونية بحقّ الفلسطينيين. سمعوا بهاتين المذبحتين، أو قرؤوا عنهما؛ لأنّ الإعلام كتب عنهما الشّيء الكثير، لكنّه نسي أو تناسى عمداً غير ذلك من عشرات وعشرات المذابح التي ارتُكبت بحقّ الشّعب الفلسطيني.
قليل من النّاس، بل ربما من الفلسطينيين أنفسهم، لا يعرفون شيئاً عن مذبحة قرية (الدوايمة) قضاء مدينة الخليل، التي نفّذتها العصابات الصّهيونية بقيادة مجرم الحرب موشي ديان، فقاموا بتفتيش المنازل واحداً واحداً وقتلوا كلّ من وجدوه بها رجلاً أو امرأة أو طفلاً، إلاّ أنّ أكثر الوقائع فظاعة كان قتل 75 شيخاً مسناً لجؤوا إلى مسجد القرية في صباح اليوم التّالي وإبادة 35 عائلة فلسطينية كانت في إحدى المغارات، تمّت إبادتهم بنيران المدافع الرشّاشة.
اليوم، الكلّ يرى ويشاهد المجازر الإسرائيلية التي تُرتكب في مدينة خان يونس، لكنّ القليل والقليل جداً يعرف شيئاً، ولو يسيراً، عن المجزرتين اللّتين ارتكبتهما العصابات الصّهيونية بحقّ أهل هذه المدينة، أعني خان يونس، عام 1956، حيث قتلت أكثر من 500 من المواطنين العزّل!
وهل نسينا المجازر التي اقترفتها عصابات الجيش الصّهيوني في المسجد الأقصى أعوام 1990 و1996 و2000، وتلك المجزرة الرّهيبة التي اقترفها المحتلّ اليهودي بحقِّ المصلين في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، وهل نسينا مجزرة مدينة جنين التي ارتكبت عام 2002، وهل نسينا قبل ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، وهل نسينا مذبحة قانا في جنوب لبنان عام 1996؟
ما نسينا والله هذه المجازر، ولا عشرات المجازر غيرها، مما ارتكبه الصّهاينة بحقّ الشّعب الفلسطيني، والتي كان الدّافع لها هو تلك العقيدة التلمودية المحرَّفة، والحاقدة على كلّ ما هو غير يهودي. تلك العقيدة التي لا يلقّنونها لجنودهم فقط، بل تُلقَّن لأطفالهم ولأبنائهم في مدارسهم ومناهجهم التعليمية، فينشؤون على عقيدة الحقد، وغريزة القتل، ويُشرِّعون لهم ذلك في قوانين ودساتير مكتوبة ومدوَّنة، قوانين يقول عنها المفكر اليهودي إسرائيل شاحاك: إنّ “قوانين النّازية أكثر “اعتدالاً” من قوانين التلمود”.
لذا أرجع وأقول: إنّ من أهم الأسباب التي أدّت إلى نشوء هذا الجيل المتوحّش، الفاقد للحسِّ الإنساني هي تنامي الأصولية اليهودية في مجتمعات اليهود المعاصرة في فلسطين وخارج فلسطين. تلك الأصولية التي زرعوها في وجدان أطفالهم، وفي نفوس جنودهم وجنرالاتهم الذين وصولوا إلى المراكز العليا في حكومة هذا الكيان المغتصب، وفي قلوب ساستهم الذين يتسيَّدون أعلى المناصب الحكومية في الوزارات وغيرها.
وأخيراً أنصح بقراءة كتاب (القتل والتحريض عليه في المناهج الإسرائيلية) للدكتور عبد الله بن عبد العزيز اليحيى؛ ففيه إجابات وافية عن كثير من الأسئلة والتساؤلات حول هذا الموضوع.
ما بين مقابر الأرقام ودفن الفلسطينيين أحياء..
سلطة الاحتلال الإسرائيلي فاقدة للإنسانيّة!
بقلم: سليمان بشارات – مدير مؤسسة يبوس للدراسات – رام الله
في السّابع عشر من ديسمبر الجاري، كشفت وسائل الإعلام وشهادات طبية كيف أنّ جرافات الاحتلال الإسرائيلي هدّمت البوابة الأمامية لمستشفى كمال عدوان في قطاع غزّة، لتقوم بتدمير خيام المرضى والجرحى في باحات المستشفى وتعذيبهم ثمّ تجريف جثامين الشّهداء وإلقائها بحفرة كبيرة إلى جانب العشرات من المصابين الذين تمّ دهسهم ودفنهم وهم أحياء، مشهد اعتبرته وزارة الصّحة الفلسطينية بمثابة جريمة حرب، مطالبة بتحقيق دولي لإدانة الاحتلال ومحاسبته على هذا السّلوك الذي يقع ضمن الجرائم الانسانية وفقاً للقانون الدّولي الإنساني.
هذه الحادثة تعيدنا إلى عشرات بل مئات الشّهادات التي نقلت على مدار أيّام الحرب، وما قبلها من تنفيذ الاحتلال لعمليات إعدام مباشر واستهداف للمواطنين الفلسطينيين، ومئات المجازر الأخرى التي راحت ضحيتها عائلات فلسطينية بأكملها بعد أن هدّمت المنازل على رؤوسهم وهم أحياء ليموتوا بعد ذلك بعد عدم القدرة على إسعافهم، الأمر الذي يبرهن على أنّ ما يقوم به الاحتلال ليس مجرد ردّة فعل، أو تحت ذرائع أخرى يحاول أن يسوّقها من وجود خطر محتمل، بل إنّ هناك حالة من التّعمّد والاستهداف المباشر والمقصود.
يوازي هذا السّلوك العدواني والإجرامي الذي يرتكبه الاحتلال عمليات القتل التي كان، وما زال، ينفّذها ليس في غزّة فحسب، بل في الضّفة الغربية، حيث يطلق الرّصاص على الفلسطينيين من أطفال ونساء ويتركهم ينزفون لساعات طويلة حتى يرتقوا شهداء دون أن يسمح لسيارات الإسعاف من تقديم العلاج لهم أو محاولة إنقاذهم.
أمّا السّلوك الآخر الذي ينتهجه الاحتلال، والذي يشكّل جزءا من عقيدته الإجرامية في التّعامل مع جثامين الشّهداء، وهو عمليات احتجاز هذه الجثامين من خلال تحويلهم إلى ما يعرف بـ “مقابر الأرقام”، والتي يسلب فيها الشّهيد اسمه وهويته ويتحوّل إلى رقم في سجلّات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن يدفن في مناطق نائية تخضع للسّيطرة العسكرية الإسرائيلية، والتي يحاول من خلالها الاحتلال التّأثير في البعد النّفسي للشّعب الفلسطيني وعائلات الشّهداء من خلال حرمانهم من وداع يليق بأبنائهم الشّهداء.
هناك بعض الجهات التي تقول إن تأسيس تلك المقابر كان مع قيام دولة الاحتلال، ولكن حسب اعترافاتها التي تقول إنّ فترة تأسيس هذه المقابر كان مع بداية حرب عام 1967، ولا تعرف تلك المؤسّسات عددها الحقيقي وأماكن وجودها وعدد الشّهداء المدفونين داخلها وهوياتهم، ولم يعرف – حتّى الآن – سوى أربعة منها، ظهرت إحداها مؤخّراً على شاشات التّلفزيون، عندما بدأت السّلطات الإسرائيلية بتجريفها لإخراج الجثامين منها تمهيداً لتسليمها للطّرف الآخر بموجب صفقة التّبادل. يشار إلى أن المادة (17) في اتفاقية جنيف الرابعة تنصّ على أنّه “من حقّ عائلات الشّهداء معرفة أماكن وجود أبنائها الذين قتلوا في حالات نزاع أو صراع”.
تعتبر جريمة مقابر الأرقام من الجرائم المسجّلة في سجل الكيان المحتل الإسرائيلي حسب القانون الدّولي، والقانون الدّولي لحقوق الإنسان والقانون الدّولي الإنساني، حيث يعتبر هذا الفعل فعلا معيبا لا أخلاقيا متمثّلا في احتجاز شخص ميّت يدّعي الكيان الصهيوني زوراً وبهتاناً أنّه يشكل خطر عليه، في اعتداء سافر على مواد الإعلان العالمي للأمم المتّحدة حول الاختفاء القسري الذي يعتبر تلك الأعمال جريمة ضد الإنسانية، واعتداءً واضحا وسافرا على اتفاقيات جنيف حيث إنّ جثمان الشّهداء والمفقودين لهم حماية خاصة تكفلها تلك الاتفاقيات وتكفل الحقّ للميت أيضاً وليس فقط للإنسان الحي، علماً أنّ سلطات الاحتلال قامت بالتّوقيع على الاتفاقيات الأربعة.
ممارسات الاحتلال هذه تشكّل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية جنيف الثّالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف الرّابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف 1977، والقانون الدّولي الإنساني العرفي، إضافة لانتهاكها القواعد (112) إلى (116) التي تنصّ على التّدابير الخاصّة بالبحث عن الموتى وجمعهم والتّعامل معهم وإخلائهم وإعادة رفاتهم، بالإضافة إلى القاعدة (113) التي تنصّ على أنّه يتّخذ كل طرف في النّزاع كلّ الإجراءات الممكنة لمنع سلب الموتى ويحظر تشويه جثث الموتى، وتنطبق هذه القاعدة على النّزاعات المسلّحة الدّولية وغير الدّولية، والقاعدة (114) التي تنصّ على أنّه “تسعى أطراف النّزاع إلى تسهيل إعادة رفات الموتى بناء على طلب الطّرف الذي ينتمون إليه أو بناء على طلب أقرب النّاس إلى المتوفى، كما تعاد أمتعتهم الشّخصية”. وتنطبق هذه القاعدة على النّزاعات المسلّحة الدّولية فحسب. أما القاعدة (115)، فتنصّ على أنّ جثث الموتى تعامل بطريقة تتّسم بالاحترام، كما وجب أن تحترم قبورهم وتصان بشكل ملائم وتنطبق هذه القاعدة على النّزاعات المسلّحة الدّولية وغير الدّولية. كما تنصّ اتفاقيات جنيف على أنّه يجب دفن الموتى، إذا أمكن، وفقًا لشعائر دينهم.
مجموعة هذه القوانين تحكم الاحتلال أيضاً، أي عندما تمارس دولة سيطرة فعليّة على منطقة ما دون موافقتها ودون أن يكون لها حقّ سياديّ عليها، مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة – ولا يكفي ببساطة الاكتفاء بقول إنّ المدنيين ليسوا هدافاً للهجمات- وهذا يقتضي على المحاسبة الدولية من خلال “المحكمة الجنائيّة الدولية” في لاهاي، باعتبارها صاحبة الولاية القضائيّة بالمحاسبة على جرائم الحرب وغيرها من الجرائم الدوليّة الخطيرة التي تُرتكب في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
ما يمكن الإشارة إليه، أنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول من خلال انتهاج هذا السّلوك إحداث حالة الصّدمة بحقّ الشّعب الفلسطيني، الذي ما زال (الاحتلال الإسرائيلي) عاجزاً عن تطويعه بقبول الاحتلال والتّعايش معه، كما أنّ الشّعب الفلسطيني ما يزال رافضا لكلّ أشكال الاحتلال ومتمسّكا بالمقاومة كوسيلة مواجهة أساسية، ما يعني إفشال الخطط التي يحاول العدو تمريرها.
جعلت القتل وارتكاب المجازر والتّدمير جزءاً أصيلاً فيها..
كيف صاغت المناهج التربوية والعقيدة الدّينية شخصية “الجندي” الصّهيوني المتوحّش؟
بقلم: الدكتور صالح نصيرات – خبير تربوي أردني
تتشكّل الشّخصية الإنسانية من خلال البيئة التي تقدم لها مدخلات من الدّين والثقافة والخبرات الحياتية. ومن المعلوم أنّ الإنسان تؤثّر فيه تلك العوامل سلباً أو إيجاباً، فقد يكون أحادي النّظرة، ينزع إلى التّطرف واحتقار الآخر وعدم الاعتراف بوجوده، ويحدث هذا في كلّ المجتمعات سواء تلك التي ادّعت التحضّر والتّنوير، أو تلك التي عاشت على هامش التّاريخ والحضارة.
الصّهاينة يحدّدون هوية الفلسطيني
يتحاشى الصّهاينة إطلاق لفظة فلسطيني على أصحاب الأرض من العرب، وذلك بقصد فصل الفلسطينيين عن الأمّة العربية، لتبرير تهجيرهم من أرضهم؛ ففي محاضرة لرئيس وزراء الكيان نتنياهو في الولايات المتّحدة الأمريكية، قبل أكثر من أربعين عاماً يعيد هذه الفكرة، وينشئ في ذهن الأمريكي والسّامع أنّ فلسطين ليست عربية وأنّ على قاطنيها أن يتركوها ويرحلوا إلى بلاد عربية مجاورة.
وقد تنبّه الصّهاينة إلى أهميّة بناء شخصيّة لليهودي الذي يأتي إلى فلسطين، بحيث يكون الجميع نمطاً واحداً، يؤمن بأمور ثلاثة هي: أنّه من الشّعب المختار، وأنّه صاحب أرض فلسطين والعرب غزاة محتلّون، وأنّ الإنسانية إنّما خلقت لخدمته. لذا، بعث الصّهاينة – وأغلبهم من الملحدين – كلّ ما في التّراث اليهودي من حقد وغلو في نظرته للإنسان، كما تمّت صياغة وسائل الإعلام والمناهج الدراسية والأدب العبري لتشويه التّاريخ والعقيدة والحضارة الإسلامية تحديداً.
العربي في الأدب الصّهيوني
يعرّف غسان كنفاني الأدب الصّهيوني بقوله: “هو الأدب الذي كُتب ليخدم حركة استعمار اليهود لفلسطين، سواء أكتبه يهود أم كتّاب يعطفون على الصّهيونية ويخدمونها بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة”، فثمّة كتّاب يهود كتبوا أدبًا لا يتعلّق بالمشروع الصّهيوني، كما أن كتّابًا غير يهود كتبوا أدبًا يخدم الصّهيونية بلغات غير عبرية.
أما الكاتب اليهودي، فيعرفه المنظّر الصّهيوني المتطرف، زئيف جابوتنسكي، بأنّه: “الكاتب الذي يكتب بروح يهودية وللقارئ اليهودي”، وقد روّج الأدب الصّهيوني كثيراً من الأفكار المزعم حول فلسطين والفلسطينيين، ففلسطين أرض صحراوية قاحلة بلا شعب، واليهود قادرون على تحويلها إلى حدائق غنّاء، والفلسطيني متطفّل على فلسطين، وهو ليس أكثر من لص سارق لأرض الميعاد، فضلاً عن أنّه قاتل بلا قيم وبلا أخلاق إنسانية، وهو إنسان بدائي متوحّش ولا يستطيع إقامة حضارة أو بناء دولة ذات جذور، وكانت هذه الموضوعات نصوصا (ثيمات) أساسية في الرّواية الصّهيونية كما قدّمها كلّ من يهود بيرلا وموشي شامير ونتان ألترمان وغيرهم.
وهدف هؤلاء الصّهاينة من وراء ذلك التّشويه هو تقديم العربي بشكل عام لليهودي القادم من روسيا وبولندا وأوكرانيا والغرب على أنّ له مهمّة محدّدة وهي انتزاع الأرض من “اللّص” الفلسطيني، وبناء حضارة! على أرض الميعاد. أمّا الرّوح التي يعتمدها الصّهيوني لتحقيق تلك الأهداف فهي روح عنصرية تحتقر الإنسان الفِلسطيني وتعدّه طارئاً على أرضه، ولا يتورّع عن استخدام كلّ الوسائل بما فيها القتل والاغتيال والتّشويه، ولهذا أصبح القتل وارتكاب المجازر والتّدمير جزءاً من الشّخصية الصّهيونية.
الإنسان العربي والفلسطيني في عقيدة التّلمود
في العقيدة التّلمودية المحرّفة يعتقد اليهود بأنّ الإنسان غير اليهودي ليس سوى خادم لهم، وأمّا العربي فهو من نسل إسماعيل ابن “الأَمَة” المصرية هاجر. فهم – أي العرب – كأمهم عبيد جعلوا لخدمة اليهود، ولهذا ينظرون إلى الإنسان العربي بشكل خاص نظرة ازدراء واحتقار. وقد وصف الحاخام “عوفاديا فديا” العرب بأنّهم حشرات، وسمعنا وزير الدّفاع الصّهيوني وردّد معه كثيرون ما وصف به الفلسطينيين بأنّهم “حيوانات بشرية”، بل إنّ أحد قادتهم زاد على ذلك بأنّ الفلسطينيين ليسوا بشر أصلاً.
يعتقد حاخامات اليهود، ومنهم عوفاديا وكهانا المقبور وغيرهما، بأنّ من يقف في وجه تحقيق الوعد الإلهي يستحقّ القتل لأنّه يقف ضدّ الأمر الإلهي المزعوم، وهم – في ذلك – لا يفرّقون بين طفل وامرأة وشيخ، ولا يجدون غضاضة في تدمير كلّ سبل الحياة، كما يفعلون الآن في غزّة من تدمير ممنهج للمستشفيات والمراكز الصّحية وقتل الأطباء والممرضين، وتدمير سيارات الإسعاف ومنعها من الوصول إلى الجرحى.
فلسفة المناهج الصّهيونية
يعرفُ التّربويون أنّ لكلّ منهاج فلسفة خاصة تُشتق من مجموعة من العناصر ذات الصّلة بهويّة الأمّة وعقيدتها، بالإضافة إلى تحقيق آمالها وأحلامها، والمناهج الصّهيونية أكثر تعقيداً كونها تتعامل مع أفراد جاءوا من بلاد شتى إلى فلسطين، ولذلك شملت الفلسفة التّربوية قضايا كثيرة تتعلّق بالرّؤية الدّينية لـ “دولة” الكيان، والواقع الذي تعيشه كدولة مغتصِبة ولابدّ من مواجهة أعدائها، ولذلك ركّزت المناهج الصّهيوينة على عقيدة قتالية ذات أبعاد توراتية تلمودية تتلخّص فيما يلي:
- اعتبار التّوراة والتّلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ، والجغرافيا، والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتّقاليد الروحية والأخلاقية.
- اعتبار الشّعب اليهودي هو “شعب الله المختار”، الذي هو فوق كلّ الشّعوب التي سخرت لخدمته، وأنّ جميع الحضارات والثّقافات هي وحي هذه الدّيانة وهذا الشّعب.
- ملء المناهج الدّراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدّينية، وأنّ الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
- أنّ اليهود أمّة واحدة، لذلك لابدّ من جمع جميع الصّهاينة في فلسطين على أساس الدّين واللّغة العبرية، وإعادة صياغة الأمّة اليهودية وفق الرّوح اليهودية وحياً من الدّين اليهودي، وتهدف التّربية الدّينية إلى تربية الطّفل جسدياً، واجتماعياً، وانفعالياً، وعقلياً، عن طريق قصص من التّوراة وأسفارها.
- التّربية القتالية هي عنصر مهمّ في فلسفة المناهج، لأنّ الحركة الصّهيونية قامت على الإرهاب والقتل، ولابدّ من إعداد أبنائهم ليكونوا قتلة وإرهابيين بلا رحمة. وفي هذا الصّدد، تقول الباحثة الصّهيونية “حاجيت غور زئيف” من مركز التّربية النّقدية في معهد الكيبوتسات: إنّ “تربية الطلاب على العسكرة تتمّ بأساليب مختلفة، ففي يوم الاستقلال يتسلّق أطفال الرّوضات على الدبّابات، ويزينون روضاتهم بأعلام وحدات (الجيش) الإسرائيلي . وفي الأعياد الدّينية، فإنّ غالب ما ينقل إلى الطّلبة هو المفاهيم والقيم العسكرية، فدائماً هناك تمييز بين: “نحن وهم”، الطّيبون والأشرار و “هم” دائماً تعني الأشرار، فمثلاً: في عيد الفصح نصور نحن اليهود بالطيبين والمصريون (الفراعنة) بالأشرار، وكذا العرب في عيد الاستقلال، والرومان في عيد العنصرة.
كما أنّ المناهج تركّز على بناء الدّولة الصّهيونية، من خلال العناصر المهمّة الآتية وهي:
- تكوين مجتمع عضوي موحّد من شتات اليهود التي تجمّعت في أرض فلسطين.
- بناء دولة عصرية تملك أسباب القوّة المادية والرّوحية.
- المحافظة على التّراث الصّهيوني ونشره وتعميمه بين النّاشئ الصّهيوني في الدّولة الصّهيونية، وتحويل الدّولة
الصّهيونية لتصبح مركز الاتصال بين صهاينة العالم أينما وجدوا، والممثلة الرئيسة لمنجزات الشّعب الصّهيوني.
هذه الفلسفة التّربوية جعلت الصّهيوني قاتلاً ومستعدّاً للقتل في كلّ وقت وحين، وتدمير كلّ سبل الحياة منذ أن وطئت أقدامهم النّجسة أرض فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي.
ملاحظة: للمقال مصادر.
طغى عليه الارتباك والتوتّر والقلق..
هذه ملامح خطاب الاحتلال الإسرائيلي السّياسي المهزوز!
بقلم: وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني
لعلّ صلتي بالأدبيات السّياسية الإسرائيلية تؤهّلني لعقد المقارنة بين الخطاب السّياسي “الإسرائيلي” الحالي والخاص بالحرب في غزّة والضّفة الغربية وبين الخطاب “الإسرائيلي” في الحروب العربية “الإسرائيلية” السّابقة. وأكاد أجزم بأنّ الخطاب السّياسي الحالي يختلف بنسبة كبيرة عن مضامين ودلالات مفردات الخطاب والسّياق، الذي ترد فيه هذه الجوانب، ويكفي التأمّل في المظاهر التّالية:
1- التوتّر العالي في مفردات وسياقات الخطاب: فلا يحتاج المراقب لفطنة غير عادية لملاحظة عدم اتّزان الكثير من التّصريحات الاسرائيلية، ويكفي التّأمل في الأمثلة التّالية من الجمل التي وردت على لسان وزراء العدو الإسرائيلي :
- أ- يجب مسح غزّة بقنبلة نووية.
- ب- عناصر حماس والفلسطينيين “وحوش بشرية.”
- ت- يجب سجن عناصر الإرهاب في “أنفاق”.
- ث- هؤلاء هم نسخة من داعش.
- ج- كيف تقاتلون من أجل السنوار؟
- ح- تبادل الاتهامات بين المسؤولين الإسرائيليين الحاليين وبين القدامى (أولمرت، باراك، هنغبي.. إلخ).
- خ- غوتيرش شخص “غير أخلاقي” وعار على الأمم المتّحدة أن يقودها شخص مثله.
إنّ هذه المفردات أو النّصوص لا تدلّ إلاّ على غلبة اللّاوعي على الوعي، وزلاّت اللّسان، كما قال فرويد ليست إلاّ تعبيرا عن مكبوت كامن، بل إنّ بعض هذه المفردات أو التّصريحات قادت لمشاجرات علنية وأدّت لتوقيف وزراء عن أداء مهامهم لفترة .
ومن الواضح أنّ كلّ هذه التّصريحات تخفي قدراً من التباس ذهني نتج عن ثقة مفرطة في النّفس من ناحية، وعدم قدرة على تكرار تحقيق انتصار سريع وغير ملتبس – كما كان الحال في السّابق حتّى في حرب أكتوبر 1973 – من ناحية ثانية؛ فطبقاً لعلم النّفس فإنّ النّاجح دائماً يكتئب إذا وقع في فشل، ونتنياهو يعدّ ضمن القلّة من رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين حكموا لفترات طويلة، فهو يقف إلى جانب بن غوريون في طول مدة الحكم (حوالي 16 سنة)، لكن نتنياهو يعيش منذ فترة في سلسلة أزمات مترابطة، فهو متّهم بالفساد وتمّ استدعاؤه للتّحقيق ولا زال الأمر عالقاً، ثم واجه شارعاً يعارضه بقوة ضدّ تعديلاته القضائية.
وقد تمّ اتهامه بإخفاء وثائق ذات صلة بتقصيره وحكومته في توقّع عملية طوفان الأقصى، ثم تُطِل التّباينات في مواقف أعضاء حكومته من هنا أو هناك، ناهيك عن حجم الخسائر البشرية والاقتصادية والنّفسية من استمرار المعركة، بل والنّهش المتواصل من أنصار الله اليمنيين وحزب الله، إلى جانب تزايد الاضطراب في الضّفة الغربية، وتهديدات أهالي الرّهائن لدى المقاومة، بل وشتمه على شاشات التّلفزيون، ثم الضّغوط النّاتجة عن اتّساع دائرة النّقد للسّياسات الإسرائيلية من دول أوروبية وإفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينية، بل إنّ بعض الدّول التي كانت تساند الكيان الإسرائيلي صوّتت ضدّه أو استدعت سفراءها من “إسرائيل”، كما أنّ بعضها قدّمت مساعدات إنسانية لغزّة، وهو ما يتّضح في التّصويت في الأمم المتّحدة.
فمشروع وقف إطلاق النّار، في البداية، أيّده في مجلس الأمن خمس دول (16 أكتوبر) والمشروع الثّاني (18 أكتوبر) أيده 12، والثّالث (8 ديسمبر) أيّده 13، أمّا في الجمعية العامة فقرار وقف إطلاق النّار (26 أكتوبر) أيّده في البداية 121 (وليس 120 كما هو متداول) والقرار الثّاني (12 ديسمبر) أيّدته 153 دولة، أي أن التّأييد لوقف إطلاق النّار يتزايد دولياً وهو ما دفع بايدن للشّعور بالحرج الدّبلوماسي والعزلة فقام ينتقد نتنياهو وحكومته.
إنّ تواتر الأزمات على نتنياهو في ظلّ نرجسيته الحادة (يمكن العودة لدراستي عن شخصية نتنياهو في موقع مركز الزّيتونة) جعله مضطرباً، لأنّ عليه أن يوفّق بين “ثقته العالية في ذاته” وبين “النّقد الشّعبي والرّسمي الإسرائيلي المتصاعد ضدّه والنّقد الدّولي له وكان آخره نقد بايدن”.
2- التّضارب في الخسائر البشرية: إنّ المقارنة بين ما يعلنه الجيش (وهو غير متّسق بين الحين والآخر) وبين ما تسرّبه وسائل الإعلام وبين ما تنشره تقارير المستشفيات وبين ما يقوله قادة عسكريين متقاعدين أو سابقين وبين ما يجري تداوله في مواقع وسائل التّواصل الاجتماعي، بخاصة منها حسابات شخصيات مرموقة في المجتمع الإسرائيلي .. إلخ، فيها أرقام متضاربة ممّا يعزّز صورة الارتباك والقلق لدى صانع القرار.
لقد خلقت هذه التّباينات إرباكاً وشعوراً بقدر من الفوضى، وخلقت قلقاً متزايداً لدى الجمهور الإسرائيلي، بشكل بدأ ينعكس على ردّات فعل مسؤولين إسرائيليينّ بتصريحات غير منضبطة، ومن يتتبّع المقالات في صحيفة هارتس ويديعوت أحرنوت وبعض المواقع الإسرائيلية باللّغة الإنكليزية يجد ذلك واضحاً.
3- محاكاة فعل المقاومة: للمرّة الأولى تقوم “دولة” الكيان الإسرائيلي بنشر أفلام فيها تقليد واضح للأفلام الوثائقية التي تبثّها المقاومة، فعادة “إسرائيل” تبثّ أفلاماً عن تحرّكات القوّات أو عن صور معتقلين أو أسرى، لكن ليس في تقاليد الإعلام الحربي الإسرائيلي نشر أفلام، كالتي بُثّت في الأيّام الأخيرة، والتي لم تكن موفّقة في إيصال الرّسالة المقصودة، وقد قمت بترجمة على محرك “غوغل” لتعليق لأحد اليهود بالعبرية على الفيلم الإسرائيلي، حيث يقول التّعليق: “أن تقلّدوا هوليوود وتفشلوا أمر يمكن فهمه، لكن أن تقلّدوا حماس فتفشلوا فهذا أمر سخيف”.
وهذا يعني أنّ أفلام المقاومة عن عملياتها بدأت تجد صدى ومتابعة من الجمهور الإسرائيلي ، وبدأت تترك آثاراً نفسية على المتلقّي الإسرائيلي، وهو أمر بدأ يرفع من وتيرة التوتّر لدى صانع القرار، فراح يفرغ مكبوتاته دون انضباط.
4- لغة الجسد: في تقرير لأحد خبراء علم النّفس يشير من متابعته للغة الجسد لنتنياهو إلى ما يلي:
- أ- تشير لغة جسد نتنياهو إلى أنّه يقرأ من نص أمامه لكنّه غير ظاهر للمتفرّج، حيث تتوافق حركات جسده مع الكلمات التي يتحدّث بها، ممّا يدلّ على افتقاره إلى العفوية والتّلقائية والتّخوف من “زلات اللّسان” التي تكشف الواقع الحقيقي.
- ب- التّناقض بين حجم ما يقوله نتنياهو عن مخاطر الطّائرات بدون طيار أو الصّواريخ التي تطلق على “إسرائيل” وبين نسبة ما يقوله النّاطق العسكري عن نجاح القبّة الحديدية في الاعتراض يعزّز التشويش الذّهني للمتلقّي الإسرائيلي، فتزداد عدم الثّقة في نتنياهو.
- ت- لغة جسد نتنياهو تفتقر إلى القوّة الحازمة ولا تتناسب مع حدّة كلماته، ممّا يثير تساؤلات حول نواياه الحقيقية.
- ث- ينظر نتنياهو بين الحين والآخر، خلال الخطاب، إلى أسفل؛ ممّا يشير إلى الاستعداد “لمداراة ضغوط اللاوعي عليه”.