في موقف غريب، اعتبرت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد، وخسر فيها تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأغلبية، “خطرا على البلاد”، فيما بدا رفضا مبطنا لخيار ناخبين يعتبر موقفهم سيدا، وهو ما تقتضيه الأعراف الديمقراطية.
وترشحت رئيس الوزراء الفرنسية ضمن تحالف “معا” الذي يقوده ماكرون، وإن حصلت على مقعدها في الجمعية الوطنية (البرلمان)، إلا أن تكتل الرئيس سجل تقهقرا أفقده الأغلبية التي تمكن ماكرون من إدارة خماسيته الثانية في قصر الإيليزي بأريحية كما كان الحال في العهدة الأولى، وإن نغص عليه أصحاب البدلات الصفراء فترته الأولى، كما يعلم الجميع.
وحصلت كتلة اليسار بزعامة جون لوك ميلونشون على المرتبة الثانية بعدما خسرها في الانتخابات السابقة، فيما حل حزب “التجمع الوطني” ممثلا في اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، على المرتبة الثالثة محققا تقدم لافتا زاد من مخاوف الفرنسيين.
ولم توضح المسؤول الثاني في الجهاز التنفيذي الفرنسي، مكامن هذا الخطر وخلفياته، غير أن المتابع للشأن السياسي في فرنسا يمكنه قراءة هذا التوصيف من خلال الصعوبة التي ستواجهها حكومة إليزابيت بورن، في إدارة دفة “قصر الماتينيون”، بسبب افتقاد المعسكر الرئاسي للأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تمرير مشاريعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها ملف التقاعد الذي يعتبر من أعقد الملفات لدى الفرنسيين.
التصريح الصادر عن إليزابيت بورن خلف العديد من التساؤلات لدى النخب السياسية والإعلامية ليس في فرنسا فقط وإنما في العالم أجمع، لأن مثل هذا التصريح المثير للجدل، لم يأت من مسؤول في دولة “عالم ثالثية” مشهود لها بالانقلابات أو بتزوير نتائج الانتخابات، أو من مسؤول في دولة لا تعترف بالانتخابات أصلا، وإنما من رئيس حكومة في دولة اعتادت تقديم دروس في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. لغيرها من الدول والشعوب.
ويتساءل المراقبون إن كان سيصدر عن إليزابيت بورن مثل هذا التصريح، لو فاز مثلا التحالف الذي تنتمي إليه بأغلبية مريحة في انتخابات الأحد المنصرم؟ الأكيد أنها كانت ستحتفل بالنصر وتتغنىّ بنزاهة الانتخابات وتصفها بـ “العرس الديمقراطي”، الذي لا يحصل إلا في دولة غربية مثل فرنسا، مهد ثورة الحرية والمساواة والأخوة.
يرى بعض المراقبين بل أكثريتهم، أن ما قالته إليزابيت بورن يعبر عن فئة ممن يعتبرون أنفسهم متنورين وديمقراطيين، غير أن منطق هؤلاء لا يرى في الانتخابات آلية ديمقراطية للتداول على السلطة، وإنما وسيلة للوصول إلى السلطة والبقاء فيها بكل السبل، ولو تطلب الأمر الانقلاب على المبادئ التي يدّعونها.
سؤال آخر يتعين طرحه على التكتل السياسي الذي رشح إليزابيت بورن في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وعلى رأسهم الرئيس ماكرون، هل سيتدخل ليصحح الوضع ويفرض الانضباط الديمقراطي الذي يتحدثون عنه عند تعليقهم في كل مرة على نتائج الانتخابات في الدول التي لا يقاسمونها القناعات والقيم ذاتها، أم أنه سيتجاهل ويمضي وكأن شيئا لم يكن، وفي هذه الحالة سيضع تصريحاته السابقة ومنها تعليقه على نتائج الانتخابية الرئاسية الأخيرة في الجزائر، وكذا مواقفه المقبلة من الاستحقاقات، محل سخرية من قبل الجميع.
الكرة ستبقى في مرمى مُنظّري الديمقراطية والحريات إلى أن يستجد الجديد.