في سابقة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجّه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، انتقادا لاذعا لحكومة الكيان الإسرائيلي، بوصف هجماته على القطاع بـ “القصف العشوائي”. وقال بايدن إن طبيعة الهجمات الإسرائيلية على غزة تؤدي إلى تآكل الدعم الدولي لـ (الحرب) الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.
التصريح الذي يعدّ أول انتقاد علني حاد من قبل الإدارة الأمريكية للكيان الإسرائيلي، أتى عشية استقبال الرئيس جو بايدن لعائلات الأمريكيين المحتجزين كأسرى في قطاع غزة، بالبيت الأبيض – الأربعاء – أي بعد يوم واحد من الإدلاء بأكثر تصريحاته انتقادا للكيان الإسرائيلي، الذي أصر منذ بداية الحرب شهر أكتوبر الماضي، على التأكيد على دعمه ومساندته، رغم تأثير ذلك على شعبيته وتدني حظوظ فوزه بعهدة ثانية في رئاسيات 2024.
وقال بايدن إن طبيعة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تؤدي إلى تآكل الدعم الدولي الواسع لحربها على حركة حماس، بعد التحولات التي شهدها الرأي العام الأمريكي، الذي انتفض ضد الهمجية الممارسة على المدنيين الفلسطينيين العزل، ورفضت شريحة واسعة منه استمرار واشنطن في تقديم المساعدات المادية والعسكرية، التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في تصفية الشعب الفلسطيني وتهجيره من القطاع.
ورغم تأكيد ممثلي الإدارة الأمريكية عدم وجود خلافات بينها وبين حكومة الكيان الإسرائيلي، إلا أن التصريح الأخير للرئيس بايدن، الذي تبعه تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جدد من خلاله موقفه المتمثل في عدم مشاركة السلطة الفلسطينية في حكم قطاع غزة بعد نهاية الحرب، وهو الأمر الذي دعت إليه الولايات المتحدة علنا، يُنم عن وجود خلافات جوهرية بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.
إلى جانب تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، إنه سيسافر قريبا إلى الكيان الإسرائيلي، للقاء بنيامين نتنياهو، ومجلس وزرائه الحربي وغيرهم من القادة الإسرائيليين، حاملا رسائل من الرئيس لمناقشة ما أسماه “الجداول الزمنية” لإنهاء الحرب.
وكرر سوليفان – خلال حديثه ضمن منتدى “وول ستريت جورنال” في العاصمة واشنطن – وجهة النظر الأمريكية القائلة بأن السلطة الفلسطينية “المتجددة والمنشطة” يجب أن تشرف على قطاع غزة والضفة الغربية. وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد أعرب الأسبوع الماضي عن قلقه من أن الكيان لا يفعل ما يكفي للحد من الخسائر البشرية في القطاع قائلا: “لا تزال هناك فجوة بين نية (إسرائيل) المعلنة لحماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض”.
الانتقادات الأمريكية للكيان لا تُترجم أفعالها
ويبدو أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد بدأ ينتبه إلى نتائج استطلاعات الرأي التي تتحدث عن رفض شعبي أمريكي لما يحدثه الجيش الإسرائيلي من خسائر بشرية فاقت الـ 15 ألف شهيد. وحسب استطلاع أجرته مؤسسة “ماريست” لمصالح شبكتي “NPR وPBS”، سابقا، فإن الأمريكيين ورغم اتفاق غالبيتهم على أن الرد العسكري الإسرائيلي على هجمات حركة حماس الفلسطينية في الـ 7 أكتوبر الماضي، كان إما مناسبا أو منضبطا للغاية، إلا أن عدد الذين وصفوه بأنه عدواني للغاية قد ارتفع من 26 ℅ خلال شهر أكتوبر إلى 38 ℅ خلال شهر نوفمبر المنصرم، وتراجعت نسبة الذين قالوا إنه مناسب من 44 ℅ شهر أكتوبر إلى 38 ℅ شهر نوفمبر، كما ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين قالوا إنهم يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين إلى 25 ℅ خلال شهر الجاري، بعد أن كانت 15 ℅ خلال الشهر الماضي، وفقا لاستطلاع أجرته جامعة “كوينيبياك”.
ويعود السبب الرئيس إلى ارتفاع نسبة الأمريكيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية إلى ارتفاع عدد الشهداء المدنيين في قطاع غزة، ومعظمهم من النساء والأطفال، حيث قال أكثر من 80 ℅ من الأميركيين من خلال استطلاع رأي أجرته وكالة “رويترز” قبل بضعة أسابيع، إن على الكيان أن يوقف عملياته العسكرية، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة.
وعلى الرغم من الانتقاد الحاد الذي وجهه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لحكومة و(جيش) الكيان الإسرائيلي، وجهرَ وزير خارجيته بعدم تناغم الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، بشأن مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء العدوان، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى ثابتة في دعمها الكيان الإسرائيلي، حيث كانت الأسبوع الماضي العضو الوحيد الذي صوّت ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، لكن ثبات الدّعم الأمريكي وقوته واستمراره من الصعب أن يغطي التحول الذي شهده الدعم العالمي للقضية الفلسطينية، من خلال تصويت أكثر من ثلاثة أرباع هيئة الأمم المتحدة، والمعروفة باسم الجمعية العامة، بأغلبية ساحقة لصالح قرار غير ملزم لإنهاء الصراع، كما أن المساعدات المادية والعسكرية السخية لا يمكن أن تحجب تصاعد التعاطف الشعبي الأمريكي مع القضية الفلسطينية.