في السابق، كان فصل الصيف مرادفاً للاستجمام والراحة، وارتبط في أذهان الناس حول العالم بالسفر والتقاط الصور التذكارية. إلا أن هذا الفصل تحول في السنوات الأخيرة إلى موسم مليء بالأزمات الصحية والكوارث الطبيعية المتزايدة، وشهدت العديد من مناطق العالم ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة، كترجمة عملية لحدة أزمة التغير المناخي، وهو ما أدى إلى وفاة العديد من الأشخاص نتيجة ضربات الشمس والجفاف التي اجتاحت بلداناً عدة. كما أن هذه الظروف القاسية ساعدت في انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، إذ تشكّلُ الحرارة العالية والرطوبة الكثيفة بيئة مثالية لتفشّيها. ومع تصاعد هذه الأزمات، يبرز تساؤل مُلحّ ومشروع حول ما إذا كانت هناك مؤامرة خفيّة تدير خيوط هذا التغير المناخي المتسارع. إذ يمكن النظر إلى ارتفاع درجات الحرارة والأحداث الطبيعية القاسية على أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى التأثير على الاقتصاد العالمي والسيطرة على الموارد.
ويرى بعض المفكرين أن الأزمات البيئية قد تُستخدم وسيلة للضغط على الدول والشعوب، مما يؤدي إلى فرض سياسات جديدة أو إعادة تشكيل الحكومات. وهذه الفرضية تفتح المجال للتحليل حول الدور المحتمل للجهات الفاعلة، سواء كانت حكومات أو شركات عملاقة، في خلق أو تفاقم الأزمات المناخية.
وفي حين أن العلم يوضح بجلاء أن التغير المناخي ناتج عن الأنشطة البشرية، تظل الأسئلة قائمة حول مدى تعمد تلك الأنشطة أو استغلالها لأغراض سياسية واقتصادية. من هنا، يصبح من الضروري استكشاف العلاقة بين الأحداث المناخية الحالية وأي مخططات محتملة تسعى لتحقيق أهداف محددة في ظل الفوضى المتزايدة.
وفي هذا السياق، أعلن مرصد كوبرنيكوس الأوروبي لتغير المناخ أن صيف عام 2024 كان أكثر الفصول حرارة على مستوى العالم منذ بدء توثيق درجات الحرارة في عام 1850. إذ يشير المرصد، الذي يعد جزءًا من خدمة مراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى أن صيف 2024 تجاوز صيف 2023 في معدلات ارتفاع درجات الحرارة، مما يجعله الفصل الأكثر حرارة حتى الآن.
وأفاد مرصد كوبرنيكوس في نشرته الشهرية الأخيرة بأن شهر أوت 2024 سجل أعلى درجات حرارة على الإطلاق، حيث تجاوزت درجات الحرارة المتوسط المرجعي للفترة 1991-2020 بمقدار 0.71 درجة مئوية. وبالتالي، يُعد أوت 2024، إلى جانب أوت 2023، من أكثر شهور أوت حرارة في التاريخ، مما يعكس التحذيرات المتعلقة بتسارع التغير المناخي ويعزز النقاش حول دور القوى الفاعلة في تفاقم هذه الأزمات.
يأتي ذلك في ظل ارتفاع متزايد في درجات الحرارة على كوكب الأرض، مما يسهم في تفاقم الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والحرائق والسيول. هذا الارتفاع مرتبط بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط الصناعي البشري، مما يزيد من حدة أزمة المناخ المستمرة.
يُذكر أن فصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يتراوح بين جوان وأوت من كل عام. وأوضح المرصد الأوروبي أن متوسط حرارة صيف 2024 في النصف الشمالي من الكرة الأرضية تخطى متوسط الفترة 1991-2020 بمقدار 0.69 درجة مئوية، مع العلم أن الرقم القياسي الذي سُجّل بين جوان 2023 وأوت منه كان قد قُدّر بـ0.66 درجة مئوية.
وفي سياق متصل، أشار مرصد كوبرنيكوس إلى أن صيف 2024 كان “الصيف الأشد حرارة” في أوروبا، حيث تجاوز متوسط 1991-2020 بـ1.54 درجة مئوية، ومتجاوزًا أيضًا الرقم القياسي السابق في عام 2022 بـ1.34 درجة مئوية.
وقد أشار مدير مرصد كوبرنيكوس الأوروبي، كارلو بونتيمبو، إلى أنه في جويلية 2024، وللمرة الأولى منذ أكثر من عام، لم يُسجل العالم رقمًا قياسيًا لجهة ارتفاع درجات الحرارة، إذ تراجعت حرارة جويلية 2024 قليلاً مقارنة بشهر جويلية 2023. لكن ذلك قد يكون مرتبطًا بواقع أن جوان 2024 كان أكثر دفئًا بكثير مقارنة بشهر جوان 2023. ومع ذلك، أكد بونتيمبو أن صيف 2024 ككل هو الصيف الأكثر حرارة.
للإشارة، لم يكن بونتيمبو قد حسم الأمر فيما يتعلق بتقديرات تحطيم عام 2024 الرقم القياسي لأكثر الأعوام سخونة، شأنه في ذلك شأن علماء مناخ آخرين، وذلك لأن شهر أوت 2023 كان أكثر دفئًا من المتوسط. ومع ذلك، تطابق أوت 2024 مع عام 2023، مما جعل بونتيمبو “متأكدًا كليًا” من أن هذا العام سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق. وبالنسبة إلى بونتيمبو، “حتى لا يصبح عام 2024 الأكثر دفئًا على الإطلاق، نحتاج إلى رؤية تبريد كبير جدًا في الأشهر القليلة المتبقية، وهو ما لا يبدو مرجحًا في هذه المرحلة”.
من جهتها، أفادت نائبة مدير مرصد كوبرنيكوس الأوروبي، سامانثابورغس، بأن الأرقام القياسية المذكورة المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة “تزيد من احتمال أن يكون عام 2024 هو العام الأشد حرارة على الإطلاق”.
وحذّرت بورغس من أنه “ما لم نتخذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، فإن الأحداث غير المعهودة المرتبطة بالحرارة التي نشهدها ستكون لها عواقب أكثر ضررًا على البشر والكوكب”. من جهته، لفت عالم المناخ ستيفان رامستورف لدى معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (ألمانيا)، الذي لم يشارك في الدراسة، إلى أن ما تشير إليه هذه البيانات الرصينة هو “كيف تحكم أزمة المناخ قبضتها علينا”.
وفقًا للأمم المتحدة، يعيش نصف سكان العالم بالفعل في مناطق خطرة، حيث يعتبرون أكثر عرضة بمعدل 15 مرة للوفاة بسبب التأثيرات المتعلقة بأزمة المناخ. ووقعت 70 بالمائة من جميع الوفيات الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالمناخ في السنوات الخمسين الماضية في 46 دولة من أقل البلدان نموًا في العالم.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قال في وقت سابق إن “عصر الاحتباس الحراري انتهى، وبدأ عهد الغليان الحراري العالمي. الهواء لا يمكن تنفسه، والحرارة لا تطاق، ومستوى الأرباح التي يتم جنيها من الوقود الأحفوري والتقاعس عن العمل المناخي أمر غير مقبول”. وأضاف: “يجب على القادة أن يقودوا، لا للمزيد من التردد.. لا للمزيد من الأعذار.. لا للمزيد من الانتظار للآخرين للتحرك أولاً.. ببساطة لم يعد هناك وقت لذلك”.
لغز الزلازل الغامضة.. من القطب إلى القطب!
كان العلماء في حيرة من أمرهم بسبب تدفق إشارات زلزالية استمرت تسعة أيام من القارة القطبية الشمالية إلى القارة القطبية الجنوبية في سبتمبر 2023. كشفت دراسة حديثة أن هذا النشاط الزلزالي كان نتيجة لانهيار أرضي كبير وقع قبل عام بسبب التغير المناخي، وهو حدث أثار فضول العلماء وأدى إلى لغز استغرق وقتًا طويلاً لحله. وقد أظهرت الدراسة أن الانهيار حدث في منطقة نائية بجزيرة غرينلاند.
في سبتمبر 2023، انهارت قمة جبل بارتفاع 1.2 كيلومتر في مضيق “ديكسون”، مما أدى إلى تدفق حوالي 25 مليون متر مكعب من الصخور والجليد، وهو ما يكفي لملء 10,000 حمام سباحة أولمبي. وبعد أن ملأت المياه المضيق، ارتفعت على ارتفاع 200 متر في الهواء، مما أوجد موجة بارتفاع 110 أمتار امتدت لمسافة 10 كيلومترات، قبل أن تنخفض إلى 7 أمتار في غضون دقائق. كما أظهر نموذج أعده العلماء أن المياه استمرت بالتدفق ذهابًا وإيابًا في المضيق المتعرج كل 90 ثانية لمدة تسعة أيام.
على الرغم من أن هذا الأمر تم اكتشافه لاحقًا، فإن أجهزة قياس الزلازل كانت تسجل اهتزازات غامضة في جميع أنحاء الكرة الأرضية وقت وقوع الحدث، من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي. كانت هذه الاهتزازات مختلفة تمامًا عن تلك الناتجة عن الزلازل التقليدية، حيث كانت تتميز بتردد اهتزازي واحد يشبه همهمة رتيبة.
يقول ستيفن هيكس، الباحث المشارك في الدراسة: “شعرت بالحيرة التامة عندما رأيت الإشارة الزلزالية للمرة الأولى”. ويضيف: “على الرغم من أن أجهزة قياس الزلازل قادرة على تسجيل مجموعة متنوعة من الحركات تحت سطح الأرض، إلا أنه لم يسبق أن تم رصد مثل هذه الموجة الزلزالية الطويلة الأمد، التي تتنقل عالمياً وتحمل ترددًا واحدًا من الذبذبات”.
شكل هذا الأمر لغزًا بالنسبة لهيكس، الذي قاد فريقًا مكونًا من 68 عالمًا من 40 مؤسسة في 15 بلدًا حول العالم لمحاولة حله. وقد توصل الفريق الدولي إلى أن السبب وراء هذا الحدث هو انهيار أرضي ضخم ناتج عن التغير المناخي، تمثل في انهيار قمة جليدية.
استخدم العلماء نماذج حاسوبية وصورًا من الأقمار الاصطناعية والقياسات الميدانية لرسم صورة دقيقة للانهيار. وتطابقت هذه النماذج مع الاهتزازات التي حدثت في قشرة الأرض، مما أدى إلى “طنين” سمع في جميع أنحاء الكوكب. وأشار الباحثون إلى أن الانهيار الجليدي كان نتيجة ضعف الجليد وعدم قدرته على تحمل الصخور فوقه، وهو ما يعود إلى تأثيرات التغير المناخي.
فيما قال كريستيان سفينيفغ، الباحث الرئيسي في الدراسة: “هذا هو أول انهيار أرضي وموجات تسونامي يتم رصدهما في شرق غرينلاند، مما يدل على أن تأثيرات التغير المناخي هناك كبيرة”.
استنتج الباحثون أن تسارع التغير المناخي يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى مراقبة المناطق التي كان يُعتقد سابقًا أنها مستقرة. سيوفر هذا الأمر تحذيرات مبكرة مهمة بشأن هذه الانهيارات الأرضية الضخمة وأحداث التسونامي.
نحو الحد من ارتفاع درجات الحرارة
وفقًا للأمم المتحدة، يعيش نصف سكان العالم بالفعل في مناطق خطرة، حيث يعتبرون أكثر عرضة بمعدل 15 مرة للوفاة بسبب التأثيرات المتعلقة بأزمة المناخ. وفي جوان الماضي، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعوة عالمية للعمل من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة، مشيرًا إلى أن منتصف شهر جويلية 2024 شهد تسجيل أعلى درجات حرارة على الإطلاق.
وأشار الأمين العام، خلال مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 25 جويلية 2024 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، إلى أن أيام 21 و22 و23 جويلية الماضي شهدت تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة العالمية. ونبّه غوتيريش إلى أن درجات الحرارة القصوى أصبحت الآن قضية عالمية مستمرة وليست حوادث معزولة، وقد أدت موجة الحر إلى عواقب وخيمة شملت وفاة 1,300 شخص أثناء موسم الحج (في المملكة العربية السعودية)، وإغلاق مناطق الجذب السياحي في أوروبا، وإغلاق المدارس في آسيا وأفريقيا، مما أثر على أكثر من 80 مليون طفل.
كما تطرق الأمين العام إلى موجة الحر القاتلة التي تضرب منطقة الساحل، مع ارتفاع حالات دخول المستشفيات والوفيات. وفي الولايات المتحدة، تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في جميع أنحاء البلاد، مما وضع 120 مليون شخص تحت تحذيرات استشارية بشأن الحر. وأضاف الأمين العام أن الحرارة الشديدة تمزق الاقتصادات وتوسع عدم المساواة وتقوض أهداف التنمية المستدامة وتقتل الناس.
ومضى قائلاً: “الأرض تصبح أكثر سخونة وخطورة على الجميع، في كل مكان، يواجه مليارات الأشخاص وباء من الحرارة الشديدة، حيث يذبلون تحت موجات حر مميتة بشكل متزايد، مع درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية في جميع أنحاء العالم، وهذا يعادل 122 درجة فهرنهايت، ونصف درجة الغليان (100 درجة مئوية)”.
وأشار الأمين العام إلى أن الحرارة الشديدة تتفاقم بسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، حيث تُقدّر الوفيات المرتبطة بالحرارة بنحو نصف مليون سنويًا، وهو ما يتجاوز بكثير تأثير الأعاصير المدارية. وتركز دعوة الأمين العام العالمية بشأن الحرارة الشديدة على أربعة مجالات رئيسة هي: حماية الفئات السكانية الأكثر ضعفًا، وتعزيز سلامة العمال ضد المخاطر المرتبطة بالحرارة، وتعزيز القدرة على الصمود من خلال خطط العمل المتعلقة بالحرارة القائمة على البيانات، والحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة.
أولاً/بشأن حماية الفئات الأكثر ضعفًا: قال الأمين العام للأمم المتحدة إن زيادة الوصول إلى حلول التبريد وأنظمة الإنذار المبكر والمساعدات المالية أمر بالغ الأهمية لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر. أما بخصوص حماية العمال، فأكد الأمين العام على ضرورة تطبيق القوانين واللوائح لحماية العمال المعرضين للحرارة الشديدة، نظرًا لتأثيرها الضار على إنتاجية العمل والصحة.
ثانيا/حول تعزيز قدرة الاقتصادات والمجتمعات على الصمود: قال الأمين العام إن خطط العمل المتعلقة بالحرارة القائمة على البيانات، وتأمين البنية التحتية ضد تغير المناخ، تعتبر أمورًا ضرورية للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحرارة الشديدة. وأخيرًا، شدد الأمين العام على ضرورة مكافحة السبب الجذري الذي يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة: تكمن المشكلة الأساسية في الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ودعا القادة إلى الالتزام بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق الأهداف العالمية المتفق عليها في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين حول المناخ، لمضاعفة قدرة العالم على إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات، وإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030.
هذا، ويُظهر العلم بوضوح أنه من أجل تجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش، يجب أن تقتصر الزيادة في درجات الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
من النينيا إلى النينيو..
ولكن القصة أعمق من مجرد تغير المناخ!
بقلم: دراجي بلوم علقمة – خبير جزائري استشاري في البيئة والتنمية المستدامة
يعتقد الكثير من الناس أن تغير المناخ يعني أساسًا ارتفاعًا في درجات الحرارة، إلا أن الحقيقة هي أن ارتفاع درجة الحرارة ليس سوى بداية القصة. فالأرض عبارة عن نظام متكامل، حيث كل شيء متصل بعضه ببعض، مما يعني أن التغييرات في منطقة واحدة قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى.
وقد أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في جنيف، قبل أيام، عن احتمال كبير لظهور ظاهرة النينيا الباردة بحلول نهاية العام الجاري، مع تقدير يصل إلى حوالي 60 بالمائة. وتشير أحدث التنبؤات الصادرة عن المراكز العالمية لرصد التنبؤات الطويلة المدى التابعة للمنظمة إلى أن هناك احتمالية نسبتها 55 بالمائة، بأن تتحول الظروف المحايدة الحالية (التي ليست ظروفًا لأي من ظاهرتي النينيو والنينيا) إلى ظروف ظاهرة النينيا في الفترة من سبتمبر الجاري إلى نوفمبر 2024.
ويرتفع هذا الاحتمال إلى 60 بالمائة في الفترة من أكتوبر 2024 إلى فبراير 2025، حسب خبراء هذه المنظمة، مع وجود احتمال ضئيل في أن تحدث ظاهرة النينيو مرة أخرى خلال هذه الفترة.
يقول تقرير المنظمة إن جميع الظواهر المناخية التي تحدث بشكل طبيعي، مثل ظاهرتي النينيا والنينيو، باتت الآن تحدث في سياق أوسع لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ويفاقم ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة، ويؤثر على الأنماط الموسمية لهطول الأمطار ودرجات الحرارة.
وكانت السنوات التسع الماضية هي الأكثر حرارة على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، رغم التأثير البارد لظاهرة النينيا التي استمرت لسنوات عدة من 2020 إلى أوائل 2023.
أولاً/ تغير أنماط الهجرة والتكاثر للكائنات الحية:
الحيوانات والنباتات: تعتمد العديد من الكائنات الحية على دورات طبيعية معينة، مثل التغيرات الموسمية في درجات الحرارة، لتنظيم مواسم الهجرة والتكاثر. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتغير هذه الأنماط، مما قد يسبب اضطرابًا في توقيت التكاثر أو هجرة الكائنات الحية. بعض الحيوانات تنتقل إلى مناطق جديدة بحثًا عن مناخات أكثر ملاءمة، مما يؤدي إلى اضطرابات في النظم البيئية التي تدخلها.
ثانيًا/ انقراض بعض الأنواع وانخفاض التنوع البيولوجي:
الأنواع الحساسة: العديد من الأنواع غير قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة في درجات الحرارة، وخاصة تلك التي تعيش في بيئات محددة مثل القطبين أو الجبال العالية، فهي الأكثر عرضة لخطر الانقراض.
التنوع البيولوجي: مع فقدان الأنواع، يتأثر التنوع البيولوجي بشكل كبير، مما يخل بتوازن النظم البيئية ويضعف قدرتها على مقاومة الضغوط البيئية الأخرى مثل الأمراض.
ثالثًا/ تحمّض المحيطات وتأثيره على الحياة البحرية:
إن تحمّض المحيطات نتيجة لزيادة امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو يؤدي إلى ذوبان أصداف الكائنات البحرية التي تعتمد على الكالسيوم، مثل المرجان والمحار، مما يؤدي إلى تدهور الشعب المرجانية، التي تعتبر بيئات بحرية حيوية تدعم آلاف الأنواع. كما أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يؤدي أيضًا إلى تبييض الشعاب المرجانية، حيث تفقد قدرتها على دعم الحياة البحرية.
رابعًا/ تأثيرات على الموارد المائية:
الجفاف: مع زيادة درجات الحرارة، تزداد معدلات التبخر، مما يؤدي إلى نقص موارد المياه في بعض المناطق، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.
ذوبان الأنهار الجليدية: يؤدي الارتفاع في درجات الحرارة إلى ذوبان الأنهار الجليدية، مما يقلل من تدفق المياه العذبة إلى الأنهار خلال فصول الجفاف، وهذا يؤثر على النظم البيئية التي تعتمد على المياه الجليدية.
خامسًا/ زيادة وتيرة الكوارث الطبيعية:
حرائق الغابات: إن الارتفاع في درجات الحرارة يسبب جفاف النباتات وزيادة احتمالية اشتعال الحرائق. هذه الحرائق تدمر الغابات التي تُعتبر موطنًا للعديد من الكائنات الحية وتساهم في تقليل التنوع البيولوجي.
الأعاصير والعواصف: ارتفاع درجات الحرارة يزيد من احتمالية حدوث أعاصير وعواصف شديدة. هذه الكوارث تسهم في تدمير النظم البيئية الهشة، مثل السواحل والغابات.
سادسًا/ التأثير على الزراعة والأمن الغذائي:
تغير المواسم الزراعية: الارتفاع في درجات الحرارة يؤدي إلى تقليص فترة النمو لبعض المحاصيل، مما يقلل من الإنتاجية الزراعية ويؤثر على الأمن الغذائي.
التغيرات في توافر المياه: نقص المياه بسبب زيادة التبخر والجفاف يؤثر بشكل مباشر على الزراعة، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل وتهديد الأمن الغذائي في العديد من مناطق ودول العالم.
سابعًا/ ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر:
ذوبان الجليد القطبي يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد الأنظمة البيئية الساحلية مثل الأهوار والمستنقعات، التي تُعتبر موائل طبيعية للكثير من الكائنات.
التأثير على الحياة القطبية: الكائنات الحية التي تعتمد على الجليد البحري، مثل الدببة القطبية، تجد صعوبة في البقاء مع تراجع الجليد، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها وربما انقراضها.
ثامنًا/ التأثير على دورة الكربون الطبيعية:
إن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على دورة الكربون الطبيعية، حيث يقلل من قدرة الغابات والتربة على امتصاص الكربون، مما يزيد من تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويؤدي إلى تفاقم الاحتباس الحراري.
تاسعًا/ زيادة انتشار الأمراض:
إن الارتفاع في درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض المنقولة عن طريق الحشرات، مثل الملاريا وحمى الضنك، حيث يتوسع نطاق تكاثر البعوض والقراد. وهذا التأثير لا يقتصر على البشر فقط، بل يؤثر أيضًا على الحياة البرية والنظم البيئية.
تجدر الإشارة إلى أن هناك إشكالية مستمرة على مر السنين منذ أول مؤتمر للمناخ، حيث إن المسؤولية في هذه القضية مشتركة بين جميع دول العالم، لكنها تبقى متباينة، كون الدول الصناعية هي المتسبب الرئيس في هذه المشكلة، وهذا ما يؤكده جل الخبراء في هذا المجال.
وقد أصبح من الواضح أن اتفاقية المناخ تحولت إلى شبه اتفاقية اقتصادية، إذ أن قمم المناخ الأخيرة ظاهرها مناخ ومضمونها اقتصاد. هنا يظهر، بشكل جلي وواضح، صراع المصالح الاقتصادية، فالدول الكبرى لا تريد تقليل استهلاك شعوبها، وهي تنتج نفايات كبيرة وتطالب الدول الأخرى بالتخفيف منها. ومن هنا، تتحمل الدول الكبرى مسؤولية الوفاء بالتزاماتها خلال المؤتمرات الأخيرة للمناخ، بدفع 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية.
إذن، يستوجب التفكير بعيدًا عن الحسابات الاقتصادية، كون الارتفاع القياسي في درجات الحرارة قد يؤثر بشكل كبير على النظم البيئية حول العالم، ويزيد من هشاشتها تجاه الضغوط البيئية. هذا الوضع يستدعي تحركًا عالميًا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز التدابير التي تساعد النظم البيئية على التكيف مع هذه التغيرات الكبيرة.
الحل الأمثل لمعالجة شح المياه..
تحلية مياه البحر لمواجهة التغير المناخي في الجزائر؟
بقلم: عماد بوزناد – خبير جزائري في علوم المياه
بدايةً، وقبل الخوض في أسباب ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية الحالية وعلاقتها بظاهرة الجفاف والإجهاد المائي، من الضروري الإشارة إلى التغيرات المناخية القديمة التي شهدتها الكرة الأرضية على مدى ملايين السنين. فقد مرت الأرض بفترات جليدية غطت أجزاء كبيرة من سطحها بالجليد، تلتها فترات دافئة أدت إلى ذوبان الجليد وظهور أراضٍ وبحار جديدة. وهذا يفسر وجود الرمال في الصحاري الكبرى، بما في ذلك الصحراء الجزائرية، فضلاً عن بقايا تشير إلى وجود أسماك ومخلوقات بحرية في تلك المناطق في أزمنة سابقة.
ترتبط هذه الظواهر بجملة من العوامل، منها الأنشطة البركانية الكبيرة وسقوط النيازك، بالإضافة إلى انبعاثات البراكين التي حجبت أشعة الشمس عن الأرض، مما أدى إلى فترات جليدية طويلة.
أما في العصر الحالي، فإن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة يعود بشكل أساسي إلى الاحتباس الحراري والانبعاثات الغازية الناتجة عن تدخل الإنسان واستغلال الموارد الطبيعية بشكل مفرط. وبذلك، يؤثر ارتفاع درجات الحرارة بشكل مباشر على ظاهرة الجفاف والإجهاد المائي. يتجلى هذا الارتباط في جوانب عدة، مثل التبخر المتزايد؛ حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر من الأسطح المائية، مثل البحيرات والأنهار والسدود، مما يقلل من كميات المياه المتاحة ويؤدي أيضًا إلى تفاقم الجفاف وتغير أنماط هطول الأمطار.
تؤدي التغيرات المناخية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة إلى عدم استقرار أنماط هطول الأمطار في بعض المناطق، بما في ذلك شمال إفريقيا والجزائر على وجه الخصوص، حيث قد تنقطع الأمطار لفترات طويلة، مما يمثل مرحلة من مراحل الجفاف. في المقابل، تتعرض مناطق أخرى لأمطار غزيرة قد تؤدي إلى فيضانات، وهو ما شهدته بلادنا قبل أيام. وقد تكرر هذا الأمر خلال الأعوام الماضية، حيث زادت وتيرة التقلبات المناخية وهطول الأمطار في غير مواسمها، مما يدل على وجود تغيير واضح في أنماط الهطول.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى ذوبان الجليد والثلوج في المناطق القطبية والجليدية، مما يقلل من مصادر المياه العذبة ويزيد من خطر الفيضانات. وبطبيعة الحال، يزداد الطلب على المياه مع ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في قطاعات الري والزراعة، فضلاً عن الاستخدامات البشرية المختلفة.
نقطة أخرى مهمة تستدعي الانتباه هي حرائق الغابات، حيث سجلت العديد من دول العالم حرائق متكررة في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، في عام 2023، تم تسجيل أكثر من 6500 حريق غابات في حوض البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى إتلاف أكثر من مليون هكتار من الغابات.
كما شهدت الجزائر ارتفاعًا كبيرًا في حرائق الغابات خلال السنوات الأخيرة، خاصة خلال موجة الحر التي اجتاحت البلاد في عام 2021، حيث تم تسجيل أكثر من 100 حريق في يوم واحد، مما أسفر عن خسائر مادية وبشرية وبيئية فادحة.
أما بالنسبة إلى الإجهاد المائي، الذي يشير إلى نقص الموارد المائية المتاحة لتلبية احتياجات السكان والزراعة والصناعة، فإنه يعد قضية حيوية أخرى. في الجزائر، لاحظنا نقصًا كبيرًا في تهاطل الأمطار وارتفاعًا في درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة.
ومن المعروف أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على الأمطار لتغذية مصادرها المائية، سواء السدود أو الري أو الاحتياجات اليومية في مختلف المناطق. وقد شهدت البلاد انخفاضًا ملحوظًا في هطول الأمطار، مما أدى إلى تراجع مخزون السدود والمياه الجوفية. وخلال هذا الصيف، عانت البلاد من نقص حاد في المياه الجوفية وفي مخزون السدود، كما هو الحال في ولاية تيارت، حيث شهد سد تيارت جفافًا كليًا، مما أدى إلى أزمة مياه في هذه الولاية.
هذا، وتواجه الجزائر أزمة مياه خطيرة، إذ تعد من بين الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، رغم توافر المخزونات الكبيرة، مثل الجب المائي الواسع في الصحراء الجزائرية، الذي يمكنه تلبية احتياجات الصحراء الكبرى ومناطق الهضاب العليا.
تعتمد الجزائر أيضًا على أكثر من 80 سدًا لتلبية احتياجات سكانها. في الآونة الأخيرة، اتجهت مخططات الدولة نحو تصفية مياه البحر والمياه المستعملة للاستفادة منها في الزراعة، كما يمكن استخدامها لتغذية الخزانات المائية الجوفية، مما يسهم في الحد من تأثيرات التغيرات المناخية، خاصة في المناطق الداخلية والهضاب العليا.
على الرغم من ذلك، تعتمد الجزائر بشكل كبير على الزراعة، إلا أن الإجهاد المائي يؤثر سلبًا على هذا القطاع الحيوي. فارتفاع درجات الحرارة والجفاف أدى إلى تراجع المحاصيل الزراعية، بما في ذلك الحبوب، التي تمثل مصدر دخل رئيس للعديد من الجزائريين. إن ري المحاصيل في الأوقات غير المناسبة، نتيجة شح الأمطار، يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية.
أما بالنسبة للحلول المطروحة، فقد نفذت الحكومة الجزائرية مشاريع عدة في مجال تحلية مياه البحر لمواجهة نقص المياه، من خلال بناء وحدات تحلية متعددة. كما تسعى الجهات المعنية جاهدة لترشيد استهلاك المياه وتعزيز سياسات الاستخدام الفعال للمياه في الزراعة والاستخدام اليومي.
الحرارة والفيروسات..
القاتل الصامت الذي يهدد مستقبل البشرية
أوضح الدكتور سلامة كواش، المختص في الصحة العمومية، أن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة يحمل تأثيرات كبيرة وخطيرة على صحة الإنسان. حيث أن زيادة الأشعة فوق البنفسجية، خصوصاً في المناطق الساحلية، يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، بما في ذلك سرطان الجلد وسرطان العين. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن درجات الحرارة المرتفعة خلال السنوات الأخيرة جعلت المناخ أكثر ملاءمة لتكاثر الفيروسات والبكتيريا، وهو ما يزيد من خطر تفشي الأمراض.
وفي حديثه مع صحيفة “الأيام نيوز”، أوضح الدكتور كواش أن الفيروسات والبكتيريا موجودة دائماً، لكن الحرارة المرتفعة توفر بيئة مثالية لتكاثرها وانتشارها. فالحرارة الشديدة تسهم في تسريع عملية تعفن المواد الغذائية، خصوصاً الخضروات والفواكه، مما يؤدي إلى تلفها السريع. وأضاف أن معظم الأوبئة والأمراض المعدية تشهد زيادة في انتشارها خلال فصل الصيف نتيجة لهذه الظروف.
كما أشار إلى أن الارتفاع المستمر في درجات الحرارة أدى إلى نقص ملحوظ في مصادر المياه، مما يتسبب في جفاف البرك المائية والأودية، التي تصبح بؤراً لتفشي أمراض خطيرة مثل الملاريا. وأكد أن الجزائر، على سبيل المثال، تشهد خلال فصل الصيف ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، حيث تتجاوز أحياناً الـ42 درجة مئوية في العديد من الولايات وتستمر لأيام عدة، وهو ما يؤدي إلى تسجيل العديد من الوفيات.
ونبّه الدكتور كواش إلى أن الأطفال، كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة هم الأكثر عرضة للتأثر بارتفاع درجات الحرارة. فالأمراض المرتبطة بالإجهاد الحراري تتفاقم عندما يعجز الجسم عن تنظيم حرارته بشكل كافٍ. وأوضح أن جسم الإنسان يحتوي على نظام يسمى “الترموستات”، وظيفته الحفاظ على درجة حرارة الجسم عند حوالي 37 درجة مئوية، لكن هذا النظام لا ينضج بشكل كامل قبل سن الرابعة أو الخامسة، ويضعف بعد سن 65. لذلك، تكون الفئات العمرية الصغيرة وكبار السن عرضة بشكل خاص لضربات الشمس التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.
أوضح الدكتور سلامة كواش، المختص في الصحة العمومية، أن الارتفاع القياسي في درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة أدى إلى وفاة عدد كبير من المواطنين في دول عدة، خاصة بين كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب، الكلى، السكري، وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى الأفراد ضعيفي المناعة أو الذين يعانون من التهابات معوية أو القدم السكرية. كما أشار إلى أن الجروح والعمليات الجراحية تتأثر بشكل كبير بالحرارة المرتفعة، حيث تؤدي إلى تأخير شفاء المرضى. ونتيجة لذلك، يُعبر عن القلق المستمر من ارتفاع معدلات الحرارة لأنها تهيئ الظروف المثالية لانتشار الأوبئة والأمراض.
وأشار كواش إلى أن الولايات المتحدة شهدت ارتفاعاً بنسبة 117% في الوفيات المرتبطة بالحرارة بين عامي 1999 و2023، حيث تجاوز عدد الوفيات 21,500 شخص خلال تلك الفترة، وفقاً لبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. كما أسفرت موجات الحر عن نتائج كارثية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك وفاة 1,300 شخص أثناء موسم الحج في السعودية، وإغلاق مناطق الجذب السياحي في أوروبا، وإغلاق المدارس في آسيا وإفريقيا، مما أثر على أكثر من 80 مليون طفل. وفي المغرب، تم تسجيل 21 حالة وفاة، معظمها بين كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، جراء ارتفاع درجات الحرارة في نهاية جويلية.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور كواش أن منظمة الصحة العالمية حذرت في أغسطس الماضي من المخاطر الصحية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، مشيرة إلى تسجيل درجات حرارة قياسية في ظل الأزمة المناخية. واستشهد بتصريحات هانز كلوجه، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، الذي أكد أن الوفيات الناجمة عن الحرارة ارتفعت بنسبة 30% خلال العشرين عامًا الماضية، حيث سُجلت هذه الزيادة في جميع الدول التي ترصد حالات الوفاة المرتبطة بالحرارة.
في ختام حديثه لصحيفة “الأيام نيوز”، شدد الدكتور كواش على أن كبار السن، والأشخاص المعزولين أو الذين يعانون من ضعف الحركة، هم الأكثر عرضة للتأثيرات الصحية الخطيرة الناتجة عن الحرارة المرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، الرضع والأطفال معرضون للخطر، وكذلك النساء الحوامل اللواتي قد يواجهن مخاطر مثل الإجهاض والولادة المبكرة. وأكد أن الحرارة الشديدة أسهمت بشكل كبير في جفاف الآبار والتجمعات المائية والبحيرات، مما أدى إلى تفاقم ظاهرة الجفاف التي تعد بدورها مصدرًا لانتشار الأوبئة والمجاعة.
قبل فوات الأوان..
من ينقذ الأرض من سكانها؟
أوضح حمزة مليك الخبير في الزراعة والمخاطر الزراعية، أن التحولات المناخية التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة ترجع إلى مجموعة من الأسباب والعوامل المتشابكة. وأشار إلى أن العديد من الظواهر الطبيعية تحدث بشكل طبيعي وتندرج ضمن الدورة المناخية للأرض، وذلك نتيجة لموقع الأرض ودورانها حول محورها وغيرها من العوامل العلمية المعروفة. ومع ذلك، لفت مليك الانتباه إلى التسارع الملحوظ في ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، والذي أثر سلبًا على أنماط تساقط الأمطار. فقد شهدت بعض المناطق انخفاضًا كبيرًا في كميات الأمطار، بينما تعرضت مناطق أخرى لفيضانات مدمرة رغم أن معدلات تساقط الأمطار فيها كانت دائمًا منخفضة. هذا التباين هو نتيجة حتمية لعوامل معقدة عدة.
وفي هذا السياق، أشار الأستاذ حمزة مليك في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز” إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان، موضحًا أن عدد سكان الأرض اليوم يقترب من 8 مليارات نسمة، وهو رقم يفوق بكثير ما كان عليه في الماضي. هذا النمو السكاني الهائل يترتب عليه تزايد الطلب على موارد عديدة، مثل التدفئة، الغذاء، والنقل. ومع تزايد هذه الاحتياجات اليومية، ترتفع معدلات التلوث بشكل ملحوظ. كما أضاف أن عدد السفن والطائرات التي تسافر يوميًا لمسافات طويلة في تزايد مستمر، مما يزيد من الانبعاثات الضارة والغازات السامة التي تتصاعد إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وتساهم في التأثير على المناخ وتغييره بشكل ملحوظ.
في هذا السياق، أشار محدثنا إلى أن الاستهلاك المفرط وغير المنظم للمساحات الغابية والمسطحات الطبيعية، سواء لأغراض البناء أو الصناعة أو غيرها من الأنشطة البشرية، أدى إلى تقلص غير مسبوق في المساحات الخضراء التي تلعب دوراً حيوياً في تلطيف المناخ، خاصة في المدن والقرى.
وأوضح أن المدن الكبرى اليوم شُيّدت على حساب الغطاء النباتي، والصناعات نمت بشكلٍ ملحوظ على حساب البيئة الطبيعية. هذا الاختلال أثر بشكل كبير على التوازن البيئي. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء السدود العملاقة، كما هو الحال في الصين وإثيوبيا والولايات المتحدة، أسهم في هذا الاضطراب، إذ إن وجود مسطحات مائية واسعة يزيد من رطوبة الجو، مما يؤثر بشكل مباشر على أنماط وكميات تساقط الأمطار، ويسهم في تغيير المناخ بطرق غير متوقعة.
ولفت المتحدث إلى أن تدخل الإنسان في البيئة هو المسؤول الرئيس عن هذه الاختلالات، موضحاً أن بناء المدن في مجاري الأودية ساهم في خلق خلل بيئي يُعرض حياة السكان لخطر الفيضانات المفاجئة والمدمرة. فالمياه تتبع مجاريها الطبيعية التي يجب الحفاظ عليها وتنظيفها باستمرار لتفادي الفيضانات الشديدة التي شهدناها في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم.
بالإضافة إلى ذلك – يوضح الخبير في الزراعة والمخاطر الزراعية-أن استهلاك السكان للغذاء بشكل مستمر يزداد، مما يؤدي إلى استخدام مفرط وغير منظم للمواد الكيميائية في الزراعة بهدف زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد. إلا أن هذا الاستخدام العشوائي يُخل بالتوازن البيئي، حيث إن هذه المواد الكيميائية تؤثر سلبًا على البيئة من خلال تبخرها في الجو، مما يؤدي إلى تدهور جودة الهواء ويؤثر سلبًا على كمية ونوعية الأمطار.
على صعيدٍ متصل، تحدث الخبير في المخاطر الزراعية عن الاستخدام المفرط للمكننة، والارتفاع الهائل في عدد السيارات داخل المدن، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية مقارنةً بالمناطق الغابية، وذلك بسبب انعدام الغطاء النباتي داخل المدن وكثافة الغازات المنبعثة من الآلات والمعدات والسيارات وتأثيرها السلبي على الجو. زد على ذلك استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم بشكل مُبالغ فيه، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز في ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث لجأت الكثير من الدول الأوروبية إلى استعمال الفحم الأحفوري سواء في مجال الصناعة أو في التدفئة، غير آبهةً بأضراره الوخيمة على البيئة.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلًا: “خلاصة، يُمكن الجزم بأن ما سرع من ظهور هذه الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية هو التدخل المفرط للإنسان، لأن البيئة في الأصل تحتوي على نوع من الانسجام والتكامل الذي أفسده التدخل اللاعقلاني للإنسان من خلال استعماله المفرط للوقود والمكننة والمواد الكيميائية والإتيان على المساحات الغابية، الأمر الذي فاقم وبشكل رهيب من وتيرة تدهور واختلال الجو والمناخ. وبصفة عامة، هذه جملة من النقاط التي كانت سببًا وراء اختلال المناخ على الكرة الأرضية وتسجيل ارتفاع قياسي في معدلات الحرارة”.
خِتامًا، أبرز الخبير في الزراعة، حمزة مليك، أن التجاذبات السياسية أو عدم وجود تفاهم بين الدول والقوى الكبرى لمراقبة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الأمور التي تمس بالتغييرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض، هذا أيضًا فاقم من معضلة الاحتباس الحراري، فالأزمات وكثرة بؤر التوتر السياسي ووجود الحروب وما إلى ذلك، دفع الكثير من الدول إلى عدم إعطاء هذه المُعضلة الاهتمام اللازم، وبالتالي الكل دون استثناء سيتحمل مسؤولية اللامبالاة فيما يتعلق بهذه الأزمة التي تهدد الإنسان وبيئته على حدّ سواء.
صناعة الكوارث..
هل تتحمل الدول الكبرى مسؤولية التغير المناخي؟
أبرز لعلى بوخالفة الخبير في الفلاحة والأمن الغذائي، أن الدول الصناعية ودول الاقتصاديات الكبرى، المستمرة في رفع انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، تُعتبر المسؤول الأول والمباشر عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتفاقم معضلة التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية على حياة الإنسان وبيئته. هذه الظاهرة بدأت بشكل تدريجي ثم تسارعت وتيرتها مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية تطور قطاع الصناعة.
وفي هذا الصدد، أوضح بوخالفة في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن درجات الحرارة خلال السنة الجارية عرفت مستويات قياسية، بعد أن تجاوزت في عدد من مناطق العالم الـ50 درجة مئوية، على غرار عدد من المدن الجزائرية التي تصدرت ولأكثر من مرة قائمة المدن الأكثر حرًّا في العالم خلال السنوات الأخيرة. لافتًا في السياق ذاته، إلى أن درجات الحرارة ترتفع كل سنة بنسب معينة، في ظل غياب أي مبادرات جادة للحدّ من تفاقم هذه الظاهرة، بالرغم من العديد من الاجتماعات والمؤتمرات التي يتم تنظيمها في هذا الإطار.
وأشار في هذا الشأن إلى قمة المناخ التي تُنظم كل سنة، هذه القمة التي يُشارك فيها قادة العالم ومسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة، كما يحضرها آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة دول العالم. ودائمًا ما تنتهي بإبرام جملة من الاتفاقيات والتعهدات الرامية أساسًا إلى تقليص الأضرار الناجمة عن أزمة المناخ التي يشهدها كوكب الأرض، بما في ذلك الجزائر التي تعمل على تطوير استراتيجية ملائمة لتقليص الآثار السلبية لهذه التغيرات.
إلى جانب ذلك، أفاد الخبير في الفلاحة بأن الدول التي تُعتبر مُسببًا مباشرًا للتغيرات المناخية، على غرار أمريكا والدول الأوروبية، نجد أنها تُقدم مصالحها الاقتصادية على حماية البيئة وتحقيق العدالة المناخية، على اعتبار أن أغلب اقتصادات هذه الدول قائمة بشكل أساسي على الصناعة، التي تمثل مصدرًا رئيسا لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وبالتالي، تتفادى هذه الدول وبشكل علني وصريح تنفيذ محتوى الاتفاقيات التي تنص على ضرورة حماية النظام المناخي والبيئي في العالم.
على صعيدٍ متصل، أشار بوخالفة إلى أن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية لها تداعياتها وانعكاساتها السلبية التي تمس كل كائن حي، سواء كان إنسانًا، حيوانًا أو نباتًا. أما بالنسبة إلى قطاع الفلاحة والغطاء النباتي بشكل عام، نجد أن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على الغابات التي تُعتبر الأمطار مصدرًا رئيسا لريّها. فعند غياب أو تراجع كميات التساقط، نجد أن مردودية وكثافة الغابات تقل وتنخفض بشكل ملحوظ، والأمر ذاته بالنسبة إلى الفلاحة، خاصةً إذا ما تحدثنا عن المنتجات الزراعية التي تحتاج إلى مياه وفيرة، على غرار الحمضيات. وبالتالي، فمن المهم جدًّا التفكير مليًّا في الاعتماد على ما يُسمى بالفلاحة الموجهة.
وأردف قائلًا: “في السابق كانت مصادر المياه مُتنوعة ومُتاحة ومتوفرة بشكل لا يدعو للقلق، إلا أن الوضع اليوم يختلف تمامًا في ظل شح كبير في مصادر المياه، مما يطرح حتمية إعادة النظر في كيفية الزراعة والعمل على تطبيق استراتيجية ‘الفلاحة الموجهة، عن طريق اختيار البذور والشتلات التي تتحمل وتقاوم الجفاف. لم تعد لدينا تلك الحرية التامة في الزراعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي ظل شح مياه الأمطار، لسنا مجبرين على الاستمرار في زراعة فاكهة البطيخ التي تحتاج إلى كميات معتبرة من المياه. وبالتالي، من المهم جدًّا إعادة النظر في السياسة الزراعية، والعمل بجدية أكثر على وضع خطة استراتيجية مبنية على دراسات علمية دقيقة في هذا الإطار”.
في السياق ذاته، ذكر الخبير في الأمن الغذائي أن مادة الشعير والقمح الصلب تتحمل نوعًا ما الجفاف عكس مادتي القمح اللين والذرة التي تتطلب كميات معتبرة من المياه. إذن، من المهم أن تكون لدينا خطة واضحة مبنية على أُسس علمية، مُشيرًا إلى أهمية الاعتماد على غرس أشجار الفستق الحلبي، الزيتون، الخروب، وغيرها من الأشجار التي تتحمل الجفاف ويمكن سقيها مرة أو مرتين فقط في الموسم، عكس غرس الحمضيات التي تحتاج إلى مياه وفيرة. وبالتالي، لا يجب المغامرة والقيام بالزراعة دون دراسة دقيقة للمنطقة ومؤهلاتها.
هذا، وشدّد بوخالفة على ضرورة إعطاء أهمية قُصوى للغطاء النباتي والغابات التي تجذب سقوط الأمطار وتخلق السحب. ففي الجزائر، مثلاً، نجد أن هناك غيابًا كبيرًا للمساحات الغابية، حيث تعتبر المساحة المغروسة بغابات ضئيلة جدًّا مقارنةً بالمساحة الإجمالية والشاسعة للبلاد. إذن، يجب الاعتناء بالغطاء النباتي والعمل بجدية أكثر على تعويض خسائر الحرائق، التي تتسبب كل سنة في إتلاف آلاف الهكتارات من المساحات الغابية، وذلك من خلال زرع الأشجار واختيار الأنواع التي تتحمل الجفاف وتعيش لسنوات طويلة، على غرار أشجار الخروب والزيتون التي تتأقلم مع طبيعة الغابات الجزائرية. كما يجب إعطاء أهمية قصوى للسد الأخضر وتكثيف زراعة الأشجار عبر مختلف المناطق، بما في ذلك على جوانب الطرق والسكك الحديدية، لإضفاء جمالية للطرق وحمايتها من انجرافات التربة أيضًا.
ختامًا، أبرز الخبير في الفلاحة، لعلى بوخالفة، أن هذه بعض الحلول التي لو تم تطبيقها وتجسيدها على أرض الواقع، يُمكن التغلب ولو نسبيًا على تأثيرات التغيرات المناخية بما في ذلك الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، وما له من تبعات تؤثر بصورة متزايدة على إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني، والموارد الزراعية من التربة والمياه، والأمن الغذائي وما إلى ذلك. مُشدّدًا في السياق ذاته على ضرورة تكثيف الجهود والاستمرار في النضال من أجل إيجاد حلول أكثر واقعية للحدّ من هذه الظاهرة، التي لا يخفى على أحد أن الحل في حقيقة الأمر يبقى بيد الدول الصناعية الكبرى.
من أوباما إلى بايدن..
التغير المناخي تحت وطأة التجاذبات السياسية
يرى عبد الرحمان بوثلجة الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، أن كافة دول العالم تُدرك، وبما لا يدعُ مجالًا للشك، مدى أهمية الحفاظ على المناخ لِما له من تأثير بالغ على مستقبل البشرية جمعاء وكل شيء حي على كوكب الأرض. فأي تأثر سلبي للمناخ قد يؤدي إلى تغيرات لا يُحمد عقباها على مستوى الكرة الأرضية. لذلك، نجد العديد من المبادرات التي قامت بها المجموعة الدولية بهدف الحفاظ على المناخ ومكافحة التلوث البيئي، وذلك في إطار الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز” أنه، وعلى الرغم من وجود العديد من المبادرات والاتفاقيات المُبرمة في هذا الشأن، إلا أن ما يمنع تضافر الجهود الحقيقية والفعالة لتجسيد هذه المبادرات وترجمتها على أرض الواقع هو التجاذبات السياسية. وتكون هذه التجاذبات غالبًا نتيجةً حتمية لتضارب المصالح الاقتصادية بين مختلف دول العالم، وبشكلٍ خاص بين القطبين الاقتصاديين الكبيرين: الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وأشار إلى أنه خلال السنوات الماضية، بدا جليًا وبشكلٍ واضح للعيان مدى تأثير المصالح الاقتصادية على نظرة دول العالم إلى قضية التغيرات المناخية والمحافظة على البيئة. وأضاف في السياق ذاته أن أمريكا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت تولي أهمية خاصة لمكافحة التلوث البيئي الذي يؤدي إلى التغيرات المناخية، على الأقل هذا ما تم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام. لكن، مع تولي الرئيس السابق دونالد ترامب منصب الرئاسة، تغيرت الكثير من الأمور، إذ لم ينظر بعين الرضى إلى سياسة أوباما فيما يخص المناخ. وبما أن ترامب رجل أعمال تطغى عليه النزعة الاقتصادية، فقد شجع على الاستثمار في الطاقات الأحفورية وحتى في الغاز الصخري، الأمر الذي كان له تأثيرات سلبية على البيئة. وعندما جاء الرئيس الحالي جو بايدن إلى سدة الحكم، حاول إعادة سياسة أوباما نفسها، وعين وزير خارجيته مستشارًا خاصًا له لشؤون المناخ.
في سياق متصل، أبرز الباحث في الشؤون الدولية أن تضارب المصالح الاقتصادية وحتى السياسية بين مختلف دول العالم لا يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية فيما يتعلق بمساعي المحافظة على المناخ في إطار القرارات التي تتخذها هذه الدول. فكما لا يخفى على أحد، فإن أمريكا حاليًا هي الاقتصاد رقم واحد في العالم، والصين تنافسها على هذه المرتبة نظرًا لأن اقتصادها يتطور سريعًا مقارنةً بباقي اقتصادات العالم.
بالإضافة إلى ذلك، توجد الهند وغيرها من الدول التي يشهد اقتصادها تطورًا ونموًا سريعًا. وبالتالي، لا ترغب أمريكا في أن تحتل الصين المرتبة الأولى لتكون أقوى اقتصاد في العالم، وعليه نجد أن أمريكا تتهم الصين بأنها تسهم في التلوث البيئي الذي يفاقم من ظاهرة التغيرات المناخية بسبب صناعاتها التي لا تحترم معايير الحفاظ على البيئة والمناخ، على حدّ زعمها.
إلى جانب ذلك، تطرق محدثنا إلى الصراع بين روسيا والغرب، قائلًا: “لقد لاحظنا كيف تغيرت سياسة الدول الأوروبية من المحافظة على المناخ إلى سياسة أخرى مغايرة تُعطي أولوية للمصلحة الجيوسياسية والاقتصادية في نزاعها مع روسيا، حيث كانت هذه الدول تعتمد وبشكل أساسي على الغاز الروسي وهو غاز صديق للبيئة. إلا أنها، وفي ظل الأزمة مع أوكرانيا، فضلت الاستغناء عن الغاز الروسي ليكون جزءا من العقوبات على روسيا، ولجأت إلى مصادر أخرى غير صديقة للبيئة للحصول على الطاقة، سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو باستخدام هذه الطاقات. إذن، المصالح الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في رسم ملامح التجاذبات السياسية التي قد تقوض جهود تقليص ظاهرة التغير المناخي”.
في ختام حديثه لصحيفة “الأيام نيوز”، أفاد الأستاذ بوثلجة أن دول الجنوب أو دول العالم الثالث هي الأكثر تأثرًا بأي تغيرات مناخية تحدث، بالنظر إلى قلة إمكانياتها المتاحة سواء من ناحية الرعاية الصحية أو من ناحية ظروف العيش المتواضعة جدًا في هذه الدول، التي يدفع مواطنوها فاتورة ما تسببه الدول الصناعية الكبرى في العالم. وبالتالي، من الضروري والمهم جدًا أن يدرك الجميع حجم الخطر المحدق بهم بسبب التلوث البيئي الذي يؤدي إلى تفاقم ظاهرة التغير المناخي.
وبالفعل، لاحظنا كيف ارتفعت درجة الحرارة بشكل قياسي خلال السنوات الأخيرة، وفقًا لدراسات علمية دقيقة، مما يهدد حياة ملايين البشر بسبب التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة على الإنسان وبيئته. وبالتالي، آن الأوان للعمل بجدية أكثر على تعزيز جهود مكافحة التلوث البيئي والحد من التغير المناخي، والمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق الدول الصناعية الكبرى في العالم.