«ويليس كارير».. العالم الفاشل الذي أنقذنا من حرّ الصيف باختراع المكيف

بينما تُواصل درجات الحرارة حول العالم تسجيل مستويات قياسيّة في ظلّ لهيب غير مسبوق، بات مكيّف الهواء بمثابة “المنقذ”، الذي لا يمكن الاستغناء عنه. كما أن العمل داخل المكاتب خلال شهر جويلية الحار، أو النوم براحة خلال شهر أوت، لم يكونا ممكنين لولا مكيّف الهواء الذي أنقذنا من درجات الحرارة المرتفعة ولهيب الصيف، ولنا أن نتخيّل الحياة من دونه، ولا سيما في القطارات والشركات والمستشفيات والمختبرات والكثير من المباني الحيوية الأخرى.

“كيف غيّر تكييف الهواء كل شيء”

وفق سالفاتور باسيلي، مؤلف كتاب “كيف غيّر تكييف الهواء كل شيء”، ساعد مكيف الهواء عالمنا إلى الحد الذي يمكن فيه للناس أن يعيشوا حياة طبيعية جدًا خلال الأشهر الحارة، وهو ما لم يكن ليحدث من قبل.

وإذا كانت التقديرات تشير إلى أنّ 75 بالمائة من المنازل في الولايات المتحدة تضمّ مكيفات هواء، كما أنّ 48 بالمائة من إجمالي استهلاك الطاقة في المنازل الأميركية في يومنا هذا ناتج عن التبريد والتدفئة، فإنّ المفارقة أنّ هذا الاختراع لم يلاقِ في بادئ الأمر اهتمامًا كبيرًا، وفق موقع “العربي”.

الحاجة إلى أجهزة التكييف الهوائي

لكن اليوم، وفي ظلّ ارتفاع درجات الحرارة في عدة مناطق من العالم ومنها منطقتنا تبرز الحاجة إلى أجهزة التكييف الهوائي، حين يتمتع المرء بما توفره من برودة وراحة للجسد، ففي دقائق معدودة يستطيع هذا الجهاز أن يُحيل القيظ في غرفة أو مكتب أو قاعة إلى نسيم عليل، بل كأنك تشعر بالانتقال من قارة إلى أخرى فقد تحس بأنك انتقلت من الخليج إلى مناطق في جبال أوروبا أو غيرها.

أهم الاختراعات في العصر الحديث

وقد يتذكر القليل منّا أن وراء الهواء البارد الذي يتسرّب من المكيّف، وينعش الأجواء، ويساعد على النوم أو أداء العمل في راحة، مخترعاً عبقرياً نجح في منح البشرية هذا الاختراع الكبير.

فالمُخترعين والمُبتكرين هم من أهم أسباب تطور البشرية وتحقيق الرفاهية التي وصلنا لها اليوم، ومخترع جهاز التكييف هو ويليس كارير، الطالب الذي لقبٌه مُعلميه بالفاشل لأنه لم يُحب مادة الحساب مُطلقاً لكٌنه تحوٌل إلى واحد من أعظم المخترعين في التاريخ بفضل ووالدته وتُفاحه، وردّ الجميل إلى البشرية جمعاء باختراعه واحداً من أهم الاختراعات في العصر الحديث.

ففي عام 1902 قدم ويليس كاريير تصميمه لأول نظام تكييف حديث، محققاً إنجازاً كان يُعتقد في السابق أنه مستحيل، وقد أدى اختراعه إلى ظهور شركة رائدة عالمياً في مجال التدفئة وتكييف الهواء والتبريد، فمن هو وما هي قصته؟ وهذا ما سنُحاول الإجابة عنه في عدد اليوم من “الأيام نيوز”، لكن قبل هذا سنتطرق أولاً إلى فكرة “التبريد الاصطناعي” وكيف بدأت.

التبريد الاصطناعي”.. كيف بدأت الفكرة؟

تعود قصّة مكيّف الهواء إلى أربعينيات القرن التاسع عشر، حين اقترح الطبيب والمخترع جون جوري من فلوريدا فكرة تبريد المدن لتخليص السكان من “شرور ارتفاع درجات الحرارة”، بحسب ما يذكر موقع “ثوت”.

كان جوري يعتقد أن التبريد هو المفتاح لتجنب أمراض مثل الملاريا وجعل المرضى أكثر راحة، لكن نظامه البدائي لتبريد غرف المستشفيات تطلب شحن الثلج إلى فلوريدا من البحيرات والجداول المتجمدة في شمال الولايات المتحدة.

وللتغلب على هذا التحدي اللوجستي المكلف، بدأ جوري في تجربة مفهوم التبريد الاصطناعي حيث صمّم آلة لصنع الجليد باستخدام ضاغط يعمل بالحصان أو ضغط الماء الذي تحركه الرياح.

وحصل على براءة اختراع عام 1851، وعلى الرغم من أن جوري لم ينجح في تسويق تقنيته التي ظن أغلب الناس حينها أنها “متعبة” من دون جدوى، إلاّ أنها أرست الأساس لتكييف الهواء والتبريد الحديث.

التصميم الأول.. محاولة إنقاذ مطبعة

وظلت فكرة التبريد الصناعي راكدة لعدة سنوات حتى تولى المهندس ويليس كاريير وظيفة من شأنها أن تؤدي إلى اختراع أول وحدة تكييف كهربائية حديثة.

ففي مطلع القرن العشرين، هددت الرطوبة سمعة شركة Sackett-Wilhelms للطباعة الحجرية والنشر في بروكلين، وذلك بعد فصلين من الحرارة الشديدة أدّيا إلى تعطيل العمل وانكماش الصفحات المطبوعة، ووجدت شركة الطباعة أن صناعة التبريد الناشئة يمكن أن تقدم المساعدة.

وعام 1902 قدم ويليس كاريير المهندس البالغ من العمر 25 عامًا آنذاك، تصميمه لأول نظام تكييف بدائي لتقليل الرطوبة حول الآلة الطابعة، محققًا إنجازًا كان يُعتقد في السابق أنه مستحيل، وقد أدى اختراعه إلى ظهور شركة رائدة عالميًا في مجال التدفئة وتكييف الهواء والتبريد.

من هو ويليس كارير؟

وُلد ويليس كارير في حي أنغولا بولاية نيويورك، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1876، لوالدين هما دوان ويليامز كارير، وإليزابيث آر هافيلاند، ومنذ صغره عمل ويليس كارير بجدّ في مزرعة العائلة.

عندما كان ويليس في التاسعة من عمره، وقبل أن يصبح مهندساً لامعاً، عانى في طفولته من مشاكل مع الرياضيات، فهذا الرجل الذي قاد الاختراع الذي مكّن من السيطرة على البيئات الداخلية للمباني، لم يكن قادراً على استيعاب مفهوم الكسور في المرحلة الابتدائية.

قصته مع التفاحة

ولحل هذه المشكلة كانت والدته تقوم بتقطيع التفاح إلى أجزاء حتى تستطيع أن تقرّب له هذا المفهوم، وكيف يتعامل مع الكسور جمعاً وطرحاً.

لاحقاً قال ويليس كارير إن ذلك كان أهم الدروس التي تعلمها على الإطلاق، وأنه علّمه قيمة حل المشاكل بأسلوب ذكي، إذ واصل استخدام المنطق البسيط للمساعدة في تصور المشاكل الصعبة طوال حياته.

التحق ويليس بالمدرسة الثانوية المركزية في بوفالو بنيويورك، وحصل على منحة دراسية حكومية في جامعة كورنيل، وتخرج فيها عام 1901 بدرجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وبعد إنهائه دراسته الجامعية حصل على وظيفة مهندس أبحاث شركة “Buffalo Forge”، وكان يتقاضى راتباً في الأسبوع قدره 10 دولارات فقط.

في 29 أوت/أغسطس 1902 تزوج ويليس من إديث كلير سيمور، وهي طالبة جامعية كانت زميلة له في الجامعة، بنيويورك.

الصدفة أوصلته إلى فكرة اختراع المكيف

ساعدت الصدفة Willis Haviland في الوصول إلى فكرة هذا الاختراع، فبينما كانت منصة قطار بيتسبرغ ضبابية في عام 1902، حدّق كاريير في الضباب، وأدرك أنه يمكنه تجفيف الهواء عن طريق تمريره عبر الماء لخلق الضباب.

فكّر كاريير بأنّ القيام بذلك يجعل من الممكن تصنيع الهواء بكميات محددة من الرطوبة فيه، في غضون عام واحدٍ أكمل اختراعه للتحكم في الرطوبة، وهي لبنة البناء الأساسية لتكييف الهواء الحديث.

في عام 1911 قدّم ويليس كارير ورقة هندسية تحتوي على التصميم العلمي لمكيفات الهواء، وفي عام 1915 كان قد أسّس شركة كارير التي تعمل في أجهزة التبريد، وهي شركة Carrier Corporation.

أدى الكساد الاقتصادي الذي ضرب أمريكا سنة 1930 إلى التقليل من استخدام المنازل والمحلات التجارية لمكيفات الهواء، إضافة إلى نشوب الحرب العالمية الثانية؛ ما دفع كارير للانتقال بشركته إلى مدينة نيويورك، والتي أصبحت واحدة من أكبر أرباب المهنة في قلب نيويورك.

وفي عام 1930 بدأ أعماله فى كوريا الجنوبية وفى اليابان بافتتاحه شركة تطبيقات تويو كارير وسامسونج، كوريا الجنوبية الآن هي أكبر أسواق مكيفات الهواء في العالم، وكانت هذه الشركة رائدة في مجال تبريد المساحات الكبيرة.

كما أعطى الكوخ القطبي الذي عرضه كارير في المعرض العالمي في عام 1939 فكرة عن مستقبل تكييف الهواء، ولكنه قبل أن يصبح شعبيًا، بدأت الحرب العالمية الثانية.

تكييف الهواء أحدث ثورة في الحياة الأمريكية

وكان تكييف الهواء ثورة في الحياة الأمريكية وخصوصًا بعد زيادة الإنتاج الصناعي في أشهر الصيف، وفيما كان تكييف الهواء يشتهر أكثر فأكثر بالقطاع الصناعي، عرّفت صالات السينما الأميركية عامة الناس على تقنية تبريد الهواء وفق مجلة “سميثسونيان”.

ويقول باسيلي في هذا الإطار إن “ضاغط الطرد المركزي الذي صممه كاريير ساعد في تبريد دور السينما إلى حد كبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة”، وحوالي عام 1919، أصبحت آلات التبريد أساسية في دور السينما وكانت هذه ثورة بحد ذاتها.

وإدخال تكييف الهواء السكنى في عام 1920 ساعد على بداية هجرة كبيرة نحو المناطق الحارة، وفى عام 2000 باعت شركة كارير بأكثر من 8 مليار دولار ووظفت 45000 موظف.

الجوائز والتكريمات

لمساهماته في العلوم والصناعة، مُنح ويليس كارير شهادة في الهندسة من جامعة ليهاي في عام 1935 ودكتوراه فخرية في الآداب من ألفريد (نيويورك) من الجامعة في عام 1942؛ حصل كاريير على وسام فرانك ب. براون في عام 1942.

أدرج اسم ويليس كارير في القاعة الوطنية الأمريكية للمخترعين ضمن الأسماء الشهيرة التي قدمت مخترعات مفيدة للبشرية، وذلك في عام 1985، وفي عام 1998 اختارته مجلة التايم ضمن أكثر مئة شخصية مؤثرة في القرن العشرين، وفي عام 2000 بلغت أرباح شركة كارير نحو 8 مليارات دولار ووظفت 45 ألف موظف، كما تم إدراج اسمه في قاعة مشاهير متحف بافالو للعلوم سنة 2008.

وفاة ويليس كارير

توفي ويليس كارير في مدينة نيويورك يوم 7-10-1950م، وكان يبلغ من العمر 73 عامًا، دفن كارير مع زوجاته الثلاثة (كلير سيمور، والتى توفيت سنة 1912؛ جينى مارتن، والتى توفيت سنة 1939؛ اليزابيث مارش وايز، والتى توفيت سنة 1964) فى مقبرة فورست لون فى بوفالو، نيويورك، وعلى الرغم من زواجه وطلاقه ثلاث مرات لم ينجب ويليس كاريير أي أطفال.

ابتسام مباركي - الجزائر

ابتسام مباركي - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
شبح الإعدام يلاحق الرئيس المعزول.. الخروج عن المسار في كوريا الجنوبية يعني النهاية المظلمة الأرض تهتز في ولاية المدية شاحنات محملة بالوثائق السرية.. إدارة بايدن تحزم أمتعتها تحت جنح الظلام التعديلات العشوائية على سكنات "عدل" قد تجر صاحبها إلى السجن وقف إطلاق النار.. غزة تفرض منطق الميدان الجزائر- السنغال.. نحو تعزيز التعاون الثنائي مشروعا قانونيْ الأحزاب والجمعيات.. رؤية جديدة لمستقبل الحياة السياسية في الجزائر وقف إطلاق النار في قطاع غزة.. هكذا علقت الجزائر المساعدات الفرنسية المزعومة.. عطاء وفق قاعدة: "خذها ولكن أبقِها عندي" لائحة الأمن في البحر الأحمر.. لهذا السبب امتنعت الجزائر عن التصويت! أحوال الطقس.. أمطار وثلوج على هذه المناطق بعد الكرة الذكية والملعب الذكي.. ماذا بقي من لعبة بيليه ومارادونا؟  بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة.. ترامب يطلق تصريحات اجتماع الحكومة.. مشاريع قطاع الري على طاولة العرباوي وزارة الدفاع.. إرهابي يُسلم نفسه إلى السلطات العسكرية ببرج باجي مختار قوجيل: فرنسا هي من تحتاج الجزائر أكثر وليس العكس تطورات الوضع في اليمن.. الجزائر تترأس اجتماعا لمجلس الأمن لضمان استقرار السوق في رمضان.. استيراد 28 ألف طن من اللحوم أول شركة ناشئة تقتحم السوق المالي.. ماذا يعني إطلاق تداول أسهم "مستشير" في بورصة الجزائر؟ سيكون من أحسن المطارات في إفريقيا.. فتح سوق حرة بمطار الجزائر الدولي قريباً