وسط بحر من الأخطاء الكارثية، ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال ستة أشهر من حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة في غزة، تحاول إدارة عجوز البيت الأبيض – الرئيس جو بايدن – تدارك الأمور والضغط من أجل إبرام صفقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”إسرائيل” تفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكن هذه الإدارة – المتورطة في الإجرام الصهيوني – تجد نفسها محاصرة بألغام سياسية وأخلاقية وقانونية وأمنية وحتى اقتصادية، زرعتها حولها سلطة الكيان، فحيثما تلتفّ واشنطن لمعالجة مشكلة كبيرة تصدمها مشكلة أكبر، فمن جريمة مقتل عمال المطبخ المركزي العالمي على يد “جيش” الاحتلال، إلى أزمة التوتر المشتعلة مع إيران بعد ضرب قنصليتها في سوريا، وكل هذا يأتي في ظل “حرب الإبادة” الصهيونية التي يعيش العالم تحت صدمة أهوالها.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – منير بن دادي – سهام سوماتي ===
تشير أنباء أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخذت مسارا مغايرا فيما يتعلق بمفاوضات تبادل الأسرى بعد استهداف الجيش الصهيوني مجموعة عمال المطبخ المركزي العالمي، إذ بات من المتوقع – وفق حسابات السياسة – أن يضطر رئيس وزراء سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو لإبرام صفقة مؤقتة حتى لا يُجبر على إجراء انتخابات مبكرة، بما يعني أنّ بايدن قرّر تغيير أسلوب تعامله مع نتنياهو.
ونقلت صحف أمريكية بينها موقع “أكسيوس” أنّ بايدن لوّح خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو يوم الخميس الماضي بعدم قدرته على مواصلة دعم سلطة الكيان ما لم تغيّر سياستها في قطاع غزة، ما يعني أنّ واشنطن – بعد الهجوم الصهيوني الذي قتل فيه 7 من عمال الإغاثة التابعين للمطبخ المركزي العالمي – نحت منحى جديدا، وهكذا تحوّلت من دور الوسيط إلى مطالبة الإسرائيليين بالكف عن المماطلة في المفاوضات.
إلى جانب ذلك، فقد بدأت واشنطن تطالب سلطة الاحتلال بإعادة النازحين إلى الشمال وإدخال مزيد من المساعدات، بل وفتح المجال للتفاوض بشأن القضايا الأخرى العالقة بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فضلا عن المطالبة بوقف مؤقت للقتال بغض النظر عن تبادل الأسرى، وهي سابقة لم تحدث منذ بدء العدوان.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم إنّ إدارة بايدن وقّعت على تسليم الكيان آلاف القنابل الإضافية في اليوم ذاته الذي قتلت فيه غارات جوية صهيونية في غزة 7 من موظفي “المطبخ المركزي العالمي”، وأضافت الصحيفة أنّ الصفقة تظهر تصميم إدارة بايدن على مواصلة تدفق الأسلحة الفتاكة إلى “إسرائيل” رغم جريمة مقتل عمال الإغاثة والدعوات المتزايدة للولايات المتحدة لربط هذا الدعم بحماية أكبر للمدنيين في منطقة الحرب.
ووفقا للمصادر، فإنّ الصفقة تمت بموجب تفويضات منحها الكونغرس للخارجية قبل سنوات. كما نقلت واشنطن بوست عن متحدث باسم الخارجية الأمريكية أنّ الموافقة على صفقة الأسلحة تمت قبل القصف الصهيوني على عمال الإغاثة، وأضافت أنّ الصفقة تشمل تقديم أكثر من ألف قنبلة من طراز “إم كيه 82″، التي تزن كل واحدة منها 500 رطل، كما تتضمن تقديم أكثر من ألف قنبلة ذات قطر صغير وصمامات لقنابل “إم كيه 80”.
كما أنّ الموقف الأمريكي غير المسبوق، والفشل العسكري الصهيوني وخطط الاحتلال للانقضاض على غزة والضفة الغربية بما يخالف خطط واشنطن لما بعد الحرب، كلها أمور تمنح حماس أفضلية في المفاوضات، وتدفع الاحتلال إلى القبول بصفقة، أما في داخل الكيان أيضا، فقد اتخذت الاحتجاجات المناهضة لنتنياهو والمطالبة باستعادة الأسرى بعدا أكثر حدة وأصبحت ضاغطة بشكل أكبر ليس فقط على رئيس سلطة الكيان وإنما أيضا على غريمه السياسي بيني غانتس.
الهجوم الإيراني “حتمي”
وربما يكون هذا الضغط المتزايد هو الذي دفع غانتس إلى المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر المقبل، وهو ما رفضه نتنياهو الذي أدرك أنّ عدم المضي قدما في صفقة تبادل الأسرى يعني أنه سيتعرض لمزيد من الضغط من أجل إجراء الانتخابات، لذلك، قد يلجأ إلى تهدئة مؤقتة مع حماس حتى لا يضطر إلى إجراء الانتخابات بالنظر إلى تزايد الشريحة التي تربط عدم التوصل إلى صفقة تبادل بإجراء الانتخابات داخل الكيان.
كل هذه المعطيات تأتي تزامنا مع ما تذكره تقارير أمريكية عن استعداد الولايات المتحدة لهجوم إيراني “كبير” قد يأتي خلال هذا الأسبوع، سيشمل – وفق تقييمهم – “سربًا من الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز ضد أصول صهيونية أو أمريكية في المنطقة”، ويعتقد كبار المسؤولين الأمريكيين أنّ الهجوم الإيراني “حتمي”، وأنّ الموقع الذي سينطلق منه الهجوم غير معروف، سواء كان إيران أو سوريا أو العراق، وفقا لما نقلته شبكة “سي بي إس” عن مصادر أمريكية.
صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين إيرانيين أنّ طهران يجب أن ترد بشكل مباشر على الهجوم الصهيوني على قنصليتها في العاصمة السورية دمشق لخلق الردع، وأوضحت المصادر أنّ إيران قد وضعت قواتها المسلحة في “حالة تأهب قصوى وتم اتخاذ قرار بأنه يجب الرد مباشرة”، وذلك ضمن التوترات الأمنية وتهديدات إيران بالرد على القصف الصهيوني الذي استهدف القسم القنصلي بسفارتها في دمشق وأسفر عن مقتل 13 شخصا، بينهم قادة ومستشارون في الحرس الثوري الإيراني، منهم العميد محمد رضا زاهدي أحد قادة فيلق القدس، ومساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي.
ورغم أنّ توقيت وهدف الهجوم الإيراني المتوقع غير معروفين، فإنّ المصادر التي تحدثت مع شبكة “سي بي إس”، قالت إنّ “الرد المتناسب على هجوم دمشق سيكون ضرب منشأة دبلوماسية صهيونية”. وصرح مصدر دبلوماسي إسرائيلي لصحيفة “هآرتس” بأنّ نحو 30 سفارة صهيونية في جميع أنحاء العالم أغلقت أبوابها يوم الجمعة الماضي، وسط مخاوف من هجوم إيراني انتقامي.
وقال المصدر أيضًا إنّ الإجراءات الأمنية شُدّدت في جميع أنحاء المؤسسات الصهيونية في أنحاء العالم كافة منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية ضد أهداف صهيونية. والأربعاء الماضي، أفاد الإعلام الإسرائيلي بأنّ السلطات لدى الكيان تدرس فتح الملاجئ العامة على خلفية التوترات الأمنية بعد تهديدات إيران بالرد على القصف الصهيوني الذي استهدف القسم القنصلي بسفارتها في دمشق.
وأكد موقع “والا” الإسرائيلي أنّ الجبهة الداخلية في الجيش الصهيوني ستطلق قريبا ما سماها حملة لإعداد المواطنين وتهيئتهم لتصعيد كبير على الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، في حين نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) عاموس يادلين قوله إنه لن يتفاجأ إذا أطلقت إيران صواريخ مباشرة على الكيان.
وفي وقت سابق، نقلت تقارير عن مسؤولين إيرانيين – من بينهم السفير الإيراني في دمشق حسين أكبري – قوله إنّ “هذا العمل سيؤدي إلى رد حاسم من جانبنا”. واعتبرت الخارجية الإيرانية الهجوم على القنصلية عملا عدائيا وانتهاكا للقانون الدولي، مشيرة إلى أنها تدرس أبعاد الهجوم وحمّلت الكيان مسؤولية وتداعيات ذلك، وأنّ طهران تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات المضادة على الهجوم ونوع الرد وشكل “العقاب”. كما توعّد المرشد الإيراني علي خامنئي الكيان، قائلا – عبر حسابه على منصة إكس – إنها “ستتلقى صفعة لاستهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق”، مؤكدا أنّ “إيران سترد على الضربة”.
يا أصدقاء القتلة
هذه الخلاصة التي يترجمها الوضع الصهيوني المختل، اتضحت بعد 6 أشهر، فالصرح الذي سمح للقوات الصهيونية بقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني وجرح 75 ألف آخرين، وتشريد أكثر من 2.3 مليون نسمة ثم تجويعهم، وهدم شمال غزة، وتفكيك الخدمات الصحية، والإشارة إلى أنها ستفعل الشيء ذاته في رفح خلال الأشهر الستة المقبلة، هذا الصرح قد بدأ بالانهيار.
هذا التعبير تضمنه مقال لرئيس تحرير الموقع البريطاني “ميدل إيست آي” الكاتب ديفيد هيرست، انتقد فيه بشدة تأييد سياسيين وكتاب وصحفيين غربيين للكيان في حربه على قطاع غزة، وقال هيرست: لقد بدأ الحلفاء المخلصون الذين يطلقون على أنفسهم أصدقاء “إسرائيل” يدركون أنهم أيضا أصدقاء لقتلة عمال الإغاثة الغربيين، وأصدقاء لمنفذي الإبادة الجماعية الفاشيين والفصل العنصري وللمستوطنين الذين يشعلون النار في القرى العربية.
وأضاف إن القادة السياسيين الذين اعتبروا هذه المذبحة حقا للكيان في الدفاع عن نفسه، والصحفيين الذين روّجوا لقصص رعب خيالية عن أطفال مقطوعي الرؤوس واغتصاب جماعي في 7 أكتوبر الماضي، والمحررين الذين تجاهلوا يوما بعد يوم قصصا عن قوافل الإغاثة التي تستهدفها القوات الصهيونية، يسعون الآن إلى التراجع.
وكل الحجج التي استخدموها للحفاظ على هذه المذبحة تنهار في أيديهم، مثل: هذه حرب عادلة، وأنه يجب السماح لـ”إسرائيل” بإنهاء المهمة، وأن الإجراء المتخذ متناسب، وأن العملية القانونية في محكمة العدل الدولية تعرقل محادثات السلام ويمكن تجاهلها، وأن بريطانيا وأمريكا يمكنهما توجيه اللوم لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وفي الوقت ذاته مواصلة تسليحه.
وانتقد الكاتب وزير الخارجية البريطاني اللورد ديفيد كاميرون، قائلا: لقد انفجر السد، ولم يعد بإمكانه الاستمرار في المراوغة ولعبة القط والفأر مع رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المختارة أليسيا كيرنز، التي كشفت قبل بضعة أيام أن المحامين الحكوميين يعرفون أن “إسرائيل” انتهكت القانون الإنساني الدولي.
وأشار إلى توقيع أكثر من 600 محام وأكاديمي وقاض سابق، من بينهم رئيسة المحكمة العليا السابقة ليدي هيل وقاضيان سابقان آخران في المحكمة، رسالة تحذر فيها حكومة المملكة المتحدة من أنها تنتهك القانون الدولي من خلال الاستمرار في تسليح الكيان، كما أشار إلى سؤال وزير الخارجية السابق السير آلان دنكان (من حزب المحافظين) عن مشروعية اعتبار الكيان حليفا للمملكة المتحدة، داعيا (أي دنكان) لمحاسبة مؤيديه وداعميه الرئيسيين.
ونسب إلى دنكان أيضا أنه قال إن أي شيء يدعم ما أصبح كارثة كاملة في قطاع غزة غير مقبول أخلاقيا، وإن ما يجب ألا نقبله ليس خطأ “إسرائيل” الحالي، بل ما ظلت تفعله لسنوات، لأن الجيش الصهيوني لا يتبع القانون الدولي، وقال دنكان إن هذا (الجيش) يؤيد ويدعم المستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية الذين يسرقون الأراضي الفلسطينية، موضحا أن سرقة الأراضي وضم فلسطين هما أصل المشكلة، التي أدت إلى ما قامت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمعارك التي نشهدها حاليا.
الحلم تحوّل إلى كابوس
واستمر هيرست يقول إن المزاج قد تغير بالفعل، مضيفا أن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة يوغوف أظهر أن 56% من الناخبين البريطانيين يؤيدون الآن فرض حظر على تصدير الأسلحة وقطع الغيار، في حين قال 59% إن “إسرائيل” تنتهك حقوق الإنسان في غزة، وقال إن كاميرون، بعد أن تمت تعريته، عليه أن يختار: الاعتراف بأن حكومته تنتهك بالفعل القانون الدولي، ويمكن مقاضاتها على هذا النحو -بمن في ذلك هو شخصيا- أو وقف تجارة الأسلحة.
وأورد هيرست العديد من الانتهاكات الفظيعة للجيش الصهيوني في الفترة الأخيرة مثل إعادة اقتحام مستشفى الشفاء، وقتل العاملين في الإغاثة، وتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق. وقال إن الهجوم المتكرر على قافلة الإغاثة لا يختلف عن جميع الهجمات الأخرى على قوافل الأونروا والتي أسفرت عن مقتل المئات، وعلى مستشفى الشفاء، إلا بكون أن القتلى السبعة كانوا بريطانيين وبولنديين وأستراليين وكنديين، وأن المؤسس كان طاهيا مشهورا.
ووصف الكاتب رد فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي عبر عن سخطه من قتل “إسرائيل” عمال الإغاثة، بأنه “سخط مزيف”. ودعا هيرست إلى تجاهل تصريحات القلق القادمة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وإلى التركيز فقط على تصرفات بايدن. وذكّر بأن بايدن لديه القدرة على وقف جميع الأسلحة، بما في ذلك توريد قنابل 2000 رطل، أو في الواقع القدرة على وضع قيود صارمة على استخدامها، لكنه لم يفعل أيا منهما.
وحذر من أنه إذا اعتقد بايدن أنه وسط الفوضى التي خلقتها الحرب الصهيونية، فإن التوقيع على قطعة من الورق سيكون كافيا لوقف الغضب الذي يعتمل في قلوب العرب، فهو أكثر توهما مما يعتقده مراقبوه المحترفون في الكابيتول هيل. وختم هيرست مقاله مؤكدا أن الأمر يتطلب الكثير للاعتراف بأن الحلم مدى الحياة بوطن لليهود في الشرق الأوسط يتحول الآن إلى كابوس.
واشنطن تأخرت في إدراك خطأها
تناولت الصحافة العالمية المخاطر التي تواجه سكان قطاع غزة بسبب مخاطر انتشار الأوبئة ونقص المساعدات، وأشارت أيضا إلى فشل “إسرائيل” في تحقيق أي من أهدافها، والضرر الكبير الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعمها المطلق لتل أبيب.
فقد أبرزت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تحذيرات خبراء في مجال الأوبئة من أن استمرار تدفق الغذاء إلى القطاع بالوتيرة الحالية قد يتسبب في ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 120 ألفا بسبب تفشي الأمراض وغياب الرعاية الصحية واحتمالات اجتياح مدينة رفح جنوبي القطاع.
وقالت الصحيفة، إن تجنب مستويات كارثية من المجاعة يتطلب دخول المساعدات بكميات كبيرة خلال أيام، ونقلت عن باحث قوله إن معدل غذاء الفرد في غزة يتهاوى بشكل غير مسبوق.
وفي صحيفة “وول ستريت جورنال”، تحدث تقرير عن بروز قضية عودة النازحين إلى المناطق الشمالية من القطاع باعتبارها نقطة محورية في مفاوضات وقف إطلاق النار. وقال التقرير إن مساعي الوسطاء لحل هذه النقطة الشائكة أخذت زخما جديدا بعد مقتل عمال الإغاثة الـ7 التابعين للمطبخ المركزي العالمي، لكنه نقل عن خبراء أن الدمار الكبير في المباني والمرافق الضرورية يُصعّب العودة إلى حياة طبيعية في الشمال.
أما “لوموند” الفرنسية، فقالت في افتتاحيتها إن عدم التناسب بات قاعدة حرب غزة التي يديرها الجيش الصهيوني من خلال الذكاء الاصطناعي الذي لا يفرق بين مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمدنيين.
وترى الصحيفة أن “إسرائيل” لم تحقق أيا من أهدافها، وأن ما قامت به حتى الآن هو إعادة احتلال القطاع بعد 16 عاما من الحصار الخانق، مضيفة أن سياسة الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان تتسبب في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وفي صحيفة نيويورك تايمز، تحدث تقرير عن الدعم العسكري الذي توفره الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، قائلا إنه “تحول إلى مسألة مثيرة للجدل في ظل الحرب المستمرة في غزة”.
ونقل التقرير عن المبعوث الأمريكي السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، مارتن إنديك، أن السخاء الأمريكي “ولّد شعورا لدى الإسرائيليين على مر السنين بأنهم يستحقون”، مشيرا إلى أن اعتماد “إسرائيل” على الدعم الأمريكي “تعاظم لأن قدرتها على الردع انهارت في الـ7 من أكتوبر الماضي”.
وأخيرا، تحدث باتريك وينتور في صحيفة “الغارديان” البريطانية عن الفوضى التي أحدثتها حرب غزة في النظام الدولي، حيث ركز الكاتب على تراجع دور الولايات المتحدة لصالح قوى أخرى بسبب دعمها الكامل للكيان.
وقال الكاتب إن الإدارة الأمريكية “استغرقت وقتا طويلا حتى أدركت أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية لا تتوافق في غزة، وهو ما جعل الدبلوماسية الأمريكية تتلقى الهزيمة تلو الأخرى”، متوقعا أن تتعرض الولايات المتحدة لمزيد من الضغوط كلما طال أمد الحرب.
حماس غيّرت مسار التاريخ
قال الكاتب الإسرائيلي آلون مزراحي إن ما يزداد وضوحا في هذه اللحظة الفريدة هو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي وصفها بالحركة الفلسطينية الصغيرة، لم تهزم “إسرائيل” فحسب، بل هزمت الغرب بأكمله، وغيرت مسار التاريخ خلال الشهور الستة الماضية.
وعدد الكاتب الإسرائيلي ما اعتبرها بعض أوجه الانتصار الذي حققته حماس، قائلا إنها انتصرت في ميدان المعركة بقطاع غزة، وانتصرت في معركة كسب الرأي العام، واستفادت بشكل مذهل من قراءتها للعقلية الصهيونية، وتمكنت بالإضافة إلى ذلك من استخدام كل ما لديها من موارد بكفاءة عالية. وأضاف لم يتم تدمير حماس أو تفكيكها، وما زالت تحتفظ تقريبا بكل الأسرى الذين أخذتهم قبل 6 أشهر، ولم تستسلم لأي ضغط، وما زالت تعمل وفعالة، في قطاع صغير محاصر ومدمر تماما.
وأشار الكاتب إلى أن التاريخ سيحكم على الأشهر الستة الأخيرة باعتبارها واحدة من أكثر الإنجازات العسكرية العبقرية والمذهلة في التاريخ العسكري كله، وهو أمر لا يمكن تصوره، وفق قوله. وألقى الكاتب باللوم على “إسرائيل”، قائلا إن الطريقة التي خاضت بها الحرب ضد حماس، جعلت منها (حماس) أسطورة للمقاومة ستظل حية في الذاكرة الثقافية على مر العصور. وخلص إلى أنه لا أحد كان يعتقد أنهم يمكن أن ينجحوا في هذا الأمر، لكنهم فعلوا ذلك وغيروا التاريخ إلى الأبد، مشيرا إلى أن فلسطين لن تعود إلى الظل مرة أخرى.
كذبة حق الكيان في الوجود
نشر معهد بيو الأمريكي للأبحاث نتائج استطلاع أظهر أن 58% من الأمريكيين يرون أنه يجب السماح بالتعبير عن معارضة حق الكيان في الوجود، فيما يؤيد 66% السماح بالخطاب الذي يدعم الفلسطينيين ودولتهم الخاصة.
وأجري الاستطلاع في الفترة من 13 إلى 25 فيفري الماضي وشمل عينة تضم 12 ألفا و693 بالغا أمريكيا، وأوضح أن أغلبية كبيرة من اليهود الأمريكيين تؤيد السماح بالتعبير عن دعم حق الكيان في الوجود كـ(دولة) يهودية (92%)، وتنخفض النسبة إلى 55% حين يتعلق الأمر بالسماح بالخطاب المعارض لحق الكيان في الوجود كـ(دولة) يهودية. وعبر أغلبية اليهود المشاركين في الاستطلاع عن تأييدهم السماح بالتعبير إما عن دعم (77%) أو معارضة (74%) أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة.
في المقابل، تقول أغلبية كبيرة من المسلمين الأمريكيين المشاركين في الاستطلاع إنه يجب السماح بالخطاب الداعم لقيام دولة فلسطينية (70%)، كما يقول حوالي نصف المسلمين إنه يجب السماح للناس بالتعبير عن تأييد (47%) أو معارضة (50%) وجود الكيان كـ(دولة) يهودية. ويقول 43% من المسلمين إنه ينبغي السماح بالخطاب المعارض لقيام دولة فلسطينية.
وأظهر الاستطلاع تضاعف نسبة البالغين الأمريكيين الذين يقولون إن هناك الكثير من التمييز ضد اليهود في الولايات المتحدة في السنوات الثلاث الماضية، حيث قفزت النسبة من 20% في عام 2021 إلى 40% حاليا. وقال 44% من المشاركين إن المسلمين يواجهون الكثير من التمييز، بزيادة 5 نقاط مئوية مقارنة بعام 2021.
ووفقا لنتائج الاستطلاع، يشعر العديد من الأمريكيين بأن التمييز ضد المسلمين واليهود قد ارتفع منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، إذ قال 7 من كل 10 مسلمين و9 من كل 10 يهود إنهم شعروا بزيادة في التمييز ضد مجموعاتهم منذ بدء الحرب في أكتوبر الماضي.
الهدنة الكاذبة..
أربعة أوجه للفشل الأمريكي
بعد أكثر من ستة أشهر على بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما خلّفته من أزمة إنسانية غير مسبوقة، بات واضحا للعالم أجمع أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، غير راغب، أو غير قادر على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بضرورة وقف إطلاق النار.
أرجع مقال نشرته “مجلة فورين بوليسي”، عجز بايدن عن استخدام النفوذ الذي تتمتع به بلاده، لفرض وقف فوري لإطلاق النار، إلى أربعة أسباب، حيث قال كاتبا المقال، وهما آرون ديفيد ميلر، وآدم إسرائيليفيتز، وكلاهما باحثان في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنّ الرئيس الأمريكي يملك قوة التريّث في التعامل مع الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، ولديه سلطة تقييد المساعدات العسكرية، وخيار التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد الكيان الإسرائيلي أو الامتناع عن التصويت عليها، كما يمكنه المطالبة بوقف الأعمال العدائية ضدّ المدنيين الفلسطينيين دون قيد أو شرط، ولكنه لا يلجأ لأي من هذه الخيارات المتاحة أمامه.
فبعد أن ربط نفسه بأهداف الحرب الإسرائيلية ضدّ حماس، يقول آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز، يبدو أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن الآن، أصبح رهينة لرئيس وزراء وضع بقاءه السياسي فوق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وربما حتى المصالح الكُبرى لبلاده. ففي الواقع، قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باختلاق أزمة في العلاقة بين البلدين، بسبب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، وانتقد نتنياهو الإدارة الأمريكية وألغى زيارة وفد إسرائيلي رفيع المستوى إلى واشنطن.
لا بد أنّ صبر بايدن بدأ ينفد، يقول الكاتبان، في المقال الموسوم بـ“لماذا لا يستطيع بايدن فرض هدنة على “إسرائيل” أو لا يُريد ذلك؟”، فبعد ما يقرب من ستة أشهر من الحرب التي يبدو أنها لا نهاية لها، حسب ميلر وإسرائيليفيتز، قدّم الرئيس بايدن لـ “إسرائيل” هذا النوع من الدعم الثابت الذي ربما لم يتجاوزه سوى الرئيس السابق ريتشارد نيكسون خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. ولم يحصل على سوى القليل في المقابل، ولكنه لا يتحرك للأسباب التالية:
علاقة حبّ بين بادين والكيان
على خلاف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر – الذي جهر بمعارضة ما يحدث في قطاع غزة – فإنّ الضغط على الإسرائيليين ليس من طبيعة بايدن، ورغم أنّ الرؤساء لا ينبغي لهم أن يضعوا سياساتهم على أساس أحكام عاطفية أو مشاعر مسبقة، إلا أنّ الأمر مختلف في الرئاسة الأمريكية، حيث يجلب الرؤساء إلى مناصبهم تاريخهم وحساسياتهم ووجهات نظرهم التي طبعت على مدى حياتهم.
بايدن لا يحب صديقه نتنياهو، لكنه مغرم بفكرة الشعب الإسرائيلي وأمن “وطنه”، وباستثناء كل رؤساء الولايات المتحدة، يعتبر جو بايدن نفسه جزءا من قصة “إسرائيل” مع التزام عاطفي تعززه عقود من التفاعل مع قادة “الكيان” والانغماس في مجلس الشيوخ، حيث كان يُنظر إلى التعامل الجيد مع “إسرائيل” على أنه سياسة وسياسة جيدة. وإذا كان هناك أي عامل يفسّر الدعم الاستثنائي الذي يقدّمه الرئيس الأمريكي الحالي لـ “إسرائيل” منذ الـ 7 أكتوبر، فهو ذلك الرابط العاطفي.
في الواقع، فإنّ الموقف الافتراضي لبايدن حتى في مواجهة الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل” ليس المواجهة، بل التكيّف معها، والبحث عن سبل لإدارة التوترات وحلّ المشاكل بهدوء إن أمكن، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمن “إسرائيل”، ومن بين جميع نقاط الضغط المتاحة لبايدن، فإنّ النقطة التي سيكون أكثر تردّدا في استخدامها، حسب المقال، هي تقييد المساعدة العسكرية أو فرض شروط عليها، ناهيك عن وقفها، في ظلّ الأزمة التي تعيشها الحكومة الإسرائيلية في حربها ضدّ حركة حماس في قطاع غزة، وما قد تواجهه من تصعيد كبير مع حزب الله اللبناني في الشمال.
هجمات الـ 7 أكتوبر غيّرت المعادلة
السبب الثاني الذي قدّمه آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز، لتردّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في إرغام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على فرض هدنة ووقف لإطلاق النار، ولو بشكل مؤقت، يتمثل في أحداث الـ 7 أكتوبر 2023، إذ يرى المتحدثان أنّ مخاطر الصراع الحالي مهما كانت كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تتزايد بشكل أكبر بالنسبة للكيان الإسرائيلي، مما يعني أنه بغض النظر عن مدى قوة الضغط والإقناع، فإنّ الإسرائيليين مستعدون للرد على أولئك الذين يمارسونه.
وفي هذا الإطار، استذكر ميلر وإسرائيليفيتز، أزمات سابقة استخدمت خلالها الولايات المتحدة الضغط على الكيان الإسرائيلي بنجاح حتى أثناء الأزمات، أبرزها تهديد الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور بفرض عقوبات على الكيان في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1956، إذا لم يسحب قواته من سيناء، ومنع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، الكيان الإسرائيلي من تدمير جيش مصر الثالث للحفاظ على قنوات دبلوماسية مع الرئيس المصري أنور السادات في فترة ما بعد الحرب في عام 1973.
السياسة الداخلية الإسرائيلية تجعل الأمر صعبا
لو كان بايدن يخوض معركة ضد نتنياهو فحسب، فقد يكون من الأسهل تصوّر الضغط على زعيم لا يحظى بشعبية وفقد ثقة غالبية الإسرائيليين، ولكن الأمر مختلف، فرغم أنّ الإسرائيليين يعارضون السياسات الصارمة التي ينتهجها رئيس الوزراء في مواصلة الحرب ضدّ حماس في غزة، إلا أنّ غالبيتهم غير معنيين ولا يركّزون على الوضع الإنساني المروع في غزة. كما أنّ الإسرائيليين لا يتوقون إلى قبول آراء إدارة بايدن بشأن أهمية حل الدولتين، وعلى الأقل في الوقت الحالي، لا يزال ائتلاف نتنياهو اليميني سليما معافى.
وعلى الرغم من أنّ جو بايدن يحظى بشعبية كبيرة في الكيان الإسرائيلي، إلا أنّ حربا كلامية بينه ونتنياهو، لن تمكّنه من إقناع الإسرائيليين بأنّ رئيس وزرائهم غير صالح للمنصب، يقول الكاتبان آرون ديفيد ميلر وآدم إسرائيليفيتز.
إنهاء الحرب دون تعاون إسرائيلي غير ممكن
إلى جانب علاقة الحب التي تربط الرئيس الأمريكي بالكيان الإسرائيلي، وطبيعة هجوم الـ 7 أكتوبر، وما تفرضه السياسة الداخلية الإسرائيلية، تحدّث الكاتبان عن صعوبة إنهاء الحرب الإسرائيلية الفلسطينية دون تعاون إسرائيلي، فبخلاف الارتباط العاطفي بين بايدن و”إسرائيل”، فإنّ العائق الأكبر أمام ممارسة ضغوط كبيرة على نتنياهو، إما لاستباق سياسة إسرائيلية أو فرض تكاليف على الكيان لتنفيذ سياسة تتعارض مع المصالح الأمريكية، هناك حقيقة واضحة، تتمثل في أنّ تهدئة الحرب، أو إنهائها من دون تعاون إسرائيلي غير ممكنة.
وبينما يتعامل جو بايدن مع رئيس وزراء إسرائيلي قد تكون له مصلحة في إطالة أمد الحرب ومعارضة المصالح الأمريكية في هذه العملية، ما لم يتمكن من تغيير حكومة “إسرائيل” – وهو ما لا يستطيع القيام به -، فهو بحاجة له من أجل التوصّل إلى صفقة الرهائن، التي تعد المسار الوحيد الذي يوفّر أي أمل في شراء وقف مؤقت لإطلاق النار وخفض التصعيد المتواصل في القطاع.
وحسب المقال، فإنّ جو بايدن بحاجة إلى الكيان الإسرائيلي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبحاجة له إذا كانت هناك أي فرصة للتوصل إلى طريقة للتوفيق بين الحملة الإسرائيلية المخطط لتنفيذها في رفح، وبين حماية الفلسطينيين هناك، كما سوف يحتاج إليه في أي ترتيبات قد يتم التوصل إليها في مرحلة ما بعد الصراع في قطاع غزة. وهنا يطرح الكاتبان سؤالا حول انعكاسات الضغط على الكيان الإسرائيلي، على تعزيز أو تأخير أي من هذه الأهداف.
وذكر المقال أربع نقاط على الأقل، متاحة أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن للضغط والإشارة إلى معارضة إدارته للسياسات الإسرائيلية منذ بداية الحرب، وهي تقييد المساعدات العسكرية، التصويت لصالح قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد الكيان الإسرائيلي أو الامتناع عن التصويت عليها، والمطالبة بوقف الأعمال العدائية دون قيد أو شرط، ولكنه لم يلجأ لأي منها، باستثناء الامتناع عن التصويت على القرار رقم 2728 في مجلس الأمن الدولي، بهدف التأكيد على موقف واشنطن من ضرورة أن يأتي وقف إطلاق النار، ضمن اتفاق على الإفراج عن الرهائن في غزة.
وفي ختام المقال، خلص الكاتبان إلى نتيجة مفادها أنّ الارتفاع الهائل في أعداد الضحايا والمعاناة الفلسطينية والكارثة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة، بما فيها احتمال حدوث مجاعة، قد لا تكفي لإجبار الرئيس جو بايدن، على أن يكون أكثر حزما، فمع المعارضة الجمهورية لأي ضغط على الحكومة الإسرائيلية، واقتراب الانتخابات الرئاسية، من الواضح أنّ بايدن، الطامح للفوز بعهدة رئاسية ثانية، والمؤيد للكيان الإسرائيلي، بشكل غير طبيعي، متردّد في استخدام النفوذ المتاح له، ومن المتوقع أن ينظر طويلا قبل أن يقفز.
إزاء حرب الإبادة على غزة..
ماذا وراء تغيّر نبرة بايدن؟
بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني
يجمع مراقبون ومحلّلون سياسيون أنّ وتيرة الخلافات المتصاعدة بين الرّئيس الأمريكي بايدن ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، نتنياهو، لا يعود إلى الوضع في قطاع غزّة بقدر تضارب المصالح بينهما وخشية ارتدادات ما يرتكبه نتنياهو من حماقات وإمعانه في إطالة أمد الحرب على غزّة وتجويع أهلها وعمله على اتّساع رقعة الحرب بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق في محاولة للانقضاض على أيّ تفاهمات يمكن أن تجمع إيران وأمريكا بعد أن استشعر خطورة المحادثات التي تجري بالوساطة العمانية.
هناك تحوّل في الرّأي العام الأمريكي وتذمّر بين العديد من العاملين في إدارة بايدن وكذلك تحفّظ أعضاء من الدّيمقراطيين وحتّى الجمهوريين ضدّ السّياسة الأمريكية الدّاعمة للحرب على قطاع غزّة.
ونتيجة ذلك هناك تحوّل أمريكي من استمرار الحرب على غزّة، عكستها المكالمة المتوتّرة بين الرّئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، تخلّلتها عددًا من المصطلحات التي عبّرت عن صعوبة تحمّل واشنطن للممارسات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزّة التي تكمل شهرها السّادس.
سخط متزايد من استمرار قصف واستهداف المدنيين وغضب من استهداف “إسرائيلي” أسفر عن مقتل سبعة من عمّال الإغاثة التابعين لمنظمة سنترال وورلد كيتشن في غزّة، جاء الاتصال ليعبّر عن مدى الغضب داخل الإدارة الأميركية.
وأعلن البيت الأبيض أنّ النّبرة المتشدّدة التي اعتمدها الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصال هاتفي الخميس الماضي مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بشأن الحرب في غزة تعكس “الإحباط المتزايد” إزاء عدم استجابة “إسرائيل” لمطالب حماية المدنيين.
المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي قال للصّحفيين عندما سئل عمّا إذا كانت المكالمة تعكس إحباط بايدن من عدم استجابة نتنياهو لطلبات واشنطن، “نعم، هناك إحباط متزايد وغير مقبول”.
وأوضح بايدن في المكالمة أنّ “الهجوم على العاملين في المجال الإنساني والوضع الإنساني بشكل عام غير مقبول”، وهي لغة في الحديث توضّح الرّفض الأميركي لأيّ تبرير لاحق من “إسرائيل” على الضّربة التي استهدفت العاملين المدنيين. والمستجد مطالبة بايدن “وقف فوري لإطلاق النّار”.
بحسب مصادر البيت الأبيض، فإنّ “الرّئيس بايدن أبلغ رئيس الوزراء “الإسرائيلي” أنّ “الوقف الفوري لإطلاق النّار ضروري لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء في غزّة”.
وتعدّ هذه أوّل مرّة يدعو فيها الرّئيس الأميركي بوضوح إلى وقف إطلاق النّار فورًا في غزّة خلال ستّة أشهر من الحرب، ولم يربط بايدن بشكل كامل وقف إطلاق النّار باتّفاق الرّهائن – مثلما كان حريصًا على القيام بذلك في الماضي – لكنّه شدّد على أنّ الرّئيس حثّ رئيس الوزراء على تمكين مفاوضيه من إبرام صفقة دون تأخير لإعادة الرّهائن إلى منازلهم.
كما طالبه بـ “إعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحدّدة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمّال الإغاثة”، وهذا يعني أنّ الولايات المتّحدة ستقوم بتقييم تنفيذ “إسرائيل” لمطالبها، وبالتّالي فإنّ فشل تل أبيب في القيام بذلك سينتج عنه تغيرًا سلبيًا في سياسة الدّعم الأميركية لـ”إسرائيل”.
وأعرب بايدن على مدى أشهر عن إحباط متزايد من نتانياهو، لكنّه دافع بقوّة أيضًا عن حقّ “إسرائيل” في الرّد على حماس بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته على “إسرائيل” في السّابع من أكتوبر.
ورغم الضّغوط التي يمارسها الجناح اليساري في الحزب الدّيموقراطي الذي ينتمي إليه بايدن، فإنّ الإدارة تواصل توفير إمدادات عسكرية لـ”إسرائيل” حتّى في وقت تنتقد طريقة خوض الحرب.
موقع “أكسيوس” الأمريكية، ذكر أنّ قتل “إسرائيل” سبعة من موظفي “المطبخ المركزي العالمي” شكّل لحظة فاصلة في واشنطن، أدّت إلى تسريع وتيرة التّراجع المستمر منذ أشهر في الدّعم الأمريكي للحرب في غزّة.
وأوضحت “رويترز” أنّ بايدن هدّد نتنياهو، في المكالمة الهاتفية، بربط دعم الهجوم “الإسرائيلي” على غزّة باتخاذ خطوات ملموسة لحماية عمّال الإغاثة والمدنيين، في سعي منه للمرّة الأولى للاستفادة بربط المساعدات الأمريكية لـ “تل أبيب” بالسّلوك العسكري “الإسرائيلي”.
وحذّر المتحدّث باسم البيت الأبيض جون كيربي قائلًا: “إذا لم نشهد تغييرات من جانبهم، فلا بدّ أن تكون هناك تغييرات من جانبنا”، مطالبًا “إسرائيل” باتّخاذ خطوات ملموسة في السّاعات والأيام المقبلة.
حتّى السّيدة الأمريكية الأولى جيل بايدن، حثّت زوجها على وقف الحرب، وقالت: “أوقفها الآن”، كما روى بايدن سرًّا في اجتماع مع أفراد الجالية المسلمة، يوم الثلاثاء الماضي، وفق “أكسيوس”.
وزير الخارجية الأمريكي، أفاد في مؤتمر صحفي في بروكسل، بأنّ “بايدن أوضح لنتنياهو أنّ “إسرائيل” يجب أن تفعل المزيد لحماية المدنيين وعمّال الإغاثة في غزّة أو المخاطرة بتغيير السّياسة”. وتابع أنّ “الهجوم المروّع الذي وقع على العاملين في المطبخ المركزي العالمي لم يكن الحادث الأول من نوعه، ويجب أن يكون الأخير”، وذكر أنّ “الرئيس الأمريكي شدّد على أنّ الضّربات على العاملين في المجال الإنساني والوضع الإنساني العام “غير مقبول”. وحقيقة القول أنّ هناك خلافات لكن تغيّر نبرة بايدن لا يمكن أن تندرج تحت مفهوم تغيّر إستراتيجي في العلاقات مع “إسرائيل”، لأنّ أمريكا ما زلت تدعم “إسرائيل”، وصفقة الطّائرات والذّخائر تؤكّد حقيقة ذلك.
بعد فوات الأوان..
احتواء أمريكي متعدّد الأطراف والأهداف!
بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني
نشطت جهود الإدارة الأمريكية على نحو محموم للتوصّل إلى هدنة توقف إطلاق النّار في قطاع غزّة، وذلك بعيد هجوم الاحتلال على السّفارة الإيرانية في دمشق، وبعد تصفية 7 من عمال الإغاثة في مشروع المطبخ العالمي.
النّشاط الأميركي لم يتضمّن ضغوطًا على قادة الكيان “الإسرائيلي” لتقديم تنازلات تتعلّق بالوقف الدّائم لإطلاق النّار والانسحاب من قطاع غزّة، أو السّماح بعودة النّازحين وإدخال المساعدات، بل عمدت لدعوة الوسطاء وعلى رأسهم القاهرة التي استنفدت أوراقها في الضّغط على المقاومة الفلسطينية منذ زمن طويل للقبول بهدنة لم تأت بجديد سوى إجبار نتيناهو على إرسال مدير الموساد ديفيد برنياع إلى القاهرة لتقدّم واشنطن ذلك كإنجاز كبير ولكنّه في الواقع سخيف وتافه.
فالنّشاط الأميركي جاء لاحتواء التّصعيد المتوقّع نتيجة الهجوم على السّفارة الإيرانية في دمشق، والذي هدّد بانهيار التّفاهمات التي أوقفت الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا بعد حادثة البرج 22 بالقرب من قاعدة التنف الأمريكية في سوريا، خصوصا أنّ رئيس الأركان في الجيش الإيراني محمد باقري أكّد أنّ أميركا تتحمّل مسؤولية الهجوم الذي شنّته طائرات أف 35 المتطوّرة، والتي تخضع تحرّكاتها لرصد مباشر من قبل الجيش الأميركي الذي يملك قدرة عالية على التحكّم بهذا النّوع من التّكنولوجيا، مطلقًا بذلك جرس إنذار في طهران بإمكانية استخدامها في هجمات داخل الأرضي الإيرانية مستقبلًا، وبنفس المبرّرات التي قدّمتها الولايات المتّحدة بعد فوات الأوان، والممثّلة بعدم علمها بالهجوم والأهداف.
من ناحية ثانية، فإنّ النّشاط الأميركي للتوصّل إلى هدنة هي محاولة أمريكية لامتصاص حالة الغضب والاستياء النّاجم عن استهداف موظّفي الإغاثة في المطبخ العالمي الذي ثار غضب الرّأي العام في خمس دول غربية وهي بريطانيا وأستراليا وكندا وبولندا ونيوزلندا والتي فقدت مواطنيها في الحادثة، فالسّياسة “الإسرائيلية” المتخبّطة والسّاعية لشحذ سلاح التّجويع عبر استهداف الفجوات التي ظهرت في جدار التّجويع “الإسرائيلي” تهدّد بمزيد من الإحراج للإدارة الأمريكية وتعقّد عملها.
الاحتواء ليس مزدوجًا بل متعدّد الأطراف والأهداف؛ إذ يشمل محاولة احتواء نتنياهو الذي أصبح أكثر توحّشًا وأقلّ مبالاة بالمصالح والاستراتيجيات الأمريكية لإدارة الصّراع والمواجهة في قطاع غزّة والإقليم، فضلًا عن احتواء المقاومة الفلسطينية التي تتمدّد في الضفّة وأراضي 48، وأخيرًا احتواء التبدّل في مزاج الرّأي العام العربي الذي بات مبادرًا وساخطًا على النّفوذ الأميركي من المحيط إلى الخليج؛ ما يضاعف من مخاطر تآكل النّفوذ الأميركي في المنطقة، وإعاقة استراتيجيتها السّياسية والأمنية.
الهدنة هدف أميركي تكتيكي تسعى من خلاله القيام بعملية احتواء متعدّد الأطراف والأهداف للفشل المتراكم للاحتلال وجيشه في تحقيق أهدافه السّياسية والعسكرية، واقتصاره على مراكمة الفشل العسكري والسّياسي والأخلاقي في كافة الميادين. فشل وتخبّط ما كان له أن يتحقّق لولا الصّمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية التي دخلت شهرها السّابع.
الخطوة الأمريكية لإحياء مفاوضات الهدنة لا يتوقّع أن تفضي إلى إحداث خرق كبير؛ كون الهدف لا يزال مرتبطًا بإدارة المعركة لا بوقفها وإنهاء معاناة الفلسطينيين.
في أعقاب استهداف القنصلية الإيرانية..
هل أصبحت الحرب الإقليمية وشيكة؟
بقلم: د. سنية الحسيني – كاتبة فلسطينية
في ظل حالة التصعيد المتواصل بالمنطقة، والتي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023 في فلسطين وانتقلت في اليوم التالي إلى الشمال والحدود مع لبنان، ووصلت اليوم إلى حالة من الغليان على الجبهات المختلفة، خصوصاً الشمالية، ما هي فرص انتقال الحرب إلى لبنان في ظل ارتفاع وتيرة وتعقيدات المشهد، أو حتى انفجار حرب إقليمية أوسع تصل إلى إيران، خصوصاً في أعقاب استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا، في تحدٍ سافر ومباشر لطهران؟
قد يشعر المتابع للتصريحات الرسمية والأحداث المتأججة في الشمال على الحدود مع لبنان الملاحظة مؤخراً بالقلق من انفلات حالة الاشتباك المنضبط والمتفاهم عليها ضمنياً طوال الأشهر الستة الماضية، إلا أنه من الصعب فصل ذلك التصعيد عن معطيات مهمة تحكم المشهد برمته، وتساعد في استشراف مدى إمكانية تطور تلك المناوشات لحرب أوسع.
جاء تصاعد التصادم الميداني على الحدود الشمالية مع لبنان بين حزب الله وجيش الاحتلال الاسرائيلي متدرجاً. بعد العدوان السافر الذي شنته سلطة الاحتلال على غزة، بدأ حزب الله من الجبهة الشمالية المتوترة أصلاً، بمناوشات عسكرية محدودة ومضبوطة ضد الاحتلال، مدعومة بموقف معلن لإسناد جبهة غزة، لتشتيت هجوم الاحتلال على قطاع غزة. وبالفعل لم يتجاهل جيش الاحتلال ذلك التطور، ووزع جيشه ما بين المحورين الجنوبي الغزي والشمالي اللبناني.
في أعقاب دخول الاحتلال في معركة برية ضد غزة، زادت حدود تلك المناوشات، ووصلت مع تطور حرب الإبادة والتدمير الممنهج الموجه ضدّ المدنيين العزل وكل مرافق الحياة في القطاع لحرب استنزاف متصاعدة، بلغت ذروتها في ظل التهديد باجتياح رفح، آخر مدن القطاع والتي تحتضن أكثر من مليون فلسطيني.
خلال الأسبوع الماضي، تخطّت هجمات “إسرائيل” على لبنان حاجز المسافة والأهداف، ورد الحزب برد متناسب، لكن الأخطر ارتبط بإرسال “إسرائيل” رسائل مقصودة، من جهات رسمية، تركز على احتمال توسيع حرب الاستنزاف مع لبنان لحرب واسعة في الشمال. “إسرائيل” التي تعي جيدا متابعة الحزب لتصريحاتها، كانت تتعمد إرسال تلك الرسائل، لكن ما مدى جديتها؟
لم ينفصل الهجوم الذي شنّته “إسرائيل” على القنصلية الإيرانية في سوريا، وقتلت خلاله قيادات عسكرية إيرانية ذات وزن عن ذلك التصعيد الميداني العسكري، سواء كان ذلك في لبنان أو سوريا. ولا شك أنّ سلطة الكيان الصهيوني تضع في اعتبارها عددا من المعطيات تحكم مخططاتها تجاه الجبهة الشمالية. قد تكون أول تلك المعطيات مرتبطة بدراسة “إسرائيل” لحدود الرد الإيراني اللبناني على أي تصعيد تقدم عليه، والذي خضع للفحص طوال الأشهر الستة الماضية، وكان آخرها حادثة القنصلية الإيرانية.
وأثبت التجربة في ظل تصاعد الأحداث منذ 7 أكتوبر أن حزب الله لا يرغب بالذهاب نحو حرب شاملة مع الكيان، وهو الأمر الذي لم يخفه الحزب ذاته، وقيادات الصف الأول في الساحة السياسية اللبنانية. كما أنّ إيران لا تنوي أو ترغب بالانخراط بحرب إقليمية، تعلم أنها ستكون مع الولايات المتحدة وليس مع “إسرائيل” فقط، فاعتمدت منذ بداية 7 أكتوبر سياسة التصعيد من خلال حلفائها، بشكل محسوب بدقة. إنّ موقف إيران وحزب الله يفسّر حدود المعركة القائمة على جميع المحاور، والتي بدأت منذ أكتوبر الماضي.
ويتعلق المعطى الثاني بتركيز “إسرائيل” على استمرار معركتها في غزة، وعدم نيتها حسمها قريباً، في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة ضد نتنياهو وحكومته، الضاغطة لإطلاق سراح المحتجزين في غزة وإعادة المستوطنين الذي أخرجوا من الشمال والجنوب تحت وطأة ضربات غزة ولبنان. على الجبهة الشمالية، ركّزت “إسرائيل” في ظل وضعها للمعطى الأول في الاعتبار على طريقين، الضغط بالتصريحات والتصعيد الميداني بالتلويح بحرب مع لبنان لا يريدها الحزب واللبنانيون، وفي ذات الوقت تراكمت المبادرات السياسية، كتلك القادمة من فرنسا أو الولايات المتحدة، لوضع حلول سياسية مع لبنان. وتعرض تلك المبادرات إمكانية إعادة رسم الحدود لصالح لبنان بشكل جزئي، مقابل انسحاب قوات حزب الله من ٧ إلى ١٠ كيلومترات عن الحدود الجنوبية، الأمر الذي يضمن إعادة عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود للمستوطنات الشمالية.
فالضغط العسكري الإسرائيلي في الشمال اليوم، وفي ظل قياسها لحدود الرد الإيراني في سوريا وحزب الله في لبنان، لا يهدف في هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها “إسرائيل”، حيث لا تزال الحرب في غزة مستمرة، والرفض الشعبي الإسرائيلي يجتاح الشوارع ضد الحكومة، لشن مزيد من الحرب، وإن كانت من ضمن مخططاتها، لكن في الأوقات المناسبة.
حاول نتنياهو المضي قدماً في حربه على غزة، معولاً على الجرائم الضخمة التي يرتكبها فيها، للتغطية على عدم قدرته على تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها، عندما شن عدوانه على غزة، على مدار ستة شهور. وفي ظل عجزه عن إخراج المحتجزين، إلا عبر التفاهمات والهدن، يماطل نتنياهو من خلال استمرار انخراطه في مفاوضات عبثية، لا ينوي فيها تحقيق شروط حركة حماس، بقدر محاولاته امتصاص غضب الشارع الإسرائيلي.
وهنا نأتي للمعطى الثالث والأخطر، والذي يتعلق برغبة نتنياهو وحكومته اليمينية بالبقاء في الحكم مهما بلغ الثمن. وقد أكد على ذلك العديد من المحللين السياسيين والقيادات المعارضة في “إسرائيل”. ففي ظل عدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق اختراق في قضية المحتجزين في جبهة غزة، والحاجة إلى مزيد من الوقت في تلك الجبهة، واستمرار تصاعد الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي بالوتيرة المتسارعة التي نشهدها، تبقى جبهة الشمال مفتوحة للتصعيد، على غير رغبة لبنان، أو حتى إيران، فالحروب الكبرى ستوحد الشارع.
وقد يكون ذلك الخيار ممكناً لنتنياهو للخروج من أزمته، في ظل ما أثبتته التجربة من عدم إمكانية تخلي الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية عن “إسرائيل”، حتى وإن كانت لا تتفق معها. فلولا الدعم العسكري والمالي لـ”إسرائيل” اليوم في حربها على غزة، لما استطاعت أن تصمد، ذلك الدعم الأعمى المفتوح، هو الذي قد يسمح لنتنياهو بخوض مزيد من الحروب، غير المنطقية، في سبيل مصلحة البقاء، على حساب مئات الآلاف من أرواح الأبرياء.
في الختام، قد يؤدي الضغط الشعبي على نتنياهو، إلى عدم قدرته على حسم معركته في غزة، ورغبته وائتلافه المحموم بالبقاء في السلطة، لانفجار حرب مع لبنان وربما أوسع، ولكن يبقى السؤال الموجه لحكومة الحرب الإسرائيلية وللشارع الإسرائيلي ولتلك الدول الداعمة لـ”إسرائيل” وعلى رأسها الولايات المتحدة، كيف ستستطيع “إسرائيل” حسم معركتها في لبنان، وهي لم تحسمها بعد في غزة، فجرائم القتل والتدمير وإبادة المدنيين لا يحسم المعارك، مع التذكير أنّ خسائر الإسرائيليين ستكون مضاعفة عن تلك التي تكبدها الشارع الإسرائيلي في معركة غزة، كما أنّ الغزيين واللبنانيين لا يتركون أرض آبائهم وأجدادهم، لكن ذلك ليس حال الإسرائيليين، كما أثبتت الأيام الماضية، فهل من عاقل يكبح جماح حكومة فقدت السيطرة على أفعالها؟