بكلّ برودة دم، قدّم الرئيس الأمريكي جو بايدن – أمس الإثنين – تهانيه للمسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، معبّرا عن مواساته لهم بشأن المأساة الرهيبة التي يعانيها سكان قطاع غزة، جراء حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023.
يأتي ذلك بالتزامن مع مواصلة بايدن تقديم أقوى دعم عسكري واستخباراتي ودبلوماسي للاحتلال الصهيوني، إذ استمرت إدارته في شحن الأسلحة لفائدة قوات الاحتلال واستخدمت حق النقض (الفيتو) 3 مرات ضدّ قرارات بمجلس الأمن تطالب بوقف إطلاق النار في غزة. وقال بايدن في بيان نشره موقع البيت الأبيض “أتقدّم أنا وجيل (زوجته) بأطيب تمنياتنا وصلواتنا للمسلمين في جميع أنحاء بلادنا وفي جميع أنحاء العالم”.
وأضاف أنّ رمضان “يأتي هذا العام في لحظة ألم هائل. لقد تسبّبت الحرب في غزة في معاناة رهيبة للشعب الفلسطيني. قُتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وبينهم آلاف الأطفال، وبعضهم أفراد من عائلات مسلمين أمريكيين يشعرون اليوم بحزن عميق”. وتابع “وقد شرّدت الحرب نحو مليوني فلسطيني، والعديد منهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والدواء والمأوى”.
وجراء حرب الإبادة الهمجية، بات سكان قطاع غزة بين براثن مجاعة تحصد أرواح أطفال ومسنين، في ظلّ شحّ شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود في القطاع الذي يسكنه حوالي 2.2 مليون فلسطيني، وتحاصره قوات الاحتلال منذ 17 عاما. وقال بايدن “بينما يجتمع المسلمون في جميع أنحاء العالم خلال الأيام والأسابيع المقبلة لتناول طعام الإفطار، فإنّ معاناة الشعب الفلسطيني ستكون على رأس أولوياتي”.
وتعهّد بأن تواصل الولايات المتحدة، قيادة الجهود الدولية لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق البر والجو والبحر. وقال إنه سيواصل العمل دون توقف للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع على الأقل “كجزء من صفقة إطلاق سراح الرهائن”.
وتوجّه بايدن إلى المسلمين في الولايات المتحدة، قائلا “أدعو الله أن تجدوا العزاء في إيمانكم وعائلتكم ومجتمعكم. ولجميع ممن يحتفلون ببداية شهر رمضان، أتمنى لكم شهرا آمنا وصحيا ومباركا. رمضان كريم”.
وكانت باحثتان مسلمتان أمريكيتان، قد قالتا إنّ ردّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على العنف المأساوي الذي ترتكبه قوات الاحتلال ضدّ سكان غزة يشير إلى أنّ الرئيس الأمريكي يبدي تجاهلا تاما لحياة العرب والمسلمين ولا يعتبرهم بشرا.
وكتبت صدف جعفر، الباحثة والمحاضرة في دراسات جنوب آسيا في جامعة برينستون، وفريشتا طيب، العضو في مجلس إدارة المؤسسة الأفغانية – الأمريكية مقالا في موقع “ذا هيل” الأمريكي أوضحتا فيه أنّ إعطاء بايدن الضوء الأخضر لاستمرار المآسي في غزة وسعيه إلى تصعيد الحرب بمبلغ إضافي قدره 14 مليار دولار من الأسلحة للاحتلال وعدم بذله أي جهود لوقف إطلاق النار “تجعلنا نستنتج استنتاجا واحدا مفجعا وهو أنّ إدارة بايدن لا ترى المسلمين بشرا”.
ما الذي فعله أطفال فلسطين؟
وتساءلت الباحثتان عن السبب في أنّ بايدن لا يتعامل مع العرب والمسلمين على قدم المساواة مع البشر الآخرين، وما الذي فعله أطفال فلسطين حتى يتم انتزاع مستقبلهم منهم بهذا العنف، ولماذا لا يهتم بايدن بما يكفي لوقف الرعب عندما تكون السلطة في يديه بالكامل؟ وقالتا إنّه من الصعب التعبير عن الحزن والألم الذي تشعران به عندما تريان حجم المعاناة والمآسي في غزة ولامبالاة إدارة بايدن.
ولفتتا الانتباه إلى أنّه في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر، أشعلت أمريكا حروبا واسعة النطاق في البلدان ذات الأغلبية المسلمة على ذرائع هشة، بدون اعتبار للخسائر المروعة في أرواح المدنيين والدمار الذي سيترتب على ذلك، وقتلت نصف مليون مدني في تلك الحروب، وأصابت ملايين آخرين تغيّرت حياتهم إلى الأبد، وقالتا إنّ هذه المعاناة بالكاد مسجّلة في الولايات المتحدة، لكنها ستظلّ محسوسة لأجيال.
وأشارتا إلى أنّ السياسة الحالية لبايدن تجاه الفلسطينيين ليست هي المرة الأولى التي يظهر فيها الرئيس ازدراء لحياة المسلمين، فقد كان من المثير للصدمة رؤية الطريقة العشوائية القاسية التي نفذ بها الانسحاب من أفغانستان. واستمرت الباحثتان لتقولا إنّ “سياسات بايدن التمييزية بين الحرب في أوكرانيا وفلسطين توضّح المنطق العنصري الذي تقوم عليه”.
وقالتا أيضا إنّ المسلمين في الولايات المتحدة اعتقدوا خلال الحملة الانتخابية لبايدن في 2020 أنه من الممكن الوثوق بأنّ نهجه تجاه المسلمين سيكون عادلا ومتوازنا، لكنهم اُصيبوا بخيبة أمل صادمة. ودعت الباحثتان إدارة بايدن إلى استعادة الثقة مع المسلمين مرة أخرى وتصحيح المسار ومعاملة المسلمين في جميع أنحاء العالم كبشر، مع نفس التطلعات ونفس الحقوق في الحياة مثل أي بشر آخرين.
هيرست يدعو الدول الإسلامية إلى مواجهة أمريكا
وبما أنّ بايدن – ومعظم قادة الغرب – يصرّ على النظر إلى المسلمين بهذه الطريقة المخزية، يكون من الضروري التساؤل عما إذا كانت الدول الإسلامية ستفعل شيئا للرد على بايدن، وحول هذا الأمر، قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني ديفيد هيرست إنّ الوقت حان لكي تتوقف الدول الإسلامية عن لعب دور المتفرج إزاء ما يجري في قطاع غزة، والمسارعة إلى مواجهة أمريكا وأوروبا لاتخاذ مبادرات لإيقاف حرب الإبادة الصهيونية على غزة.
وأكّد هيرست في مقال له بالموقع أنّ الدول الإسلامية يجب أن تهدم بالأفعال الحجة التي يبني عليها “كيان الفصل العنصري” ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية في القطاع بدعوى الدفاع عن النفس. وزاد بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ليسوا في مزاج سياسي يسمح لهم برفض كل المقترحات التي قد تصل إليهم، مثل قبول قوات عسكرية أخرى على الأرض، تحت غطاء عمليات حفظ السلام أو تقديم مساعدات للمجوّعين في غزة.
وتابع هيرست أن ما سيحفز على ذلك كون هذا العام عاما انتخابيا، بما يعنيه ذلك من سعي حثيث لاتخاذ مواقف متوازنة لاستقطاب أصوات الناخبين الغاضبين، وذلك إلى جانب أن الولايات المتحدة مثلا أنهكت في مشاكل المنطقة إثر 3 عقود من التدخلات الفاشلة، وبات واضحا تضاؤل قدرتها على ردع جماعة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، والتنظيمات المسلحة في العراق.
وأكد أنه آن الأوان أن تشعر سلطة الاحتلال الصهيوني بضغط اليد الغربية الباردة، مبرزا أن حجم الصدمة وقوتها لا يمكن أن يصل إليها إلا عبر أقرب حلفائها، وعندها فقط ستكون مستعدة للتفاوض مع شعب غزة الذي تبذل كل ما في وسعها لسحقه. وقال هيرست إنه لو كان مكان رئيس وزراء سلطة الاحتلال – مجرم الحرب – بنيامين نتنياهو فسيشعر أنه قادر على الإفلات من العقاب والمحاسبة، وسيستمر في حربه الأبدية، في ظل غياب أي ضغوط دولية حقيقية لمحاسبته وردعه.
الجزائر مصمّمة على ملاحقة الكيان
دعت الجزائر – على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف – القادة العرب إلى أن يرتقوا بموقفهم “جُرأةً وشجاعةً وإقداماً”، حتى يكون في مستوى التضحيات الجسام والصمود الأسطوري لأهلنا في قطاع غزة، مشيرا في كلمته – من على منبر الجامعة العربية بالقاهرة – إلى أنّه على الاحتلال الصهيوني أن يعلم بأنّ لا “فيتو” له بشأن إقامة الدولة الفلسطينية، مؤكّدا أنّ الجزائر تؤيّد ضرورة التحرّك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار إجراء عقابي بتجميد عضوية “إسرائيل”.
وأكد عطاف يوم الأربعاء 6 مارس، خلال أشغال الدورة الـ161 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، أنّ المرحلة الراهنة تقتضي إجراء تقييم موضوعي لمدى استجابتنا كجامعة لاستنجادات واستغاثات أشقائنا الفلسطينيين، ومدى وفائنا بالتزاماتنا التاريخية تجاههم، لا سيما وهم يواجهون نكبةً أخرى بعد النكبة الكبرى.
وقال “عطاف” إنّ أضعف الإيمان أولاً هو الارتقاء بالموقف العربي جُرأةً وشجاعةً وإقداماً، حتى يكون في مستوى التضحيات الجسام والصمود الأسطوري لأهلنا في قطاع غزة، مضيفا أنّ أضعف الإيمان – ثانياً – “هو استعادة الموقف العربي لدوره الريادي في الدفاع عن القضية المركزية لأمتنا العربية والإسلامية، حتى تَحْذُوَ حَذْوَهُ بقية المجموعة الدولية التي تعتبر موقفنا بمثابة بوصلةٍ تَحْتَكِمُ إليها وتستأنس بها”.
وأضعف الإيمان ثالثاً – يواصل الوزير عطاف خطابه – هو “تثبيت الموقف العربي تجاه المحتل الإسرائيلي دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً مثلما بادر بذلك الاتحاد الإفريقي في قمته الأخيرة، حتى نستدرك ما فاتنا من خطوات ومبادرات من شأنها حشد الضغط الدولي في مواجهة العدوان الإسرائيلي الهمجي وما خَلَّفَهُ من كارثة إنسانية غير مسبوقة”.
ومن هذا المنظور – أوضح عطاف – “أنّ المستوى الأول من الأولويات يُحَتِّمُ علينا كجامعة اتخاذ إجراءات عملية وتكثيف جهودنا الجماعية من أجل وقف حمام الدم والإبادة الجماعية، ووضع حَدٍّ للجرائم متعدّدة الأنواع والأصناف التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة”.
وتابع عطاف قائلا: “إنّه بتعليمات صارمة من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، فإنّ الجزائر التي جعلت من القضية الفلسطينية شُغْلَها الشَّاغِل وعُنوان جميع تحرّكاتها منذ انضمامها إلى مجلس الأمن، ستواصل جهودها ومساعيها، وستكرّر المحاولة تلو المحاولة، حتى يقوم هذا المجلس بتحمّل المسؤوليات المنوطة به تجاه الشعب الفلسطيني كاملةً غير محتشمة، وغير متردّدة، وغير مبتورة”.
أما المستوى الثاني من الأولويات، والتي يقع علينا كمجموعة عربية الدفع بها اليوم قبل الغد، فتتمثّل – يضيف وزير الخارجية – في ضرورة بل حتمية المساهمة الفعلية في هدم جدار الحصانة الذي طالما احتمى به الاحتلال، وانتفع في ظلّه بنظام خاص من التفضيلات والتمييزات والاستثناءات تنطبق عليه دون غيره.
وأكّد عطاف أنّ الجزائر ترحّب أيّما ترحيب بالزخم الذي ولَّدته مختلف المبادرات المتخذة من لدن الدول الشقيقة والصديقة على مستوى الهيئات القضائية الدولية. كما تؤيّد ضرورة التحرّك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار إجراء عقابي بتجميد عضوية (إسرائيل)، استلهاماً من التدابير التاريخية التي اتّخذتها منظمتنا الأممية تجاه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى يوم زواله واندثاره.
أما المستوى الثالث والأخير من الأولويات، فيرتبط تمام الارتباط – يضيف عطاف – بضرورة تعزيز أفق الحلّ السياسي ودحض ما يتمّ الترويج له حاضراً من قبل الاحتلال الإسرائيلي حول “مستقبل غزة”. ففي وجه الأطروحات الإسرائيلية التي يتمّ التسويق لها تحت عنوان “غزة ما بعد الحرب”.
وأفاد عطاف: “نعتقد بكل أمانة وصدق أنّ الموقف العربي يجب أن يؤكّد على ثلاثة ثوابت وضوابط أساسية لا مناص منها: أولاً، أنَّهُ لا مستقبل لغزة غير ذلك الذي يحدّده الفلسطينيون أنفسهم. ومن هذا المنظور، فإنّه من الأهمية بمكان أن تُحْتَرَمَ استقلالية القرار الفلسطيني، وأن تُحترم الإرادة الفلسطينية، وأن يُحترم الحق الفلسطيني”.