عبر إيديولوجية “التماهي الحيواني”.. هذه “إسرائيل” الممسوخة في “صورة” الكلب المسعور

يمارس الجنود الصهاينة كل أشكال الوحشية المجانية ضدّ المدنيين الفلسطينيين، ويتفاخرون بذلك أمام العالم، ما يعكس ضعفهم الداخلي ومعاناتهم النفسية. إنهم يعيشون داخل دائرة من الرعب المستمر، ما أفقدهم القدرة على المواجهة الشجاعة. فهم يندفعون نحو التنكيل والتعذيب والاستقواء على المدنيين الفلسطينيين كلّما أتيحت لهم الفرصة، في محاولة للتغطية على مشاعر الدونية والاحتقار الذاتي ولو من خلال إطلاق كلب الحقد الصهيوني على سيدة مسنّة، أو استخدام جريح كدرع بشري استكشافي.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

ضجت منصات التواصل الاجتماعي – على الصعيد العالمي والعربي – بصورة تعبيرية (تم إنجازها باستخدام الذكاء الاصطناعي)، يظهر فيها كلب بوليسي تابع للجيش الصهيوني وهو يهاجم مسنة فلسطينية، والصورة جاءت بعدما صرحت مسنة فلسطينية بأن قوات الاحتلال الصهيوني أطلقت كلابها عليها بسبب رفضها ترك بيتها في مخيم جباليا شمالي غزة.

وكذلك اعترف جيش الاحتلال الصهيوني بأن جنوده قيدوا جريحا فلسطينيا على الغطاء الأمامي لمركبة عسكرية خلال عملية بمدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو الأمر الذي أثار غضبا عارما، وتظهر مقاطع فيديو توثق الحادثة شابا من سكان جنين ممددا ومقيدا على غطاء مركبة عسكرية كانت تمر في أحد شوارع المدينة.

وسبق أن أفرجت قوات الاحتلال الصهيوني عن أسير فلسطيني مجهول الهوية، اعتقل في مدينة خان يونس بقطاع غزة وظل محتجزا لديها لأشهر. وقال الأطباء الذين استقبلوا الأسير بعد الإفراج عنه إنهم لم يتمكنوا من معرفة هويته بسبب فقدانه الذاكرة تحت التعذيب، فضلا عن الآلام الشديدة التي يعاني منها وآثار الرصاص والشظايا على جسده. ووجّه الأطباء في مستشفى غزة الأوروبي نداء عبر الجزيرة للتعرف عليه.

وليست هذه المرة الأولى التي يفرج فيها الاحتلال عن أسرى وهم في حالات جسدية وذهنية غاية في التردي نتيجة التعذيب الشديد الذي يواجهونه. ففي 20 جوان الجاري، أفرج الاحتلال عن الأسير الغزي بدر دحلان (29 عاما)، الذي ظهر في وضع مضطر وآثار التعذيب بادية على وجهه ويديه وباقي جسده النحيل.

كما بدا دحلان أيضا في وضع نفسي كارثي، إذ لم يستطع إكمال كلماته بسهولة، بل يتلعثم في الكلام، بينما كانت عيناه جاحظتين، وفي حالة هلوسة وكلامه غير واضح. ويعاني آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية من تفشي الأمراض بسبب سوء الظروف في المعتقلات، منها مرض الجرب أو “سكابيوس” الذي بات ينتشر بشكل متسارع بين الأسرى بسبب ظروف الاعتقال السيئة، خاصة الأطفال منهم.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن فريقه الميداني وثق عشرات الحالات التي استخدمت فيها القوات الصهيونية الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة، لا سيما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء.

وأوضح أن استخدام القوات الصهيونية للكلاب البوليسية ضد المدنيين يأخذ عدة أشكال، منها استخدامها بعد وضع كاميرات مراقبة على ظهرها في استكشاف المنازل والمنشآت قبل مداهمتها، في حين تهاجم هذه الكلاب بشكل متكرر مدنيين وتنهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد الجيش الصهيوني الذين غالبا ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ومن ثم يستهزئون بهم، بحسب الإفادات. وأكد أن استخدام الكلاب خلال مداهمة المنازل أمر بات منهجيا من الجيش الصهيوني.

سياسة الترويع الصهيونية

وانتشرت مشاهد لاعتداء كلب بوليسي، يتبع قوات الاحتلال الصهيوني، على مسنة فلسطينية في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، في حين قالت المرأة إن إصابتها خطيرة، وتم الإشارة إلى المقاطع المسربة من كاميرا تم تركيبها من قِبل الاحتلال على كلب بوليسي، وأظهرت اعتداء دام وقتا طويلا على المسنة الفلسطينية داخل بيتها.

وفي تصريحات لها، قالت الحاجة دولت عبد الله الطناني (67 عاما) إن قوات الاحتلال أطلقت كلبا عليها عضها في فراشها أثناء نومها، ثم قام بسحبها خارج الغرفة. وأكدت أنها كانت قد امتنعت مرارا منذ بدء الحرب عن ترك منزلها، مشيرة إلى أن إصابتها خطيرة إثر تعرضها للنهش والكسور والنزيف. وأضافت أنها لا تزال تعاني من الإصابة في ظل انعدام الأدوية وتضرر المستشفيات في القطاع.

ولكن المرصد الأورومتوسطي، قال إن حادثة الاعتداء على المسنة دولت الطناني التي انتشر مؤخرا مقطع مصور لنهش كلب لها في مدينة غزة ليست حالة منفردة، وأن حالتها انتشرت لأنه صادف توثيقها بمقطع فيديو ونشره.

وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق استخدام الكلاب في مهاجمة وترويع الأطفال والنساء خلال اقتحام مراكز الإيواء في مراحل مختلفة من العمليات البرية للجيش الصهيوني في مدينة غزة وشمالها وخان يونس.

بيد أن المرصد الأورومتوسطي قال إنه وبحسب ما وثقه فريقه، فقد كان أخطر وأكثر أشكال استخدام الكلاب البوليسية فظاعة وبشاعة ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين دون أي قيود أو محظورات، وصلت إلى حد استخدامها في اغتصاب أسرى ومعتقلين على مرأى زملاء لهم، ضمن جرائم العنف الجنسي المنهجي ضد الأسرى والمعتقلين، والذي اشتمل على التعرية والتحرش الجنسي أو التهديد بالاغتصاب.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي أنه تلقى شهادات قاسية من معتقلين مفرج عنهم، تؤكد الدور الوحشي وغير الإنساني في استخدام الجيش الصهيوني للكلاب لاغتصاب الأسرى والمعتقلين، مشيرا إلى أن تلك من الجرائم المروعة والخطيرة والمسكوت عنها، والتي تتطلب تحقيقا عاجلا وضمان وقفها والمحاسبة عليها.

وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم المكتملة الأركان التي ترتكبها “إسرائيل” منذ السابع من أكتوبر الماضي ضد جميع سكان قطاع غزة، بمن في ذلك الأسرى والمعتقلون، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبارها على التوقف عن ارتكاب هذه الجرائم فورا، والضغط عليها للامتثال لقواعد القانون الدولي وحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

واعترف جيش الاحتلال الصهيوني بأن جنوده قيدوا جريحا فلسطينيا على الغطاء الأمامي لمركبة عسكرية خلال عملية بمدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وهو الأمر الذي أثار غضبا عارما. وتظهر مقاطع فيديو توثق الحادثة شابا من سكان جنين ممددا ومقيدا على غطاء مركبة عسكرية كانت تمر في أحد شوارع المدينة.

واتُهم الجنود الصهاينة باستخدام الرجل المصاب درعا بشريا خلال العملية، وأكد مصدر طبي بمستشفى ابن سينا التخصصي في المدينة أن الشاب يدعى مجاهد رائد عبادي (24 عاما) وكان عند وقوع الحادث في حي الجابريات بمنطقة وادي برقين، وبحسب المصدر الطبي فإن حالة الشاب مستقرة.

وتمكنت وكالة رويترز من مطابقة الموقع من خلال لقطات موثقة تم التحقق منها تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مركبة تنقل شخصا مقيدا فوق مقدمة السيارة في جنين.

وأكد هذا التاريخ شاهد عيان أجرت رويترز مقابلة معه. وبحسب عائلة عزمي، فقد تمت مداهمة ابنهم واعتقاله، وأنه أصيب أثناء المداهمة، وعندما طلبت الأسرة سيارة إسعاف، أخذ جيش الاحتلال مجاهد، وربطه على غطاء محرك السيارة وانطلق به.

وصفت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الاثنين 24 جوان مقطعا مصورا ظهر فيه فلسطيني مصاب مقيدا بمقدمة سيارة عسكرية تابعة للجيش الصهيوني بأنه “صادم”، لكنها اعتبرت أن بيان الجيش بشأن الواقعة “مناسب تماما”.

الحقيقة الصادمة.. كل “إسرائيل” يمين متطرف

وخلال مؤتمر صحفي لوزارة الخارجية تساءل أحد المراسلين “ألا يمثل هذا بشكل أساسي استخداما من الجيش للفلسطينيين دروعا بشرية؟”. ورد المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر “لقد شاهدنا هذا المقطع، وقد كان صادما. هذه الممارسة غير مقبولة على الإطلاق. لا ينبغي أبدا استخدام البشر دروعا بشرية”. وتابع “يجب على جيش الدفاع الصهيوني التحقيق بسرعة فيما حدث، ومحاسبة

شابا فلسطينيا جريحا بمقدمة مركبة عسكرية صهيونية أثناء مداهمة بمدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة. وأظهرت مقاطع فيديو الشاب الفلسطيني مجاهد رائد عبادي ممددا ومقيدا على غطاء المركبة العسكرية التي كانت تمر في أحد شوارع جنين بين سيارتي إسعاف.

ولم يقدم جنود الاحتلال أي إسعافات للشاب الذي كان ينزف، ويقول إنهم ضربوه وعذبوه بشكل متواصل، خاصة على المناطق المصابة، مؤكدا أن جنديين اثنين حملاه وظلا يحركانه يمينا وشمالا حتى وقع على الأرض، ثم ربطاه على المركبة العسكرية كدرع بشرية، وكانت الحرارة عالية جدا على غطاء المركبة.

وقال ميلر “رأيت البيان الذي أصدروه بأن هذه الأفعال لا تتفق مع الأوامر التي تلقاها هؤلاء الجنود وأنه يجري التحقيق في الأمر وسيتم التعامل مع الضالعين فيه بناء على ذلك. وهذا مناسب تماما”.

قال مفكرون وباحثون إن هجوم 7 أكتوبر 2023 يمثل شقا جديدا في جدار الصهيونية يضاف إلى شقوق عدة في أساسات “المجتمع الصهيوني”، وإن الحرب على قطاع غزة كشفت عن العقلية الصهيونية في “المراوغة” وعدم الالتزام بأي اتفاقيات، وعن توظيف قوة الردع العسكري للتغطية على التفكك الداخلي.

والنظر إلى موقف الحكومة الصهيونية الراهن في تعاملها مع القضية الفلسطينية يثبت ذلك، فقد قال رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو إنه ليس مستعدا لإقامة دولة فلسطينية، ولن يسمح بتسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وإنه يريد إنشاء إدارة مدنية بالتعاون مع فلسطينيين محليين.

وبحسب مقال للمحلل أحمد حافظ، فإنه يمكن الوقوف على العقلية المسيطرة على مجتمع اليمين لدى الكيان، مع جنوح قادته في توظيف نظرية “الصدمة العسكرية” للتغطية على الإحساس بالتفكك الذي بدأ يتسرب إلى خارج الكيان، وصولا إلى جماعات الضغط الأمريكية المؤيدة للكيان (أيباك).

يقول الكاتب الأمريكي زاك بيشامب – في مقال له على موقع “فوكس” الإلكتروني في ماير الماضي – إنه مع تحرك سلطة الكيان أكثر وأكثر نحو اليمين – وهي أسيرة من قبل المستوطنين المعادين للفلسطينيين – تحركت الحركة المؤيدة للكيان في أمريكا معها، تاركة مكانا ضئيلا لأمثالي، واليوم أقضي جزءا كبيرا من حياتي المهنية في انتقاد الكيان ضمن اليسار المناهض للاحتلال.

ويضيف بيشامب “عندما كنت في الجامعة في أواخر العقد الأول من القرن الـ21 كنت رئيس مجموعة الحرم الجامعي المؤيدة للكيان في جامعتي، لكنني تخليت عن المنصب بعد فترة وجيزة عقب جدال علني مع أحد أعضاء المجموعة بعد أن أيد الاستيطان في الضفة الغربية، وهو مشروع أراه دائما غير أخلاقي وفاشلا سياسيا”.

ويلخص الكاتب في كلمات معدودة التأييد المطلق للكيان من قبل مجموعات الضغط في أمريكا بأنها تقول “إن قادة الكيان هم من يحددون ما يخدم مصلحة البلد على نحو أفضل، ويجب على أيباك ونشطائها تقديم الدعم لهذه الأجندة فقط”.

لكن الجامعات الأمريكية في الشهور الماضية ضربت بمعول ثقيل سقف “اللوبي” اليهودي في أمريكا عندما تضامنت جامعات عدة مع غزة، واعتصم طلاب في هذه الجامعات معلنين رفضهم العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وراح ضحيته عشرات آلاف الفلسطينيين.

بداية النهاية.. لحظة انهيار الصهيونية تقترب

من جانبه، يعود الأكاديمي مهند مصطفى إلى بيان الطبيعة التركيبية في “المجتمع الإسرائيلي”، فيقول إن “المجتمع اليهودي” قائم على فكرة الانتقام والثأر رغم ما تمتلكه (الدولة) من مؤسسات سياسية وما يعيشه “المجتمع” من ديمقراطية خاصة به، لكن سلطة الكيان تتصرف بمنطق القبيلة الباحثة عن الانتقام، ولذلك جاءت فكرة إحداث صدمة عند الفلسطينيين والتصعيد بالردع إلى آخر نقطة ممكنة.

وعند سؤاله عن أهمية التصعيد على هذا النحو في العدوان على غزة، بيّن مصطفى أن نتنياهو يريد أن يجعل الفلسطينيين يدفعون ثمنا أكبر مما كانوا يتوقعونه عند هجوم 7 أكتوبر، كما يمثل رسالة تهدف إلى منع أعداء الكيان من التفكير في مهاجمتها.

وفي ما يتعلق بالنتيجة التي تحققت، أشار المختص في الشأن الصهيوني إلى أن نتنياهو فشل في تحقيق هذه الأهداف، سواء على الجبهة الفلسطينية أو على الجبهة اللبنانية، وبدل أن يعيد النظر في سياسة الردع العسكري التي يتبعها فإنه يتمادى في التصعيد ويذهب به حتى النهاية.

بدوره، يرى الكاتب الإسرائيلي إيلان بابيه أن مستوى التصعيد الذي وصله نتنياهو ضد الفلسطينيين يشير صراحة إلى أن الشقوق لم تعد ظاهرة في جدار الصهيونية فقط، بل وصلت إلى أساسات (الدولة) العبرية أيضا التي قد تؤدي إلى انهيار المؤسسات العامة، ولن تكون قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين، على حد قوله.

ولكي يبرهن على فكرته فإنه يقول إن “عملية التفكك تبدأ بطيئة ثم تزداد سرعتها، وفي فترة زمنية قصيرة تسقط الهياكل التي كانت تبدو صلبة ومتماسكة”. وفي مقال له – نشر يوم الجمعة الماضي في مدونة “سايد كير” – يعدد بابيه الأسباب التي دعته إلى تشخيص الوضع الحالي للصهيونية، ومنها: 

أولا- تصدع “المجتمع اليهودي الإسرائيلي” بين معسكرين

معسكر يتألف من اليهود الليبراليين الذين يمثلون الطبقة الوسطى، وكانت لهم الهيمنة السياسية على الدولة منذ زرع الكيان بالمنطقة عام 1948.

معسكر “يهودا” الذي نشأ بين المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، ويمثل حاليا قاعدة انتخابية كبيرة أسهمت في فوز نتنياهو بالانتخابات الأخيرة.

ثانيا- الأزمة الاقتصادية في “المجتمع الإسرائيلي”

يرى الكاتب أن الطبقة السياسية الحاكمة ليست لديها خطة ناجعة لتفادي الأزمة الاقتصادية وسط الحروب التي يخوضها الجيش، وهذا جعل الاقتصاد العام ينخفض بنسبة 20%، والأخطر من ذلك أنه بعد “7 أكتوبر/تشرين الأول” نقلت بعض النخب الاقتصادية والمالية أموالها إلى خارج الكيان.

ثالثا- العزلة الدولية المتزايدة

فالإبادة الجماعية في غزة جعلت الكيان “دولة منبوذة”، ويتجلى ذلك في مواقف محكمة العدل الدولية غير المسبوقة، وتصاعد النقد الموجه من المجتمع المدني العالمي ضد الكيان، وتعرض قادتها للاعتقال بتهم جرائم الحرب.

رابعا- فك الارتباط مع الاحتلال

لقد حدث تغير كبير في آراء الشباب اليهود، وخلال الأشهر التسعة الماضية بدا أن العديد منهم على استعداد للتخلي عن ارتباطهم ببالكيان والصهيونية، ولا مانع من الانضمام إلى حركات التضامن مع فلسطين كما حدث في مظاهرات الجامعات الأمريكية.

خامسا- ضعف الجيش الصهيوني

رغم تمتع الجيش الصهيوني بأحدث الأسلحة وقوته في المنطقة فإن العديد من الإسرائيليين يشعرون بأنه كان محظوظا في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، لأن حزب الله اللبناني لم ينضم إلى حماس في هجوم منسق وإلا لظهرت حالة الضعف التي عليها الجيش، وأنه غير قادر على توفير الحماية للسكان اليهود.

سادسا- الجيل الأصغر بين الفلسطينيين

الفلسطينيون الشباب يمثلون جيلا أكثر توحدا وارتباطا، وآفاقه واضحة مقارنة بالنخب السياسية الفلسطينية، وهذا الجيل سيكون له تأثير كبير في مسار الكفاح من أجل تحرير فلسطين، خاصة مع الحديث عن تشكيل منظمات ديمقراطية حقيقية بديلة عن القائمة الآن. 

مرحلة الحسم

من ناحيته، يرى الأكاديمي مهند مصطفى أن نقطة الضعف المركزية لدى الكيان تتمثل في غياب القيادة السياسية المتزنة التي تتمتع بإستراتيجية واضحة وتأخذ بعين الاعتبار المصالح الصهيونية على البعدين المحلي والدولي، وهذا ما حققته شخصيات تاريخية مثل رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن عندما تنازل عن سيناء مقابل مصالح الكيان الإستراتيجية المتمثلة في عقد سلام مع مصر.

أما نقطة الضعف الثانية – كما يراها الباحث نفسه – فهي الانقسام داخل “المجتمع الإسرائيلي”، وهو انقسام تاريخي ممتد في التراث اليهودي ووعيهم، وهو ما أدى إلى انهيار الممالك اليهودية القديمة في حقبة تاريخية عرفت بـ”حرب الأخوة”، والحرب على غزة أججت هذا الصراع داخل “المجتمع الإسرائيلي”.

وختم الباحث في الشأن الإسرائيلي تصريحاته للجزيرة نت بأن المجتمع الإسرائيلي تجاوز مرحلة التوافق بين معسكري (الدولة) والدين، وأصبح الآن في مرحلة الحسم التي تؤدي إلى تفكك المجتمع وإضعاف الكيان من الداخل، لأن الحسم معناه انتصار لفريق واحد وهجرة الفريق الآخر.

رسمته دماء الأبرياء في غزة..

حين ينكشف الوجه الحقيقي لـ”إسرائيل

بقلم: محمود عثمان – محلل سياسي مصري

أظهرت “إسرائيل” وجها شديد القُبح في غزّة، وكان ذلك مُعتادا منها منذ النكبة الأولى واغتصاب أرض فلسطين في عام 1948، لكنها ازدادت شراسة في العدوان الأخير على القطاع.

كل ما يدور من أحداث واستهداف للمستشفيات وعربات الإسعاف، والتعنت في إيصال المساعدات أو نقل الجرحى أو الوصول إلى هدنة إنسانية تقود لوقف إطلاق النار، وصولاً إلى إطلاق كلب إسرائيلي على مسنة فلسطينية لا حول لها ولا قوة، كل ذلك يؤكد أننا جيعاً أمام دولة مُجرمة، ومُخطط مقصود للإبادة الجماعية.

تعيش غزة واقعًا بالغ القسوة، إذ تقترب الحرب من إنهاء الشهر التاسع، وقفز عدّاد الشهداء إلى قرابة أربعين ألفا، فضلا عن معاناة لا مثيل لها للنساء والأطفال والمرضى، ويحدث كل ذلك بأشد آلات القتل وحشية، وبدعم غربي شديد الوقاحة والتبجح، تقوده الولايات المتحدة التي لم تتوقف عن المتاجرة بشعارات الحضارة والإنسانية.

تفضح “إسرائيل” نفسها أمام العالم بالدليل القاطع، وقد تولّدت عن ممارستها الإجرامية مواقف قوية وواضحة، واتخذت عدة دول بأمريكا اللاتينية ردود فعل جادة ضد المذابح الدموية بحق الشعب الفلسطيني الصامد، إذ اعترضت بوليفيا على سياسات “إسرائيل” وسحبت سفيرها من تل أبيب، وأعلنت كولومبيا رفضها سياسات “إسرائيل” الدموية المتطرفة في قتل الأبرياء واستدعت سفيرها أيضا، كما اعترضت تشيلى على المجازر وتعطيل الإغاثة، واتخذت دول أخرى مواقف شبيهة أو قريبة، ونجحت المجموعة العربية في تمرير قرار من الأمم المتحدة يدعو لوقف الحرب وإيصال المساعدات.

ما يحدث في غزّة يرقى إلى درجة الدمار الشامل، فقد صار القطاع خرابًا لا يصلح للحياة، وتعمدت “إسرائيل” تدمير البنية التحتية والمنشآت المدنية وقطع الإمدادات الضرورية عن مئات آلاف المدنيين العزل، وتواصل عدوانها الغاشم دون وازعٍ من ضمير أو أخلاق، ومع تعطل واضح للمنظومة الأممية وعجز عن إنفاذ القانون الدولي أمام واحدة من أشرس جرائم الإبادة في التاريخ.

جرائم حرب المرتكبة تظهر قبح “إسرائيل”، وتُعرّى سياساتها العنصرية الرديئة أمام العالم، وتبصم على وجهها بالدم الذى أراقته بوقاحة وإجرام.. على العالم أن يُدافع عن ميراثه الحضاري والأخلاقي، وأن يتصدّى بجدية عاجلة لانتهاك كل المعايير الإنسانية والقانونية من جانب دولة نازية صهيونية شديدة الهمجية والعنف.

وعلى المجتمع الدولي أن يثبت لمرّة أنه شريف في شعاراته، وشريف في مواقفه، وقادر على أن يُوقف القُبح الذى ينعكس على استقامة النظام القائم، ويُفقد الجميع الثقة في الدول الكبرى، وفى مؤسسات الأمم المتحدة، وكل ما تروج له من شعارات ورسائل لا تتجاوز الخطابة.. غزّة تستغيث، وأبناؤها يُقتلون، وعلى العالم أن يعي أنه شريك في هذا شراكة مباشرة، وليس بالصمت العاجز فقط.

مجازر غزة أنموذجا..

من ينقذ البشرية من خطر الصهيونية؟

أبرز أستاذ العلوم السياسية بجامعة وادي سوف، سليمان نبار، أن كل المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بحق الأبرياء والمدنيين العزل في قطاع غزة، ما هي إلا محاولات يائسة وبائسة للقضاء على الجنس البشري الفلسطيني وتهجير كل من يفلت من هذه المجازر، فالكيان الصهيوني ومنذ زرعه في فلسطين يعمل جاهدًا على تفعيل هدفه الرئيس، والمتمثل أساسًا في الإبادة الجماعية والقضاء على السكان الأصليين، أي الكيان البيولوجي الفلسطيني بطريقة وحشية ومتعمدة من خلال استهداف الأطفال والنساء بشكلٍ مباشر وبعيدًا عن أي أخطاء عسكرية كما يدعي في كل مرة.

وأوضح الدكتور نبار، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي وخلال عدوانه على قطاع غزة – هذه المرة – تعمّد ارتكاب مجازر بالجملة خلفت آلاف الشهداء في صورة العديد من المجازر، لعل أبرزها تلك المتعلقة بقصف مستشفى المعمداني والذي سقط فيه أكثر من 500 شهيد معظمهم مُزّقا أشلاءً، ومحاصرة مجمع الشفاء الطبي وارتكاب مجازر بالجملة يُندى لها جبين الإنسانية، رغم دراية الاحتلال التامة بأن المستشفيات في غزة ليست فقط للاستشفاء إنما يتم اتخاذ محيطها كملجأ لآلاف المدنيين تفاديا لأي قصف عشوائي قد يرتكبه جيش الاحتلال.

وفي السياق ذاته، أبرز المتحدث أنّ هذه المجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في حق المدنيين العزل ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة للأسف، فالاحتلال الصهيوني له تاريخ متمرس في الإجرام، بدايةً بما قامت به العصابات اليهودية لاجتثاث الجذور الفلسطينية والعمل على تهجير الفلسطينيين سواء في “دير ياسين” سنة 1948 أو مجزرة “اللّد” في السنة نفسها، أو مجزرة “خان يونس” سنة 1956 مرورًا بمجزرة “صبرا وشاتيلا” عام 1982 وصولاً إلى مذبحة الشجاعية سنة 2014، حيث أسفرت الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة – حينها – عن أكثر من 12 ألف ضحية ما بين شهيد وجريح فلسطيني، كل هذه المجازر إضافة إلى العمليات العسكرية المتفرقة ضد الشعب الفلسطيني المحاصر تدل على أن ما يرتكبه هذا الكيان لا يعدو أن يكون جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، حيث لم يستثنى من هذه الهمجية شعوب أخرى على غرار الشعبين المصري واللبناني عبر العديد من المراحل والمحطات التاريخية.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة وادي سوف، أن معظم هذه الجرائم والمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” تصنف – وفقا لقواعد القانون الدولي وبناءً على تعريف العديد من الهيئات الدولية – جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، إلا أن المجتمع الدولي أخذ دائما دور المتفرج عندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني، رغم عديد الدعوات الدولية المطالبة بمحاكمة “إسرائيل” بتهمة ارتكاب جرائم إبادة، سواء ما تعلق باستهداف المدنيين أو الأماكن الدينية في صورة المساجد والكنائس أو قوافل الإغاثة الإنسانية، إضافة إلى الاستهداف الممنهج للصحفيين باعتبارهم عينًا للحقيقة.

رغم مساحيق التجميل..

غزة تفضح صهيونية الغرب

بقلم: عبد الهادي الراجح – كاتب مصري

يبدو أن هناك من عرب الخيانة والخيبة من لا يريد أن يصدّق أنّ الكيان الصهيوني أهم ولاية أمريكية خارج حدود أمريكا، وحتى داخل حدودها.. فأمريكا هي الكيان الصهيوني والكيان الصهيوني هو ولاية أمريكية، ثقافة إجرامية واحدة وكراهية للآخر خاصة للعربي، والنظرة الفوقية لكل ما هو من خارج الكيانين بما في ذلك حلفاؤهم الأوروبيين.

ولا أريد أن أذهب بعيدا وأذكر هنا مثالين شاهدهما العالم أجمع يثبتا أنّ هؤلاء الصهاينة في أمريكا والمحتلين لفلسطين وأجزاء من سوريا ولبنان لا يخفوا أطماعهم في كل الوطن العربي، كما جاء ذلك في التوراة سفر التكوين الإصحاح من 15 إلى 18، (لنسلك أعطي هذه الأرض من أرض الفرات لأرض النيل الكبير).. هكذا يؤمن الصهاينة في أمريكا وأتباعهم المحتلين لفلسطين العربية، والتي لن تكون غير عربية والتاريخ حافل بكثرة من المستعمرين العابرين وآخرهم حثالات العالم الموجودة اليوم بموجب وعد بلفور وليس وعد الرب كما قال قداسة البابا شنودة.

هل تذكرون ما تناقلته وسائل الإعلام في حينها عندما تمكن جنود الصهاينة الأمريكان من قتل ثلاث مقاتلين من حركة طالبان، وكيف جردوهم من ملابسهم بعد قتلهم وأخذوا يضربون الجثث وبعد ذلك قاموا بالتبوّل عليها.

لقد تكرّر نفس المشهد المقزز بعد ملحمة السابع من أكتوبر المجيدة، عندما تمكن الصهاينة وبدعم من الولايات المتحدة الصهيونية وحلفائها وعملائها بالمنطقة من تصفية أحد الفدائيين الشهداء بعد أن تمكنوا من السيطرة على بعض المناطق في غلاف غزة المحتل، وبعد الضرب المبرح للجثمان الطاهرة وخلع ملابسه وسماع صوت أحدهم وهو يناديه بصوت تفوح منه رائحة الحقد والكراهية والعنصرية في أبشع صورها البربرية الهمجية، مع الضرب “يا محمد يا محمد” مخاطبا الجسد الطاهر الذي فروا أمامه في الميدان كالفئران المذعورة وقام بالتبول عليه مع قطعانه كما فعل نظرائهم الصهاينة من الجنود الأمريكيين في أفغانستان، وللأسف العالم كله وقف لجانب العدو الصهيوني المجرم في بداية العدوان .

ولكن صحوة الضمير الأممية جاءت بعد أن تجاوز الصهاينة كل حدود العقل والمنطق، وثبت أنّ حربهم هو حرب إبادة لشعب آمن أعزل وأصبح السكوت على الإجرام الصهيوني مشاركة فيه، واهتزت صورة الكيان وأصبح معزولا.

لقد تفهمت معظم شعوب العالم لأول مرة حقوق الشعب العربي الفلسطيني وكذب وافتراء وتزوير العدو الصهيوني لكل حقائق التاريخ والجغرافيا، ولأول مرة أصبحنا نسمع من شعوب العالم بما في ذلك الأمريكية والبريطانية والفرنسية وكل رعاة العدو الصغير هتاف “فلسطين عربية من النهر إلى البحر”.

فماذا نأمل من كيانين أحدهما شكل ما أسماه بجيش الله الذي تأسّس في كاليفورنيا، والآخر شعب الله المختار (وليس النصاب مثلا).

الأول تأسّس لمنع المهاجرين خاصة عبر المكسيك وتوسع بعد ذلك لما أسماه تنقية العرق الأبيض الأمريكي مستخدما أبشع أنواع التطرف والإرهاب لباقي فئات الشعب الأمريكي، متجاهلا أن أمريكي كالكيان الصهيوني خليط من كل حثالات البشرية.

والثاني وبدعم من الأول وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إذ قام بتهجير شعب آمن في وطنه لكل بقاع العالم وإبادة مئات آلاف من أبنائه وبناته تحت مزاعم وعد الرب وأوامره بالقتل والإبادة والإرهاب حتى التمثيل بجثث الرجال والنساء والأطفال، وقتل حتى حيواناتهم التي يملكونها.. فأي دين وأي إله يأمر بذلك ومعاذ الله عما يقولون.

كل جرائم الكيان الصهيوني الصغير تتم بدعم من أمريكا رأس الصهيونية، وحماية الكيان الصغير في كل المحافل الدولية والضغط على حلفائها وعملائها بدعم الكيان اللقيط، ولعل الضربة الإيرانية الشجاعة بمئات الصواريخ والمسيرات على الكيان الصغير اللقيط والتدخل الأمريكي واتباعه وعملائه في المنطقة لصد الصواريخ والمسيرات أكبر دليل.

والمأساة أنه لا يزال هناك من حكام عرب اليوم من يراهن على الدور الأمريكي المحايد جدا كما يقولون والنزيه، ويطالبونه بلعب دور بينما أمريكا تصفع هؤلاء الخونة الفاقدين للكرامة والرجولة.

وتصرح من أعلى مستوى أنها مع الكيان الصغير اللقيط وما تسميه بحقه بالدفاع عن نفسه، حتى لو دمر واحتل كل بلاد العرب، وموقف أمريكا الصهيونية وكلبها الكيان الصغير من المحكمة الدولية دليل آخر على أكبر عنصرية عرفتها البشرية وتهديد أعضاء المحكمة وعائلاتهم، وتصريحات الكيانين بكل وقاحة بأنّ هذه المحكمة وجدت لجلب القادة الأفارقة والآسيويين ممن يخالفون السياسة الصهيوأمريكية .

إيديولوجيا الانحراف..

هذه جذور الغطرسة اليهودية

بقلم: عبد الله المَشوخي – أكاديمي فلسطيني

غطرسة اليهود متأصّلة في نفوسهم عبر تاريخهم فهم يرون أنفسهم فوق البشر وأنّهم أبناء الله وأحباؤه وأنّ الجنّة خالصة لهم من دون النّاس، وأنّ الله اصطفاهم وفضّلهم على العالمين، لذلك ينظرون لغيرهم نظرة ازدراء واحتقار.

وبسبب هذه النّظرة الاستعلائية لا ضير لديهم في استحلال دماء الآخرين من نساء وأطفال والتّعامل بالرّبا مع غير اليهود بل يبيحون سرقتهم كما ذكر إسرائيل شاحاك حيث قال: “إنّ الشّريعة اليهودية قد أباحت لليهودي سرقة ممتلكات غير اليهود”.

هذا العلو المنحرف لم يكن مرتبطًا بجيل من الأجيال بل هو متجذّر ومتوارث عبر كافّة الأجيال والسرّ في ذلك ارتباطه بنصوص عقائدية فاسدة من كتبهم المقدّسة المحرّفة؛ لهذا لا غرابة أن ينظر اليهود للفلسطينيين على أنّهم حيوانات لا يستحقّون الحياة ولا يستحقّون أرضًا يعيشون عليها، وهذا ما قامت به كافّة حكومات الكيان الصّهيوني المتعاقبة بعدم الاعتراف بوجود كيان للفلسطينيين لذلك تجدهم يسعون بكافّة أحزابهم وأطيافهم على ابتلاع المزيد من الأرضي الفلسطينية لإقامة مستوطنات عليها وتضييق الخناق على الفلسطينيين من أجل ترحيلهم إلى دول الجوار.

ومن مظاهر صلفهم وغطرستهم وعلوّهم عدم اكتراثهم بكافّة القوانين والشّرائع الدّولية فأيّ إدانة لهم من قبل مجلس الأمن أو الأمم المتّحدة أو محكمة العدل الدّولية أو من منظّمات حقوق الإنسان أو غير ذلك لا قيمة لها عندهم بل يعملون على مخالفتها والاستخفاف بها ولا أدلّ على ذلك من قيام مندوب الكيان الصّهيوني في الأمم المتّحدة (جلعاد إردان) بتمزيق ميثاق الأمم المتّحدة من فوق منصّتها احتجاجًا على التّصويت لمنح بعض الحقوق للفلسطينيين.

وعندما أصدر مدّعي عام المحكمة الجنائية الدّولية مذكّرة اعتقال بحقّ رئيس وزراء الكيان الصّهيوني النّتن بسبب ارتكابه جرائم حرب إبادة في غزّة جاء ردّه على ذلك بقوله: “لست خائفًا من السّفر حول العالم بعد قرار المدّعي العام، وعلى المدّعي العام أن يشعر بالقلق إزاء وضعه ووضع المحكمة”.

في الختام لا يمكن لحكومة النتن ومن معه من عصابة نازية أن يقبلوا بمفاوضات لتبادل الأسرى أو وقف لإطلاق النّار أو انسحاب من قطاع غزّة إلّا تحت وطأة قوّة المقاومة وصمودها واستنزافها جنود العدو وتكبيده خسائر فادحة في المعدّات والأفراد حينئذ يخضعون مجبرين لشروط المقاومة.

فهؤلاء القوم لا يجدي معهم سوى منطق القوّة وذات الشّوكة وإيقاع الألم فيهم ولا مجال لأيّ طريق آخر معهم ومن يسلك أيّ طريق آخر فهو واهم كما وهمت سلطة أوسلو لعدّة عقود حيث لهثت وما زالت خلف سراب بقيعة.

الأرقام المروعة تكشف..

الأمومة والطفولة في فلسطين مجرّد أرقام مجرّدة!

بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني

نعم هي حرب على الأمّهات والأطفال، وحين يكون 70 بالمائة من الضّحايا من الأطفال والنّساء، ونحو 16 ألف طفل شهيد، و10 آلاف امرأة شهيدة واستشهاد ما لا يقلّ عن 33 طفلًا نتيجة المجاعة وسوء التّغذية، و17 ألف طفل يعيشون بدون والديهم أو أحدهما، وما يقرب من 3500 طفل معرّضون للموت بسبب سوء التّغذية ونقص الغذاء و60 ألف سيدة حامل معرّضة للخطر لعدم توفر الرّعاية الصحية.

حين تكون هذه الأرقام المرعبة والمفزعة والتي اتّفقت جميع الهيئات الدّولية والأممية على صحّتها ودقّتها ماثلة أمام أعيننا بكلّ قسوتها ووجعها، مع وجود نحو37 ألف شهيد وشهيدة و85 ألف جريح ومصاب منذ السّابع من أكتوبر الماضي.

حين تصفعنا هذه الأرقام والحقائق في وجوهنا وعلى مؤخّرة العالم المكتنزة بالتحيّز والكراهية، فكلّ ذلك يؤشّر إلى أنّها حرب همجية ومتوحّشة وانتقامية بطريقة سادية ممعنة في السّفالة والنّذالة، ضدّ الأطفال وضدّ أمّهاتهم أيضًا.

وهذا ما خلص إليه المتحدّث باسم منظّمة الأمم المتّحدة للطّفولة (اليونيسيف) جيمس إلدر بقوله إنّ التّأثير الذي تحدثه الحرب على الصّغار، يؤكّد الاعتقاد السّائد بأنّ الحرب في غزة “هي حرب على الأطفال”.

وينبه إلدر إلى قضية غائبة عن الإعلام بقوله “ليس هناك شيء طبيعي في الخوف المستمر الذي يعيشه الأطفال هنا، وما من شيء طبيعي في اللّيالي الثّلاث الأخيرة من القصف المتواصل والطّائرات المسيّرة التي تحرم الأطفال من النّوم، وبالطّبع ما من شيء طبيعي فيما يتعلّق بالجراح المروّعة للأطفال التي رأيتها في مستشفى الأقصى”.

الصّدمات النّفسية وحرمان أطفال غزّة من الرّعاية الصحية والتّعليم يؤشّر على أنّنا نتّجه صوب المجهول عندما يتعلّق الأمر بالصحة النّفسية للأطفال. فهؤلاء الأطفال عاشوا تجربة مريرة طيلة تسعة أشهر، من القصف والدّمار والنّزوح المتكرّر وأصوات الطّائرات والقذاف والصّواريخ والطّائرات المسيرة والزنّانة والإصابات والجوع والخوف، كلّ ذلك لم يحرّك ساكنًا في أمّة الإسلام والعرب، ولا نقول العدو وحلفائه فهم أعداء لا يرون فينا بشرًا.

إذا لم تحرّكنا كارثة ومعاناة ومأساة أطفال غزّة فقد ختم على قلوبنا وران عليها، واستبدلنا الله بقوم يحبّهم ويحبونه.

الجميع متواطئ في تجويع أطفال غزّة

المجاعة التي تحاصر وتضرب أطفال غزّة لا تتعلّق فقط في حصولهم على أيّ طعام يسعد جوعهم، بل هي أخطر من ذلك بكثير مع انعدام المكمّلات الغذائية والحليب ونقص أنواع معينة من الغذاء والحرمان من التّطعيم والأدوية والعناية الأسرية الطبيبة والأغذية المخصّصة للأطفال إضافة إلى حاجتهم إلى رعاية نفسية متقدّمة بالتّزامن مع ما شاهدوه بأم أعينهم من فظاعات وجرائم وانتهاكات يعجز المرء عن وصفها، ولولا أنّنا نشاهدها أمام أعينا ما كنّا سنصدّقها أبدًا.

يواجه نحو 3500 طفل على الأقل خطر الموت جوعًا في قطاع غزّة، بل إنّ بعضهم مات فعلًا نتيجة الجوع، بسبب سياسة التّجويع الفاشي والمتوحّش الذي يمارسه حثالة وقاذورات البشرية، ومنع المساعدات من الوصول إلى قطاع غزّة بشكل كامل، للأسبوع الرّابع على التّوالي وسط صمت دولي وعربي وإسلامي وتواطؤ من جميع الأطراف.

هؤلاء الأطفال دون سنّ الخامسة معرّضون لخطر الموت التّدريجي في قطاع غزّة وهم يعانون من سوء التّغذية بدرجة متقدّمة أثَّرت على بنية أجسادهم، وهو ما يعرّضهم فعليًا لخطر الإصابة بأمراض معدية تفتك بحياتهم، وتؤخّر نموهم، وتهدّد بقاءهم على قيد الحياة، حيث بات هؤلاء يفتقرون إلى الوصول للخدمات الأساسية مثل الغذاء والرّعاية الصحية والمتابعة الطبية الدّورية، كما أنّ حالاتهم تتفاقم وتزداد صعوبة في ظلّ حرمانهم من التّطعيمات والجرعات الدّوائية المخصّصة لهم في بدء سنوات حياتهم.

مشكلة أطفال غزّة تتفاقم وتحتاج إلى جهد عربي وإسلامي ودولي لوقف هذه الجريمة الممنهجة والمخطّط لها بشكل فاق تخيّلات الشّيطان الرّجيم نفسه، ولإنقاذ الأطفال في قطاع غزّة والذين بلغ عددهم 335 ألف طفل يعيشون حياة بالغة الصّعوبة نتيجة حرب الإبادة والنّزوح وغيرها من ظروف العدوان الهمجي.

الاحتلال قتل نحو 15 طفلًا خلال حرب الإبادة الجماعية في غزّة، بينما أصيب عشرات الآلاف، وبات أكثر من 17 ألف منهم يعيشون دون أحد والديهم أو كليهما.

واقع الأطفال في قطاع غزّة يتطلّب الإسراع في تحرّك المحكمة الجنائية الدّولية وكلّ المحاكم الدّولية الأخرى وكلّ القضاة الأحرار في العالم، إلى ملاحقة مجرمي الحرب “الإسرائيليين” والأمريكيين الذين يستهدفون الأطفال بشكل ممنهج ومقصود ويزجّون بهم في محرقة تاريخية لم يشهد لها العالم مثيلًا، تبثّ على الهواء مباشرة.

وكنوع من العزاء ينبغي للعالم أن يشاهد هؤلاء المجرمين يجرّون بكلّ عارهم وذلّهم وخيباتهم وخستهم إلى قفص الاتهام ثمّ تنفيذ حكم القانون بهم على مرأى من أمّهات الشّهداء والجرحى حتّى يشفى غليلهم وألمهم الذي سيبقى معهم حتّى قيام السّاعة.

ولن يرحمنا الله يوم السّؤال عن هؤلاء، ماذا فعلنا عندما رأيناهم يموتون جوعًا ولم نحرّك ساكنًا وبقينا متخمين بكروشنا وصمتنا الجبان وشغلتنا الدّنيا عن نصرة أبناء الدّم والدّين والعرق واللّسان.

لماذا لم تحدث نكبة ثانية في غزة؟!

السّؤال الذي يقفز إلى رؤوسنا بين فترة وأخرى أو فينة وأخرى، هو: لماذا لم تحدث نكبة ونكسة جديدة في غزّة والضفّة الغربية رغم أنّ جرائم الاحتلال من البشاعة والإجرام ما يدفع أيّ شخص للهرب والنّجاة بنفسه وبأسرته والبحث عن أيّ مكان آمن خارج حدود الصّراع؟!

لست محلّلًا سياسيًا أو مختصًّا اجتماعيًا، لكن ما لفت انتباهي ثلاثة أشياء علّمتنا إيّاها غزّة:

أوّلها أنّ الفلسطينيين في الضفّة الغربية وغزّة وحتّى في فلسطين المحتلّة عام 1948 وصلوا لقناعة أنّ من يخرج من فلسطين أو يطرد من أرضه ومن منزله فهو لن يعود إليها ثانية، وتجربة النّكبة والنّكسة لا تزال ماثلة أمام أعيننا وأعينهم.

ثانيهما أنّه في عام 1948 و1967 لم تكن ثمّة مقاومة مستعدّة للمعركة وواعية وناضجة ومستوعبة لطبيعة الصّراع، وكيفية إدارته إعلاميًا وعسكريًا، لكنّنا الآن في الواقع الحالي، واقع غزّة والضفّة الغربية، فإنّ المقاومة تشكّل حالة تمتلك روح القيادة والتّوجيه وبناء جبهة داخلية متماسكة تشكّل سندًا قويًّا لرجال المقاومة.

وهذا يدخلنا مباشرة إلى ثالث الأسباب وهو أنّ الحاضنة الشّعبية للمقاومة لا تزال متماسكة رغم المعاناة التي لا توصف من قتل ودمار وتشريد وتجويع، ولا تزال هذه الحاضنة مؤمنة بمشروعية المقاومة وبأنّها الحلّ الوحيد لتحصيل الحقوق، كما أنّها تشكّل جبهة خلفية خفية للمقاومة، ولا أحد ينكر دورها في حماية وتسهيل عمل المقاومة.

هذه الحاضنة لم ترفع الرّاية البيضاء وواصلت دفع ثمن صمودها ودفعت فاتورة كبيرة ولا تزال، وقد يكون العامل الأوّل في صمودها هو شحنة الإيمان التي تملأ القلوب، وكما يقول أحد أبناء غزّة بأنّهم تجاوزا مرحلة الصّبر إلى مرحلة التّسليم.

ورابع هذه الأسباب أنّ قادة فصائل المقاومة على درجة كبيرة من الوطنية والإحساس بالمسؤولية، ولا توجد لدى أيّ طرف منها نية للسّيطرة والحكم، وإنّما فقط قيادة معركة التّحرير الوطني، لذلك كان من أجمل ما جادت به غزّة علينا هي العمليات المشتركة بين الفصائل والتّنسيق في جبهات القتال لتحقيق أعلى درجة من النّتائج، وبدا ذلك أكثر وضوحًا في دعم المقاومة بجميع فصائلها لوفد حركة حماس في عقد صفقة تبادل مع العدو الصّهيوني.

وقد ساهمت منصّات التّواصل في رفع مستوى الوعي لدى الشّعب الفلسطيني في معرفته أدقّ التّفاصيل حول ما يجري لذلك لم يقع في خديعة الإعلام التي كانت أحد أسباب النّكبة والنّكسة حيث ساهمت الإذاعات العربية وقتها بشكل أو بآخر في إشاعة الذّعر في قلوب سكّان القرى والرّيف الفلسطيني المعزول عبر نشر تفاصيل المذابح وبشكل خاص مذبحة دير ياسين.

لكن في الوقت الحالي، فإنّ كلّ شيء مكشوف، كما إنّ المقاومة تضع شعبها بتفاصيل التفاصيل أوّلًا بأوّل ولا تترك مجالًا للعدو لكي ينفذ من أي ثغرة ليحدث خللًا داخليًا. وهذه الأسباب كلّها نعمة وفضل من الله وحده.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا