في ساعات الفجر الأولى من يوم أمس الأربعاء، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وسلطة الاحتلال الصهيوني حيز التنفيذ، معلنًا نهاية 14 شهرا من القصف المتبادل -ضمن “جبهة إسناد غزة” التي فرضها حزب الله- بينها شهران وثلاثة أيام من صدامات مفتوحة على الحدود. وبدا مشهد انتهاء هذه الجولة وكأنه إعادة لسيناريو ما بعد حرب جويلية 2006، حيث أفضى الاتفاق إلى الالتزام ببنود القرار 1701، مع تعزيز انتشار الجيش اللبناني في الجنوب بالتعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة. وجاء هذا التطور متزامنًا مع دعوة من مقرّري الأمم المتحدة لتطبيق مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الإرهابي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق الإرهابي يوآف غالانت، وهو الموقف الذي تبنّاه أيضًا وزراء خارجية دول مجموعة السبع، مما يعكس واقعًا جديدًا لقادة الاحتلال الذين أصبحوا محاصَرين بين إخفاقات ميدانية على جبهات القتال وعزلة قانونية على الساحة الدولية.
دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الصهيوني حيز التنفيذ، فجر أمس الأربعاء، في تمام الساعة الرابعة بتوقيت بيروت، ليضع حداً لمواجهات عنيفة امتدّت لأسابيع. وأظهر استطلاع للرأي لدى الكيان أن 99% من الإسرائيليين يرون أن “(إسرائيل) لم تنتصر في الحرب على حزب الله”، الذي وصفه محللون بأنه حقق “نصراً مطلقاً”. وفي هذا السياق، عبّرت القناة “14” العبرية عن استغرابها من عودة سكان جنوب لبنان إلى قراهم، رغم التهديدات الصادرة عن المتحدث باسم “الجيش” الصهيوني، وقالت: “لا يصغون لتحذيرات (الجيش)؛ يعودون إلى جنوب لبنان”.
مع بدء تنفيذ الاتفاق، بدأت قوافل النازحين اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم في الجنوب والبقاع الشرقي، وسط مشاهد من الفرح والارتياح. ووثقت الكاميرات في مدينة صور جنوبي البلاد تدفق العائلات العائدة بسياراتها محمّلة بالأمتعة، حيث رُفعت أعلام لبنان، وحزب الله، وحركة أمل، بينما لوّح الأهالي بعلامات النصر.
وفي مشارف الضاحية الجنوبية لبيروت، شهدت الساحات احتشاداً جماهيرياً واسعاً، حيث رفع المشاركون رايات حزب الله، ورددوا شعارات تؤيد المقاومة. وتخللت الاحتفالات رفع البنادق وصور الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله، والقيادي هاشم صفي الدين، اللذين اغتالتهما (إسرائيل) خلال الحرب.
وفي إطار جهود إعادة الإعمار، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، علي حمية، عن بدء ترميم معبر المصنع الحدودي مع سوريا، الذي تعرض لأضرار جراء الغارات الصهيونية التي استهدفت جميع المعابر الحدودية بين البلدين. وأضاف أن الوزارة بدأت بتقييم وضع الجسور المتضررة شمال البلاد لإعادتها إلى الخدمة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن أن (إسرائيل) ستبدأ بسحب قواتها من لبنان تدريجياً خلال 60 يوماً، في حين سيتولى الجيش اللبناني السيطرة على المناطق الحدودية. وأكد بايدن في خطاب ألقاه من البيت الأبيض أنه لن يتم نشر أي قوات أمريكية في جنوب لبنان، معتبراً ذلك التزاماً شخصياً منه للشعب الأمريكي. وأشاد بايدن بالتنوع الثقافي في لبنان، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تدعم سيادته واستقلاله.
تصريحات الأطراف اللبنانية
وفي هذا السياق، شدد القيادي في حزب الله، حسن فضل الله، في تصريحات لقناة محلية، على أن الحزب سيخرج من هذه الحرب أقوى، مؤكداً دعمه لبسط سلطة الدولة اللبنانية. أما رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، فقد وصف الاتفاق بأنه “خطوة أساسية نحو تحقيق الهدوء والاستقرار في لبنان وعودة النازحين إلى منازلهم”. وجدد ميقاتي التزام الحكومة بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701، مع تعزيز وجود الجيش اللبناني في الجنوب والتعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).
ومن جانب العدو الصهيوني، ذكرت القناة الإسرائيلية “الـ12″، أن “عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم لن تكون فورية رغم الاتفاق مع لبنان”، موضحة أن هجمات حزب الله خلقت حالة من التردد لديهم مع تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت هناك ظروف ملائمة للعودة.
في سياق متصل، تناول المعلق السياسي في قناة “كان” ما وصفه بـ”الإشكاليات” المرتبطة بالاتفاق الأخير، مشيراً إلى غياب منطقة عازلة تفصل سكان جنوب لبنان عن الحدود مع الأراضي المحتلة، مما يعمّق المخاوف حول أمن المستوطنين. كما انتقد عدم تضمين الاتفاق بنداً صريحاً يتيح للاحتلال شن هجمات على لبنان عند وقوع انتهاكات، واعتبر الاتفاق خالياً من أدوات فعّالة لشلّ ما سماه بـ”المشروع الاقتصادي لحزب الله”. وأضاف بنبرة ساخرة أن تنفيذ الاتفاق جنوب لبنان سيتولى مسؤوليته الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
المعادلات يفرضها الميدان
أقرّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في “الجيش” الصهيوني سابقاً تمير هايمن بأن “الجيش” الصهيوني لم يحقّق أياً من أهدافه عدوانه على لبنان، مشيراً إلى أن هدف إعادة المستوطنين بسرعة وأمان إلى الشمال لم يتحقّق. وأكد أن مقاتلي حزب الله “جسّدوا بالقتال الجريء ضدّ الجيش الصهيوني مقولة أنه بالميدان وحده تفرض المعادلات”.
وأشار إلى أن لدى “(إسرائيل) مشكلة مخازن ذخيرة بعد سنة من القتال، ومشكلة في قدرة جنود الاحتياط، ومشكلة في الهدف، والجيش لا يختار الهدف، بل حدّده رئيس الحكومة (إعادة السكان بأمان)”. وقال إن “الإسرائيليين وصفوا الاتفاق مع لبنان باتفاق الاستسلام والخضوع لحزب الله”.
وفي السياق نفسه، عبّر رئيس بلدية مستوطنة “كريات شمونة” عميخاي شتيرن عن عدم استعداده “لعودة مستوطنيه (إلى الشمال) مثل الماشية للذبح”. وتابع: “بغض النظر عن كوني رئيس بلدية، فأنا لا أشعر بالأمان لتربية أولادي في كريات شمونة، فالمنازل في القرى اللبنانية هي مواقع متقدمة، وبعد 7 أكتوبر جميعنا عرف ما كان ينتظرنا في جنوب لبنان”. ورأى رئيس المجلس الإقليمي ميروم هجليل عاميت سوفر أن اتفاق وقف إطلاق النار “يمنح الهدوء لا الأمن”، وقال: “لا يريد أحد السكن في مكان لا يوجد فيه أمن”.
من جهته، اعتبر رئيس مجلس المطلة دافيد أزولاي أن سلطة الاحتلال أبرمت “اتفاقاً مخجلاً مع حزب الله”، معتبراً أنها تركت مستوطني الشمال لمصيرهم. وأضاف في حديث إلى القناة “12” العبرية: “الجيش الصهيوني يقول إنه على الليطاني لكن يجب عدم الحماسة، فالأمر هو عبارة عن 2 كلم قرب المطلة ونحن لم ندخل عشرات الكيلومترات”.
من القرار 1559 إلى 1701
ويرى أغلب المراقبين، أن الاتفاق قد يسهم في تخفيف التوترات على المدى القريب، إلا أنه لن يؤثر بشكل ملموس على الحرب المستعرة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. أما بالنسبة إلى اللبنانيين، فيبدو الاتفاق بمثابة هدنة يمكن استغلالها لتحصين الصفوف والاستعداد لأي طارئ، بينما يكشف المشهد عن حقيقة أن (إسرائيل) هي من دفعت الأمريكيين في البداية إلى التفاوض عبر بيروت، وكان الهدف الأصلي تطبيق القرار 1559، لكن إرادة المقاومة قلبت الموازين ليصبح سقف التفاوض هو تنفيذ القرار 1701.
هذا التحول كان ثمرة إرادة سياسية صلبة ومفاوضات شاقّة قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتنسيق الكامل مع قيادة المقاومة، التي أظهرت صمودا شديدا وقدرة على زرع الرعب داخل الكيان، وهكذا تحول الخطاب الصهيوني الذي كان يتحدث من “إعادة ترتيب الشرق الأوسط” وتغيير الواقع السياسي في لبنان، لينتهي في آخر المطاف إلى تأكيد الالتزام بالقرار 1701 فقط.
اليوم، ومع عودة النازحين من أبناء المقاومة إلى قراهم ومدنهم في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع لدفن شهدائهم وإعادة بناء منازلهم، ترتفع رايات النصر التي عكست صمودهم الأسطوري طوال فترة الحرب. وفي هذه اللحظة الحاسمة، تبرز أهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت، وتحصينها من محاولات الأطراف المعادية، سواء داخل لبنان أو في المحيط العربي، التي قد تسعى إلى تضييعها في متاهات المناورات السياسية.
ويهدف وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يومًا إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي تم تبنيه لإنهاء حرب استمرت 34 يومًا بين (إسرائيل) ولبنان في عام 2006، وحافظ على الهدوء النسبي في المنطقة لما يقرب من عقدين من الزمن، واستمر ذلك حتى اليوم التالي لهجوم طوفان الأقصى الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر في العام الماضي، عندما شن حزب الله هجوماً تضامنياً مع غزة، ليبدأ بذلك الصراع الذي دام أكثر من عام.
وينص القرار على ضرورة قيام الاحتلال بسحب كافة قواته من جنوب لبنان، وأن المجموعات المسلحة الوحيدة الموجودة في جنوب نهر الليطاني يجب أن تكون الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وتعتقد الولايات المتحدة، التي تتوسط بين الاحتلال ولبنان في الصراع الحالي، أن العودة إلى مبادئ القرار هي في مصلحة للطرفين، لكنها أصرت على آلية لتطبيقه بشكل أكثر صرامة. وقالت سلطة الكيان إن حزب الله انتهك القرار عدة مرات من خلال العمل بالقرب من الحدود (فلسطين المحتلة). ويقول لبنان إن (إسرائيل) انتهكت الاتفاق بانتظام على مدى العقدين الماضيين بإرسال طائرات مقاتلة إلى مجاله الجوي.
وبالعودة إلى التاريخ، وبالتحديد، عام 1982، حيث كانت (إسرائيل) قد شنت هجوما على لبنان، وأرسلت دبابات على طول الطريق إلى العاصمة بيروت، بعد تعرضها لهجوم من مقاومين فلسطينيين، ثم احتلت جنوب لبنان لمدة عقدين تقريباً حتى عام 2000، عندما طردها حزب الله، الذي تم إنشاؤه -بدعم من إيران- لمقاومة الاحتلال الصهيوني.
وفي عام 2000، أنشأت الأمم المتحدة ما يسمى بالخط الأزرق، وهو “خط انسحاب” القوات الصهيونية من لبنان، وهذه الحدود الآن هي بمثابة الحدود الفعلية بين لينان وفلسطين المحتلة، ومع ذلك، احتجّ لبنان أن (إسرائيل) لم تكمل انسحابها من البلاد، واستمرت في احتلال مزارع شبعا، وهي قطعة أرض تبلغ مساحتها 15 ميلاً مربعاً (39 كيلومتراً مربعاً) تسيطر عليها (إسرائيل) منذ عام 1967.
وتدعي (إسرائيل) أن منطقة مزارع شبعا هي جزء من مرتفعات الجولان، التي استولت عليها من سوريا وضمتها لاحقا، ويعتبر المجتمع الدولي ــ باستثناء الولايات المتحدة ــ أن مرتفعات الجولان هي أرض محتلة تابعة لسوريا.
وفي عام 2006 اجتاحت (إسرائيل) لبنان مرة أخرى بعد أن قتل حزب الله ثلاثة جنود واختطف اثنين آخرين – في محاولة للإجبار على إطلاق سراح السجناء اللبنانيين، استمرت الحرب ما يزيد قليلا عن شهر وأسفرت عن مقتل أكثر من 1000 لبناني، معظمهم من المدنيين، فضلا عن 170 إسرائيليا، معظمهم من الجنود، وفي 11 أوت 2006، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 1701، الذي دعا إلى “وقف كامل للأعمال العدائية” من جانب حزب الله و(إسرائيل).
وقبل ذلك، أي في يوم 12 جويلية 2006 هاجم حزب الله دورية للجيش الصهيوني على المنطقة الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة وخطف جنديين وقتل 3 آخرين، وقد أصدر الحزب بيانا أوضح فيه أنه أسر الجنديين ونقلهما إلى منطقة آمنة.
وإثر ذلك بدأ الجيش الصهيوني عملية عسكرية في اليوم ذاته على لبنان عُرفت باسم “حرب تموز” استشهد فيها أكثر من 1300 لبناني ودمرت مناطق وعمارات وبنى تحتية، واستمرت الحملة حتى 14 أوت 2006. وطالبت الدول الصناعية الثماني بوقف إطلاق النار يوم 16 جويلية 2006، أي بعد بدء الحرب بـ4 أيام، واقترحت إرسال قوة استقرار دولية، بالتزامن مع بدء عمليات إجلاء الأوروبيين من لبنان. بعد أسابيع من بدء الحرب الصهيونية على لبنان بدأت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية صياغة مشروع قرار يُعرض على مجلس الأمن من أجل الوقف الفوري للأعمال القتالية في لبنان ونشر قوة دولية.
تضمنت المبادرة نزع سلاح حزب الله وتفكيك البنية التحتية العسكرية في الجنوب اللبناني، وهو مطلب صهيوني جوهري، وتمكين الجيش اللبناني من بسط سيطرته على الجنوب مع قوة لبنانية داعمة، إضافة إلى الإفراج عن الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى حزب الله. وأيدت (إسرائيل) القرار ورفضه لبنان واعتبره داعما للكيان، ولم يفرض عليها الانسحاب من الأراضي اللبنانية.
المبادرة العربية
عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا في بيروت يوم 7 أوت 2006 استعرض فيه رئيس الحكومة اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة الدمار والمعاناة الإنسانية التي نتجت عن الحرب. وطالب السنيورة من خلال خطة تبنتها الحكومة اللبنانية بوقف فوري لإطلاق النار وانسحاب (إسرائيل) خلف الخط الأزرق، وتبادل الأسرى بين الجانبين وتسليم خرائط الألغام وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية والدعم العربي لهذه المبادرة.
وعلى إثر الاجتماع توجه وفد عربي برئاسة الأمين العام للجامعة العربية آنذاك عمرو موسى إلى نيويورك، للمشاركة في جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة أوضاع لبنان يوم 9 أوت 2006. وقد هدف الوفد إلى تعديل مشروع القرار الأمريكي الفرنسي بناء على مبادرة الحكومة اللبنانية، وطالب في الجلسة بوقف فوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الصهيونية من لبنان. وأجرى الوفد العربي مناقشات مكثفة مع ممثل فرنسا لدى الأمم المتحدة بشأن القرار الذي تقدمت به باريس وواشنطن ورفضه لبنان.
في 11 أوت 2006 اتخذ مجلس الأمن بعد مفاوضات مكثفة القرار 1701 بإجماع أعضائه في جلسة عقدت لمناقشة أوضاع لبنان والتصويت على مشروع القرار بهدف التوصل إلى وقف كامل وفوري لإطلاق النار، وتضمن القرار بنودا عدة، منها:
- الدعوة إلى الوقف التام والفوري للأعمال القتالية، خاصة وقف جميع الهجمات التي يقوم بها حزب الله، ووقف (إسرائيل) عملياتها العسكرية الهجومية جميعها.
- مطالبة الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة “اليونيفيل” بنشر قواتهما في مناطق الجنوب فور وقف إطلاق النار، مع مطالبة سلطة الاحتلال بسحب جميع قواتها من جنوب لبنان بشكل مواز مع بدء نشر القوات اللبنانية وقوات الأمم المتحدة.
- بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية وممارسة سيادتها عليها وفق أحكام القرار 1559 والقرار 1680 لعام 2006، والأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، ومنع تداول الأسلحة أو استخدامها دون موافقة الحكومة.
- التأكيد الشديد في جميع القرارات السابقة ذات الصلة على سلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليا حسب اتفاقية الهدنة العامة بين (إسرائيل) ولبنان والموقعة في مارس 1949.
- دعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فورية لمد الشعب اللبناني بالمساعدة المالية والإنسانية، وتسهيل طريق العودة الآمنة للمشردين، وإعادة فتح المطارات والموانئ تحت سلطة الحكومة اللبنانية، والمساهمة في إعمار لبنان وتنميته.
- تأكيد مسؤولية جميع الأطراف عن كفالة اتخاذ أي إجراء يخالف قرار وقف إطلاق النار، وقرار وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، والمرور الآمن لقوافل المساعدة الإنسانية، والعودة الطوعية للمشردين، ومطالبة جميع الأطراف بالالتزام والتعاون مع مجلس الأمن.
قرار مجلس الأمن تضمن تفاصيل تخص قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، فقد طالب بتعزيز القوة من حيث العدة والعتاد والولاية ونطاق العمليات، وطلب الإذن بأن يصبح عددها 15 ألف جندي، وتتولى المهام المنوطة بها في القرارين 425 و426 لعام 1978 إضافة إلى:
في الزمن الراهن
تجدد الحديث عن القرار 1701 في سبتمبر 2024 إثر توغل بري صهيوني في جنوب لبنان، وذلك عقب صراع عسكري اندلع في 8 أكتوبر 2023 بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد مستوطنات غلاف غزة. أعقب هذه العملية عدوان صهيوني واسع على قطاع غزة، ما دفع حزب الله إلى إعلان فتح “جبهة إسناد لغزة” من جنوب لبنان، حيث استمر قصفه للأهداف الصهيونية على مدار شهور، مستهدفًا مواقع في الجبهة الشمالية ومناطق أخرى.
وردت (إسرائيل) بقصف مكثف ضد المدنيين في قرى جنوب لبنان وأحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن اغتيال عدد من قيادات حزب الله، أبرزهم أمينه العام حسن نصر الله. كما استهدفت الأجهزة الصهيونية شبكات الاتصال اللاسلكي التابعة للحزب. وفي الأول من أكتوبر 2024، أعلنت (إسرائيل) بدء عملية برية في جنوب لبنان، إلا أن هذه العملية كلفتها ثمناً باهظاً، حيث أجبرت حوالي أربعة ملايين إسرائيلي على الاحتماء بالملاجئ.
ورغم شهرين كاملين من العدوان الصهيوني المتواصل، صمد المقاومون في الميدان، وتمكنت المقاومة اللبنانية من التعافي من الضربات التي تلقتها. ومع فشل (إسرائيل) في تحقيق أهدافها، أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في الساعات الأولى من فجر يوم أمس، وفقًا لما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي.
وعلى الرغم من محاولة مجرم نتنياهو تصوير الاتفاق كإنجاز، من خلال الإشارة إلى حرية الحركة لقطعان قواته داخل الأراضي اللبنانية، إلا أن نص الاتفاق جاء مخالفاً لهذه المزاعم. فقد تضمن بندًا ينص على أن “هذه الالتزامات لا تلغي حق الاحتلال أو لبنان في ممارسة حقهما في الدفاع عن النفس.” وأكد النائب حسن فضل الله في مقابلة تلفزيونية أن الورقة الأمريكية، التي حملها الموفد الأمريكي عاموس هوكشتين، قد تم تعديلها بناءً على ملاحظات لبنان، وهو ما أدى إلى الاتفاق بصيغته النهائية.
وبهذا، نجحت الدولة اللبنانية، مستندة إلى صمود المقاومة، في رفض شروط العدو التي كانت تهدف إلى فرض اتفاق يمثل هزيمة واستسلاماً. كما أفشلت محاولات (إسرائيل) إدخال بريطانيا وألمانيا كعضوين في لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق، حيث أفادت المعلومات بأن اللجنة ستقتصر على الولايات المتحدة وفرنسا فقط، مع استبعاد بريطانيا وألمانيا.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن قبول (إسرائيل) بالاتفاق مع لبنان دون تحقيق الشروط التي وضعتها يمثل محطة مهمة في تحطيم ما وصفتها بأوهام نتنياهو بتغيير خارطة الشرق الأوسط بالقوة، وأوهامه بهزيمة قوى المقاومة أو نزع سلاحها.
حماس تعلق على وقف إطلاق
وأشادت حركة حماس -في أول بيان رسمي لها تعليقا على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان الذي بدأ سريانه فجر اليوم- بما وصفته بـ”الدور المحوري الذي تلعبه المقاومة الإسلامية في لبنان، إسنادا لقطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، والتضحيات الجسام التي بذلها حزب الله وقيادته، وفي مقدمتهم الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله”. وثمنت صمود الشعب اللبناني، وتضامنه الدائم مع الشعب الفلسطيني، “في مواجهة الاحتلال الصهيوني وعدوانه الغاشم”.
وأكدت أن هذا الاتفاق لم يكن ليتم لولا صمود المقاومة، والتفاف الحاضنة الشعبية حولها. وعبرت عن اطمئنانها “إلى استمرار محور المقاومة في دعم شعبنا، وإسناد معركته بشتى الوسائل الممكنة”. وأعربت عن التزامها بالتعاون مع أي جهود لوقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن محددات وقف العدوان على غزة، التي جرى التوافق عليها وطنيا، هي وقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإنجاز صفقة تبادل للأسرى حقيقة وكاملة.
وقالت الحركة إنها تشيد “بفخر بملحمة الثبات والإباء التي يسطرها أهلنا المرابطون في قطاع غزة، على مدى أكثر من عام، ونشد على أياديهم وهم يكتبون بدمائهم وتضحياتهم صفحات مشرقة في تاريخ شعبنا النضالي المتواصل”.
ودعت الدول العربية والإسلامية الشقيقة وقوى العالم الحر إلى “حراك جاد وضاغط على واشنطن والاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه الوحشي على شعبنا الفلسطيني، وإنهاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة”.
الاحتلال أمام المساءلة القانونية
إلى جانب ذلك، جاء الاتفاق متزامنًا مع دعوة خبراء في الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، الدول إلى الامتثال الكامل لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، دون أي ازدواجية في المعايير.
صدر ذلك في بيان من جنيف عن أكثر من 40 خبيرًا ومقررًا خاصًا في الأمم المتحدة، من أبرزهم المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، والمقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بن شاو.
وأكد الخبراء توثيقهم للعديد من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر 2023. وشددوا على أن غياب المساءلة المستمر، لا سيما فيما يتعلق بانتهاكات قوات الاحتلال، كان عاملًا أساسيًا في تزايد العنف بالمنطقة، مما أثر على حياة ومستقبل الفلسطينيين.
وذكّر الخبراء الدول بالتزاماتها القانونية والأخلاقية في تنفيذ القانون الدولي ومعاقبة مجرمي الحرب، مشيرين إلى أن مسؤولية تنفيذ مذكرات التوقيف تقع على عاتق الحكومات. وأكدوا أن الامتثال لهذه المذكرات والالتزام بالعدالة أمران حاسمان لتجاوز الإفلات المستمر من العقاب وإنهاء الجرائم الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما حثوا المحاكم الوطنية على استخدام اختصاصاتها للإسهام في جهود المحكمة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، أعلن وزراء خارجية دول مجموعة السبع، يوم الثلاثاء، التزامهم بالقانون الإنساني الدولي وبالامتثال لالتزاماتهم، وذلك في ما يتعلق بقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
وقال وزراء خارجية مجموعة السبع – في بيان مشترك في ختام مؤتمرهم الوزاري المنعقد في مدينة فيوجي الإيطالية، ونقلته وزارة الخارجية الإيطالية – إنه يتعين على الكيان الصهيوني الامتثال الكامل لالتزاماته بموجب القانون الدولي في جميع الظروف.
وجدد المشاركون التزامهم الثابت برؤية حل الدولتين بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وأعربوا عن قلقهم إزاء تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية المحتلة، داعين إلى الامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية الجانب أو الإدلاء بتصريحات مثيرة للانقسام قد تقوض حل الدولتين، بما في ذلك توسيع المستوطنات و”شرعنة” البؤر الاستيطانية.
وأكد الوزراء دعمهم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) للقيام بدورها الحيوي، مطالبين الكيان الصهيوني بالوفاء بالتزاماته الدولية ومسؤوليته في تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية بجميع أشكالها. ويذكر أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت، خميس الأسبوع الماضي، مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، مما أثار ترحيبًا دوليًا واسعًا.