20 سنة منذ التصويت على غزو العراق.. المُفكر “نعوم تشومسكي”: أمريكا مُستمرة في حروبها “التدميرية” للأوطان والشعوب

الغرب يُدين روسيا، ويدعو إلى معاقبة “بوتين” بوصفه “هتلر” الثاني، ولكنه لا يجرُؤ على إطلاق “زقزقة” احتجاج ضد الولايات المتحدة، حتى حول تصريحاتها الداعمة للطرف “الظالم” في قضايا: الجولان السورية، والقدس، والصحراء الغربية. وهذه ومضةٌ من حوار مع المفكر “تشومسكي”، تُترجمه وتُقدّمه “الأيام” إلى قرّاء العربية.

أجرت، يوم السبت الماضي، المنصة الإخبارية الأميركية “تروث أوت”، حوارا حصريا مع “نعوم تشومسكي”، وهو أحد أكثر العلماء شهرة في العالم والمفكر العالمي الذي يعتبره ملايين الأشخاص كنزًا دوليًا. ويأتي الحوار “مُصادفا” للذكرى العشرين لتصويت الكونجرس الأمريكي على صويت الحرب “التدميرية” على العراق، والتي أدّت، وفقًا لبعض التقديرات، إلى مقتل ما بين 800 ألف و1.3 مليون شخص.

مُجرّد خطأ.. خطأ استراتيجي

قبل عشرين سنة، سمح الكونجرس الأمريكي بغزو العراق، ودعم العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين البارزين قرار تفويض الحرب، بما في ذلك جو بايدن، لأغراض تاريخية ومستقبلية، فما هي أسباب وتداعيات حرب العراق؟، سألت “تروث أوت”.

وأجاب “تشومسكي”: هناك أنواعٌ عديدة من الدعم، تتراوح من الصّريح إلى الضمني.

ويتضمن، النوع الثاني، أولئك الذين يعتبرونه خطأ، ولكن ليس أكثر من ذلك، “خطأ استراتيجي”، كما حدث في حكم “أوباما” بأثر رجعي. كان هناك جنرالات نازيون عارضوا قرارات هتلر الكبرى واعتبروها أخطاء استراتيجية، ونحن لا نعتبرهم معارضين للعدوان النازي.

معارضة شعبية قوية غير مُجدية

إذا استطعنا أن نرتقي إلى مستوى تطبيق المعايير التي نُطبقها على الآخرين بشكل صحيح، فسوف ندرك أنه لم يكن هناك سوى القليل من المعارضة المبدئية لحرب العراق في المناصب العليا، بما في ذلك الحكومة والطبقة السياسية. كما في حالة حرب فيتنام والجرائم الكبرى الأخرى.

كانت هناك، بالطبع، معارضة شعبية قوية. والشاهد على ذلك هي تجربتي الخاصة في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا، حيث دعا الطلاّب بتعليق الدراسة حتى يتمكّنوا من المشاركة في الاحتجاجات العامة الضخمة قبل بدء الحرب رسميًا – وهو أمرٌ جديدٌ في تاريخ الإمبريالية – اجتمعوا لاحقًا في كنيسة في وسط المدينة لمناقشة الجريمة الوشيكة وما تنذر بها.

القانون الدولي.. مفهومٌ مهترئ ومُملّ

كان الشيء نفسه صحيحًا في جميع أنحاء العالم، لدرجة أن “دونالد رامسفيلد” خرج بتمييزه الشهير بين أوروبا القديمة والجديدة. أوروبا القديمة هي الديمقراطيات التقليدية، يُمثّل سياسيوها، الطّرازَ القديمَ، وهم الذين يمكن أن نتجاهلهم نحن الأمريكيين، لأنهم غارقون في مفاهيم مُملة مثل القانون الدولي، والحقوق السيادية، وغير ذلك من الهراء الذي عفا عليه الزمن.

وفي المقابل، أوروبا الجديدة، التي تضمُّ “الأخيار”. التي مثّلتها إسبانيا، حيث تجاهل رئيس وزرائها الرأي العام في بلاده، بشكل مُطلق، ووقف إلى جانب واشنطن، فتمّت مكافأته بدعوته للانضمام إلى بوش وبلير عندما أعلنا الغزو على العراق.

بوش.. جدٌ أبلهٌ في قسم الأناقة

سيكون من المثير للاهتمام معرفةُ ما إذا كان بوش وبلير، قد تمت مقابلتهما في هذه المناسبة الميمونة. تمّت مقابلة بوش في الذكرى العشرين لغزو أفغانستان، وهو عمل عدواني إجرامي آخر، عارضه الرأي العام الدولي بأغلبية ساحقة، على عكس العديد من الادعاءات. وقد قامت صحيفة “واشنطن بوست” بمقابلة “بوش” باستقبال في قسم الأناقة بمقرّها، حيث تم تصويره على أنه جدٌّ أبله محبوبٌ يلعب مع أحفاده، ويستعرض صوَره للأشخاص المشهورين الذين التقى بهم.

غزو العراق.. في سؤال واحد

كان هناك سبب رسمي للغزو الأمريكي البريطاني للعراق، وتمّ صياغة السبب في “السؤال الوحيد”: هل سيُنهي العراق برامج أسلحته النووية؟ وكان المفتشون الدوليون قد تساءلوا عمّا إذا كانت هناك مثل هذه البرامج وطلبوا مزيدًا من الوقت للتحقيق، لكن طلبهم قُوبل بالرفض.

لا ليس هناك.. ربما في الخزانة

كانت الولايات المتحدة، وأتباعها في المملكة المتحدة، يهدفون إلى الدم. بعد بضعة أشهر تمت الإجابة على “السؤال الواحد” بطريقة خاطئة. قد نتذكر المسرحية الهزلية المُسلية التي أداها بوش، وهو ينظر من تحت الطاولة، “لا ليس هناك”، ربما في الخزانة.. كل ذلك من أجل الضحك الساخر، وإن لم يكن في شوارع بغداد.

غزوٌ بُنيَ على أوهام.. لتصدير بركات الديمقراطية

اكتُشف فجأة أن سبب الغزو لم يكن “السؤال الوحيد”، بل رغبتنا الشديدة في جلب بركات الديمقراطية إلى العراق. كسر أحد الباحثين البارزين في شؤون الشرق الأوسط الصفوف ووصف ما حدث، وهو أوغسطس ريتشارد نورتون، الذي كتب أنه “مع الكشف عن الأوهام حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، شددت إدارة بوش بشكل متزايد على التحول الديمقراطي في العراق، وقفز العلماء على عربة التحول الديمقراطي.. كما فعلت وسائل الإعلام والتعليق الموالية كالعادة”.

العراق.. دمَروه من أجل أن “يُحرّرُوه

وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” أن بعض العراقيين قفزوا أيضًا إلى العربة: فقد شعر 1٪ أن الهدف من الغزو هو جلب الديمقراطية إلى العراق، بينما اعتقد 5٪ أن الهدف هو “مساعدة الشعب العراقي”. افترض معظم الباقين أن الهدف هو السيطرة على موارد العراق، وإعادة تنظيم الشرق الأوسط في المصالح الأمريكية و(الإسرائيلية). وقد سخر الغربيون العقلانيون من “نظرية المؤامرة”، الذين يدركون أن واشنطن ولندن استهدفتا “تحرير العراق”، حتى ولو كانت موارده هي الخس والمُخللات، وكان مركز إنتاج الوقود الأحفوري في جنوب المحيط الهادئ.

مُصادقة على نهب الثروات العراقية

بحلول تشرين الثاني / نوفمبر 2007، عندما سعت الولايات المتحدة إلى اتفاقية “وضع القوات”، جاءت إدارة بوش “نظيفةً” وصرحت بما هو واضح: لقد طالبت بوصول امتياز لشركات الطاقة الغربية إلى موارد الوقود الأحفوري العراقية، والحق في إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في العراق. وقد صادق بوش على المطالب في “بيان التوقيع” في جانفي / يناير التالي.

الدولة العربية الأكثر تقدّما تتحوّل إلى حطام بائس

كانت تداعيات الغزو متعددة. لقد تمّ تدمير العراق، وتحوّلت الدولة العربية الأكثر تقدّما إلى حطام بائس. وقد أثار الغزو صراعًا عرقيًا (شيعيًا سنيًا) لم يكن موجودًا من قبل، والآن، لم يتمزّق العراق فحسب، بل المنطقة بأكملها، حيث خرجت “داعش” من تحت الأنقاض، وكادت أن تُسيطر على البلاد، عندما فر الجيش الأمريكي المدرب والمسلح، على مرأى من “الإرهابيين” في شاحنات صغيرة يلوحون بالبنادق.

ولكن لا شيء من هذا يُمثل مشكلة بالنسبة للجد الأبله المحبوب (بوش) أو الطبقات المثقفة في الولايات المتحدة الذين يُعجبون به الآن كرجل دولة جاد، يُدعَى إلى التحدث عن الشؤون العالمية.

نجاحٌ باهرٌ.. مليون جثة وبلد مُدمّر

رد فعل “بوش” كان يُشبه إلى حد كبير رد فعل “زبيغنيو بريجنسكي”، عندما سُئل عن تفاخره بجر الروس إلى أفغانستان، ودعمه للجهود الأمريكية لإطالة أمد الحرب، وعرقلة جهود الأمم المتحدة للتفاوض على الانسحاب الروسي. وأوضح “بريجنسكي” للمستجوبين الساذجين أنه كان نجاحًا رائعًا. لقد حقق هدف إلحاق ضرر جسيم بالاتحاد السوفييتي (بشكل مشكوك فيه)، بينما اعترف بأنه ترك عددًا قليلاً من “المسلمين الناقمين”، ناهيك عن مليون جثة وبلد مدمر.

لا حاجة للتعليق.. أمريكا تعبث في العالم كما تشاء

وجّهت “تروث أوت” سؤال آخر: كان غزو العراق عام 2003 عملاً إجرامياً. لكن رد فعل المجتمع الغربي كان مختلفًا تمامًا عمّا كان عليه فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. لم تُفرض عقوبات على الولايات المتحدة، ولا تجميد أصول الحكام الأمريكيين، ولا مطالب بتعليق عضوية الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي. تعليقاتك على هذا الأمر؟

أجاب “تشومسكي”: ليست هناك حاجة للتعليق. كان مفهوما جيدا في الأمم المتحدة أنه إذا تمت مناقشة الجرائم الأمريكية البشعة، فإن واشنطن ستقوم بتفكيك هذه الهيئة الدولية.

بوتين هو “هتلر” الثاني.. ولا أحد “يُزقزق” ضد بايدن

الغرب يُدين الرئيس الروسي “بوتين”، ويعتبره تجسيدا لـ “هتلر”، لكنه نادراً ما يجرؤ على إطلاق زقزقة احتجاج عندما تُصرّح الولايات المتحدة باغتصاب (إسرائيل) لمرتفعات الجولان السورية، والقدس الكبرى، واحتلال المغرب للصحراء الغربية.. والقائمة طويلة. والأسباب واضحة.

الدولة المقدسة فوق القانون الدولي

عندما يتم انتهاك قواعد منطوق النظام العالمي، يكون رد الفعل سريعًا. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عندما أدانت المحكمة الدولية الدولة المقدسة (الولايات المتحدة) بسبب الإرهاب الدولي (من الناحية القانونية، “الاستخدام غير القانوني للقوة”) في عام 1986، حيث قرّرت المحكمة أنه يتوجّب على أمريكا إنهاء الجرائم ودفع تعويضات كبيرة للضحية (نيكاراغوا). ردّت واشنطن بتصعيد الجرائم. ورفضت الصحافة الأمريكية الحكمَ باعتباره لا قيمة له، لأن المحكمة “منتدى معادي” (وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز). والآن، تُمثّل الولايات المتحدة الدولةَ الوحيدة التي رفضت قرارًا للمحكمة العالمية، بالطبع مع إفلات كامل من العقاب.

ازدراءُ القانون الدولي

إنها قصة قديمة مفادها أن “القوانين عبارة عن شبكات عنكبوتية يمر من خلالها الذباب الكبير ويقبض على الصغار”. المثل له قوة خاصة في المجال الدولي، حيث يحكم الأب الروحي. وبالكاد يتم إخفاء ازدراء القانون الدولي – باستثناء استخدامه كسلاح ضد الأعداء. وقد أعيدت صياغته على أنه المطالبة بـ “نظام دولي قائم على القواعد” (حيث يضع الأب الروحي القواعد)، ليحُلّ محلّ النظام الدولي القديم القائم على الأمم المتحدة.

صوتٌ واحدٌ ضدّ الحرب

في سؤال أخير، قالت “تروث أوت”: ماذا كان سيحدث لو رفض الكونجرس الموافقة على خطة إدارة بوش لغزو العراق؟

بوضوح تام، صوّتَ جمهوريٌ واحد ضد قرار الحرب، وهو البرلماني “تشافي”، ولو رفض الكونجرس المضي قدمًا، كان على إدارة بوش أن تجد وسائل أخرى لتحقيق الأهداف التي وضعها: تشيني ورامسفيلد وولفويتز، وغيرهم ممن يُطلق عليهم الصقور.

العقوبات الأمريكية.. سلاحٌ تدميري بديل عن الحرب

تتوفر العديد من هذه الوسائل: التخريب أو إثارة و(تصنيع) بعض الحوادث التي يمكن استخدامها كذريعة “للانتقام”. أو ببساطة تمديد نظام العقوبات الوحشي الذي كان يُدمر السكان. وقد نتذكر أن كل الدبلوماسيين الدوليين البارزين الذين أداروا برنامج كلينتون (عبر الأمم المتحدة) استقالوا احتجاجًا، وأدانوه باعتباره “إبادة جماعية” في العراق.

في سياق الوسائل البديلة عن الحرب لتدمير العراق، نشر “هانز فون سبونيك”، كتابًا شديد الوضوح يُبرز بالتفصيل، بدائل “تدميرية” مختلفة عن الحرب. وقد واجه الكتابُ، الذي يُعتبر من أهم الكتب حول الغزو الأمريكي التدميري للعراق وعن سلاح العقوبات الأمريكية بشكل عام، حظرا رسميا، في محاولات واشنطن لفرض الصمت المُطبق الذي كان يُمكن أن يؤدّي سحق الشعب العراقي، إلى الحدّ الذي يستوجب الدعوة تحت مُسمّى “التدخّل الإنساني”.

ومن الجيد أن نتذكر بأنه لا توجد حدود للسخرية، إذا امتثلت أمريكا للقانون الدولية والأعراف الإنسانية.

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر محكمة الدار البيضاء تفصل غدًا في قضية بوعلام صنصال بعد محادثات الرياض.. واشنطن تعلن عن اتفاقات جديدة بين موسكو وكييف مشاريع ترامب حول العالم.. أرباح في آسيا وخسائر في أوروبا خطة طريق لتعزيز رقمنة قطاع التجارة الداخلية الجزائر تعيد رسم خارطتها الغذائية.. القمح الفرنسي خارج الحسابات بن جامع: "الهجمات الصهيونية انتهاك صارخ لسيادة سوريا ويجب وقفها فورًا" ارتفاع أسعار النفط عالميا وسط مخاوف من تقلص الإمدادات الجزائر والعراق.. شراكة طاقوية استراتيجية في ظل التحولات العالمية برنامج عمل مشترك بين وزارة الشباب ومكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر مولوجي تُشدد على ضرورة "تحيين" مناهج التكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا الجمارك تحجز أكثر من ربع مليون "قرص مهلوس" بالوادي  أوابك.. الغاز الطبيعي المسال سيلعب "دورا رئيسيا" في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون برنامج الغذاء العالمي.. 70 ألف لاجئ كونغولي ببوروندي مهددون بالمجاعة تنسيق جزائري-سعودي خِدمةً للحجاج والمعتمرين الجزائريين الرئيس تبون يستقبل الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا الاتحادية نحو مراجعة سقف تمويل إنشاء مؤسسات مصغرة