“إضحك تضحك لك الدنيا”.. ماذا لو كانت الحياة ذاتها مُجرّد نكتة؟

عُرّف الإنسان بالضحك فقيل: “الإنسان حيوانٌ ضاحكٌ”، وقد تنبّه الفلاسفة والمفكّرون إلى هذه الميزة الإنسانية فدرسوا الضحك فكريًّا وفلسفيًّا ونفسيًّا.. وأبدعوا كتاباتٍ غزيرةٍ منها كتاب “الضحك” للفيلسوف الفرنسي “هنري برغسون” (1859 – 1941) الذي قال: “ضحكُنا هو دائما ضحك جماعة”، لأنّ الإنسان لا يستسيغ الضحك بمفرده، والضحك ذاته “يحتاج دائما إلى أن يكون له صدى وأن يجد له تجاوبا من الآخرين”. والنُّكتة على اختلاف أنواعها ووسائلها هي الأقدر على “صناعة” الضحك الجماعي، ولعلّها صناعةٌ للضحك ليس من أجل الضحك فحسب، بل لمقاومة أثقال الحياة وهمومها وأتعابها.. هذه الحياة التي لا تساوي “جناح بعوضة” عند خالقها، قد تكون مُجرّد نكتة بالنسبة للإنسان الذي يحياها!

نشر المفكّر والأديب “عباس محمود العقاد” مقالًا في مجلة “الرسالة”، عام 1941، بعنوان “فلسفة الضحك”، جاء فيه: “فالضحك إنّما هو سلاح الإنسانية للمحافظة على المرتبة التي وصلَت إليها فوق الجماد وفوق الحيوان”، فإذا اكتفينا بهذه المقولة “العقّاديّة” تعريفًا للضحك، فماذا عن النّكتة؟

في الحياة اليومية كما في الحياة الأدبية، عاشت النكتةُ في كل زمان ومكان، وأسهمت في إمتاع الناس، وصناعة بيئة للراحة الذهنية والنفسية، وأعانتهم على مواجهة ظروف واقعهم، وكان لها دورها في التربية والتعليم، والتواصل بين الأجيال..

وتراثنا العربي زاخرٌ بكتبٍ فيها النّكت والطّرائف والملَح والدّعابات.. بل إنّ الأستاذ “عبد الله النديم” أسّس جريدة “التّنكيت والتبكيت” أو ما يُمكن اعتباره “الإعلام الساخر”.. وإذا غُصنا في كتب التراث سنجد تصنيفات كثيرة يُمكن اعتبارها من “أدب النكتة” إن جاز التعبير، بل سنجد بعض كبار المُصنِّفين يورِدون النّكت والطرائف بين فصل وفصل آخر في الكِتاب ليُريحوا القارئ ويخرجوه من الجدّ إلى المرح لهنيهات قليلة. وكذلك مشايخ التدريس القديم، كانوا يُطلقون النّكت من حين إلى آخر ليُريحوا طُلّابهم..

وإذا ما ذكرنا النكتة، فإنّ شخصيةً مثل “جحا” تحضر إلى أذهاننا.. فهل النكتة جنسٌ أدبيٌّ، أو هي نتاجٌ أدبي لم يُجنّس؟ وما هو مفهومها، وما هي حقيقة دورها في الحياة الأدبية خاصة؟ وهل لها تاريخٌ وطريقة “تصنيع”؟ وما واقعها الآن؟ هذه التساؤلات وتساؤلات أخرى توجّهنا بها إلى نُخبة من كُتّابنا لإضاءة بعض الزوايا في عالم “النكتة” وأسرارها التي قد تخفى على كثيرين مِمّن يستمتعون بها فيضحكون دون أن يُدركوا بأنّها من ركائز “فنّ الحياة”.

إنّ النكتة هي فعل مقاومة لكل ما في الواقع والحياة عمومًا من أثقال ومواجع وأسباب “تُحرّض” على اليأس من المستقبل. ولعلّ للنكتة، التي تختلس الضّحك من الإنسان اختلاسًا، بُعدًا “روحيًّا” أدركه الفيلسوف الفرنسي “هنري برغسون”، وأوجزه “العقّاد” في مقاله عن “فلسفة الضحك”، حينما قال: “فقد كان برغسون مؤمناً بغلَبة الروح على القوة المادية، وكان يبني ذلك الإيمان على مثل السبب الذي اعتمده في تعليل الضحك، وهو أنّ التقدّم الإنساني مرهون بتقدّم الروحيّات على الآليات، وأن الإنسان لم يُخلق ضاحكًا ليصبح آلة مغلوبًا بقوة الآلة، بل خُلق ضاحكًا ليسخر من الآلات، ومَن يردونه إلى حُكم الآلات”. فهل سيأتي يومٌ على الإنسان يفقد فيه القدرةَ على الضّحك؟ يبدو السؤال ساذجًا، غير أنّ الحقائق تؤكّد بأنّ الإنسان يتوجّه إلى أن يكون كائنًا فردانيًّا مُبرمجًا وفاقدًا لبعده الروحي.. أو على الأقل هذا ما تسعى إليه القوى التي تريد “تفريغ” الإنسان من إنسانيّته!

النكتة في الحياة الأدبية والشعبية..

سلاح فعّال في يد الضعفاء والمستضعفين

بقلم: د. بسيم عبد العظيم عبد القادر – شاعر وناقد أكاديمي، كلية الآداب ـ جامعة المنوفية، رئيس لجنة العلاقات العربية باتحاد كتاب مصر

عاشت النكتة في كل زمان ومكان، وأسهمت في إمتاع الناس، مُثقّفيهم وعوّامهم، وأسهمت في صناعة بيئة للراحة الذهنية والنفسية، بالتنفيس عن النفوس المهمومة والقلوب الموجوعة والأجسام المنهكة من شدائد الحياة وعنائها، فأعانتهم على مواجهة ظروف واقعهم، وكان لها دورها في التربية والتعليم، والتواصل بين الأجيال، فتركت رصيدا في الحياة الأدبية كما فعلت مثل ذلك في الحياة الشعبية، يقتات عليه أهل كل بلد ومحلة، فلكل بيئة نكاتها التي تنبع من واقع حياة أهلها وعموم سلوكهم، وطبيعة حياتهم بين رفاهية وتخمة من جهة، وحرمان وشظف عيش من جهة أخرى، فهذا التفاوت وذاك التباين هو الذي ينتج النكتة للتنفيس عن النفس عند مَن يُبدع النكتة أو راويها ومَن تُلقى النكتة عليهم من جهة دون تعرض للأذى ممَّن تستهدفه النكتة خصوصا إذا كانت النكتة سياسية يُقصد بها التهكّم والسخريّة من الطبقة الحاكمة التي لا تراعي ظروف الطبقة المطحونة.

بسيم عبد العظيم عبد القادر

وصناعة النكتة شيء ليست بالشيء الهيّن، إذ تحتاج لعقل يَقظٍ وذهن لمّاح يلتقط الأشياء ويصنع منها المفارقة التي تفجِّر الضحك فتسري عن النفس وتشرح الصدر وتريح المهموم فيتسلّى ويتعزّى وينسى أو يتناسى همومه ومشاكله، ومن هنا قال بعضهم إنَّ النكت قد تُصنع صُنعا في دوائر خاصة ويتمّ نشرها بين الشعب في وسائل المواصلات العامة وعلى المقاهي وأماكن التجمعات كنوادي الشباب ودور السينما وغيرها، لكي يقيس أهل الاجتماع وعلماء النفس رجع صدى هذه النكات على الشعب، وبناء على هذا القياس قد تتّخذ القرارات التي تتعلّق بالشعب كغلاء الأسعار أو ارتفاع مقابل الخدمات وغير ذلك من الأشياء التي تتعلق بالشعوب وعلاقتها بحكامها.

وقد ورد تعريف النكت في معجم “المعاني الجامع” (معجم عربي – عربي) على النحو الآتي:

نكَتَ: (فعل)، نكَتَ يَنكُت، نَكْتًا، فهو ناكِت، والمفعول مَنْكوت، ونَكَتَ فِي كَلاَمِهِ: أَتَى بِنُكْتَةٍ، أَيْ بِكَلاَمٍ مُسْتَمْلَحٍ، نكَت الأرضَ: خطَّطها بعودٍ أو نحوه مفكِّرًا، ونَكَتَ الفَرَسُ: وَثَبَ، ونكَت النارَ بالمِلقط: حرّكها ليزداد لهيبُها، ونكَت الرّجُلَ: رماه إلى الأرض تضاربا، ونكت أحدهُما الآخرَ: ألقاه على رأسه، ونَكَتَ بِالحَصَى: ضَرَبَ بِهَا الأَرْضَ، ونَكَتَ العَظْمَ: نَقَاهُ، نَقَحَهُ، أَخْرَجَ مُخَّهُ، ونَكَتَ كِنَانَتَهُ: نَثَرَهَا، ونَكَتَ مَا فِي يَدِهِ: رَمَاهُ إِلَى الأَرْضِ، طَرَحَهُ، ونَكَتَ الْمُتَأَمِّلُ: فَكَّرَ، وأتيتُه وهو يَنْكُت: يفكّر كأَنَّما يُحدِّث نفسَه. ونَكَّتَ: (فعل)، نكَّتَ ينكِّت، تنكيتًا، فهو مُنكِّت، ونكَّت الشَّخصُ: أتى بطرفةٍ أو مُلحةٍ في كلامه تُضحِك الآخرين، ونَكَّتَ عَلَيْهِ: نَدَّدَ بِهِ، عَابَهُ، البَلَحُ: ظَهَرَ فِيهِ النُّضْجُ.

ونَكْت: (اسم): مصدر نكَتَ، ونُكَت: (اسم): جمع نُكتة، والجمع: نُكُتات ونُكْتات ونِكات ونُكَت. والنُّكْتَةُ: الأَثَرُ الحاصلُ من نَكْتِ الأَرض، والنُّكْتَةُ: النُّقْطَةُ في الشيء تخالف لَوْنَه. والنُّكْتَةُ: العلامةُ الخفيَّة، والنُّكْتَةُ: الفكرةُ اللطيفة المؤثِّرَة في النفس. والنُّكْتَةُ: المسأَلةُ العلميَّةُ الدَّقيقةُ يُتَوصَّلُ إِليها بدقَّة وإِنعامِ فِكْر، والنُّكْتَةُ: شِبْهُ وسَخٍ في المِرآة أَو السَّيف، والنُّكْتَةُ: شِبْهُ وَقْرَةٍ في قَرْنيَّةِ العين، يُسمّيها العامة: نقطة. وفلان مليح النُّكتة: يرسل النُّكتة من بديهة حاضرة، ونَكّات: (اسم)، صيغة مبالغة من نكَتَ، رَجُلٌ نَكَّاتٌ: مَنْ يَرْوِي النُّكَتَ بِكَثْرَةٍ، مُضْحِكٌ، سَاخِرٌ، وفلان نكَّاتٌ في الأَعراض: طَعَّانٌ، ومُنكِّت: (اسم)، فاعل من نَكَّتَ، ومَنْكوت: (اسم)، اسم المفعول من نكَتَ. واِنتَكَتَ: (فعل)، انْتَكَتَ فلانٌ: سقَط على رأسه.

ويمكن أن نخلص ممّا سبق إلى أنَّ النُّكْتَةُ الفكرةُ اللطيفة المؤثِّرَة في النفس. والنُّكْتَةُ المسأَلةُ العلميَّةُ الدَّقيقةُ يُتَوصَّلُ إِليها بدقَّة وإِنعامِ فِكْر. والنُّكْتَةُ شِبْهُ وسَخٍ في المِرآة أَو السَّيف. والنُّكْتَةُ شِبْهُ وَقْرَةٍ في قَرْنيَّةِ العين، يسميها العامة: نقطة.

وفي “معجم اللغة العربية المعاصر”: نكَّت الشَّخصُ أتى بطُرفةٍ أو مُلحةٍ في كلامه تُضحِك الآخرين، ولعل هذا هو المعنى المُراد معنا هنا، ولا يخفى ما في النكتة من تكثيف في اللغة وتقطير في المعنى، وأثر في النفوس خصوصًا إذا توفّر لها راوية جيد إذا كانت نكتة قديمة، أو حديثة مروية عن الغير، أو خفّة ظل الراوي وسرعة بديهته ومعرفته الدقيقة وخبرته النافذة بمستمعي النكتة أو المستهدفين منها والغرض الذي من أجله تُساق النكتة.

وتختلف النّكتة من بيئة إلى أخرى ومن زمان إلى زمان، ومن ثقافة إلى ثقافة، فالنكتة قديمًا كانت نكتة لغوية تقوم على المفارقة، وهي كذلك في كل عصر ومصر ولكن لغتها وأسلوب روايتها يختلف باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

والنكتة تثير الضحك، ويعدّ الضحك مفتاح الحياة السعيدة، كما أنه مُعدٍ وينتقل من شخص لآخر، وهذا يعني أنَّ فوائد الضحك ستطال عددا كبيرا من الأشخاص، وفوائد الضحك الصحيّة عديدة ومتنوعة، وهذا ما يشجعنا على ممارسته، وتجنّب كل الأمور المحزنة والتي تؤثر سلبًا على حياتنا وصحّتنا، ومن فوائد الضحك الصحيّة أنَّه عبارة عن عملية طبيعية وردَّة فعل لشيء نراه مضحكًا، سواء صورة، أو صوت، أو كلام، أو شعور، أو حتى ذكرى وغيرها الكثير، ومن هذه الفوائد الصحية:

التقليل من هرمون التوتّر، فالضحك يساعد في التقليل من هرمون التوتر في الجسم، الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية على صحة الجسم والصحة النفسية أيضًا. ومن الجدير ذكره أن وجود هرمون التوتر في الجسم مهمٌّ إلا أنَّ ارتفاع مستوياته يُعدّ مهدّدًا للصحة النفسية بشكل خاص، ولهذا ورد في الأثر أن كثرة الضحك تميت القلب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد عنه، جُلُّ ضحكه التبسُّم، فقد كان بسّام المُحيّا صلى الله عليه وسلم.

والمساعدة على تثبيط الألم، فالضحك يساعد في التقليل من الشعور بالألم، إن هذه المعلومة حقيقة وليست خرافة، فهرمون الإندورفين (Endorphins) يرتبط بنفس مستقبلات الألم في الدماغ، بالتالي يعمل هذا على التقليل من الألم الذي تشعر به.

ومن فوائد الضحك الصحية أنه يعمل على زيادة مستويات هرمونات السعادة في الجسم والتي تساعد بدورها في التخفيف من الشعور بالألم.

ويساعد الضحك على تعزيز صحة الجهاز المناعي، فلقد وَجدَت العديد من الدراسات العلمية المختلفة أنَّ الضحك يعمل على تحفيز أجسام مضادة في الجسم من أجل تعزيز صحة الجهاز المناعي، فزيادة مستويات الأجسام المضادة يعني أنَّ جسمك يكون قادرًا على التخلص من مُسبِّبات المرض بصورة أفضل وأكثر كفاءة.

كما أنَّ الضحك يعمل على تنظيم ضغط الدم، فإن كنت تعاني من الإصابة بضغط الدم المرتفع فعليك الإكثار من الضحك، حيث تبيّن أن من فوائد الضحك الصحية المساعدة في خفض ضغط الدم المرتفع لأوقات محدودة، هذا يعني أن ترافق الضحك مع الدواء ونمط الحياة الصحي من شأنه أن يساعدك في ضبط مستويات ضغط الدم بصورة أفضل.

ويعمل الضحك على زيادة تدفّق الدم في الجسم، عملية الضحك تستوجب استخدام الجهاز التنفسي وعملية التنفس، الأمر الذي يزيد من سرعة تدفق الدم في أنحاء الجسم المختلفة، وهذا الأمر ينعكس بشكل إيجابي على الصحة العامة للجسم وصحة الشرايين.

كما أنَّ الضحك يساعد على حرق السعرات الحرارية، حيث تبيّن أن الضحك لمدة 10-15 دقيقة يوميًا يمكن أن يحرق ما يقرب من 40 سعرة حرارية، وهو ما قد يكون كافيًا لخسارة ثلاثة أو أربعة أرطال على مدار عام.

وللضحك فوائد أخرى منها: تحسين الذاكرة وحمايتها، وهو شكل من أشكال ممارسة الرياضة البسيطة، ويساعد في تلقّي علاج السرطان، وتحسين المزاج، والزيادة من الإبداع.

ويمكن الحصول على الضحك بوسائل كثيرة منها:

الضحك مع الأصدقاء، حيث يُعدّ الذهاب إلى فيلم كوميدي مع الأصدقاء طريقة رائعة للحصول على مزيد من الضحك، كما أنَّ التأثيرات المعدية للضحك ستجعلك تضحك أكثر مما قد تضحك أثناء عرض الفيلم الكوميدي لو كنت وحدك، بالإضافة إلى أنه سيكون لديك نكات للإشارة إليها في أوقات لاحقة، كما أنَّ وجود الأصدقاء في اجتماع يُعدُّ رائعًا لتبادل الضحك والمشاعر الجيدة الأخرى، ولهذا فإنَّ تخصيص وقت لهذا النوع من المرح لا يقل أهمية عن أيّ عادة أخرى تقوم بها في حياتك لدعم صحتك، وربما تكون أكثر إمتاعًا من معظم العادات الصحية الأخرى.

وبدلًا من الشكوى من إحباطات الحياة، حاول أن تضحك على هذه الإحباطات، فإذا كان هناك شيء ما يحبطك، فعليك أن تدرك أنه يمكنك الضحك عليه، فكِّر في كيف ستبدو وكأنها قصة يمكنك إخبارها لأصدقائك، ثم انظر إذا كان بإمكانك الضحك عليها.

الحصول على الضحك من الوسائط المُتعدِدة، فيمكنك أن تجد الضحك في العديد من الوسائل، مثل: مشاهدة المسرحيات الترفيهية، أو مشاهدة الأفلام الكوميدية التلفزيونية في المنزل، فإنَّ مشاهدة الأفلام والعروض المرحة حقًا هي طريقة سهلة للضحك في حياتك متى احتجت إليها.

وتراثنا العربي زاخرٌ بكُتبٍ فيها النّكت والطّرائف والمُلَح والدّعابات، ولعل كتاب “البخلاء” للجاحظ من أهم الكتب التي ذكرت نكت البخلاء ونوادرهم، ومنها وصفه لأحد البخلاء فيقول:

يقتر عيسى على نفسه — وليس بباق ولا خالد

فلو يستطيع لتقتيره — تنفس من منخر واحد

وكذلك رسالته الرائعة في هجاء الوزير “أحمد بن عبد الوهاب”، فهي آية من آيات السخرية والضحك، وقد تأثّر بها الشاعر الوزير الأندلسي “ابن زيدون” في رسالته الهزلية التي كتبها على لسان “ولّادة بنت المستكفي” ساخرًا فيها من الوزير “ابن عبدوس” غريمه في حب “ولادة”، وكتاب “نكت الهميان في نكت العميان” للصفدي، وكتاب “أخبار الحمقى والمغفلين” لابن الجوزي، وكتاب “أخبار الظُرّاف والمتماجنين” لابن الجوزي، وهما من أطرف الكتب في الإضحاك، وهناك كتاب “الفاشوش في حكم قراقوش” لـ “أسعد بن مماتي” الذي سخر فيه من الوزير “قراقوش” في عهد “صلاح الدين الأيوبي”، مما يؤكد قيمة النكتة في الحياة الأدبية عند طبقة المثقفين من قديم.. وإذا غُصنا في كتب التراث سنجد مصنفات كثيرة يُمكن اعتبارها من “أدب النكتة” إن جاز التعبير، بل سنجد بعض كبار المُصنِّفين يورِدون النّكت والطرائف بين فصل وآخر في الكِتاب ليُروحوا عن القارئ ويخرجوه من الجدّ إلى المرح لهنيهات قليلة.

ومن أبرز أبطال الفكاهة في التراث العربي الشاعر “الحطيئة” (600 ـ 678م) الذي هجا أمه وأباه وهجا نفسه، والحطيئة شاعر عاش وحيداً منفرداً بأحزانه لا يُعرف له أهل أو أصل أو نسب، مقطوع الجذور مرفوضاً من القبائل الأخرى، يعاني الحرمان، فاتخذ الشعر سلاحاً يغتصب به أعراض الناس ويدفع عدوان الآخرين عليه، واسمه “أبو بكر مليكة جرول بن أوس العبسي”، لُقِّب بـ “الحطيئة” لقربه من الأرض، وهو من الشعراء المخضرمين حيث أدرك الجاهلية والإسلام وشارك في حرب الردّة، وشعره قوي العبارة بديع البناء غزير المعاني، وقد  أتقن “الحطيئة” الهجاء حتى خافه الناس واضطر كل فرد إلى بذل ما في طاقته لتجنّب هجائه حتى أنّ الخليفة “عمر بن الخطاب” قرّر أن يشتري منه أعراض الناس جميعاً بثلاثة آلاف درهم، بعد أن سجنه فاستعطفه “الحطيئة” بشعر يقول فيه:

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ — زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة — فاغفر عليك سلام الله يا عمر

وأغرب ما في هذا الشاعر أنه لم يجد مرة مَن يهجوه فصادف أن شاهد وجهه في بئر فهجا نفسه قائلا:

أبـَتْ شـفتاي الـيوم إلا تـكـلَـماً — بـسوءٍ فـما أدري لمَن أنا قائله

أرى لـي وجـهاً شوَّه الله خلقهُ — فـقُـبِّح مـن وجـهٍ وقُـبِّـح حـامله

وقد هجا أمه فقال:

تـنـحَّـي فـاقـعـدي مــني بـعيدًا — أراحَ الله مــنـك الـعـالـمينا

ألـم أوضـح لـك البغضاءَ مني — ولـكـن لا إخـالُـكِ تـعـقلينا

أغــربـالاً إذا اســتُـودعـت سـرًّا — وكـانـونًا عـلـى الـمتحدّثينا

جـزاكِ الله شــرًّا مــن عـجوز — ولـقَّـاكِ الـعقوقَ مـن الـبنينا

حــيـاتـكِ مـا علمتُ حـياةُ سـوءٍ — ومـوتُـكِ قــد يـسرُّ الصالحينا

وهجا أباه فـقال:

لـــحــاك الله ثـــم لــحــاك حــقًّا — أبـًـا ولــحــاك مـن عــمٍّ وخــالِ

فـنعم الـشيخُ أنت لدى المخازي — وبـئـس الـشيخُ أنت لدى المعالي

جـــمـعت الـلـُّؤم لا حـياك ربـي — وأبـــواب الــســفـاهـةِ والـضلالِ

و”أشعب” وهو مشهور بالجشع والطمع وله في ذلك نوادر كثيرة وهو من الطفيليين، ونوادر الطفيليين كثيرة في كتب التراث على مرّ العصور حتى العصر الحديث.

و”أبو دلامة” الذي هجا نفسه بين يدي الخليفة العباسي، حين أمره بهجاء مَن بالمجلس الذي ضمّ الخليفة وولديه وابن عمه، فهداه ظُرفه وفكاهته إلى هجاء نفسه، فأثار ضحكهم ونال جوائزهم.

وهناك “ابن سودون المصري”، وله ديوان “نزهة النفوس ومضحك العبوس”، وهو مبني على شعر الفكاهة والنكات الأدبية التي تصوّر واقع المجتمع المصري في عصره.

أما مشايخ التدريس القديم، فكانوا يُطلقون النّكت من حين إلى آخر ليُريحوا طُلّابهم.. وشخصية “جحا” تُعدّ من أبرز شخصيات الفكاهة من قديم، ولكل أمَّة جُحاها، فهناك جحا العربي وجحا التركي وهكذا، وهو شخص يميل إلى السذاجة في سلوكه وأسلوبه في الحياة، وربما حمل الناس عليه ما لم يقله وربما كان شخصية مصطنعة وليست حقيقية، ونوادر جحا أشهر من أن نتحدّث عنها.

وفي العصر الحديث نلتقي بالأديب “عبد الله النديم” الذي أسّس جريدة “التّنكيت والتبكيت” أو ما يُمكن اعتباره “الإعلام الساخر”، وقد اشتهر في العصر الحديث بالطُّرفة والنكتة وخفة الظل وسرعة البديهة أدباء كثيرون نذكر منهم في مصر على سبيل المثال لا الحصر، الشيخ “عبد العزيز البشري”، وممّا يُروى عنه أنه كان في رحلة مع طلابه إلى “القناطر الخيرية”، وكان يلبس الزيّ الأزهري، فخلع جبته ليتوضأ فجاء أحد الطلاب ورسم عليها وجه حمار، فلمّا جاء الشيخ ورآها قال في سرعة بديهة وفكاهة ونكتة حاضرة: مَن الذي مسح وجهه في جُبّتي؟!

وشاعر النيل “حافظ إبراهيم” كان مُشتهرًا بخفّة الظل والفكاهة والشاعر البائس عبد الحميد الديب والشاعر حسين شفيق المصري صاحب الشعر الحلمنتيشي، وكامل الشناوي وأحمد رجب ومحمود السعدني والشاعر العراقي مظفر النواب والشاعر الكبير أحمد مطر وله ديوان ضخم مليء بالسخرية السياسية، وغيرهم من شعراء الفكاهة والسخرية المُرّة من الواقع المُترَع بالمعاناة والمشبع بالألم، والشاعر المعاصر المهندس “ياسر قطامش” العائش على الهامش، الذي يكتب الشعر الحلمنتيشي.

ومن المُمثِّلين من ضربوا بسهمٍ وافر في مجال الفكاهة والسخرية والضحك والإضحاك، مثل أنور وجدي وعبد المنعم مدبولي، وإسماعيل ياسين، وفؤاد المهندس، وعادل إمام وسعيد صالح (الذي سُجن بسبب النكت السياسية التي كان يرتجلها على المسرح في عهد الرئيس حسني مبارك) وسمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم ومحمد صبحي وصلاح جاهين ممثلا وشاعرا.

ويمكن القول بأنَّ النكتة جنسٌ أدبيٌّ، يقوم على المفارقة اللغوية كما قلنا ويمتزج بأدب الفكاهة والملح والطرف والنوادر. وللنكتة دورها في الحياة الأدبية ولذا اهتم بها العلماء والأدباء من قديم، ولقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا صدقًا، فقد جاءته عجوز تسأله أن يدعو لها فتكون من أهل الجنة، فقال لها الحبيب صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة عجوز، فحزنت المرأة حزنا شديدا وولّت مُدبرة، فقال الرسول رُدّوها، ثم قال لها ستكونين شابة في الجنة، مصداقا لقوله تعالى: “وكواعب أترابا”، ففرحت المرأة، وهذا من أساليب التعليم عند رسولنا الكريم وعنه أخذه العلماء، وكان الشيخ “عبد الحميد كشك” الداعية المصري الشهير من أبرز من يسوق الطرفة والفكاهة والنادرة على منبره أو في درسه، ولهذا كان يجتذب إليه السامعين ويلتف حوله المريدون، ومما روي عنه أنه بعد إقامة الصلاة يوم الجمعة قال ما معناه: سووا صفوفكم بدءًا من الصف الثاني، فلما سُئل عن الصف الأول قال: هؤلاء من المباحث أي الذين يحضرون لتسجيل ما يقوله الشيخ.

فللنكتة تاريخها العريق، وأساطينها المبرزون قديما وحديثا، أما واقعها الآن فإنها مزدهرة لأنّ النكتة تزدهر في عصور الكبت السياسي والقهر الاجتماعي والظلم والاضطهاد للمستضعفين دولا وأفرادا، ولعل النكت السياسية والاجتماعية تكون أكثر ازدهارا.

والنكتة فنٌّ مُحبَّبٌ إلى النفس، غير أنني أتذوقه ولا أحسن روايته، ولعل ذلك يعود إلى نمط التربية الجادة التي تربّيتُ عليه، والذي كان يعدّ النكتة نوعًا من الكذب سيُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، انطلاقا من الحديث الشريف الذي يحذّر من الكذب لإضحاك الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا، فكنت أرى في النكتة نوعا من الحديث المُلفّق والقصة المخترعة، وإن كنت أحب الاستماع إليها وتذوقها من رُوّاتها المحترفين، لأنها تكتفي باللمحة الدالة وتقلب الأمر رأسا على عقب كما ورد في معانيها، وتنتقم من الظّلَمة وتسخر منهم، وهو ما لا يقدر عليه المستضعفون، فهي سلاح في يد الضعفاء ينفِّسون به عن أنفسهم.

وقد كنا ونحن في ميعة الصبا حين نجتمع مع أترابنا للسّمر نطلب ممّن يجيدون سرد النكات وحكايتها أن يُتحفونا ببعض النكات، وكانت هذه فقرة رئيسة في سهراتنا، فكنا نستمع إليهم ونستمتع بنكاتهم التي لا نجيد روايتها، وكان بعض أستاذةٍ من الظرفاء الذين كانوا يعتمدون على النكات في التدريس، ولعل من أبرزهم المرحوم الدكتور “رمضان عبد التواب” العميد السابق لكلية الآداب جامعة عين شمس ورفيق دربه المرحوم الدكتور “عبد الصبور شاهين” العالم اللغوي والداعية المصري المعروف الذي تولّى الخطابة فترة في جامع عمرو بن العاص أول مسجد بني في قارة إفريقيا، وتلميذهما المرحوم الدكتور “محمد رأفت سعيد” زميلنا بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنوفية، فكم سمعنا منهم من نكات سياسية واجتماعية وغيرها بأسلوب  عذب رقيق، وكثير من الأساتذة الأزهريين وبخاصة المبصرين منهم لهم باع طويل في النكات، وكذلك المشايخ، ممّا يقربهم إلى تلاميذهم ويسهل استيعاب العلم عليهم.

وكان من حسن حظي أن درّس لي بكلية التربية جامعة المنوفية أستاذ أزهري كانت رسالتاه للماجستير والدكتوراه عن الفكاهة في الأدب العربي هو المرحوم الدكتور “فتحي أبو عيسى” ـ صاحب الأيادي البيضاء على جيلي ـ  فقد كانت رسالته للماجستير عن الفكاهة في الأدب العربي حتى عصر الجاحظ، وقد عمل أستاذنا في الجزائر حين كان معلِّمًا بالمدارس الثانوية قبل حصوله على الدكتوراه، وانتقاله للتدريس بالجامعة، وقد طُبعت رسالته تلك في الشركة الوطنية للطباعة والنشر بالجزائر، وكانت رسالته للدكتوراه عن الفكاهة في الأدب العربي من عصر الجاحظ حتى العصر الحديث، وقد أثّرت هاتان الرسالتان على شخصيته الجادة وطريقته في التدريس لنا، فكان صارما في العلم وجادًّا في النقد ولكنه كان يمزج جدّه بالفكاهة العذبة التي تُحبِّب إلينا محاضراته، فاللهم اغفر له ولكل مَنْ تعلمنا على أيديهم من أساتذة فضلاء، وأجزهم عنا وعن اللغة العربية وآدابها خير الجزاء، ومن أساتذتنا في كلية الآداب جامعة عين شمس الذين اشتهروا بالفكاهة المرحوم الدكتور “رمضان عبد التواب”، وأستاذي وصديقي الدكتور “إبراهيم عوض” أطال الله بقاءه ونفع الأمة بعلمه، فهو علَم من أعلام السخرية والفكاهة في كتاباته ومحاضراته.

ومن هنا نرى أنّ النكتة ضرورية في مجال التربية والتعليم، وفي المجالات الترفيهية التي تصنع للناس فسحات للراحة من أتعاب وأثقال بالحياة.

وقد كنا قديمًا نستمع في الإذاعة والتلفاز إلى المُنكِّتين، ولعل أبرزهم “حمادة سلطان” الذي كان يُلقي المنولوجات الغنائية ويتبعها بأحدث النكات التي كانت تضحكنا ونحن صغار، وخصوصا نكات الصنايعية مثل: مرة واحد كهربائي اتجوز نجفة! ونكات المحششين (الذين يشربون مخدر الحشيش)، وغيرها.

ومن المغنين والممثلين الذين أضحكونا صغارا، محمود شكوكو وعبد المنعم إبراهيم وتوفيق الدقن ونجيب الريحاني وعبد الفتاح القصري وغيرهم.

وقد كان خالي يرحمه الله فلاحًا ولكنه كان يجيد رواية النكتة وربما يجيد اختراعها حسب الموقف وتبعًا الحدث، وكان يضحكنا قبل أن نفهم النكتة لأنه كان يلقيها وينفجر ضاحكا، فيعدينا بضحكه قبل أن نفك لغز نكتته.

ومن أبرز أصدقائي المولعين بالطرفة والنكتة وخصوصا المعتمدة على اللغة الدكتور “محمود عويضة” أستاذ الفيزياء وعميد كلية العلوم جامعة المنوفية سابقا، والباحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وله فيه عدة كتب نافعة ومفيدة تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية، فهو يتصيّد الكلمات المتشابهة في الكلام والمعنى ويصنع منها مفارقة لغوية أو نكتة تثير الضحك، وفي الوقت نفسه تُصحِّح خطأ لغويا أو تضيف معلومة نافعة ومفيدة.

ومن ظرفاء العصر في مصر، “بيرم التونسي”، وله شعر كثير يسخر فيه من الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر في زمنه، وقصيدته في المجلس البلدي وما يفرضه من ضرائب ومُكوس على الناس ذائعة ومشهورة، وفيها يقول:

قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ — هوى حبيبٍ يُسَمّى   المجلس البلدي

أمشي   وأكتمُ   أنفاسي   مخافة َ أنْ — يعدّهـا عاملٌ   للمجلسِ   البلـدي

ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى — طيف الخيالِ، خيال   المجلسِ   البلدي

إذا الرغيفُ أتى، فالنصف ُ آكُلُهُ — والنصفُ   أتركُه    للمجلس   البلدي

وإنْ جلستُ فجَيْبِـي لستُ أتركُهُ — خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي

وما كسوتُ عيالي في الشتاءِ ولا — في الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ البلدي

كَــأنَّ   أٌمّي   بَلَّ   اللهُ   تُربتها — أوصَتْ فقالت: أخوك المجلس البلدي

أخشى الزواجَ إذا يوم الزفافِ أتى — أن يَنْبَرِي لعروسي   المجلسُ    البلدي

ورُبَّمَا   وَهَبَ   الرحمنُ   لي    ولداً — في   بَطْنِهـا   يَدَّعيه   المجلس   البلدي

وإنْ أقمتُ صلاتي   قلتُ   مُفتتِحًا — اللهُ أكبرُ باسم المجلـس البلــدي

أستغفرُ الله حتى في الصلاةِ غَدَتْ — عِبادتي نصفُها للمجلـس البلـدي

يا بائعَ   الفجلِ   بالمِلِّيـمِ   واحدةً — كم للعيالِ وكم   للمجلسِ   البلدي

والصحفي القدير “محمود السعدني” وله عدّة كُتب في السخرية من الأوضاع السياسية والاجتماعية في عصره، والكاتب الصحفي الكبير “أحمد بهجت”، والكاتب الصحفي الكبير “أحمد رجب”، وزاويته الجميلة (نص كلمة) التي كانت محطّ اهتمامي وكنت أبدأ بها قراءة الصحيفة، والكاتب الصحفي الكبير “جلال عامر” يرحمهم الله جميعا، وهؤلاء كانوا يركزون على النقد السياسي والاجتماعي، ومن ذلك ما ورد عن الكاتب المصري الساخر “جلال عامر” يرحمه الله:

– البلد دي فيها ناس عايشة كويس، وناس كويس إنها عايشة. (نقد اجتماعي ساخر)

– الجامعة العربية للإنصاف لها “موقف” كبير، يتسع لأكثر من مائة سيارة أمام المبنى. (نقد سياسي لاذع)

– في مصر لا توجد “محاسبة” إلا في كلية التجارة. (نقد سياسي ساخر)

– بعد أنْ حصل على “الليسانس” بدأ فى “تحضير” الماجستير، وبعد أنْ حصل على “الماجستير” بدأ فى “تحضير” الشاي للزبائن. (نقد سياسي واجتماعي يقطر سخرية)

– إذا استمرت سرقة الآثار بنفس المعدل فلن يتبقى في مصر إلا آثار الحكيم. (نقد سياسي واجتماعي واقتصادي استغل فيه اسم الممثلة آثار الحكيم)

– أنا لا أصبغ شعري ولا أعالج التجاعيد لكنني أقاوم الزمن بما هو أكثر من ذلك، فكلما مرضت صممت على الذهاب لطبيب أطفال. (سخرية من النفس وهذه قمة السخرية)

– أصبحنا نعالج الدولة على نفقة المواطن. (نقد اجتماعي وسياسي)

– نربي الكلاب في الشقة والفراخ في المنور والأطفال في الشارع. (نقد)

– اعلم أنَّ المنافقين في الآخره في الدرك الأسفل من النار، لكنهم في الدنيا في الصفحات الأولى من الصحف والأخبار. (نقد اجتماعي وديني وسياسي)

‏- يتوفى الإنسان مرة واحدة في العمر ويموت عدة مرات يومياً في بلد بدأ بـ اكفل طفلاً ثم اكفل أسرة ثم اكفل قرية وقريباً اكفل وطناً. (نقد اجتماعي وديني وسياسي)

– استمراراً لظاهرة التدين الشكلي التي تنتشر هذه الأيام، أصبح معظم سائقي التاكسي يشغّلون القرآن ومع ذلك لا يُشغّلون العداد. (نقد اجتماعي لسلوك طائفة بعينها)

– معظم الهاربين بفلوسنا، كانوا يقيمون لنا موائد الرحمن.. وأتاري احنا اللي عازمينهم. (نقد اجتماعي وديني وسياسي).

هذا غيض من فيض من حديث النكتة، ودورها في الحياة الأدبية والشعبية، ولولا ظروف قاهرة أمرّ بها، كادت تصرفني عن المشاركة هذا الأسبوع، مع شدة حرصي على المشاركة ـ لأنَّ أخي عبد القادر شفاه الله وعافاه يقيم الآن بالعناية المركزة لإصابته بفشل كبدي، ونسألكم الدعاء له بالشفاء العاجل ـ لطال بنا الحديث ولسقنا من كل عصر نماذج من النكت عن الظرفاء ممّا يضحك الثكالى ويسلي المحزونين، ويكفي أن نطالع ديوانا واحدا هو ديوان الصعلوك الظريف والشاعر الساخر “عبد الحميد الديب” الضاحك الباكي، أو الرسالة الهزلية التي أدرِّسها لطلابي في مادة الأدب الأندلسي، والتي شرحها “ابن نباتة” في كتاب عنوانه سرح العيون في شرح رسالة “ابن زيدون”، لنحصل على جرعة دسمة من النكت السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، تقوم بنوع من التطهير، وتسلي المرء عن أحزانه وتنسيه همومه.

ومواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتيك توك وغيرها مليئة بالنكات مقروءة ومسموعة ولعل هذا مقصود لإفراغ الشحنات السلبية عند الشعوب وإلهائها عن مشكلات المجتمعات العربية السياسية والاجتماعية، خصوصا في ظل ما تتعرّض له أمتنا العربية والإسلامية وخصوصا في فلسطين المحتلة من حرب إبادة جماعية، نسأل الله أن يردّ كيد الصهاينة وأعوانهم في نحورهم وأن ينصر الحق وأهله، ويهزم الباطل وحزبه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، كما نسأله سبحانه أن يُبصِّر أمتنا حكاما ومحكومين بما يحيق بالأمة من أخطار تستهدف اقتلاع هذه الأمة من جذورها وسلخها عن دينها ولغتها.

ولعل مما دفعني للحرص على المشاركة طرافة الموضوع الذي ينطوي على جدية في الوقت نفسه، وهي سمة بارزة في الموضوعات المقترحة من القائمين على الملف الثقافي الأسبوعي بجريدة “الأيام نيوز” الجزائرية، جزاهم الله خيرا وبارك فيهم ونفع قراء الصحيفة وملفها الثقافي الراقي بما يطرحون من موضوعات، والله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم النصير.

النُّكتة.. سَلوى المهمومين وبَوحُ المستضعَفين!

بقلم: د. شعبان عبد الجيِّد – كاتبٌ من مصر

(وضحـكتُ لمَّا لَمْ أجِـــد لشِكايَتِي — صوتًا يَرِقُّ له الزمانُ ولا صَدَى!)

ـ هل كان يُمكِنُنِي أن أَضَعَ “الطغاةَ”، بدلًا من الزمان؟! (الكاتب)

أعترفُ في البداية، وبصراحةٍ شديدة، بأنّ ذاكرتي في حفظ النّكت ضعيفة جدًّا، تَسقُطُ منها الأشياءُ بصورة مرعبة. لا تحتفظ إلا بما تحبّ وتهوَى، وقليلٌ ما هو، ولا تُبقِي إلا على ما يروقُها ويعجبُها. كانت قدرتي على استعادة النُّكَت مخجلةً ومضحكة، وهو ما كان يبدو لي (نكتةً بائخة) ولا يزال. وكَحَلٍّ عمليٍّ لهذه المشكلة، اشتريتُ وأنا طالب في المرحلة الثانوية شريط نكت للمنولوجست “حمادة سلطان”، وكتابًا، كان يُباع أيامَها بجنيه واحد، اسمه (ألف نكتة ونكتة). وحين قرأت الكتاب مرّتين، وسمعتُ الشريط بضع مرات، أحسست بشيءٍ من الملل، ولم أعد أضحك على ما أسمعه أو أقرؤه، وأيقنت أن كثرة الضحك تقتل الرغبة في الضحك، وبحثت عن جديد، وأدركت أن النكتة حلاوتها في جدَّتها وطزاجتها، وأنها تفقد كثيرًا من تأثيرها حين تكون مُعادة و”قديمة”، وهو ما كان يذكِّرني بأحدهم حين قال لأصحابه: سمعتم آخر نكتة؟ فأجابوه في سخرية لاذعة: وسمعنا التي بعدها. ولا أخفي أن ذاكرتي السمكية قد أفادتني كثيرًا؛ فلقد كنت أتعامل مع النِّكات القديمة وكأنني أسمعها لأول مرة، وأضحك وكأنها لم تمرّ على سمعي من قبل!

شعبان عبد الجيد

كنت أحِبُّ النكت جدًّا، أيًّا ما كان نوعها، حتى لو كانت عن الرجل الذي همَّ بأن يجلس على القهوة فجلس على الشاي، أو الرجل الذي جلس فعلًا على القهوة فلسعته، أو الثالث الذي ذهب إلى القلعة فوجدها لابسة. لكنني كنت أميل إلى النكتة التي تجيء على شكل حكاية قصيرة، وشدتني “نوادر جحا” فاقتنيتها وقرأتها، وأعجبني كتاب “أخبار الحمقى والمغفلين” لابن الجوزي، وإن كنت لا أدري هل كان كلُّ ما رواه حقيقةً، أم أن للخيال والمبالغة دورًا فيه. ولا أدري لماذا لم يَرُق لي كتاب “نزهة النفوس ومُضحِك العَبوس” لـ “ابن سودون البشبغاوي”؛ ربما لأنني كنت، وما أزال، أميل إلى كل ما هو فصيح مبين، ورأيت في لغته العاميّة وتشبيهاته الساذجة ما جعلني أستثقله، وهو ما حدث شيءٌ قريبٌ منه مع ما نظمه “حسين شفيق المصري” في (مشعلقاته وأزجاله وشعره الحلمتيشي)، وإن كنت لا أنكر أني تسلّيت به بعض التسلية.

وضحكت مع “المازني” حين حكى عن أحد أساتذته حين أراد أن يشرح لهم النفيَ في اللغة، وشرع يسوق الأمثلة، فلما بلغ (لَمْ) قال: مثلًا: لَم كتَبَ، لَم ضربَ، لم ذهبَ، “فانفجرنا ضاحكين. وكان لنا العذر. فكيف لا نضحك من “لَمْ كتب ولَمْ ضربَ”! فلما سكنت العاصفة بعض السكون قال يوبّخنا ويزجرنا ويعظنا: “تضحكون؟ ابكون.. ابكون” فلم يبق منا طفلٌ على مَقعَده من شدة الضحك”. وإن كنت لا أعتقد أن معلِّمًا، مهما يكن مستواه، يمكن أن يصل جهله باللغة ونحوها هذا الحد.

وأذكر أننا ونحن في الجامعة كنا نتندَّر بنكتة تُروَى عن أستاذٍ جامعي، كانت محاضرته طويلة، وطريقته غير جذّابة، فكان بعض الطلاب ينامون أثناء حديثه، وبلغ الأمرُ بأحدهم فغَطَّ في نومه وعلا صوت غطيطُه، فما كان من الأستاذ إلا أن ذهب إليه ليوقظه قائلًا: يا بُنَي، أن تنام في محاضرتي فهذا أمرٌ عادي، لكن الذي لا أقبله هو أن “تُشخِّرَ” وتوقظ زملاءَكَ النائمين!

كان حالي مثل حال الأستاذ “أحمد أمين” حين كتب في مقال له عن “الضحك”، نشره في الجزء الأول من (فيض الخاطر): “ما أحوجني إلى ضحكة تَخرج من أعماق صدري فيدوِّي بها جوِّي! ضحكة حيّة صافية عالية، ليست من جنس التبسّم، ولا من قبيل السخرية والاستهزاء؛ ولا هي ضحكة صفراء لا تعبّر عمّا في القلب، وإنما أريدُ ضحكةً أمسك منها صدري، وأفحص منها الأرض برِجلي؛ ضحكة تملأ شِدقَيَّ، وتُبدي ناجذِيَّ، وتفرِّج كَربي، وتكشف همي”.

أيامَها كنتُ قد تجاوزت قراءة كتب النّكت والنوادر، وانتقلت إلى دراسة الكتب التي تناولت الفكاهة والضحك بالبحث والتحليل، كان من أولها كتاب الأستاذ “العقاد” عن “جحا الضاحك المضحك”، وكتاب الدكتور “شوقي ضيف” عن “الفكاهة في مصر”، ومن أعمقها كتاب الأستاذ “أحمد عطية الله” عن “سيكولوجية الضحك”، وكتاب الدكتور “زكريا إبراهيم” عن “سيكولوجية الفكاهة والضحك”. ثم ثلاثة كتب قرأتها بعد ذلك بسنوات طويلة، أولها “النكتة السياسية.. كيف يسخر المصريون من حُكَّامهم” للأستاذ “عادل حمودة”، والثاني عن “بيان الحَدِّ بين الهزلِ والجد: دراسات في أدب النكتة” للكاتب السوري “بوعلي ياسين”، أمَّا الثالث فهو كتاب “الفكاهة والضحك.. رؤية جديدة” للدكتور “شاكر عبد الحميد”. ولا أنسى أن أشير إلى كتاب “فلاسفة وصعاليك” للأستاذ “محمد فهمي عبد اللطيف”، وهو كاتبٌ كبيرٌ مغبونٌ، لم يأخذ ما يستحقّه من الشهرة والدرس، وإلى عدد خاصٍّ من مجلة “الهلال” عن الفكاهة والضحك، صدر في أغسطس/ أوت 1966، وكان طريقي إلى قراءة ما كتبه أعلام الأدب الساخر المعاصرين، من أمثال محمد عفيفي وأحمد بهجت وأحمد رجب ومحمود السعدني وعزت السعدني، وآخرين غيرهم. وقد أفدت من هذه الكتب جميعها، ومن هؤلاء الكُتّاب كلِّهم، وكثيرين سواهم، في كتابة هذه السطور، وسوف أبدؤها بتحديد المصطلح أولًا كما تعلمنا من “فولتير”.

تعريف النُّكتة

في دراستها الموجزة عن “النكتة الشعبية”، وقد نُشِرت في مجلة (المجلة)، يونيو 1965، تقول الدكتورة “نبيلة إبراهيم”: “ليس هناك زمنٌ من الأزمنة أو مكانٌ من الأمكنة لم تعِش فيه النكتة، سواءٌ في الحياة أم في الأدب…فالنكتة نتاجٌ أدبيٌّ ينبع من الانشغال الروحي الشعبي، شأنها في ذلك شأن الحكاية الخرافية والحكاية الشعبية والأسطورة واللغز، ولكنها تتميّز عن هذه الأشكال بأنها قد تعين في يُسرٍ على تحديد الزمان والمكان الذين نشَأَت فيهما”.

النكتة في العربية: هي النقطة في الشيء تخالف لونَه، والمسألة الدقيقة أُخرِجَت بدقّة وإمعان فكر، والعلاقة الخفيَّة، والجُملة اللفظية تؤثّر في انبساط النفس. والمعنى الأخيرُ هو أقرب المعاني إلى روح النكتة في الاستعمال المعاصر.  وهي في أصل اللغة النقطة البيضاء في الشيء الأسود، أو السوداء في الشيء الأبيض، أخذها البيانيون لكلِّ معنى يترك في النفسِ لدى كشفِه أثرًا تظهر معه بمظهر الروعة والإعجاب.

وفي اللهجة الدارجة: نَكَتَ الشيءَ بعثره أو قلَبَه، إمَّا قلبًا خفيفًا يؤدِّي إلى تغيير بعض معالمه، أو قلبًا يجعل رأسَه مكان عقِبِه أو العكس. ويُستعمل هذا الفعل لخلق جوٍّ من المتعة وإدخال السرور إلى النفوس عن طريق إبراز المفارقة والتباين في الأشياء والمواقف، كما يُستعمل للتبرّم من وضع قائم، والتّرويح عن النفس فيه، ومدِّ جسور التواصل مع الآخرين حوله.

والنكتة: خبرٌ قصير في شكل حكاية، أو هي عبارة عن لفظة تثير الضحك. ويعرِّفها الأستاذ “عبد العزيز سيد الأهل” في كتابه (النكتة المصرية) بأنها: “فنٌّ من أوجَز فنون القول، يثير نفس السامع فجأةً للطرب فيضحك أو يغضب”. وقد قرأتّ في بعض المعاجم الإنجليزية أن النكتة، (joke)، هي شيءٌ ما تفعلُه أو تقوله لتُضحِكَ الآخرين.

والنكتة جنسٌ من أجناس الأدب، تنتمي إلى الفرع الهزلي منه، باعتبار أن الفرع الآخر هو الأدب الجدِّي. هناك ميلٌ لدى بعض الكُتَّاب لتصنيف النكتة كأدبٍ شعبي. وهذا عمليًّا صحيح إلى حدٍّ بعيد، نظرًا لغلَبة هذا اللون الأدبي، كمًّا ونوعًا وأهمية، لدى عامة الشعب. غير أن النكتة ليست بالتعريف وليست بالضرورة كذلك؛ فيمكن أن يُنتجها الأدباء المثقفون، وقد يقتبسونها من العامَّةِ ويوظفونها في أعمالهم الأدبية. كما أن العكس صحيحٌ أيضًا، فيأخذ الشعبُ النكتةَ عن أحد المثقفين، ويتناقلها كما هي أو بعد التعديل. إن النكات والنوادر تعيش حالةً أقرب ما تكون إلى المَشاعِيّة والتسيّب.

وما دامت النكتة فنًّا من فنون القول، فلا بدَّ لها من شروط: فهي في حاجةٍ إلى خاطرٍ سريعٍ ذكي، وإلى قدرةٍ على الإمساك بعنان اللغة، والقبض على ناصيتها، وإلى علم بمدلولات المفردات اللغوية وتلوين الأساليب، وهي في حاجة إلى تركيز الفكرة في أخفِّ الألفاظ على السمع، وأقلّها كلمات وحروفًا، لئلا تضيع حلاوتها في تطويل الكلام، وهي في حاجةٍ كذلك إلى صَبِّ المعنى في المقطع الأخير، حتى يفارقَه المتكلّم وقد أطربَ كلامُه السامعَ فأعجبَه أو أغضبَه.

وأذكر أن الأستاذ “المازني”، وكان من ظرفاء عصره وكبار كُتّابه الساخرين، قد نشر مقالًا عن “النكتة المصرية” في مجلة “الهلال”، يوليو 1947، ذهب فيه إلى أن النكتة مظهر فطنة، والأغلب أن يكون مدارُها على ظاهر السلوك، ويندر أن يستطيع صاحبُها التحليق فوق المظاهر، أو الغوص إلى الأغوار البعيدة، وهي تُضحِكُنا بما فيها من مقابلة بين أمرَين أو حالَين أو سلوكَين، مستورَين، أو مستور وبادٍ، أو باديَيْن، ويضرب لذلك مثالًا بما قاله أحد أصدقائه لسيدةٍ زعمت أن زوجها يُهدي إليها في كل عيد ميلاد لها مائة جنيه: “إذًا أنتِ مليونيرة”!.

وكثيرًا ما تدور النكتة على تشابه الألفاظ في الجَرس واختلاف دلالاتها أو معانيها، ومثل هذا الضرب لا سبيل إلى نقله إلى لغةٍ أخرى، لأنه يتعلق باللفظ لا بالمعنى أو الصورة.

والذين يتحدثون عن النكتة من الفلاسفة والمفكرين يقولون إنها، في المقام الأول، نشاطٌ لفظيٌّ شفَهي، يُقصَدُ من ورائه إحداث أثر لدى المتلقّي له. يعرِّفُها “كانط” بأنها: حالةٌ من التوقّع الشديد الذي يتبدّد فجأةً فيُفضِي إلى لا شيء. وهي لديه أيضًا نشاطٌ عقليٌّ يصل إلى غايته، حيث يجري السيرُ به فجأةً في طريقٍ مغايرٍ للطريق الأول، وهي أيضًا نوعٌ من اللعب العقليِّ بالأفكار.

والنكتة عند “شوبنهاور” هي: محاولة لإثارة الضحك على نحوٍ قَصدِي، من خلال التفاوت بين تصورات الناس والواقع المدرَك، عن طريق إبدال هذه التصورات على نحو مفاجئ، في حين تظل عملية تكوين الواقع (الجاد) مستمرة.

أما لدى “فرويد” فتُعَدُّ بمثابة الآلية النفسية الدفاعية التي تقوم في مواجهة العالم الخارجي المهدِّد للذات، وتعمل على تحويل حالة الضيق إلى حالة الشعور الخاص بالمتعة.

باختصار: النكتة هي شيءٌ فكاهيٌّ يُقال بطريقة مُعيّنة، يشتمل على تناقضات في الأحداث، وكسر في التوقّعات، من أجل إحداث التسلية أو إثارة الضحك. وغالبًا ما تكون النكتة في شكلٍ لفظيٍّ شفاهي مختصَر، ويجري سردُه خلال تفاعل اجتماعي مرح، وأحيانا ما تكون النِّكَاتُ مكتوبة، يقرؤها القارئ بمفرده أو مع الآخرين، وغالبًا ما تكون هذه النِّكَاتُ قد ظهرت في شكلٍ منطوقٍ جرى تداولُه، وتواتَر فعلًا من شخصٍ إلى أشخاص آخرين، ثم جرى حفظُه وإثباتُه من خلال الكتابة.

ويذهب الباحث المغربي “أكثيري بوجمعة”، إلى أن النكتة ظاهرة اجتماعية تقوم بوظائف متعددة، فبالإضافة إلى التسلية، فهي تخفِّف من حدّة التوتر والحقد والعداء، وتسعى إلى نشر الفضيلة وتقويم الاعوجاج وفضح الانحراف، كما تُعَدُّ وسيلة فعّالة للتواصل الاجتماعي. إنها استعمال براجماتي للغة؛ فعَبرَها يمكن للناس أن يُبلغوا مواقفهم ومعتقداتهم ورغباتهم وميولهم بشكلٍ ملتوٍ بعيدًا عن أعين الرقابة، الشيء الذي لن يتأتَّى لهم بوسيلة أخرى، فعن طريقِها يمكن التعامل مع المواضيع المحظورة بسهولة ويُسر، إنها بفضل مظهرها الخادع وشكلها المُحكَم الصُّنع، تُخفي أنها تحمل أيّ رسالة، وبالأحرَى موضوعًا محرَّمًا.

أنواع النكتة

ثمة أنواع كثيرة للنكتة، من نكتة القافية إلى النكتة البايخة، مرورًا بنكتة القلب، والنكتة الجنسية، والنكتة الطائرة، والنكتة الرمزية، وتجد تفصيلها في كتاب “النكتة المصرية” للأستاذ “عبد العزيز سيد الأهل”، ولا مجال هنا لعرضها ولا لتلخيصها؛ لكنني سأكتفي هنا بتقديم ستة أنواعٍ للنكتة من حيث مقصدها أو غايتها، نقلًا عن الأستاذ “بوعلي ياسين”:

1- نكات تهزيريّة، دافعها اللعب وغايتها التسلية والترويح عن النفس، لا يُعيقها سوى المستوى الثقافي للوسط الذي يتناقلها.

2- نكات تربوية، تتحدّد بالفهم التربوي لدى الوسط المعنِي.

3- نكات عُصبويّة، تقوم على الولاء للذات الجماعية ضد الذوات الأخرى.

4- نكات عرضحاليّة، غايتها التنفيس عن ضغوط حياتية (اقتصادية، سياسية…)، وتلقى قبولًا بقدر تعبيرها عن الوسط الذي تُلقَى فيه.

5- نكات شهوانية، بغاية التعويض عن حاجات أساسية غير مُلبَّاة، وتلقَى قبولًا بقدر تعبيرها عن الوسط، وبحسب عقليته وأخلاقيته ومستوى ثقافته.

6- نكات تتعلق بالموت والمصير والإيمان، دافعها الخوف والرجاء، وهدفها السلوان وتقبل ما هو محتوم.

مبدعو النكتة

لعلَّ من أكثر جوانب دراسات النكتة غموضًا هو هذا السؤال: “من هم يا ترى هؤلاء الذين يُبدعون النّكات ويُلقونها؟”. ثمة إجابات كثيرة يمكننا أن نستعرضها هنا إجمالًا، تقول إحداها إن النكتة إبداعٌ شعبي جماعيٌّ يشترك فيه عددٌ من الأفراد، وليس فردًا واحدًا، حيث يضيفون إليها، أو يحذفون منها أو يعدِّلون فيها، أو يطوّرونها حتى تصلَ إلى شكلها المُقنن المعروف.

وتقول تفسيراتٌ أخرى إنّ المنتج الأساسيَّ للنكتة ليست هي الشعوب، بل الحكومات، وخاصةً أجهزة الأمن والمخابرات فيها؛ فهي التي تؤسس الأجهزة الخاصة التي تنشَط في إبداع النكات، بهدف امتصاص إحباط الناس، أو معرفة مدى تقبّلهم للاتجاهات والأفكار التي تحتويها هذه النكات، أو بهدف قياس مُيول الناس أو اتجاهاتهم نحو سياسة حكومية معينة، أو نحو مسؤول مُعيّن تنوي حكومة ما أن تتخلص منه.

وثمة من يقول إن النكتة يجري إبداعها في أجواء ومواقف وسياقات يتحرّر فيها العقل من الرقابة، ومن الخوف، وينطلق في التشكيل والتحويل للكلمات والجُمل والصور، فتظهر هذه البِنيات الغريبة المضحكة والدالة الرامزة التي نُسمّيها النكات، وهو ما أشار إليه الكاتب “محمود السعدني” حين قال: “إن النكتة تزيد عندما يرخص الحشيش”.

وقد تأتي النكتة من أعلى، كما يقول “عادل حمودة” في كتابه عن “النكتة السياسية”، لتصفية حسابات وصراعات في كواليس الحكم، وعندما تصل إلى أسفل يضحك الناس عليها، دون أن يعرفوا أصابت مَن؟

هناك أيضًا بعض الأفراد الذين يؤلفون النكات بحكم عملهم، كي يلقوها وهم وقوف، وهم من يُطلق عليهم لقب “المنولوجيست” في بعض البلاد العربية.

ويُقال إنّ مصدر النكات يكون أحيانًا من خارج الجماعة، أو من خارج الدولة، ويشيع هذا التفسير لدى المؤيِّدين لنظرية المؤامرة، كأن يقال في مصر مثلًا إن النكات التي تُحكَى عن الصعايدة مصدرها “إسرائيل”، بهدف إحداث شرخ في السلام الاجتماعي! وقد قيل الأمر نفسه عن النكات التي قيلت ضد الجيش المصري بعد هزيمة 1967.

وقد تخصّص جماعةٌ من المصريين، بعضهم من الكبراء، في إرسال النكتة عفو الخاطر، من أشهرهم في هذا العصر الشيخ “علي الليثي”، وكان سميرَ العصر ونديمَه، و”محمد عثمان جلال”، وكان مطبوعًا على إجادة النكتة، و”محمد البابلي” النَّكَّات البارع، و”حفني ناصف”، وكان أخفَّ رجال الأدب المصري الحديث رُوحًا وألطفَهم نفسًا وأسرعَهم بادرة، ومن بعد هؤلاء حافظ إبراهيم وعبد العزيز البشري وعلي الجارم، والجارم كأهل رشيد يمتاز كما يمتازون بالنكتة اللاذعة.

لقد كانوا جيلًا من الأدباء والشعراء وأهل الظّرف، يمثلون في الحياة رأيًا ومذهبًا، وفي الأدب والفن وجهةً وطريقة، وكانت لهم في سلوكهم وفي فنّهم صبغة خاصة، ومزايا واضحة، وكانت مجالسهم ومحافلهم موردًا عذبًا يختلف إليه الواردون والمُريدون، فيفيدون من ذلك أدبًا وظرفًا، وما شاءوا من حديث شهي، وتعبير طلي، ونكتة رائعة، ثم ينقلون ذلك عنهم إلى طبقات الشعب المختلفة، ويُزجونه إلى الناس في مناسبات سانحة يخلقونها، فتشيع في أحاديثهم، وتجري على ألسنتهم.

وبالمناسبة، أذكر أن الأستاذ “محمد البابلي” كانت له عصا، كُتبت عليها الحروف الأولى من اسمه (M.B.)، فزاره أحد الثّقلاء، فرأى العصا، فقال للبابلي: أعطني هذه العصا. البابلي: ليست ملكي. الضيف الثقيل: كيف وقد كُتِب عليها (M.B.) أي محمد البابلي؟ فقال البابلي: لا. ليس معنى هذين الحرفين محمد البابلي؛ وإنما معناهما: مش بتاعتي!

ويُحكَى أنّ شاعر النيل “حافظ إبراهيم” كان يسير مسرعًا في طريقه إلى دار الكتب عندما كان مديرًا لها، وإذا بأحد المارَّة يستوقفه ليسألَه قائلًا: والنبي يا عم، الشارع ده رايح على فين؟ فأجابه “حافظ”: يا أخي، لا رايح حتة ولا جاي من حتة، أهو طول عمره هنا!

أذكر أيضًا أن هنالك جماعةً قد تخصَّصَت بالتأليف في النكتة وإصدار الصُّحف لها، وهؤلاء قد يراسلهم أفرادٌ من الشعب، تطوُّعًا للتسلية أو حبًّا في الجوائز والهدايا التي يفوز بها السابق، كما نرى في صحيفة “البعكوكة”، وقد امتدَّت المساهمة في نكت التّراسل إلى الأقطار العربية الأخرى، ثم قلّدَت الأقطارُ العربية مصرَ، فأصدرت صحفًا شبيهةً بصحف مصر الشعبية، وفي مقدمتها لبنان وسوريا والعراق.

راوي النكتة

ليس كلُّ شخصٍ قادرًا على أن يكون راويًّا بارعًا للنكتة. إن الرُّواة البارعين للنِّكَات لا بدَّ من أن يتّسموا بعدد من السمات، أهمها: قوة الحضور، الميل إلى السيطرة، الانبساطية، العفوية، الطلاقة اللفظية، الميل إلى المرح، حس الفكاهة المتميز، والقدرة على تكوين صلات حميمة مع الآخرين بسهولة؛ ولا أظن أن شخصًا انطوائيًّا عزوفًا عن التعامل مع الناس، يمكن أن يكون قادرًا على أن يروي نكتة بشكلٍ ممتعٍ وفعَّال.

ويذهب الأستاذ “عبد العزيز سيد الأهل” إلى أن طريقة إلقاء النكتة لها شأنٌ عظيمٌ في حسنها، فقد تَحسُن النكتة مرةً ومرتين وثلاثًا، وهي هي في مجلسٍ واحدٍ وعلى أسماع لم تتغيّر، من نَكَّاتٍ خفيف الروح يجيد الإلقاء.

ولعلها تكون أحلى وقعًا وأروع حسنًا في نفوس السامعين، لو أنّ قائلها لم يقهقه أو لم يضحك أو لم يبتسم، وإنما يمسك أسارير وجهه على الصلابة كأنما هو في جدٍّ لا في مزاح. ولن يستطيع ذلك إلا متخصصٌ في النكتة أو حابسٌ نفسَه على روايتها، ومن هؤلاء بعض المحترفين.

المُتذوِّقون للنكتة

النكتة بطبيعتها تداوليّة، حيث لا توجد نكتة خارج المتلقِّي، ويستلزم ذلك بالضرورة توافر لغة مشتركة بين راوي النكتة ومُتلقّيها، تُسعِف الأول في الإفصاح والتبليغ، وتساعد الثاني على فك رموز النكتة، وتبيّن مواطن المفارقة فيها، خاصةً في النُّكَت المبنية على اللغة والتلاعب بالألفاظ.

تحتاج عملية تذوّق النكتة إلى وجود حالة “تهيؤ” أو استعداد خاصة لدى المتلقّي، أو المُتلقين لها، وينبغي أن تكون حالة التهيؤ هذه متّسمةً بالاسترخاء وانخفاض التوتر والرغبة في الضحك، كما تحتاج إلى مجموعة من العمليات المعرفية، لعل أبرزَها: الإدراك، والذاكرة، والفهم، والخيال، والتفكير اللغوي، والمقدرة على التصور البصري، كما يحتاج تذوّق النكتة إلى مجموعة من العمليات المزاجية أو الانفعالية والدافعة، لعل أبرزها: الدافع الفكاهي، وهو الدافع الذي يجعل هؤلاء الأفراد يبحثون بنشاط عن الأشياء أو المصادر التي تجعلهم يضحكون، ومن أبرز هذه المصادر النُّكَت بلا شك.

لماذا اشتُهر المصريون بالنكتة؟

المصريون بطبيعتهم قومٌ مرِحون، يحبّون التندُّر والتنكيت، ويستثيرون أسباب المرح، ولو أحاط بهم الغَمُّ من كلِّ جانب. ولهم، كما يقول “كلوت بك”، نزعةٌ إلى السرور، واندفاع فطري إلى المَزح والمطايبة، على وجهٍ ينمّ عن الذكاء وحضور الذهن وسرعة الخاطر. وفيهم بعد ذلك صراحةٌ وإعلانٌ وجرأةٌ عليهما، من حيث يخاف غيرُهم التصريح والإعلان. وقديمًا عُرِف المصريون بالفكاهة الحُلوة والنادرة اللطيفة، كما عُرِفوا بالإعجاب بها والجدّ في طلبها والإمعان في الضحك منها.

ويُعَدُّ شكل المقاهي في مصرَ عاملًا قويًّا في بعث النكتة، فهي أماكن مكشوفة منبثّة في الطرقات، منتشرة في المدن والقرى والضِّياع الصغيرة، وذلك لملاءمة جو مصر للحياة الخلوية. ويتطرَّح الناسُ في هذه المقاهي في أوقات راحتهم، ما عدا البطَّالين فهم هناك دائمًا، ويجتمعون ثلَّةً ثلَّة، على موائد اللعب وشرب القهوة والشاي والتّبغ، ويتسلَّون حول ملاعبهم ومشاربهم تلك بمختلِف الأحاديث، وفي مقدمتها النكتة.

ويَميلُ الأستاذ “المازنيُّ” إلى أن النكتة المصرية بِنْتُ عوامل ثلاثة على وجه الخصوص: أولها: ما اشتهر به المصريون من الذكاء الفطري وحِدَّة الفؤاد، وحضور البديهة وسرعة الخاطر. وثانيها: ما هم مفطورون عليه من الجلَد المدهِش، والقدرة على التشدّد والصبر والاحتمال، ومن أعوَن الأشياء على الجلَد أن تستطيع أن تهوِّنَ على نفسك بنكتةٍ ساخرة، وأن تهَوِّنَ أمرَ مَن منه بلاؤك ومصابك بأن تركبه بالهزل، وأن ترسم له صورةً تُغري بالضحك منه والاستخفاف به. وثالثها: أن المصريَّ عاش في ظلِّ حُكمٍ استبداديٍّ غاشمٍ آلافًا من السنين، والعسف يورّث النفوسَ مَرارة، ولا يبثّ الناس منه إلا على حذَرٍ وتَقِيَّة، وإذا كان المصريون لم يستطيعوا في هذه الأدهار الطويلة أن يغيّروا الحالَ تغييرًا يمحو ما استقر في أعماق نفوسهم؛ فقد كان ملجؤهم التحرّز وإضمار سوء الظن وإطلاق اللسان، وألِفُوا أن يدَعُوا حكامَهم وولاةَ أمورهم يفعلون ما يشاءون، على أن يقولوا هم فيهم ما يشاءون.

وهنا تجدر الإشارة إلى “لغة النكتة المصرية”، فالكثرة الكاثرة منها بالعاميّة الدارجة، وقد لا تُضحك إذا سِيقت بالعربية الفصحى، فالمزاح أو الهزل، كما يرى الدكتور “عبد اللطيف حمزة” في كتابه “حكم قراقوش”، هو آلة الدّهماء في سُخرهم، وأداة العامّة في ضحكهم وازدرائهم، وهو لهذا لا يعتمد على علمٍ أو ذكاءٍ أو ثقافة. والشعب حين يلهو بشخصٍ أو جماعةٍ يعتمد في لهوه دائمًا على السذاجة والصراحة، ويُلقي في وجوه من يلهو بهم طائفةً من النكات المكشوفة، ويرميهم بقوارصَ من الكلِمِ الشديدة، لا تسعفه في ذلك فطنة المثقفين، ولا ذكاء المستنيرين. وليس بُدٌّ لمن يريدون أن يكتبوا أدبًا ساخرًا للشعب، من أن يسلكوا في أدبهم هذا الطريق، الذي يفهمه الشعب.

ولا أريد أن أفوِّتَ هذه الفرصة دون أن أشير إلى ما صنعه “ابن مماتي” في كتابه “الفاشوش في حكم قراقوش”، فلقد شوَّه صورة الرجل وافترى عليه، وجعله أضحوكةَ الغادين والرائحين، وأُفكُوهةَ الأولين والآخرِين، ونسب إليه من الحكايات والأخبار ما لا يمت إلى الحقيقة بسبب؛ فلقد روى عنه مثلًا أنه نشر قميصه، فوقع القميص من على الحبل، فلما بلغه ذلك تصدَّق بألف درهم، وقال: “لو كنت لابسًا هذا القميص وقت وقوعه لانكسرت”. ونسب إليه أنه كان يمتلك صقرًا يعتز به، لكن الصقر طار من عنده ذات يوم، وعندما علم بذلك أمر بإغلاق جميع أبواب المدينة، حتى لا يجد الصقرُ مكانا فيعود إليه.

والواقع أن “قراقوش” لم يظلم ولم يتجبر، ولم يبطش بأحد من المصريين أو غيرهم من المسلمين، ولم يَصدُر في عملٍ من أعماله عن عقلٍ يمكن أن يُوصَفَ بالخبَل أو الجنون، وأنه براءٌ من هذه التهم الجائرة التي كِيلَت له زُورًا وبهتانًا.

ولعلَّ سبب شيوع ما نُسب إليه أن الناس، في زمنه وبعد زمنه، لم يكونوا يشغلون أنفسهم بمدى صدق ما يُروى عنه أو كذبه؛ وإنما يرَون فيه تفريغًا لما يكبِتون في نفوسهم ولا يستطيعون البوح به، وإسقاطًا على كلِّ حاكم ظالم وطاغيةٍ مستبد؛ فالشعوب التي لا تضحك، تبكي يائسةً أو تنفجر ثائرة. ولا يجب أن ننسى ونحن ندافع عن الرجل، أن لكل عصرٍ (قراقوشَه)، كما أن لكل عصر (أراجوزَه) أيضًا!

أدرك أن المقالَ قد طال أكثر ممّا يجب، وأعرف أنه لم يكن مضحِكًا كما كان متوقَّعًا ومنتظَرًا، وربما لم يكن ممتعًا أيضًا، وعزائي أنه ليس نكتة؛ وإنما هو دراسة عن النكتة، وبينهما حجاب.

النُّكتة والمُنَكِّتون تُراثيًّا ورقميا

بقلم: أ‌. د. صبري فوزي أبو حسين – أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات بجامعة الأزهر – مصر

“النُّكتةُ” نوع أدبي وفني ساحر جاذب، وهو حدث تلقائي ماتع ذائع الانتشار في الطبقات المختلفة بكل مجتمع من الناس، وهو يتداخل مع فن القصة وما يتصل بها من نوادر وبوادر، وطُرَف ومُلَح، وأضاحيك وتماليح وتفاكيه، وغرائب وأعاجيب، وتغافل وتحامق، وانتقادات واعتراضات. ويتناقض فن النكتة مع رذائل: السخرية والاستهزاء والهمز واللمز والتنابز، والهجاء، والتّعييب والتنمّر، وغير ذلك من سلوكيات فيها ضرر وإضرار بالناس!

و(فن النُّكتةِ) حاضر في تراثنا بتنوّعٍ وتميّز، وحاضر في آننا بقوة وفاعلية، حاضر شفاهيًّا، وحاضر كتابيًّا، وحاضر نثرًا، وحاضر شِعرًا، وحاضر مسرحيًّا، وحاضر تمثيليًّا، وحاضر غنائيًّا، وحاضر رقميًّا في شتى مواقع التواصل الاجتماعي، وبكل وسائلها وصورها الجاذبة والفاتنة! ومن ثم كانت وقفتنا هذه مع محطات تاريخية وحداثيّة لهذا الفن ومُبدعيه على النهج الآتي:

صبري فوزي

النكتة لغويًّا

يدور جذر النكتة اللغوي (ن/ ك/ ت) حول دلالة التأثير سلبًا وإيجابًا، قال “ابن فارس” (ت395هـ) في معجمه “مقاييس اللغة”: “النون والكاف والتاء أصل واحد يدل على تأثير يسير في الشيء كالنكتة ونحوها، ونكت في الأرض بقضيبه ينكت: إذا أثّر فيها”. وكل نقطة نكتة، ويقال: نَكَتَ فِي كَلاَمِهِ: أَتَى بِنُكتَةٍ، أَي بِكَلاَمٍ مُسْتَملَحٍ، وأتى بطرفةٍ أو مُلحةٍ في كلامه تُضحِك الآخرين، ويتصل هذا الجذر اللغوي بدلالة التفكير، فيقال: “نكَت الأرضَ: خطَّطها بعودٍ أو نحوه مفكِّرًا، ونَكَتَ الْمُتَأَمِّلُ: فَكَّر، وأتيتُه وهو يَنْكُت، أي يفكّر كأَنَّما يُحدِّث نفسَه، ونَكَّتَ في قوله: أَتى فيه بطُرَفٍ ولطائِف ويقال: فلان مليح النُّكتة، أي يرسل النُّكتة من بديهة حاضرة! و(النُّكْتَةُ): الفكرةُ اللطيفة المؤثِّرَة في النفس، أخرجت بدقة نظر وإمعان عقل وإِنعامِ فِكْر؛ من قولهم: نكت رمحه بأرض، إذا أثر فيها”. وسُمِّيت المسألة العلمية الدقيقة نكتة؛ لتأثير الخواطر في استنباطها. و(النُّكْتَةُ) في العاميّة هي القصة والأحدوثة الباعثة على الضحك، ويقال لها الملهاة، والكوميديا، وتتصل النكتة بالنقد الحاد، فيقال: نَكَّتَ عَلَيْهِ: نَدَّدَ بِهِ، وعَابَهُ! وتوجد أنماط عدة للنكتة والكوميديا مثل: “الدراما الهجائية” (Satir) التي تهاجم الأفكار والعادات والأخلاقيات والمؤسسات الاجتماعية بشكل يتّسم بالظرف والفكاهة، و”السخرية أو التهكّم” (Sarcasm) و”الهزل” (Farce)، الذي يتمّ فيه الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها، و”المحاكاة الساخرة” (Burlesque).

فوائد النّكت

للإضحاك بالنكتة فوائد صحيّة متنوّعة، تفيد الإنسان جسديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وعقليًّا؛ فهو يؤدي إلى تحسين الجهاز المناعي، وإخراج الأفكار السلبية، وتخفيف الضغط النفسي، وتقليل الألم العصبي، ويجعل الجسم يُنتج مسكِّنات الألم الطبيعية والأجسام المضادة الخاصة به، ويعمل على زيادة الرّضا الشخصي، ويحسِّن الحالة المزاجية، ويقوّي الذاكرة، ويعزّز من الإبداع والتركيز، ويساعد على التعلُّم بشكل أسرع وأحسن، ويقوي القلب والأوعية الدمويّة ويزيد من تدفق الدم، ويُحرق السَّعرات الحرارية؛ ويقلِّل من الإصابة بالنوبات القلبية، وأمراض القلب والأوعية الدموية الأخرى، ويقوِّي المناعة من خلال تقليل هرمونات الإجهاد مثل هرمون “الكورتيزول”، وزيادة الأجسام المضادّة والخلايا المناعية…

والضحك والبكاء صنوان قد غُرسا في أعماق الإنسان، فمن دلائل عظمة الخالق أنه جعل الضحك والبكاء صنوين غُرسا في أعماق كل إنسان؛ إذ قال الله تعالى: “وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا” (سورة: النجم، الآيتان: 43 و44). وقد قال “الجاحظ” (ت255هـ) في كتابه “البخلاء” مُعلّقًا على هذه الآية الكريمة بتبيينه العميق المعهود: “فوضع الضحك بحذاء الحياة، ووضع البكاء بحذاء الموت”؛ فكأنما الضحك حياة، والبكاء موت؛ فالضحك عنوان الحياة، وقد أشار كثيرٌ من الفلاسفة إلى هذه الحقيقة عندما عرّف بعضهم الإنسان بأنه “حيوان يضحكُ ويُضحِكُ معًا”!

الموقف الإسلامي من فنّ النّكتة

وبسبب هذه الفوائد الطيّبة للإضحاك بالنّكتة كان الموقف الإسلامي المنضبط المستنير من الضحك؛ فالتّفكُّه بالكلام والتّنكيت إذا كان بحقٍّ وصدقٍ فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يمزح ولا يقول إلا حقًّا، أما ما كان بالكذب فلا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ثم ويل له”. وقد ثبت أن النبي الكريم كان يُمازحُ أصحابه، حتى إنّ بعضهم استغرب من ذلك متسائلاً: يا رسول الله، إنّكَ تُداعبنا! قال: “إنِّي لا أقولُ إلا حقًّا”، وكان النبي الكريم يبتسم في وجوه أصحابه، ويُسمعهم الكلامَ الطيِّب، ويتقبّل شكواهم بصدر رحب وأدب جمّ، فعن جرير – رضي الله عنه – قال: “ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم في وجهي، ولقد شكوت إليه إني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: اللهم ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا”، وروى الترمذي عن أنس – رضي الله عنه -: “أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: احملني، قال النبي صلى الله عليه وسلم إنا حاملوك على ولد ناقة، قال : وما أصنع بولد الناقة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق”. ويشير “ابن حجر” في كتابه “الإصابة في معرفة الصحابة” إلى أن مُنَكِّت الرسول هو “النعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري” وهو من شُهَّاد بدر وأحد والمشاهد كلها، وكان لا يراه النبي الكريم إلا ويبتسم، قالت “أم سلمة” – رضي الله عنها -: “كان الضَّحَّاك مِضحاكًا مَزَّاحًا”، وقال عنه “ابن عبد البر”: فلمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصوا عليه قصة نعيمان وبيعه لسليط ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً كاملاً!

أبرز المُنَكِّتين الضَّحَّاكين في التراث

أشعب: هو أشعب بن جبير، وقد ولد في سنة تسع من الهجرة، وتوفي سنة 154هـ، وكان أبوه من مماليك عثمان بن عفان، وقد عُمِّر أشعب حتى أيام خلافة المهدي. وتولّت تربيته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، فتأدّب وقرأ القرآن وجوَّده وحفظ الحديث وتنسَّك، وروى عن عكرمة وعن أبان بن عثمان بن عفان وغيرهما، ومن هزله وظرفه ودُعابته ما روي عنه أنه قال: أتتني جاريتي بدينار، فجعلته تحت المُصلّى، ثم جاءت بعد أيام تطلبه، فقلت: خذي ما ولد، فوجدت معه درهمًا فأخذت الولد، ثم عادت بعد جمعة وقد أخذته، فبكت، فقلت: مات النّوبة في النفاس، فوَلولَت، فقلت: صدقتِ بالولادة ولا تُصدقين بالموت!

أبو دلامة: شاعر ساخر عاش في العصر العباسي، كان أحد الشعراء المعاصرين لخلفاء بني العباس الثلاث الأوائل: السفاح والمنصور والمهدي، بل وشاعرهم ونديمهم الخاص، وكان فَكِهًا مَرِحًا؛ فهو حسن الحديث ممتع الرواية. يُروى أنه دخل يومًا على المنصور – وكان عنده ولداه جعفر والمهدي وابن عمه عيسى بن موسى – فقال له المنصور: عاهدت الله يا أبا دلامة إن لم تهجُ أحدًا ممّن في المجلس لأقطعن لسانك، ويروي أبو دلامة عن نفسه فيقول: فقلت في نفسي قد عاهد وهو لا بدّ فاعل. ثم نظرت إلى أهل المجلس فإذا بالخليفة وابناه وابن عمه. وكل منهم يشير إليّ بإصبعه بالصلة إن تخطّيته، وأيقنت أني إن هجوت أحدهم قُتِلتُ! والتفت يَمْنةً ويَسْرةً لأرى بعض الخدم لأهجوه فما وجدت أحدًا، فقلت في نفسي: إنما حلف على مَن في المجلس وأنا أحد مَن في المجلس، فهجوت نفسي، فقلت:

ألا أبلغ لَدَيكَ أبَا دُلامَهْ — فَلَيسَ مِنَ الكِرامِ وَلا كَرَامَهْ

إذا لَبِسَ العِمَامَةَ كانَ قِرداً — وَخِنزِيراً إذا نَزَعَ العِمَامَهْ

جَمَعتَ دَمَامةً وجَمَعتَ لُؤماً — كَذَاكَ اللُّومُ تَتبَعُهُ الدَّمَامَهْ

فإن تَكُ قَد أصَبتَ نَعِيمَ دُنيَا — فلا تَفرَح فَقَد دَنَتِ القِيامَهْ

فضحك المنصور حتى استلقى، وأمر لي بجائزه.

الجاحظ: هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، وقد حصل على لقبه هذا لجحوظ عينيه. هو أبرع من كتب في الفكاهة، وتكاد تكون كتبه ورسائله ديوانًا للكوميديا الساخرة والسوداء في عصره، وكان يورد الضحك والفكاهة في مُؤلَّفاته بطريقة مقصودة لتنشيط القراء وإبهاجهم، “فربّ شِعر يبلغُ – بفرط غباوة صاحبه – من السرور والضحك والاستطراف ما لا يبلغه حشدُ أحرّ النوادر وأجمع المعاني”!

وجعل الجاحظ “رسالة التربيع والتدوير” أنموذجًا فذًّا في الفكاهة القائمة على التهكّم والسخرية؛ حين ألقى بسهام نقده نحو رجل كان معاصرًا له ويُدعى أحمد بن عبد الوهاب؛ فسخر فيها من شكله وخِلقته، ومن ثقافته الضحلة وجهله. وكان هو “بطل” معظم الطرائف خصوصًا أنه لم يجد حرجًا في السخرية من نفسه. روى عن نفسه قائلاً: أتتني امرأة وأنا على باب داري، فقالت: لي إليك حاجة وأريدك أن تتمشّى معي، فقمتُ معها إلى أن أتت بي إلى صائغ وقالت له: مثل هذا! وانصرفَت، فسألتُ الصائغ عن قولها، فقال: إنها أتَت بك تريدني أن أنقش لها على خاتمها صورة شيطان، وما رأيتُ الشيطانَ لأنقش صورته، فأتَت بك.

جحا: “جحا” شخصية معروفة بحُنكتها وسَعة حيلتِها وخفّة دمها، وما تزال نوادره تُردَّد حتى يومنا هذا، ويصعب تحديد شخصيته الحقيقية. ويُقال بأنه “أبو الغضن دجين الفزاري” الذي عاصر الدولة الأموية، وتُنسب شخصية جحا إلى “أبو نواس البغدادي” الذي كان الشاعر الخاص لـ “هارون الرشيد”. ولها حضور في الآداب العالمية.  ومن طرائفه أنه كان راكبًا حماره حينما مرّ ببعض القوم، وأراد أحدهم أن يمزح معه فقال له: يا جحا لقد عرفتُ حمارك ولم أعرفك! فقال جحا: هذا طبيعي لأنّ الحمير تعرف بعضها!

مُؤلَّفات تراثية فكاهية

كتاب “البُخلاء”: كتاب للجاحظ دوّن فيه بعض صور البُخل في الذين قابلهم وتعرّف عليهم في بيئته، وقد صوَّر البخلاء تصويرًا واقعيًّا حسيًّا نفسيًّا فكاهيًّا، وثّق فيه حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم وأطلع القراء على مختلف أحاديثهم، وكشف عن نفسياتهم وأحوالهم جميعًا، وهو كتاب ذاخر بقصص قصيرة هيكلها مبني على مواقف هزلية!

ومن أطرف مَن ذكرهم الجاحظ (المَسجديّون)، وهم أفرادٌ في البصرة كانوا يحبّون الاقتصاد في العيش والتوفير في المال وحسن التدبير، وقد اجتمعوا في مسجد بالبصرة لتبادل الخبرات، فذكر أحدهم أن له حمارًا كان يسقيه ماءً مالحًا لرخص سعره، بينما يشرب وأسرته الماء العذب! فتدهورَت صحّةُ الحمار حتى كاد يهلك، وعندها فكّر وقدّر، قرر أن يتوضأ وأسرته من ماء عذب ويسقي الحمار مما يبقى، فكسبوا الحمار ولم يهدروا الماء!

كتاب “الفاشوش في حكم قراقوش”: هو كتاب للأديب الأيوبي “أسعد بن ممّاتي” (ت606هـ)، من روائع أدب السخرية والفكاهة في التراث العربي، ويدور بشكل ظاهري حول الأمير “بهاء الدين قراقوش” (ت597هـ)، أحد الوُلّاة المُعمِّرين البارزين في الدولة الأيوبية، إذ وصفه “ابن ممّاتي” بالظالم الجائر، وتمّ تصويره كشخصية هزلية قلقة مضحكة في تفكيرها وأفعالها. واتبع “ابن ممّاتي” أسلوبًا فنيًّا بارعًا في تصوير الغرابة والشّذوذ من خلال حكايات عبّرت عن وطأة الظلم والتسلط.

وتشير كلمة “فاشوش” إلى الأحكام الفاشلة أو الوهمية، وقد ورَد في “لسان العرب”: “فاشوش: ضعيف الرأي والعزم”، ولذلك نجد المؤلف في مقدمة الكتاب يقول: “لمّا رأيت عقل بهاء الدين قراقوش مخرمة فاشوش، قد أتلف الأمّة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، والشكيّة عنده لمن سبق، لا يهتدي لمن صدق، ولا يقدر أحدٌ من عظم منزلته، أن يردّ على كلمته، ويشتطّ اشتطاط الشيطان، ويحكم حُكمًا ما أنزل الله به من سلطان. صنّفتُ هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين”. وواضح من ذلك مدى قصد التشويه لهذه الشخصية؛ بغية تحقيق مصلحة سياسية خاصة بالمؤلف!

ومن نكاته العجيبة وأحكامه الغريبة التي ينقلها “ابن ممّاتي” عنه أنه شكا رجل إلى قراقوش تاجرًا أكل عليه أمواله، فاستدعى قراقوش التاجرَ وسأله عن السبب، فقال التاجر: “ماذا أفعل له أيها الأمير؟ كلما وفرّتُ له الأموال لأسدّد له دينه بحثت عنه فلم أجده”. وفكّر قراقوش كعادته ثم حكم بأن يُسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه، حين يريد تسديد الدين له، فهرب الرجل قائلا: “أجري على الله”… إلخ.

ديوان “نُزهة النفوس ومُضحك العَبُوس”: ديوان للشاعر الساخر الهزلي “علي بن سودون البشبغاوي المصري”، من أبناء القرن التاسع الهجري، فيه مجموع أشعار ونكات، وجعله على شطرين: الأول في المدح والغزل وغيرهما من الجِدِّيَّات والثاني في أنواع من الهزليات، وفيها شعر ساخر عبثي، ظاهره استخفاف بالعقول لكنه يعبّر عن فلسفة لواقع يوشك على التحلّل والانهيار، ويعبِّر عن حالة من الرفض الاجتماعي والسياسي لواقع عديم المعنى ومأزوم. من ذلك قوله:

إذا ما الفتى في الناس بالعقل قد سما — تيقّن أن الأرض من فوقها السّما

وأنّ السّما من تحتها الأرض لم تزل — وبينهما أشيا متى ظهرت تُرى

وكم عجب عندي بمصر وغيرها — فمصر بها نيل على الطين قد جرى

وقال أيضًا:

الأرض أرض والسماء سماء — والماء ماء والهواء هواء

والمشي صعب والركوب نزاهة — والنوم فيه راحة وهناء

كل الرجال على العموم مُذكّرٌ — أما النساء فكلهن نساء

النكتة في العصر الحديث

حضرَت النكتة في العصر الحديث، عند كثير من الأدباء سواء كانوا شعراء أو كتّابًا، أمثال “عبد الله بن النديم” (ت1896م) في مجلّاته الفكاهية مثل “التنكيت والتبكيت”، و”اللطائف” و”الأستاذ”، و”كان ويكون”، أو “بيرم التونسي” (ت1961م) في زجليّاته الناقدة الساخرة، والصحفي “محمود السعدني” (ت2010م) في مؤلفاته: (الولد الشقي، الولد الشقي في المنفى، الطريق إلى زمش، مسافر على الرصيف، ألاعيب الولد الشقي، السعلوكي في بلاد الإفريكي، الموكوس في بلد الفلوس، وداعًا للطواجن، رحلات ابن عطعوطة، أمريكا يا ويكا، المضحكون، حمار من الشرق، بالطول والعرض)، والصحفي البارز “أحمد رجب” (ت2014م) في كُتبه: (صور مقلوبة، توتة توتة، الأغاني لأرجباني، الحب وسنينه، نهارك سعيد، نصف كلمة، وأي كلام، يخرب بيت الحب، الفهامة)، والكاتب الساخر “جلال عامر” (ت2011م) في كتابيه: (مصر على كف عفريت، قصر الكلام)، والشاعر “أحمد مطر”، ذلك العراقي الساخر الجالد  في دواوينه: (أحاديث الأبواب، شعر الرقباء، ولاة الأرض، ورثة إبليس، أعوام الخصام، الجثة، دمعة على جثمان الحرية، السلطان الرجيم، كلب الوالي، ما قبل البداية، لافتات)، وغير ذلك من آثاره الساخرة المضحكة الفاعلة!

ثم تطورت النكتة في آننا من الحالة الشفهيّة، والصورة الكتابيّة، والمونولوج الغنائي، والحكاية التمثيلية، إلى الطريقة الرقمية والتفاعلية، حتى تتناسب مع العالم الافتراضي المهيمن! وأصبحت تُعرف اليوم باسم “الميمز”، وأحيانا “كوميكس”. ومفهومه أنه صورة مُركّبة أو فيديو قصير مع تعليق ساخر. وقد ظهرت “الميمز” للمرة الأولى على منصة “فيسبوك”، وسرعان ما باتت جزءًا لا يتجزّأ من عالم التواصل الاجتماعي، فلا يحتاج كاتبها إلى كتابة طويلة لإضحاك الآخرين، وإنما بمجرد نقرة واحدة قد تتحوّل هذه (meme) إلى ترند عالمي يتداوله الملايين، وباتت وسيلة شبابية للتعبير عن ردود هزلية ومضحكة.

ومن أبرز مستخدمي فن النكتة عالميًّا فرقة “الله خلقني مضحكًا”، التي تعبِّر عن “الكوميديا الإسلامية الأمريكية”، والتي انطلقت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، عن طريق ثلاثة من الشباب المسلم، هم: بريتشر موسى، وأزهر عثمان من أصول هندية، ومحمد عامر من أصل فلسطيني، حيث أخذوا يقدِّمون عروضًا ساخرة حول أحوال المسلمين عمومًا فضلاً عن وضعهم في أمريكا! بهدف تصحيح الصورة الخاطئة عن المسلمين! وقد انتشرت بسرعة كبيرة حول العالم!

نُكَت عن الصهاينة المجرمين

تُعدّ النكتة سلاحًا ثقافيًّا بارزًا في صراع الفلسطينيين ضد الصهاينة، فكل طرف له نُكَتُه التي تُشوِّه الطرف الآخر، فمن النكت التي تشوه الصهاينة الخنازيز القرود، وتعلن عن خِسّتهم وقبحهم الأخلاقي والجسدي:

– وقع فرنسي وصهيوني وإنجليزي في قبضة آكلي لحوم البشر في إحدى الغابات، وقبل أن يُلقي بهم الطّاهي في وعاء الطهو، قال لهم: “يمكن لكل واحد منكم أن يطلب آخر طلب له في الدنيا”، فقال الإنجليزي: “أريد خمراً جيدة”، فأحضروا له الخمر، وقال الفرنسي: “أريد جبناً” فأحضروا له ما يريد، وجاء دور الصهيوني فقال للطاهي: “اضربني بقوة”، فتعجّب الطّاهي، ولكن أمام إصرار الصهيوني ضربه الطاهي فطار بعيداً ثم أخرج مسدساً من جيبه وقتل الطاهي وآكلي لحوم البشر. فقال الفرنسي والإنجليزي: “أنت مجنون؟ ما دام لديك مسدس لماذا لم تستخدمه منذ البداية”، فردّ الصهيوني: “حتى لا يقولوا أنّني أطلقت النار بدون استفزاز”.

– خمسة صهاينة أرادوا أن يقتحموا بيت فلسطيني، فأخذوا يدفع بعضهم بعضا؛ ليكون أحدهم أول من يقتحم البيت، وفي النهاية أضطر أحدهم للقيام بهذه المهمّة، وما إن دخل البيت مرتجفاً فإذا بصاحب البيت يصيح فيه: إيش تريد يا خسيس، فردّ الصهيوني مرتعدًا: أريد أن أحذّركم أن هناك أربع جبناء في الخارج يريدون أن يقتحموا البيت!

– قرد شاف صهيوني بحديقة الحيوان قال: الله يلعن الواسطة، اللي طلعتك وخلتنا في القفص!

– صهيوني بخيل تزوج صهيونية بخيلة، جالهم ولد، حطّوه في الحصالة!

– وقال أحدهم للآخر: شربت الشاي في منزل صهيوني بالأمس، فقال له: كيف عرفت أنه صهيوني؟ قال: لأنه كان يضع شوكة في علبة السكر!

تُفرّقنا هموم الحياة وتُوحّدنها النّكتة!

بقلم: نهى عودة – شاعرة وكاتبة فلسطينية في لبنان

يقضي المرء عمره بحثًا عن مخرجٍ من ذاته أو من محيطه وما فيه من أثقال ومتاعب، وذلك بالتأمّل ومحاولة التّأقلم مع متطلّبات الحياة، فيرى على امتداد قرون التطوّر الرهيب والمخيف الذي أصاب العالم أمورًا وأمورًا تبعث في نفسه من الأمل بقدر ما تبعث فيه من الألم وحتى اليأس..  ولربّما ينطبق ذلك البحث المستمر على الفئة الفقيرة أكثر من الثريّة، فحتى من صنع وبنى الحضارات العريقة هم الفقراء والبسطاء من النّاس و”العبيد”.. وهم الذين تطوّرت الكلمة على شفافهم وبين أيديهم. بينما الأثرياء فهم – في الغالب – الذين كُتِبت أسماؤهم في أعلى صفحات التاريخ باعتبارهم هم من أنجز الحضارة والتقدّم، وهم من ارتقى بالكلمة.. ولعل الابتكارات ووسائل الراحة والتسليّة وُجدت من أجل الأغنياء، وأما الفقراء فكانوا يبدعون بأشيائهم البسيطة سُبل ووسائل تأقلمهم مع محيطهم ليقاوموا أوجاعه وأثقاله التي تفتك بأجسادهم وأرواحهم!

نهى عودة e1714003903692

وربّما يُمكن القول بأنّ النكتة هي ابنة البسطاء والفقراء. هي وسيلة من بين الوسائل لتستمرّ الحياة برغم كل ما فيها من آلام وأوجاع. وحتمًا لم “تُخترع” النكتة عبثًا، فهي ذات استخدامات متعدّدة منها: السخرية، التسلية، التخفيف من أثقال الحياة..  ولربّما أنه كلما تفاقم الوجع ازداد الطلب على النّكتة والطُّرفة فهما تعكسان حال الناس أيضا مثلها مثل الكتابة على الجدران. فالنكتة هي نوع مبتكر لتخفيف حدّة الألم المنتشر، وإخبار مَن يمرّ من هنا أو يسمع.. إنّ هناك رسالة تقول: ليس الألم ألمك وحدك، ولا الجرح جرحك وحدك، ولا الوجع وجعك وحدك.. لقد وحّدتنا النكتة وفرّقتنا الحدود. ولأهمية النكتة والطرفة في حياتنا كان لا بد من بحث يتناول تاريخ وأهمية النكتة إضافة إلى العديد من آراء الفلاسفة والمفكرين والمثقفين.

يعكس الأدب العربي تاريخًا طويلًا من استخدام الفكاهة والنكتة كوسيلة للتواصل والتسلية، رغم أنّ النقاش الفلسفي حول النكتة ليس بالاتساع نفسه الموجود في التقليد الغربي. النكتة تلعب دورًا مهمًّا في الشارع، حيث تسهم في تخفيف التوتر، وتعزيز النقد الاجتماعي، وتعزيز الروابط بين الأفراد، وتوفير وسائل تعبير جديدة للرأي العام والحياة اليومية والشعبية.

هل النكتةُ جنسٌ أدبي؟

لا تُعتبر النكتة جنسًا أدبيًا قائمًا ذاته، لكنها تُستخدم كأداة ضمن أجناس الأدب الأخرى. تستخدم النكتة لإضافة بعدٍ فكاهي وللتخفيف من حدّة السرد من خلال الطرائف، وهي عنصر يساعد في جذب الانتباه ويكسر الجديّة في النصوص الأدبية.. وقد وُصفت النكتة بأنّها نوع من الأساليب البلاغية التي تستخدم عنصر المفاجأة والتلاعب بالألفاظ لإحداث تأثير كوميدي. أمّا من الناحية الاجتماعية، فتُعتبر النكتة وسيلة للتعامل مع الضغوطات أو لمناقشة مواضيع حساسة بشكل غير مباشر. وأما عن ماهية الفرق بين النكتة والفكاهة، فإنّ النكتة تكون أكثر تحديدًا ومباشرة، بينما الفكاهة قد تكون أوسع وأشمل في مضمونها. وأيضًا، النكتة تعتمد على عنصر المفاجأة، بينما الفكاهة قد تنطوي على تعبيرات متنوّعة من الكوميديا.

مفهوم النّكتة ودورها الأدبي والاجتماعي

النكتة نوعٌ من الفكاهة تُروى أو تُكتب لتسلية الناس وإضحاكهم. وغالبًا ما تحتوي على قصة قصيرة أو موقف مضحك، وتكون ذات نهاية مفاجِئة أو غير مُتوقَّعة تخلق عنصر الفكاهة. ويمكن أن تكون النكتة قائمة على اللعب بالكلمات، أو المواقف الاجتماعية، أو حتى التهكّم على المواقف اليومية. والنكتة هي تعبير مُختصر وذكي يتضمّن مفارقة أو عنصر غير متوقع يُثير الضحك. في الحياة الأدبية، تُستخدم النكتة كوسيلة لإيصال الأفكار بشكل مرح وملفت، ممّا يجعلها أكثر جذبًا للقارئ. ودورها يشمل التسليةَ، وتخفيف الضغط النفسي، وتعليم القيم بطرقٍ غير مباشرة.

النكتة في حياة الناس

تاريخ النكتة يمتدّ عبر الأزمان، وهي قديمة جدًّا في الثقافة العربية. و”جحا” هو مثال بارز لشخصيةٍ تُمثّل النكتة في الأدب الشعبي العربي. كما يُعتبر “جحا” رمزًا للفكاهة والحكمة، وتمثل قصصه شكلًا من أشكال السرد الفكاهي الذي يعكس تجارب الحياة بلمسة هزلية.. وفي العصر الحديث، تطورت النكتة لتأخذ أشكالًا متنوعة، بدءًا من النكت الشفوية إلى النكت المنشورة في وسائل الإعلام والإنترنت. فقد أصبحت النكتة جزءًا من الثقافة الشعبية الحديثة، وتُستخدم في سياقات مختلفة لتسلية الناس وتخفيف التوتر. والنكتة تؤثر بشكل ملحوظ على الشارع والمجتمع بطرقٍ متعددة، منها:

1 تخفيف التوتر: النكتة توفر متنفّسًا للتوتر والضغوط اليومية، في الأوقات الصعبة أو الأزمات، ويمكن أن تساعد في تخفيف المشاعر السلبية وتوفير الشعور بالراحة.

2 نقد اجتماعي: كثيرًا ما تُستخدم النكتة كأداة نقد اجتماعي، حيث تُبرز قضايا سياسية واجتماعية بشكل ساخر. هذا النقد يمكن أن يسلِّط الضوء على المشكلات والفساد بطريقة تجذب الانتباه وتفتح المجال للحوار.

3 تقوية الانتماء الاجتماعي: النكتة تعزِّز الروابط بين الأفراد في المجتمع. عندما يضحك الناس معًا على نفس النكتة، يشعرون بالاتصال والتفاهم المشترك، ممّا يعزّز روح الجماعة والتماسك الاجتماعي.

4 التعبير عن الرأي: النكتة قد تكون وسيلة للتعبير عن آراء معارضة أو غير مقبولة في الأوساط الرسمية، فمن خلال النكتة، يمكن للناس إظهار استيائهم أو انتقاداتهم بدون مواجهة مباشرة.

5 التأثير على الرأي العام: النكتة يمكن أن تؤثر على الرأي العام من خلال نشر الأفكار الساخرة بشكل واسع. وقد تساهم في تشكيل أو تغيير التصوّرات حول قضايا مُعيّنة أو شخصيات لها تأثيرٌ في واقع الناس.

6 التربية والتعلم: في السياقات التعليمية، يمكن استخدام النكتة لجعل المعلومات أكثر جذبًا وتفاعلية، ممّا يعزز قدرة المتلقين على تذكّر المحتوى وتعلُّمه بطرق ممتعة.

النكتة في التربية والتعليم

تلعب النكتة دورًا مهمًا في التربية والتعليم، حيث يمكن أن تساعد في جعل الدروس أكثر جذبًا ومرحًا. واستخدام النكتة في الصفوف الدراسية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتخفيف الضغط النفسي للطلاب وتعزيز تفاعلهم. كما أن النكتة تساهم في خلق بيئة تعليمية أكثر راحة وتساعد في ترسيخ المعلومات بطريقة ممتعة

ماذا قال الفلاسفة والمفكّرون عن النكتة؟

لقد تناول العديد من الفلاسفة والمفكرين والمثقفين مفاهيم متعددة لوصف النكتة وتحديد مسارها في المجتمع وما يُبنى عليها أحيانا. تجدر الإشارة إلى أن التفكير العربي التقليدي حول النكتة لم يتناولها بالشكل نفسه الذي تناولها الفلاسفة الغربيّون. لكن يمكن العثور على بعض الأفكار والملاحظات ذات الصلة في الأدب العربي والتفكير الفلسفي والديني. بصفة عامة، يرى الفلاسفة أن النكتة يمكن أن تكون وسيلة لفهم الذات والمجتمع وتخفيف الضغط النفسي والتعامل مع الصراعات الإنسانية بطرق غير تقليدية. وهذه بعض آراء الفلاسفة والمفكرين الغربيين والعرب..

أشار الفيلسوف اليوناني “أرسطو” في كتابه “فن الشعر” إلى أن الفكاهة تعتمد على السخرية والأمثلة البسيطة التي تُظهِر بُعدًا عن الجديّة، مما يجعلها وسيلة لتخفيف التوتر وتحقيق المتعة. ما الفيلسوف البريطاني “توماس هوبز” في كتابه “الليفياثان”، فقد اعتبر أنّ النكتة تنبع من إحساسنا بالسمو على الآخرين، حيث نضحك عندما نرى شخصًا في موقف ضعيف أو سخيف. من جانبه، الفيلسوف الألماني “فريدريك نيتشه” فقد رأى أنّ الفكاهة والنكتة تعكسان قدرة الإنسان على مواجهة تناقضات الحياة وعدم الجدية، واعتبرها نوعًا من القوة الذاتية والتأمل. في حين رأى الفيلسوف النمساوي “سيغموند فرويد” في كتابه “الفكاهة وإدراكها”، أنّ النكتة تأتي من تحرّرنا من القواعد الاجتماعية والعقلانية، ممّا يسمح بإدخال الأفكار المكبوتة بطريقة غير مباشرة.

وقال العلاّمة “ابن خلدون” في مقدّمته أنّ الفكاهة والطُّرف تعمل على تقوية الروابط الاجتماعية وإدخال السرور إلى النفس. ولم يتناول النكتة بشكل مُحدّد، ولكنه كان يدرك أنّ الفكاهة تلعب دورًا في تهدئة الأجواء وتعزيز التفاعل الاجتماعي. أما “الجاحظ” فقد ناقش، في كتابه “البيان والتّبيين”، أهمية الطّرافة والفكاهة في الأدب والحياة اليومية، واعتبر أن الطّرافة عنصر أساسي في الأسلوب الأدبي، وفي قدرة الكاتب على جذب الانتباه وإدخال السرور على القارئ. ويُذكر أنّ الشاعر الصوفي “ابن الرومي” كان معروفًا بشعره الذي يحتوي على لمحات من الفكاهة والنقد الاجتماعي، ممّا يُظهر مدى تقدير الأدب العربي للكوميديا والنكتة كوسيلة للتعبير والنقد.

خلاصة القول

النكت غالبًا ما تعكس الواقع السياسي والاجتماعي بطريقة مبسطة وساخرة، مما يساعد الناس على معالجة القضايا المعقدة بطريقة أخف وأقل توترًا. وهي تتضمن رسائل طريفة تُوصلها بطريقة ذكيّة وشيّقة.. وخلاصة القول، إنّ النكتة تلعب دورًا مهمًّا في الحياة الأدبية والشعبية على حدٍّ سواء، حيث تساهم في توفير متعة ذهنية وتخفيف أعباء الحياة اليومية. وتاريخ النكتة في التراث العربي طويل ومعقد، إذ نجدها ممتزجة بالفكاهة والمرح في الكثير من الكتب الأدبية والتاريخية. وتعتبر النكتة نوعًا من التعبير الأدبي الذي يهدف إلى إضحاك الناس وتخفيف التوتر، وقد اتخذت شكلًا مميزًا في الأدب العربي القديم من خلال القصص والطُّرف التي كانت تُروى بين الناس. وأيضًا لم تخل من أحاديث وسهرات الحكواتي المشهور لقرون كثيرة سبقت، ولربما ما زالت تحيا حتى يومنا هذا.

تعزية

قبل صدور هذا العدد من الملحق الثقافي، تلقّت جريدة “الأيام نيوز” ببالغ الحزن والأسى وتسليما بقضاء الله وقدره نبأ وفاة “عبد القادر” شقيق أستاذنا الدكتور “بسيم عبد العظيم عبد القادر”. وإثر هذا المُصاب الجلل، تتقدّم أسرة الجريدة بأخلص وأعمق التعازي والمواساة إلى أستاذنا العزيز، سائلين المولى العلي القدير أن يتغمد روح الفقيد برحمته الواسعة ويُسكنه فسيح جنانه، ويلهم ذويه وأهله جميل الصبر والسلوان..

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الجيش يُسقط طائرة مسيرة مسلحة اخترقت المجال الجوي للجزائر معظم مكاتب البريد تفتح أبوابها ثالث أيام العيد ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين جراء العدوان الصهيوني على غزة مسؤول فرنسي بارز في زيارة إلى الجزائر مطلع أفريل أسعار النفط ترتفع وسط تهديدات أمريكية ومخاوف تجارية طقس.. هبوب رياح قوية على عدة ولايات إنفراج الأزمة بين الجزائر وباريس.. مكالمة هاتفية هامة بين الرئيس تبون ونظيره الفرنسي الرئاسة الفلسطينية تحذر من التهجير القسري في رفح وتدين التصعيد الإسرائيلي الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تسجّل قفزة نوعية في المشاريع المسجلة منذ 2022 وزارة التجارة تشرف على متابعة نظام مداومة التجار خلال أول أيام عيد الفطر  بعد فضيحة اختلاس أموال.. القضاء الفرنسي يمنع مارين لوبان من الترشح للرئاسة عميد جامع الجزائر يبرز فضائل رمضان ويدعو لصون نعمة الأمن والاستقرار  رئيس الجمهورية يهنئ الجيش والأسلاك الأمنية والصحية بمناسبة عيد الفطر وفاة 3 أشخاص اختناقًا بغاز أحادي أكسيد الكربون في أم البواقي إعادة فتح الطرقات بين جيجل وبجاية وسطيف بعد التقلبات الجوية رئيس الجمهورية يؤدي صلاة العيد بجامع الجزائر إليك حالة الطقس في أول أيام عيد الفطر السعيد شنقريحة يشيد بجهود أفراد الجيش ويهنئهم بحلول عيد الفطر الرئيس تبون يهنئ الجزائريين بعيد الفطر ويدعو بالنصر لفلسطين القوات البحرية تنقذ بحارا تركيا تعرض لإصابة خطيرة قرب ميناء بجاية