الكيان الصهيوني يتصدّع على المستويين الداخلي والخارجي.. “إسرائيل”.. من شغف الحدود إلى سراب الوجود!

سبق للرجل الملثّم، الناطق باسم كتائب عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة، أن استفزّ المخيال الصهيوني في أحد خطاباته، بقوله: إن “زمن انكسار الصهيونية قد بدأ ولعنة العقد الثامن ستَحُلّ قريبا”. وأضاف “أبو عبيدة” بأسلوب عمّق به مخاوف الصهاينة من حتمية نهايتهم التعيسة، حين دعاهم لأن “يرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيدا ولينتظروا أوان ذلّتهم بفارغ الصبر”، غير أن أحد رموز التطرف الصهيوني،  بنيامين نتنياهو،  رئيس وزراء سلطة الكيان الغاشم، كان ـ منذ البداية ـ منتبها إلى هذه الحتمية المتعلقة بـ”لعنة العقد الثامن”، ولهذا أسس مشروعه الاستيطاني من أجل تفاديها، وهو القائل سنة 2019: “سأجتهد كي تبلغ “إسرائيل” عيد ميلادها المائة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة أو بديهية، فالتاريخ يعلّمنا أنه لم تُعمَّر “دولة” للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة”؛ كلام نتنياهو هذا، الذي أراد به أن يطمئن نفوس شعبه الحائرة أبان عن عدم يقينه – هو أيضا – ببقاء كيان يتزعّمه، لينطبق عليه قول “سكت ألفا ونطق كفرا”، نعم إن نتنياهو كان أول مسؤول في حكومته يعلن – بهذا – كفره باستمرار “إسرائيل”، قال متتبعون في خضم زلزال “طوفان الأقصى” الذي هزّ أركان كيان لم يبنَ على أساس متين، بل على شفا احتلال مآله الاندحار، طال الزمن أو قصر!

=== أعدّ الملف: منير بن دادي وسهام سعدية سوماتي ===

وهكذا، فلا شيء يتفق فيه قادة الكيان الصهيوني ورجال المقاومة الفلسطينية باستثناء تلك القناعة الراسخة المتعلقة بـ”لعنة العقد الثامن”، التي تفيد بأنه لم يحدث أن عمّر كيان يهودي ثمانين عاما، وهذا ما يثبته التاريخ، إذ أن أقوى كيانين في تاريخ اليهود القديم بفلسطين (مملكة “داوود وسليمان”، ومملكة الحشمونيين)، واجها ـ بحلول العقد الثامن ـ خطر التفكك والانهيار، وفي عصرنا هذا – المصاب بالسرطان الصهيوني – لا تزال هذه اللعنة قائمة، تهدد مستقبل الكيان الثالث الذي يجتهد نتنياهو بآلته الدموية، ليس لتأسيس كيان دولة، بل لتفادي الزوال المحتم بحلول عام 2028.

وفي هذا الشأن، قال الكاتب والخبير المصري عبد الحليم قنديل “إن الكيان الصهيوني سينتهي ويزول في السنوات المقبلة، لكن، ليس بالشكل الذي يتخيله البعض، أي، بإلقاء قطعان الصهاينة في البحر، أملا في التخلص منهم إلى الأبد، لافتا – خلال تصريحات تلفزيونية – إلى أن بقاء الكيان في المنطقة هو خطر في حد ذاته على أمن مصر وبقائها.

وفي العام الماضي، وفي مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أبدى رئيس وزراء سلطة الكيان الصهيوني الأسبق إيهود باراك، مخاوفه من قرب زوال الكيان قبل حلول الذكرى الـ 80 لزرعه، مستشهدا بالقناعة ذاتها، وأضاف قائلا: إن “تجربة الكيان الصهيوني الحالية هي التجربة الثالثة.. فترة الملك داوود وفترة الحشمونيين، وكلاهما بدأ تفككهما في العقد الثامن”، لافتا إلى أن الكيان الآن يشهد عقده الثامن، وأنه ـ هو شخصيا ـ يخشى أن تنزل بالكيان لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقيه.

هذا دون نسيان أن الكيان شهد خلال السنوات القليلة الماضية أزمات سياسية متعددة انعكست على هوية المجتمع الصهيوني، وبسببها مر الكيان بـ4 جولات انتخابية مبكرة، كما امتلأت شوارع المستوطنات بالمتظاهرين الرافضين لتعديلات قضائية أراد نتنياهو تمريرها، ولم تعد الخلافات تقتصر على صراع القطبين المتباعدين – اليمين واليسار – بل اشتعلت الخلافات بين اليمين واليمين المتطرف، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين الشرقيين والغربيين.. وهلم جرّا.

تذمّر واحتقان في صفوف “الجيش” الإسرائيلي

هذه الأزمة التي يشهدها الكيان تعمقت إلى أقصى مستوى منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، فقد بلغ الأمر إلى حد أن ضابطا من “جيش” الاحتلال شتم نتنياهو خلال زيارته إلى مركز عسكري في مستوطنات غلاف غزة، ووصفه بالكاذب، الأمر الذي دفع رئيس حكومة سلطة الاحتلال إلى إلغاء كلمة كان مقررا أن يلقيها هناك، والأكثر من كل هذا أن جنودا في الاحتياط رفضوا زيارة نتنياهو الذي “أتى إليهم تحضيرا لاجتياح بري محتمل لقطاع غزة”، وفق ما نقله مراسل قناة 12 الإسرائيلية.

هذه الواقعة لن تكن منفصلة أو فردية، بل تأتي في سياق حملة مطالبات بإقالة نتنياهو الذي خسر شعبيته، بالإضافة إلى ما يمرّ به الكيان من تصدّع في الجبهة الداخلية وسط موجة أخبار تشير إليها وسائل إعلام عبرية، وتتعلق بعمليات تمرد في عدد من ألوية “الجيش”، في ظل تصاعد الاحتجاجات العالمية ضد العدوان الوحشي على غزة، وفقد خطة الاجتياح البري بريقها بعد أن فشل نتنياهو في تحقيق ولو هدفا من أهدافها التي جهر بها أمام وسائل الإعلام.

اعتقال 6 متظاهرين طالبوا نتنياهو بالرحيل

وفي محاولة لكتم أنفاس الناس، اعتقلت الشرطة الصهيونية 6 أشخاص أثناء تظاهرهم أمام منزل نتنياهو في بلدة قيسارية الساحلية، حسبما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الإلكترونية عن منظمي الاحتجاج الذين يطالبون نتنياهو بالاستقالة، في أعقاب ما وصفوها بـ “الإخفاقات” التي أدت إلى هجوم حماس في 7 أكتوبر.

وأظهر مقطع فيديو من مكان الحادث عدة متظاهرين يقفون قرب منزل نتنياهو، وينادونه بمكبرات الصوت، قبل أن تواجههم الشرطة الصهيونية، وحسب “تايمز أوف إسرائيل”، أبلغت الشرطة المحتجين أنهم لم يحصلوا على إذن للتظاهر في الموقع، وتعرض نتنياهو لضغوط داخلية كبيرة في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية، الذي أدى إلى مقتل 1200 شخص صهيوني وفقا لأرقام سلطة الكيان الغاصب.

إقالة ضابطين إسرائيليين لانسحاب قوتهما من معارك شمالي غزة..

الجبن والارتباك.. بوابة النيران الصديقة

تتزايد تقارير حول ذعر وخوف في صفوف “جيش” الاحتلال، تحت دوي الصواريخ المتهاطلة على الأراضي المحتلة، ووسط تصاعد معدلات القتل أو تصويب النار بالخطأ في صفوف الإسرائيليين أنفسهم، فيما يسمى “نيران صديقة”، كما أن ضباطا كبارا في “جيش” الاحتلال “تصرفوا بجُبنٍ” خلال معركة “طوفان الأقصى”، يوم السابع من أكتوبر الماضي.

وفي هذا الشـأن، أكّد العقيد الإسرائيلي المتقاعد آفيفايس، في مقابلة على صفحة “توف تي في” الإسرائيلية على منصة “يوتيوب”، أنّ “ضباطا رفيعي المستوى هربوا وتركوا الجنود والجنديات من ورائهم”، مشيرا إلى أنّ هذا “يمسّ بمعنويات الجبهة الداخلية”.

وأكد أّنّ 8 جنود إسرائيليين أصيبوا بنيران صديقة، وأصيب مستوطنون أيضا، قائلا – على سبيل المثال – هناك جنود أطلقوا النار على موظفين اثنين من شركة الكهرباء عن طريق الخطأ، ولفت إلى أنّ هذا “جزء من الفوضى المنتشرة في «الجيش» الصهيوني”.

وفي سؤالٍ عمّا إذا كانت هذه المعلومات بشأن هروب ضباط كبار موثوقة، لأنها “تهمة ليست صغيرة”، بحسب ما وصف المحاور في المقابلة، أجاب فايس أنّه “حصل على المعلومات من ضابطين برتبة ملازم أول ونقيب”، موضحا أنه يستخلص معلومات حصل عليها من عدّة مصادر، وشدّد على أنّه يستطيع إظهار وثائق تثبت معلوماته وعرضها أمام الرأي العام الصهيوني.

وذكر المحاور في البرنامج على “اليوتيوب” أنّه كان قد استقبل فايس، بعد يومين فقط من معركة “طوفان الأقصى”، مشيرا إلى أنّ الحوار شمل الحديث عن الإخفاقات الاستخباراتية الصهيونية التي أحدثت صدمة لدى الجبهة الداخلية، وفق ما اعترف المحاور.

ويوم 7 أكتوبر الماضي، أعلن القائد العام لكتائب القسّام، محمد الضيف، عن معركة “طوفان الأقصى”، التي افتتحتها المقاومة الفلسطينية بإطلاق 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال الضربة الأولى، ليعبر المقاومون نحو الأراضي المحتلّة في غلاف غزّة، ويسيطروا على مواقع الاحتلال ومستوطناته، إذ خاضوا هناك اشتباكات قوية، أوقعوا خلالها مئات القتلى ومئات الأسرى، كما نفّذت المقاومة تسلّلات خلف خطوط الاحتلال من البحر.

وبعد فترة من المعركة، كثرت الاعترافات الصهيونية بإنجازات المقاومة مقابل إخفاقات الاحتلال، يُذكر منها إقرار الإعلام الإسرائيلي بأنّ المقاومة نجحت في إحداث مفاجأة كبيرة من البر والبحر والجو، ووصفت المعركة بالـ “الحدث الأكثر إستراتيجية الذي تختبره الساحة الفلسطينية”.

وفي هذا السياق، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، الإثنين المنقضي، إن الجيش الإسرائيلي أقال ضابطين انسحبت قوتهما أثناء معارك شمال قطاع غزة بعد كمين نصبه مقاومون فلسطينيون. وبحسب الصحيفة “قرر الجيش الإسرائيلي إقالة ضابطين قتاليين (دون ذكر اسميهما) بعد معركة بشمال القطاع في ذروة المناورة البرية، حيث انسحبت خلالها القوة بعد عدم تلقيها دعم عندما تعرّضت لنيران عشرات المسلحين الذين نصبوا كمينا للجنود”.

وأشارت إلى أن القرار شمل إقالة قائد سرية ونائبه، لافتة إلى أن “نحو نصف جنود السرية لم يعودوا إلى الوحدة منذ إقالة الضابطين”

كيف مكرت المقاومة الباسلة بعدو أخرق

نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن مصدر أمني صهيوني قوله إن المقاومة الفلسطينية مكرت بالاحتلال بشكل مثالي قبل الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر الماضي، وإن يحيى السنوار ومحمد الضيف كان لهما معرفة بالمراقبة الاستخبارية الإسرائيلية الوثيقة، واستخدما أساليب سرية لإيصال الرسائل.

وقال المسؤول الأمني ذاته إنه لا أحد في الكيان الصهيوني فهم ما حدث وكيف حدث ذلك، وإلا لما تُركت الحدود بلا حراسة، ولما فُقدَ الرد في الساعات الأولى من الهجوم، من الأرض أو الجو أو البحر. وأضاف المصدر ذاته أن بعض أدوات التجسس الصهيونية التي زرعها الاحتلال في قطاع عزة عام 2018 وقعت بيد حركة حماس، ولم يستبعد أن تكون إيران ساعدت الحركة في تفكيك شفرة هذه الأدوات.

بدورها، سلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على وثائق سرية كشفت عن حصول مسؤولين صهاينة قبل أكثر من عام على خطة منسوبة لحماس تهدف إلى شن هجوم غير مسبوق على “إسرائيل”، لكن المسؤولين العسكريين والاستخباريين الإسرائيليين رفضوا تصديق الخطة، واعتبروها صعبة التنفيذ. وأضافت الصحيفة أن الوثيقة التي تتألف من 40 صفحة تتحدث عن هجوم واسع النطاق شبيه إلى حد بعيد بهجوم السابع من أكتوبر الماضي، لكنها لم تحدد موعد الهجوم.

ونشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مقالا للكاتب فيليب جيلي، تحدث فيه عن خيبة أمل أصابت العالم بعدما أعطت هدنة السبعة أيام انطباعا بأن وقف القتال سيكون ممكنا بين “إسرائيل” وحماس في غزة.

وأشار الكاتب إلى أنه في غياب إستراتيجية سياسية للخطوة التالية، فإن لدى نتنياهو وهيئة الأركان العامة للجيش الصهيوني ما يكفي من خطط عسكرية لتأجيل موعد نهاية العدوان. أما صحيفة “وول ستريت جورنال” فتساءلت في مقال لها عما إذا كان الغرب يتبنى معايير مزدوجة في التعامل مع أوكرانيا وقطاع غزة.

وأشار المقال إلى أن القادة الغربيين أنفسهم، الذين وصفوا استهداف روسيا محطات الطاقة وشبكات المياه الأوكرانية بالعمل الإرهابي والوحشي، أيّدوا في البداية – على الأقل – أن يقوم الكيان بحرمان سكان غزة من الكهرباء والماء والوقود.

من جانبها، أشارت صحيفة “الغادريان” إلى اعتقال 4 نشطاء أجانب أمام مبنى وزارة الخارجية المصرية لمطالبتهم بالدخول إلى غزة، وتطلق المجموعة على نفسها اسم “النشطاء الدوليون من أجل فلسطين الحرة”، ويحمل النشطاء الأربعة الذين تم توقيفهم في مقر وزارة الخارجية المصرية منذ عصر الخميس جنسيات كل من الأرجنتين وفرنسا وأمريكا وأستراليا.

صحيفة “هآرتس” عدّدت 10 أخطاء ارتكبتها “إسرائيل” وصفتها بالقاتلة..

صورة الكيان الصهيوني في الخارج تتصدّع وجبهته الداخلية تنهار!

كل المعطيات باتت تشير إلى إرباك شديد وصدمة وسط مؤسسات الكيان الصهيوني، ناهيك عن أن جلّ التقارير التي تصل إلى قادة الاحتلال تحذر من انهيار المعنويات وتصدع الجبهة الداخلية وفقدان الثقة، في جو من التوتر يتنامى في صمت. بينما قي الخارج ينقلب الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني لفائدة الفلسطينيين، ويحاول العديد من القادة البارزين في الغرب تعديل مواقفهم – ولو بحذر – مخافة اتّهامهم بالانحياز.

وفي آخر موقف صادم، ضمن هذا السياق، اعتبر رئيس الوزراء الإسباني بيدروسانتشيز، يوم الخميس الماضي، أنه نظرا إلى عدد الشهداء المدنيين في غزة، فإنه يشك في أن الكيان الصهيوني يحترم القانون الدولي الإنساني، مكررا التأكيد أن “العمل العسكري المتكرر في القطاع أمر غير مقبول”، وقد أثارت تصريحات مماثلة لسانتشيز ونظيره البلجيكي ألكسندر دي كرو – على الجانب المصري من معبر رفح – غضب سلطة الكيان التي استدعت سفيري البلدين للتوبيخ.

ففي مقابلة مع قناة “تي.في.إي” الإسبانية المملوكة للدولة، قال سانتشيز: “مع الصور التي نشاهدها والأعداد المتزايدة من الأطفال الذين يموتون، لدي شك جدي في أن “إسرائيل” تلتزم بالقانون الدولي الإنساني”، وتابع: “ما نراه في غزة غير مقبول”، ورغم الخلاف الدبلوماسي، أصرّ سانتشيز الذي يدفع من أجل عقد مؤتمر للسلام، على أن تناقش الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطينية.

وجدير بالذكر أن البرلمان الإسباني تبنى، في عام 2014، بالإجماع تقريبا قرارا غير ملزم يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما استضافت مدريد “مؤتمر السلام في الشرق الأوسط،” في عام 1991، وشاركت فيه لأول مرة منذ عام 1948، جميع الأطراف العربية المنخرطة في نزاع مباشر مع العدو الصهيوني.

استفاقة خجولة..

هذا التّحول في الموقف، امتدّ بشكل علني، مؤشرا إلى “استفاقة” خجولة لدى دول أوروبية باتت تنظر بعينين اثنتين وتسمع الوجهتين ولا تأخذ طرفا على حساب الآخر، وينشر حساب الخارجية الإسبانية الرسمي على منصة “أكس” منشورا مفاده أن الحكومة (ترفض) بشكل قاطع سيل المغالطات الوارد في بيان السفارة الصهيونية حول بعض أعضائها، ولا تقبل (هذه) التلميحات الموجهة إليهم والتي “لا أساس لها”.

والقصة تعود إلى إيوني بيلارا رئيسة حزب أونيدا بوديموس اليساري، وهي وزيرة التضامن الاجتماعي بالإنابة في حكومة بيدرو سانشيز، والتي اعتبرت أن “إسرائيل” تنفذ “إبادة جماعية مخططة” بقطاع غزة من خلال ترك مئات آلاف السكان دون ماء وكهرباء والمطالبة بإجلائهم دون أي ضمانات أمنية.

كما دعت الوزيرة الإسبانية الشعوب إلى “النزول إلى الشوارع والتظاهر ضد الهجوم العسكري الصهيوني”، بينما ذهب الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش إلى أكثر من ذلك، ووصف رفع علم الكيان على مبنى خارجية بلاده بأنه “حركة غبية”، وقال إن التعاطف المفقود مع الاحتلال الصهيوني تلاشى بسبب “الإجراءات” في غزة.

وإلى ذلك رفعت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية الصوت في مقال عنوانه “الزعماء الأوروبيون يدعمون الكيان عكس شعوبهم”، وتقول هذه الصحيفة “اليهود والإسرائيليون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالقلق وسط موجة من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والتهديدات الموجهة للمؤسسات اليهودية”.

وأوضحت: “أصداء (الحرب) بين الكيان وحماس مسموعة بوضوح في مختلف أنحاء العالم، وخاصة أوروبا والبلدان التي تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين. ومنذ نهاية هذا الأسبوع، شهدت المجتمعات اليهودية والإسرائيلية في جميع أنحاء العالم لحظات من القلق، في أعقاب موجة من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين”.

وتشير “يديعوت أحرونوت” ـ دون أن تقدم دليلا أو فيديو أو صورة ـ إلى أن “هناك أيضا الكثير من التضامن الاجتماعي ومظاهرات الدعم المؤيد للكيان من قبل غير اليهود”، بل إن من يتابع الإعلام الغربي الأيام القليلة الماضية -وخاصة بعد المجازر التي يرتكبها الاحتلال الغاشم بحق المدنيين في غزة- يرى ملامح تغير في الخطاب والمقاربة وحتى تبرير أفعال الاحتلال، فها هي شبكة “سي أن أن” الأمريكية تنشر تقريرا من غزة تتحدث فيه عن أن “الجيش” الصهيوني طلب من أهالي القطاع التوجه إلى جنوبه ثم استهدفهم وارتكب المجازر بحقهم.

تعديل في المصطلحات

أما هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” فقد تراجعت عن وصف المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين بـ”داعمي حماس” وسط انتقادات لسياستها الإعلامية. وكانت “بي بي سي” قد قالت -في تغطيتها للمظاهرات التضامنية مع فلسطين- إنها تتضمن أشخاصا يدعمون حماس التي تصنّف في بريطانيا جماعة إرهابية.

وبعد أن كانت أغلب الصحف البريطانية والأمريكية تطالب – في الأيام الأولى بعد عملية “طوفان الأقصى” – بـ”سحق حماس” وتدمير “بنيتها العسكرية والأمنية” و”احتلال غزة وغزوها بريا” بدأت تتراجع خطوة إلى الوراء، وتقدم النصائح، وتعتبر أن “اجتياح غزة والتفكير على طريقة (مرة واحدة وإلى الأبد) خطأ يرتكبه الكيان”، وفق ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز. ولكن الضربة القاضية جاءت من داخل البيت وتحديدا من أبرز وسائل الإعلام الإسرائيلية وأكثرها متابعة وهي “هآرتس” التي نشرت مقالا بعنوان “الأخطاء الفادحة التي جعلت الكيان (دولة) مفككة”، وقد حصرت هذه الأخطاء في 10 نقاط رغم أن “القائمة طويلة جدا”.

واعتبرت الصحيفة أنه “لا أحد ينكر أن الكيان في وضع حرج للغاية، وليست هناك حاجة حتى للشرح والتبرير.. (إسرائيل) مفلسة.. (الدولة) لا تصبح فاشلة بسبب الرغبة في أن تكون فاشلة، بل يحدث ذلك ببساطة، من باب الإهمال أو الاستهتار أو الخبث أو الغباء أو مجموعة من الأخطاء”.

الأخطاء العشرة

قالت “هآرتس” لقد أخطأنا:

  • عندما لم نطرد موشيه لفينغر (حاخام ومن أوائل قادة المستوطنين الذين كان لهم دور محوري بالحركة لتوسيع والدفاع عن المستوطنات بالضفة الغربية) ورفاقه من فندق “بارك” بالخليل، ووضعناهم في حافلة عائدين إلى وطنهم قبل أن يحتفلوا بعيد الفصح عام 1968.
  • عندما فشلنا في الأخذ بكلام حكمائنا ولم نمنع -كما فعلوا- الصعود على جبل المساجد في القدس.
  • عندما لم نصدر قوانين تحمي ديمقراطيتنا.
  • عندما لم نحاكم كل عنصري، وكل مناهض للديمقراطية، وكل فاشي.
  • عندما أسسنا “المشروع الاستيطاني” الخبيث والزائد عن الحاجة والشرير والإجرامي.
  • عندما أيقنا أنه بسبب هتلر أصبح كل شيء مباحا لنا.
  • عندما صرنا نظن أن “الجيش” الذي عمل 55 عاما كقوة شرطة مهنية سيبقى “جيشا”.
  • عندما اعتقدنا أنه إذا ذبح المتوحشون أكثر من ألف من المدنيين الأبرياء، فإن ذلك يمنحنا الإذن بإخراج عدة آلاف من المدنيين الأبرياء من بؤسهم.

وأضافت “هآرتس”، “وهناك الكثير من الأخطاء، ولكن توجد فرصة وحيدة للعودة والتراجع عنها، وأبرز نقاطها”:

  • أخطأنا عندما لم ننسحب في الوقت المناسب من جميع المناطق التي احتللناها بالخطأ عام 1967. لقد حان الوقت للانسحاب من كل هذه المناطق، باتفاق أو دونه. وببساطة سنقول للمستوطنين: إذا أردتم، ارحلوا إذا كنتم لا تريدون البقاء.

وحذر كاتب المقال من أنه إذا لم تعالج سلطة الكيان هذه الأخطاء ستتحول إلى “(دولة) فاسدة أُخذت رهينة من قبل عصابة من المتعصبين الدينيين الذين يصرون على الحفاظ على الوعد الإلهي.. ومن هذه الحفرة السوداء لن ينقذنا احتجاج ولا نصر ولا وحدة ولا حكومة خاصة ستنقذنا.. وهكذا دواليك، إلى التفكك النهائي”.

متخصّصون صهاينة يؤكدون أن الكيان ما زال تحت وتيرة الهجوم ذاتها منذ السابع من أكتوبر..

المقاومة ما تزال في كامل قوّتها بعد انهيار الهدنة.. وما تغيّر هو تكتيكُها فقط!

يتفق مسؤولون عسكريون إسرائيليون سابقون على أن المقاومة الفلسطينية لا تزال موجودة في شمال القطاع، وقادرة على مواجهة القوات الصهيونية هناك. وذهب بعضهم إلى أن حماس تشن الهجوم ذات الذي بدأته في السابع من أكتوبر الماضي وبطرق مختلفة.

وبحسب الجنرال في الاحتياط، ألون أفيتار، ومحلل الشؤون العربية، فإن المقاومة تحاول إثبات قدرتها، وهي تريد أن تقول للكيان إنها لا تزال موجودة وتسيطر على الوضع، وتستطيع إطلاق الصواريخ من مناطق الشمال، وفي مناطق مختلفة وفي دوائر أوسع باتجاه ريشونلتسيون ومنطقة غوش.

بدوره، قال جنرال الاحتياط دان هارئيل، رئيس هيئة الأركان ورئيس المنطقة الجنوبية سابقا: “تعال نسأل عن الثمن إن لم يفعلوا ذلك على المستوى الآني، لا يمكن استعادة كل المخطوفين وستبقى مجموعة من المجندين والجنديات رهن الأسر”. وأضاف هارئيل “من الواضح أنهم سيلعبون معنا هذه اللعبة، أما الثمن المستقبلي الذي ستدفعه “إسرائيل” فهو كبير جدا، لأننا لا يمكن أن نعيش “بجانب هذا الشيء الذي يسمونه حماس ولقد فهمنا هذا في السابع من أكتوبر والدرس قاس، ولا يمكن علاجه”.

وأضاف المتحدّث ذاته: “إننا مجبورون على أن نجتاح كل القطاع. وأن نضرب حماس بشكل يقضي على إمكانية كونها منظمة عسكرية كما هي حالها الآن”، ومضى يؤكد أن الكيان ما زال تحت الهجوم ذاته الذي بادرت إليه المقاومة في السابع من أكتوبر. والذي استهدفت من خلاله قلب المجتمع الصهيوني، وقلب النسيج الاجتماعي.

وقال دان هارئيل إن المقاومة توجه كل جهودها نحو التقسيم والخلخلة والتسبب بإحباط كبير وقلب أدمغة الإسرائيليين، لا يزال هو الهجوم ذاته لكنها تنفذه بشكل مختلف وبوسائل التأثير على الوعي، “كل هذا الاستعراض تم من أجل هذا الهدف بالضبط”.

وأكد المسؤول العسكري السابق أن سلطة الكيان ما زالت بعيدة عن الحسم حتى في شمال القطاع، حيث حققت “إنجازات استثنائية” من ناحية تكتيكية. و”لكننا قضينا على نصف الكتائب الموجودة هناك، مما يعني أن أمامنا نصف العمل”، وشدد على أنه – لغاية الآن – لم تتمكن “إسرائيل” من إصابة الضباط الكبار، لذلك شبكة المقاومة لا تزال تعمل.

بدوره، هاجم موشيه يعالون وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان سابقا رئيس حكومة سلطة الكيان بنيامين نتنياهو، وقال إن “الأخير لم يكتف برفضه تحمل مسؤولية أكبر ضرر لحق بالكيان الذي بلغ عمره لـ75 عاما – في إشارة إلى طوفان الأقصى- بل يعتقد أنه من الممكن أن يتحمل مسؤولية قيادة الكيان باقتدار”، وذهب يعالون للقول إن “نتنياهو غير مؤهل أخلاقيا ولا جوهريا لإخراجنا من هذا الضرر”.

إنها حرب تستهدف الأطفال

من جهتها، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، يوم الجمعة، عن المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، جيمس إلدر، قوله إنّ علاج الأطفال المصابين بجروح ناجمة عن الحروق وكسور العظام أصبح أمرا صعبا على نحوٍ متزايد، مع استئناف الاحتلال الصهيوني القصف الجوي على غزة. وقال إلدر، من داخل مستشفى مزدحم في غزة، إنّها “حرب على الأطفال”، مضيفا أنّ “تقاعس أصحاب النفوذ يسمح بقتل الأطفال أكثر”.

وقبل ذلك، أكّد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إنّ الهدنة المؤقتة “لم تسعف المنظومة الصحية”، مشيرا إلى الحاجة “إلى ضمان تدفق الإمدادات الطبية والوقود للمستشفيات”. وقال القدرة “إنّ الاحتلال يرتكب مجازر جديدة في قطاع غزة، فور انتهاء الهدنة الإنسانية، راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى”.

من جهة أخرى، عبّر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يوم الجمعة، عن “قلقه البالغ” إزاء الزيادة الكبيرة في عمليات اعتقال الكيان الصهيوني للفلسطينيين، ودعا إلى إجراء تحقيق في اتهامات بالقتل والتعذيب أثناء الاحتجاز في سجون الاحتلال.

وذكر بيان صادر عن المكتب أن سلطات الاحتلال الصهيوني اعتقلت أكثر من 3000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بما يشمل القدس الشرقية منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر، مبرزا أن “عددا قياسيا محتجز دون تهمة أو محاكمة”. وتابعت المفوضية أنه في غضون شهرين، استشهد ستة فلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو أكبر عدد من الوفيات في مثل هذه الفترة القصيرة منذ عقود.

وبعد أن شنّ الكيان الصهيوني هجوما همجيا على قطاع غزة، كشفت العديد من شهادات الفلسطينيين الأسرى في السجون الاحتلال عن تدهور الأوضاع بما يشمل الاكتظاظ وفرض قيود على آليات الحصول على الطعام والماء ومحدودية الزيارات من الأسرة أو المحامين. وقال كثيرون إنهم تعرضوا للضرب والإساءة على أيدي الحراس بما في ذلك التهديد بالاغتصاب.

وقال المكتب ذاته إن “الارتفاع الهائل في عدد الفلسطينيين المعتقلين والمحتجزين وعدد التقارير عن سوء المعاملة والإهانة التي يعاني منها المحتجزون، وما ورد عن عدم الالتزام بالإجراءات القانونية الأساسية، كل هذا يثير تساؤلات جدية حول مدى امتثال الاحتلال للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي”، وأضاف “يجب التحقيق في جميع حالات الوفاة في أثناء الاحتجاز ومزاعم التعذيب والأشكال الأخرى من سوء المعاملة وضمان المساءلة”.

للإشارة، في إطار اتفاق الهدنة في قطاع غزة، أطلق الاحتلال الصهيوني سراح 240 امرأة وطفلا فلسطينيا من سجونه، أكثر من نصفهم كانوا محتجزين دون تهمة. وقال نادي الأسير الفلسطيني إنه خلال فترة توقف القتال التي استمرت أسبوعا، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 260 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة.

بوادر انهيار وزوال “إسرائيل” تلوح في الأفق..

الرّعب من لعنة “العقد الثّامن” يؤرّق قادة الكيان ومفكريه ومؤرخيه!

بقلم: الدكتور عبد الله المشوخي – أستاذ جامعي فلسطيني مقيم في الأردن

لكل بداية نهاية، لاسيما إذا كانت البداية بُنيت على باطل أو أُسست على ظلم. الكيان الصّهيوني الذي تَسمّى باسم نبي الله إسرائيل زورا وبهتانا مصيره إلى زوال.. طال الوقت أم قصُر. غير أنّ بوادر انهياره بدأت تلوح بالأفق، وهذه أدلّة زواله بإذن الله من خلال:

دليل من القرآن الكريم:

تحدّث القرآن الكريم عن زوال دولة الكيان الصّهيوني من خلال سورة الإسراء. وقد استلهم فضيلة الشّيخ الشّعراوي رحمه الله ذلك من خلال قوله تعالى: “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ”؛ أي من بعد موسى عليه السّلام اسكنوا الأرض دون تحديد أرض معيّنة لهم. لهذا عاشوا مشتَّتين لأجلٍ وقَّته القرآن الكريم لهم بقوله تعالى: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفا“؛ أي: إذا حان وقت آخرتكم جمعناكم من أماكن متفرّقة.. وهكذا تحقّق وعد الله بوعد بلفور، حيث تبنَّت حكومة بريطانيا وسائر الدّول الغربية منح اليهود وطن قومي لهم على أرض فلسطين، فهاجروا إليها من شتّى أقطار العالم ليتحقّق وعد الله فيهم، كي يلاقوا حتفهم على أيدي عباد الله المجاهدين، مصداقا لقوله تعالى: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا”. فنهاية اليهود ستكون على أرض فلسطين بإذن الله، كما أخبر بذلك القرآن الكريم.

دليل من السّنة النّبوية:

من الأمور المستقبلية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل اليهود على أيدي المسلمين، حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: (لا تقوم السّاعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشّجر، فيقول الحجر أو الشّجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلاّ شجر الغرقد فإنّه من شجر اليهود). هذه نبوءةٌ من الصّادق الأمين صلى الله عليه وسلم تخبرنا بزوال دولة اليهود.

نبوءات قادة الكيان الصّهيوني ومفكّريه حول “لعنة العقد الثّامن”

هاجس زوال “إسرائيل” مع نهاية العقد الثّامن أصبح يراود كبار قادته ومفكِّريه ويؤرقهم. فهذا رئيس وزرائهم السّابق (إيهود باراك) صرّح أكثر من مرة خشيته من لعنة العقد الثّامن أن تحلّ بـ”دولة إسرائيل”. كذلك صرح نتنياهو عام 2007 أنّه يجب العمل على ضمان استمرارية “إسرائيل” لمدة 100 عام، حيث أشار إلى أنّه لم يحدث في التّاريخ أن استمرت دولة يهودية لأكثر من 80 عاما.

وللقارئ أن يتعرَّف على لعنة العقد الثّامن؛ إذ يرى اليهود أنّه لم يقم لهم كيان في فلسطين على مدار التّاريخ القديم سوى كيانين سياسيين مستقلّين، وكلاهما تهاوى وآل إلى السّقوط في العقد الثّامن من عمره. ويشير المؤرّخون اليهود إلى أنّ الكيان الأول المسمّى بمملكة داوود عام 1000 ق.م استمر لأقل من 80 سنة تحت حكم الملكين داوود وسليمان عليهما السّلام.وبعد وفاة سليمان عليه السّلام، بدأت بوادر الانقسام، مما أدّى إلى وجود مملكتين: إحداهما في الشّمال (إسرائيل) وعاصمتها نابلس، والأخرى في الجنوب مملكة (يهودا) وعاصمتها القدس، ثم ما لبثت كلتا المملكتين الضّعيفتين أن سقطتا لاحقا على يد الآشوريين، ثم البابليين.

أمّا الكيان الثّاني، فقام باسم مملكة (الحشمونائيم) عام 140 ق.م على يد (يهودا المكابي)، ومع نهاية العقد الثّامن عمَّت الفوضى بها، مما أدّى إلى سقوطها، ولم يقم لهم بعدهما كيان إلا عام 1948م.

والآن.. وقد بلغ عمر هذا الكيان منتصف العقد الثّامن، فقد أخذ الخوف والرّعب ينتابان قادتَهم ومفكريهم ومؤرخيهم. وعلى سبيل المثال، يرى المؤرّخ الإسرائيلي الشّهير (بيني موريس) مستقبل دولة “إسرائيل” بصورة قاتمة؛ إذ يفترض أنّ نهايتها محتومة، حيث صرّح لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قائلا: (لا أرى لنا مخرجا) في معرض حديثه عن بقاء “إسرائيل” كدولة.

أمّا رئيس الكنيست سابقا، أبراهام بورغ، فتنبّأ بنهاية دولة الكيان الإسرائيلي بسبب إهدار اليهود للقيم الإنسانية في معاملتهم للفلسطينيين، ممّا يؤدّي إلى شحن أبناء فلسطين بالحقد والكراهية والانتقام. كما يرى أنّ وقوع دولة اليهود تحت حكم أقلية متطرّفة معادية للأجانب يعجِّل بزوالها، وأضاف أنّه يحمل جواز سفر فرنسي، ويوصي كلّ إسرائيلي بالحصول على جواز آخر.

من جانب آخر، ذكر المفكر الإسلامي العراقي محمد أحمد الرّاشد أنّ عجوزا يهودية عراقية دخلت على جدّته وقت قيام “دولة إسرائيل” عام 1948 باكية حيث قالت: “إنّ هذه الدّولة لن تدوم أكثر من 76 سنة”، وعند سؤالها عن سبب ذلك أجابت: “لأن كتبنا القديمة تقول إنّه إذا قامت دولة لليهود، فإنّها لن تعمِّر أكثر من 76 سنة، وعندها ستحلّ علينا الكارثة من جديد”. 

نبوءات عربية:

  • نبوءة الشّيخ أحمد ياسين – رحمه الله –

في مقابلة مع الصحفي أحمد منصور، ضمن برنامج (شاهد على العصر)، حيث تنبّأ الشّيخ رحمه الله بنهاية دولة “إسرائيل” عام 2027م، وعلّل ذلك بقوله: “إنّ الكيان قام على الظّلم والاغتصاب، وكلّ كيان قام على ذلك فمصيره الدّمار”.

وتوقّع زوال الكيان عام 2027 في ضوء القرآن الكريم، حيث يرى أنّ القرآن تحدّث عن الأجيال، وأنّ كل جيل يتغيّر خلال 40 سنة، فكان الجيل الأول جيل نكبة وتشرُّد، ثم جاء الجيل الثاني وهو جيل الانتفاضة والتحدّي والمواجهة، ثمّ يأتي الجيل الثّالث وهو جيل التّحرير.

  • نبوءة المفكر عبد الوهاب المسيري

أمّا المفكر عبد الوهاب المسيري، صاحب “موسوعة اليهود واليهودية والصّهيونية”، والذي قضى نحو ربع قرن في دراسة اليهود والصهيونية، فقبل وفاته – رحمه الله – عام 2008م تحدّث عن توقّعاته بنهاية قريبة لـ”إسرائيل”، حيث يرى أنّ دولة الكيان الصّهيوني دولة وظيفية وصناعة غربية أنشأها الغرب للقيام بوظائف ومهامَّ معينة، وأنّ هذه الدّولة تواصل التقهقر بسبب المقاومة، مما يجعلها مرشّحة للانهيار في نهاية المطاف.

ومن مؤشرات الانهيار – وفق تصوّره – وجود مشكلات اجتماعية وعنصرية وديموغرافية، حيث العرب يتكاثرون واليهود يتناقصون من خلال النّزوح وإحجام اليهود عن الإنجاب.

تفسّخ المجتمع الإسرائيلي:

وصف الله اليهود بتّشتت قلوبهم (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)، فالمجتمع الإسرائيلي يسوده الشّقاق والنّزاع بين يهودي غربي وآخر شرقي، وهذا متديّن وآخر علماني، ولطالما ظهرت بوادر هذا النّزاع على السّطح، غير أنّ خوفهم من العرب وحَّد كيانهم في الظّاهر، ولعل النّزاع الذي حصل بينهم قُبيل معركه “طوفان الأقصى” بسبب ما يُسمَّى بالانقلاب القضائي على يد حكومة نتنياهو اليمينية، والذي أدّى إلى مظاهرات وصدامات، إضافة إلى الاحتجاجات حول فشل حكومة نتنياهو في إدارة معركه “طوفان الأقصى”، وفشلها كذلك في التّعامل مع ملف الأسرى في غزّة، يؤكّد على تشتّت قلوبهم.

كذلك، ضعف روح الانتماء لهذا الكيان، حيث نجد أنّ أغلبهم يملك جنسية مزدوجة، وعند أقل هزّة تعصف بكيانهم تجدهم يهرولون للهجرة دون رجعة، فهم أحرص النّاس على حياة.

قوّة المقاومة وشدّة بأسها:

أفقدت المقاومة، ببسالتها وشجاعتها اليهود، عنصرَ الأمن والأمان، وظهر ذلك جليا في هجرة اليهود الدّاخلية والخارجية ولجوئهم إلى الملاجئ. والمتأمّل في هذا الجيل لدى الكيان، يجد أنّه جيل يحرص على الرّفاهية والمتعة، وحرصه الشّديد على الحياة بأيّ ثمن غير عابئ بمستقبل دولته، ولا يكترث بمصيرها، بخلاف الجيلين الأول والثّاني.

وبالمقابل، يلاحظ أنّ جيل الشّباب الفلسطيني، الذي ولد ونشأ في رحم المعاناة والانتفاضة، وعاش ظلم اليهود وبطشهم، واعتقال أغلبهم، جيل تربَّى أغلبُه على مائدة القرآن وحبّ الجهاد. فشتان بين الجيلين؛ بين جيل يحرص على إحدى الحسنين، وجيل يعشق الحياة والرفاهية، وبين يهود جاؤوا من بلدان شتّى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى فمصيرهم إلى زوال.

لذلك.. لا غرابة في أن نجد المقاتل اليهودي والمحصَّن بتقنيات وأدوات قتالية باهظة التّكاليف يهرب من أرض المعركة، بينما يقوم المقاتل الغزِّي بملاحقة الدّبابة اليهودية المحصَّنة حافي القدمين، وبدون سترة واقية، أو خوذة تحمي رأسه، يتسلّق الدّبابة، ويضع عبوته النّاسفة عليها من مسافة الصفر، ويفجّرها.

هذا المشهد بحدّ ذاته كافٍ ليقول لكلّ مراقب إنّ المستقبل للمقاوِم للفلسطيني المتجذّر في أرضه، يفدي نفسه من أجل مقدّساته. في الختام يقول المثل الفلسطيني: (ما ضاع حق وراءه مطالب)، وسيبقى الفلسطيني يطالب بحقّه حتّى يحصل عليه، فالحقّ أبلج والباطل لجلج.

الزّوال مصير كلّ احتلال..

بارتكابه المجازر.. الكيان الصّهيوني الغاصب يلفظ أنفاسه الأخيرة!

بقلم: عيسى شقفة – كاتب صحافي أردني

أدرك الاحتلال الإسرائيلي قرب نهايته، وذلك بعد معركة “طوفان الأقصى” التي كشفت سوأته وأبدت ضعف الكيان الصّهيوني من الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلّة، فكما قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الاسراء “وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّا كَبِيرا”، فبني “إسرائيل” أفسدوا في الأرض وقتلوا الأطفال والنّساء وكبار السّن.

لتأتي الآية التّالية لتبشّرنا بظهور مجاهدين صادقين ليذيقوا “بني إسرائيل” الويلات ويثخنوا فيهم، فقال الله تعالي: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادا لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْدا مّفْعُولا”، وهنا ظهر مقاتلو كتائب القسّام في يوم الـ 7 أكتوبر، ومن شاهد مقاطع الفيديو، يشعر أنّ المجاهدين لم يكونوا بمعركة، بل إنهم كانوا في “نزهة” واستطاعوا خلال أقل من ساعة تحرير العديد من الأراضي المحتلّة، بل إنهم تمكّنوا من السّيطرة عليها وصاروا يذهبون ويجيئون، ويتخلّلون البيوت والأحياء والطّرقات ذاهبين وراجعين لا يخافون، ولو كان معهم تغطية جوية وأسلحة متطوّرة كنصف التي يمتلكها الاحتلال أو أقل لرأيناهم في وسط “تل أبيب”، ولطهّروا الأراضي الفلسطينية من دنس اليهود.

حاخامات اليهود وزعماؤهم السّياسيون أصبحوا يعلمون أنّ بداية نهايتهم قد حانت، وذكر العديد من مسؤوليهم أنّ المعركة الحالية التي يخوضونها هي معركة “وجودية” ولا تقلّ أهمية من المعركة التي خاضوها عام 1948 واحتلّوا خلالها الأراضي الفلسطينية، بل باعترافهم قالوا إنّها أشد، كون المقاومة استطاعة خلال ساعات أن تهزِمهم وقتل المئات من قياداتهم العسكرية وجنودهم، وأسر عددا آخر منهم.

وحاليا، تشهد الأراضي الفلسطينية مظاهر مقاومة شعبية فردية وجماعية متعدّدة، بهدف التحرّر أولا، وكردّ فعل ثانيا على تصاعد الممارسات الإجرامية والاستعمارية الصّهيونية على المدنيين في غزّة، وزيادة الهجمات الصّهيونية على المسجد الأقصى، والتّوسع الاستيطاني، وتواصل جرائم التّطهير العرقي والفصل العنصري تجاه سكّان فلسطين الأصليين. الأمر الذي بات يرسم ملامح مرحلة جديدة في المسار التحرّري الفلسطيني. كما تصاعد الخطاب الصّهيوني المعبّر عن هذه المرحلة، وعن مخاطرها على استمراره وبقائه القسري على أرض فلسطين في الوقت نفسه، وهو ما يتطلّب بعض التمعّن والتّحليل.

يمكن اعتبار التّصريح المسرّب عبر وسائل إعلام صهيونية لوزير الدّفاع السّابق، بيني غانتس، أشهر تلك التّصريحات وأوضحها، حيث قال: “إنّ المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على “إسرائيل” في المستقبل ليست بعيدة عن الواقع.. الدّولة اليهودية ستتقلص خلال السّنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة”. كما يمكن العودة إلى مقالة رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، إيهود بارك، المنشورة أخيرا في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، وحذّر فيه مما أسماه لعنة العقد الثّامن التي قد تطيح بدولة الاحتلال خلال السّنوات القريبة. وهو ما يمكن اعتباره امتدادا لتصريحات سابقة منسوبة لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في ندوة نظّمت في العام 2017 بمناسبة عيد العرش اليهودي التي قال فيها، وفقا لصحيفة “هآرتس”: “وجودنا ليس بديهيا.. هناك مخاطر وجودية تهدّد وجود “إسرائيل””. وأيضا يمكن إضافة تصريح رئيس الوزراء الصهيوني السابق، نفتالي بينت، “ننتظر منكم، يا مواطني “إسرائيل”، أن تفتحوا عيونكم في كل مكان توجدون فيه، ومن لديه رخصة سلاح، فإنّ هذا هو الوقت لحمله”.. تلمّح جلّ هذه التّصريحات إلى إمكانية تحرير فلسطين وزوال الاحتلال الصهيوني بشكل كامل، وتحذّر من المخاطر المحدقة بالاحتلال، لكن هل يصحّ الأخذ بها بجدّية؟

من ناحية نظرية بحتة، الزّوال مصير كلّ احتلال، في حال إصرار الشّعب الأصلي على التمسّك بحقوقه المسلوبة والمواظبة على مقاومته، وهذا ما نراه جليا أمام أعيننا من إصرار الشّعب الفلسطيني على رفض التّهجير وبقائهم في منازلهم رغم القصف الوحشي الذي يمارسه جيش الاحتلال صباحا ومساء بحقّ المدنيين، وأيضا ظهور المقاومة التي لا تحمل أمامها سوى عبارة “إمّا النّصر أو الشّهادة”، وعليه، استمرار المقاومة الفلسطينية الشّعبية سوف يُفضي، لا محالة، إلى تحرير فلسطين.

غزّة كشفت عورة الاحتلال، فاليوم تنتشر مظاهر المقاومة الشّعبية على مُجمل مساحة فلسطين التّاريخية، كما يشارك فيها كل الفلسطينيين. ونشهد مظاهر بوتيرة متكرّرة ودورية متقاربة زمنيا. بل تعدّى الغضب بالدّاخل الفلسطيني والأراضي المحتلّة، ليشمل الأراضي العربية والإسلامية، فنحن نشاهد يوميا مظاهرات غاضبة تنطلق في جميع أنحاء العالم، رفضا لممارسات الاحتلال الصهيوني من مجازر وتصفية عرقية وتهجير. كما أحرج الاحتلال الدّول التي تعاطفت معه ببداية معركة “طوفان الأقصى”، وبدأت تبدل موقفها تجاه ما يحصل من المجازر في غزة، كما حصل مع الدّول الأوروبية وأوّلها “إسبانيا” التي قطعت علاقتها مع الاحتلال، وبدأت جميع الدّول الأوروبية تبدل موقفها، وكشف الاحتلال على حقيقته المخزية.

الاحتلال بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وما يسعى إليه حاليا هو تفجير المنطقة وإثارة الغضب الشّعبي، وذلك من أجل ضمان بقائه في الأراضي الفلسطينية أطول فترة ممكنة، من خلال التّخويف، وهذا ما نشهده حاليا. وكما لاحظنا أخيرا، يحاول قادة الاحتلال في هذه الفترة دعوة جميع المستوطنين إلى حمل السّلاح على المستوى الفردي واستخدامه ضدّ المدنيين الفلسطينيين العزّل.

هل على الفلسطينيين والعرب والمسلمين أن يطمئنّوا وينتظروا فقط سقوط هذا الكيان؟

زوال الكيان الصهيوني.. وهم أم حقيقة؟!

بقلم: الدكتور صالح نصيرات – كاتب وباحث أردني

الكيان الصّهيوني، كما هو معروف، يختلف عن الكيانات الاحتلالية الأخرى من عدّة جوانب، التي تختلف عن الاحتلال الصّهيوني لفلسطين في أنّ أيا منها لم تدَّعِ يوما أن البلاد المستعمَرة هي حقّ لها، إلاّ في حالة فرنسا عند استعمارها للجزائر الشّقيقة، وأنّها أرض ميعاد، يجب أن يرحَل عنها سكّانها الأصليون، وأن تصبح الدّولة المستعمرِة دولة نقية، بحيث تتمّ ممارسة التّطهير العرقي بحقّ كلّ السّكان بالطّريقة التي تراها مناسبة.

فالاحتلال المباشر لكثير من الدّول العربية والإسلامية، وغيرها من الدّول الأخرى، جاء ليحقّق أهدافا عدّة، على رأسها نهب الموارد البشرية، وضمان بقائه لمدد طويلة، وقد انتهى منذ فترة طويلة، ولكن الدّول الاستعمارية حقّقت هدفا غير مباشر، وهو أنّها ضمنت وجودا لثقافتها في تلك الدّول، إضافة إلى أنّها لم تخرج حتّى سلَّمت الحكم إلى فئات موالية لها، حتّى تبقى تلك الدّول مصادرَ مهمّة للمواد الخام وأسواقا استهلاكية لما تنتج، وكذلك لتطبيع تلك المجتمعات مع رؤية الغرب للحياة.

أمّا الاحتلال الصّهيوني، فقد أُنشئ بقرار أوروبي من خلال وعد بلفور المشهور، والذي جاء ليعطي اليهود أرضا بلا شعب – كما زعم بلفور – وهو وعد لم يخالف بريطانيا في ذلك أحد من الأوروبيين، وهو كيان نشأ على الإرهاب والقتل وارتكاب المجازر تحت بصر العالم وسمعه، وهو أيضا كيان متمرّد على القانون الدّولي، فهو لا يعترف بقانون دولي، ولا قانون إنساني، وللأسف أن الغرب تخلَّى عن قِيَمه تلك، وهو مستعدّ للتّخلي عنها كلَّما كان ذلك في صالحه وصالح الكيان الصهيوني.

وبدون الدّخول في مناظرات دينية حول البقاء والزّوال، فإنّنا سنقصر حديثنا على أمرين: الواقع الموضوعي للاحتلال، والثّاني ما قاله مؤرخون ومفكّرون وقادة عسكريون حول هذا الموضوع.

الكيان الصهيوني في الواقع مشروع استعماري غربي، حقّق للغرب عدّة أهداف؛ منها:

1- وجود قاعدة مهمّة له في قلب الوطن العربي، مهمّتها إبقاء البلاد العربية في حالة من التّخلف العلمي والتّقني، وكذلك ضمان المحافظة على استغلال الموارد الطّبيعية وعلى رأسها البترول، وقد قال قبل أيّام المرشح الدّيمقراطي الأمريكي “روبرت كنيدي” الابن: “إنّ “إسرائيل” أهم حلفاء أمريكا في العالم، فهي كحاملة طائرات أمريكية، – تريد حماس تدميرها-، وعلينا تقديم السّلاح والمساعدات كما تطلب، فهي كيان قانوني له الحق في البقاء”، وقد تسابق مرشّحون جمهوريون في مناظرة لهم قبل أيّام في مدح الكيان الاحتلالي والتعهّد بحمايته، وطالَب بعضهم بمحو غزّة عن بكرة أبيها، وتحدّث بنفس اللّغة الرئيس بايدن، ورؤساء وزارات بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ولذلك فمن المتوقّع تماما أن يقوم الغرب بكل ما في وسعه لضمان بقاء هذا السّرطان في جسد الأمّة العربية.

إذا، كيف يمكن لنا أن نتحدّث عن زوال هذا الكيان والعالم الغربي – في عمومه – يقف إلى جانبه، ويمدّه بأسباب الحياة، وليس مستعدّا في الأفق المنظور التخلّي عنه؟

2- يقبع الكيان وسط محيط عربي مسلم، وهو محيط كبير، ولديه ثروات هائلة، وقُدرات وإمكانات تجعله قادرا على تحرير فلسطين إن توفّرت القيادات المخلصة والجادّة، وسيأتي اليوم الذي يحصل ذلك، فلا يمكن للظّلم والاستبداد أن يبقى. كما أنّها دولة تعتمد في بقائها على الغرب وعلى دول التّطبيع، فهي تستورد نفطها من دول مطبِّعة معها، وتحصل على الدّعم المالي والسّياسي من أمريكا، ولكن قدرتها على الحرب الطّويلة محدودة. كما أنها أُنشئت من شعوب مختلفة وأعراق شتّى، وإن حاولت الصّهيونية العالمية أن تصهرهم في بوتقة واحدة، إلاّ أنّها فشلت في ذلك، فما حصل ويحصل من آن لآخر يصدّق ما نقول.

3- كما أنّ وجود ما يقرب من مليون فلسطيني في الدّاخل سيكون عاملا حاسما في نهاية وجود الكيان

4- أمّا فلسطينيو الضّفة الغربية وقطاع غزّة، فهم رأس الحربة في هذا الصّراع، الذي سيُحسم بإذن الله لصالحهم.

5- ونظرا لغياب الأمن، فإنّ الهجرة العكسية في تصاعد، وقد وصل عدد من هاجر إلى الغرب خلال هذه الثّورة المجيدة والطّوفان المقدّس إلى ما يقرب من نصف مليون، وهذا يعني أنّ غالبية من يأتي للاستيطان لا يشعر بحياة مستقرّة كما وعده به القادة الصّهاينة.

6- ومن المهم أيضا أن نشير إلى أنّ قادة الكيان يتحدّثون عن لعنة العقد الثّامن، الذي لازم نهاية كياناتهم على مرّ التاريخ، يقول إيهود باراك: “نخشى أن تنزل بـ”إسرائيل” لعنة العقد الثّامن التي أصابت دولا يهودية سابقا، كدولة داود أو دولة الحشمونائيم”.

أمّا “بيني غانتس”، وزير الحرب الصّهيوني، الذي يهدّد ويتوعّد هذه الأيام، فيقول: “سيطرة الفلسطينيين على “إسرائيل” في المستقبل ليست مستبعدة عن الواقع، وإنّ “إسرائيل” ستتقلّص خلال السّنوات المقبلة لتصبح بين مستوطنتي غديرا والخضيرة”.

أمّا المثقفون الصّهاينة، فقد كرَّروا تلك النبوءات، حيث يقول “جدعون ليفي”: “لن يستطيع أحد وقف عملية التّدمير الذّاتي الإسرائيلي، فمرض “إسرائيل” السّرطاني قد بلغ مراحله الأخيرة ولا سبيل لعلاجه”. ويضيف الصّحافي “عكيفا الدّار”: “إنّ نتنياهو وطريقته وأسلوبه السّياسي سيؤدّي لسقوط الصّهيونية في مدّة أقصاها خمسة وعشرون عاما”. ويختم “شاؤول أرئيلي” الجنرال السّابق في الجيش الصهيوني بالقول: “إنّ “إسرائيل” فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصّهيوني، وهي تسير في طريق فقدانه”.

وهذا، لا يعني بحال أن يطمئنّ أهل فلسطين والعرب والمسلمون، وينتظروا سقوط هذا الكيان. بالعكس، عليهم أن يعملوا جاهدين على خلخلة هذا البنيان الهش، والوقوف إلى جانب إخوانهم في فلسطين، ولا يقعوا فريسة الدّعايات المضلِّلة التي تقودها أنظمة فاسدة، ترى في بقاء الكيان بقاء لها. فقد كتب أحد صهاينة العرب يقول: “إنّ بقاء “إسرائيل” ضرورة لضمان التّوازن الإقليمي”، وهي فِرية تسلّلت إليه من أسياده. كما أنّ المثبِّطين والمرجفين لن يتخلّوا عن دورهم النّفاقي المستمر. ولا نقول أخيرا إلاّ ما قال ربّنا: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا”.

“طوفان الأقصى” جرف معه كلّ الرّوايات الكاذبة والدّعايات الزائفة..

الانقسام الدّاخلي وانعدام الأمن يقودان الكيان الصهيوني إلى نهايته المحتومة!

بقلم: إبراهيم باجس عبد المجيد – باحث مقدسي

منذ السّابع من أكتوبر هذا العام، وهو التّاريخ المقترن بالحدث الكبير في تاريخ القضيّة الفلسطينية (طوفان الأقصى)، كثر الحديث عن قُرب زوال ونهاية (دولة إسرائيل)، وكثر الحديث عن تمنِّي رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتن ياهو” أن تبقى دولته 100 عام، وألَّا تحل عليها “لعنة الثمانين عاما”، وهو ما يقول به غيره من اليهود، إنّه لم تعمّر أية دولة من دولهم، على مرِّ التاريخ، أكثر من ثمانين عاما.

ومن هذا المنطلق، بدأ النّاس يخوضون في هذا الحديث، مستبشرين خيرا في الخلاص من الاحتلال البغيض الذي يجثم على أرض فلسطين وأهلها منذ 75 عاما. فهل لهذا الأمر من حقيقة أو أساس على أرض الواقع، وهل له ما يسنده ويثبته من أدلّة وبراهين يمكن أن نستدلّ بها ونتَّكئ عليها؟

للإجابة عن هذا السؤال، لابدّ أن نرجع إلى النّصوص والأدبيات الموجودة عندنا نحن المسلمين، وكذلك الموجودة عند اليهود أنفسهم. وكذلك لابدّ من دراسة الواقع الحالي للدّولة اليهودية في ظل معركة “طوفان الأقصى” وانعكاساتها على الوجود اليهودي.

ولن أتوقّف كثيرا على ما يستند عليه المسلمون من نصوص تدلّ على قُرب زوال “إسرائيل”، وما ورد في سورة الإسراء عن الإفساد اليهودي الأول والثّاني، واختلاف المفسِّرين والمؤرّخين هل وقع الإفساد الثّاني قديما أم لم يحدث، وما إذا كان هو الواقع اليوم بوجود دولة بني “إسرائيل” على أرض فلسطين.

ولن أتوقّف أيضا عند النّبوءات التي تنبّأ بها بعض العلماء والمفكّرين المسلمين، والتي حدَّدوا فيها سنة زوال “إسرائيل”؛ حيث بدأ في ذلك الدكتور سفر الحوالي، الذي قال إنّ زوال الدّولة اليهودية سيكون سنة 2012، بينما ذكر الشّيخ بسام جرَّار أنها ستنتهي وتزول سنة 2022، ثم حدّد الشّيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس) زوال الدولة الصهيونية سنة 2027.

لكن أريد التّركيز على ذلك من خلال ما يتداوله اليهود أنفسهم وتخوُّفهم من قُرب زوال دولتهم، مستندين في ذلك على شواهد تاريخية سابقة، على غرار أنّه لم تدم دولة لهم أكثر من ثمانين سنة، ومن نصوص توراتية تؤكّد ذلك. فقد أشارت التّوراة إلى قيام الدّولة اليهودية، إلاّ أنّ الطّوائف اليهودية الأرثوذوكسية اليوم يرون أنّ قيام هذه الدّولة في هذا الزّمان خطيئة؛ لأنّها في نظرهم لا تتوافق مع ظهور المسيح المخلِّص، وهذا منذر بزوالها قريبا.

وقد انتقل هذا التخوُّف من قرب زوال هذه الدّولة الهجينة إلى السّاسة والمفكرين اليهود، ليس فقط نتن ياهو، الذي تحدّث عن هذا الأمر، فقد سبقه آخرون في الحديث عن ذلك. فهذا رئيس وزرائهم الأسبق “مناحيم بيغن”، والذي وقَّع اتفاقية (السّلام) مع مصر، تحدّث عن هذا الأمر، حيث ذكر عام 1982 أنّ “إسرائيل” ستنعم بالسّلام 40 عاما، ثم ستكون المعركة الفاصلة مع الفلسطينيين، ما يعني حسم الوجود اليهودي على أرض فلسطين.

كما انتقل هذا التّخوف إلى دوائر صنع القرار خارج “إسرائيل”، فقد أعربت وكالة المخابرات الأمريكية في تقرير لها عام 2010 عن شكوكها في بقاء “إسرائيل” عشرين عاما أخرى، وتحوّل مشروع حل الدّولتين غير القابل للتّطبيق إلى حلّ الدّولة الواحدة، مع عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ورحيل أكثر من مليوني يهودي من الأراضي الفلسطينية إلى أمريكا، وعودة أكثر من مليون ونصف منهم إلى روسيا ودول أوروبا. كما أصدرت 16 وكالة استخبارات أمريكية تحليلا بعنوان (الاستعداد لشرق أوسط بدون “إسرائيل”).

فعلى أي شيء استندوا في ذلك، وعلى أي شيء استند “مناحيم بيغن” في توقعه وتخوُّفه قبلهم؟هذا سؤال يجيب عنه الدكتور عبد الوهاب المسيري – رحمه الله – في (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية 135/20): حيث يقول: إنّ النّقطة الأساسية في رؤية وسلوك الجيل المؤسّس “لدولة إسرائيل” هو حلم الدّولة وضمان وجودها، فالدّولة التي أسَّسوها ليست بالضّرورة كيانا مضمونا مهما بلغت من قوّة، ولذلك كان يسيطر على أعضاء هذا الجيل هاجسان أساسيان: الهاجس الأمني، وهاجس التّماسك الدّاخلي، فأيَّ خلل في تصوُّرهم كان من الممكن أن يؤدّي إلى زوال الدّولة، والعودة إلى (الدياسبورا ـ الشّتات) من جديد، بل إنّ حالة الاستقرار يمكن أن تؤدّي إلى تفكّك المجتمع الصهيوني”. وهذان الهاجسان متحقّقان اليوم في الكيان الصّهيوني:

أمّا هاجس التّماسك الدّاخلي، فنحن نعلمه عنهم منذ أن قال الله فيهم: “تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى”، ويعلمه اليهود أنفسهم أكثر من غيرهم، ويحذِّرون منه ليل نهار. فقادتهم يؤكدون أن توحَّد الشّعب الإسرائيلي، والابتعاد عن الفرقة هو فقط ما يضمن بقاء دولتهم وكسر (اللّعنة) التي يتوجَّسون منها.

وممن حذَّر من ذلك “إيهود باراك”، رئيس وزرائهم الأسبق، حيث كتب في مقال له: “إنّ التّهديد الحقيقي يكمن في الانقسام الدّاخلي”، وقد أعرب في هذا المقال عن قلقه من زوال “دولة إسرائيل” قبل أن تبلغ عقدها الثّامن، ويرى أنّ الحل في منع حلول هذه اللّعنة هو وحدة الإسرائيليين، ونبذهم للكراهية والتعصّب فيما بينهم، موضحا أنّ انقسامهم الدّاخلي وتنامي الكراهية هما ما قد يؤدّيان إلى حلول اللّعنة، وليس فقط الصّواريخ الفلسطينية، على حدّ تعبيره.

وهذا رئيس الكنيست السّابق “أبراهام بورغ”، يتنبّأ بنهاية دولة “إسرائيل” بسبب إهدار اليهود للقيم الإنسانية في معاملتهم للفلسطينيين، مما يؤدّي إلى شحن أبناء فلسطين بالحقد والكراهية والانتقام. وأمّا الهاجس الأمني: فنراه اليوم متحقّقا بعد معركة (طوفان الأقصى)، فمن كان يظنّ أنّه في يوم واحد يفرّ عشرات الآلاف من مستوطناتهم في ذعر وخوف وهلع، نازحين إلى مدن وبلدات أخرى، وقد كان مصطلح (النزوح واللّجوء) لصيقا بالفلسطينيين دون غيرهم؟

ومن كان يظنّ أنّه، ومع أول صفاَّرة إنذار، ستزدحم المطارات الإسرائيلية بمئات الآلاف من اليهود (المهاجرين) من أرض فلسطين إلى حيث أتوا؟ وقد كان مصطلح (الهجرة) أيضا لصيقا بالفلسطينيين دون غيرهم.

ومن كان يظنّ أنّ من بقي من هؤلاء اليهود المحتلّين لن ينعموا بالأمن والأمان على أرض فلسطين، لأنّ المواجهة في (طوفان الأقصى) لم تعد محدودة في مكان واحد في فلسطين، بل طالت كلّ التّجمعات اليهودية، فلم يعودوا يشعرون فيها بالأمان، كما أنّ استمرار هذه المواجهات وزيادة عدد القتلى في الجانب الصّهيوني زاد من عدم شعورهم بالأمان، فذلك فضَّل كثير منهم الهجرة فرارا بنفسه وروحه.

يضاف إلى ذلك أمر في غاية الأهمية، وهو تغير نظرة الرأي العام العالمي إلى “إسرائيل” بعد “طوفان الأقصى”، وإدراكهم مدى وحشيتها في التعامل مع الفلسطينيين، وإدراكهم كذلك زيف إعلامها ودعاياتها الكاذبة على مرّ عقود منذ إنشائها واغتصابها أرضَ فلسطين. وهذا أمر يؤرِّق الساسة اليهود كثيرا، فهم أنفقوا الأموال الطائلة على الإعلام العالمي في سبيل تحسين صورتهم القبيحة، ثم يأتي “الطوفان” ليجرف ما بنوه ما دعاية زائفة وكاذبة. وهم يشعرون – الآن – أن حبل الناس بدأ ينقطع عنهم شيئا فشيئا، بعد أن انقطع عنهم حبل الله، وبالتالي هم يسيرون إلى نهايتهم المحتومة، نهاية الزوال، بعد انتصاراتهم الوهمية. وفي هذا يذكر الدكتور المسيري عن أحد المفكرين الإسرائيليين أنّ “إسرائيل” ستركض من نصر إلى نصر، حتى تصل إلى نهايتها المحتومة!

وأخيرا أقول: قد تكون نبوأتنا نحن المسلمين، ونبوأة اليهود أنفسهم بزوال دولتهم قريبة التحقق. لكن هل نركن إلى ذلك؟

فقد مضت السنوات التي تنبأ فيها الدكتور الحوالي والشيخ جرار، ونحن ننتظر سنة 2027، وهي السنة التي حددها الشيخ ياسين – رحمه الله- لكن هل في انتظارنا نبقى مكتوفي الأيدي؟

كلا، بل لا بد من الاستعداد، ولا بد من إعداد جيل يسعى إلى تحرير فلسطين، كل فلسطين، من الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، فقد لا يكون التّحرير ونهاية دولة الكيان على أيدينا نحن، بل على يد أبنائنا أو أبناء أبنائنا. المهم أن نعدّ العدّة لذلك، ونربي أجيالا على أنّ هناك حقّا لنا اغتصبه الصّهاينة لا بدّ من استرداده.

ولا أظن “طوفان الأقصى” إلاّ لبنة قوية ومتينة في إعداد ذلك الجيل المنشود، جيل التحرير. وكم رأينا على امتداد رقعة العالمين العربي والإسلامي كيف توقَّدت من جديد جذوة حب فلسطين في نفوس الأطفال الصّغار، هؤلاء الأطفال الذين سعت كل آلات التّعليم والإعلام الصّهيونية والغربية، ومعها العربية أيضا، إلى سلخهم من هويتهم العربية والإسلامية، وإلى مسح القضيّة الفلسطينية وقدسيتها من مخيلاتهم.

ونحن، بعد كل ذلك، نعلم أنّ النّهايات – وإن طال زمانها- محسومة لصاحب الحق، وأنّ الأحاديث الشّريفة في كلام الحجر والشّجر صحيحة معلومة، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا.

الباحث القانوني المهتم بالشّأن الفلسطيني سفيان خليفي لـ “الأيّام نيوز”:

“الانشقاقات والتصدّعات الطائفية والدّينية ستعصف باستقرار الكيان الغاصب”

يعتقد المحامي والباحث القانوني المهتم بالشّأن الفلسطيني، سفيان خليفي، أنّ “أكبر سبب لزوال الكيان الصهيوني هو خسارة صورته أمام الرّأي العام العالمي، نتيجة الجرائم البشعة التي ارتكبها ويرتكبها في قطاع غزّة بكل وحشية، مستعملا في ذلك الأسلحة المحرّمة دوليا كالفسفور الأبيض، خارقا – بذلك – كلّ القوانين الدّولية والاتّفاقيات المتعلّقة بذلك، خاصّة اتفاقية جنيف الرّابعة المتعلّقة بحماية المدنيين أثناء النّزاعات المسلّحة”.

إلى جانب “تغيير العديد من الدّول – يضيف المتحدّث ذاته- مواقفها تجاه القضيّة الفلسطينية بتزايد عدد المظاهرات المتضامنة مع الشّعب الفلسطيني وقطاع غزّة في كلّ من لندن، إسبانيا وألمانيا نتيجة تمزيق السّتار عن الصّورة التي رسمها الكيان للعالم، بواسطة وسائل الإعلام والاتصال التي قدّمت للعالم صورة عن حقيقة هذا الكيان الصّهيوني”.

وفي السّياق، عرّج سفيان خليفي على ما يسمى بعقدة “العقد الثّامن” حيث يشير التّاريخ اليهودي إلى أنّ “كلّ الدّول اليهودية القائمة سابقا لم تبق لأمد طويل أكثر من 80 سنة، ويستشهد بذلك بالعديد من الدّول، منها الدّولة الأمريكية التي نشبت فيها حرب في عقدها الثّامن، وبريطانيا التي تحولت إلى دولة فاشية في عقدها الثّامن كذلك، وألمانيا التي تحوّلت إلى النّازية في عقدها الثّامن، وفي عقدها الثّامن اندلعت الثّورة الشّيوعية وتفكّك الاتحاد السّوفياتي في روسيا”.

وأفاد سفيان خليفي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، بأنّ “المجتمع الإسرائيلي بعد مرور سبعة عقود على نشأة دولة الكيان الصهيوني، يعاني من انشقاقات وتصدّعات طائفية ودينية كافية للمساس باستقرار دولة الاحتلال الصّهيوني، ويتجلى ذلك بوضوح في حالة التّضاد الطّائفي الحاد بين مكونات المجتمع الإسرائيلي نفسه على المستوى السّياسي والإثني، والتوتّر الدّيني بين المتدينين والعلمانيين، التوتر الإثني بين الأشكناز (يهود أوروبا) والسفارديم (يهود الشرق) والفلاشا (يهود أثيوبيا)”.

وفي شأن متّصل، أشار المتحدّث ذاته إلى “ظهور حركة جديدة في “إسرائيل” خلال الأشهر القليلة الماضية تحت شعار “لنغادر فلسطين معا”، وذلك ينمّ على هجرة اليهوديين خارج دولة فلسطين”. وحسبه، “فالإحصائيات تشير إلى وجود 10 آلاف يهودي متّجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2023، خوفا من الصّراعات الدّاخلية والهجمات الفلسطينية وعدم الوصول مستقبلا لتسوية ودية وسياسية، إلى جانب تراجع نسبة الهجرة من أمريكا والدّول الأخرى إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك ببروز الهجرة العكسية من فلسطين المحتلة نحو البلدان الأخرى، وهذا ما يوحي بضعف علاقة انتماء اليهوديين بدولتهم، وقد توصّلت الدّراسات الميدانية إلى أنّ ما يقارب 44 بالمائة فقط من اليهوديين يعرّفون أنفسهم بصفتهم إسرائيليين”.

وفي سياق ذي صلة، أكّد المحامي والباحث القانوني المهتم بالشّأن الفلسطيني، سفيان خليفي، على وجود “خوف لدى الكيان الصّهيوني من فقدانه السّيادة على المناطق المسماة النّقب والجليل بسبب التفوّق الدّيمغرافي الفلسطيني”، مستدلّا بإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني التي تؤكّد على أنّ “تعداد الفلسطينيين في منتصف العام الميلادي 2023 هو 14.5 مليون مواطن فلسطيني، ويوجد منهم 5.84 مليون مواطن داخل فلسطين، وينقسمون إلى 2.78 مليون من الذكور مقابل 2.70 مليون من الإناث، وفي سنة 2023 قدّرت زيادة المواليد بـ 42 ألف مولود بلغت النسبة 2.1 بالمائة”.

إلى جانب ذلك، أفاد المحامي والباحث القانوني المهتم بالشّأن الفلسطيني بأنّ “الشّعب الفلسطيني ينظر للصّراع بينه وبين الكيان الإسرائيلي من زاويته المنطقية، بحجّة أنّ الملاين من العرب والدّول العربية المحيطة بهم وبالأقلية اليهودية التي لا يتجاوز عددهم 7 ملاين نسمة، فالانتصار “سوف يكون حليف الشّعب الفلسطيني حتما”، كما قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس.

كما أكّد سفيان خليفي على أهميّة “التفاف الرّأي العام العالمي حول القضية الفلسطينية، مستشهدا بندوة الجزائر الدّولية، “العدالة للشعب الفلسطيني”، التي انعقدت يومي الأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي، والتي شهدت مشاركة العديد من المحامين والقضاة والحقوقيين قدموا من دول عديدة’ وممثّلين عن المنظمات الدّولية، حيث تمّ دراسة الوضع في قطاع غزّة وتمّ تشكيل 4 ورشات وإنشاء لجنة مشكلة من قضاة ومحامين تتولّى متابعة رفع الشّكاوى بخصوص الجرائم الإسرائيلية أمام محكمة الجنايات الدّولية وباقي المحاكم التي تعتمد عالمية العقوبة، لمعاقبة مجرمي الحرب الصهاينة ومن بينهم بنيامين نتنياهو”.

الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية حاج بشير جيدور لـ “الأيام نيوز”:

“طوفان الأقصى” يعزّز نبوءات الزّوال الحتمي للكيان الصهيوني 

مع الوقت، أصبح اقتناع جميع من ارتبط بالدولة العبرية على مدى سنوات وجودها في خاصرة الأمة، سواء أكانوا بُناة الدار أنفسهم وساكنيها أو دوائر أصدقائها وأعدائها، متناميا على أن بناء تلك الدار لم يكن على قاعدة سليمة، وأن احتمالية فنائها واقعة لا محالة، واعتقد هؤلاء جميعهم أن تلك الدار لا يمكن أن تتحمل ثقل البنيان ومرّ الزمن عليها وسط بيئة غير رتيبة بطبيعتها، لا بل ويزيد من إيمان هذا الكل المؤلف من أصحاب الدار وأصدقائهم وأعدائهم بأن ما كان يُتداول (همسا) يَسيرُ سير الريح الهادئ في بدايات الوجود بعد 1948 قد أصبح (دندنة) لها جلبة وصوت بعد حربي 1967 و1973، ثم بات له (دوي) متقطع بانطلاق تتابعي لانتفاضات شعبية بين 1988 و2000، حتى وصل الدوي مداه بتفجر (طوفان الأقصى) الذي أعلى صوت “الهمس” وزاد من حدة “الدندنة” وجعل “الدوي” متواصلا، وقرّب إلى أذهانهم كل ما كانوا يبعدونه عنها ذات يوم بسلطان القوة التي اكتسبوها، بعد نجاحهم في إعلان الكيان وهزم العرب مجتمعين في حرب الأيام الست.

يقف خلف الإيمان الذي أصبح يرسخ بمرور الوقت في مخيال بناة الدولة العبرية توليفة من 03 اعتبارات رئيسة تتسق مع بعضها بشكل منطقي، لم يستطيعوا هم أنفسهم أن يفكوا الارتباط فيما بينها، وبالتالي تظل قناعاتهم عن حدوث ما ليس منه بد في تعاظم ما داموا لم يجدوا فاصلا واحدا يستطيع فصل تشابك عناصر تلك التوليفة وترابط بناها.

اعتبار مرتبط بمقاربات دينية وتاريخية تُؤسَّسُ على قداسة النص والإيمان الراسخ بالنذر:

لقد تفاقمت في الشارع المعرفي والسياسي للدولة العبرية نبوءات عن زوال الدولة وانهيار بناها انطلاقا من نصوص مقدسة آمنوا بها من شرائعهم هم، بالإضافة إلى انفتاح بعضهم على نصوص دينية إسلامية تصب في المنحى ذاته،  والتي تناولت بقاء أي دولة لليهود بالمدة المحددة، أقصاها 80 سنة.

فظل – بذلك – البيت الداخلي في الدولة العبرية مهلهلا تحكمه مجموعة من العقائد الدينية الصرفة والمحرفة، والتي أراد لها مؤسسوها أن تكون نموذجا للدولة “الثيوقراطية” المبنية على أساس تلمودي بنصوص صريحة عن (الحق في العودة) و(شعب الله المختار) والتلويح بتهم جاهزة عن (معاداة السامية) وقداسة مصطلح (أرض الميعاد)، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لهيكل سليمان وبنائه من جديد على أنقاض المسجد الأقصى.

نقلت وكالة “رويترز” عن رئيس الوزراء اليهودي نتنياهو قوله في عيد العرش في نوفمبر 2017: “سأجتهد لأن تبلغ “إسرائيل” عيد ميلادها المائة لكن هذا ليس بديهيا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة وهي دولة الحشمونائيم”، وفي كلامه ما يدلل على تسلل هواجس ذات طبيعة وجودية إلى مخيال الطبقة الحاكمة في “إسرائيل” بعد أن بقيت تلك الهواجس حبيسة أذهان جزء من الطبقة المثقفة دينيا والمكونة من رموز الصف الأول من الحاخامات وبعض المثقفين الدارسين للعقائد اليهودية.

وبعد انطلاق طوفان الأقصى، عادت إلى ساحة التداول الكثير من أفكار الساسة والمفكرين والمؤرخين اليهود التي دللت على تنامي ذلك التفكير في أوساط البنى الفكرية والسياسية للدولة العبرية، أبرزها ما نشره الصحافي “يارون لندن” عن قلق نامٍ في “إسرائيل” بخصوص مستقبل الدولة: “إنني أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبة بقائنا في هذه الدولة لن تتعدى 50 بالمائة، ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبة 50 بالمائة تعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك”.

فالهجوم المباغت والقوي وغير المسبوق ولا المتوقع الذي هز كيان الدولة في السابع من أكتوبر المنقضي، عزز تلك النبوءات واعتبرها أقرب للتحقق الآن،  بعد عجز دولة كانت معدودة من أقوى خمس دول في العالم على وقف هجمات بالأسلحة الخفيفة عليها،  ناهيك عن التنبؤ بها من الأساس. واستعادت الذاكرة الإسرائيلية توقعات كانت تعتبر متشائمة لبعض الرموز والنخب الصهيونية وكذا تقديرات لبعض الساسة والمفكرين أنهم بصدد غلق باب التفكير في “مشكلة الحدود” وفتح آخر عن “مشكلة الوجود”، ونقل عن رئيس الموساد “مثير داغان” قوله: “إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني”، ومثله قال رئيس الشاباك السابق “يوفال ديسكين” “إن الفساد السياسي والتعفن الذي توجد عليه “إسرائيل” يمثلان نهاية البداية أو بداية النهاية”.

ولعل الأهم هنا هو تصريح لافت لرئيس وزراء سابق “نفتالي بينيت” في جوان 2022 جاء فيه: “أننا نواجه جميعا لحظة مصيرية، حيث تفككت “إسرائيل” مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمرها 77 سنة والثانية بعمر الـ80، نعيش الآن حقبتنا الثالثة ومع اقترابها من العقد الثّامن ستصل “إسرائيل” لواحدة من أصعب لحظات الانحطاط التي عرفتها على الإطلاق.

اعتبار مرتبط بفساد البيت الداخلي واقتناع بوجوب النزول من الشجرة:

يُعتبر ملف فساد النظام الإسرائيلي واحدا من أكبر الملفات التي يحاول كثير من الساسة والمفكرين تجاوزها بالإصلاح أو تسوية الآثار التي ترتبت عنها في مراحل زمنية فائتة، لشعورهم الجارف بأنها إن بقيت مفتوحة ستؤدي إلى استنزاف طاقات البلد الوليد، وتفتح بابا لتسلسل نبوءات الضياع والاندثار، وبالتالي فهم حريصون في كتاباتهم وفي إعداد سياساتهم على معالجة آثار الفساد بكل أنواعه حتى يتمكنوا من مواجهة الذين يرون فيهم أنهم منقرضون لفسادهم، وبأن دولتهم ديموقراطية ومؤسسة على قواعد الشفافية والعدالة.

أولى دلائل الفساد كانت مباشرة في بدايات مراحل هجرة اليهود نحو فلسطين وسرقة أراضي العرب واستيطانها، ثم تطور الفساد إلى العبث بالمعونات التي تقدمها الدول الغربية للدولة العبرية تحت بند الحماية والتحالف الإستراتيجي، والأهم هو نجاح الساسة فيها في خداع الدول الغربية باسم “المحرقة المزعومة” أو (الهولوكوست)، والتي استنزفوا بها من خزائنهم بوصف ذلك تعويضا عن المآسي المزعومة التي تعرضوا لها على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية، فكانت تلك الموارد المالية الآتية إليهم تحت بند التعويضات بابا هاما للسرقات والمحاباة والرشى.

يروي”عبد الحكيم حنيني” الأسير المحرر بموجب صفقة الجندي شاليط سنة 2011، وبوصفه من مؤسسي كتائب القسام، أن أول تعاملهم في مجال تأمين السلاح للمقاومة الوليدة داخل الدولة العبرية كان من خلال تعاملهم مع تجار السلاح في الداخل، والذين يبتاعون قطع السلاح الجديدة من جنود الجيش والمستوطنين المسلحين ثم يعاد بيعها إلى المقاومين، وهو مؤشر آخر عن عمق الفساد داخل البنى الانضباطية كالجيش الذي يُظهر منتسبوه تفككا عن العقيدة التي أسس الجيش عليها بركونهم إلى المنافع الشخصية على حساب قدسية الدولة.

وأهم مخرجات عملية الفساد الممنهج، والتي تؤدي بالضرورة إلى تزعزع أركان الدولة مع الوقت، الأزمة السياسية التي عرفتها منظومة الحكم بعد تفجر صراعات العصب الحاكمة وانتقالها إلى الشارع بنزول مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع، على ضوء سعي الحكومة رقم 37 مطلع السنة الجارية 2023 إلى تمرير حزم قوانين تقضي بإدخال تعديلات على النظام القضائي لأجل إصلاحه بما يسمح للبرلمان “الكينيست” بتعليق قرارات المحكمة العليا في الدولة، وبالتالي سيسمح للائتلاف الحاكم بالأغلبية بتعيين القضاة تمهيدا لتحديد حريتهم، ثم تشريع آخر يمنع المحكمة العليا من إلغاء “القوانين الأساس” التي يسنّها البرلمان العبري.

اعتبر الشارع الإسرائيلي، ومعه قطاع هام من المفكرين والقانونيين، أن ذلك الحراك السياسي القانوني إنما يهدف إلى اختطاف الدولة من طرف فئة حاكمة باسم الأغلبية وتعطيل عمل أكبر جهاز قضائي رقابي، وذلك بغرض طمس معالم الفساد وتمكين رؤوس بعينها من الإفلات من الرقابة والمحاسبة، وبالتالي وأد جل قضايا الفساد والرشوة وإعادة بناء الدولة على أسس معوجة ستؤدي بالمحصلة إلى انهيار نظام الدولة والمجتمع.

اعتبار مرتبط بالشّعور النّاخر بالذنب غير المعترف به تجاه أصحاب الأرض:

  • بناة الدولة الصهيونية يظلون أسرى لمعتقد أصبح مع الوقت حقيقة مؤكدة عن نشوء الدولة خارج نوعين من الأعراف:
  1. خارج الأعراف الطبيعية: حيث أن إنشاء أي دولة يتطلب تحقق نظرية “التمدد الزمني للساكنة على أرض بعينها” والإثبات بتملكها أزمنة غائرة حتى يصبح وجودهم عليها مرتبطا بهم فيكون بذلك نشوء تنظيم سياسي مبني على “شرعية الوجود”، لكن إيقانهم بأنهم استوطنوها بالغصب والقوة انطلاقا من هجرات متعددة من عدد من الدول التي آوتهم كيهود خلال حقب زمنية مختلفة ولّد لديهم عقدة الشعور بالذنب والتي ستتطور لتصبح هاجسا ثم قناعة، ذلك أنهم استغلوا وثيقة سياسية حررت في شكل “شكر” على المساعدة سنة 1917 فاعتبروها “وعدا” بتأمين وطن قومي في فلسطين، لا لشيء إلا أن أصحاب الوعد أيامها كانوا قاب قوسين أو أدنى أن يضعوا أيديهم على بعض من “تركة الرجل المريض” أيامها، فوعدوا بما قد يملكوه غدا، ولو كانت أرض أخرى غير فلسطين تحت يدهم لوعدوا اليهود بها.
  2. ثانيا: خارج الأعراف الدينية: حيث تشكلت من بينهم هم أنفسهم مجموعة من الحركات والمنظمات والرؤى والأفكار التي تنفي أي جواز لقيام الكيان السياسي لليهود برمته، لعل أبرزها الحركة الدينية اليهودية المناهضة للصهيونية (حراس المدينة) المعروفة بـ: “ناطوري كارتا” والتي لا تعترف بهذه الدولة وتحرم قيامها على أراضي فلسطينية بل وترفع كل غطاء يشرعن الاحتلال، وتعتمد على نصوص دينية عن منع سلب أراضي الغير إلا بإذن من الله، والذي لن يأذن بذلك لاقتناعهم بجريرتهم في مخالفتهم لشرائع الله قديما، وأن ما هم فيه من الشتات أمر مقضي عليهم به وجب عليهم الإذعان له صاغرين. تتكاثر في أطناب الدولة العبرية اليوم هذه الأفكار المرتبطة بالخروج عن الأعراف الطبيعية والدينية في تأسيس الدولة، خاصة أنها دولة دينية باعتراف بناتها وأوائل مؤسسيها، والنقاش أصبح أكثر جرأة في العقود الأخيرة في تفاصيل وأدلة أصحاب الرأيين، وأصبحت قطاعات كبيرة داخل “إسرائيل” وخارجها تتناول هذه النقاشات وتنميها، بل وتنتشر حتى في أوساط غير المثقفين وقد كانت حتى عقدين مضيا حبيسة صالونات مغلقة ودوائر ضيقة مرتبطة بالسياسة أو الدين فقط.

حتى أن بناة الدولة الصهيونية، ومعهم كثير من ساساتها اليوم وحكامها، متأكدون من مسألة أخرى جوهرية تصب بدورها في بوتقة النبوءة بزوال الدولة، وهي أن إيجادها في الأصل من طرف الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض الأوروبيين كان بغرض أن تكون “بيدقا” بيدهم لتنفيذ سياسات تخصهم في المنطقة، وأبرزها أن تكون عينهم على مصادر الطاقة في الخليج التي بدأت عمليات استغلالها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، وفي مرحلة لاحقة زادت الأهمية الإستراتيجية لإبقائها حية ترزق ودعمها وتقويتها بعد نجاح الثورة الإيرانية وبدايات تطبيق سياسة “تصدير الثورة” خارج إيران، بما يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط، لذلك فإن أي احتمالية لتسوية الصراع مع إيران سياسيا أو تحييدها عسكريا وبعد انضمام أغلب الخليجين إلى سلة التطبيع، ستؤدي بالضرورة إلى رفع غطاء الدعم عن الدولة العبرية وتفكيكها.

الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سعيدة بن رقرق تتساءل:

طوفان الأقصى ولعنة العقد الثّامن.. هل هي بداية نهاية الدولة الصهيونية؟

  • لدى العالم العديد من الصور لـ “إسرائيل”.. ولدى “إسرائيل” صورة واحدة لنفسها: “صورة شعب في طريقه إلى الزوال

بتاريخ ذات سبتٍ من السابع أكتوبر، 2023 وتحديدا بجغرافيا دولة فلسطين المحتلة، وقعت المفاجأة والفاجعة لدى “إسرائيل” شعبا وحكومة، فقد استيقظت على “طوفان الأقصى”.. ومنذ ذلك التاريخ ودولة بني صهيون تحت صدمة الهجوم ترد بوحشية وتمارس القتل والتشريد لأبناء غزة، ولم ترحم أو تستثني من الأسر والتفجير والقتل لا شيخا ولا امرأة ولا طفلا، بل جعلت منهم بنكا لأهدافها لضرب البناء الديموغرافي الفلسطيني، وهي تسعى بكل همجية ورغبة مقيتة في رد الهيبة المهتزة منذ فاجعة الطوفان، وتبحث عن فرض قوة تستميت في استعمالها خوفا من صدق فرضية زوالها وعدم استمراريتها، والتي حاولت دائما التدليل على عكسها وهذا ما سآتي عليه في المحددات التالية:

  1. أساسيات البناء الفاشل وعقدة العقد الثّامن: في السابع من ماي من عام 2022، أفصح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مخاوفه من الزوال المُرتقب لدولته، مُعللا مخاوفه بما سمّاه “سُنَّة التاريخ اليهودي”، التي تقول إن كل الدول اليهودية لم تُعمِّر أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين، فترة الملك داوود، وفترة الحشمونائيم وفق الروايات اليهودية، وفي كلتيهما بدأ تفكُّكها في العقد الثّامن.

وبالنسبة إلى “إسرائيل”، يعود الإعلان الرسمي عن قيامها إلى يوم 14 ماي عام 1948 على أرض فلسطين بعد انسحاب الانتداب البريطاني، فقد أعلن ديفيد بن غوريون في اليوم نفسه قيامها، ودعت القيادات الإسرائيلية يهود الشتات للعودة إلى “ما سمته بأرض الوطن، أو الأرض التاريخية لليهود مطالبة إياهم بدعم الدولة حديثة الولادة، هذه الأخيرة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي من الأوائل المعترفين بها والمباركين لها بعد الدقائق الأولى للإعلان.

ولم يكن هذا هو الميلاد الحقيقي لدولة بني صهيون في أرض فلسطين العربية، فللتاريخ ما يقوله في هذا الشأن، ففكرة الدولة الصهيونية تعود للمؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897 بمدينة بال السويسرية بدعوة من ثيودور هرتزل الأب الروحي للدولة اليهودية، وأعلن المؤتمر عن حق الشعب اليهودي في تحقيق انبعاثه القومي في بلاده الخاصة به كما عمل على تعزيز الهوية اليهودية في أوروبا الغربية وتعليم اللغة العبرية وتحويل أنظارهم من أمريكا الجنوبية إلى أرض الميعاد فلسطين.. وبعدها جاء وعد بلفور اللعين سنة1917 واعترف بهذا الحق للشعب اليهودي لإعادة بعث دولته وإحياء مجده، من خلال صك الانتداب المقرر في عصبة الأمم.

ويعدّ وعد بلفور،  الذي التزمت فيه بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى بتأييد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، من دون أدنى شك أحدَ أكثر الوثائق السياسية تأثيرا في القرن الماضي، فإدراج هذا الوعد ضمن صك انتداب بريطانيا من عصبة الأمم على فلسطين، يعني بشكل أو بآخر أنّ القانون الدولي يضمنه، ورغم أن الوعد هو رسالة قصيرة من وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور إلى رئيس الجالية اليهودية في بريطانيا اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد إلا أنه أصبح المبدأ التوجيهي للحكم البريطاني للبلاد خلال السنوات الثلاثين التالية، ليتمّ تنفيذه النهائي مع قيام “إسرائيل” في سنة 1948، ما أدى لتغيير الخارطة الجغرافية والسياسية للشرق الأوسط، والمتتبع للسيرورة التاريخية لبناء ما يسمى بـ”دولة إسرائيل” يلاحظ أنها دولة عرجاء قامت من لا شيء، رغم الدعم الدولي المنقطع النظير خاصة البريطاني والأمريكي حاليا، وقد جاءت عملية “طوفان الأقصى” لتعيد “إسرائيل” إلى مخاوفها التاريخية والسياسية بزوال دولتهم القائم بنيانها على جرف هار، لاسيَّما مع فرار العديد من المستوطنين إلى الخارج بمجرد اندلاع هجومات المقاومة الفلسطينية؛ إذ إن هناك خطرا حقيقيا يستشعره قادة دولة بني صهيون قبل أفراده، فرغم القوة الصلبة الشكلية فالإحساس بالخوف من الزوال هو الهاجس الأول لليهود جيلا بعد جيل، لهذا عملوا على التمدد والتوسع كما سآتي عليه في النقطة الموالية.

  1. دعائم التمدد: كما تطرقنا سابقا إلى السياسات الهشة التي قامت عليها “إسرائيل” في قلب العالم العربي وفي رقعة جغرافية جيوسياسية محورية في الهلال الخصيب، فإنها منذ تأسيسها سنة 1948 قامت بينها وبين العرب العديد من الحروب كان أولها حرب 1948 كمقاومة من الشعب الفلسطيني على أرضه، وشاركت في هذه الحرب قوات من العديد من الدول العربية، وعملت قوات الاحتلال على تهجير الشعب الفلسطيني بالقوة من أرضه، حيث أجبر الآلاف من الفلسطينيين على ترك منازلهم فيما عرف بعام النكبة 1948، وانتهى القتال بين الطرفين بهدنة في العام الموالي، بعدما سيطرت الدولة المدسوسة في قلب العالم العربي على معظم المنطقة وسيطرت الأردن على المنطقة التي أصبحت تعرف بالضفة الغربية، وسيطرت مصر على قطاع غزة، أما القدس فقد تقاسمته القوات الإسرائيلية في جانبها الغربي والقوات الأردنية في جانبها الشرقي، واحتلت “إسرائيل” القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة عن مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء المصرية في حرب النكسة عام1967، وظل الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية وفي دول الجوار سوريا الأردن ولبنان، وبقيت غزة تحت الاحتلال حتى سنة 2005 وقد قامت “إسرائيل” في هذه الفترة ببناء المستوطنات، ورغم أنها بعد 2005 سحبت قواتها ومستوطنيها إلا أنها بقيت تسيطر على المجال الجوي والحدود المشتركة والشواطئ. وعملت الدولة الصهيونية على تشريد الفلسطينيين وتهجيرهم إلى دول الجوار،  ولم تسمح لهم بالعودة رغم القرارات الأممية التي تقر بحق العودة لفلسطيني الشتات، لأن بعودتهم تكتسح الجغرافيا المغتصبة المحتلة وتشكل خطرا وجوديا وجغرافيا وسياسيا على دولة الاحتلال المهلهلة أساسا والمبنية على الاقتطاعات الجغرافية من دول الجوار وهذا ما من شأنه تشكيل خطر حدودي دائم لـ “إسرائيل” كما سنوضحه في النقطة الأخيرة.
  2. الحدود الرخوة ووقوع “إسرائيل” بين طرفي كماشة جغرافية: الخطر الوجودي الآخر الذي يهدد الدولة الصهيونية هو الحدود الملتهبة، فالمتتبع للسيرورة التاريخية لنشوء الدولة الصهيونية وتغلغلها وسط العالم العربي يفهم جيدا سبب التخوف الأمني الذي تعيشه “إسرائيل” من جيرانها؛ فجغرافيتها ليست ثابتة ومقتطعة من عدة دول معادية، وملاحظة بسطة لخريطة فلسطين المحتلة توضح عدم قدرة “إسرائيل” على الانفلات من الوقوع بين طرفي الكماشة من كل الدول المحيطة، ففي الشمال توجد لبنان وسوريا وما يشكله حزب الله من تهديد أمني لها. وفي الشرق الضفة الغربية والأردن ورغم توقيع الطرفين لاتفاقية السلام بينهما سنة 1994 إلا أن الأردن من أكبر دول الجوار التي تحوي عدد اكبيرا من الفلسطينيين المهجرين، الذين ينادون بحق العودة للوطن الأم وما تشكله عودتهم من مشاكل ضاغطة للإسرائيليين، بالإضافة إلى الخطر المستمر الذي يشكله قطاع غزة من الجهة الغربية الذي يعتبر أكبر هاجس لليهود شعبا ونظاما خاصة بعد هجومات السابع من أكتوبر وثبات المقاومة الفلسطينية. فالدول تعمل على تصفير المشاكل مع دول الجوار وتأمين الحدود لأهميتها السياسية لاستمرارية أمن الدول، لكن في حالة “إسرائيل” وللاشرعية ظهورها وبنائها وتوسعها فهذا الأمر طبيعي ويُتعامل معه بحذر ودهاء سواء بالعمل على فرض القوة العسكرية والتهديد بها، أو إقامة علاقات تطبيعية مع مجموعة من الدول العربية القابلة والمتقبلة للوضع أو المستفيدة منه أساسا.

من خلال ما سبق، نلاحظ أن الكيان الصهيوني يعيش حالة من الخوف باجتماع العوامل السابقة مع عقدة العقد الثّامن. وطريقة التمدد والتوسع على حساب أراضي الدول المجاورة في الحروب السابقة، والعمل على ترسيخ حدود ما بعد 1967 في المخيال الدولي، والردود الوحشية المتتالية بعد عملية “طوفان الأقصى” أكبر دليل على أن أي تحرك للمقاومة يشكل بالنسبة إلى “إسرائيل” تهديدا أمنيا على المستوى القريب، وتهديدا وجوديا على المستوى المتوسط والبعيد.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا