المُلهِمة “حسيبة بن بوعلي”.. أيقونة الثورة وبطلة معركة الجزائر

من بين صفحات سجل الشخصيات الثورية الملهمة التي تميزت بروح الشجاعة والتضحية ـ خلال الاحتلال الفرنسي ـ يبرز اسم حسيبة بن بوعلي كرمزٍ للعزيمة والإرادة، فهي شهيدة الثورة الجزائرية المباركة وإحدى أصغر مناضلاتها، لم يمنعها يُسر أحوال عائلتها، من الانضمام إلى صفوف الفدائيين، لتترك حياة الرفاهية، وتقاوم مع رفاقها الاحتلال الفرنسي وتستشهد في سبيل الوطن.

في عدد اليوم من “الأيام نيوز”، سنتتبع خطى حياة هذه الشخصية الاستثنائية ونستكشف إرثها المجيد الذي يحمل بين طياته بصمات التضحية والعزيمة والإصرار على تحقيق الحرية واستعادة كرامة الوطن.

ولدت الشهيدة حسيبة بن بوعلي ـ الملقبة بـ”أصغر مجاهدة في القصبة” ـ بتاريخ 18 جانفي 1938 بولاية الشلف، ونشأت في عائلة ميسورة الحال، زاولت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها، وبعد انتقال عائلتها إلى العاصمة عام 1948، واصلت تعليمها هناك، وانضمت إلى ثانوية عمر راسم (حاليا)، وعندما وصلت سن 16 التحقت بالاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين.

انضمت إلى الكشافة الإسلامية، ومن خلال رحلاتها داخل الوطن ضمن هذا التنظيم اطلعت على الأوضاع السيئة للشعب الجزائري، الأمر الذي ولّد لديها نزعة التحرر من قيود الاستعمار وفكرة الثورة.

في مطلع سنة 1955 ـ أي بعد شهرين أو أكثر بقليل من اندلاع الثورة الجزائرية ـ كانت البطلة على موعد مع التاريخ لتنضم إلى صفوف الكفاح، من خلال عملها كمساعدة اجتماعية، وكان عمرها آنذاك 17 عاما.

في سنة 1956 برز نشاطها، أذ أصبحت عنصرًا نشطًا في صفوف الفدائيين المكلفين بصنع القنابل ونقلها، وساعدتها وظيفتها بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة في الحصول على مواد كيمياوية لصنع المتفجرات، كما كان لها دور كبير رفقة زملائها في إشعال فتيل معركة الجزائر.

رسالة الشهيدة الأخيرة

في 15 سبتمبر 1957، كتبت المناضلة الجزائرية حسيبة بن بوعلي رسالة إلى والديها، قبل 23 يوماً من استشهادها بعد اكتشاف المكان الذي كانت تختبئ فيه، رفقة مجموعة من مجاهدي الثورة التحريرية الجزائرية، وفي هذه الرسالة قالت: “أرجو من كلّ قلبي أن أقاتل، فإن أخذنا الموت التقينا عند ربنا، وإن متّ فلا تبكوني، فسأموت سعيدة، أؤكد لكم ذلك”.

في مارس 2014، أي بعد حوالي 57 سنة، وصلت رسالة الشهيدة حسيبة بن بوعلي، التي بعثتها لوالديها شهر سبتمبر من عام 1957، قبل أيام من استشهادها في ميدان الشرف، ومن المفارقات أن رسالة الشهيدة التي كتبتها من مخبئها السري بحي القصبة، وتمكنت السلطات الاستعمارية من قطع مسارها، وصلت إلى الجامعة التي تحمل اسمها (جامعة حسيبة بن بوعلي) بالشلف، وتحديدا إلى كلية العلوم الإنسانية، بمناسبة ندوة تاريخية بعنوان “التاريخ والذاكرة”، كانت قد نشطتها المجاهدة زهرة ظريف، والباحثة مليكة قورصو.

وتزامنت هذه الرسالة والدخول المدرسي لسنة 1957 حين كتبت حسيبة تقول في مقدمتها: “لا تقلقوا بشأني بتاتا بل يجب التفكير بالأطفال الذين سيلتحقون بعدي بالمدرسة والذين آمل أن يعملوا بشكل جيد، إذا مت لا تبكوا علي.. سأموت سعيدة يمكنني أن أؤكد لكم ذلك”.

ولم يكن يُخيّل لحسيبة حين انضمت، وهي بعمر سبعة عشر عاماً، إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية، أنّ اسمها سيُذكر على لسان كلّ جزائري بعد وفاتها على امتداد أجيال، ولم تكن تعلم أنّ فداءها الوطن سيمنحها الحياة، في بلد تحرر بعدما دفع ثمن ذلك 130 سنة من الاستعمار، ومليون ونصف مليون شهيد.

استشهاد حسيبة ورفاقها

يوم الأحد في الـ8 أكتوبر للعام 1957، كانت حسيبة في 5 شارع عبد الرحمن، مع رفاق نضالها علي لابوانت وعمر الصغير وحميد بوحميدي، لكن، بعد وشاية من أحد الخونة، علم الاحتلال الفرنسي بمكان الفدائيين السري وتحديداً الشهيد علي لابوانت الذي كان قد دوّخ قادة الاحتلال الفرنسي.

عند حلول الظلام، أحاط المظليون الفرنسيون بالمنزل، ودعوا المجموعة الفدائية للاستسلام، ولمّا رفضت المجموعة ذلك، فجر مظليو الاحتلال المبنى، وهكذا استشهدت حسيبة بن بوعلي ـ في عمر الـ19 عاماً ونصف ـ مع رفاقها تحت الأنقاض، ليتم لاحقا دفن جثمان الشهيدة، في مقبرة سيدي محمد، في الجزائر العاصمة.

وتعتبر عملية قتل أعضاء هذه المجموعة التي كان علي لابوانت أحد عناصرها، واحدة من أكثر عمليات الجيش الفرنسي تعقيداً، إذ اضطر لإنزال قوات من المظليين والمشاة بقيادة الجنرال مارسيل بيجار، الذي أمر بتفجير المنزل في نهاية المطاف، وقد أسفر هذا العمل عن انهيار مباني مجاورة، فقتل أيضاً 24 جزائرياً بينهم 8 أطفال.

“شارع حسيبة” بالعاصمة

من بين أكثر الأماكن تخليدا لروح بطلة معركة الجزائر “شارع حسيبة” الذي يتوسط قلب العاصمة الجزائرية، والجميع يعرفه، فهو الأكثر استقبالاً للزائرين يومياً، بفضل قربه من مختلف المنشآت الحيوية، مثل: “ساحة أول ماي” والمستشفى الجامعي “مصطفى باشا” كما يربط بين أكبر الشوارع في العاصمة، مثل: “شارع العقيد لطفي” و”شارع الشهيد ديدوش مراد” وساحة “موريس أودان”، وهو بذلك شارع أساسي وممر نحو محطات النقل سواء محطة “آغا” للقطارات أو محطة “تافورة” للحافلات، فضلاً عن ميناء الجزائر.

وقد كانت حسيبة بالنسبة إلى أجهزة القمع الاستعمارية “إرهابية خطيرة” يجب التخلص منها، أما بالنسبة إلى الثورة الجزائرية فقد كانت إحدى الفدائيات البطلات اللواتي قاتلن ببسالة لإعلاء راية الوطن وإنها إرهاب الاستعمار الغاشم من أرض الجزائر.

وأصبحت اليوم بن بوعلي ـ التي نالت شرف الشهادة في عز شبابها ـ مثالاً مخلدًا في ذاكرة الشعب الجزائري ومصدر إلهام للنساء الجزائريات، في طريق استكمال مرحلة الجهاد الأكبر من أجل بناء جزائر ينعم فيها المواطن بالعزة والكرامة.

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

اقرأ أيضا