بعدما أرست دعائمه معركة “سيف القدس”.. تحوّل تاريخي في ميزان الرّدع يحدثه “طوفان الأقصى”

معركة “سيف القدس” أسّست لمرحلة جديدة من الصّراع مع الاحتلال وأرست دعائم جديدة في فكر المقاومة وأسّست لمرحلة جيل جديد يؤمن بالمقاومة، وقد أسهمت معركة “سيف القدس” في تغيير ميزان الرّدع وشكّلت نقطة تحوّل لمصلحة المقاومة وتيارها، وأنّ ارتداداتها كانت مدوّية في “إسرائيل” على المستويين الرّسمي والشّعبي.

واستمرّت المعركة من العاشر حتى 21 ماي 2021، ووجّهت خلالها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية في العمق “الإسرائيلي” على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والمخطّطات “الإسرائيلية” لترحيل سكّان حي الشّيخ جرّاح في القدس.

وفي قراءة مستفيضة في تلك الحقبة هناك استنتاج من قبل محلّلين أنّ معركة “سيف القدس” أرست دعامة واستراتيجية في تاريخ الصّراع مع الكيان الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من 7 عقود، فبعد أن تناسى العرب قضيّة فلسطين في غمرة هذا الخريف العربي وليس الرّبيع العربي وأصبحت فلسطين في ذاكرة هؤلاء المستسلمون للمخطّط الأمريكي الصّهيوني من الماضي.

معركة “سيف القدس” كانت البداية التي أسّست ليقظة الضّمير العربي وأربكت الحسابات للنّظام العربي وتحرّكت الشّعوب العربية الثّائرة لحرّيتها وكرامتها ولسان حالها يقول إنّ فلسطين والقدس قضية قومية عربية وهي محور الصّراع وأولويّته مع أمريكا والصّهيونية وهي من تجمع الأمّة العربية وتوحّدها.

إنّ فلسطين كانت وستبقى أولوية العرب جميعهم، وتحرّك الشّارع العربي والأوروبي والأمريكي وهي بداية صحوة تذكر العالم أجمع وتنذر أنّ مصداقية الأمم المتّحدة فاقدة لوجودها منذ نكبة فلسطين ولغاية اليوم برفض “إسرائيل” للانصياع لمقرّرات الأمم المتّحدة.

إنّ مصداقية الأمم المتّحدة ومصداقية النّظام العربي بحسب الفهم العربي هو في كيفية الدّفاع عن الحقّ الفلسطيني المغتصب وعن حقوق شعوب الأقطار العربية في تخلّصها من التّبعية الاستعمارية ويقينًا إذا كانت معركة “سيف القدس” أحيت الضّمير العربي وحرّكت الشّارع العربي فإنّ معركة “طوفان الأقصى” وهي امتداد لمعركة “سيف القدس” قد غيّرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات وأعادت القضيّة الفلسطينية لتتصدّر الاهتمام العربي والدّولي ويجب البناء عليها لاستعادة ثقة المواطن العربي بنفسه لتحقيق وحدة أقطارنا العربية ودفع النّظام العربي للانصياع للإرادة الشّعبية لتحقيق الوحدة العربية وتمكن الشّارع العربي ونظامه وجيوشه في الدّفاع عن الحقوق العربية وعلى رأس هذه الحقوق وأولويتها القضيّة الفلسطينية.

إنّ تضافر الجهود لقوى المقاومة وتراكم بناء القوّة والتحرّكات الدّبلوماسية والسّياسية في ظلّ تكامل الأدوار لكلّ مكوّنات الشّعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصّهيوني مكّنت المقاومة الفلسطينية من تسجيل انتصار تاريخي بمفاجئتها للكيان الصّهيوني صباح يوم السبت السابع من أكتوبر 2023  في معركة أطلقت عليها معركة “طوفان الأقصى” بشنّ هجوم صاروخي وبرّي وبحري وتحقيق انتصارات على الأرض وتمكّن المقاومة من اجتياح السّياج الفاصل مع حدود غزّة وتمكّنها من اقتحام مستوطنات غزّة وإلحاق خسائر فادحه بالكيان الصّهيوني وأسر لعدد كبير من جنود الاحتلال وتمكّنها من قتل وإصابة المئات من جنود الاحتلال.

معركة “طوفان الأقصى” وبحسب بيان رئيس هيئة أركان المقاومة محمد ضيف تحمل أبعاد عسكريّة وسياسية وتهدف لتحرير الأسرى وتمكين الشّعب الفلسطيني من انتزاع كامل حقوقه وحقّه في تقرير المصير وهي حرب مفتوحة تحمل إمكانية تعدّد الجبهات.

معركة “طوفان الأقصى” شكّلت مفاجأة للاحتلال غير متوقّعة وشكّلت فشل استخباري وأحدثت ارتباك داخلي “إسرائيلي” وسجلت تداعيات على الدّاخل “الإسرائيلي” وعلى المستوى الإقليمي والدّولي وجعل جميع الأطراف كافّة؛ الدّولية منها والعربية والإقليمية تعيد حساباتها على إثر تداعيات أحدثتها معركة “طوفان الأقصى” وعلى كلّ المستويات وقد فرملت عجلة التّطبيع وجعلت القيادة السّعودية ومعها العديد من الدّول العربية تعيد حساباتها وكذلك العديد من القيادات العربية هي الأخرى تعيد رؤيتها من “إسرائيل” وقد شكّلت معركة “طوفان الأقصى” ضربة للشّرق الأوسط الجديد وإصابته في مقتل رغم عديد المحاولات التي تبذلها إدارة بايدن لعودة مسار التّطبيع ومحاولات إعادة تصنيع المنطقة.

ولا شكّ أنّ “معركة طوفان الأقصى” أصابت أمريكا ومخطّطاتها بخيبة أمل وهي تعيد حساباتها على ضوء تداعيات العمليّة وهناك خشية أمريكية وغربية وحتّى عربية من تمدّد العملية وفتح العديد من الجبهات ضمن مفهوم تعدّد الجبهات وأنّ جبهة اليمن والجنوب اللّبناني بات لها تداعيات على المنطقة برمّتها وهي تعيد خلط الأوراق والتّحالفات في المنطقة.

معركة “طوفان الأقصى” التي تقودها قوى المقاومة في فلسطين التّاريخية أكّدت فشل المخطّطات “الإسرائيلية” لضرب جذوة المقاومة وإسكات الشّعب الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه الوطنية المشروعة وحقّه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس.

وفي وقفة تحليلية لنتائج وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” وبناءً على أرض الواقع في الميدان، فإنّ قوى المقاومة ومعها الشّعب الفلسطيني، خرجت منتصرة على العدوان الصّهيوني وتمكّنت من تكبيد الكيان خسائر كبيرة والأهم هو اجتياز الحاجز ودخول مستوطنات غلاف غزّة على الرّغم من كل ما يملكه جيش الاحتلال من ترسانة عسكرية وتقدّم تكنولوجي قياسًا بما تملكه المقاومة الفلسطينية في ظلّ اللاتكافؤ في موازين القوى، ورغم الإعداد الأمني المسبق والدّعم الأمريكي وحلفاء الكيان الصّهيوني في المنطقة لصالح مشروع تصفية حركة المقاومة وجناحها العسكريّ، وكانت المفاجأة المذهلة لما حققته المقاومة في السّاعات الأولى، شكّلت ضربة غير مسبوقة في تاريخ الصّراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.

نجح الصّمود الشّعبي الأسطوري للشّعب الفلسطيني رغم محاصرته بتحقيق انتصار تاريخيّ على جيش الاحتلال، وخرج قادة جيش الاحتلال بهزيمة منكرة بما حقّقته المقاومة من انتصار تاريخي وتمكّنهم من قصف كافة الجغرافية في فلسطين المحتلّة وأسر لجنود الاحتلال وإلحاق خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة وأظهرت أنّ المقاومة تحظى بقاعدة شعبية وأنّ قوّة الدّرع الصّهيوني التي راهنوا على ترميمها أصيبت إصابة جديدة بالغة، مع ظهور قدرة المقاومة للشّعب الفلسطيني على الانتصار على أعتى قوّة في العالم والقدرة على هزيمة الآلة الصّهيونية الغاشمة.

مهما تكن التّقديرات التي حضرت في ذهن القيادتَين السّياسية والأمنية في تل أبيب، لدى اتّخاذ قرار العدوان على الشّعب الفلسطيني واستهداف مقاومته، وأنّ آخر ما ترغب فيه “إسرائيل” هو التّدحرج إلى مواجهة طويلة تصيب عمقها الاستراتيجي في مقتل وشلّ حياة مستوطِنيها.

معركة “طوفان الأقصى” كشفت هشاشة الأسس التي استند إليها “الإسرائيليون” في تقدير إنجازاتهم المفترضة. وبدلاً من أن يتحقّق تفكُّك السّاحات الفلسطينية، وفق ما راهنوا عليه، تَعزّز ارتباطها وأصبحت أكثر اتّحاداً، وتحوَّل هذا الواقع إلى محدّد رئيسٍ يحكم المرحلة. وهو معطى يؤكّد فشل الأهداف التي جاهرت بها “إسرائيل”، ويعمّق فقدان الجمهور “الإسرائيلي” ثقته بشعار أنّ “الجيش بات مستعدّاً لكلّ السيناريوات”.

انطلاقاً من ذلك، فإنّ المواجهة التي تخوضها المقاومة اليوم في معركة “طوفان الأقصى” لا تتعلّق بمتغيّرات ظرفية فقط، وإنّما هي جزء من مسار واستراتيجية أوسع نطاقاً وأخطر تأثيراً على الأمن “الإسرائيلي”. فجذورها وخلفيّاتها، كما أظهرت المواقف والشّعارات “الإسرائيلية” أيضاً، ترتبط بشكل وثيق ومباشر بمعركة “سيف القدس”.

وممّا يؤكد هذا الارتباط، العامل المباشر الذي دفع العدو إلى شنّ عدوانه الأخير في 2021، والمتمثّل في تداعيات اعتداءاته في الضفّة على مستوطنات “غلاف غزة”.

ولذا، فإنّ “إسرائيل” التي هدفت من الضّربات التي وجّهتها بشكل أساسيّ إلى “الجهاد”، في 2021 كانت محاولة لكبح نتائج معركة “سيف القدس”، والتي لا تزال تتوالى بفعل صمود المقاومة وتصاعد قدراتها. وهي محاولة ربّما ستتّخذ منعطفاً خطيراً، سيؤدّي إلى اتّساع نطاق المواجهة، في حال قيام الصّهاينة المتطرّفين باقتحام المسجد الأقصى وهو ما حصل نتيجة الاعتداء المستمر على الأقصى وبنتيجته معركة “طوفان الأقصى” ودخول حركة “حماس” على خطّ المعركة.

ومهما يكن، فإنّ ما قامت به المقاومة، ولا تزال، يعيد وصْل ما عملت “إسرائيل” على تفكيكه في السّنوات الماضية، على أمل أن يصبح لكلّ ساحة (غزّة والضفّة والقدس والدّاخل) قضاياها الخاصّة وأولوياتها التي تتحدَّد وفق ظروفها الجغرافية والسّياسية والمعيشية والأمنية. وتشكّل معركة “طوفان الأقصى” اليوم محطّة تأسيسية في إعادة تصويب البوصلة إلى المشترك البيني، وتجديد التّعاون والتّآزر في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على الشّعب الفلسطيني وعربدة المستوطنين وما بعد معركة “طوفان الأقصى” لن يكون ما قبله.

وتؤكّد التّجارب الطّويلة أنّ قوّة الشّعب الفلسطيني وإرادته في الثّبات والصّمود هو أقوى من جبروت الاحتلال الصّهيوني وأنّ أيّ جولة من جولات القتال التي تفرضها آلة الحرب الصّهيونية مهما بلغت فيها نسبة التّدمير بحُكم تفوّق “إسرائيل” العسكري، فهي لن تسلب إرادة الشّعب الفلسطيني ومقاومته في الردّ والدّفاع والرّدع، كما لن تؤدّي إلى إضعاف قدرات وخزّان الشّعب الفلسطيني الذي لن يدّخر أيّ وسيلة للدّفاع عن حقوقه المشروعة وحقّ تقرير المصير.

وباتت المرحلة تتطلّب وحدة وطنية حقيقية على أرض الواقع وتنحية الخلافات جانبًا وضرورة توحيد الخطاب السّياسي والإعلامي لأنّ معركة “طوفان الأقصى” باتت تفرض معادلات جديدة وأعادت للقضيّة الفلسطينية اهتمامها الإقليمي والدّولي وأنّ استجداء السّلام عبر بوابات التّطبيع أمر غير مجدي وضياع للحقوق، وأنّ استثمار مستجدّات وتداعيات معركة “طوفان الأقصى” على الكيان الصّهيوني سيكون له أهميّة في فرض الشّروط الفلسطينية إذا توحّدت الجهود وتحقّقت الوحدة الوطنية خاصّة وأنّ معركة طوفان الأقصى كسرت كلّ النّظريات الإسرائيلية وأخلّت بلعبة التّوازنات وإسقاط مقولة السّلام مقابل الأمن ومفهوم مقايضة الاقتصاد بالأمن وألحقت هزيمة بالمطبّعين الذين حاولوا استغلال القضيّة الفلسطينية لتمرير مخطّطهم وفرض الشّروط على الشّعب الفلسطيني للقبول بمخطّطاتهم الهادفة لتصفية القضيّة والانتقاص من حقوقه المشروعة وفقًا لإملاءات مشغلّيهم.

معركة “طوفان الأقصى” أيقظت الضّمير العربي وأربكت الحسابات للنّظام العربي وتحرّكت الشّعوب العربية الثّائرة لحريّتها وكرامتها وتأججت احتجاجات طلبة الجامعات في أمريكا والغرب انتصارًا لفلسطين والحق الفلسطيني.

إنّ فلسطين كانت وستبقى أولوية العرب جميعهم، وتحرّك الشّارع العربي والأوروبي والأمريكي بداية صحوة تذكّر العالم أجمع وتنذر أنّ مصداقية الأمم المتّحدة فاقدة لوجودها منذ نكبة فلسطين ولغاية اليوم برفض “إسرائيل” للانصياع لمقرّرات الشّرعية الدّولية.

إنّ مصداقية الأمم المتّحدة والنّظام العالمي ومصداقية النّظام العربي بحسب الفهم العربي هو في كيفية الّدفاع عن الحقّ الفلسطيني المغتصب وعن حقوق شعوب الأقطار العربية في تخلّصها من التّبعية الاستعمارية، ويقينًا أنّ معركة “سيف القدس” التي أسّست لمعركة “طوفان الأقصى” أحيت الضّمير العربي وحرّكت الشّارع العربي، ويجب البناء عليها لاستعادة ثقة المواطن العربي بنفسه لتحقيق وحدة أقطارنا العربية ودفع النّظام العربي للانصياع للإرادة الشّعبية لتحقيق الوحدة العربية وتمكّن الشّارع العربي ونظامه وجيوشه في الدّفاع عن الحقوق العربية وعلى رأس هذه الحقوق وأولويتها القضية الفلسطينية.

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

اقرأ أيضا