عقوبات اتحاد الكرة الحديدية ضد الجزائر.. تاريخ متكرّر لسياسات فرض الثقافة الغربية

لم تكن “المثلية الجنسية” ـ وما يتعلق بمجتمع “قوس قزح” ـ إلى وقتٍ قريب أمرا مطروحا للنقاش في المجتمعات المحافظة، على الأقل بشكلٍ علني ومُبالغٍ فيه كما هو الحالُ الآن، ويبدو أن احتدامَ الجدال والنقاش بهذا الشأن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية على وجه الخصوص لم يأتِ من فراغ، إنما هو نتيجةٌ حتمية لدعم وعمل ممنهج تقوم به منظماتٌ عالمية وأخرى بالداخل ـ غير معتمدة ـ بهدف بث سموم المثلية واستمالة العديد من الأفراد لتبني أفكارها وتشجعيهم على انتهاج سلوكيات مناهضة لطبيعتهم الإنسانية، بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك إذ تعالت الأصوات المطالبة بإدراج المثلية الجنسية ضمن الأقليات ليُشكّل ذلك ورقة ضاغطة على المجتمعات العربية والإسلامية بما فيها المجتمع الجزائري.

وأمام هذا التوجه المفرط في دعم المثلية، تُحاولُ بلادنا العمل بجديةٍ أكبر من أجل التصدي لهذه الظواهر الدخيلة عن قيمنا ومبادئنا الإسلامية، في ظلِ انتهاج الغرب لسياسة العزل والإقصاء وكل أنواع الترهيب لفرض ثقافته وقيمه على المجتمعات الرافضة لهذه الأفكار والتوجهات التي تتعارض مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

وكان آخر هذه الشطحات الداعمة وبشكلٍ علني للمثلية الجنسية، القرار الصادر عن الاتحاد الدولي للكرة الحديدية القاضي بتجميد نشاط الاتحاد الجزائري لهذه الرياضة مع تجميد نشاط أي عضو جزائري في مختلف الاتحادات القارية، إضافة إلى منع الرياضيين الجزائريين من المشاركة في البطولات القادمة، بسبب ما أسماه “رفض السلطات الجزائرية رفع علم المثليين” خلال حفل تسليم ميداليات المتوّجين في بطولة العالم للشباب التي جرت بوهران في الفترة الممتدة من 20 إلى 23 سبتمبر الماضي.

في هذا الإطار، وفي عدد اليوم من «الأيام نيوز» سنحاول تسليط الضوء على مواقف الجزائر الثابتة والرافضة لـ«المثلية الجنسية»، مع التطرق إلى تفاصيل أخرى لها علاقة بالموضوع، وذلك من خلال مساهمات لعدد من المختصين، إضافة إلى الاستناد إلى دراسات أكاديمية وعلمية.

 الحرب “المثلية” تطرق أبواب الجزائر

 مصطفى بن مرابط

“نرضى لأبنائنا سوء التغذية، ولا نرضى لهم أبدا، سوء التربية..”، مقولة صدح بها الشيخ البشير الإبراهيمي، والتف حولها سائر المجتمع الجزائري، لا لشيء إلا لأنها جاءت لتعبر بحق وصدق عن قيمة الأخلاق وميزان القيم لدى عموم الشعب وسائر الأمة، وهي الثوابت التي جاهد في سبيلها الشرفاء، وسقط من أجلها الشهداء، قوافل على مرّ العصور والقرون من الكفاح المتواصل والنضال المسترسل، إلى أن صُقِلت الشخصية الجزائرية واتزنت قوائمها، وقد أبدع صاحب الألفية مفدي زكريا عندما وصفها معتزا بمكارمها:

طبائعنا صالحات جليله *** تعاف انحلال النفوس الذليله

وتأبى رجولتنا الابتذال *** وأحلاسه والشعور الطويله

تخنّث هذا الزمان ودبّت *** خنافيس “هيبي” تشيع الرذيله

ونافسَ آدم حوّاءه دلالا *** وغنجا، وذبح فضيله

فلولا النهود لما كنت تفـ *** ـرق بين جميل وبين جميله

وشاع الشذوذ وذاع الحشيش *** وأصبح للموبقات وسيله

وتقرف آنافَنا القاذورات فلم *** تُجد في صرفها أي حيله

وأرض الجزائر أرض الفحول *** فأين الشهامة أين الرجوله

ومن لم يصن حرمات البلاد *** ويذرو النفايات قد خان جيله

لا مساومة

تلكم هي المعايير التربوية والمقاييس الأخلاقية التي أغفلها الاتحاد الدولي للكرة الحديدية، ولم يدرك معانيها عندما أرسل شذّاذه للعبث واللهو وإشاعة الفجور تحت غطاء الرياضة والتنافس على أرض الجزائر، في إطار البطولة العالمية للشباب ـ أقل من 18 سنة وأقل من 23 سنة – للكرة الحديدية و”الرافل”، في الفترة الممتدة ما بين 15 إلى 25 سبتمبر 2023، بمدينة وهران، على اعتبار أن الجزائر قد أثبتت ريادتها في هذه الرياضة وفي تنظيم مثل هذه الدورات وعلى هذا المستوى.

ولم يدرك الاتحاد الدولي إذا، بأن الجزائر لا يمكن أن تساوم ولا أن تداهن في ثوابتها، أمام الإغراءات والعروض التي تتعارض مع قناعاتها، مهما كان من أمر، وأن الشروط المسبقة التي تضمنها دفتر الالتزامات الموقع مع الاتحادية الجزائرية ولجنة التنظيم، يعتبر شكليا أمام الالتزام الأخلاقي الأوثق والمُوَقَّع مع الخالق الأعظم.

القانون الجزائري يقف بالمرصاد

هذه الممارسة المشينة قد تم الحسم فيها بسن قوانين تمنعها وتحرمها وفق ما تمليه الشريعة والضمير، فالقانون الجزائري يعاقب إقامة علاقات مثلية، بالسجن لمدة تصل إلى عامين، بموجب المادة 338 من قانون العقوبات، إضافة إلى ذلك، تشدّد المادة 333 من ذات القانون عقوبة الفعل المخل بالحياء، بعقوبة السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع تسديد غرامة مالية إذا شمل الشذوذ الجنسي الفعل ضد شخص من ذات الجنس، سواء كان ذكرا أو أنثى.

رغم ذلك، ودون أدنى احترام لقوانين البلد أو تقدير لثقافة المجتمع وتبجيل لثوابت الأمة، قرر الاتحاد الدولي للكرة الحديدية تجميد نشاط الاتحاد الجزائري، مع منع أعضائه من ممارسة أي نشاط في مختلف الهيئات الدولية والاتحادات القارية والإقليمية، إضافة إلى معاقبة الرياضيين الجزائريين بالإقصاء من المشاركة في أية بطولة قادمة تحت لواء الاتحاد الدولي، وهذا القرار تم اتخاذه بعد رفض الجزائر دعم المثلية خلال مونديال الشباب في هذه الرياضة الذي احتضنتها وهران شهر سبتمبر الماضي.

ذلك أن المنظمين، ومن خلفهم الجهات الرسمية الوصية، كانوا قد رفضوا السماح للمشاركين المتوجين بارتداء قمصان دعم المثلية، وأوضح بيان الاتحاد الدولي للكرة الحديدية بأن القرار جاء ردا على رفض الاتحاد الجزائري الامتثال لالتزاماته حيال الاتحاد الدولي، وتجاوزه مبادئ اللجنة الأولمبية الدولية، والتي تنص في مجملها وتلح على عدم الاقصاء لكائن من كان، خاصة في حفلات الافتتاح والختام أو أثناء توزيع الجوائز.

غير أن المسؤولين الجزائريين ـ في حقيقة الأمر ـ لم يقصوا أحدا، وإنما رفضوا تسييس الحدث الرياضي أو أدلجته، وذلك برفض ارتداء قميص الألوان “قوس قزح” من طرف الرياضيين والصعود به إلى منصة التتويج، وهذا من صميم روح التنافس الشريف وقيم الرياضة النزيهة، أن يبقى الرياضي على الحياد دون لون ولا ميل، ثم إن المتفق عليه عادة في مثل هذه الدورات هو أن يتم الكشف عن شكل القميص وألوانه قبل بداية البطولة، الأمر الذي تم تجاوزه عنوة لحاجة في نفس مسؤولي الاتحاد الدولي.

وبالفعل، فقد تفاجأ المنظمون بظهور ألوان جديدة على قميص بعض المتوجين، إلى جانب ألوان اللجنة الأولمبية المتعارف عليها، وهو الوضع غير المبرر الذي يتعارض حتى مع قوانين الاتحاد الدولي ذاته، وهو الدليل الصارخ على أن أحدا خلف الستار يريد الإيقاع بالجزائر وتسييس الموضوع لا أكثر.

وفي تبرير وقح للإجراء الشاذ، صرح الاتحاد الدولي بأن الاتحاد الجزائري قد أخلّ بأحد بنود دفتر الشروط الموقّع عليه سالفا، والذي يفرض ظهور ألوان المثلية على قمصان المتوجين..؟

من المثلية إلى معاداة السامية

بالأمس تم إقصاء بطل الجيدو الجزائري “فتحي نورين” ومدربه بسبب “معاداة السامية” عندما رفضا مواجهة رياضي من “الكيان الصهيوني”، واليوم يقصى الاتحاد الجزائري للكرة الحديدية بسبب معاداة المثلية، وغدا ستقصى الجزائر من تنظيم أية تظاهرة عالمية بسبب معاداتها للصهيونية العالمية وللمثلية الجنسية، في حرب مستمرة قذرة مستعرة ضد القيم السياسية والأخلاق الإنسانية، كانت بداياتها بالأحداث “المسرحية” الدموية لـ11 سبتمبر 2001، بما شهدت من بهتان رهيب، والتي جعلت من نظرية “صدام الحضارات، وإعادة تشكيل النظام العالمي”، لصاحبها “صامويل هنتنغتون”، متكأ أخلاقيا للإفلات من معضلة الضمير.

النظرية “النيو-إمبريالية”

النظرية التي تقول بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية هي المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة، وهي النظرية “النيو-إمبريالية” التي جعل منها صقور البيت الأبيض الأمريكي مرجعا فكريا ونهجا فلسفيا لإدارة العالم، على هوى الشذاذ والشواذ والأقليات الثقافية والهويات الاستعمارية، مستغلة فجوة الاختلال في ميزان القوى، لتسلّط سيف عقابها على رقاب كل من يقاوم هيمنتها، عن طريق المقاطعة الاقتصادية حينا، وبالمحاصرة السياسية حينا آخر، وبـ”الهرسلة” الدبلوماسية في كثير من الأحيان، وذلك، كبديل “فعال” عن الغزو العسكري في صورته التقليدية القاتمة، والمكلفة جدا في الأموال والأرواح والسلاح.

إذا، فما خلّفته حملة معاداة السامية، أتت عليه حملة معاداة المثلية، ذلك أنه لا فرق بين الشذوذ السياسي الصهيوني والشذوذ الجنسي المثلي، فكلاهما فعل مخل بالحياء وضد الطبيعة والفطرة والإنسان، وفي هذا السياق، ومن خلال حرب الغرب على روسيا، وحرب الصهاينة ـ ومن ورائهم الغرب ـ ضد الفلسطينيين والعرب، يُدرك جليا منحى النظرية “الهنتنغتونية” وفحواها في تفعيل مفهوم “صدام الحضارات”.

سيناريو يتلون

فهذه روسيا ورغم أنها مسيحية المذهب والاعتقاد أوروبية الثقافة والامتداد، حاضنة لليهود، إلا أنها لم تعد مرغوبة الحضور ضمن الحضيرة الغربية، لا لشيء إلا لأنها ترفض أن تنحل وتدافع عن الأخلاق والفطرة، وتجرّم المثلية والبغاء والاتجار بالجنس، في مسعاها “العقلاني” للحفاظ على القيم الإنسانية والثوابت الحضارية.

ولأجل هذا، تكالب عليها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وفرضوا عليها عقوبات اقتصادية وسياسية وثقافية ورياضة وشبابية، لم يعرف البلد مثلها من قبل أبدا، مستغلين في ذلك خلافها مع أوكرانيا، والذي هو في الحقيقة خلاف مع الرئيس الدمية “زيلينسكي” الذي هو نفسه مثلي، وليس مع بقية الأوكران الذين هم في الأصل إخوة للروس وأبناء عمومتهم، ولا شيء يفرق بينهم.

آخر الدواء الكيّ

السيناريو ذاته، خططوا لتنفيذه في شمال إفريقيا بين الجزائر والمغرب، والدفع بالمنطقة إلى نقطة الانفجار، لكن الجزائر كانت أكثر حكمة وأجدر مسؤولية بأن تجاوزت الجميع، عندما سارعت إلى خنق أنفاس الفتنة بقطع العلاقات مرة واحدة، من باب، آخر الدواء الكيّ، فقد عملت القوى الغربية المتربصة بالجزائر على جعل المملكة أوكرانيا المغرب العربي، في شذوذها وشواذها، في نظامها ومنظومتها، في ملكها وحكومتها، في عدوانيتها واستفزازها، وإن كان الفرق بيِّنا واضحا في مستوى التطور والتقدم بين البلدين.

قدر الجزائر إذا، أن تخوض معركة الكرامة والشرف، وتواجه الشذوذين معا، الطاعون والكوليرا، أو الصهيونية والمثلية، وقد عشعشا عند حدود البلد الغربية، وقد فتحت مملكة “بوسبير” أبوابها لكليهما حتى يعربدا ويعبثا بكل ما تبقى من قيم وأخلاق في حنايا المملكة “الشريفة”.

لكن المعركة لا تعني الجزائر وحدها، وإنما هي معركة كل الشرفاء والأحرار في العالم، بعدما وصل الابتزاز هرم الهيئات الرياضية الدولية، فاليوم الكرة الحديدية، وغدا كرة السلة وبعده كرة القدم، ومن يدري، فقد تتبناها الأمم المتحدة يوما، وتجبر الدول على تبني الشذوذ وإشاعته كثقافة وحرية أو كدين جديد، فأين سيكون المفر بعدها لأفاضل الناس؟

قصة معبّرة

كان للممثل البريطاني الساخر “ديف ألين”، علاوة على خفة روحه ونباهة رده، بُعدُ نظرٍ حاد واستشرافٌ للمستقبل لم يتسن لغيره، ذلك أنه كان قد تناول موضوع المثلية الجنسية مطلع سبعينيات القرن الماضي، من خلال حصة مصورة على شاشة التلفزيون البريطاني، وقد حذر حينها العالم مما هو عليه الحال اليوم تماما، فقد روى للجمهور قائلا: “قبل أيام كنت أتحدث إلى رجل ينوي الهجرة من البلاد، فسألته لماذا تريد أن تهاجر؟ فأجابني: بسبب الشذوذ الجنسي، فسألته: ماذا تقصد..؟”.

قال لي: “اسمع جيدا، عقوبة الشذوذ قبل 300 عام كانت الإعدام شنقا، أو الإغراق في الماء حتى الموت، وقبل 100 عام أصبحت العقوبة هي الإعدام شنقا فقط، وقبل 50 عاما صارت العقوبة هي الجلد والسجن عشرين عاما، وقبل 20 عاما كانت العقوبة غرامة قدرها 200 جنيه، والسجن عامان، وقبل 5 سنوات، اقتصرت العقوبة على غرامة مالية بسيطة مع تعهد بعدم العودة إلى الفعل المخل بالحياء.

سألته: وما علاقة ذلك بنيتك الهجرة من البلاد؟ قال لي: سأرحل قبل أن يجعلوا الشذوذ الجنسي إجباريا! وهنا، ضجت قاعة المسرح بالضحك والقهقهات والتصفيق، لكن المتمعن في هذه القصة البسيطة المعبرة، يقف عند هول التنازل الأخلاقي الذي طال المجتمع الغربي بصورة خاصة، والمجتمع الإنساني بصورة أعم.

ويبقى السؤال المشروع مطروحا، إلى متى وشرفاء الأرض هم الذين يدفعون الثمن دوما، وهم يحملون عبء الدفاع عن القيم والثوابت والأخلاق الإنسانية الفاضلة الكريمة، في عالم تلوثه الجريمة بأنواعها: الجريمة السياسية والجريمة التاريخية والجريمة الجغرافية.. والجريمة الأخلاقية وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين البشرية خزيا وعارا.

الدكتور سليمان نبار لـ”الأيام نيوز”:

“دخول الإملاءات الدولية على الخط يُفاقم الوضع”

يَعتبرُ أستاذ العلوم السياسية بجامعة وادي سوف الدكتور سليمان نبار، أن المثلية الجنسية من بين أبرزِ المواضيع وأكثرها إثارة للنقاش والجدل عبر العالم، خاصة داخل المجتمعات المحافظة، في ظل عمل العديد من الفواعل الدولية على الترويج لها سواء كانت دولا أو عبر ممثليها أو منظماتٍ حكومية أو غير حكومية أو جمعيات عالمية.

إضافة إلى تزايدِ الاهتمام المفرط والمريب للمنظمات الحكومية العالمية التي أصبحت تقاريرها السنوية في جزئها المخصص لما يسمى “انتهاك حق هذه الفئة” في تزايد مستمر من حيث عدد الصفحات المخصصة لذلك، وكذا التركيز على حجم (الانتهاكات) في دول محددة دون غيرها من الدول، حسب تقارير هذه المنظمات، مؤكدا في السياق ذاته أن هذا التوجه الذي ترعاه فواعل دولية مهمة يُفاقم ويزيد من المخاوف بشأن أن تصبح المثلية الجنسية حقا مكتسبا طبقا لقواعد قانونية مستحدثة على غرار اعتماد بروتوكول خاص بها.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور نبار، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن قرار الاتحاد الدولي للكرة الحديدية والقاضي بتجميد نشاط الاتحاد الجزائري لهذه الرياضة سواء على المستوى الدولي أو على مستوى الاتحاديات القارية ومنع الرياضيين الجزائريين في هذه الرياضة من المشاركة في أي حدث عالمي، جاء ردا على منع الجزائر دعم المثلية الجنسية خلال مونديال الشباب للكرة الحديدية الذي احتضنه مدينة وهران مؤخرا، حيث لم يتم السماح للمتوجين بارتداء القمصان التي تشير إلى دعم المثلية (ألوان قوس قزح)، وذلك امتثالا إلى المبادئ الإسلامية والقانونية والمجتمعية الخاصة بالجزائر التي ترفض نشاط المثليين أو الترويج لأفكارهم وعقيدتهم، لما في الأمر من تعارض وتقاطع مع الطبيعة البشرية، وهو الأمر الذي تبنته كل مؤسسات الدولة، كان آخرها إطلاق وزارة التجارة لحملات واسعة لمصادرة مختلف المنتجات والسلع التي تحمل ألوان قوس قزح بالمحلات وعلى منصات البيع الإلكترونية لمساسها “بالعقيدة الدينية والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري”.

في سياق ذي صلة، وفي حديثه عن الفروقات فيما يتعلق بمواقف الدول العربية من المثلية مبدأً وممارسة، أشار أستاذ العلوم السياسية إلى الموقف المغربي في هذا الشأن، قائلا: “إن المغرب يعدُّ واحدا من بين أكثر الدول تشجيعا للسياحة الجنسية بما فيها تلك التي تشمل استغلال الأطفال جنسيا، إذ وصل الأمر إلى تورط شخصيات بارزة ومسؤولين كبار في ذلك، على غرار فضيحة وزير فرنسي سابق”.

 فضيحة “العفو الملكي”

وتابع المتحدّث: “تعتبر مدينة مراكش القطب رقم واحد لهذا النوع من السياحة التي تحولت إلى مصدر دخل هام بالنسبة إلى فئة هامة من المغاربة في ظل تدهور الظروف المعيشية بالبلاد، إذ وصل الأمر إلى الحد الذي جعل الأطفال سلعة تباع للسياح بأسعار تتراوح ما بين 50 إلى 200 يورو للطفل، وهو ما أكدته الشبكة العالمية لحماية الطفولة في دراسة أعدتها سابقا، حين أشارت إلى أن المغرب أصبح قبلة جذابة ونقطة ساخنة للسياحة الجنسية، بل إن ما “يميز” ـ بالمعنى السلبي ـ “المغرب ويجعل منها قبلة سياحية للأجانب هو انتشار ظاهرة استغلال الأطفال جنسيا ودعم المثلية في ظل تكتم السلطات المغربية رغم نشاط الجمعيات المناهضة لهذا التوجه وكشفها لوقائع وحقائق يُندى لها الجبين”.

في هذا الشأن، أبرز الدكتور نبار أن ما يؤكد دعم السلطات المغربية أو سلطات المخزن للسياحة الجنسية بما فيها المثلية هو ما عُرف بفضيحة “العفو الملكي” حيث أصدر محمد السادس عفوا على 48 إسبانيا من بينهم «دانيال كالفان» الذي اغتصب أكثر من 11 طفلا في مدينة القنيطرة المغربية، وهو دليل آخر على دعم المغرب للسياحة الجنسية ممثلة في أعلى هرم من هيكل السلطة، لافتا في السياق ذاته، إلى أنه وبالرغم من أن القوانين في المغرب تحرم المثلية الجنسية إلا أن هناك محاولاتٍ كبيرة لتكريسها في هذا البلد.

وفي هذا الصدد، ذكر الدكتور نبار أنه في أواخر أوت الماضي تم طرح كتاب في المكتبات المغربية بعنوان: petites questions pour vivre ensemble -toutes les familles بمعنى: “جميع العائلات، أسئلة صغيرة للعيش معا”، حيث حمل الغلاف ألوانا منسابة وصورا مزركشة بهدف لفت انتباه الأطفال وزيادة رغبتهم في اقتنائه، وتضمن الكتاب ـ الذي تم الترويج له ـ تطبيعا مع المثلية الجنسية، إذ ورد فيه على سبيل المثال أن “بإمكان امرأتين أو رجلين أن يتحابا ويتزوجا ويربيان طفلا”، أي أن الوالدين يكونان من جنس واحد، وقد أثار هذا الكتاب موجة كبيرة من الغضب الشعبي، حين اعتبرته فعاليات المجتمع المدني ـ خاصة الجامعة الوطنية لموظفي التعليم ونقابة الاتحاد الوطني للشغل في المغرب ـ محاولة من محاولات جس النبض لتكريس المثلية الجنسية في المغرب، ليتم سحبه فيما بعد.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يُثار فيها الجدال في المغرب بخصوص مضامين كتب تعتمدها مدارس أجنبية مرخّص لها في مناطق مغربية عديدة، إذ يشتكي أولياء أمور التلاميذ والمدرّسون، بين الحين والآخر، من مضامين مخالفة لـ”ثوابت المغرب”، لا سيّما ما يتعلّق بالترويج للمثلية الجنسية وحقوق المثليين.

وكانت مذكّرة وزارية قد أُصدرت في 13 جويلية الماضي، وعُمّمت على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، شددت على أنّ “بعض مضامين الكتب المدرسية والدعائم البيداغوجية (التربوية) المعتمدة في بعض المؤسسات التعليمية التي تقدّم برنامجاً تعليمياً أجنبياً لا تحترم قدسية الثوابت والقيم الوطنية والدينية لبلادنا”.

الدكتور عبد الرزاق قسوم لـ”الأيام نيوز”:

“دعم المثلية اعتداءٌ على فطرة الإنسان السليمة”

يرى رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم، أن إقدام الاتحاد الدولي للكرة الحديدية على تجميد نشاط الاتحاد الجزائري الخاص بهذه الرياضة مع تجميد نشاط أي عضو جزائري في الاتحادات القارية، وحظر مشاركة الجزائر في البطولات القادمة بعد رفض بلادنا دعم المثلية، هو استفزازٌ لوطننا أولا واعتداءٌ على حقوق الإنسان ثانيا، مبرزا أن هذه المثلية والشذوذ وكل أنواع الانحلال الخلقي التي يطالبون ويلحون إلحاحا مبالغا فيه بأن ندعمها وأن نؤيدها إن هو إلا عدوانٌ على العقل وعلى طبيعة وفطرة الإنسان بصفة عامة.

وأوضح الدكتور قسوم في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تندد بهذه المواقف المعادية للإنسان والإنسانية كما تدعم موقف الجزائر الثابت ورفضها القاطع لهذه الظواهر رغم استراتيجيات العزل والعقوبات وكل أنواع الترهيب التي ينتهجها الغرب لفرض ثقافته وقيمه الغربية الدخيلة عن مجتمعنا الجزائري المحافظ الذي يستمد مبادئه من تعاليم الإسلام وقانون الله وقانون الإنسان، داعيا في السياق ذاته الأمة الإسلامية جمعاء إلى تبني موقف الجزائر في هذه القضية والعمل بكل جدية وجهد على دعم هذا الموقف، والانسحاب إن لزم الأمر من كل هذه الاتحاديات التي تمثل المثلية وتدعو إليها وتعتدي على خلق الله وعلى طبيعة الإنسان وعلى حقوقه الأخلاقية.

وفي ختام حديثه لـ«الأيام نيوز»، قال رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزاق قسوم: “نحن نشد على يد السياسة الجزائرية الحكيمة والرشيدة التي طالما كانت رافضة لكل ما فيه تعدي على الفطرة الإنسانية، وعلى الحكومات الإسلامية على اختلاف مواقعها مأن تطالب اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بأن تسعى جاهدة إلى تبني هذا الموقف لأن الموقف الذي يؤيده الله ويؤيده الإنسان وتؤيده كل القيم الأخلاقية القائمة على مبدأ التوازن الإنساني والحفاظ على طبيعة الانسان والإنسانية، لا يمكن إلا أن يكون موقفا سديدا وصائبا ولا تشوبه شائبة”.

الخبير في علم الاجتماع فوزي دريدي لـ”الأيام نيوز”:

جهات مشبوهة تستهدف فئة الأطفال ببثّ سموم “المثلية”

يرى الخبير في علم الاجتماع الدكتور فوزي دريدي، أن هناك موجة في العالم تقودها جهات مشبوهة تعمل على دعم وفرض المثلية الجنسية، من خلال التركيز وبشكلٍلافت على فئة الأطفال باعتبارها فئة هشة ويُمكن الاشتغال عليها لبث سموم المثلية،سواء عن طريق المدارس أو أفلام الكرتون التي تجعل الطفل يستبطن مسألة المثلية ويعتبرها شيئا عاديا وجزء من ثقافته المجتمعية، إضافة إلى الألعاب والأدوات المدرسية التي تروج لأفكار المثليين، وتمسّ بالعقيدة الدينية والقيم الأخلاقية للمجتمعات.

وفي هذا الصدد، أبرز الدكتور دريدي في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن هناك منظومة تشتغل منذ سنتين أو ثلاث سنوات بشكل قوي لدعم هذه الظاهرة، كما أن هناك عدة حكومات غربية تبنت هذا الموقف بشكل رسمي، على غرار اعتماد سياسة التعليم الجنسي و”أجندة الجندر” في المدارس، وقد كانت هناك حركات احتجاجية ضد هذا الموقف الذي هو في حقيقة الأمر لا علاقة له بحرية الرأي وما إلى ذلك، وإنما هو فرضٌ لرؤية معينة على العالم وعلى المجتمعات دون أي أسس دينية أو ثقافية أو أخلاقية، بل تعدى الأمر في بعض الدول إلى تجريم الرافضين لهذا التوجه، فحتى تلك البلدان التي تتشدق بالديمقراطية وحرية الرأي هي في حقيقة الأمر ترفض أي رأي معاكس لرأيها الداعم للمثلية، بالموازاة مع ذلك نجد حركات لمسلمين وحتى مسيحيين ومثقفين علمانيين في الغرب يرفضون هذا التوجه الذي يتقاطع مع الفطرة السوية للإنسان.

في سياق ذي صلة، وفي حديثه عن موقف الجزائر الرافض لدعم المثلية والترويج لها، أوضح الخبير في علم الاجتماع الدكتور دريدي أن موقف الجزائر من هذه الظاهرة التي تُخل بكل الأطر المرجعية الثقافية الخاصة بمجتمعنا المحافظ إنما هو موقفٌ سديد وصائب لأنه من غير المسموح أن يتسلل هذا الأمر إلى مجتمعنا بأي شكل من أشكال التعبير سواء كانت فنية أو ثقافية أو رياضية، مؤكدا في السياق ذاته على ضرورة التثقيف النفسي والجنسي للفرد في مراحل عمره المبكرة باستخدام أساليب واعية من قبل الوالدين لتفادي أي انحراف جنسي قد يحدث لديه لاحقا، لأن الأطفال هم المستهدفون رقم واحد لجعل “المثلية الجنسية” أمرا اعتياديا في المجتمعات وهذا الأمر مُنافٍ تمام لطبيعة الإنسان وفطرته.

في غياب الأرقام..

المثلية الجنسية تتسلّل إلى العالم العربي

خلُصت دراسة أجرها كل من الدكتور جمال معتوق والدكتور نادية بن نايم من جامعة البليدة 2، بعنوان “المثلية الجنسية لدى الجنسين في المجتمع الجزائري”، إلى أن”المثلية الجنسية” تظل فعلا مرفوضا داخل المجتمعات لتشكيلها خطرا على جميع الأصعدة سواء الصحة الفردية أو العائلة وحتى المجتمع.

ومن المعروف أن الدول الإسلامية عامة والعربية خاصة ترفض المثلية الجنسية والممارسات الشاذة ولا تعترف بها، بل تنكرها إنكارا مطلقا، أيضا على اعتبارها دخيلة عن مجتمعاتنا عبر جذور الثقافة التي تضرب في عمق آلاف السنين.

وأكدت الدراسة التي تم نشرها في مجلة آفاق علم الاجتماع في ماي الماضي، أن إنكار الممارسة لا يعني عدم وجودها وانتشارها داخل هذه المجتمعات، فلا تخلو هذه المجتمعات من المثلية الجنسية وزيادة استفحالها في ظل الدعم الأممي لها وما تمارسه المنظمات العالمية من ضغوطات للاعتراف بها.

ففي سنة 2010 دعا الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى عدم التمييز الواقع على أساس الميول الجنسية والجندرية بسبب التوترات العالمية الثقافية على حد تعبيره، وفي إطار البرنامج الإنمائي قرر بالإجماع إلغاء القوانين التي تجرم المثلية الجنسية وتسليط الضوء على كل من يحاربها.

المثلية في لبنان

 أصبحت المثلية الجنسية في لبنان موضوعا حاضرا وممارسات علنية بعد تشكيل مجمّع للمثليين سنة 2004، سرعان ما تأسست من خلاله جمعية تعد الأولى من نوعها في المجتمع العربي لتنصب نفسها الناطقة باسم المثليين اللبنانيين وكل المثليين العرب.

ولأن القانون اللبناني يسمح بإنشاء الجمعيات ـ حتى من هذا النوع ـ وضمان حرياتها لم تجد جمعية “حلم” والتي هي اختصار لحماية حقوق المثليين اللبنانيين عوائق لتأسيسها العلني حيث اتخذت بيروت مركزا رئيسيا لها، ولقد سعت هذه الجمعية إلى تغيير المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني والتي نصت على أن “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”، على اعتبارها موروثا فرنسيا إذا علمنا أن صدور القانون الجزائي اللبناني صدر بالتزامن مع استقلال البلد عن فرنسا.

المثلية في المغرب

أما المجتمع المغربي فإنه كان يمجد ويقدس ضريح بن حمدوس بالرغم من معرفتهم أنه كان مثليا ولم يتزوج قط، إلا أنهم اعتبروه من أولياء الله الصالحين واليوم أصبح مزارا للمثليين حيث يجتمعون بمكناس مقر الضريح كل عام من شهر أكتوبر تزامنا مع اليوم العالمي للشواذ.

وبالرغم من سريان وفعالية المادة 489 من القانون الجزائي المغربي والتي نصت على أنه يعاقب “كل شخص يرتكب أعمال بذيئة أو مخالفة للطبيعة مع شخص من ذات الجنس بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات وبغرامة تتراوح بين 120 إلى ألف درهم مغربي”.

بهذا الصدد قال عبد الصمد الديالمي (عالم اجتماع وأكاديمي مغربي): “المثلية كانت دائما موجودة في المغرب، وفي العالم منذ تواجد البشرية.. وبالمقابل، هناك رفض للظاهرة مبني على أساس شرعي فقهي، لكن، رغم الرفض، تظل هذه السلوكيات موجودة بشكل مستمر كما أنه لم يكن هناك وجود لتبني الهوية المثلية في الماضي، لا على الصعيد الفردي ولا على الصعيد الجماعي، إذ كانت الممارسات محتشمة، يشعر فاعلها بالذنب وبأنه مجرم، فالمغرب وبرغم كونه بلدا مسلما فإنه لا يعيش بمنأى عن هذه الحركات العالمية التي أصبحت تطالب بعدم تجريم المثلية الجنسية والانتظام في حركات اجتماعية”.

ولقد أسست جمعية “كيف كيف” لفائدة المثليين في المغرب وتدافع عما يُسمى “حقوقهم”، لكنها، تنشط بسرية داخل المملكة، على اعتبار أن مقرها في مدريد وهي جمعية غير مرخص لها من قبل الدولة، وتتلقى هذه الجمعية دعما حزبيا ومن جمعيات حقوقية وبعثات دبلوماسية أجنبية في المغرب.

مما سبق يتضح أن المثلية الجنسية يتم دعمها من جهات أجنبية لكي تجد طريقها داخل الدول العربية عامة، فالمغرب استفحلت فيه الظاهرة لأن الحركات التحررية الإسبانية تدعم الممارسة بشكل كامل، وهذا ما دفع المثليين المغاربة إلى الخروج في مسيرة سنة 2011 بالعاصمة الرباط احتفالا باليوم الوطني للمثلين والذي يصادف يوم 15 أكتوبر، طالبوا فيها بالاعتراف بهم كجنس ثالث وأحقية الزواج مثل أي زوجين عاديين، في مشهد استنكره أغلب المجتمع المغربي.

المثلية في العراق

 في أوت الماضي طرح نواب يمثلون أغلبية نسبية في البرلمان العراقي تعديلات على قانون مكافحة الدعارة لعام 1988 تنص على “عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد” لأي شخص “أقام علاقة شذوذ مثلي”، فبموجب مشروع هذا القانون الذي تمت قراءته الأولى في 15 من أوت حسب جدول أعمال المجلس، يعاقب من يقوم بـ”الترويج للشذوذ المثلي” بالسجن لمدة لا تقل عن “سبع سنوات”.

وفي خطوة نحو تشديد العقوبات على مجتمع الميم، سعى مجلس النواب العراقي إلى إقرار مشروع قانون يمكن أن ينص على عقوبة الإعدام أو السجن ضد المثليين، وفي إيران المجاورة، تعتبر المثلية انحرافا” قد تصل عقوبته إلى الإعدام، لكن في العراق لا يوجد حتى الآن قانون حول المثليين.

ولكن القضاة يستندون إلى قانون يعود إلى عام 1969 لإدانة المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (LGBT +)، بناء على تهمة ممارسة الرذيلة وتصل عقوبتها إلى “السجن المؤبد أو عدة سنوات”.

وينظر المجتمع العراقي العشائري والمحافظ نظرة إدانة إلى المثليين، وقال النائب سعود الساعدي، رئيس كتلة “حقوق” النيابية والممثل السياسي لكتائب حزب الله، إن القانون “ما زال في طور النقاش والحوار وتبادل الآراء”، موضحا أن التعديل يهدف إلى “أن يغطي أي مساحة ويسد أي فراغ”.

وعن الصيغة النهائية للقانون، قال النائب الساعدي إن “هناك كما يبدو مستجدات تفسير مصطلحات ودخول مصطلحات جديدة مثل الجندر أو النوع الاجتماعي.. لذا كانت فكرة القراءة والتعديل” ضرورية، مشيرا إلى أنه ستكون هناك قراءات أخرى لمسودة القانون الذي لم يحدد موعد نهائي لإنجازه.

وقال النائب شريف سليمان، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، في مقال نشرته صحيفة “الصباح” الحكومية، إنه يدعم تشريع القانون للتأكيد على “القيم الأخلاقية والإنسانية” للمجتمع ومحاربة “الظواهر الشاذة فيه”، مؤكدا على “وجوب أن تكون هناك قوانين (رادعة) بهذا الشأن”، والعراق ليس البلد الأول الذي يريد تشديد إجراءات ضد مجتمع الميم، فقد جمّد البنك الدولي قروضا لأوغندا بسبب قانون ضد المثليين أقره في أوت الرئيس يويري موسيفيني.

في الوقت ذاته، تدرس “هيئة الإعلام والاتصالات” الحكومية ـ المسؤولة عن متابعة عمل وسائل الإعلام العاملة في العراق ـ منع وسائل الإعلام من استخدام مصطلح “المثلية ” عند الإشارة إلى “الانحراف الجنسي”، وفقا لمصدر في الهيئة الرقابية، كما سيتم حظر كلمة “جندر” إذا تم تبني هذا الإجراء.

المثلية في تونس

أما تونس وبالرغم من وجود مادة تقضي بالعقوبة الرادعة للجنسية المثلية وهي المادة 230، إلا أنه الظاهرة تفاقمت بقوة، لو لا أن القضاء أصبح يواجهها بأكثر صرامة في المدة الأخيرة، كما أن الشرطة تقوم بإجراء مداهمات لأوكار الرذيلة، بالإضافة إلى اعتقالات وملاحقات قضائية.

وفي 11 ديسمبر، داهمت فرقة الشرطة العدلية في القرجاني مسكنا بمنطقة الحمامات واعتقلت ثمانية أشخاص يُشتبه في قيامهم بأفعال جنسية مثلية، وتم توجيه الاتهام رسميا إلى اثنين من الأشخاص الثمانية بموجب الفصل 230 من المجلة الجزائية التونسية، الذي يُجرّم النشاط الجنسي المثلي وينص على عقوبة قد تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات. وتم إطلاق سراح الأشخاص الآخرين بسبب نقص الأدلة.

وسط معركة مجتمعية..

بوتين يكافح المثلية والمسلمون يتحركون في أمريكا

في ديسمبر 2022، صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون يحظر الدعاية للمثلية الجنسية والتحرش بالأطفال وتغيير الجنس، وبمقتضى هذا الحظر، بات العمل على إشاعة العلاقات الجنسية “الشاذة” والتحرش الجنسي بالأطفال عبر وسائل الإعلام والإنترنت والإعلانات والأعمال الأدبية والسينما غير قانوني.

ويشمل الحظر أيضا دعوات تغيير الجنس بين الشباب عبر الوسائل ذاتها، وينص القانون كذلك على تنفيذ آلية تحدّ من وصول الأطفال إلى المواد الصوتية أو المرئية التي تتضمن معلومات بشأن المثليين، وسيمنح القانون صلاحية المراقبة لإحدى المؤسسات المفوضة من قبل الحكومة، وتتراوح غرامات المخالفين لهذا القانون من أشخاص حقيقيين واعتباريين بين 50 ألف روبل روسي (نحو 827 دولارا) و10 ملايين روبل (نحو 165 ألفا و290 دولارا).

وفي نوفمبر 2022 شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هجوما عنيفا على الغرب، ومحاولة شرعنة “المثلية” وشيطنة كل من يبدي رأيا مغايرا تجاهها، وقال بوتين في تصريحات له: إن الغرب “لا يعرفون حتى ما هي الأم”، وتابع: “إنهم يعتبروها الوالد رقم 1 أو رقم 2”.

وذكر بوتين أنه “بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدا للكثيرين منا أن حياة جميلة ستبدأ الآن، وغدا سنعيش مثل باريس أو مكان آخر، على الرغم من أنه اتضح الآن أن الكثيرين لا يريدون العيش في باريس، في الحقيقة أن هناك ثقافة غريبة ومختلفة”.

وفي حديثه عن عشرات المصطلحات التي تختص بالهوية الجندرية، والمثلية الجنسية، قال بوتين: “يتم تحديد الجنس هناك بالعشرات، ما نوع التحولات الموجودة هناك! حتى إنني لا أفهم ما الذي يتحدثون عنه، هذه ليست ثقافتنا على الإطلاق”.

ولفت إلى أن “الناس في روسيا يعيشون وفقا لقيم مشتركة، وهذا متأصل في شعوب روسيا الاتحادية”، وجاءت تصريحات بوتين، بعد ساعات من إقرار البرلمان الروسي “الدوما”، مشروع قانون يفرض غرامات مالية ضد مروجي المثلية الجنسية.

وأقر البرلمان الروسي مشروع قانون يفرض غرامات كبيرة على “الدعاية للعلاقات الجنسية غير التقليدية والاعتداء الجنسي على الأطفال والمعلومات المروجة لإجراء عمليات جراحية لتغيير الجنس”.

مسلمو أمريكا يوضحون موقف الدين من “المثلية الجنسية”

تتعرض العديد من الجماعات الدينية الكبرى داخل أمريكا إلى ضغوط اجتماعية وتتعلق بكيفية التوفيق بين التعاليم الدينية، وتحديات الظواهر الاجتماعية المغايرة، والتي أصبحت تتطور وتلقى في حالات كثيرة قبولا مجتمعيا أوسع مع مرور الوقت.

وتعد الهويات والعلاقات الجنسية على رأس هذه الظواهر التي أصبحت تلقى قبولا اجتماعيا وقانونيا أوسع، توج بترويج كبير على يد إدارة الرئيس جو بايدن، وتشهد الولايات المتحدة صداما أيديولوجيا حادا بين التيارات المحافظة والمتدينة القريبة من الحزب الجمهوري، وبين التيارات التقدمية الليبرالية القريبة من الحزب الديمقراطي.

وأصبحت الخلافات المتعلقة بالهويات إحدى أهم القضايا التي تشغل بال ملايين العائلات الأمريكية في ظل دفع كل طرف بأجندة متطرفة يريد فرضها على الجميع. ووجد مسلمو أمريكا أنفسهم وسط معركة مجتمعية لا تبدو لها أي نهاية في المستقبل القريب.

ومنذ إلغاء المحكمة العليا للولايات المتحدة جميع حالات الحظر على زواج المثليين جنسيا عام 2015، وإجازته في جميع الولايات الـ50، وطلبت من كل الولايات الاعتراف بتراخيص زواج المثليين من خارج الولايات، أصبحت قضايا الهويات الجنسية إحدى أهم القضايا التي تسبب خلافات حادة واستقطابا بين الأمريكيين.

ولم يكن هناك موقف محدد معروف لملايين المسلمين الأمريكيين من هذه القضايا، في الوقت ذاته لا يُعرف على وجه اليقين أعداد المسلمين في الولايات المتحدة، حيث تمنع القوانين الأمريكية جمع معلومات الانتماء الديني في تعدادها العام الرسمي.

لكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن نسبة المسلمين تتراوح بين 1% و2% من إجمالي سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 333 مليون نسمة، أي بين 3.3 ملايين و6.6 ملايين نسمة، وينتشر المسلمون في كل الولايات الأمريكية التي تخطى عدد المساجد بها 2800 مسجد.

من هنا جاء إصدار عشرات العلماء والنشطاء والخطباء المسلمين بيانا يوضح موقف التعاليم الدينية الإسلامية من هذه التحديات، مع التأكيد على الحق في التعبير بحرية عن معتقداتهم الدينية، والاعتراف في الوقت ذاته بالالتزام الدستوري بالعيش بسلام مع أولئك الذين تختلف معتقداتهم عن معتقداتنا، لتدشين حقبة جديدة في مواجهة هذا التحدي لملايين العائلات المسلمة.

وجاء عنوان البيان ـ “اختلاف وجهات النظر: توضيح حول الأخلاق الجنسية والجندرية في الإسلام” ـ شاملا يعرض من خلاله موقف التعاليم الإسلامية من قضية الممارسات والهويات الجنسية.

معضلة خطيرة

تدفع التيارات التقدمية بقوة في العديد من الولايات للترويج لقيم تركز على إبراز طبيعية مجتمع المثليين بين تلاميذ المدارس من خلال التشريعات واللوائح، التي يصل بعضها لإعطاء الأطفال الحق في الانحراف، بينما تتجاهل هذه اللوائح في بعض الحالات موافقة الوالدين، وتقوض مثل هذه السياسات قدرة الآباء المسلمين على تعليم أطفالهم الأخلاقيات الجنسية القائمة على أسس دينية، وتنتهك حقهم الدستوري في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وتساهم في خلق جو من التعصب تجاه المجتمعات الدينية.

كما تضم العديد من المكتبات العامة، خاصة في الولايات الليبرالية الخاضعة لحكم الديمقراطيين، الكثير من الكتب المروجة لضرورة الاعتراف بالهويات الجنسية الأخرى المتعددة بجانب الرجل والمرأة، وتروج بعض هذه الكتب لشخصيات تنتمي لمجتمع المثليين، أو تظهرها في صورة أبطال، أو صورة ضحية مظلومة.

ودفع ذلك برون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا، على سبيل المثال لا الحصر، إلى منع الكثير من هذه الممارسات داخل مدارس ومكتبات ولايته، كما أنه حظر قدوم أي ممثلين لمجتمع المثليين جنسيا للتحدث أمام تلاميذ المدارس الابتدائية، وهي سياسات دعمتها الأغلبية العظمى من سكان الولاية.

 تحرك متأخر

وأوضح البيان أن التعاليم الدينية الإسلامية تسمح بالعلاقات الجنسية في إطار الزواج فقط، ولا يتم الزواج إلا بين الرجل والمرأة، كما أوضح البيان أن التعاليم الإسلامية تُدين صراحة العلاقات الجنسية مع الجنس ذاته، كما أن البشر يتكونون فقط من ذكور وإناث، وأن الرجال والنساء متساوون روحيا أمام الله، حتى وإن كان لكل منهما خصائص وأدوار مختلفة.

كما أشار البيان إلى أن التعاليم الإسلامية تستنكر صراحة تقليد مظهر الجنس الآخر، وكقاعدة عامة، يحظر الإسلام بشدة الإجراءات الطبية التي تهدف إلى تغيير جنس الأفراد الأصحاء، بغض النظر عما إذا كانت هذه الإجراءات تسمى “تثبيت” أو “تأكيد”. وفي حالات نادرة تتعلق ببعض الأفراد المولودين في حالة غموض بيولوجي، مثل اضطرابات النمو الجنسي، يسمح الإسلام لهم بالتماس الرعاية الطبية لأسباب تصحيحية.

ودعا البيان السلطات إلى “حماية حقنا الدستوري في ممارسة معتقداتنا الدينية بحرية دون خوف من المضايقات، ومعارضة أي تشريع يسعى إلى خنق الحريات الدينية للمجتمعات الدينية”، وأشار الشيخ عمر سليمان، وهو خطيب أمريكي شهير من أصول فلسطينية ويترأس معهد يقين للأبحاث الإسلامية، إلى أن هذا البيان لن يعارضه أحد لأنه يعكس التعاليم الراسخة في القرآن والسنة والتقاليد الإسلامية، وأشار الشيح سليمان إلى ضرورة “أن نكون قادرين على التعايش السلمي دون أن نضطر إلى التخلي عن مبادئنا”.

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

اقرأ أيضا