وفد رسمي زار معرضا للأمير عبد القادر في مرسيليا.. هل هي بداية تطبيع علاقات الذاكرة بين الجزائر وباريس؟

حضور لافت للجزائر في المعرض الدولي الذي يحتضنه متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية بمدينة مرسيليا الفرنسية، والذي خصص جانبا منه لحياة وشخصية مؤسس الدولة الجزائرية، الأمير عبد القادر، وهو نشاط يلتقي والتوصيات التي ضمّنها المؤرخ بنجامين ستورا، الذي كلف بإعداد تقرير حول ذاكرة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، من قبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وسلمه إياه في جانفي 2021.

الوفد الجزائري الذي زار هذا المعرض، الذي بدأ في السادس من أفريل المنصرم ويستمر إلى غاية 22 أوت المقبل، يتكون من السيناتور والدبلوماسي المعين مؤخرا من قبل الرئيس تبون في الثلث الرئاسي، كمال بوشامة، وأحمد راشدي المستشار برئاسة الجمهورية، للشؤون الثقافية، وسفير الجزائر في فرنسا، محمد عنتر داود.

مشاركة الوفد الجزائري في المعرض، لم تكن عابرة، بل عززتها المحاضرة التي نشطها السيناتور كمال بوشامة، تحت شعار “عبد القادر فارس الإيمان، رسول الأخوة، ومؤسس القانون الدولي الإنساني”، وقد كانت ثرية في التذكير بمحاسن الرجل، فيما شكر سفير الجزائر بباريس، منشطي هذا المعرض، الذي يتزامن في فرنسا والاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لاستقلال الجزائر، أو ما تسمى زورا في فرنسا “نهاية الحرب في الجزائر”.

وفي الكلمة التي ألقاها قبل المؤتمر، شكر سفير الجزائر عنتر داود، المنظمين للمعرض على هذه المبادرة والتي وصفها بـ”العمل الرائع”، وشدد الدبلوماسي الجزائري على وجود إرادة سياسية لدى الجانبين للمضي قدما، مستلهما من الاتصالات المنتظمة بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، كما دعا القائمين على المعرض لبحث إمكانية نقله إلى الجزائر.

مشاركة الوفد الجزائري في هذا المعرض ذو الأبعاد المتعلقة بالذاكرة، تعتبر الأولى من نوعها منذ تسليم المؤرخ الفرنسي للتقرير الذي أعده للرئاسة الفرنسية، والذي تحدث كما هو معلوم عن مبادرات من الطرفين لإنهاء صراع الذاكرة، الذي اشتعل بين البلدين منذ سنوات، وزاد اشتعالا منذ تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في سبتمبر المنصرم غير المسؤولة، عن الجزائر، حينما راح يشكك في وجود أمّة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي لها في سنة 1830.

وتعتبر هذه الخطوة برأي مراقبين، بداية انفتاح الموقف الجزائري مع اليد الممدودة من الجانب الفرنسي، فيما يخص ملف الذاكرة، والذي يعتبر من أكثر الملفات حساسية، بحيث يصرّ الجانب الجزائري على عدم التسامح مع أي طرف لا يحترم ذاكرة الجزائريين طيلة 132 سنة من الاحتلال الحافل بجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية.

وتشكل التصريحات التي جاءت في كلمة السفير الجزائري بباريس، والتي تحدثت عن “وجود إرادة سياسية لدى الجانبين للمضي قدما”، مؤشرا قويا على وجود تقارب يتبلور خلف الجدران المغلقة، وذلك قبل أسابيع من الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي للجزائر، تلبية للدعوة التي وجهها له الرئيس تبون، بعد إعادة انتخابه لعهدة رئاسية ثانية في أفريل المنصرم.

هذا التقارب يعتبره مراقبون مؤشرا على بداية جنوح الطرف الفرنسي للعقلانية في التعاطي بخصوص علاقاته مع الجزائر، في إطار الندية والتعاون الثنائي المثمر، بعيدا عن العقلية الموروثة من ممارسات الماضي الاستعماري، وهي الممارسات التي تتحمل المستوى الذي انزلقت إليه العلاقات الثنائية خلال السنوات القليلة الأخيرة.

غسان ابراهيم

غسان ابراهيم

محرر في موقع الأيام نيوز

اقرأ أيضا