وقاحة بلا حدود.. هذه أمريكا المرتدّة على نفسها

في الوقت الذي أبدت فيه الولايات المتّحدة ضيقًا وعدم صبر بحريّة التّعبير والاعتصام، وأقدمت على اقتحام جامعات وفضّ اعتصامات طلبة الجامعات بالقوّة والعنف واعتقال أكثر من 1500 طالب، بحجج يتمّ استخدامها من قبل جميع السّلطات القمعية والدّكتاتورية في العالم بالتّصنيف الأمريكي.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه لقطات تظهر وحشية الشّرطة الأمريكية تجاه المتظاهرين السّلميين، فإنّه من المسلّم به أن يخرج المسؤولون الأمريكيون ودون أن يرف لهم جفن لانتقاد سلوك أيّ سلطات دولة خارج فلك حلفائها الغربيين، تسمح للشّرطة باقتحام حرم جامعة لقمع طلبة محتجّين على أيّ أمر متذرّعة بذات الذّرائع الأمريكية. سيقف حينها المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية وربّما الوزير نفسه ليتحدّث دون خجل عن ضرورة التزام سلطات تلك الدّولة بعدم قمع المحتجّين ومطالبتها بضرورة ضمان حريّة التّعبير!

في الوقت الذي تستغلّ فيه واشنطن المساعدات العسكرية للدّول الأخرى لفرض أجندتها وآرائها، وفي الوقت الذي تلوّح فيه بقانون ليهي الذي يحظر المساعدات لأيّ وحدة في الجيش الذي يتلقّى مساعداتها إذا تبيّن ارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلّا أنّ الولايات المتّحدة تستخدم ذلك القانون وفق مصالحها، خصوصًا إذا تعلّق بالكيان الصّهيوني.

والمعمول به وفق قانون ليهي السّالف الذّكر أنّ الخارجية الأمريكية تعلّق المساعدات عن الوحدات العسكرية المتّهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ومن ثمّ على تلك الوحدات إثبات أنّها قد عالجت تلك الانتهاكات لتعود المساعدات، إلّا أنّ هذه الآلية لا تعمل عندما يتعلّق الأمر بالكيان الصّهيوني، فبالرّغم من التّقارير الرّسمية عن ارتكاب وحدات في الجيش الصّهيوني لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلّة، إلّا أنّ الخارجية الأمريكية تصرّ على إعطاء الجيش الصّهيوني المزيد من الوقت والفرص لتصحيح ذلك في الوقت الذي تستمرّ فيه المساعدات بالتدفّق!

ستجد مسؤولًا أمريكيًا كبيرًا أو صغيرًا، مدنيًا أو عسكريًا، لن يجد غضاضة أو يرف له جفن أو يخجل من أن يقف أمام الكاميرات وهو يقول بكلّ رباطة جأش وثقة أنّ واشنطن ليس عندها أيّ دليل على ارتكاب أيّ إبادة جماعية في غزّة!! لا بل ويذهبون أكثر من ذلك حين يهدّد أعضاء بالكونغرس المحكمة الجنائية الدّولية إذا ما أصدرت أوامر اعتقال بحقّ مجرمي الكيان! فأيّ وقاحة أكثر من ذلك!

لا يجد المسؤولون الأمريكيون غضاضة في ذرف الدّموع على الوضع الإنساني في غزّة، لا بل إنّ قضية المساعدات للشّعب المحاصر الجائع تأخذ جلّ مباحثاتهم وتصريحاتهم العملية، ويتناسون أنّ من يقوم بحصار العشب الفلسطيني في غزّة لن يتمكّن من ذلك بدون السّلاح الأمريكي المتدفّق إلى مخازنه، وبدون الغطاء السّياسي الذي ينعم به منذ بداية العدوان البربري على غزّة!

وتذهب الوقاحة بالأمريكيين بعيدًا حين يوحون أنّهم يحاولون الالتفاف على الحصار الذي تفرضه ربيبتهم ورضيعتهم! فيكلّفون أنفسهم بناء ميناء عائم لإدخال المساعدات بديلًا عن معبر رفح! ويا للسّخرية؛ فالكيان نفسه الذي تحاول واشنطن الالتفاف عليه لإدخال المساعدات، هو ذاته الذي يحمي القوّات الأمريكية لإنجاز المهمّة الإنسانية جدًا، أيّ وقاحة تلك!

الوقاحة الأمريكية تتبدّى أكثر وبشكل أوقح حين تسعى واشنطن إلى مقايضة الدّماء الفلسطينية النّازفة بالتّطبيع مع السّعودية! التّطبيع مقابل وقف إراقة الدّماء.. أيّ وقاحة تلك!

عبد الله المجالي - كاتب وإعلامي أردني

عبد الله المجالي - كاتب وإعلامي أردني

اقرأ أيضا