استئناف التحقيق في فضيحة بيغاسوس.. العدالة الإسبانية تدقّ أبواب المخزن

بعد تسلّمها وثائق جديدة من فرنسا، استأنفت إسبانيا فتح تحقيق كانت قد علّقته – بسبب رفض سلطات الكيان الصهيوني التعاون في مجرياته – والأمر يتعلّق بـ”قرصنة واختراق هواتف وزراء إسبان بواسطة برنامج التجسّس بيغاسوس الصهيوني”، وهي الفضيحة التي تورّط فيها نظام المخزن المغربي.

أعادت المحكمة العليا الإسبانية، فتح تحقيق في استخدام برنامج بيغاسوس – الذي طوّرته مجموعة “إن.إس.أو” الصهيونية لبرمجيات التجسّس – حول التجسّس على رئيس الوزراء الإسباني وساسة إسبان آخرين.

وسيتبادل المحققون معلومات مع فرنسا التي اُستهدف فيها سياسيون وشخصيات أخرى أيضا. ويُراد بالتحقيق معرفة الضالعين في التجسّس. ولم توجَّه اتهامات رسمية حتى الآن، لكن الصحافة الإسبانية تؤكّد أنّ النظام المغربي متورّط بشكل كامل في هذه الفضيحة.

وتم اتهام المغرب صيف 2021 باستخدام برنامج بيغاسوس بعد تحقيق مكثّف أجرته مجموعة تضم 17 وسيلة إعلام دولية، بدأ التحقيق عام 2022 بعد أن أعلنت الحكومة الإسبانية أنّ برنامج التجسّس هذا قد اُستخدِم ضد كبار السياسيين في البلاد. ويتيح البرنامج اختراق الهواتف النقالة لاستخراج بياناتها أو تنشيط كاميراتها وميكروفوناتها بغرض التجسس.

ومن بين المستهدفين – بالإضافة إلى رئيس الوزراء بيدرو سانشيز-  ووزيرة الدفاع مارغريتا روبليس ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا ووزير الزراعة لويس بلاناس.

وبعد عام من بدء التحقيق، قالت المحكمة الجنائية العليا في إسبانيا إنّ القاضي – المحقّق في القرصنة – أغلق القضية مؤقتا بسبب “الغياب التام للتعاون القانوني” من سلطة الكيان الصهيوني التي لم ترد على طلبات للحصول على معلومات حول مجموعة “إن إس أو”.

وقرّر القاضي خوسيه لويس كالاما إعادة فتح التحقيق بعد تلقيه وثائق من السلطات القضائية الفرنسية حول تفاصيل تحقيقها الخاص في استخدام برنامج بيغاسوس للتجسّس على هواتف صحفيين ومحامين وشخصيات عامة وكذلك وزراء أعضاء في الحكومة الفرنسية وسياسيين ونواب في البرلمان الفرنسي باستخدام بيغاسوس في عام 2021. وقالت المحكمة الإسبانية إنه “بمقارنة العناصر التقنية التي جُمِعَت في التحقيق الفرنسي” مع تلك التي أجريت في إسبانيا “تمكن التحقيق من التقدم (…) لتتبع مصدر القرصنة”.

وفي جانفي الفارط، طلب البرلمان الأوروبي مجدّدا من إسبانيا بإجراء تحقيق “كامل وفعال” حول استخدام برنامج بيغاسوس ضد أعضاء الحكومة وهي فضيحة تورط فيها بقوة نظام المخزن المغربي، حسب ما أفادت به وسائل إعلام.

ودعا البرلمان الأوروبي إسبانيا إلى “إتباع التوصيات التي تمت الموافقة عليها في جوان 2023″، والتي أكدت على إجراء “تحقيق كامل وعادل وفعال” يوضّح جميع حالات التجسس المزعومة مع شركة بيغاسوس (التابعة لشركة NSO الصهيونية) بما فيها الحالات الـ47 المرتبطة بحركة الاستقلال الكاتالونية إضافة إلى ما تعرض له سانشيز وأعضاء آخرون في الحكومة والذي تأكد بشأنه وجود “مؤشرات واضحة” حول تورط المغرب.

إضافة إلى ذلك، جدد أعضاء البرلمان الأوروبي قلقهم بشأن استخدام برامج التجسس حيث أكد هؤلاء أن “هذه الصناعة يجب أن تخضع لتنظيم صارم” علما أن هذه الرسالة متضمنة في التقرير الخاص بوضعية حقوق الإنسان الأساسية في الاتحاد الأوروبي والذي تمت الموافقة عليه بـ391 صوتا مقابل 130 صوت معارض و20 امتناع عن التصويت.

ويؤكد التقرير الذي تمت الموافقة عليه بـ30 صوتا مقابل 3 أصوات معارضة و4 امتناع عن التصويت بأن المعطيات أخذت من الهواتف المحمولة يوم 19 ماي 2021 أي في عز الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والرباط حول قضية الصحراء الغربية ما يؤكد الشكوك المتعلقة بالابتزاز الذي يكون نظام المخزن قد قام به للحكومة الإسبانية حول هذه القضية.

وكانت صحيفة “الإسبانيول” قد كشفت في تقرير لها أنه تم الكشف عن تحميل 15 ألف ملف وألف صورة من هاتف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز بواسطة برنامج “بيغاسوس” الذي يستخدم للتجسس.

أهمية توقيت

ورجّحت الصحيفة الإسبانية أن يكون المغرب وراء اختراق هاتف سانشيز ووزيرة دفاعه مارغريتا روبلس ببرنامج “بيغاسوس”، وذلك في ماي 2021 تزامنا مع توتر العلاقات بين الرباط ومدريد بسبب استقبال الأخيرة الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي للعلاج من مضاعفات فيروس كورونا المستجد.

من جهة أخرى، كشفت صحيفة “لارازون” أن تاريخ اختراق هواتف ثلاثة وزراء (الدفاع والداخلية والزراعة) تزامن مع واحدة من أكبر أزمات الهجرة التي عرفها العقد الماضي، إثر محاولة حوالي 10 آلاف مغربي عبور الحدود إلى الأراضي الاسبانية في اقل من يومين، بتواطؤ من السلطات المغربية.

وحسب الصحيفة، فإنّه على الرغم من أنّ الاختراق طال وزير الزراعة، لويس بلاناس، الذي لا علاقة له بملف الهجرة، إلا أنه كان سفيرا بالمغرب سابقا، وهو ما جعل كل الأنظار موجهة إلى المخزن.

وتم اتهام المغرب في صيف 2021 باستعمال البرنامج الذي صممته شركة “إن.إس.أو” الصهيونية وذلك بعد تحريات مكثفة أجرتها هيئة مشكلة من 17 وسيلة إعلامية دولية على أساس البيانات التي حصلت عليها منظمة “فوربيدن ستوريز” ومنظمة العفو الدولية.

وفي العام ذاته – 2021 – قالت صحيفة “لوموند” إنّ ارقام هواتف للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأعضاء في حكومته كانت “على قائمة الأرقام التي اختارها جهاز أمني تابع للدولة المغربية يستخدم برنامج بيغاسوس للتجسس.

وأنشأ البرلمان الأوروبي لجنة “بيغا” للتحقيق في استخدام برنامج “بيغاسوس” وبرامج التجسس الأخرى في أوروبا. وفي نوفمبر 2021، وضعت حكومة الولايات المتحدة مجموعة “إن.إس.أو” على اللائحة السوداء “للانخراط في أنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية”.

وفي ماي 2022، كشف وزير شؤون رئاسة الوزراء الإسباني، فيلكس بولانيوس، أنّ هاتفي رئيس الوزراء بيدرو سانشيز ووزيرة الدفاع مارغريتا روبلس، تعرضا للاختراق بواسطة برنامج التجسس “بيغاسوس” الصهيوني. وكشف بولانيوس، أن اختراق هاتف سانشيز كان في ماي 2021.

ورغم أنّ المسؤول الإسباني لم يحدّد الجهة التي تقف وراء الاختراق، قال حزب “بوديموس” الإسباني، عبر ممثلته، خاومي أسينس، إنّ المغرب إن ثبت تورطه في القضية فيجب على الحكومة إعادة النظر في العلاقات مع الرباط.

وفي مقابلة مع صحيفة “إس آر كاتالوينا”، شدّدت أسينس على أنه إذا تم التأكد من أن المغرب يقف وراء التجسس، فسيكون ذلك “سببا كافيا لإعادة صياغة الاتفاق” الذي توصلت إليه الحكومة مع هذا البلد. وأضافت المسؤولة أن التجسس على الحكومة تزامن مع الأزمة الدبلوماسية مع المغرب.

وفي جويلية 2021، كشف تحقيق منسق أجرته العديد من وسائل الإعلام عن قائمة تضم أكثر من 50 ألف اسم لأشخاص من المحتمل أن يكونون قد تعرضوا للمراقبة باستخدام برنامج بيغاسوس سيما من طرف المغرب، أحد البلدان التي استخدمت هذا البرنامج.

وقال القاضي خوسيه لويس كالاما  يوم الثلاثاء 23 أفريل 2024 إن مقارنة النتائج الإسبانية بالبيانات الفنية التي أرسلتها فرنسا قد تساعد في مُضي القضية قدما، وأمر بإجراء تحليل خبراء لتبادل المعلومات الفنية التي جمعتها التحقيقات الفرنسية والإسبانية وتحديد هوية الضالعين في الهجمات السيبرانية، وقال القاضي الإسباني إنه يتوقع تبادلا مكثفا للمعلومات مع السلطات الفرنسية بمجرد الانتهاء من التحليل. وغَيَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفه المحمول ورقمه في ضوء قضية برنامج التجسس بيغاسوس.

وخرجت الفضيحة إلى العلن في أفريل 2022 بعدما كشفت هيئة مراقبة الأمن السيبراني الكندية”سيتيزن لاب” في تقرير أن هواتف ما لا يقل عن 65 انفصاليا كاتالونيا جرى التنصت عليها بعد محاولة الاستقلال الفاشلة عام 2017.

وبعد أسابيع من ذلك أبلغت رئيسة الاستخبارات الوطنية الإسبانية باز إستيبان لجنة برلمانية أنه قد تم التجسس على 18 انفصاليا كاتالونيا باستخدام برنامج بيغاسوس لكن بموافقة قضائية، قبل أن تُفصل من وظيفتها لاحقا.

وتفاقمت القضية عندما أعلنت مدريد أن رئيس الوزراء سانشيز وبعض وزرائه قد تعرضوا للتجسس في عام 2021. وتحدثت الحكومة الإسبانية عن “هجوم خارجي” بينما أشارت الصحافة الإسبانية حينئذٍ بأصابع الاتهام إلى المغرب في ظل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في ذلك الوقت.

وبحسب باحثين في الأمن وتحقيق إعلامي عالمي في عام 2021، استُخدم برنامج التجسس بيغاسوس لاستهداف أكثر من 1000 شخص في أكثر من 50 دولة، بما في ذلك النشطاء والصحفيين.

الملف يتعاظم

وكانت فضيحة أخرى قد تفجرت مع بداية 2024، حين تم الكشف عن تعرض هاتف القيادية بحزب ماكرون والمسؤولة بالبرلمان الأوروبي، نتالي لوازو، للاختراق بواسطة البرمجية الصهيونية “بيغاسوس”، التي استعملتها المخابرات المغربية في التجسس على هواتف الكثير من زعماء ومسؤولي دول القارة العجوز.

نتالي لوازو، ترأس اللجنة الفرعية للدفاع عن حزب “النهضة” الذي أسّسه الرئيس الفرنسي، وسبق لها أن شغلت حقيبة الوزيرة المكلفة بالشؤون الأوروبية، في أولى الحكومات التي عينها ماكرون بعد وصوله إلى سدة قصر الإيليزي، وكان ذلك في الفترة الممتدة ما بين العام 2017 و2019.

القضية فجرتها النائب في البرلمان الأوروبي في حوار خصت به مجلة “لوبوان” في 17 جانفي 2024، بكشفها عن تعرض هاتفها الشخصي للاختراق بواسطة برمجية “بيغاسوس”، التي وظفتها المخابرات المغربية في التجسس على هاتف الرئيس الفرنسي وكبار مساعديه.

ومعلوم أن من بين الأسباب التي ساهمت في تأزيم العلاقات المغربية – الفرنسية، توصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما جاء في الاعتراف الذي صدر عن الكاتب المغربي المقيم في فرنسا، الطاهر بن جلون، المعروف بعلاقاته القوية مع القصر، في حوار للقناة الصهيونية “i24” في جوان 2023. وقال بن جلون إن الملك المغربي، محمد السادس، اتصل بالرئيس الفرنسي وحاول تبرئة ساحة بلاده من التجسس على هاتفه، غير أن ماكرون شتم الملك المغربي.

ولم تلبث هذه الفضيحة أن أخذت زخما جديدا، بقيام صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية بنشر مقال مطول، يوم 22 فيفري 2024، جاء تحت عنوان: “توسع أزمة برامج التجسس في بروكسل: تعرض هواتف اثنين من أعضاء البرلمان الأوروبي لاختراق أمني”، خاضت من خلاله في تفاصيل جديدة لهذه الفضيحة، ومما جاء في المقال: “كان اثنان من الأعضاء وموظف واحد في اللجنة الفرعية للأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي هدفا لبرامج التجسس، في خرق أمني واسع النطاق لعمل هذه المؤسسة التابعة للاتحاد الأوروبي”.

كما طال الاختراق هاتف النائب الأوروبي الآخر، البلغارية الديمقراطية الاشتراكية، إيلينا يونشيفا، وهي عضو في اللجنة الفرعية للدفاع أيضا، حيث عثرت أيضًا على آثار لبرامج تجسس على هاتفها أيضا، أثناء فحص أمني لتكنولوجيا المعلومات هذا الأسبوع، كما تم استهداف مسؤول ثالث، وهو أحد موظفي اللجنة.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا