العروبة تلبس ألوانها الحقيقية.. أمريكا اللاتينية بتوقيت غزة

بالرغم من الفوارق الثقافية الواضحة والاختلافات في اللغة والأعراف التقاليد والمعتقدات، تتّسم الشعوب في معظم دول أمريكا اللاتينية بمستوى كبير من التعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته. بل إنّ زعماء هذه الدول يظهرون جرأة وشجاعة في التعبير عن دعمهم لفلسطين، ويصفون ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية. فما هي دوافع هذا التضامن؟ هل الموقف جاء نتيجة لتجارب مشتركة من القمع والتمييز العنصري التي تعرضت لها هذه الشعوب من قبل الغرب؟ أم أنّ هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا الاتجاه؟

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

يُطلق مصطلح “أمريكا اللاتينية” على الدول الناطقة باللغتين البرتغالية والإسبانية، وتشمل دولًا في أمريكا الجنوبية والوسطى، بالإضافة إلى المكسيك والكاريبي. ففي هذه القارة البعيدة عن العالم العربي، والتي يصفها البعض بأنها حديقة خلفية للولايات المتحدة، تبرز أمريكا اللاتينية كمنطقة تقدّم أكبر دعم دبلوماسي لفلسطين وتوجه أشد الانتقادات لسلطة الاحتلال.

وعلى الرغم من عدم وجود تشابه في اللغة أو الدين بين سكانها وفلسطين، إلا أنّ بلدانها تظلّ الأعمق تأييدا ونصرة للقضية الفلسطينية، وهو ما يتجسّد في آخر المواقف ضمن هذا السياق، فقد أكدت كولومبيا عزمها على قطع العلاقات مع الكيان المحتل بسبب الحرب في غزة، مما يؤكد على العلاقة الوثيقة بين أمريكا اللاتينية وفلسطين.

جاء هذا، حين أعلنت الخارجية الكولومبية أنها أبلغت سفير الكيان الصهيوني في بوغوتا رسميا بقطع العلاقات الدبلوماسية بين كولومبيا وسلطة الاحتلال، وذكرت الخارجية في حسابها الرسمي على موقع “إكس” للتواصل الاجتماعي، يوم الجمعة، أنه “تم تقديم المذكرة الشفهية بشكل رسمي للسفير الصهيوني لدى كولومبيا بشأن قرار الحكومة قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان”.

وأضافت الخارجية بأنه سيتم – بين الطرفين – تنسيق الإجراءات الخاصة بمغادرة الدبلوماسيين الصهاينة. وكان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، قد أعلن عن قراره قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان على خلفية استمرار الحرب الصهيونية في قطاع غزة.

وكما كان منتظرا، فقد اتهم وزير من سلطة الاحتلال، الرئيس الكولومبي بـ”معاداة السامية”، وقال الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قبل أيام، إنه سيقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان بسبب أفعاله في غزة. وطلب الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا لدى محكمة العدل الدولية التي تتهم فيها الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية.

وسبق أن سحبت كولومبيا سفيرها من الكيان، بعد الحرب الصهيونية على غزة، وكتب الرئيس الكولومبي بيترو آنذاك على موقع إكس (تويتر سابقاً) حول القرار: “إذا لم توقف “إسرائيل” المذبحة بحق الشعب الفلسطيني، فلن نتمكن من البقاء هناك”.

وكان بيترو، أول الرافضين وصف حركة حماس بـ”الإرهابية”، ولم يتوقف عن تذكير العالم بجرائم الاحتلال الصهيوني “النازي” الذي دفع حركات المقاومة في غزة إلى الانفجار بتلك الطريقة، إضافة إلى التصعيد الدبلوماسي الذي اتخذه مع الحكومة الصهيونية.

وفي كلمة خلال احتفال بالعاصمة بوغوتا بيوم العمال العالمي الموافق 1 ماي من كل عام، عزا بيترو قرار قطع العلاقات إلى وجود حكومة ورئيس لدى الكيان يمارسان الإبادة الجماعية. وأوضح أنّ “عصر الإبادة الجماعية وإبادة شعب أمام أعيننا لا يمكن أن يعود”، مضيفا “إذا ماتت فلسطين ماتت الإنسانية”.

وأشادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بموقف الرئيس بيترو، إذ قالت في بيان لها: “نثمن عاليا موقف الرئيس بيترو الذي أعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني المحتل، على ضوء استمرار حرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال النازي ضدّ شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.

واعتبرت حماس، موقف الرئيس الكولومبي انتصارا لتضحيات الشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة. ودعت في هذا الصدد دول أمريكا الجنوبية وكافة الدول إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية بشكل كامل مع الكيان، التي وصفتها بـ”الكيان الفاشي المارق الذي يواصل جرائمه بحق شعبنا، ويضرب بعرض الحائط كافة القوانين والأعراف الدولية”.

رجال الأفعال قبل الأقوال

ولكن ليست كولومبيا بمفردها هي الدولة الوحيدة التي تتبنى مواقف قوية داعمة لفلسطين في أمريكا اللاتينية، على الرغم من أنّ النفوذ القوي للولايات المتحدة في المنطقة قد يكون دافعًا لتبني مواقف مؤيدة للكيان، إلا أنه قد يكون أيضًا سببًا للتعاطف مع فلسطين. فقد أثار الإرث الاستعماري والاستغلالي الأمريكي كراهية تجاه الإمبريالية البيضاء في المنطقة، ما جعل بعض الدول اللاتينية تظهر تضامنها مع فلسطين.

وعلى الرغم من أنّ الغالبية العظمى من سكان أمريكا اللاتينية ينتمون إلى البشرة البيضاء، إلا أنّ تنوّع أصولهم يعكس امتزاجًا ثقافيًا وعرقيًا. ويعود الفضل في ذلك إلى مهاجرين من جنوب أوروبا مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، الذين امتزجوا بشكل أساسي مع السكان الأصليين والأفارقة في بعض المناطق.

هذا التنوّع الجيني أثر على الديناميات الاجتماعية والعرقية بشكل مختلف عما هو معتاد في الولايات المتحدة، إذ يتبنى أغلب الأمريكيين البيض وجهات نظر عنصرية تجاه السكان اللاتينيين. ما يجعل سكان أمريكا اللاتينية يشعرون بالتضامن مع الفلسطينيين الذين يواجهون عنصرية مماثلة من جانب الإسرائيليين.

وبصفة عامة، يشعر كثير من سكان أمريكا اللاتينية بالغبن تجاه القوى الأوروبية التي استغلت موارد بلادهم الغنية على مدار قرون مثلهم مثل سكان العالم العربي، ومقاومة هذا الاستعمار والأنظمة الموالية له جزء من الإرث الثقافي لأمريكا اللاتينية التي تتشابه مع العالم العربي في كون المنطقة متجانسة لغوياً وثقافياً نسبياً، ولكن مشرذمة سياسياً. كما أنّ أغلب سكان أمريكا اللاتينية من الكاثوليك، والكاثوليك ليسوا متعاطفين بقوة مع اليهود كالبروتستانت الذين يحتل العهد القديم (التوراة) مكانة مميزة في مذهبهم.

ثم إنّ الجالية اليهودية صغيرة نسبيا في المنطقة، إذ بلغ عددها 500 ألف فقط عام 2017، إضافة إلى أنّ يهود أمريكا اللاتينية الذين يدعمون الكيان ليس لديهم ما يعادل الجماعات الصهيونية الأمريكية القوية مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية (أيباك)، التي يقال إنها سوف تنفق 100 مليون دولار العام المقبل لمحاولة تنحية المشرّعين الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة من مناصبهم.

وإلى جانب كل ذلك، فإنّ المنطقة تغيّرت بشكل كبير من حيث اعتمادها على الولايات المتحدة ومستوى التأثير الذي يمكن أن تتمتع به واشنطن على السياسة الخارجية، كما أنّ الموقف المؤيد لفلسطين يعود أيضا إلى تزايد “المد الوردي” للناشطين اليساريين والسكان الأصليين الذين افتكّوا السلطة في السنوات الأخيرة. والآن يسيطر ساسة يسار الوسط على السلطة في ثلثي دول أمريكا اللاتينية، ويمثلون أكثر من 90% من سكان المنطقة وناتجها المحلي الإجمالي.

وشاركت هذه المجموعات منذ فترة طويلة في حملات التضامن مع فلسطين وغيرها من حركات حقوق السكان الأصليين، خاصة وأنّ سلطة الاحتلال ساعدت في تسليح العديد من حكومات المنطقة الأكثر قمعا في القرن الـ20، وبالنسبة إلى العديد من الناشطين في المنطقة، فإنّ خيبة الأمل في عملية أوسلو للسلام في التسعينيات دفعتهم إلى النظر إلى الوضع الاحتلال في فلسطين على أنه ليس أكثر من مجرد شكل جديد من أشكال الاستعمار.

كما أنّ اليسار في القارة يمثل – بأجندة التحرّر الوطني لديه ورفضه العنصرية والطبقية – جزءاً مهماً من الإرث السياسي القوي في مواجهة يمين يوصم بأنه طبقي ومحافظ وأحياناً عنصري. وتجدر الإشارة إلى أن جزءاً من اليمين في أمريكا اللاتينية مؤيد للكيان كما هو الحال مع رئيس الأرجنتين الحالي، وهذا يخلق تقلبات جادة في سياسة هذه الدول تجاه الاحتلال وفلسطين، مثل باراغواي التي نقلت سفارتها لدى الكيان إلى القدس ثم أعادتها قبل معركة طوفان الأقصى بعد تغيير رئيس البلاد.

ويشكّل الشتات العربي في أمريكا اللاتينية قوة رئيسية وراء النشاط المؤيد لفلسطين، إذ تضم البرازيل وحدها نحو 16 مليون مواطن من أصل عربي، وتشيلي لديها أكبر عدد من السكان الفلسطينيين مقارنة بأي دولة أخرى خارج الشرق الأوسط، ويبدو أن ظاهرة الهجرة العربية إلى المنطقة تعود إلى أواخر القرن الـ19، عندما فر العديد من المهاجرين اللبنانيين والسوريين إلى الأمريكيتين، وتبعهم الفلسطينيون في موجات بعد كل حرب كبرى بين الاحتلال والدول العربية.

ويتمتع هذا الشتات الضخم بنفوذ سياسي كبير في جميع أنحاء المنطقة، إذ يشغل السياسيون العرب مناصب عليا في العديد من الحكومات. ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن 10% من أعضاء البرلمان البرازيلي من أصول عربية اعتبارا من عام 2016.

إرث الشعوب الأصيلة

قطعت كوبا علاقتها مع الكيان الصهيوني خلال قمة حركة عدم الانحياز المنعقدة في الجزائر عام 1973، وهي الدولة الوحيدة في الأمريكيتين التي لا تعترف اليوم بـ “الكيان كدولة”، أما فنزويلا فقد قطعت علاقتها بالكيان الصهيوني في أعقاب عملية الفرقان بين عامي 2008-2009 وأقامت علاقات دبلوماسية مع السلطة الوطنية الفلسطينية في أفريل 2009.

وشدد الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، على “ضرورة أن يتخذ العالم إجراءات ضد الإبادة الجماعية”، في معرض حديثه عن الهجمات الصهيونية المستمرة على قطاع غزة. ونشر الرئيس الكوبي صورة للمدنيين الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم في الهجمات الصهيونية عبر حسابه على منصة إكس.

وقال: “من الضروري أن يتخذ العالم إجراءات ضد الإبادة الجماعية، حيث لا يمكن مقارنة العنف المرتكب ضد الشعب الفلسطيني إلا بما فعله النازيون باليهود، إنه تناقض قاس، ومن تعرض لهذا الوضع فعل الشيء نفسه في مكان آخر”. وفي 29 ديسمبر الماضي، قال الرئيس الكوبي في بيان، “إن الهمجية التي تمارسها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني يجب أن تنتهي”.

وأعرب الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، عن تضامنه مع الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، بعدما تم تصنيفه كشخص غير مرغوب فيه من قِبل سلطة الكيان إثر “إدانته الصادقة لإبادة السكان الفلسطينيين في غزة”، وقال دياز كانيل: “كل التحية والإعجاب بشجاعتك، سوف تكون دائماً في الجانب الصحيح من التاريخ”.

أما بوليفيا – وهي إحدى الدول القليلة بالمنطقة التي أغلبية سكانها من أصول هندية حمراء (السكان الأصليين)، وقد يفسّر ذلك مواقفها القوية تجاه فلسطين – فكانت الدولة الوحيدة التي قطعت علاقتها الدبلوماسية مع الكيان بسبب حرب غزة، ولم تكتف بسحب السفير، إذ أعلنت عن هذا القرار في أول نوفمبر 2023، عقب مجزرة مخيّم جباليا بسبب اتهامها للكيان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هجماتها على قطاع غزة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقطع فيها بوليفيا علاقتها بالكيان، فلقد فعلت ذلك من قبل، عام 2009 بسبب الحرب الوحشية على غزة في ذلك الوقت، وتم ذلك في عهد الرئيس الأسبق موراليس الذي حكم البلاد من 2006 إلى 2019. ويعود جزء من قوة مواقف بوليفيا لدور موراليس الذي يُنظر له كيساري راديكالي مناهض للإمبريالية والهيمنة الأمريكية والرأسمالية، وداعٍ إلى إحياء إرث الشعوب الأصلية بالمنطقة.

والرئيس الحالي للبلاد لويس آرسي كان وزيراً للمالية في عهد موراليس، وترشح بدعم منه في إطار صفقة مع المعارضة، ولكن حدثت خلافات بينهما. ومع ذلك فإن الرئيس الأسبق موراليس والحالي آرسي، وإن اختلفا في أمور كثيرة، إلا أنّ موقفهما من القضية الفلسطينية، سيبقى متفاوتاً، لكنه ملتزم دائماً بدعم الشعب الفلسطيني في مظلمته.

أما بالنسبة إلى تشيلي، فإنّ ما يقرب من 500 ألف من سكانها هم من أصل فلسطيني كامل أو جزئي، الأمر الذي يجعلها واحدة من أكبر مستضيفي الفلسطينيين في العالم، وهم مندمجون إلى حد كبير وناجحون ويحتلون مكانة جيدة في المجتمع، خاصة في عالم الأعمال والسياسة.

تشيلي هي واحدة من 22 دولة وقّعت وصادقت على القانون الدولي الملزم الوحيد المتعلق بالشعوب الأصلية، وهو اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية. ورغم الماضي الاستبدادي للبلاد الذي يتجلى في عهد الدكتاتور بينوشيه الذي أطاح بحكم اليساري سيلفادور ليندي، فإن تشيلي ينظر لها على أنها واحدة من أكثر دول أمريكا اللاتينية ازدهاراً واستقراراً وديمقراطية، ويحكم البلاد الرئيس غابرييل بوريتش وهو يساري معتدل له مواقف مشهودة بحق القضية الفلسطينية.

ولقد سحبت تشيلي سفيرها من الكيان في الأول من نوفمبر 2023 بسبب جرائم حرب غزة. كما كانت تشيلي إحدى الدول التي أحالت الحرب على غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي مطلع مارس الماضي، منعت تشيلي سلطة الكيان من المشاركة في معرض طيران تستضيفه البلاد يعد الأكبر في أمريكا الجنوبية. ويأتي هذا الموقف رغم قوة العلاقات العسكرية بين البلدين، إذ تعد سلطة الكيان، من الموردين الرئيسيين لجيش تشيلي، وتشارك أيضاً في تنفيذ نظام الأقمار الاصطناعية التشيلية.

إعلاء اسم غزة

يتولى الحكم في نيكاراغوا حزب يساري، كان قد قاد لعقود نضالاً ضد النظام السابق المدعوم من الولايات المتحدة، وقد قامت نيكاراغوا بتصرف استثنائي، إذ أقدمت على رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية لاتخاذ تدابير ضد ألمانيا لوقف تصدير الأسلحة إلى الكيان، ولقد قضت المحكمة بعدم اختصاصها.

وفي بداية العام الحالي، أطلقت بلدية ماناغوا، اسم “غزة” على أحد الشوارع الرئيسية والمحورية في قلب العاصمة النيكاراغوية، كنوع من التضامن والوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، وعبّرت رئيسة البلدية رينا رويدا عن تضامنها وتضامن حكومتها مع الشعب الفلسطيني وصموده في وجه الهجوم الصهيوني الوحشي، وتم كشف الستار عن اللوحة التي تحمل اسم “شارع غزة” والتي كتب عليها “تقديرًا لنضال وبطولة الشعب الفلسطيني الشقيق نشيّد اسم شارع غزة”.

وفي منتصف نوفمبر الماضي، أعلنت مملكة بليز – أو هندوراس البريطانية سابقاً – إحدى دول منطقة الكاريبي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بسبب عدوانه المتواصل على قطاع غزة، حين أفادت حكومتها، في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني، أن القرار اتخذ لأن الكيان الصهيوني لم يقبل دعوات وقف إطلاق النار ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأضافت: “على الرغم من مطالبنا، لم يضع (الكيان الصهيوني) حدا لانتهاكاته الدولية لحقوق الإنسان، ولم يسمح في الوقت نفسه لفرق الإغاثة بالدخول للتخفيف من معاناة سكان غزة، ولهذا السبب قررنا تنفيذ سلسلة من التدابير”.

أما البرازيل، وهي أكبر دول أمريكا اللاتينية، ودولة واعدة يحكمها الرئيس اليساري الشهير لولا دا سيلفا. وفي 19 فيفري الماضي، قامت البرازيل بسحب سفيرها لدى الاحتلال الصهيوني، وطردت السفير الصهيوني من البلاد. وجاء الإجراء البرازيلي عقب استدعاء الاحتلال للسفير البرازيلي ولومه على خلفية تصريحات الرئيس البرازيلي ضد عدوان الاحتلال على قطاع غزة، إذ اتهم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الاحتلال بارتكاب “إبادة جماعية” بحقّ الفلسطينيين في غزة.

أما فنزويلا، التي لا توجد بينها وبين الكيان علاقات دبلوماسية منذ عام 2009، قدّمت دعمًا قويًا لفلسطين، وخلال السنوات الماضية اعترفت سلطة الاحتلال بالنظام المعارض المدعوم من الغرب والذي ليس له أي نفوذ على الأرض. وأعرب الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، عن دعمه الكامل، لتصريحات الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والتي وصف فيها ما تقوم به “إسرائيل” في قطاع غزة بـ”الإبادة الجماعية”، وأنها تشبه “إبادة ملايين اليهود على يد النازيين بقيادة هتلر”.

كما هاجم وزير خارجية فنزويلا رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو وقال إنه ينفذ تطهيراً عرقياً في غزة بينما نجله يترفَّه بميامي. وسبق أن طردت فنزويلا سفير الكيان في عام 2009 احتجاجاً على العدوان الصهيوني على غزة، كما سحبت فنزويلا سفيرها لدى الكيان احتجاجاً على العدوان على لبنان وفلسطين خلال العدوان الصهيوني على لبنان في صيف 2006.

وفي جانفي الماضي، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن الشعب الفلسطيني يتعرض لـ”إبادة جماعية” منذ أكثر من 75 عاما، واصفا ما يتعرضون له الآن بأنه “هولوكوست” (محرقة).

وانتقد مادورو في تصريحات أدلى بها لصحيفة “La Jornada” المكسيكية المجتمع الدولي على “التزامه الصمت” تجاه الحرب المدمرة التي يشنها الاحتلال على الفلسطينيين. وأضاف أنه “لم يعد أحد يساوره الشك في أن ما يحدث في فلسطين هو إبادة جماعية”.

وأكد أن “الهولوكوست” الذي تعرض له الشعب اليهودي في فترة حكم أدولف هتلر والنازيين، يعيشه الشعب الفلسطيني حاليا. وأفاد بأنّ الفلسطينيين يتعرضون لـ”إبادة جماعية” منذ أكثر من 75 عاما، منتقدا “النخب الأوروبية” إزاء صمتها أمام قتل “الفلسطينيين الأبرياء” وقصفهم. ودعا مادورو المحاكم الدولية إلى التحرك من أجل وقف ما يتعرض له الفلسطينيون، مذكرا بأن “هناك وحشية يتعرض لها الشعب الفلسطيني أمام مرأى ومسمع من العالم”.

مظالم تاريخية..

ما الذي يعزّز دعم شعوب أمريكا اللاتينية لعدالة القضية الفلسطينية؟

يرى المحلّل السياسي الفلسطيني مأمون أبو عامر، أنّ ما يحدث اليوم في المجتمعات الغربية واللاتينية من دعمٍ وإسنادٍ للحق الفلسطيني أمرٌ مهم جدّا، ويرتبط ذلك بعدة أسباب ومبررات منها ما هو داخلي ومنها ما له علاقة بالاطلاع على الذات، حيث أنّ ما يحدث في المجتمع الغربي يمكن الحديث عنه في المقام الأول من منطلق كشف حقيقة الذات، حيث أنّ ادعاء التمسك بالقيم الديمقراطية وبالحريات اتضح أنه مجرد كذبة سمجة اعتمدها المجتمع الغربي للهيمنة على المجتمعات من خلال توظيف الصحافة ومختلف وسائل الإعلام للكذب وتزييف الحقائق والأحداث بهدف فرض أجنداتها على النظام العالمي.

وفي هذا الشأن، أوضح الأستاذ أبو عامر في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الصهيونية وبمعية أصحاب المال ممّن يملكون نفوذا واسعا في المجتمع الغربي، هي من يقف وراء كل هذا الزيف والعبث، حيث أنّ هناك توافقا على نمط السيطرة والهيمنة، حيث تلعبُ الصهيونية دوراً كبيراً ومفصلياً في توجيه هذا المسار نحو خدمة مصالح “إسرائيل” واعتبار أنّ في ذلك تكمنُ مصلحة الجميع.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ هناك تقاطعاً في المصالح بين هذه الشركات، والمؤسسات المالية والاقتصادية، حيث أن هناك لوبيا ورأس مالر صهيوني موجود في داخل الولايات المتحدة الأمريكية له اليد الطولى في ممارسة الهيمنة الإعلامية على الوعي البشري، والتي ساهمت في تضليل المجتمعات وتغييب الحقائق عنها، وبالتالي لم يكتشف أحد حقيقة هذا النظام العالمي وحجم هذه الأكاذيب التي يتم الترويج لها في كل وقتٍ وحين، وبالتالي نحن اليوم وفي ظل ما يحدث، نقف أمام استحقاقٍ داخلي في الولايات المتحدة الأمريكية لكشف حقيقة ما يدور داخل أمريكا بعد أن اكتشف العالم زيّف ما يحدث ومدى هيمنة وسيطرة النظام الصهيوني على الواقع في داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا الصدد، يرى الخبير في السياسة أنّ المعركة في الولايات المتحدة الأمريكية قد تدخل مرحلة جديدة أسست لها معركة غزة، ونتحدث هنا عن معركة الشعب الأمريكي من أجل التخلص من هيمنة الصهيونية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وكشف الوقائع والحقائق كما هي على أرض الواقع دون أيّ تنميق أو تزييف.

أما الشق الثاني الذي تحدث عنه الأستاذ أبو عامر، فيتعلق بالشعوب اللاتينية التي أبدت تعاطفها الكبير مع الحق الفلسطيني، حيث قال محدث “الأيام نيوز”: “إنّ عملية الإحصاء التي شملت ما يكتب عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي أشارت إلى أن ما يكتب باللغات اللاتينية عن فلسطين وتأييد القضية الفلسطينية أكثر مما يكتب باللغة العربية، لماذا؟.. لأنّ أغلب الدول العربية هي أنظمة ديكتاتورية وبالتالي فإنّ الجماهير هناك تخشى أن تكتب للأسف الشديد بشكلٍ واضح وصريح عن دعم فلسطين، لكن في المجتمعات الغربية هناك حالة من إدراك الذات وهناك إدراك لحجم المعاناة هناك، حيث بدا واضحاً أن شعوب دول أمريكا اللاتينية بدأت تشعر أنّ هذه القضية هي قضيتها وهي تشابه إلى حدّ ما المظالم التاريخية التي تعرضت لها هذه الشعوب من قبل الاستعمار الغربي على أراضيها، ومن هنا نجد هذا التحرك الواسع في هذا الجزء من العالم، للتعبير عن دعم وإسناد الشعب الفلسطيني”.

خِتاماً، أفاد المحلّل السياسي الفلسطيني مأمون أبو عامر، أننا اليوم أمام حقيقة، أنّ ما يحدث في قطاع غزة وما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل من تقتيل وتهجير وجرائم حرب بالجملة بغض النظر اتفق الناس على تأييد ما يحدث أو عدم تأييد ذلك، ساهم في تسليط الضوء على ما تقوم به “إسرائيل” من ممارسات لا تمت للإنسانية بصلة بحق الفلسطينيين، وبدعم ورعاية غربية خاصة لهذا الكيان الجائر، وبالتالي أصبحت هناك قواسم مشتركة بين شعوب الأرض حول مسألة واحدة وهي الظلم الكبير الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم وتتعرض له في الوقت ذاته الشعوب الأخرى التي تعرب عن دعمها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني، كما حدث مع موقف جنوب إفريقيا وعدد من دول أمريكا اللاتينية وغيرها من دول العالم الحر التي كانت لها مواقف واضحة اتجاه القضية الفلسطينية واتجاه دعم أهل غزة في مواجهة الظلم الذي يتعرضون له وحرب الإبادة الجماعية والمجازر المروعة التي يُندى لها جبين الإنسانية.

دوافع إيديولوجية وأخرى تحرّرية..

الأخوّة الثورية بين اللاتينيين والفلسطينيين

أبرز الخبير الجزائري في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أنّ مواقف العديد من دول وشعوب العالم من الحرب الشعواء التي يشنها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، شهدت جُملةً من التحولات حيث بدأت تظهر وبشكلٍ جليّ صحوة الضمير حتى لدى بعض الفضاءات الغربية التي كانت كلاسيكياً مع الكيان الصهيوني، ولكن الملاحظ أنّ شعوب دول أمريكا اللاتينية وحكوماتها ظلت دائما مساندة للقضية الفلسطينية، حتى وصل الأمر إلى نقطة قطع العلاقات مع “إسرائيل”.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور بن دريدي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ موقف شعوب وحكومات أمريكا اللاتينية وتعاطفها الكبير مع القضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، حيث تعود جذور هذا الدعم إلى سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً مع انتشار موجات التحرر وتخلص عدد من الدول من براثين الاحتلال وانعتاقها منه.

كما أنّ شعوب هذا الجزء من العالم، تنتمي من الناحية الإيديولوجية إلى اليسار الماركسي وما إلى ذلك، ومن هنا يرى ويُلاحظ عدد من الكتاب والباحثين أنه وخلال الأحداث التي جرت بين روسيا وأوكرانيا لم نشهد هذه الانتفاضة وخروج شعوب العالم الحر في مظاهرات مساندة كتلك التي تعرفها اليوم مختلف مدن وعواصم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي والداعم رقم واحد للاحتلال الصهيوني على مرّ التاريخ.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ فلسطين تاريخياً لديها مكانة خاصة لدى معظم شعوب أمريكا اللاتينية، ويرتبط ذلك كما ذكرنا آنفاً بجملة من المعطيات على غرار الانتماء الإيديولوجي وانتشار موجات التحرر التي ساهمت في تبني هذه الشعوب لمواقف مساندة وداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بالإضافة إلى ذلك نلاحظ من الناحية السوسيوثقافية أنّ هناك احتكاكاً بين الشعوب العربية وشعوب أمريكا اللاتينية حتى أنّ بعض رؤساء هذه الدول أصلهم عربي، وبالتالي فزيادةً على التضامن الإنساني الطبيعي مع ما يحدث في فلسطين فإنّ هذه الكتلة من دول أمريكا اللاتينية دعمها للحق الفلسطيني ليس بالأمر الجديد بالعودة إلى كل ما أشرنا إليه.

إلى جانب ذلك، أفاد الخبير في علم الاجتماع، أنّ المواقف الحالية لشعوب أمريكا اللاتينية ممّا يحدث في قطاع غزّة، هي مواقف جريئة وقوية جدّا وحتى تصريحات المسؤولين في هذه الدول كانت قوية وشجاعة للغاية، حيث وجه زعماء هذه الدول انتقادات لاذعة لما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم حرب إبادة جماعية بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة، على الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذلها بعض الدول الغربية لتزييف الحقائق وتغطية هذه الجرائم، حتى وصل بها الأمر إلى التشكيك في حقيقة ما يحدث وإن كانت هناك فعلا مجازر وجرائم ترتكب بحق الإنسان في غزّة، على الرغم من أنّ الأمر أصبح مفضوحا وكل شيء يُبث بشكل مباشر في ظل تطور مواقع التواصل واستهلاكها واستخدامها من طرف كل الإنسانية.

هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز” أبرز الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أنّ شعوب أمريكا اللاتينية ودولها تمثل رافداً وداعماً ومسانداً بارزاً وهاماً للقضية الفلسطينية، ويفترض على الدول العربية أن تستغل مثل هذه الأمور وتساهم في الضغط أكثر فأكثر على الكيان الصهيوني حتى ينصاع للأمر الواقع ويعترف أنه غرق حقيقةً في وحل غزّة، وآن الأوان لإيقاف حربه الشعواء وعدوانه الجائر بحق الحجر والبشر في قطاع غزة والذي يتواصل للشهر السابع على التوالي.

رحلة المصير المشترك..

هكذا يتجاوز الأحرار حدود رابطة الدم في نضالهم

بقلم: صالح نصيرات – كاتب وباحث أردني

يقول لنا التّاريخ إنّ الشّعوب الحرّة والمتحرّرة من الاستعمار تقف دومًا مع المناضلين من أجل الحريّة، فالطّرفان ضحايا لهمجية الاحتلال والاستعمار، فالاستعمار لا يفرّق بين الشّعوب، فهو دومًا يلهث خلف مصالحه مستخدمًا كلّ وسائل القتل والتّدمير، غير عابئ بالقيم السّماوية أو الأرضية. أمّا الشّعوب المستعبدة التي تعيش تحت نير الاستبداد فلا تعرف للأسف معنى الحرية، وتبقى تتفرّج على ضحايا القتل والتّدمير.

منذ أن بدأت الهجمة الصّهيونية وقف زعماء وشعوب كثيرة في القارّة الأمريكية الجنوبية مع مناضلي فلسطين، فنزويلا والبرازيل وكولومبيا وبيرو وغيرها أعلنت من البداية أنّ ما يحصل في غزّة جريمة، وأنّ من يقف مع المجرم هو مكرّم مثله، فانضمّت كولومبيا إلى جنوب إفريقيا في الدّعوى المرفوعة ضدّ الكيان ورفعت دعوى ضدّ ألمانيا التي سمحت لنفسها وهي ضحية النّازية أن تقف مع القاتل.

إنّ شعوب أمريكا اللّاتينية والوسطى تعرّضت لاستعمار بغيض اجتثّ شعوبها الأصلية ورمى بكلّ القيم وراء ظهره، وأنكر حقّ تلك الشّعوب في حياة كريمة، فجعلها شعوبًا ناقصة الأهلية، واستخدم التّمييز العنصري ضدّها، ولم يكتف بذلك بل نصّب عليها العسكر المتآمر على الشّعوب، ولكنّها انتفضت وتخلّصت من الاستعمار والعسكر، وأصحبت أممًا حرّة تضرب للنّاس المثل في أنّ الحرية لا تأتي إلّا بالنّضال ومقاومة المحتل.

إنّ المشتركات كثيرة بين الشّعوب الحرّة وتلك المناضلة، هذه المشتركات هي القيم الإنسانية التي دفعت شعوب وأنظمة تلك الدّول للوقوف مع غزّة وقفة الأخ مع أخيه. رغم بعد الشقّة واختلاف الدّين واللّغة والعرق، فتجاوزت الاختلافات وتبنّت المقاومة بكلّ شجاعة، وقف مثقّفوها وأدباؤها وساستها مع فلسطين فكانوا مثالًا يحتذى في نصرة المظلوم.

والعار على الأنظمة والشّعوب التي تزعم أنّها عربية ومسلمة تجمعها العروبة والدّين والعادات والتّقاليد ولكنّها اختارت أن تصمت وأخرى وقفت مع القاتل العنصري دون شعور بالخجل أو العار.

هذه الشّعوب لن تغفر لها القوى المتصهينة هذا التّقاعس والتّآمر، ولن تكون بمنأى عن جرائم ذلك العدو.

إنّ من واجبنا أن نشكر كلّ من وقف مع شعب فلسطين وأن ننكر على من صمت وتخاذل وتآمر على الأحرار والمناضلين.

فتحيّة لكلّ الشّعوب الحرّة في كلّ العالم وخاصّة في أمريكا اللّاتينية وإفريقيا وآسيا.

برلين عاصمة الخزي..

نيكاراغوا تقاضي الفاشية الألمانية الحديثة!

بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني

رئيس وفد نيكاراغوا إلى محكمة العدل الدّولية أكّد أنّ العيون ستبقى مسلّطة على ألمانيا، وفي حال توافر قرائن جديدة لتصديرها السّلاح للكيان الاسرائيلي فإنّنا سنعيد الكرّة.

تصريح رئيس وفد نيكاراغوا السيد (لاغويو) جاء بعد أن أعلنت محكمة العدل الدّولية أنّها لن تتّخذ تدابير طارئة ومؤقّتة تجاه صادرات السّلاح الألماني للكيان الاسرائيلي، لكنّها ستواصل متابعة شكوى نيكاراغو حول تواطؤ ألمانيا مع الكيان الاسرائيلي في الجرائم المرتكبة في قطاع غزّة.

شكوى نيكاراغو أسهمت في تراجع ألمانيا عن قراراها في وقف المساعدات المقدّمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووضعتها في موقف دفاعي داخل قفص الاتّهام مجدّدا بعد أكثر من 79 عامًا على محاكمات نورينبيرغ.

برلين في موقف دفاعي بفضل نيكاراغوا بعد أن كانت تتصدّر المحافل في مهاجمة الفلسطينيين ومقاومتهم وتبرّر جرائم الاحتلال الاسرائيلي التي تسبّبت في 34 ألف شهيد وأكثر من 80 ألف مصاب وتدمير البنى التّحتية بقيمة 120 مليار دولار.

تمكّنت نيكاراغو من كسر شوكة الدّبلوماسية الألمانية التي كان صوتها أعلى من صوت وزير خارجية الاحتلال، فألمانيا مهدّدة بعزلة سياسية وشلل دبلوماسي، وهو ما عُبّر عنه مؤخّرًا بطرد السّفير الألماني من جامعة بيرزيت في رام الله، وهو حدث يتوقّع أن يتكرّر في أماكن أخرى من هذا العالم.

الفاشية الألمانية يعاد محاكمتها اليوم وبشكل علني بعد مضي 79 عامًا على الحرب العالمية الثّانية والفضل يعود لنيكاراغوا، وهذه المرّة بتهمة ارتكاب جرائم بحقّ الفلسطينيين، فبعد أن ظنّ الألمان أن لا عودة للمحاكم يعودون إليها مجدّدًا بفضل دعمهم الكيان المحتل في فلسطين؛ وبفضل حكومة وأحزاب ونخبة فاشية منافقة أدخلتهم في متاهة لا مخرج منها إلّا بوقف الدّعم للاحتلال الاسرائيلي بكافّة أشكاله.

ثورة الضمائر..

أحرار العالم يطاردون الكيان!

بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني

بعد أن رفعت جنوب إفريقيا قضيّة أمام محكمة العدل الدّولية ضدّ سلطة الاحتلال المارقة والمنبوذة بتهمة القيام بحرب إبادة جماعية في قطاع غزّة، بدأت نيكاراغوا الدّولة التي تقع في أمريكا الوسطى ضمن دول أمريكا اللّاتينية محاكمتها لألمانيا أمام محكمة العدل الدّولية.

نيكاراغوا ندّدت بألمانيا التي تقف للمرّة الثّانية في الجانب الخاطئ من التّاريخ، وقال المحامي عن نيكاراغوا دانيال مولر، وهو ألماني، أمام المحكمة “إنّه تبرير مؤسف للأطفال والنّساء والرّجال الفلسطينيين بأن تقوم ألمانيا بإلقاء المساعدات من الجو، من جهة، وتمدّ الجيش “الإسرائيلي” بالمعدّات العسكرية المستخدمة في قتلهم والقضاء عليهم.. من جهة أخرى”.

نيكاراغوا تسعى إلى مطالبة محكمة العدل بإصدار أوامر إلى برلين بوقف صادرات الأسلحة إلى سلطة الاحتلال وإلغاء قرار ألمانيا بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وتطالب بإجراءات طارئة، هي جزء من قضيّة أوسع رفعتها نيكاراغوا، التي تتّهم ألمانيا بانتهاك اتّفاقية منع الإبادة الجماعية وقوانين الحرب بدعمها سلطة الاحتلال التي تخوض حربًا منفلتة تمامًا من أيّة قيود أو أخلاقيات.

ألمانيا زوّدت سلطة الاحتلال بمعدّات عسكرية وأسلحة بقيمة 353.70 مليون دولار العام الماضي، وغالبية هذه الأسلحة استخدمت في ارتكاب الاحتلال جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، جرائم قتل فيها نساء وأطفال ومدنيين أبرياء تمامًا.

وحين نرى جنوب إفريقيا ونيكاراغوا ودولًا أخرى تطارد الاحتلال في محكمة العدل الدّولية وفي المحكمة الجنائية الدّولية، ولا نرى أيّ بلد عربي يقوم بهذه الخطوة المهمّة والضّرورية لوقف المجازر بحقّ الفلسطينيين ولمعاقبة القتلة وأعداء الإنسانية نشعر بالإحباط والعجز عن فهم ما يجري.

والواقع أنّ العرب في هذا الجانب يعيدون تكرار أنفسهم في التّخاذل والضّعف في جوانب كثيرة من بينها: إدخال المساعدات والمواد الطّبية والوقود إلى غزّة، وتشجيع إعلامهم على مهاجمة المقاومة وخياراتها في الدّفاع عن الشّعب الفلسطيني، وتبرير جرائم العدو في قتل الأطفال والنّساء وتدمير جميع مظاهر وأشكال الحياة في غزّة.

وربّما يكون عدم مشاركة العرب في رفع قضايا ضدّ سلطة الاحتلال لصالح الفلسطينيين، فمن يدري، ربّما رفع العرب قضيّة ضدّ جرائم دولة اللّصوص، ثمّ ينسحبون منها ويتراجعون عنها تحت الضّغط والتّهديد الأمريكي بالدّرجة الأولى، ثمّ يختلقون الأعذار والمبرّرات بأنّهم سحبوا شكواهم حتّى يستطيعوا الضّغط على الاحتلال لإدخال المساعدات.

في جميع الأحوال الأصوات الحرّة في العالم هي التي ساهمت في كشف جرائم العدو وتحويله إلى كيان إرهابي محاصر ومنبوذ، أمّا الشّارع العربي فتأثيره ضعيف تمامًا باستثناء ما تقوم به بعض الدّول منذ بدء العدوان على غزة من تضامن ومسيرات وتحرّكات دبلوماسية وسياسية على كافة الأصعدة وعمليات الإغاثة لغزّة قدرة استطاعتهم.

الصراع ضد الاستعمار..

قيم مشتركة بين أمريكا اللاتينية وفلسطين

بقلم: عبد الله المَشوخي – أكاديمي فلسطيني

اتّخذت العديد من دول أمريكا اللّاتينية ردود أفعال قويّة ومعادية ضدّ الكيان الصّهيوني إثر حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصّهيوني ضدّ أهلنا في قطاع غزّة من جرائم قتل لعشرات الآلاف من الأطفال والنّساء والشّيوخ، وتدمير للبيوت على رؤوس قاطنيها، وتدمير لدور العبادة من مساجد وكنائس، وكذلك للمدارس والمستشفيات، وفرض حصار جائر على كافّة السكّان المدنيين، ممّا أدّى إلى مجاعة قاتلة.

هذه الجرائم الفظيعة أثارت الرّأي العام العالمي ضدّ الكيان الصّهيوني، بما في ذلك شعوب ودول أمريكا اللّاتينية، ممّا أدّى إلى قيام بعض هذه الدّول بقطع علاقاتها الدّبلوماسية مع الكيان الصّهيوني؛ مثل كولومبيا وبولوفيا، وبعضها قاموا باستدعاء سفير الكيان الصّهيوني، وقدّموا له رسائل شديدة اللّهجة حول جرائم الكيان الصّهيوني بحقّ المدنيين الفلسطينيين، ممّا أدّى إلى وجود علاقات متوتّرة بين هذه الدّول والكيان الصّهيوني، كدول البرازيل والمكسيك وفنزويلا وتشيلي.. إلخ.

ولعل أسباب وقوف هذه الدّول وتعاطف شعوبهم مع الشّعب الفلسطيني يعود لعدّة أسباب؛ منها:

  1. الشعور بالمظلومية:

فلطالما عانت شعوب دول أمريكا اللّاتينية من المظلومية بسبب تدخّل الولايات المتّحدة الأمريكية السّافر في شؤونها الدّاخلية، ومحاولتها تغيير الأنظمة لهذه الدّول، بانقلابات حكم تهدف إلى استبدال زعماء يساريين بآخرين يمينيين، أو بمجالس عسكرية خاضعة لرغبة أمريكا، أو بدعم أنظمة استبدادية سلطوية وفق المقياس الأمريكي؛ وذلك بهدف فرض مصالحها، وتعزيز نفوذها في تلك الدّول؛ ممّا أدّى إلى سخط تلك الشّعوب على أمريكا وشعورهم بالاضطهاد والظّلم.

هذا الشّعور يدفع صاحبه للتّعاطف مع كلّ مظلوم، كما يقول باحثًا علماء النّفس الاجتماعي (هودجز ومايرز)، رغم اختلاف البيئة والعرق واللّغة والدّين؛ لأنّ المرء تختلجه مشاعر الآخرين، حيث يتقمّص حالته العاطفية، ما يجعله يشعر بالضّيق، وعادة ما يرتبط بسبب المرور بتجربة مشابهة سابقاً، ما يجعل مشاعر التّعاطف أكثر حدّة، وتفتح الباب للرّغبة في المساعدة وتقديم العون.

لذلك نجد أنّ شعوب أمريكا اللّاتينية من أكثر الشّعوب تعاطفاً مع الفلسطينيين، لا سيما لشعورهم أنّ أمريكا لها اليد الطولى في ظلمهم للشّعب الفلسطيني، وذلك لمشاركتهم الكيان الصّهيوني، ودعمهم إيّاه في إبادة الشّعب الفلسطيني.

  1. تواجد جاليه عربية:

وجود جالية عربية كبيرة في هذه الدّول لها تأثير كبير على الرّأي العام في تلك الدّول. وعلى سبيل المثال يوجد في تشيلي نحو 500.000 مواطن فلسطيني، وبعضهم يشغل مناصب حكومية مهمّة ورفيعة، كذلك الشّأن في البرازيل، وهؤلاء لهم تأثير كبير في الرّأي العام لتلك الدّول.

  1. صعود أحزاب يسارية:

المتأمّل في واقع العالم اليوم، يجد أنّ الأحزاب اليمينية المتطرّفة أخذت في الصّعود في أغلب دول أوروبا، وقابَل ذلك صعود أحزاب يسارية في أمريكا اللّاتينية، لذلك نجد أنّ مواقف الدّول في أمريكا اللّاتينية، والتي بدأ يحكمها كثير من الأحزاب اليسارية معادية لسياسة الولايات المتّحدة الأمريكية ودول أوروبا تقف ضدّ توجّهات الدّول الغربية المؤيّدة للكيان الصّهيوني.

في الختام، فإنّ عنجهية الكيان الصّهيوني، وما اقترفه من مجاز بشعة بحقّ أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، ومخالفتهم لكافّة القوانين والأعراف الدّولية، وعدم اكتراثهم بقرارات محكمة العدل الدّولية، واستمرارهم في الإبادة الجماعية، جعل من كلّ إنسان حرّ معادياً للكيان الصّهيوني، ويقف ويتعاطف مع الشّعب الفلسطيني. وما ظاهرة احتجاج الطلّاب في الجامعات الأمريكية وسائر دول العالم، إلّا مؤشّر ودليل ساطع على ذلك؛ ممّا يدلّ على تحوّل الرّأي العام العالمي من تعاطف للكيان الغاصب إلى معادي له، إضافة إلى تخلّي النّاس وكافّة الشّعوب عنه ممّا جعل الكيان الغاصب يعيش في عزلة وجفاء لم يشهدها من قبل، وهذا التحوّل هو بداية سقوط الكيان الصّهيوني بإذن الله.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا