يقول الباحث في جامعة أمستردام، تاشفين تومرت الصغير، إن “النظام الملكي المغربي لم يعتبر يومًا أن الصحراء الغربية جزء من مجاله الإقليمي والجغرافي”.
وبحسب الباحث، فإن الخرائط الجغرافية التي نشرها السلطان العلوي الحسن الأول عام 1886، تُظهر بوضوح أن “الملكية العلوية لم تكن مهووسة بالصحراء الغربية في ذلك الوقت، ولم تعتبرها جزءًا من أراضيها”.
ويضيف الباحث: “هذا أمر منطقي، لأن المغرب لم تكن له أي مصلحة اقتصادية حقيقية في المنطقة آنذاك، ولم يكن لديه أي دافع جيوسياسي للسيطرة على الصحراء”، مشيرًا إلى أن “الوضع تغيّر بشكل جذري في أواخر القرن العشرين”.
ويتابع قائلًا: “المغرب لم يشعر بأنه قوة إقليمية ذات مكانة إلا بعد فشله في استعادة استقلال سبتة ومليلية عام 1956، والأسوأ من ذلك، أن الرغبة في التوسع الإقليمي دفعته إلى إعلان الحرب على الجزائر المستقلة حديثًا عام 1963، بدعوى استرجاع أراضٍ يزعم أنها مغربية”.
وفي الداخل المغربي، تُعرف هذه الأراضي بـ “الأراضي الشرقية” المزعومة، وهي حجة مغلوطة تاريخيًا، يروج لها المخزن بالادعاء بأن الجزائر، التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي، قد ضمّتها بشكل غير شرعي”.
لكن الحقيقة، كما يشرح الباحث، أن “المخزن لم يواجه مجرد انتكاسة، بل انهيارًا سياسيًا متسارعًا بشكل مذهل”. ويضيف: “مع أيديولوجيين وحدويين مثل علال الفاسي، ومع قرار الاستيلاء على الموارد الاقتصادية الغنية للصحراء الغربية عبر التنسيق مع إسبانيا، بدأ المخزن في إحياء فكرة “المغرب الكبير” وتطبيقها كسياسة دولة لمواجهة صعود الجمهورية الجزائرية”.
ويؤكد الدكتور تاشفين تومرت الصغير أن “الادعاء بمغربية الصحراء أصبح السبيل الوحيد المتبقي أمام النظام الملكي المغربي، لإثبات أنه لا يزال يحتفظ ببقايا من الأوهام الإمبراطورية القديمة”.
يوضح الدكتور تاشفين تومرت الصغير أن الصراع في الصحراء الغربية “ليس سوى نتيجة لاستراتيجية الرباط الممنهجة، التي تقوم على تأخير وعرقلة وتعطيل جميع القرارات النهائية للأمم المتحدة، بهدف إدامة الوضع الراهن قدر الإمكان، مع حرمان الصحراويين من حقوقهم”.
ويضيف أن “هذا يتم من خلال وحشية مغلفة بآليات الدعاية، وعنف رمزي غير مسبوق”. وبالنسبة للباحث، فإنه قبل أن تستقر إسبانيا في الصحراء الغربية، لم تكن هناك أي مستعمرات كبرى على الإطلاق، وكانت العيون والداخلة مجرد منشآت مدنية إسبانية بالكامل”.
ويواصل بالقول: “في الماضي، لم تكن هناك سوى بعض الاتصالات المحدودة، وفي أقصى تقدير، كانت البيعة تُعطى من قبل البدو المتناثرين في الصحراء”، متابعًا: “اليوم، نشهد تطبيق استراتيجية استعمارية ممنهجة، تتمثل في نهب الموارد المكتشفة في الصحراء الغربية”.
ويؤكد الباحث أن “عندما يتحدث المغاربة عن صحرائهم، فإنهم في الواقع يرتكزون على قومية عقائدية وشوفينية بدائية، تطورت في القرن العشرين”.
كما يذكّر بأن محكمة العدل الأوروبية ألغت في 2016 الادعاء المغربي بالإدارة الفعلية للأراضي المحتلة، وأبطلت الاتفاقيات التجارية التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع الرباط دون موافقة الشعب الصحراوي”.
ويشير الباحث إلى أن “مواقف العديد من الدول الأوروبية تسلط الضوء على الرفض الضمني لدعم سياسة الرباط التوسعية، التي تعارض بشدة أي محاولة لإيجاد حلول سياسية لصراع استمر لما يقرب من خمسة عقود”.
ويضيف: “للأسف، المغرب هو الذي يظهر كصوت نشاز داخل المنطقة المغاربية. فبالنسبة للرباط، وكما يقال في الرياضيات، فإن من زوايا منعدمة، يمكن تبرير كل شيء”.
“لم تعد بوصلة المخزن تشير إلى الشمال، حيث تقع مدينتا سبتة ومليلية تحت الاحتلال الإسباني، بل تحولت نحو الجنوب، حيث منابع الثروة المنهوبة، لصالح الجالس في القصر الملكي”. أما الصحراويون، “فإنهم يواصلون مسيرتهم بهدوء نحو تقرير المصير، في تداخل بين طموحاتهم المشروعة ووعود المجتمع الدولي، مدعومين بالموقف الثابت للجزائر، التي تحملت طويلًا عناد نظام المخزن”.
ويضيف الباحث أن “سياسات المخزن التي تقوم على الدبلوماسية العدوانية، وتحريك جماعات الضغط، والتطبيع الخبيث مع “إسرائيل”، لا يمكن وصفها إلا بالخطيرة”.
“ومن أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، تواصل الجزائر نهجها الدبلوماسي الثابت، المستند إلى قيم ومبادئ سياستها الخارجية التي لا تتزعزع، وعلى رأسها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ودعم القضايا العادلة، بما في ذلك حق الشعب الصحراوي المشروع في تقرير المصير”.