تشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية مستجدات متسارعة على الصعيدين القضائي والدبلوماسي، حيث تحاول باريس فرض أجندتها عبر مسارات قانونية، بينما تواصل الجزائر ترسيخ مبدأ السيادة الوطنية ورفض أي تدخل يمس أمنها واستقرارها. وبينما رفض القضاء الفرنسي تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري بوعلام نعمان، المعروف بـ “دوالمن”، تفصل محكمة الدار البيضاء اليوم الخميس في قضية المدعو بوعلام صنصال، في سياق متوتر يعكس تمسك الجزائر بسيادتها ورفضها لأي ضغوط خارجية في التعامل مع قضاياها الداخلية.
رفضت المحكمة الإدارية في باريس، أمس الأول الثلاثاء، طلب تعليق قرار طرد “دوالمن”، معتبرة أن الشروط القانونية لإيقاف الترحيل “غير متوفرة”. وعلى الرغم من إقامته في فرنسا لأكثر من ثلاثة عقود، فإن القاضي الفرنسي رأى أنه لم يثبت وجود روابط عائلية قوية أو اندماجًا مهنيًا طويل الأمد، ما جعل قرار طرده غير قابل للطعن.
وتعود قضيته إلى جانفي الماضي، عندما نشر مقطع فيديو يدعو فيه إلى “تأديب شديد” لأحد معارضي الدولة الجزائرية، ما أدى إلى إدانته بالسجن خمسة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة “التحريض غير المؤدي إلى تنفيذ جريمة أو جنحة”، ليتم سحب تصريح إقامته بعد ذلك مباشرة. وحاولت فرنسا ترحيله إلى الجزائر، غير أن الأخيرة رفضت استقباله، مؤكدة أن سيادتها لا تسمح بأن تتحول إلى ملاذ لمن تعتبرهم باريس غير مرغوب فيهم. هذا الموقف الجزائري أحرج السلطات الفرنسية التي باتت مضطرة للتعامل مع تداعيات ترحيل “دوالمن”، خصوصًا أن الجزائر سبق لها رفض استقبال عدد من المرحّلين الذين رأت أن ملفاتهم ذات أبعاد سياسية أكثر منها أمنية أو قانونية.
الوحدة الوطنية خط أحمر
بالتزامن مع قضية “دوالمن”، يُنتظر أن تُصدر محكمة الدار البيضاء غدًا الخميس حكمها في قضية بوعلام صنصال، الذي يواجه تهماً تتعلق بالإساءة إلى مؤسسات الدولة، المساس بالوحدة الوطنية، والإضرار بالاقتصاد الوطني، وحيازة محتويات تهدد الأمن والاستقرار.
القضية تعود إلى نوفمبر الماضي، عندما تم توقيفه بمطار هواري بومدين عقب تصريحات وصف فيها الحدود الجزائرية بأنها “مصطنعة”، زاعمًا أن غرب الجزائر كان جزءًا من المغرب قبل أن تضمّه فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية. هذه التصريحات، التي تتقاطع مع الأطروحات المخزنية، جاءت في سياق متوتر إقليميًا، ما جعل السلطات الجزائرية تصنفها ضمن الأفعال التي تمس الأمن القومي، وتخضعها للمادة 87 من قانون العقوبات، التي تُصنّف أي فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية ضمن الأعمال التخريبية.
وخلال محاكمته، حاول صنصال تبرير تصريحاته بأنها “رأي شخصي”، غير أن النيابة أكدت أن ما قام به لا يندرج ضمن حرية التعبير، بل يدخل في إطار التشكيك في أسس الدولة الجزائرية، وهو أمر لا يمكن التساهل معه قانونيًا ولا شعبيًا. وقد التمس وكيل الجمهورية توقيع عقوبة 10 سنوات سجنًا نافذًا بحقه، في انتظار الحكم النهائي.
التوتر الدبلوماسي.. الجزائر تحصّن سيادتها
تأتي هذه القضايا في سياق متذبذب للعلاقات الجزائرية-الفرنسية، حيث تحاول باريس، المتأثر بريح اليمين المتطرف، ممارسة ضغوطات غير مباشرة على الجزائر، سواء من خلال القضاء أو عبر ملفات أخرى مرتبطة بالهجرة والاستثمارات، لكن الجزائر أثبتت مرة أخرى أنها ليست في موقع الخضوع لأي إملاءات.
وفي الوقت الذي تكثف فيه فرنسا إجراءاتها ضد بعض الجزائريين بتهم متعددة، تحرص الجزائر على الرد بحزم، سواء من خلال رفض استقبال المرحّلين الذين ترى في ترحيلهم بُعدًا سياسيًا، أو عبر تطبيق القوانين الداخلية بحزم تجاه من يتجاوز الخطوط الحمراء، خاصة في قضايا الأمن القومي والوحدة الوطنية.
وبينما تستمر باريس في استخدام القضاء كأداة لمناوراتها السياسية، تؤكد الجزائر أن كل من يمس بثوابتها الوطنية سيواجه المساءلة وفق قوانينها، بعيدًا عن الحسابات والمصالح الخارجية، في موقف ثابت لا يقبل المساومة.