تمضي الجزائر نحو تعديل جديد في قانون الأحزاب، في خطوة تهدف إلى إعادة ضبط الإطار القانوني المنظّم للممارسة السياسية. المشروع، الذي طرحته الحكومة للنقاش، يسعى إلى تحسين النظام الحزبي، وتعزيز الشفافية، وتسهيل إجراءات تأسيس الأحزاب، بما يواكب التطورات التي يشهدها المشهد السياسي.
وقد تسلّمت الأحزاب مسودة القانون، التي تتألف من سبعة أبواب وتضم 97 مادة، في إطار مشاورات مفتوحة لاستطلاع آرائها وتلقّي مقترحاتها. وبينما يرى البعض في التعديل فرصة لتنظيم الخارطة السياسية وتحفيز العمل الحزبي، تطرح تساؤلات حول مدى تأثيره على الدور الذي تلعبه الأحزاب في ظل المتغيرات الراهنة.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه النقاشات حول المشروع، يظلّ الرهان الأكبر على قدرة هذه التعديلات على تحقيق ديناميكية حزبية أكثر فاعلية، تعزز ثقة المواطنين في العمل السياسي، وتفسح المجال أمام أحزاب أكثر قدرة على المساهمة في رسم ملامح المستقبل. فهل ينجح القانون الجديد في تحقيق هذه الأهداف، أم أن التحديات التي تواجه الأحزاب ستظلّ قائمة؟
تفاصيل المشروع
يهدف مشروع تعديل قانون الأحزاب إلى إصلاح الإطار القانوني الحالي المنظّم لتشكيل الأحزاب السياسية في الجزائر، وبشكل أعم، تطوير الممارسة السياسية في البلاد. وحسب ما جاء في عرض الأسباب، فإن المشروع يهدف إلى “تحسين النظام الحزبي في الفضاء العمومي، وزيادة الشفافية، وتعزيز التنافس بين الأحزاب”.
ومن بين أهم ملامح مشروع تعديل القانون توسيع نطاق الحق في التأسيس، حيث يتيح لأي مجموعة من المواطنين تشكيل تنظيم سياسي جديد، من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية، بما يسمح بتسجيل التشكيل السياسي في غضون فترة زمنية أقصر.
واستكمالًا للجهود التي تبذلها السلطات العليا في البلاد، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد والحدّ من المال السياسي، يسعى المشروع إلى زيادة الشفافية المالية، إذ “يفرض” على الأحزاب تقديم تقارير مالية دورية إلى السلطات المختصة، لضمان الوضوح في تسيير شؤونها المالية.
أما فيما يتعلّق بتعزيز دور الأحزاب في الحياة السياسية، فيهدف المشروع إلى تمكين التشكيلات السياسية من لعب دور أكبر في صياغة السياسات العامة والاندماج بشكل أوسع في تسيير الشأن العام، من خلال تفعيل هياكلها القاعدية والنيابية، وخلق ديناميكية نقاش عمومي تشاركي.
ويؤكد المشروع أن نجاح تفعيل النشاط الحزبي وخلق حركية سياسية في الفضاء العمومي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حماية حقوق الأعضاء والمناضلين داخل الأحزاب، وضمان ممارسة أنشطتهم الحزبية بحرية وفقًا للأطر القانونية.
وقد تسلّمت الأحزاب المعتمدة نسخًا من مسودة المشروع، التي تتكون من سبعة أبواب وتضم 97 مادة، حيث طرحته الحكومة لاستطلاع الآراء بشأنه وتلقّي التعديلات المقترحة من مختلف الفاعلين السياسيين.
جدل ونقاشات
وأثارت النقاشات حول المسودة تباينًا في وجهات النظر بشأن الأحزاب السياسية ودورها المستقبلي، في ظلّ التحديات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، خاصة مع تصاعد الانتقادات حول صورة الأحزاب لدى الرأي العام، الذي بات يرى في بعض قادتها ومناضليها مجرّد “إمّعات سياسية”، لا همّ لهم سوى تحقيق المصالح الضيقة واستغلال المظلة الحزبية لخدمة أهداف شخصية، تحت يافطة “لي في النضال الحزبي مآرب أخرى”.
وفي حين ترى بعض الأحزاب أن المشروع يفتح آفاقًا جديدة لتنظيم الخارطة السياسية والانفتاح على ممارسات أكثر تطورًا، تعتبر تشكيلات سياسية أخرى أن التعديلات قد تساهم في تقليص هامش العمل الحزبي، وتحجيم دور الأحزاب في إدارة الشأن العام. فهل يساهم القانون في تعزيز العمل الحزبي أم يعيد تشكيل المشهد السياسي وفق توازنات جديدة؟
تمضي الجزائر في مسار تعديل قانون الأحزاب، وهو مسار يبدو منسجمًا مع التحولات التي شهدتها الساحة السياسية في السنوات الأخيرة. فالأحزاب الكبرى، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، عرفت موجات مما سُمي “بالحركات التصحيحية”، أدت إلى إقصاء وإبعاد عدد من قادتها ومؤسسيها، فضلًا عن تورط بعضهم في قضايا فساد انتهت بهم إلى السجون، لا سيما عقب الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد في فبراير 2019.
وتتضمن مسودة المشروع عددًا من البنود التي يصفها بعض المراقبين ﺑـ “المثيرة للجدل”، أبرزها حظر “التجوال السياسي”، أي الانتقال من حزب إلى آخر، إذ ينص مشروع القانون على شطب أي نائب يغير انتماءه الحزبي من عضوية البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني)، فضلًا عن شطبه نهائيًا من سجلات الحزب، في خطوة تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة.
وفيما يتعلق بتأسيس الأحزاب، يقترح المشروع إجراءات جديدة، منها منح الإدارة حق طلب وثائق إضافية أو استبدال أي عضو لا يستوفي الشروط، إضافة إلى تعديل نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، حيث يشترط أن يكون المؤتمر ممثلًا بنسبة 50% من عدد الولايات كحد أدنى. أما القانون الحالي، فيلزم الأحزاب الناشئة بجمع 400 مؤتمر على الأقل منحدرين من ثلث عدد الولايات، على ألا يقل عدد المؤتمرين عن 16 لكل ولاية.
كما يفرض المشروع الجديد تمثيلًا على مستوى 30 ولاية كحد أدنى، مع انتخاب 480 مندوبًا على الأقل، تحت إشراف محضر قضائي، مع الالتزام بإدراج نسبة من الشباب والنساء في الهياكل الحزبية تطبيقًا للدستور. ويمنح النص الجديد الإدارة الحق في حل أي حزب لا يفي بأنشطته أو لم يشارك في استحقاقين انتخابيين متتاليين، إلى جانب حظر استخدام اللغة الأجنبية في أنشطته.
ويبلغ عدد الأحزاب المعتمدة في الجزائر 63 حزبًا، تتوزع أيديولوجيًا بين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين وغيرهم، إلا أن نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2021 أظهرت أن 14 حزبًا فقط يحظى بتمثيل نيابي في البرلمان. وعلى هذا الأساس، يتيح مشروع القانون الجديد للوزير المكلف بالداخلية حق إخطار العدالة لحل الأحزاب غير المشاركة في الانتخابات، في خطوة تهدف إلى مراجعة أساليب عملها وتعزيز مساهمتها في الاستحقاقات الانتخابية.
وتحظر المادة 53 من المشروع أي ارتباط بين الأحزاب والنقابات أو الجمعيات أو أي تنظيمات غير سياسية، في حين تتيح المادة 54 التعاون مع أحزاب أجنبية، شريطة عدم تعارض ذلك مع الدستور والقوانين المحلية، وبموافقة مسبقة من وزير الداخلية وبالتشاور مع وزير الخارجية.
كما يفرض المشروع وفق المادة 37 أن تتشكل الأحزاب من أجهزة ولجان وطنية ومحلية تُنتخب وتُجدد على أسس ديمقراطية، حيث يتكون الحزب من جهاز مداولة وجهاز تنفيذي، يتم انتخابهما لفترة أقصاها خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
في واقع الأمر، فإن تكريس الديمقراطية الحقيقية يبدأ من داخل الأحزاب نفسها، عبر الاعتراف بمبدأ تكافؤ الفرص في الممارسة السياسية، وفتح باب الترشح للانتخابات، بما في ذلك الرئاسية، لإطاراتها ومناضليها دون إقصاء أو تمييز. فالسيرورة الطبيعية لبناء أحزاب قوية وفاعلة لا تمر عبر التضييق أو الإقصاء، بل عبر إتاحة الفرص العادلة لجميع المنخرطين، وجعل التنافس يدور حول البرامج والمشاريع بدلًا من شراء الذمم والولاءات والتسلق السياسي. فهل ستنجح هذه التعديلات في إرساء بيئة حزبية أكثر انضباطًا وديمقراطية؟
المجتمع المدني والجمعيات… البحث عن خارطة مدنية جديدة
في ظل الحركية القانونية التي تشهدها الجزائر، لا يقتصر الحديث عن الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات للتنشئة السياسية والاجتماعية، بل يمتد ليشمل المجتمع المدني والجمعيات باعتبارها حلقة رئيسية في سلسلة الاتصال السياسي بين أفراد المجتمع وبينهم وبين السلطات. وفي هذا السياق، تعتزم الحكومة من خلال اقتراح قانون جديد للجمعيات، الدفع نحو ميلاد حقل اجتماعي تشاركي، يُمكّن المواطنين من ممارسة حقهم في المواطنة والمساهمة الفعالة في تسيير شؤونهم عبر آليات تشاورية أكثر تنظيمًا.
ويحمل القانون المقترح جملة من الإجراءات التشريعية الرامية إلى تعزيز دور الجمعيات وإشراكها في تسيير الشأن العام، مع وضع ضوابط دقيقة لتفادي التجارب السلبية التي شهدتها البلاد في الماضي. ويهدف القانون إلى حماية النسيج المجتمعي من الفتنة والعنف والتطرف وخطابات الكراهية، ومنع استغلال الجمعيات في الفساد أو تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب، وفقًا للاستراتيجية الوطنية للوقاية من هذه المخاطر. لذلك، شددت الحكومة الرقابة على الجمعيات الأجنبية غير الحكومية، حيث سيتم إخضاعها لمتابعة صارمة وفق تنظيم محكم.
وفي إطار إثراء المشروع التمهيدي للقانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات إنشاء الجمعيات، تم تقديم عدة مقترحات، من بينها رفع سقف الهبات والوصايا من مصادر وطنية مع إخضاعها لإشهاد رسمي، ومنح الأولوية في التمويل والإعانات للجمعيات ذات الطابع العام المعترف بها من قبل الدولة، إضافة إلى تعليق نشاط الجمعيات التي لا تجدد هيئاتها التنفيذية، وذلك بهدف تعزيز التداول الديمقراطي في تسيير الجمعيات وتنقية هذا المجال من الفاعلين غير الجادين الذين لا يهتمون سوى بالمنافع الشخصية.
كما استحدث مشروع القانون لأول مرة إطارًا قانونيًا واضحًا لشروط وضوابط فتح مكاتب للمنظمات الدولية غير الحكومية داخل الجزائر، في سياق انفتاح الدولة على هذه الهيئات خلال السنوات الأخيرة. وتنص المادة 91 على أن هذه المنظمات يمكنها فتح مكتب وحيد داخل البلاد، دون فروع محلية، وبترخيص يخضع لضوابط دقيقة.
ومن بين المستجدات التي يحملها المشروع، تقليص مهلة تكيف الجمعيات مع أحكام القانون مقارنةً بالمدة المحددة في التشريع الحالي. وتنص المادة 102 على إلزام الجمعيات بتعديل قوانينها الأساسية فور دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، مع منحها مهلة أقصاها 30 يومًا بعد توجيه إنذار رسمي، وإلا سيتم تعليق نشاطها أو حلها نهائيًا. أما الجمعيات المنشأة قبل صدور القانون، فتُلزم بإيداع ملفات التصريح بتأسيسها خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، مع التهديد بحلها إذا لم تمتثل لهذه الإجراءات.
في ظل هذه التعديلات، تبدو الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة في تنظيم العمل الجمعوي، تهدف إلى تعزيز دوره في المجتمع وضبط مساراته ضمن أطر أكثر شفافية ومسؤولية. لكن هل ستتمكن هذه القوانين من تحقيق التوازن المطلوب بين الحرية التنظيمية والرقابة القانونية، بما يضمن مجتمعًا مدنيًا نشطًا وفاعلًا دون تجاوزات؟

من أزمة الخطاب إلى غياب التكوين.. لماذا تراجع مستوى الأحزاب الجزائرية؟
يرى الأكاديمي والنائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، الدكتور علي ربيج، أن “دور الأحزاب مهم جداً في أي ممارسة سياسية بطابع ديمقراطي”. وبالنسبة له، “يهدف هذا المشروع إلى تنشيط الحياة السياسية والقطيعة مع الممارسات الماضية التي شابت الحياة السياسية في الجزائر، من خلال إبعاد المال الفاسد وتمكين إطارات المجتمع من الولوج إلى العالم السياسي والانخراط في الأحزاب السياسية، سواء كانت إسلامية، وطنية، أو علمانية”.
يؤكد البرلماني أن “المشروع يربط دور الأحزاب السياسية بالمشاورات والحوار السياسي الذي يفتحه النظام السياسي مع التشكيلات الحزبية”، مضيفاً أن “هذا المشروع يحمل الأحزاب مسؤولية الانخراط بقوة في النقاشات الكبرى التي تتعلق بحياة المواطن، كما يفتح المجال أمامها للمشاركة في الحوار حول القضايا الدولية”. ويرى أن “الجزائر تمر اليوم بمرحلة حساسة وصعبة”، مشدداً على أن “السياسة الخارجية الجزائرية تحتاج إلى سند سياسي وأرضية قوية تستند إليها”.
ويتابع أستاذ العلوم السياسية قائلاً: “ينبغي للأحزاب أن تلعب هذا الدور بالنظر إلى دقة المرحلة التي يمر بها البلد”، مشيراً إلى “أهمية إشراك فئتي الشباب والنساء”، ومؤكداً أن “ذلك سينشط الحياة السياسية”. ويضيف: “على الأحزاب أن تتبنى برامج ورؤى وسيناريوهات تتيح إشراك هذه الفئات النشطة والفاعلة في المجتمع”.
وفي سياق ما جاء به المشروع حول “مسألة فرض التكوين على إطارات ومنظمي الأحزاب”، يرى الدكتور ربيج أن “هذا المشروع يفرض بشكل قانوني وإلزامي على الأحزاب أن تسطر برامج للتكوين السياسي”، في إشارة إلى “التنشئة السياسية أو الثقافة السياسية للمناضلين وإطاراتها”. ويضيف في السياق ذاته أن “الأحزاب هي أحد الأسباب الرئيسية للتكلس والخمول السياسي الذي تعانيه البلاد”، مفسراً ذلك بأن “الأحزاب لا تمتلك رصيداً من الإطارات المكونة سياسياً، بل هي أحزاب مناسباتية لا تنشط إلا خلال الانتخابات، وتسعى لدخول المجالس المنتخبة بأي شكل أو صورة”.
ويواصل البرلماني قائلاً: “لذلك، تلجأ الأحزاب إلى استقطاب مختلف فئات المجتمع لإدراجها ضمن قوائمها الانتخابية، دون مراعاة الأيديولوجيا أو المرجعية السياسية والفلسفية للحزب، أو حتى مسألة الإيمان بمبادئه”. ويرجع الدكتور ربيج “الفشل على مستوى المجالس المنتخبة، والساحة السياسية، وحتى الحوار والمفاوضات السياسية”، إلى ما يعتبره “غياب ممارسة فعلية للعمل السياسي داخل الأحزاب نفسها”. ومع أنه يعترف بأن “هذه الأحزاب تملك رصيداً كبيراً من الإطارات”، إلا أنه يرى أن “عليها إعادة النظر في خطاباتها السياسية والانتباه أكثر إلى أدوات التحليل السياسي، باعتبارها عناصر أساسية للانخراط في المجتمع وإقناع الرأي العام خلال المواعيد الانتخابية”.
من جانب آخر، يتطرق البرلماني إلى “طبيعة النظام السياسي داخل البرلمان”، موضحاً أن “كل الأحزاب تسعى للوصول إلى السلطة”، وأن “الدستور الجزائري لعام 2020 يحدد نموذجين لتحقيق الأغلبية داخل البرلمان: إما أغلبية موالية لتوجهات الرئيس، وهي الأغلبية الرئاسية التي تتقاسم الحقائب الوزارية فيما بينها، أو أغلبية معارضة، تتيح تشكيل حكومة برئاسة شخصية من المعارضة”. لكن التساؤل المطروح مستقبلاً، حسب الدكتور ربيج، هو “ماذا سيحدث إذا تمكنت المعارضة من تحقيق الأغلبية في البرلمان وتشكيل ما يسمى بالحكومة المعارضة؟”.
ويعتبر الدكتور أن “هذا التقسيم الذي جاء به دستور 2020 مهم جداً”، ويراه “إحدى النماذج التي تتيح للأحزاب المشاركة بفعالية في الحياة السياسية والعملية الانتخابية”. كما يشير إلى أن “المشروع الحالي يسعى للقضاء على ظاهرتين أساسيتين؛ الأولى هي العزوف السياسي”، موضحاً أن “هذه الظاهرة ذات بعد اجتماعي وسياسي، ولا يمكن تحميل الأحزاب وحدها مسؤوليتها”. لكنه يضيف أن “الأحزاب تتحمل جزءاً من المسؤولية، خاصة فيما يتعلق بعزوف الشباب والنساء عن المشاركة في الحياة السياسية”، مشيراً إلى وجود “عوامل أخرى تدفع الشباب للعزوف”.
ويؤكد الأكاديمي على ضرورة أن “تتعاون الأحزاب السياسية مع وزارة الداخلية والمؤسسات الجامعية لتحديد الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة، وطرح حلول منهجية وعلمية وموضوعية”.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، يتناول الدكتور ربيج قضية المقاطعة، مؤكداً أن “هذا القانون ركز عليها بشكل واضح”، حيث ينص على “إقصاء الأحزاب التي لا تقدم مترشحين في استحقاقين متتاليين”. ويرى أن “هذا المشروع قد يسهم في الحد من ظاهرة المقاطعة”، التي يعتبر أنها “كانت تتعلق بمقاربة سياسوية اعتمدتها بعض الأحزاب كاستراتيجية”. لكنه يشير إلى أن “المادة المتعلقة بإقصاء الأحزاب الغائبة ستكون محل نقاش وجدل بين الأحزاب السياسية”، موضحاً أن “المقاطعة قد تكون أحياناً مبدأً وقراراً سيادياً للحزب، لكنها قد تكون أيضاً نتيجة ظروف لوجستية أو أهداف سياسية”. ويختم بالقول: “الاختباء وراء فكرة المقاطعة ليس سوى غطاء لضعف الحزب عن مواجهة التشكيلات السياسية الأخرى”.

القانون الجديد وحده لا يكفي.. هل تستطيع الأحزاب تجاوز دورها المناسباتي؟
ينطلق الدكتور علي كفسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، من فكرة أن “بناء فضاء سياسي أصيل لا يرتبط فقط بتعديل القوانين، بل يتطلب إصلاحات شاملة تعيد التوازن إلى الممارسة السياسية”، ويرى أن “الأحزاب السياسية مطالبة اليوم بإعادة تعريف دورها كمؤسسات فاعلة قادرة على تقديم بدائل سياسية حقيقية”. إعادة التأسيس لممارسات سياسية أصيلة وإصلاح المنظومة السياسية هما المنطلقان اللذان يمكن عبرهما، حسب الدكتور كفسي، “إعادة بناء الثقة بين الأحزاب السياسية والرأي العام”.
الأيام نيوز: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الأحزاب على الساحة السياسية مستقبلاً في ظل التحديات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد؟
علي كفسي: الدور المستقبلي للأحزاب لا يمكن أن يتحدد فقط من خلال التعديلات القانونية، بل يجب أن ينعكس في الممارسة السياسية نفسها. الأحزاب مطالبة اليوم بإعادة تعريف دورها كمؤسسات فاعلة قادرة على تقديم بدائل سياسية حقيقية، بدل أن تبقى مجرد أدوات ظرفية في الاستحقاقات الانتخابية. لتحقيق ذلك، ينبغي التمييز الواضح بين العمل الحزبي، والنشاط النقابي، والعمل الجمعوي للمجتمع المدني، بما يضمن تكاملها دون تداخل يربك المشهد السياسي. كما أن فتح المجال الإعلامي أمام الأحزاب، سواء في الإعلام العمومي أو الخاص، يعد ضرورة لتعريف المواطن ببرامجها ومواقفها تجاه التحديات الوطنية والدولية، مما يسهم في إعادة بناء الثقة بين الأحزاب والرأي العام.
الأيام نيوز: يتحدث الكثيرون عن “قيود إدارية” تضعها مسودة المشروع أمام العمل الحزبي. ما رأيكم؟
علي كفسي: أي تنظيم قانوني للعمل الحزبي يجب أن يهدف إلى ترسيخ ثقافة سياسية مسؤولة دون فرض قيود تعسفية تحدّ من حرية الممارسة السياسية. من بين النقاط الإيجابية في مشروع القانون، وضع حد نهائي لظاهرة “التجوال السياسي” من خلال شطب أي منتخب يغير انتماءه الحزبي بعد انتخابه، وهو إجراء ضروري لضمان الاستقرار المؤسساتي ومنع الممارسات الانتهازية. كما أن منع الانتماء المزدوج للأحزاب خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح، إذ يعزز الانضباط الحزبي ويمنع توظيف الانتماء السياسي لأغراض شخصية. بالمقابل، ينبغي تجنب منح السلطة التنفيذية، ممثلة في وزارة الداخلية، صلاحية الموافقة على تأسيس الأحزاب، لأن ذلك قد يفتح المجال أمام تحكم سياسي لطرف على حساب آخر، خاصة إذا كان وزير الداخلية منتمياً لحزب سياسي معين.
الأيام نيوز: هناك في الجزائر 63 حزباً سياسياً من توجهات أيديولوجية مختلفة، لكن حوالي 14 حزباً فقط ممثلة في البرلمان بغرفتيه. عن أي خارطة سياسية نتحدث؟
علي كفسي: هذه المفارقة تكشف عن خلل مزدوج في المشهد الحزبي الجزائري: من جهة، هناك عدد كبير من الأحزاب المسجلة، لكن حضورها السياسي ضعيف بسبب هشاشتها التنظيمية أو ارتباطها بظروف تأسيسها أكثر من مشروعها السياسي. ومن جهة أخرى، هناك مجموعة محدودة من الأحزاب التي تحتكر المشهد البرلماني، مما قد يعكس إما غياب التنافسية الفعلية أو استمرار تأثير العوامل غير السياسية في تحديد التمثيل البرلماني. من أجل خريطة سياسية أكثر حيوية، يجب التركيز على تطوير الأحزاب نفسها، وليس فقط تنظيمها قانونياً، وذلك من خلال تعزيز آليات العمل الديمقراطي الداخلي، وتكريس استقلالية القرار الحزبي، وتمكينها من بناء تحالفات سياسية طوعية دون تدخل تشريعي غير مبرر. إن تحديد مدة العهدة الحزبية بخمس سنوات، أو إلزام الأحزاب بتنظيم نفسها في شكل لجان وطنية، تعد مسائل داخلية لا ينبغي أن تكون محل تدخل قانوني، لأنها من صميم الخيارات التنظيمية لكل حزب. كذلك، فإن تشكيل التحالفات السياسية أو الاندماج بين الأحزاب يجب أن يبقى خياراً سيادياً للأحزاب نفسها، ولا مبرر لإدراجه ضمن القانون العضوي للأحزاب، بل يكفي النص على عدم منعه في إطار قانون مستقل.
الأيام نيوز: هل يمكن لمشروع هذا القانون أن يسهم في بناء فضاء سياسي أصيل، بعد ما حدث منذ 2019 إلى اليوم؟
علي كفسي: بناء فضاء سياسي أصيل لا يرتبط فقط بتعديل القوانين، بل يتطلب إصلاحات شاملة تعيد التوازن إلى الممارسة السياسية. الحديث عن “فضاء سياسي أصيل” يستوجب إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع السياسي وفق قواعد جديدة تضمن الانفتاح والتمثيل الفعلي لمختلف التيارات. منذ 2019، شهدت الجزائر حراكًا اجتماعيًا كشف عن تعطش شعبي لإعادة هيكلة المشهد السياسي على أسس أكثر ديمقراطية. إذا كان مشروع القانون الجديد سيؤدي إلى رفع القيود عن العمل الحزبي، وضمان شفافية أكبر في الممارسة السياسية، وتمكين الأحزاب من العمل بحرية، فقد يكون ذلك خطوة نحو إعادة إحياء الفضاء السياسي. أما إذا ظل الإصلاح مقتصرًا على إعادة إنتاج النظام الحزبي القائم بنفس الآليات، فسيظل المشهد يعاني من أزمة تمثيل وثقة، مما قد يعزز منطق العزوف السياسي بدلًا من خلق ديناميكية سياسية جديدة. في النهاية، إذا كان الهدف من القانون هو تعزيز المشهد الحزبي، فيجب أن يضمن استقلالية القرار الحزبي عن الإدارة، ويكرس الحياد المؤسساتي، ويتيح للأحزاب فضاءً إعلامياً مفتوحاً للوصول إلى المواطن، لأن السياسة لا تُمارس فقط داخل الأحزاب، بل في المجال العام الذي يجب أن يكون مفتوحاً للجميع.

تمكين الجمعيات.. الخطوة الأهم نحو الديمقراطية التشاركية
يُعدّ المجتمع المدني في الجزائر الجديدة منبرًا تشاركيًا حقيقيًا، تعتزم من خلاله السلطات العليا منحه أدوارًا عصرية، على عكس الدور الكلاسيكي الذي كان يقتصر سابقًا على جمع الانشغالات وتبليغها. وقد تجلى ذلك في التعديل الدستوري الأخير للفاتح نوفمبر 2020، الذي منح لأول مرة مكانة “مهمة” للمجتمع المدني، سواء من خلال الديباجة أو عبر استحداث مرصد وطني خاص به لتفعيل نشاطه، مع رفع العقبات أمام النشاط الجمعوي، الذي أصبح يُمارس بمجرد التصريح.
يكشف تحليل مضمون الدستور عن إرادة الدولة الجزائرية في بناء مؤسسات قوامها مشاركة جميع المواطنين، بما في ذلك الجالية الجزائرية بالخارج، في تسيير الشؤون العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، مع ضمان الحرية لكل فرد، في إطار دولة القانون. وفي هذا السياق، نصّت المادة 10 من الدستور على أن الدولة “تسهر على تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية”. كما أكدت المادة 16 على دور المجتمع المدني في ترقية التسيير الديمقراطي، حيث جاء فيها أن الدولة “تشجع الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، لا سيما من خلال المجتمع المدني”.
ونظرًا لما شهده المجتمع المدني من تقييد في الفترات السابقة، مما أدى إلى ركوده وتراجع فعاليته، ارتأى المؤسس الجزائري هذه المرة تحريره، إذ نصت المادة 53 على أن “حق إنشاء الجمعيات مضمون، ويمارس بمجرد التصريح”. ويعبر هذا التوجه عن إرادة السلطات العليا في منح حرية أكبر للنشاط الجمعوي، وهو ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال التزاماته الانتخابية، حيث تعهد ببناء مجتمع مدني حر، مسؤول، نشيط ونزيه.
وبالإضافة إلى هذه التسهيلات، تنص المادة ذاتها في التعديل الدستوري على أن “الدولة تشجع الجمعيات ذات النفع العام”، وأن “حلّ الجمعيات لا يكون إلا بمقتضى قرار قضائي”.
ومن أجل تفعيل دور المجتمع المدني، أنشأ التعديل الدستوري مرصدًا وطنيًا للمجتمع المدني، وهو هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، تُقدم آراء وتوصيات تتعلق بانشغالات المجتمع المدني، وتساهم في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة. ويحدد مرسوم رئاسي تشكيلته ومهامه الأخرى، ليتكامل دوره مع مؤسسات أخرى، على غرار المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي نصت المادة 239 على أنه “يوفر إطارًا لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار التنمية المستدامة”.
قراءة في المشروع التمهيدي للقانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات إنشاء الجمعيات
تُعدّ القوانين العضوية أدوات قانونية مهمة تُفسر مضامين الدستور، وتحدد الآليات الكفيلة بتكريس مواده عبر مختلف النصوص القانونية، ومن بينها المشروع التمهيدي للقانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات إنشاء الجمعيات، الذي يخضع حاليًا للإثراء والنقاش بين مختلف الهيئات المعنية، مثل البرلمان بغرفتيه، المرصد الوطني للمجتمع المدني، والمجلس الأعلى للشباب.
وبصفتنا من فواعل المجتمع المدني المهتمة بالشباب، فقد ساهمنا في إثراء مشروع القانون، من خلال اللقاءات التشاورية التي نظمها المرصد الوطني للمجتمع المدني على المستويين المحلي والوطني. كما تم إرسال المقترحات إلى المجلس الأعلى للشباب والمجلس الشعبي الوطني. ومن خلال قراءة أولية لمشروع القانون العضوي، يتضح أنه بحاجة إلى تعديلات عميقة، حتى ينسجم مع الإرادة السياسية القوية لتعزيز دور المجتمع المدني كشريك حقيقي للسلطات الرسمية في التنمية، ومن جهة أخرى تبسيط إجراءات إنشاء الجمعيات، وتذليل العراقيل التي تعيق نشاط المجتمع المدني وتمنعه من العمل بأريحية. ومن بين أهم الاقتراحات التي قدمناها ما يلي:
- إتاحة المجال أمام الجمعيات للنشاط في عدة مجالات (بدلًا من المجالات المتكاملة فقط)، على أن تكون هذه المجالات متوافقة مع النظام العام والآداب العامة (المادة 07).
- إدراج إمكانية تقديم ملف التصريح بالصيغة الرقمية والإلكترونية، تماشيًا مع جهود رقمنة القطاعات والقضاء على البيروقراطية (المادتان 16 و17).
- تمكين الجمعيات من الحصول على استثمارات ومشاريع من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية، لضمان موارد تساعدها على تنفيذ نشاطاتها (المادة 26).
- توضيح آلية تشغيل أعوان الدعم (سواء عبر الوكالة الوطنية للتشغيل أو بوسائل أخرى) (المادة 28).
- تعديل مدة التصريح بالمكاتب الولائية للجمعيات الوطنية من 03 أيام إلى 30 يومًا، بما يتناسب مع المهلة الممنوحة للإدارة للرد على الملفات المودعة (المادة 35).
- إلغاء إلزام الجمعيات بمسك السجلات وتقليص مدة الاحتفاظ بالوثائق تحت طائلة التفتيش، باعتباره عملًا إداريًا محضًا يستلزم موظفين، في حين أن الجمعيات تعتمد على المتطوعين لإنجاز مبادراتها التنموية (المادتان 39 و40).
- بالنسبة للجمعيات ذات الطابع الخاص، ضرورة توسيع نشاط المؤسسات ليشمل مختلف المجالات، بحيث تتمكن الجمعيات من العمل ضمن نطاق أوسع (المادة 69).

بين الترخيص والإخطار.. كيف تطورت قوانين الأحزاب في الجزائر؟
من المتعارف عليه أن الحريات لا يمكن أن تكون مطلقة، ولا بد أن تخضع لضوابط قانونية مستقر العمل بها في الأنظمة الديمقراطية. هذه الضوابط يجب أن تضمن ألّا تعلو الحرية على النظام، فنكون في مجتمع الفوضى، أو يطغى النظام على الحرية فنرزح تحت دولة الاستبداد والديكتاتورية. ولا تخفى الآثار المترتبة على مصادرة الحريات، خاصة الحريات السياسية، من شعورٍ بالاغتراب السياسي لدى المواطنين، واستقالةٍ من الانخراط في الشأن العام، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاج العنف والمساس بالسلم العام واستقرار الدولة.
إن التداول السلمي على السلطة في ظل دولة القانون هو صمام أمان لها، ويفرض وجود تعددية سياسية حقيقية تجسد وتعكس التعددية التي يعيشها المجتمع. وتقوم التعددية السياسية الفاعلة في الدولة على وجود تعددية حزبية، والتي تعني الحرية في تشكيل الأحزاب والانتماء إليها.
بدراسة القانون المنظم للأحزاب السياسية، نلاحظ أن المشرّع قد تراجع عن الضمانات التي وفرها لممارسة هذه الحرية مقارنةً بما كان عليه الأمر في أول نص قانوني عند إقرار التعددية السياسية، خاصة في مرحلة التكوين، وذلك بتراجعه عن أسلوب الإخطار وتبنيه لأسلوب الترخيص، مما يشكل انتكاسة في ممارسة هذه الحرية.
ولكن إذا ما قيّمنا العمل الحزبي في الجزائر، فبالإضافة إلى المنظومة القانونية التي تتشدد في إجراءات تكوين الأحزاب وفي الرقابة عليها، خاصة رقابة التمويل المالي وما تعانيه الأحزاب في هذا الشأن، سنجد أن الممارسات الحزبية التي تقوم بها الأحزاب نفسها تعاني من مشكلات عديدة، مثل غياب المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الثقافي الحقيقي، إضافة إلى غياب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب، من احتكارٍ للزعامة وغياب الحوار والتشاركية داخلها.
التجربة الحزبية في الجزائر ذات بُعدٍ تاريخي، وقد ظهرت بوادرها من خلال الحركات السياسية أثناء الفترة الاستعمارية، حيث برزت مجموعة من التنظيمات السياسية، أغلبها ذات طابع تحرري هدفه انتزاع الاستقلال وإقامة دولة جزائرية حرة. تؤكد كل الدراسات على الامتداد التاريخي للأحزاب السياسية في الجزائر، إذ يمكن إرجاع الظاهرة الحزبية تاريخيًا إلى تجربة الحركة الوطنية التعددية منذ عشرينيات القرن الماضي، ولغاية اندلاع الثورة التحريرية سنة 1954.
أما بعد الاستقلال، فقد عرفت الجزائر نوعين من الأنظمة الحزبية: نظام الحزب الواحد الذي ساد بعد الاستقلال، حيث صدر المرسوم 63-297 المؤرخ في 14 أوت 1963، الذي نصّ على منع تشكيل الأحزاب والجمعيات ذات الطابع السياسي، وذلك لتكريس بقاء حزب جبهة التحرير الوطني كحزب طلائعي وحيد، له الحق في قيادة وتنظيم وتأطير الحياة السياسية انطلاقًا من المرجعية الثورية. ولتعزيز ذلك، صدر دستور 10 سبتمبر 1963، الذي نصّت المادة 23 منه على أن حزب جبهة التحرير الوطني هو حزب الطليعة الوحيد في الجزائر، كما نصت المادة 24 على أن جبهة التحرير الوطني تحدد سياسة الأمة وتوجّه عمل الدولة وتراقب عمل المجلس الوطني والحكومة. وبقي الأمر نفسه في ظل دستور 1976، الذي عمل على تكريس هيمنة الحزب الواحد على جميع مظاهر الحياة السياسية، وفق ما جاء في المادة 94 من الدستور، التي نصّت على أن يقوم النظام التأسيسي على مبدأ الحزب الواحد، والمادة 95 التي نصّت على أن جبهة التحرير الوطني هي الحزب الوحيد في البلاد. وفي هذه المرحلة، كان الحزب جهازًا من أجهزة الدولة.
أما النظام الحزبي الثاني الذي انتهجته الجزائر فهو نظام التعددية السياسية، حيث إنه بعد أحداث خارجية وداخلية ومع تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ترتب عنها تبني إصلاحات في عدة ميادين، أبرزها كان في الميدان السياسي، وذلك بإقرار التعددية السياسية التي تعتبر التطبيق العملي لحرية النشاط السياسي، وتمثل التعددية الحزبية إحدى مكوناتها الأساسية، حيث إن التعددية السياسية القائمة على مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية والمشاريع المجتمعية، وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها، تم تبنيها في النظام السياسي الجزائري انطلاقًا من دستور 1989، حيث نصت المادة 40 منه على أن: “حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به، ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة والسلامة الترابية، واستقلال البلاد وسيادة الشعب”. وتنزيلًا لما جاء في متن الدستور، صدر القانون 89-11 المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، الذي أقر حق “إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي” وذلك للانفتاح على مختلف الحساسيات السياسية.
بلغة القانون، تستهدف الجمعية ذات الطابع السياسي – في إطار أحكام المادة 40 من الدستور – جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي تشاركي، وابتغاءً لهدف لا يدر ربحًا، بل سعيًا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية سلمية.
إن المسار الذي عرفته الجزائر في بداية العشرية الأخيرة من القرن الماضي، اتجه لتعريف الحزب في مرحلة التعددية السياسية بمفهوم آخر، بناءً على التغير في المنهج السياسي والإيديولوجي، إذ إن اعتماد أسلوب التعددية السياسية يفرض أن يكون معيار الوصول إلى السلطة مبنيًا على قواعد تنافسية بين الأحزاب، تستوي فيها الحظوظ بين مختلف القوى السياسية باختلاف اتجاهاتها وميولها، ويكون الفيصل بينها صندوق الانتخاب. إلا أنه يلاحظ أن المشرع استعمل عبارة “جمعيات ذات طابع سياسي” بدلًا من مفهوم “حزب” في القانون المذكور أعلاه، وهذا المصطلح يثير الجدل من حيث مفهومه والمغزى من استعماله، حيث بدا الأمر في شكل انفتاح سياسي محدود ومتدرج، وكأنه جس نبض للشارع السياسي المضطرب في تلك المرحلة.
ولئن كان المشرع قد خطا خطوة إلى الأمام باعتماده التعددية السياسية، إلا أنه يلاحظ أنه اختار أن تكون بداية الانفتاح السياسي بجمعية بدلًا من حزب، واكتفاؤه بحصر دورها في المشاركة السياسية بدلًا من الوصول إلى السلطة كما هو ثابت في الهدف من الأحزاب. ويبدو أن المشرع تبنى منهج الانفتاح المتدرج في تلك الفترة التي عرفت حركية سياسية كبيرة، من خلال حصر نفوذ هذه الجمعيات ذات الطابع السياسي في المشاركة في الحياة السياسية، دون المشاركة في السلطة، ليظهر وكأنه أراد حصر دورها في ممارسة المعارضة للسلطة.
بصدور دستور 1996، تمسكت السلطات بخيار التعددية الحزبية، مدرجة إياه في الثوابت المحصنة ضمن دائرة الحظر الموضوعي، إذ نص على منع أي تعديل دستوري من أن يمسه، وعمل من خلاله على تجاوز وتدارك الملاحظات والانتقادات التي وجهت لدستور 1989، حيث استعمل المشرعون مصطلح “حزب” بدل “جمعية ذات طابع سياسي”، كما انتقل المشرع في تنصيصه على هذا الحق من الاعتراف به فقط إلى ضمانه أيضًا، وهذا ما يفيد عدم وقوف السلطة عند الاعتراف فقط بالأحزاب، بل الالتزام بتوفير الضمانات الكفيلة بتجسيد هذا الحق على أرض الواقع دون عراقيل قانونية أو بيروقراطية إدارية، وذلك من خلال المادة 42 منه، التي نصت فقرتها الأولى على أن: “حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون. ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأمن التراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد وسيادة الشعب، وكذا الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة”.
وفي ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة. ويحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية. ولا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
وتطبيقًا لما جاء فيها، صدر الأمر 97-09 المؤرخ في 06 مارس 1997، المتضمن القانون العضوي للأحزاب السياسية، والذي نص في المادة 02 منه على أن: “يهدف الحزب السياسي – في إطار أحكام المادة 42 من الدستور – إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية من خلال جمع المواطنين الجزائريين حول برنامج سياسي، دون ابتغاء هدف يدر ربحًا”.
هناك تعديل جزئي مقارنة بالقانون السابق، خاصة فيما يتعلق بماهية الحزب، حيث استُبدل مصطلح “جمعية ذات طابع سياسي” بمصطلح “حزب سياسي”، إلا أن القانون – كسابقه – عرف الحزب من خلال هدفه الذي لم يتغير في هذا التعريف الجديد، فأبقى عبارة “المشاركة في الحياة السياسية” دون تحديد طبيعة هذه المشاركة، ولم يتطرق إلى الهدف الأساسي للحزب، وهو الوصول إلى السلطة والاستئثار بها والمشاركة فيها، من خلال تنفيذ برنامج سياسي.
قام المشرع بصياغة تعريف جديد للأحزاب السياسية، وذلك بصدور قانون منظم للأحزاب السياسية، والمتمثل في القانون العضوي 12-104 المؤرخ في 12 يناير 2012، المتعلق بالأحزاب السياسية، والذي عرّفت المادة 03 منه الحزب السياسي بأنه: “تجمع مواطنين يتقاسمون نفس الأفكار ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي مشترك حيز التنفيذ للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطة والمسؤوليات في قيادة الشؤون العامة”.
صدر القانون العضوي 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية في سياق إصلاحات وتوسيع في منظومة الحقوق والحريات، تبناها النظام السياسي الجزائري في 2012، وذلك بصدور عدة قوانين جديدة ناظمة للحقوق والحريات، كقانون الجمعيات وقانون الانتخابات. ولنتذكر هنا سياق ثورات الربيع العربي والحيطة التي تبنتها السلطات العليا لأجل تجنيب البلد مآلات لا تحمد عقباها. وما يمكن ملاحظته على تعريف الأحزاب السياسية الوارد في هذا القانون العضوي، أنه – عكس سابقيه – أشار بوضوح إلى الهدف من تأسيس الأحزاب السياسية، وهو “ممارسة السلطة والمسؤوليات في قيادة الشؤون العامة، عن طريق وضع مشروع سياسي حيز التنفيذ”، حيث إن هذا التعريف يتميز بالوضوح والدقة، ويتماشى مع التعريفات القانونية للحزب في الأنظمة السياسية العريقة.
إضافة إلى ذلك، نص المشرعون في المادة من القانون العضوي 12-04 على أن: “يؤسس الحزب لمدة غير محدودة، ويتمتع بالشخصية المعنوية والأهلية القانونية واستقلالية التسيير، ويعتمد في تنظيم هياكله وتسييرها المبادئ الديمقراطية”، كما نظم المشرعون أهداف تأسيس الأحزاب في المادة 11 من القانون العضوي، والتي نصت على أن: “يعمل الحزب السياسي على تشكيل الإرادة السياسية للشعب في جميع ميادين الحياة العامة، وذلك عبر المساهمة في تكوين الرأي العام، الدعوة إلى ثقافة سياسية أصيلة، تشجيع المساهمة الفعلية للمواطنين في الحياة العامة، تكوين وتحضير النخب القادرة على تحمل مسؤوليات عامة، اقتراح مترشحين للمجالس الشعبية المحلية والوطنية، السهر على إقامة وتشجيع علاقات جوارية دائمة بين المواطن والدولة ومؤسساتها، العمل على ترقية الحياة السياسية وتهذيب ممارستها وتثبيت القيم والمقومات الأساسية للمجتمع الجزائري، لا سيما قيم ثورة أول نوفمبر 1954، والعمل على تكريس الفعل الديمقراطي والتداول على السلطة، وترقية الحقوق السياسية للمرأة”.
إن حرية تكوين الأحزاب يجب أن تكون مكفولة، وألا يوضع عليها من القيود إلا ما هو متعارف ومتفق عليه في أغلب القوانين، وما يقتضيه الحفاظ على النظام العام وأمن الوطن وسلامته ككل، وأن يكون الواقع مطابقًا للقانون، وضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، ومنها حرية إنشاء الأحزاب، لا يمكن أن يتحقق إلا بإقرار إجراءات إدارية غير مقيدة لهذه الحرية.
وفي هذا المجال، تملك الإدارة أسلوبين في تنظيم ممارسة الأفراد للحريات، ويتمثلان في أسلوب الترخيص وأسلوب الإخطار. فالترخيص الإداري هو الإجراء الذي بمقتضاه يتم استئذان الإدارة قبل ممارسة نشاط معين، ويتخذ صورًا ومسميات مختلفة، كالاعتماد والرخصة والتأشيرة والإذن، تتخذ منه السلطة الإدارية وسيلة قانونية لتنظيم ممارسة الحرية، ويعد هذا الأسلوب عقبة في سبيل ممارسة الحرية، إذ يتطلب الحصول على ترخيص من الإدارة قبل ممارسة النشاط. ويُعرف الترخيص فقهيًا بأنه: “وسيلة من وسائل تدخل الدولة في ممارسة النشاط للوقاية مما قد ينشأ عنه ضرر، وذلك بتمكين الهيئات الإدارية من فرض ما تراه ملائمًا من الاحتياطات التي من شأنها منع الضرر، أو رفض الإذن بممارسة النشاط إذا كان لا يكفي للوقاية منه اتخاذ الاحتياطات المذكورة أو كان غير مستوفٍ للشروط التي قررها المشرع سلفًا”، وهو يتفق مع طبيعة الوظيفة الإدارية للدولة في إطار الحفاظ على النظام العام.
فالترخيص يعد وسيلة تملكها الإدارة تبسط بها رقابتها على ممارسة الحرية، حيث “تقتضي” بعض الحريات حصول طالب الترخيص على إذن مسبق من الإدارة من أجل ممارستها. وتجدر الإشارة إلى أن سلطة الإدارة في رفض أو منح الترخيص هي سلطة مقيدة وليست تقديرية، أي وجوب منح الإدارة الترخيص لكل من توافرت فيه الشروط المطلوبة للحصول عليه، ويجب على الإدارة عند إصدارها للترخيص أو رفضه أن تلتزم باعتبارات المصلحة العامة ومبدأ المساواة، فلا يكون المنح والمنع وسيلة للمجاملة أو أداة للانتقام. أما الإخطار، فهو نظام وقائي بسيط يقوم على فكرة إبلاغ السلطة الإدارية المكلفة بأعمال الضبط الإداري، وإعلامها بالرغبة والنية في ممارسة حرية من الحريات المكفولة، وهو نظام أقرب إلى الإباحة، حيث إنه في ظل هذا الأسلوب لا تملك الإدارة أي سلطة في منع أو رفض ممارسة النشاط، وفي حالة ما إذا ظهر لها أن ممارسة هذا النشاط مخالف للقانون أو النظام العام، فليس أمامها إلا اللجوء إلى القضاء المختص.
إن معاينة تكوين الأحزاب السياسية منذ صدور قانون 89-11 المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، يبرز الطابع التحرري لنظام إنشاء الأحزاب الذي اعتمدته السلطات العمومية في ظل هذا القانون، من خلال تبني نظام الإخطار في تأسيس الأحزاب السياسية، حيث نصت المادة 11 منه على أنه: “يتم التصريح التأسيسي بالجمعية ذات الطابع السياسي بإيداع ملف لدى وزير الداخلية مقابل وصل”، ونصت المادة 17 من القانون على أنه: “في حالة عدم نشر الوصل في الأجل المنصوص عليه في المادة 15 من القانون، يجب على وزير الداخلية أن يرفع القضية إلى الجهة القضائية المبينة في المادة 35”. إلا أن هذا الطابع التحرري سرعان ما تخلى عنه المشرع الجزائري في ظل القانون العضوي للأحزاب السياسية الصادر بالأمر 97-09، الذي ربط ممارسة حرية تكوين الأحزاب السياسية بنظام الترخيص، الذي يقوم على نظام الموافقة المسبقة للإدارة لتأسيس الحزب السياسي، قصد تفادي بعض التجاوزات المسجلة خلال مرحلة تطبيق القانون.
في الختام، يجدر القول إن دراسة وبحث الضمانات القانونية لتأسيس الأحزاب السياسية في الجزائر يستلزم أيضًا بحث مدى توافر الظروف الملائمة، سواء القانونية أو الواقعية، لتكوين وإنشاء الأحزاب السياسية، لأن تكريس هذه الحرية على مستوى النصوص الدستورية والقانونية لا يكفي لحماية ممارسة هذا الحق من تعسف الإدارة واغتصابها للحقوق، ولكن من جانب آخر ينبغي النظر إلى الممارسة الحزبية وتقييم ممارسات التشكيلات السياسية لمعرفة مدى توفر شروط الممارسة السياسية الأصيلة.

عندما يختار الشباب الصمت بدل التصويت.. ما السبب؟
يفضل الدكتور فؤاد غجاتي، أستاذ محاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة البويرة، الحديث عن قانون الانتخابات، باعتبار أن العمل الحزبي والنشاط السياسي للمنظمات السياسية موجه في المقام الأول نحو الولوج إلى سدة الحكم، وتفعيل البرنامج السياسي للحزب عبر مشاريع وإنجازات تعبر عن التوجه الإيديولوجي والهدف السياسي الذي يناضل من أجله الحزب.
بالنسبة للدكتور غجاتي، قانون الأحزاب وقانون الانتخابات هما وجهان لعملة واحدة، تتعلق بالتنظيم السياسي والقانوني للشأن العام ولشكل الممارسة السياسية في أي بلد.
هناك العديد من العيوب التي شابت قانون الانتخابات في الجزائر لسنة 2021، والذي واجه العديد من الانتقادات.
أولًا، فيما يتعلق بمسألة الشفافية، يظهر ذلك من خلال عدم وضوح الإجراءات، حيث لم يكن العديد من الناخبين على دراية بالإجراءات الانتخابية، مما أثر بشكل كبير على ثقتهم في العملية.
ومن جانب آخر، فإن تقييد حرية الترشح من خلال شروط صارمة، كما ورد في المادة 200، التي تفرض شروطًا متشددة على المرشحين، أدى إلى استبعاد العديد من الشخصيات السياسية والمناضلين المستقلين. وإن كنا نتفهم هدف السلطة من استبعاد أصحاب النفوذ والمال الفاسد، وترسيخ مبدأ التداول وتشجيع الشباب، إلا أن الأهداف المعلن عنها قانونيًا قد تعود بتأثير معاكس وأثر سلبي.
ثم إن عدم تمثيل الأحزاب الصغيرة هو قضية أخرى ينبغي الوقوف عندها. فنظام الانتخابات المستخدم لم يكن يعزز التمثيل النسبي، مما أثر سلبًا على فرص الأحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد وفي الولوج إلى المجالس المنتخبة. خاصة وأن السلطة تؤكد أنها بصدد إعادة ترميم الحياة السياسية في الجزائر، ولكن هذا لا يتم إلا من خلال توسيع المجال والفرص لأحزاب جديدة تبدأ فتية، وتكبر قاعدتها النضالية مع الممارسة السياسية على المستويين المحلي والوطني.
ضف إلى ذلك غياب الرقابة الفعالة، فقلة المراقبين المستقلين خلال مختلف العمليات الانتخابية أثرت سلبًا على نزاهة العملية. ومع ذلك، يمكن ملاحظة الضغط على الناخبين والتأثيرات الخارجية. فقد تعرض بعض الناخبين لضغوط أو تهديدات من جهات معينة، مما أثر على حرية اختيارهم، خاصة في بعض المناطق التي شهدت مقاطعة قسرية للعملية الانتخابية سابقًا، أثناء الحراك الشعبي 2019.
ومما يضعف العملية الانتخابية ويطعن في مصداقيتها هو التأخر في إعلان النتائج لفترة طويلة. إن تأخر إعلان النتائج الرسمية من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يثير الشكوك -المنطقية- حول نزاهة الانتخابات.
وإذا تحدثنا عن سوسيولوجيا الممارسة الانتخابية والنضال الحزبي، فمن غير الممكن عدم التنبه لظاهرة ضعف مشاركة قطاعات واسعة من الشباب، سواء في القواعد النضالية، أوفي الهيئات القيادية للمنظمات الحزبية، وأيضًا في تقرير حق المشاركة السياسية. ويظهر هذا جليًا من خلال انخفاض نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابية. لم تتمكن القوانين من إقناع الشباب بالمشاركة في العملية الانتخابية، مما أثر على تمثيل الفئة الشابة، التي تمثل نسبة كبيرة في المكون الاجتماعي الوطني.
بالرغم من تشجيع السلطة الحالية لانخراط الشباب في مسار الحياة السياسية والتأطير الحزبي، ومحاولة ترسيخ الديمقراطية التشاركية عبر فسح المجال للشباب، إلا أن الأمور لا تزال تراوح مكانها.
طبعًا لا يمكن تجاهل الظروف الاقتصادية للمواطن، والتي تؤثر على الرضى العام، حيث تدفع به إلى أن يعبر عن رأيه ويتفاعل مع الحدث الانتخابي عبر المشاركة الفعالة. (أكثر من 1 مليون ونصف أصوات ملغاة، و54 بالمئة من الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة). الأمر يدعو حقًا إلى إجراء بحث اجتماعي معمق لدراسة ظاهرة العزوف عن المشاركة الفعالة، وعن الحضور النضالي لقطاعات شعبية واسعة. ضف إلى ذلك، أن القانون لم يتناول قضايا الفساد أو تحسين الظروف الاقتصادية، باعتبارها من بين المتغيرات التي تؤثر على المشاركة السياسية، ولكن ينبغي في المقابل الإشارة إلى جملة القوانين والقرارات التي اتخذتها الحكومة في سبيل تهيئة الظروف الملائمة لتفعيل الحس المواطني.
وانطلاقًا مما سبق، تعتبر هذه العيوب من العوامل التي قد تؤثر على مصداقية النظام الانتخابي في الجزائر، مما يستدعي مراجعة شاملة للقوانين والإجراءات لضمان انتخابات أكثر نزاهة وشفافية في المستقبل.
تحليل مجمل القوانين المتعلقة بالنظام الانتخابي وتنظيم الحياة السياسية يدفع إلى تقديم بعض الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في تحسين النظام الانتخابي.
أولًا، فيما يخص تعزيز الشفافية، يجب نشر النتائج الانتخابية بشكل سريع وشفاف عبر وسائل الإعلام المختلفة، والعمل على توفير المعلومات وتسهيل الوصول إليها، بحيث يجب على الهيئات المسؤولة تقديم معلومات واضحة حول العملية الانتخابية، بما في ذلك كيفية التصويت وعدد الناخبين. وينبغي التذكير هنا بأن التصريح بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة اكتنفه غموض كبير، وتضارب بين الأرقام ونسبة المشاركة والنتائج.
هذا ما يدفعنا، من جهة أخرى، إلى القول بأهمية تعديل القوانين الانتخابية من خلال تحديد شروط الترشح. يجب أن تكون هذه الشروط واضحة وعادلة، بما يمنح للمرشحين من مختلف الخلفيات السياسية والاجتماعية الفرصة للمشاركة، والتنافس حول مشاريع سياسية تخدم الصالح العام، وليس فقط تحقيق هدف الوصول إلى السلطة والهيمنة على مسار اتخاذ القرار.
كما أن إعادة النظر في الدوائر الانتخابية أصبحت ضرورة قصوى، مع التغير الديموغرافي والتقسيم الإداري الجديد، لضمان تمثيل عادل لجميع المناطق.
أما عن تطوير آليات الرقابة، فهي قد تأخذ أشكالًا متعددة، فمثلًا يجب السماح لمراقبين مستقلين بمراقبة العملية الانتخابية لضمان نزاهتها. ضف إلى ذلك أهمية تفعيل دور المجتمع المدني، وتشجيع المنظمات الناشطة على المشاركة في مراقبة الانتخابات وتأطير المطالب الشعبية في قالب ديمقراطي درءًا لأي انحدار نحو العنف.
وفي نفس سياق تعزيز المشاركة الشعبية، فإن تنظيم حملات توعية لتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات هو دور أساسي يجب أن تضطلع به وسائل الإعلام، باعتبارها إحدى ركائز المجتمع المفتوح.
كما لا يمكن تجاهل استخدام التكنولوجيات الحديثة، وفقًا للتعهدات التي تقدم بها الرئيس حول الرقمنة وتوسيعها، وذلك من خلال توفير آليات التصويت الإلكتروني، والتفكير في إمكانية استخدام أنظمة التصويت الإلكتروني لضمان سرعة ودقة النتائج، ولكن أيضًا شفافية العملية برمتها.
ولنا في حلول تطبيقات الهواتف الذكية والبرمجيات والتطبيقات المختلفة التي تتيح للناخبين معرفة مواقع الاقتراع والمعلومات الضرورية مثال على ذلك.

قانون جديد للأحزاب.. ضربة قاضية لـ”الدكاكين السياسية”؟
في تحليله لمسودة مشروع قانون الأحزاب، يتحدث الدكتور رابح لعروسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر 3، عن الشروط الجديدة لتأسيس الأحزاب، ويصرح بأن “مسودة المشروع تتضمن العديد من الشروط، أبرزها منع ظاهرة التجوال السياسي، أي التنقل من حزب سياسي لآخر”، إذ ينص مشروع القانون على الشطب من عضوية البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) لكل منتخب يغير انتماءه الحزبي، فضلاً عن شطبه نهائياً من سجلات الحزب، بهدف مجابهة الظاهرة.
وفيما يتعلق بتأسيس الأحزاب، يضيف الدكتور لعروسي أن “مشروع القانون جاء بإجراءات جديدة لتأسيس الأحزاب، منها أحقية الإدارة في طلب وثائق إضافية أو استبدال أي عضو لا يستوفي الشروط، إضافةً إلى تحديد معدل نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، إذ يتطلب أن يكون المؤتمر ممثلاً بنسبة 50% من عدد الولايات كحد أدنى”. ويشترط القانون ساري المفعول على الأحزاب أن يجمع المؤتمر التأسيسي 400 مؤتمر على الأقل، منحدرين من ثلث عدد الولايات على الأقل، دون أن يقل عدد المؤتمرين عن 16 مؤتمراً عن كل ولاية. كما تمنع المادة 53 أي ارتباط للأحزاب مع النقابات أو الجمعيات أو تنظيمات غير سياسية، في حين تسمح المادة 54 بالتعاون مع أحزاب أجنبية بشرط عدم تعارض ذلك مع الدستور والقوانين المحلية، على أن يتم ذلك بموافقة مسبقة من وزير الداخلية وبالتشاور مع وزير الخارجية.
يتحدث الباحث عما يسميه “بعض التقييد والمخاوف” من إلزام مسودة المشروع “أجهزة الحزب بانتخابها لمدة خمس سنوات كحد أقصى، مع إمكانية تجديدها مرة واحدة فقط”، وذلك بهدف تكريس مبدأ التداول الديمقراطي في تنظيم الحزب السياسي وسيره، وهو ما يراه نتيجةً لـ”استفحال ظاهرة التمركز القيادي لدى عدد من الأحزاب السياسية”.
ويرى الباحث أن “إلزام مدتين فقط للجهاز التنفيذي والتداولي سيدفع بما يشبه تصحير الحياة السياسية”، ويضيف أن “هذا الإجراء يعد تدخلاً في الشأن الداخلي للأحزاب”. وبالنسبة للدكتور لعروسي، “تحول هذه القيود الإدارية مؤسسي الأحزاب، بعد عشر سنوات، إلى مجرد مناضلين”، مما يؤدي إلى “عجز في تطوير الحياة العضوية للحزب، ناهيك عن افتقار المسودة إلى أي مقاربة عملية حول دور الحزب في الحياة السياسية”. وفي تحليله، “قد يعرقل المشروع مسألة البناء التنظيمي للمؤسسة الحزبية، الأمر الذي سيفقدها دور تكوين طبقة سياسية قادرة على تحمل المسؤوليات مستقبلاً”.
ومن ناحية تدعيم المكتسبات الدستورية، يرى الباحث أن “مشروع القانون الجديد يكرّس الحقوق السياسية للمرأة وكذا الشباب، تطبيقاً لأحكام الدستور الحالي، حيث يلزم الحزب السياسي بتحديد نسبة ممثلة من النساء والشباب داخل مختلف أجهزة وهياكل الحزب السياسي، وإدراجها في قانونه الأساسي”.
كما تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون الجديد للأحزاب أتاح للوزير المكلف بالداخلية إخطار العدالة لحل الحزب السياسي الذي لم يقدم مترشحين لموعدين انتخابيين متتاليين، وذلك بهدف مراجعة طريقة عمل الأحزاب السياسية وتعزيز مشاركتها في مختلف الاستشارات الانتخابية. ويعتقد الباحث أن “هذا الأمر سيكون حاسماً” في القضاء على ما يصفها بـ “الأحزاب الطفيلية والموسمية”.
ويرى الدكتور أن “هذا القانون جاء بمجموعة من الشروط والإجراءات الصارمة لتنظيم الأحزاب السياسية، وخلق آليات مهمة لضمان سير الحزب بشكل طبيعي، وإبعاده عن الانسدادات والحركات التصحيحية التي كانت تشل نشاطاته”.
ويعرّج الدكتور لعروسي في تحليله لمواد مشروع القانون على “مسألة ضبط الموارد المالية للأحزاب من خلال تلقي المساعدات من طرف الدولة”، مع ضمان ذلك “من خلال تقديم بيانات مفصلة عن هذه الإعانات، وتأكيد الرفض لأي تمويل أجنبي للأحزاب”. وقد حدّدت المسودة موارد الأحزاب السياسية ومصادرها، التي تشمل اشتراكات الأعضاء، والهبات والوصايا والتبرعات، والعائدات المرتبطة بنشاطاتها وممتلكاتها.
وينبغي التذكير في هذا الصدد بأن رئيس الجمهورية أكّد في العديد من التصريحات أن “الدولة تحرص على إبعاد أصحاب المال الفاسد من التغلغل في العملية الانتخابية، بهدف أخلقة الحياة السياسية وإبعاد تأثير المال الفاسد على المسار الانتخابي، وفسح المجال للشباب، وتقديم كل الدعم لهم للمشاركة في صناعة القرار”.

القانون الجديد يفرض التغيير.. نهاية “أحزاب المناسبات”
يقرأ أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2، الدكتور هشام دراجي، مشروع القانون الجديد المتعلق بالأحزاب السياسية، انطلاقاً من “ظاهرة التجوال السياسي”، ويصرّح أن “هذا القانون يعطي ضمانات لمحاربة التجوال السياسي”، وبالتالي فإن القراءة السياسية، حسبما يراه الباحث، “هي حماية الأحزاب الصغيرة، خاصةً التي سيبرز منها عدد من المنتخبين المحليين”، وبالتالي، كما يقول، “سيمنعهم ذلك من الترشح في أحزاب أخرى كبيرة”، مما سيمكن الأحزاب الصغيرة من الحفاظ على تمثيليتها ومقاعدها في المجالس المنتخبة.
وبالنسبة للدكتور دراجي، فإن “ضمان عدم تغيير المنتخبين لانتمائهم السياسي هو ضمانة وحجة كبيرة للأحزاب الصغيرة في إطار المنافسة عبر المشاريع السياسية والمجتمعية”.
أما عن تحديد عدد العُهد، فيرى الباحث أن ذلك “من أبرز وأقوى ما جاء في هذا القانون”، خاصةً لأن مسألة تحديد العهد “لا تتعلق فقط برئيس الحزب، وإنما تشمل أيضاً أجهزة الحزب”.
وفي هذا الصدد، يرى الدكتور دراجي أن المشروع “سيكون دافعاً لتغيير كبير في العمل داخل الحزب السياسي، وبالتالي فإن تركيبة الأجهزة الحزبية ستتغير حتماً”. ويضيف أن “الأحزاب السياسية التي تحاول ضمان استمراريتها بعد عشر سنوات، ستجد نفسها، بقوة القانون في حال إقراره، ملزمة بالعمل على تجديد الإطارات المشكلة لها”، وبالتالي، يضيف الباحث، “المسألة ستصبح مرتبطة بالتكوين السياسي، ودعم الشباب داخل الحزب”، ولهذا “فرهان الاستمرارية مرتبط بالقدرة على التجديد والتكيف مع هذه القواعد القانونية”.
وفي قراءة الدكتور دراجي، ترتبط فعالية الأداء الحزبي واستمراريته بمسألة “التكوين السياسي”، الذي سيصبح مرتبطاً بالحزب بشكل وثيق. وهذه الرؤية، يضيف الباحث، “كانت من أهم النقاط التي كان رئيس الجمهورية يؤكد عليها دائماً، خاصةً عندما انتقد العديد من قيادات الأحزاب الذين يدعون إلى التغيير بينما لا يزالون على رأس التشكيلات السياسية منذ أكثر من عشرين سنة”.
وفي هذا السياق، يرى الباحث أن “هذا سيغير الكثير في المعادلة السياسية مستقبلاً”. وعلى هذا الأساس، يعتقد أستاذ العلوم السياسية أن “هذه المادة محورية، لأن الأحزاب السياسية لن يكون لها وجود بعد عشر سنوات إلا إذا نجحت في معركة التكوين”.
ويفرض ذلك، حسبه، “إعادة الهيكلة وعودة الحزب السياسي إلى العمل وفق وتيرة متواصلة، وليس فقط من خلال نشاطات مرتبطة بالمناسبات الانتخابية”.
ولا يبدي الدكتور دراجي حرجاً من وصف التشكيلات السياسية في الجزائر بـ”أحزاب المناسبات التي تنشط فقط أثناء الفترات الانتخابية، ثم بعد ذلك تضمحل وتنسحب من الحياة السياسية”.
وفي حديثه عن تجديد “الديموغرافيا الحزبية”، يحيل الباحث إلى مسألة أخرى، ويرى “أنه يجب إضافة أجهزة أخرى للأحزاب”، ومن بينها، كما هو معتمد في الأحزاب عبر العالم، الجمعية العامة والمكاتب التنفيذية، بالإضافة إلى الرئيس.
هذه الأجهزة “غير الرسمية”، يكون أعضاؤها في الغالب من فئة الشباب، وبالتالي، يواصل الباحث، “ربما ستشهد الساحة السياسية في المستقبل، وفق هذا القانون، حركية وديناميكية كبيرة على المستوى الداخلي للأحزاب، وربما سنشهد بروز العديد من الإطارات والقيادات الشابة”، مما قد “يبعث الروح في الأحزاب السياسية، ويجعلها مكوناً أساسياً لإطارات المستقبل”.
ومن جانب آخر، يحيل الدكتور دراجي إلى التعديل الذي “مس الجانب المؤسساتي داخل الأحزاب”. وفي تصوره، “سنشهد لأول مرة تقنين مجموعة من اللجان داخل الأحزاب السياسية”، وذلك لأجل توحيد الهياكل، ويسوق لذلك بـ”ضرورة وجود لجنة استشارية تتولى الإدلاء بالآراء والتصريحات والاقتراحات بشأن المسائل المتعلقة بالحزب”، بالإضافة إلى لجنة الانتخابات التي تتولى كافة المسائل المتعلقة بمشاركة الحزب في الاستحقاقات الانتخابية.
إلى جانب ذلك، يرى الباحث أن “لجنة التكوين” ستكون “مهمة جداً”، خاصةً “في ظل التعديل الذي مسّ العهدات”، وذلك “لمنع احتكار الهيئات الحزبية”.
أما التعديل الآخر المرتبط بحل الحزب السياسي، فقد نصّ مشروع القانون الجديد على إمكانية حلّ أي تنظيم سياسي في حال عدم تقديم مرشحين لموعدين انتخابيين متتاليين. وبنبرة متفائلة، يقول الباحث إن هذا التعديل “سيمنح إضافة كبيرة للعمل السياسي في الجزائر”، ويستبق بالقول إن الجزائر ستشهد بروز عدد كبير من القوائم الانتخابية الحزبية مستقبلاً، مما سيجبر “الأحزاب على فرض وجودها الدائم في الاستحقاقات الانتخابية من أجل المحافظة على استمرارية بقائها”.
لكن من جهة أخرى، يضيف الباحث أن “هذا القانون سيشكل عائقاً أمام الأحزاب الصغيرة، التي لا تستطيع المشاركة في الانتخابات”، مما سيدفعها لا محالة إلى “خانة الحل”.
وبصفة واقعية، يرى الدكتور دراجي أنه “لا يمكن لهذا العدد الكبير من الأحزاب في الجزائر أن يستوفي هذا الشرط مستقبلاً”، ومنطقياً “ستشهد الخريطة الحزبية في الجزائر تقلصاً معتبراً، بانحصار الكثير من الأحزاب في المشهد السياسي”.
واعتباراً للبراغماتية التي تفرضها اللعبة السياسية، يقول الدكتور دراجي إن “اندماج وتكتل الأحزاب قد يكون مساراً يمكن أن تتخذه التشكيلات الحزبية الصغيرة للمنافسة في الساحة السياسية، وتحقيق نسبة التمثيل الولائي”.
أما بخصوص نسبة التمثيل، فيعتبر الباحث أن “هذه الفكرة مقبولة جداً على المستوى السياسي”. وبالنسبة له، “سيتم البحث عن ضمان الانتشار الواسع لأي حزب سياسي على المستوى الوطني”، فمن غير المعقول، يضيف الباحث، “أن يتم تأسيس أحزاب لا تستطيع تحقيق الانتشار على المستوى الوطني”.
واستخلاصاً لما سبق، يصل الدكتور دراجي إلى الاعتقاد بأن “هذا المشروع يتميز بالكثير من الإيجابيات التي يمكن أن تحرّك المشهد السياسي الراكد مستقبلاً”، وأنه “سيدفع نحو تشبيب المشهد السياسي، خاصةً في ظل الركود والتصحر الذي شهدته الساحة السياسية خلال سنوات عديدة سابقة”.
ويضيف في السياق ذاته أن “هذا المشروع سوف يبعث الروح في العمل الحزبي، ويعطي قيمة كبيرة للتكوين السياسي، باعتبار الأحزاب مؤسسات تنشئة اجتماعية”.
ويلاحظ الدكتور دراجي أن “تراجع النشاط الحزبي، دفع في المقابل إلى بروز حركية معتبرة للمجتمع المدني”، مما يدل على أن “الاهتمام الشعبي بممارسة حق المواطنة لم يخبو”.
وبتكريسه للديمقراطية الداخلية على مستوى التشكيلات السياسية، سوف يعيد مشروع القانون “تنظيم المشهد السياسي، وعودة الأحزاب بأوجه وقيادات جديدة”، ويؤكد الباحث مختتماً بالإشارة إلى عدم إمكانية الحديث عن “المسار السياسي الأصيل، دون الحديث عن المسار الديمقراطي داخل الأحزاب السياسية نفسها، وهو الأمر ذاته حتى في أعرق الديمقراطيات”.