تمكين الجمعيات.. الخطوة الأهم نحو الديمقراطية التشاركية

يُعدّ المجتمع المدني في الجزائر الجديدة منبرًا تشاركيًا حقيقيًا، تعتزم من خلاله السلطات العليا منحه أدوارًا عصرية، على عكس الدور الكلاسيكي الذي كان يقتصر سابقًا على جمع الانشغالات وتبليغها. وقد تجلى ذلك في التعديل الدستوري الأخير للفاتح نوفمبر 2020، الذي منح لأول مرة مكانة “مهمة” للمجتمع المدني، سواء من خلال الديباجة أو عبر استحداث مرصد وطني خاص به لتفعيل نشاطه، مع رفع العقبات أمام النشاط الجمعوي، الذي أصبح يُمارس بمجرد التصريح.

يكشف تحليل مضمون الدستور عن إرادة الدولة الجزائرية في بناء مؤسسات قوامها مشاركة جميع المواطنين، بما في ذلك الجالية الجزائرية بالخارج، في تسيير الشؤون العمومية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، مع ضمان الحرية لكل فرد، في إطار دولة القانون. وفي هذا السياق، نصّت المادة 10 من الدستور على أن الدولة “تسهر على تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية”. كما أكدت المادة 16 على دور المجتمع المدني في ترقية التسيير الديمقراطي، حيث جاء فيها أن الدولة “تشجع الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، لا سيما من خلال المجتمع المدني”.

ونظرًا لما شهده المجتمع المدني من تقييد في الفترات السابقة، مما أدى إلى ركوده وتراجع فعاليته، ارتأى المؤسس الجزائري هذه المرة تحريره، إذ نصت المادة 53 على أن “حق إنشاء الجمعيات مضمون، ويمارس بمجرد التصريح”. ويعبر هذا التوجه عن إرادة السلطات العليا في منح حرية أكبر للنشاط الجمعوي، وهو ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال التزاماته الانتخابية، حيث تعهد ببناء مجتمع مدني حر، مسؤول، نشيط ونزيه.

وبالإضافة إلى هذه التسهيلات، تنص المادة ذاتها في التعديل الدستوري على أن “الدولة تشجع الجمعيات ذات النفع العام”، وأن “حلّ الجمعيات لا يكون إلا بمقتضى قرار قضائي”.

ومن أجل تفعيل دور المجتمع المدني، أنشأ التعديل الدستوري مرصدًا وطنيًا للمجتمع المدني، وهو هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، تُقدم آراء وتوصيات تتعلق بانشغالات المجتمع المدني، وتساهم في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة. ويحدد مرسوم رئاسي تشكيلته ومهامه الأخرى، ليتكامل دوره مع مؤسسات أخرى، على غرار المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي نصت المادة 239 على أنه “يوفر إطارًا لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار التنمية المستدامة”.

قراءة في المشروع التمهيدي للقانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات إنشاء الجمعيات

تُعدّ القوانين العضوية أدوات قانونية مهمة تُفسر مضامين الدستور، وتحدد الآليات الكفيلة بتكريس مواده عبر مختلف النصوص القانونية، ومن بينها المشروع التمهيدي للقانون العضوي المحدد لشروط وكيفيات إنشاء الجمعيات، الذي يخضع حاليًا للإثراء والنقاش بين مختلف الهيئات المعنية، مثل البرلمان بغرفتيه، المرصد الوطني للمجتمع المدني، والمجلس الأعلى للشباب.

وبصفتنا من فواعل المجتمع المدني المهتمة بالشباب، فقد ساهمنا في إثراء مشروع القانون، من خلال اللقاءات التشاورية التي نظمها المرصد الوطني للمجتمع المدني على المستويين المحلي والوطني. كما تم إرسال المقترحات إلى المجلس الأعلى للشباب والمجلس الشعبي الوطني. ومن خلال قراءة أولية لمشروع القانون العضوي، يتضح أنه بحاجة إلى تعديلات عميقة، حتى ينسجم مع الإرادة السياسية القوية لتعزيز دور المجتمع المدني كشريك حقيقي للسلطات الرسمية في التنمية، ومن جهة أخرى تبسيط إجراءات إنشاء الجمعيات، وتذليل العراقيل التي تعيق نشاط المجتمع المدني وتمنعه من العمل بأريحية. ومن بين أهم الاقتراحات التي قدمناها ما يلي:

  • إتاحة المجال أمام الجمعيات للنشاط في عدة مجالات (بدلًا من المجالات المتكاملة فقط)، على أن تكون هذه المجالات متوافقة مع النظام العام والآداب العامة (المادة 07).
  • إدراج إمكانية تقديم ملف التصريح بالصيغة الرقمية والإلكترونية، تماشيًا مع جهود رقمنة القطاعات والقضاء على البيروقراطية (المادتان 16 و17).
  • تمكين الجمعيات من الحصول على استثمارات ومشاريع من طرف الدولة أو المؤسسات العمومية، لضمان موارد تساعدها على تنفيذ نشاطاتها (المادة 26).
  • توضيح آلية تشغيل أعوان الدعم (سواء عبر الوكالة الوطنية للتشغيل أو بوسائل أخرى) (المادة 28).
  • تعديل مدة التصريح بالمكاتب الولائية للجمعيات الوطنية من 03 أيام إلى 30 يومًا، بما يتناسب مع المهلة الممنوحة للإدارة للرد على الملفات المودعة (المادة 35).
  • إلغاء إلزام الجمعيات بمسك السجلات وتقليص مدة الاحتفاظ بالوثائق تحت طائلة التفتيش، باعتباره عملًا إداريًا محضًا يستلزم موظفين، في حين أن الجمعيات تعتمد على المتطوعين لإنجاز مبادراتها التنموية (المادتان 39 و40).
  • بالنسبة للجمعيات ذات الطابع الخاص، ضرورة توسيع نشاط المؤسسات ليشمل مختلف المجالات، بحيث تتمكن الجمعيات من العمل ضمن نطاق أوسع (المادة 69).
ياسين تاج الدين بوهريرة - رئيس مؤسسة شباب الجزائر

ياسين تاج الدين بوهريرة - رئيس مؤسسة شباب الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
ترامب يهدد إيران بقصف غير مسبوق لهذا السبب إعفاء متبادل من التأشيرة بين الجزائر ودولة إفريقية رئيس الجزائر يتلقى تهاني أردوغان بعيد الفطر حصيلة مروعة.. 11 قتيلا في حوادث مرور خلال يوم واحد صلاة عيد الفطر 2025 في الجزائر..جميع التفاصيل والتوقيتات الرسمية إطلاق أشغال إنجاز أكبر محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بغارا جبيلات إنطلاق ماراتون التصوير الفوتوغرافي لولاية الجزائر دولة مغاربية تفاجئ مواطنيها بإعلان عيد الفطر في ساعة متأخرة من الليل هذه هي شروط التواصل المرئي عن بعد بين المساجين وأهاليهم إيطاليا تصنف الجزائر ضمن قائمة الدول الآمنة سعاد ماسي: "الوضع بين الجزائر وفرنسا يؤلم الجميع" إطلاق حملة دولية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين  زيلينسكي يواجه صفقة أمريكية "مذلّة".. هل تبيع أوكرانيا استقلالها وبكم؟ وزارة التجارة تصدر قراراً لتنظيم المداومات التجارية خلال الأعياد والعطل الرسمية ارتفاع عدد ضحايا زلزال ميانمار إلى 1.7 ألف قتيل تنظيم جديد لعرض الخضر والفواكه.. هذه أبرز الشروط المحتل المغربي يمنع وفدا قانونيا دوليا من دخول مدينة العيون المحتلة 49 عامًا من الصمود الفلسطيني.. الاحتلال الصهيوني يلتهم الأرض والعالم يبتلع لسانه وكالة "عدل" تلاحق مروجي الأخبار الكاذبة قضائيًا ثلوج وأمطار تتعدى الـ 70 ملم على هذه الولايات