في ظل واقع قاتم يزداد اختناقًا، يواجه المواطن المغربي منظومة فساد واستغلال أحكمت قبضتها على مفاصل الدولة، محوِّلةً حياته إلى صراع يومي من أجل البقاء. لم يعد الفساد مجرد انحراف إداري أو تجاوزات فردية، بل أصبح: شبكة معقدة تستنزف الموارد، تعيق التنمية، وتعمِّق الفجوة الطبقية. وبالتوازي مع ذلك، تتصاعد مظاهر الاستبداد السياسي، حيث تُضيَّق مساحات الحريات، وتُقمع الأصوات المعارضة، ويُحاصَر المجتمع المدني، في محاولة لإخماد أي مقاومة أو مساءلة لهذه المنظومة المتجذرة. لكن المأساة لا تتوقف عند الفساد المالي والإداري، بل تتخذ منحًى أشد خطورة من خلال عمليات التهجير القسري التي تطال آلاف الأُسر، خصوصًا في العاصمة الرباط، حيث تُنتزع ممتلكاتهم دون مسوِّغ قانوني واضح، ليتم تسليمها لمستثمرين صهاينة، وسط تواطؤ رسمي يثير سخطًا متزايدًا. هذا “التطهير العقاري” لا يهدد فقط حق المواطنين في السكن، بل يكشف عن تحوُّل سلطة المخزن إلى أداة لخدمة شبكات المال العالمية، تاركةً الفئات المستضعفة تواجه مصيرها وحدها، بلا مأوى ولا تعويض.
لقد ترسخ الفساد في مفاصل الدولة المغربية حتى أصبح قاعدة تحكم الاقتصاد والإدارة، مما أدى إلى تبديد الموارد وتعطيل الإصلاحات الحقيقية، بينما يعيش المواطن المغربي تحت وطأة الأزمات المتلاحقة دون أي آلية ردع فعالة للمفسدين. ووسط هذا الواقع المرير، يزداد التجاهل المخزني للأصوات المطالبة بالتغيير، في حين يتعمق الانحباس السياسي ويتصاعد الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب إرادة حقيقية للإصلاح.
في هذا السياق، أكد الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، عبد السلام لعزيز، خلال ندوة أقيمت في الدار البيضاء، أن “الفساد استشرى في كل القطاعات وانعكست آثاره على حياة المغربيين في أدق تفاصيلها، سواء في مجالات الدراسة أو الشغل أو التطبيب أو الخدمات العمومية، مما جعل المواطن فريسة لهذه اللوبيات التي تتحكم في الاقتصاد الوطني”.
وأشار لعزيز إلى أن الفساد أصبح متجذراً لدرجة أنه بات يتحكم في الأسواق، متسببًا في تدهور القدرة الشرائية للمواطنين. وأوضح أن هذا الفساد الممنهج هو السبب الرئيس في تراجع جودة الخدمات الأساسية، حيث تتلاعب شبكات المصالح بالأسعار والمشاريع الاقتصادية بما يخدم نخبة معينة فقط.
تواطؤ السلطات في الفساد وتكميم الأفواه
في ظل هذا الوضع، لم يقتصر الأمر على الفساد المالي والإداري، بل امتد ليشمل قمع الحريات وتكميم الأفواه. إذ لوحظ تزايد في القوانين والممارسات التي تضيق على حرية التعبير والتجمع، فضلًا عن شرعنة الفساد عبر مشاريع قوانين تهدف إلى حماية المفسدين ومنحهم حصانة سياسية وقانونية.
وقد انتقد حزب العدالة والتنمية هذا النهج، مشددًا على أن “الحد الأدنى من الديمقراطية يفترض إفساح المجال أمام التعددية الفكرية والتعبير عن الرأي، وقبول النقد، والتسامح مع الفكر المخالف طالما أنه ملتزم بالقانون”. إلا أن الواقع يشير إلى العكس، حيث يتم استهداف الصحفيين والنشطاء الذين يفضحون الفساد، عبر ملاحقات قضائية وحملات تشويه ممنهجة.
ومع التضييق المستمر على وسائل الإعلام التقليدية، لجأ المغربيون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لكشف الفساد وتوثيق التجاوزات التي تمس حياتهم اليومية، من انهيار الخدمات الأساسية إلى استغلال النفوذ والرشوة. إلا أن هذه الجهود لم تسلم من القمع، حيث يتزايد استهداف النشطاء والمدونين الذين يكشفون المستور.
تشريد المغربيين ومنح أملاكهم للأجانب
وسط تفشي الفساد والتضييق على الحريات، برزت أزمة جديدة تتعلق بعمليات التهجير القسري للمغربيين من منازلهم، لا سيما في العاصمة الرباط، والتي يتم فيها إخلاء الأحياء الشعبية والتاريخية لصالح الاستثمارات العقارية الكبرى، التي تتحكم فيها شبكات احتكارية عالمية، بما في ذلك جهات صهيونية.
وحذر رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، من هذا المخطط، مؤكداً أن “ما يحدث في الرباط ليس سوى مشروع تطهير طبقي واستعمار عقاري جديد، يهدف إلى تحويل الأحياء الشعبية إلى مرتع للمال الأجنبي والبورجوازية الطفيلية التي لا تهتم بتاريخ الأحياء ولا سكانها ولا بعدها الوطني، وإنما بما تدره من أرباح ضخمة عند تسليمها للمضاربين والاحتكاريين”.
بدورها، أصدرت جماعة العدل والإحسان بيانًا تدين فيه عمليات الهدم والترحيل القسري التي تتم دون أي سند قانوني. وطالبت الجماعة بوقف هذه الإجراءات التي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق المواطنين في السكن، داعية إلى تحرك سياسي وحقوقي واسع للوقوف في وجه هذه القرارات الظالمة. أما حزب العدالة والتنمية، فقد أكد أن عمليات الإخلاء تتم “بضغط وترهيب” دون منح السكان فُرصًا قانونية للدفاع عن حقوقهم، وهو ما يندرج ضمن سياسة “التواطؤ المفضوح” بين السلطة والمستثمرين الأجانب.
أزمة السكن واحتجاجات متصاعدة
الأسَر التي تجد نفسها بين ليلة وضحاها مشرّدة بلا مأوى، فيما تُمنح أراضيها ومنازلها لمستثمرين أجانب في صفقات تحيط بها الشبهات. كل هذا يحدث في ظل صمت رسمي مطبق، وانعدام أي اعتبار لحقوق السكان الذين يُجتثّون من جذورهم بذرائع واهية، وكأنهم غرباء في وطنهم.
الحقوقيون المغربيون يحذرون من أن ما يجري ليس مجرد إعادة هيكلة عمرانية، بل مخطط واسع لإعادة تشكيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدن وفق أجندات تخدم فئة ضيقة من أصحاب المال والنفوذ، بينما يُدفع المواطن العادي إلى الهامش، مجردًا من أبسط حقوقه. وفي مواجهة هذا الواقع القاتم، تتعالى الأصوات المنادية بالتغيير، لكن غياب الإرادة السياسية واستشراء الفساد وتكميم الأفواه يجعل هذه المطالب تصطدم بجدار من القمع والتجاهل.
وهكذا فإن استمرار هذا النهج الكارثي، سواء عبر شرعنة النهب أو سحق الفئات الهشة، يضع المغرب على حافة هاوية مجهولة، حيث يتفاقم الاحتقان الاجتماعي ويتهدد استقرار البلاد. فهل يستفيق الضمير الوطني قبل فوات الأوان، أم أن المملكة مقدِمة على دوامة من الغضب والفوضى لا خلاص منها؟