ثورة الجامعات تفتتح الربيع الأمريكي.. جسر الحرية يمتدّ من فيتنام إلى غزة

لقد حدث قبل 56 عاما أن نأى جو بايدن، الطالب في كلية القانون آنذاك، بنفسه عن المظاهرات العارمة ضدّ حرب فيتنام. ففي ذلك الحين، كان قد رأى زملاءَه الطلاب يحتلون مبنى في جامعته في سيراكيوز شمال شرق البلاد، فعلّق قائلا: “انظر إلى هؤلاء الحمقى” والآن، بينما يشغل منصب الرئيس، يبدو أنه يرى الطلاب الذين يحتجون على حرب الإبادة الصهيونية في غزة بذات النظرة الخالية تماما من الوعي الاستباقي أمام لحظة تاريخية فاصلة..

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

بعد أن لزم “الصمت طويلا”، إزاء الاحتجاجات الطلابية في بلاده التي انطلقت يوم 17 أفريل الماضي، خرج الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم الخميس 2 ماي الجاري، بكلمة أشار في مجملها بأنه لن يغيّر سياسته، لكن مكر التاريخ – وقد جعل كلمة بايدن تأتي عشية ذكرى بالغة الأهمية في تاريخ البلاد – من شأنه أن يحرّض الخيال ليجعل من عبارة “الصمت الطويل”، لا تعني 15 يوما من النأي بالنفس عن احتجاجات طلابية عاصفة يتداول تطوراتها العالم كل يوم باستثناء بايدن، بل يعني – على نحو رمزي – أكثر من نصف قرن، قضاها بايدن خارج الوعي الاستباقي، رافضا أن يغيّر سياسته.

فقد حدث قبل 56 عاما أن نأى جو بايدن، الطالب في كلية القانون آنذاك، بنفسه عن المظاهرات العارمة ضد حرب فيتنام التاريخية. ففي ذلك الحين، عندما رأى زملاءه الطلاب يحتلون مبنى في جامعته في سيراكيوز شمال شرق البلاد، علّق قائلا: “انظر إلى هؤلاء الحمقى” والآن، بينما يشغل منصب الرئيس، يبدو أنه يرى الطلاب الذين يحتجون على حرب الإبادة في غزة بذات النظرة، قائلا في سره: “انظر إلى هؤلاء الحمقى”.

لكن من اعتبرهم بايدن – قبل 56 عاما – حمقى، ساهموا في تغيير مجرى التاريخ، حين فرضوا باحتجاجاتهم الكبيرة إيقاف حرب فيتنام، ومن يعتبرهم اليوم حمقى، سيساهمون في تغيير مجرى التاريخ، من خلال الدفع نحو إيقاف حرب الإبادة الصهيونية في غزة، وهكذا، فلا أحد – ضمن هذا المشهد – أكثر حماقة من بايدن الذي نأى بنفسه عن تحوّلات التاريخ وهو طالب جامعي ولا يزال ينأى بنفسه – وهو رئيس – عن تحوّلات التاريخ على وقع معركة طوفان الأقصى التي يواصل أبطال المقاومة الفلسطينية في غزة تدوين فصول ملحمتها.

ثم إنّ مكر التاريخ لن يتوقف عند هذا الحد، إذ ثمة مفارقة يجب التنبيه لها، وتتمثل في أنّ الحزب الديمقراطي الأمريكي يعتزم في أوت المقبل إعلان ترشّح بايدن رسميا للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، بـ”شيكاغو” وهي المدينة ذاتها التي شهدت عام 1968، انعقاد مؤتمر ديمقراطي سادته الفوضى على خلفية المظاهرات ضد حرب فيتنام، بعد فترة وجيزة من تخلي الرئيس المنتهية ولايته ليندون جونسون عن الترشح.

وحلّت يوم السبت 4 ماي الجاري، الذكرى السنوية الـ54 لحادثة إطلاق النار في جامعة كينت الحكومية، فقد تم إرسال قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو لقمع احتجاجات بالحرم الجامعي، وهناك أطلقت القوات الرصاص على 13 طالبا ما أسفر عن مقتل أربعة منهم في مشهد أشعل عاصفة من الاضطرابات شملت كل أنحاء البلاد.

وبحلول عام 1970، كانت حرب فيتنام قد أكملت خمس سنوات، وأعلن الرئيس آنذاك الجمهوري ريتشارد نيكسون توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا، ومع نهاية عام 1970، كان قد تم تجنيد ما يقرب من 1.8 مليون شاب أمريكي، ولقي ما يقرب من 30 ألفا حتفهم.

والآن، مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو، تثار المقارنات بين الاحتجاجات الحالية في الجامعات الأمريكية على حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة وبين الحركة المناهضة لحرب فيتنام، ما يشير إلى التأثير السياسي الكبير المحتمل الذي قد ينعكس على مجريات السباق المتقارب المنتظر بين الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترامب المنتمي للحزب الجمهوري.

يأتي هذا بسبب تأثر الرأي العام مع تزايد أعداد الشهداء في غزة وصور الدمار واسع النطاق هناك، إذ تراجع تأييد الهجوم العسكري الصهيوني من 50 بالمائة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” في نوفمبر إلى 36 بالمائة في أواخر مارس.

ويواجه بايدن، الذي وقع الشهر الماضي على تشريع لتقديم مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار للاحتلال، انتقادات متزايدة لطريقة تعامله مع الحرب، إذ صوت مئات الآلاف من الناخبين بوضع العلامة أمام اختيار “غير ملتزم” في بطاقة اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مؤخرا للتعبير عن خيبة أملهم وغضبهم.

عن حقبة فيتنام إلى زمن غزة

وفي مقارنة بين الحربين، أشار السناتور بيرني ساندرز إلى قرار الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون عدم الترشح في انتخابات عام 1968 وسط الغضب المتزايد من حرب فيتنام. وقال ساندرز لشبكة “سي.أن.أن”: “أشعر بقلق بالغ من أن الرئيس بايدن يضع نفسه في موقف لا يكون فيه بمعزل فقط عن الشباب، بل عن الكثيرين في القاعدة الديمقراطية، وذلك في ما يتعلق بآرائه بشأن الكيان وهذه الحرب”.

أثارت أولى تعليقات بايدن على الاحتجاجات المتصاعدة اتهامات جديدة له بعدم الإنصات إلى المشكلات، تماما كما يشير الناشطون العرب الأمريكيون والمسلمون إلى أن البيت الأبيض لم يستمع إلى مخاوفهم إزاء دعم الكيان. وقال بايدن “هناك حق في الاحتجاج، لكن ليس في إثارة الفوضى”.

وكانت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست قد استعادتا ذكرى الاحتجاجات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام عام 1968، في ظل الاحتجاجات الحالية في الجامعات الأمريكية على حرب غزة، ومع أن الصحيفتين أبدتا تركيزا على سرد أحداث عام 1968، فإن تشابه الظروف ساقهما إلى المقارنة بين جيلين غاضبين من الحرب في ظروف سياسية متشابهة، قبيل انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي، وفي وجه انتخابات مهمة بالنسبة إلى المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن.

وإذا كانت صحيفة واشنطن بوست اكتفت بالإشارة إلى الاحتجاجات في جامعة كولومبيا في نيويورك اليوم باعتبارها ردا للاعتبار لاحتجاجات عام 1968، فإن نيويورك تايمز، ذهبت في المقارنة بين اللحظة إلى أبعد من ذلك.

ورأت نيويورك تايمز – في عمود الكاتب تشارلز م. بلو – أن هناك جيلين من الشباب في كلتا اللحظتين مستعدان للاحتجاج، أولهما أنضجته حركة الحقوق المدنية والحداد الوطني بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي والسيناتور روبرت كينيدي والقس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور، والثاني نشأ مع الحركات الاحتجاجية، مثل “احتلوا وول ستريت” و”حياة السود مهمة” وحملة باركلاند بولاية فلوريدا، وحملة السيطرة على الأسلحة الطلابية.

وانساق جيل 1968 في حركة بدأت في حرم الجامعات ونمت، وراء قناعة أخلاقية كأساس لغضبه بشأن حرب فيتنام، الحرب التلفزيونية الأولى التي تمكن الأمريكيون من رؤية أهوالها في الوقت الحقيقي تقريبا، والتي جند لها خلال عامين مليون أمريكي.

أما الجيل الحالي – حسب تشارلز م. بلو – فهو يتابع حرب الإبادة الصهيونية على غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويشعر الكثيرون منهم بالرعب مما يرونه، ليبدأ انتشار الاحتجاجات المناهضة للحرب من حرم الجامعات.

وفي هذا السياق، دعا أكثر من ألف قس أسود الرئيس بايدن إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، كما كان مارتن لوثر كينغ جونيور، قد أعلن معارضته للحرب في فيتنام، قائلا إنه “مضطر إلى رؤية الحرب كعدو للفقراء ومهاجمتها على نحو ما”.

وأشارت الصحيفة إلى أنه كما حدث عام 1968 ستنتهي الفصول الدراسية ويعود الطلاب إلى منازلهم لفصل الصيف، ولكن معارضتهم لن تنتهي كما لم تنته في ذلك الوقت، إذ تخطط الجماعات المناهضة للحرب لتنظيم احتجاجات كبيرة أثناء المؤتمر الوطني الديمقراطي.

وقال حاتم أبودية، من شبكة الجالية الفلسطينية الأمريكية، “سننظم مسيرة بتصاريح أو من دونها، وسيكون هذا الاحتجاج هو الأهم منذ عام 1968 في شيكاغو، عندما نظم المتظاهرون ضد حرب فيتنام وحركة تحرير السود مظاهرات حاشدة تم قمعها بعنف.

ونبه الكاتب إلى أن هناك دعما كبيرا لقضية الطلاب، إذ وجد استطلاع للرأي أن الشباب الأمريكيين يدعمون سياسة جديدة، وأن 5 من كل 6 منهم يدعمون وقفا دائما لإطلاق النار في غزة، كما وجد استطلاع آخر أجرته جامعة كوينيبياك أن 53% من الديمقراطيين يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية للكيان.

طوفان الغضب الجامعي يكتسح العالم

تتواصل الاحتجاجات الرافضة للحرب الصهيونية على قطاع غزة في العديد من الجامعات الأمريكية، في وقت استمرت فيه الاعتقالات في صفوف المحتجين وبلغت 2200 طالب. وأعلنت الشرطة الأمريكية اعتقال عدد من المشاركين في الاعتصام الطلابي بجامعة نيويورك للمطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة.

كما أعلن معهد شيكاغو للفنون اعتقال نحو 50 شخصا من الطلاب وغيرهم خلال مظاهرة شهدت مواجهات مع الشرطة. واعتقلت الشرطة أيضا 25 على الأقل من الطلبة المحتجين دعما للفلسطينيين وأزالت مخيم اعتصام في جامعة فرجينيا وفقا لما ذكرته الجامعة في بيان.

وشهدت جامعة فرجينيا في شارلوتسفيل مجددا توترا رغم أن الاحتجاجات اتسمت بالسلمية. وشوهد ضباط شرطة يرتدون زي وعتاد مكافحة الشغب في مقطع مصور وهم يدخلون مخيما للمتظاهرين ويقيدون بعض المتظاهرين ويستخدمون ما بدا أنه رذاذ كيميائي.

ونددت مجموعة أطلقت على نفسها اسم “مخيم جامعة فرجينيا للاعتصام من أجل غزة” بقرار الجامعة استدعاء الشرطة في منشور على إنستغرام. وقد منعت قوات الأمن في كامبردج، بولاية ماساتشوستس، مناصرين للاحتلال من دخول ساحة الاعتصام الطلابي المناهض للحرب في غزة في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”.

توسعت التعبئة الطلابية داخل جامعات في عدد من الدول تضامنا مع قطاع غزة، وشملت جمهورية أيرلندا وكندا وألمانيا وفرنسا وأستراليا وسويسرا والمكسيك، وشهد عدد من جامعات تلك الدول اعتصامات وتحركات تطالب بوقف العدوان على القطاع المحاصر وسط تحذيرات من اتساع دائرة الاحتجاجات الطلابية خصوصا في ألمانيا.

في سياق ردود الأفعال على الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، قال رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون لموقع “أكسيوس” إن الجمهوريين يستعدون لممارسة الضغط على الجامعات بخصوص المظاهرات الداعمة لفلسطين، وإنه يعتقد أن من واجبهم ممارسة الضغط واستخدام صلاحياتهم الأخرى في هذا الشأن.

وأضاف المسؤول الأمريكي أن مصادرة تأشيرات الطلاب الأجانب المشاركين في المظاهرات يجب أن تكون على الطاولة، وستتولى لجان برلمانية هذا الموضوع. كما دعا إلى بحث إلغاء الإعفاءات الضريبية للضغط على الجامعات بشأن المظاهرات.

من جانب آخر، طالب موظفون في الإدارة اليومية بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقالوا – في بيان لهم – إنه من الواضح تماما أن المظاهرات الطلابية لا تسهم في تصاعد معاداة السامية. وأشار البيان إلى أن الرئيس جو بايدن يستغل المظاهرات الطلابية فرصة للإلهاء عن المقابر الجماعية في مستشفيات قطاع غزة.

وأوضح أن الدعم المطلق الذي يقدمه الرئيس بايدن للكيان حرم سكان غزة من حقهم في الحصول على التعليم. ورفض البيان الصادر عن موظفين في الإدارة اليومية رد بايدن الجبان – حسب البيان – بتجريد الطلاب من حقوقهم المحمية دستوريا.

اليابان

توسعت رقعت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين عبر جامعات العالم، بحيث شهدت 5 جامعات يابانية في طوكيو بالإضافة إلى جامعات صوفيا وتاما آرت وإنترناشيونال کریستان وهيروشيما الدولية فعاليات مؤيدة لفلسطين.

ونصب طلاب وناشطون مؤيدون للفلسطينيين خياما أمام جامعاتهم، ووضعوا فوق مخيمهم الاحتجاجي أعلاما فلسطينية مرددين شعارات، من بينها “عاشت فلسطين حرة”. وقبل ذلك خرج طلبة جامعة واسيدا بالعاصمة اليابانية طوكيو في مظاهرة مساندة لأهل غزة تم تداولها على نطاق واسع بين مستخدمي منصات التواصل.

أيرلندا

أقام طلاب كلية ترينيتي في العاصمة الأيرلندية دبلن مخيما يوم السبت، أجبر الجامعة على تقييد دخول الحرم الجامعي وإغلاق معرض كتاب كيلز، أحد أهم عناصر الجذب السياحي في أيرلندا.

ووصف المحتجون تعبئتهم بأنها “مخيم للتضامن مع فلسطين” في أعقاب تزايد تجمعات مماثلة في أوروبا والولايات المتحدة. وأقيم المخيم الليلة الماضية بعد أن قال اتحاد طلاب كلية ترينيتي إن الكلية فرضت على الاتحاد غرامة قدرها 214 ألف يورو (230 ألف دولار) بسبب خسائر مالية تكبدتها نتيجة احتجاجات.

ومثل الاحتجاجات الطلابية التي تجتاح جامعات بالولايات المتحدة، يطالب المحتجون في كلية ترينيتي – أقدم جامعة في أيرلندا – بقطع علاقاتها مع الجامعات الصهيونية، وسحب استثماراتها من الشركات التي تربطها علاقات بالكيان.

وقبل أيام قالت رئيسة الكلية ليندا دويلو، في بيان صدر قبل أيام، إن كلية ترينيتي تراجع استثماراتها في مجموعة من الشركات، وإن أكاديميين يدرسون اتخاذ قرارات بشأن العمل مع المؤسسات الصهيونية.

وتشتد معارضة الحرب للغاية في أيرلندا، حيث خرج الآلاف من الأشخاص في مسيرات للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. وانتقدت الحكومة الأيرلندية، من جانبها، بشدة موقف الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو منذ بداية الحرب.

كندا

في كندا واصل عشرات من الطلاب في “جامعة تورنتو” يوم السبت اعتصامهم لليوم الثالث على التوالي لمطالبة الجامعة بإنهاء كل أشكال العلاقات مع المؤسسات التعليمية الصهيونية، وسحب الاستثمارات مع الشركات المرتبطة بالكيان. وأبلغت الجامعة الطلاب المعتصمين أن إقامة اعتصام دائم غير مسموح به.

ألمانيا وفرنسا

واحتج نحو 150 شخصا يوم الجمعة ضد الحرب في جامعة هومبولت بالعاصمة الألمانية برلين، تدخلت الشرطة الفرنسية لفض تجمع لناشطين مؤيدين للفلسطينيين بمعهد العلوم السياسية العريق في العاصمة باريس يوم الجمعة، وأخرجت عشرات الناشطين المؤيدين للفلسطينيين الذين يحتلون بعض أرجاء المعهد منذ الخميس الماضي.

وقالت إحدى طالبات معهد “ساينس بو”، في تصريحات للصحافيين، إن “زهاء 50 طالبا كانوا لا يزالون في المكان” مع بدء دخول قوات إنفاذ القانون إلى المبنى، بعد نحو أسبوع من بدء تحركات طلابية على خلفية الحرب الصهيونية على قطاع غزة مشابهة لتحركات شهدتها أحرام جامعية في دول عدة أبرزها الولايات المتحدة.

ومن جهتها، أكدت الحكومة الفرنسية أن “الحزم كامل وسيبقى كاملا”، مع تدخل الشرطة لفض اعتصام مؤيد للفلسطينيين في معهد العلوم السياسية بباريس، وكذلك أخرجت الشرطة طلابا من معهد الدراسات السياسية في ليون، كما أبعدت عشرات الطلاب الذين كانوا يغلقون مدخل حرم جامعي في سانت إتيان، قرب ليون، لليوم الثاني على التوالي.

احتلّ نحو مئة طالب مؤيدين للفلسطينيين يوم الخميس قاعة في ردهة مبنى تابع لجامعة لوزان، مطالبين بمقاطعة أكاديمية للمؤسسات الصهيونية ووقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

وخلال تجمع دعمًا للقضية الفلسطينية في البانثيون يوم الجمعة في باريس، شارك فيه شبان ونواب من اليسار، قال زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان لوك ميلانشون “أنا أتحمل واجب الدفاع عن التزام الشباب النضالي ضد الإبادة الجماعية في غزة. أدعو كل من يستطيع الانضمام إليهم ودعمهم معنويا وماديا”.

بريطانيا

تقدمت إدارة “جامعة مانشستر” ببلاغ إلى شرطة المدينة ضد الطلاب المعتصمين في الحرم الجامعي لليوم الرابع على التوالي، بعد أن سلمت إدارة الجامعة مذكرة للطلاب المعتصمين تبلغهم فيها أن أحد هتافات الطلاب في مظاهراتهم يبث الفرقة، وعبّر الطلبة عن تصميمهم على الاستمرار في اعتصامهم حتى تستجيب إدارة الجامعة لمطالبهم، وأبرزها قطع العلاقات الأكاديمية والبحثية مع المؤسسات الصهيونية والشركات التي تمد الكيان بالسلاح.

في غضون ذلك، أعلن طلبة في جامعة “غولدسميث” في لندن رافضون للحرب الصهيونية على غزة أن إدارة الجامعة أذعنت لشروطهم من أجل وقف احتجاجاتهم داخل الحرم الجامعي، وأضاف هؤلاء الطلاب “بعد 6 أشهر من الاحتجاجات، وافقت إدارة الجامعة على أحد أهم مطالب الطلبة بتقديم أول منحة من نوعها في جامعة بريطانية للطلبة الفلسطينيين، فضلا عن تبني سياسة استثمارية جديدة أكثر أخلاقية، والاستماع إلى الأدلة المتعلقة بتواطؤ الجامعة مع الكيان”.

المكسيك

نصب عشرات الطلاب والناشطين المؤيّدين للفلسطينيين في مكسيكو خياما أمام “جامعة المكسيك الوطنية المستقلة”، كبرى جامعات البلاد، احتجاجا على استمرار الحرب على غزة، ووضع الطلاب فوق مخيمهم الاحتجاجي أعلاما فلسطينية، ورددوا شعارات بينها “عاشت فلسطين حرّة”، و”من النهر إلى البحر، فلسطين ستنتصر!”.

ورفع المحتجون مطالب عدّة بينها أن تقطع الحكومة المكسيكية العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الكيان، وفي أستراليا يخيم ناشطون مؤيدون للفلسطينيين منذ 10 أيام قبالة جامعة سيدني، ورددوا شعارات تنتصر للحق الفلسطيني في الاستقلال والحرية.

دعما للحق الفلسطيني..

أنموذج مناهضة حرب فيتنام يتكرّر

أبرز الباحث في الشؤون الإستراتيجية، علي الطواب، أنّ من يتابع التاريخ، يجد أنّ التاريخ يعيدُ نفسه مرةً أخرى، ونتحدث هنا عن الحركات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي، والتي تكرر اليوم في شكل مظاهرات غير مسبوقة يقوم بها الطلاب في الجامعات الأمريكية تنديداً بعمليات القتل الجماعي والمجازر المروعة التي يتمادى الكيان الصهيوني في ارتكابها جهارا نهارا بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ الطواب في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّه ومع بداية العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزّة بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، كان هناك حالة من الصمت الدولي المطبق، وكأنّ ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل من تهجير وتقتيل من قبلِ آلة الحرب الصهيونية لا يعني الإنسانية ولا يمتُ بصلة بواجب حماية حقوق الإنسان هذه الأسطوانة التي لطالما صدع بها الغرب رؤوسنا، ليتضح في نهاية المطاف أنها مجرد شعارات واهية للاستهلاك الإعلامي لا أكثر ولا أقل.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ الأشهر والأيام والليالي الدموية التي شهدها القطاع والتي أسفرت عما يزيد عن 34 ألف شهيدا وعشرات الآلاف من المصابين والمفقودين جلهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى مشاهد المنازل والمشافي والمدارس المدمرة كل هذا أعاد إلى الأذهان مرةً أخرى ما حدث من تدخل أمريكي في حرب الفيتنام وما أعقبه من حركات طلابية مناهضة لهذه الحرب.

على صعيدٍ متصل، أفاد الخبير في السياسة، أنّ هناك حالة من الصخب الشديد في الشارع الأمريكي، حيث تشهد عديد الجامعات في أمريكا، خلال الأيام الأخيرة، تظاهرات مناهضة للصهيونية، أهمها جامعات هارفارد، نيويورك، ييل، كولومبيا، ماساتشوستس، إيموري، ميشيغان، براون، همبولت بوليتكنيك، بيركلي، جنوب كاليفورنيا، تكساس، مينيسوتا، وغيرها، وذلك تنديداً واحتجاجاً على ما تقوم به آلة الحرب الصهيونية، وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان القطاع للشهر السابع على التوالي.

وفي هذا الشأن، تطرّق الطواب إلى طريقة وأسلوب تعامل الشرطة الأمريكية مع هذه الاحتجاجات، حيث تلجأ دائما إلى العنف والقمع في مثل هذه الأوقات، وكما هو متوقّع، تم طرد العديد من الطلاب المحتجين من الجامعة خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى ذلك، كان العنف والضرب دائمًا هو أسلوب تعامل الشرطة مع الطلاب المحتجين.

وأردف محدّث “الأيام نيوز” قائلا: “هذه هي أمريكا التي تدعي الديمقراطية والحرية والسلام وغيرها من قيّم ومبادئ حماية حقوق الإنسان وما إلى ذلك، ها هي اليوم تستخدم أساليب قمعية خلال محاولات تفريق الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جامعات الولايات المتحدة، حيث تم اعتقال 108 طلاب في كلية إيمرسون في بوسطن، و93 طالبا في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، و34 طالبا في جامعة تكساس في أوستن، و100 طالب في جامعة كولومبيا في نيويورك، و45 طالبا في جامعة ييل، هذا يضعنا أمام حقيقة أن الإدارة الأمريكية تداعب “إسرائيل” على حدّ وصف بعض المتابعين، وذلك على حساب دماء الفلسطينيين الشريفة”.

في سياق ذي صلة، أبرز الباحث في الشؤون الإستراتيجية، أنّ مطالب الطلبة الأمريكيين كانت واضحة وبسيطة، وتتمحور حول امتناع الجامعات عن إنفاق أصول الجامعات الكبرى في شركات تصنيع الأسلحة أو غيرها من الصناعات التي تدعم عدوان الكيان الصهيوني حربه الشعواء ضد غزة وبالتالي منع “الإبادة الجماعية” هناك، لافتاً في السياق ذاته أنّ المشهد نفسه حدث في الفيتنام، وفي الأخير خرجت أمريكا وبقي الفيتنام، واليوم كذلك ستخرج “إسرائيل” وستبقى غزّة حرّةً أبية ورمزا للنضال الفلسطيني على مرّ التاريخ.

وتابع قائلا: “عندما كانت الحركات الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي تطالب بحرية التعبير في الحرم الجامعي، تورطت أمريكا حينها في حرب فيتنام، لِتتحوّل مناهضةُ الحرب الهدف الرئيسي للاحتجاجات الطلابية، كما أصبحت مناهضة حرب فيتنام علامةً ناضجة ثورية في الشارع الأمريكي، وهذا ما يؤكد لنا أنه ما ضاع حق وراءه مطالب سواء كان هذا المطالب في الداخل الفلسطيني أو في الداخل العربي أو في الداخل الأمريكي أو حتى في الداخل الأوروبي”.

هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أفاد الباحث في الشؤون الإستراتيجية، علي الطواب، بأنّ هذه الحركات الطلابية الاحتجاجية الداعمة للحق الفلسطيني امتدت إلى عدة دول أخرى على غرار ألمانيا، فرنسا، وكندا، حيث بدا واضحا أنّ هناك حالةً من الاستياء لدى شعوب هذه الدول، وحالة من الضجر الشديد مما تفعله “إسرائيل” وما ترتكبه من مجازر دامية وجرائم حرب مكتملة الأركان بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، فوجدت في التظاهر السلمي بديلا لإيصال صوتها والتنديد بما كل ما يحدث، لافتاً في السياق ذاته إلى أنّ الكيان الصهيوني في حال أقدم على اجتياح رفح الفلسطينية وارتكاب المزيد من المجازر من الممكن أن تتحول هذه المظاهرات السلمية إلى شيء آخر لا ندري أين سيحدث ذلك تحديدا لكن في النهاية سيحدث. 

سر الفرادة الفلسطينية..

“قصتنا مختلفة عن الأيرلنديين والفيتناميين”

بقلم: شيرين عرفة – كاتبة وباحثة سياسية فلسطينية

قبل يوم واحد من موقف الرئيس الكولومبي وإعلانه عن قطع بلاده لعلاقاتها الديبلوماسية مع “إسرائيل”، شهد العالم انتصارا جديدا، ونقطة تم تسجيلها لصالح طوفان الأقصى، تلك العملية المباركة التي تحولت بمشيئة إلهية حتى لم تعد مقتصرة على أهدافها الأولى في فلسطين، بل امتدت تداعياتها إلى طوفان عالمي لتحرير العالم بأسره من قبضة الصهيونية الخبيثة، حيث أعلن الطلاب المتظاهرون بجامعة براون الأمريكية، مساء الثلاثاء 30 أفريل المنصرم، التوصل إلى اتفاق مع إدارة الجامعة لفض مخيمهم، بعد موافقة الأخيرة على إجراء تصويت في أكتوبر المقبل على سحب استثماراتها من الشركات الداعمة لـ “إسرائيل”.

هو الانتصار الأول من نوعه في معركة التمرد الطلابي، التي اجتاحت جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الثامن عشر من أفريل هذا العام، حين بدأ طلاب رافضون للحرب الإسرائيلية على غزة اعتصاما بحرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية، لكنه وبسبب اختيار إدارة الجامعة للحل الأمني، واستدعائها قوات الشرطة للتعامل مع الطلاب المعتصمين، واعتقال العشرات منهم، فقد توسعت حالة الغضب لتمتد المظاهرات إلى عشرات الجامعات الأمريكية، ومنها جامعات عريقة ورائدة، مثل هارفارد، ونيويورك، وجورج واشنطن، ونورث كارولينا، وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ولاحقا، اتسع الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين، ليشمل جامعات في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والهند، ليصبح بذلك الاحتجاجَ الطلابي الأوسع في التاريخ الحديث، ويذكرنا بالتمرد الطلابي في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي، الذي جاء اعتراضا على دور بلادهم في الحرب على فيتنام.

العجيب، أن يوم الثلاثاء في 30 أفريل لهذا العام، والذي شهد أول انتصار لحركة تمرد طلاب الجامعات، وافق الذكرى الـ 49 لسقوط مدينة سايجون عام 1975، واستيلاء الجيش الشعبي لفيتنام عليها، إيذانا بانتهاء حرب فيتنام وبدء فترة انتقالية من إعادة التوحيد الرسمي للجمهورية الاشتراكية، وقد سبق سقوطَ المدينة أكبر عملية فرار وإخلاء بالمروحيات في التاريخ، لإجلاء المدنيين والعسكريين الأمريكان، وكانت الوحدات القتالية البرية للولايات المتحدة قد غادرت جنوب فيتنام بالفعل في عام 1973، أي قبل سقوط سايغون بعامين، وذلك عقب هزائمها المُذلة، على يد قوات تحرير فيتنام، التي عرفت باسم “فييت كونج”.

لم تذهب القوات الفيتنامية من موطنها في أقصى الشرق لمحاربة أمريكا، ولم تقم بتهديد مصالحها، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أتت من أقصى الغرب لمحاربة الفيتناميين.. بدأ الأمر حين تم تقسيم فيتنام إلى شمالية وجنوبية، حيث قامت أمريكا برئاسة الرئيس الأمريكي “آيزنهاور” بدعم فيتنام الجنوبية عسكريًا في مواجهة فيتنام الشمالية المدعومة من الصين والاتحاد السوفيتي، بدعوى إسقاط أي حكم شيوعي في آسيا.

واستمر هذا الدعم في عهد الرئيس الأمريكي “جون كيندي”، حتى إنه وقع معاهدة صداقة بين بلاده والنظام في “سايجون” عام 1961م، ووصلت طلائع الجيش الأمريكي في ذلك العام حتى بلغت 400 جندي، ثم ارتفعت في العام الذي يليه إلى 11 ألف جندي، ثم انتهز الرئيس الأمريكي “جونسون” الفرصة، بعد تعرض القاذفات البحرية الأمريكية للهجوم من طرف قوات التحرير الوطني الفيتنامية، لشن هجوم عسكري شامل على فيتنام، وقصفها بسلاح الجو، وقد ظل الوجود العسكري الأمريكي يزداد في فيتنام حتى وصل في نهاية عام 1965م إلى ما يناهز مئتي ألف جندي، ثم وصل في صيف 1968م إلى 550 ألف جندي.

ولم تترك أمريكا أي وسيلة عسكرية للضغط على الفيتناميين إلا واستعملتها، بدءا بالتجميع القسري للسكان، مرورا بتصفية الثوار، لتصل إلى استعمال طائرات بي 52 لتحطيم الغطاء النباتي، وانتهاء بتكثيف القصف العنيف للمدن والمواقع في الشمال الفيتنامي في اتباع لسياسة الأرض المحروقة، حيث أسقطت الطائرات الأمريكية حوالي 6.7 مليون طن من القنابل المدمرة والحارقة على فيتنام، وهو ما يعادل كل ما استخدمته أمريكا في أثناء خوضها للحرب العالمية الثانية، مع ذلك، فإن نشر أمريكا للرعب، وترسانتها الحربية المتطورة، وأساليبها الوحشية.. كل ذلك لم يؤثر في معنويات الفيتناميين ولا في مقاومتهم.

صورة “طفلة النابالم”..

ولم تكن الصورة الشهيرة التي عُرفت باسم “طفلة النابالم”، وهي لطفلة فيتنامية عمرها تسع سنوات، تدعى “فان ثي كيم فوك”، تجرى عارية وتصرخ بعد حرق ملابسها وجلدها، نتيجة قصف قريتها “تراج بانج” بقنابل النابالم، في عملية صُنفت كواحدة من أبشع الصور في القرن العشرين، إلا تجسيدا لوحشية تلك الحرب الأمريكية وفظاعتها.. وقد حصل المصور الفيتنامى “نيك أوت” مراسل وكالة الأسوشتيد برس عام 1972م، من خلال تلك الصورة، على جائزة “بوليتزر” عام 1973م، عن فئة تصوير الأخبار العاجلة، وكانت واحدة من الأسباب التي سرّعت في إنهاء تلك الحرب، حيث زادت من الرأي العام المناهض ضدها، ورفعت من وتيرة التظاهرات.

وعلى الرغم من أن خسائر الفيتناميين طوال سنوات الحرب الثمانية بلغت مليوني قتيل، وثلاثة ملايين جريح و12 مليون لاجئ، فإنها كانت مصدر فخر وعزة، تحتفل فيتنام بذكراها في كل عام.. بينما الحرب التي تُعد وصمة عار في التاريخ الأمريكي انتهت بجلاء القوات الأمريكية، مهزومة مأزومة، بعد أن فقدت 58 ألفا من جنودها، وسقط فيها أكثر من 150 ألف جريحا، مع خسائر اقتصادية فادحة، فقد تحدثت تقارير رسمية عن إنفاق أمريكا 738 مليار دولار على تلك الحرب الطويلة والشرسة، والتي لم تتمكن فيها من إخضاع الفيتناميين، الذين أنشئوا شبكة أنفاق تحت الأرض، هائلة ومعقدة، كانت بمثابة الجحيم للأمريكيين.

وقد شهدت الحرب انتشارا لظاهرة الهروب من التجنيد الإجباري في أمريكا، بل وتفشي حالات الإدمان والانتحار بين الجنود الأمريكيين، فيما عُرف باسم “متلازمة فيتنام”، وسجل المؤرخ الأمريكي “ديفيد هاكوورث” مقولة أحد المقاتلين الفيتناميين، أثناء حديثه معه، وفيها: “كنا نعلم أن مخزونكم من القنابل والصواريخ سوف ينضب في وقت أقرب من معنويات مقاتلينا، نعم، كنا أضعف من الناحية المادية، لكن روحنا القتالية وإرادتنا كانتا أقوى منكم، كما أن حربنا كانت عادلة، بينما حربكم لم تكن كذلك”.

ذكرتني عبارات المقاتل الفيتنامي هذا بمشهد من رواية “الشوك والقرنفل”، تلك الرواية البديعة التي ألفها المجاهد والبطل والأديب والقائد لحركة حماس “يحيى السنوار” أثناء تواجده أسيرا في السجون الإسرائيلية، التي قضى فيها 23 عاما قبل أن يتم تحريره في صفقة الأسير الإسرائيلي “جلعاد شاليط”، في ذلك المشهد يقف بطل القصة “إبراهيم” – والذي يعتقد كثيرون أنه تجسيد لشخصية السنوار نفسه – عقب انضمامه لمجموعة الشيخ “أحمد ياسين” المقاومة، ليخاطب عائلته قائلا: “بدأنا نفهم أن للصراع وجها آخر غير ما كنا نعي وندرك، فالمسألة ليست فقط مسألة أرض وشعب طُرد من هذه الأرض، وإنما هي عقيدة ودين، معركة حضارة وتاريخ ووجود، فقصتنا مختلفة عن الأيرلنديين والفيتناميين؛ لأن المسجد الأقصى يتربع في قلبها”.

في الأخير، علينا أن نوقن أنه مهما طالت الحرب على غزة، ومهما عظُم الألم واشتد النزيف، فقضية فلسطين العادلة حتما ستنتهي – بفضل الله ومشيئته – بالنصر المبين. 

حكاية نضال يرويها الزمن..

طوفان الحراك الطلّابي يداهم الجميع

بقلم: إبراهيم بن طه العجلوني – أكاديمي أردني

لم تنجح دعوة ولا ثورة على مرّ التّاريخ دون أن يكون الشّباب هم وقودها، ولم تنهض أمّة إلّا بهمّة الشّباب، هذا ما رأيناه ماثلًا في التّاريخ الحديث، حيث ثار الطلّاب في كثير من دول العالم ضدّ الفساد والاستبداد والظّلم، وأطلقوا حركات تطالب بالحقوق وتنتصر للقضايا العادلة، سواء على مستوى الدولة التي يعيشون فيها أو تضامنًا مع قضايا وشعوب خارج الحدود، فمن مظاهرات مصر المناهضة للاحتلال البريطاني التي أطلق شرارتها طلّاب معهد الحقوق في جامعة القاهرة عام 1919م، ومسيرات طلّاب الجامعات التي انطلقت في المجر عام 1956 ضدّ الحكم الشّيوعي، ومظاهرات الطّلبة اليابانيين عام 1960م التي انطلقت احتجاجاً على الاتّفاقية الأمنية مع الولايات المتّحدة الأمريكية.

ومروراً باحتجاجات الطّلبة الأمريكيين ضدّ حرب فيتنام بين عامي 1968-1970م، ومظاهرات طلبة جامعة اليرموك الأردنية عام 1986م، التي كان لها دورًا بارزاً في إعادة الحياة الدّيمقراطية بعد سنوات طويلة من الحكم العسكري العرفي، واعتصامات جامعة تريساكتي في أندونيسيا عام 1998م، التي قامت احتجاجًا على تردّي الأوضاع الاقتصادية للدّولة، وأطاحت بسوهارتو بعد حكم دام ثلاثين عاماً، ووصولاً إلى المظاهرات التي يشهدها العالم حالياً، بعد أن أطلقت جامعة كولومبيا الأمريكية، احتجاجاً على العدوان الهمجي الصّهيوني على غزّة.

لعبت كلّ الحركات الطلّابية دوراً حاسماً في التّغيير والإصلاح وإحقاق الحقوق ورفع الظّلم، فهل تؤدّي الانتفاضة الطلّابية التي اجتاحت العالم خلال الأسابيع الماضية ولا زالت إلى تغيّر المواقف، وقلب الموازين، وتنجح في وقف الإبادة الجماعية، والدّمار الشّامل الذي يقوم به الصّهاينة يوميًا في غزّة؟

إنّ النّاظر في الحركات الطلّابية في العالم يجد أنّ مطالب أغلبها وآثارها كانت محلية، ولا يخرج عن ذلك السّياق إلّا المظاهرات التي شهدها العالم في نهاية الستّينيات من القرن الماضي احتجاجاً على الحرب في فيتنام، وتوسيع أمريكا لرقعتها لتصل بنيران دمارها كمبوديا أيضًا، هذه المظاهرات انطلقت من أمريكا – الدّولة المعتدية – حفاظاً من الأمريكان أنفسهم على أرواح أبنائهم الذين كان يلقى بهم في أتون الحرب في فيتنام، ليعودوا في الأكفان، حيث خسرت أمريكا ثلاثين ألفاً من شبابها، واندلعت شرارة الاحتجاجات من ذات جامعة كولومبيا التي أطلقت الاحتجاجات ضدّ العدوان الصّهيوني على غزّة ودعم الحكومة الأمريكية المطلق له، ومنها انطلقت للجامعات الأمريكية الأخرى، حتّى عمّت معظم الجامعات الكبرى في أمريكا، وأوروبا وأستراليا وإفريقيا وآسيا، فهل ستؤدّي هذه الاحتجاجات إلى وقف العدوان على غزّة كما فعلت سابقاً في إنهاء حرب أمريكا على فيتنام؟

للإجابة على السّؤال السّابق، لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل المؤثّرة، التي كان لها دور في إنجاح المظاهرات ضدّ حرب فيتنام، مثل عدد القتلى الأمريكان، واستخدام القوّة المفرطة في فضّ الاحتجاجات، ووجود حركات مجتمعية تطالب بحقوقها في أمريكا، مثل حركة الحقوق المدنية وغيرها، وكذلك أثر اللّوبي الصّهيوني في كلتا الحالتين.

ما يميّز الحرب الحالية على غزّة هو أنّه لم تشارك القوّات الأمريكية صراحة في العدوان، وبالتّالي فقد خلت شاشات التلفزة ووسائل التّواصل من منظر أكفان الجنود الأمريكيين الذين كانوا مادّة دسمة للإعلام في حرب فيتنام، ممّا يجعل الشّعب الأمريكي أقلّ تأثراً في هذه الحرب مقارنة بحرب فيتنام، ممّا أوجد ثغرة بين الأجيال، فمعظم مؤيدي العدوان على غزّة هم كبار السّن الأمريكيين، في حين أنّ النّسبة الأكبر من المتضامنين مع غزّة هم فئة الشّباب.

وفيما يخصّ استخدام القوّة المفرطة، فلم تقع حتّى الآن ضحايا بشرية في فضّ المظاهرات مقارنة بإصابة ثلاثة عشر طالباً برصاص الشّرطة، قتل منهم أربعة منهم في جامعة كينت بولاية أوهايو عام 1970م، الأمر الذي أشعل احتجاجات واسعة وكبيرة وعنيفة أحيانًا ذلك العام، فعدم وقوع ضحايا يفترض أنّه يخفّف من وتيرة الاحتجاجات الحالية حول غزّة مقارنة باحتجاجات فيتنام.

يقول جيمس زغبي، أحد المحتجّين في حقبة فيتنام ومؤسّس المعهد العربي – الأمريكي إنّه بينما كان للحركة النّسائية وحركات الحقوق المدنية نشاط بارز في أواخر الستّينيات، كانت تلك الجماعات أقلّ اتحاداً وأكثر خلافاً ممّا هي عليه اليوم.

وأضاف أنّ “هذا جيل يتّسم بالتعدّدية، إنّهم الأطفال أنفسهم الذين كانوا يقودون حركة “حياة السّود مهمّة” أو “مسيرة النّساء” أو الاحتجاجات ضدّ حظر دخول المسلمين أو الاحتجاج المطالب بإجراءات سلامة لحيازة الأسلحة”. وبالتالي فإنّ من شأن ذلك أن يعطي زخماً أكبر للاحتجاجات ضدّ السياسة الأمريكية المنحازة كلياً للعدوان الصّهيوني حتّى على حساب مصالح ورفاهية المجتمع الأمريكي نفسه.

وفيما يتعلّق باللّوبي الصّهيوني فلم يكن له تدخّل أو تأثير واضح في حرب فيتنام، بعكس الوضع الحالي الذي تستهدف فيه الاحتجاجات المشروع الأوحد لهذا اللّوبي، وهو مشروع “إسرائيل”، حيث يرمي هذا اللّوبي بكلّ ثقله للتحكّم في القرار السّياسي الأمريكي، ويجبره بالكامل على الدّعم المطلق لمشروعه الصّهيوني، سياسيًا وعسكرياً واقتصادياً بل وتشريعياً، حتّى وصل الأمر إلى تهديد كبار القادة الأمريكيين للمحكمة الجنائية الدّولية إن هي أدانت أيًّا من قادة الكيان الصّهيوني، وهذا سلاح ذو حدّين، فمن جهة يكثّف الضّغط على غزّة على المدى القصير، ويزيد من الدّمار والخسائر البشرية والمادّية لشعبها، ومن جهة أخرى فإنّه يكشف مدى الفساد الأخلاقي وانعدام القيم وازدواجية المعايير لدى السّياسيين الأمريكيين، حتّى إنّ مئات الألوف من اليهود الأمريكيين لم يعودوا يطيقون هذا الفساد وهذا الظّلم، فانضمّوا للاحتجاجات في جميع الولايات الأمريكية.

إنّ ما ينقص الاحتجاجات الحالية في أمريكا هو وقود الدّم، فإن تهوّر الحكّام فيها ووصل بهم القمع حدّ القتل، فسنرى ناراً تستعر في كلّ أمريكا، وحينها لا يعلم إلّا الله مدى الدّمار الذي سيحدث في مجتمعها واقتصادها بل وكيانها ككل.

ختاماً، فإنّ الاحتجاجات التي تناصر قضيّة غزّة سواء في أمريكا أو العالم ككل لم يسبق لها مثيل، من حيث أنّها ليست انتصارًا لقضية وطنية، وليست في دول مشاركة في الحرب، كما في بقيّة الاحتجاجات الطلّابية والشّعبية التي شهدها التّاريخ ومنها احتجاجات حرب فيتنام، الأمر الذي يجعل من قضيّة غزّة وقضيّة فلسطين عامّة قضيّة حقّ عالمي، وحكاية نضال تروى على مدى الزّمان. 

ثورة الجامعات الغربية من أجل غزة..

نضال إنساني عابر للأجيال

بقلم: محمد آدم المقراني – محامي جزائري

منذ أواخر ستّينيات القرن الماضي، شهدت الجامعات في الغرب عدّة حركات طلّابية كبرى لعبت دورًا محوريًا في المشهد السّياسي والاجتماعي. تلك الحركات التي انطلقت خلال حرب فيتنام، كانت مدفوعة برفض قوّي للتدخّل العسكري الأمريكي في فيتنام، حيث رأى الشّباب فيها تجسيدًا للإمبريالية الأمريكية التي أدّت إلى دمار واسع وخسائر في الأرواح.

واليوم، تبدو الأحداث تتكرّر بشكل ملحوظ مع قضيّة جديدة، هي الحرب على غزّة. فقد انتفضت الجامعات الأمريكية والأوروبية مرّة أخرى، لكن هذه المرّة بسبب الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين. الطلّاب الذين يتجمّعون تحت شعارات مناهضة للحرب، يرفعون صوتهم مطالبين بإنهاء العنف والدّعوة للسّلام في منطقة تعتبر من أشدّ المناطق سخونة في العالم.

تاريخياً، كانت حركات الجامعات فعّالة في تغيير السّياسات الحكومية وفي تحفيز المزيد من النّقاش العام حول القضايا العالمية. لقد أظهرت احتجاجات فيتنام كيف يمكن للطلّاب أن يكونوا قوّة دافعة للتّغيير، مستخدمين المظاهرات والاعتصامات لجذب انتباه العالم والضّغط على صنّاع القرار. وفي تلك الفترة، كانت الجامعات مثل جامعة كولومبيا وجامعة كاليفورنيا، بيركلي، من بين أبرز المراكز التي شهدت تلك الاحتجاجات.

واليوم، نرى طابعًا مماثلًا في الاحتجاجات التي تشهدها الجامعات تجاه القضيّة الفلسطينية، حيث تعمّ الاحتجاجات جامعات أمريكية وأوروبية كبرى، وهذا يدلّ على استمرار الجيل الجديد في التأثّر بالأحداث الجارية والمشاركة الفعّالة في المطالبة بحقوق الإنسان والعدالة.

ما يجعل هذه الاحتجاجات الجديدة مثيرة للانتباه هو السّياق التّكنولوجي والمعلوماتي الذي يعيشه العالم اليوم. فالطلّاب الآن لديهم إمكانية الوصول إلى الأخبار والبيانات الفورية عبر الإنترنت، ممّا يتيح لهم متابعة الأحداث عن كثب وتنظيم الحملات والاحتجاجات بشكل أكثر فعالية من أيّ وقت مضى. إضافة إلى ذلك، فإنّ منصّات التّواصل الاجتماعي قد وفّرت أداة قويّة للتّعبير والتّظاهر الافتراضي الذي يمكن أن يصل إلى الملايين حول العالم بسرعة كبيرة.

من الواضح أنّ الجيل الجديد من الطلّاب يحمل الرّاية نفسها التي حملها أسلافهم خلال حقبة فيتنام، مؤكّدين أنّ دور الجامعات كمراكز للنّشاط السّياسي والاجتماعي ما زال قائماً وفعّالاً. ورغم التحدّيات التي تواجههم، يظلّ هؤلاء الطلّاب مصدر إلهام، يظهرون كيف يمكن للأفكار الجريئة والتزام النّشطاء بقضاياهم أن يشكّلوا حقبة جديدة من التّغيير الاجتماعي.

في الختام، يمكن القول إنّ حركات الجامعات اليوم هي تذكير قوي بأنّ الشّباب لا يزالون على استعداد للقيام بدور ريادي في النّضال من أجل العدالة والسّلام، متّخذين من الدّروس المستفادة من الماضي خارطة طريق للمستقبل. ومن هنا، نرى كيف يمكن للتّاريخ أن يعيد نفسه، ليس كمحاكاة بل كاستمرارية لنّضال إنساني عابر للأجيال.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا