حماس تعلن عن مبادرة سياسية جديدة.. المقاومة تضع العدو في دائرة التسلّل

يمثّل أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، صوت البندقية في معركة طوفان الأقصى. وبالمقابل، يمثّل – على المستوى الرمزي – المسؤول القيادي في الحركة، خليل الحية، صوت الحنكة السياسية، ما يعكس توازن الأدوار بين المنهجين ضمن إستراتيجية شاملة تتبناها حركة حماس، بكل دقة ويقين وثبات، مع قدرة هائلة على التحكم في معادلة تضبط – من جهة أولى – إيقاع العلاقة مع القوى الدولية في الخارج على ضوء المعركة الميدانية ضد الجيش الصهيوني بالداخل، ومن جهة ثانية، توفّق  بين خطابها الرافض للمهادنة، وانفتاحها على التفاوض بما يحفظ أهداف الشعب الفلسطيني، وفي ذات الحين يضع القوى المتحالفة مع الكيان في موقف إحراج مفضوح، وكل هذا يأتي في سياق تحقيق الهدف الأساسي: النصر الكامل.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

بينما تستمر حرب الإبادة الصهيونية، فإنّ المقاومة متواصلة إلى أن ينسحب العدو ويقبل بالشروط التي يرفعها الفلسطينيون، فهم لن يتخلوا عن سلاحهم إلا في حال ضمان حل جذري ونهائي يتحقّق: أولا، عبر مفاوضات الهدنة، وثانيا، ضمن مساعي فرض الدولة الفلسطينية المستقلة والقبول بها لدى المجتمع الدولي، وثالثا، إنهاء حرب الإبادة وترك الفلسطينيين يخططون لبناء مستقبلهم بعيدا عن أي وصاية أو تدخل من الخارج.

ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة مدى الانسجام بين ما جاء على لسان أبو عبيدة، حين شدّد – في تسجيل مصوّر بمناسبة مرور 200 يوم على العدوان الصهيوني ضد قطاع غزة – على ضرورة الاستمرار في القتال، الذي قال إنه سيأخذ أشكالا جديدة ومتنوعة، وبين ما جاء على لسان خليل الحيّة، يوم الخميس 25 أفريل الجاري، بأنّ الحركة عرضت عدة مرّات التوافق على هدنة ووقف لإطلاق النار لمدّة 5 سنوات وأكثر.

وقال الحية لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية إنّ “حماس” ستقبل بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على حدود العام 1967، وإذا حصل ذلك سيتم حلّ جناحها العسكري، مشيرا إلى أنّ “تجارب المناضلين ضد الاحتلال تقول إنّهم عندما استقلّوا وحصلوا على حقوقهم ودولتهم تحوّلوا إلى أحزابٍ سياسية، وكذلك أصبحت القوات المقاتلة المدافعة عنهم هي الجيش الوطني”.

وعن مفاوضات الهدنة، لفت الحيّة إلى أنّ “حماس” قدّمت تنازلات فيما يتعلّق بعدد الأسرى الفلسطينيين في عملية التبادل المحتملة، مضيفاً أنّ “حماس لا تعرف بالضبط عدد الأسرى الذين لا يزالون على قيد الحياة في قطاع غزّة”.

وشدّد القيادي في حماس على أنّ “الحركة لن تتراجع عن مطالبتها بوقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل للقوات الصهيونية”، بينما تردّ سلطة الاحتلال على مطالب حماس بأنّها “ستواصل عملياتها العسكرية حتى هزيمة الحركة بشكلٍ نهائي وستحتفظ بوجود أمني في قطاع غزّة بعد ذلك”. وتساءل الحيّة، بقوله: “إذا لم نكن متأكدين من أنّ العدوان سينتهي، فلماذا نقوم بتسليم الأسرى؟”.

وبالمقابل، قال أبو عبيدة إنّ “العدو لن يحصد إلا الخزي والعار وإساءة الوجه، سواء بانكسار جيشه وفشله المدوي أمام بأس المقاومة، أو في صورته القذرة الوحشية التي تحطمت أمام العالم بأسره الذي عرف الاحتلال على حقيقته البشعة كما لا يعرفها من قبل”.

وتابع المتحدث باسم القسام، “لا يزال الجيش الهمجي عالقا في رمال غزة بلا هدف ولا أفق ولا انتصار موهوم ولا تحرير لأسراه، ويستغل ورطته على الأرض في المزيد من الانتقام الهمجي العشوائي الذي لم يحقّق يوما انتصارا لأي من الغزاة”.

ومضى أبو عبيدة قائلا “لن يكون هذا الجيش السادي ولا قيادته الفاشلة أوفر حظا من الغزاة القتلة عبر التاريخ، بل سيحصدون المزيد من الغضب وروح الانتقام والاستعداد لكنسهم ومواجهتهم في فلسطين وحولها، بل عبر العالم بأسره”.

وشدّد على أنّ المقاومة ستظل راسخة في غزة رسوخ جبال فلسطين، وأنّ ضرباتها للعدو ستستمر وتتّخذ أشكالا متجدّدة وتكتيكات متنوعة ومتناسبة طالما استمر العدوان، مضيفا “شاهد العالم طرفا من بأس مجاهدينا وضرباته الموجعة، ليس فقط أثناء وجود العدو في مناطق التوغل، بل أثناء انسحابه أو قبيل انسحابه”.

مصيدة إستراتيجية في رفح

تصريح الحية وخطاب أبو عبيدة، جعل مسؤولين صهاينة سابقين – تحدّثوا لقنوات إخبارية إسرائيلية – يشكّكون في قدرة جيشهم على تحقيق أهدافه في هجومه المحتمل على رفح جنوبي قطاع غزة، واستبعدوا إمكانية تصفية حماس في ظل الفشل في إيجاد حكم بديل لها في قطاع غزة، حسب قولهم.

وقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الصهيوني (الموساد)، يوسي كوهين إنّ “إسرائيل” تعلن عن أشياء لا تلتزم بها مثل، “لا توجد قوة ستمنعنا من دخول رفح”، و”المهمة لن تكتمل حتى ندخل رفح” و”الانتصار على بُعد خطوة”، مشيرا إلى “أنّ مثل هذه التصريحات المثالية مسروقة من قادة آخرين”. واستبعد كوهين – في لقاء مع القناة الـ12 الإسرائيلية – إمكانية تصفية حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة بشكل تام، قائلا “هذا لا يحدث حسب تقديري”.

وأعلن يسرائيل زيف، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا أنه لا يؤيّد عملية عسكرية في رفح “دون أن يكون هناك من يمكن تسليمه السيطرة على المنطقة بعد العملية”. وأضاف زيف في مقابلة إذاعية، “ليس لدي شك في أنّ حماس أعدّت لنا هناك مصيدة إستراتيجية ببقاء أو إبقاء السكان هناك كي تحدث كارثة تتحمل مسؤوليتها “إسرائيل”.

ومن جهته، صرح عاموس يدلين، وهو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا بأنّ “حركة حماس تصر على موقفها – المخطوفون مقابل وقف الحرب – لأنها تحرّرت من كل الضغوط، فلا ضغط عسكري، ولا ضغط مساعدات إنسانية”.

وأضاف يدلين “بفضل حكومة الكيان لا يوجد بديل لحماس في قطاع غزة، أي نظام آخر، وهم يستمتعون بالتوتر الحاصل بين الولايات المتحدة والكيان”، مشيرا في تصريح للقناة الـ12 إلى أنّ الأمور تتقدّم بالاتجاه الذي تريده حماس، والتي قال إنّ لديها خط دفاع يتمثل في الأسرى.

والفكرة ذاتها، أشار إليها، أمنون أبراموفيتش، وهو مراسل الشؤون السياسية في القناة الـ12، بقوله، إنّ “إسرائيل” لم تجد بديلا منظما لحماس خلال 5 أشهر ونصف الشهر، ولم تتمكن من تفكيك قوتها التنظيمية.

وبخصوص المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا “نحن نرى تراجعا مستمرا من قبل “إسرائيل” في المفاوضات”. وتحدث يارون أبراهام، مراسل الشؤون السياسية عن “مقترحات جديدة يجري تحريكها لاستئناف المفاوضات على صفقة تبادل الأسرى.

وأوضح أنّ نقاطها المركزية، تتمثل في إطلاق سراح 20 محتجزا إسرائيليا من نساء ومجندات ومسنين، مقابل أن توافق “إسرائيل” على عودة غزيين إلى شمال قطاع غزة، دون الإعلان عن نهاية الحرب، كما يقول المراسل الإسرائيلي.

أكاذيب العدو

وللتذكير، فإنّ القيادي في حركة حماس، خليل الحية، كان قد أكد بأنّ الحركة ترفض كلياً أي وجود غير فلسطيني في قطاع غزّة بحراً أو براً، معقباً بقوله: “سنتعامل مع أيّ قوّة عسكرية صهيونية أو غيرها كقوّة احتلال”، مشدّدا على أنّ “المحاولات الصهيونية للقضاء على حماس ستفشل في نهاية المطاف في منع الانتفاضات الفلسطينية المُسلّحة في المستقبل”.

وأكّد أنّ “العدوان الصهيوني على القطاع لن ينجح في تدمير حماس”، مشيراً إلى أنّ الاتصالات بين القيادة السياسية في الخارج والقيادة العسكرية داخل غزة “لم تنقطع” خلال الحرب وإنّ “الاتصالات والقرارات والتوجيهات تتم بالتشاور بين المجموعتين”.

وبشأن ربط “الانتصار في الحرب” باجتياح مدينة رفح جنوبي القطاع، قال أبو عبيدة إنّ ذلك من “أكاذيب حكومة العدو المتواصلة لمحاولة إيهام العالم بأنها قضت على أغلبية الكتائب في قطاع غزة ولم تتبق سوى كتائب رفح، للهروب من حقيقة الفشل الكبير والعجز الذي ينتابها في تحقيق أهدافها من حربها الإجرامية”.

سيناريو رون آراد

وشدّد على أنّ جيش الاحتلال لم يستطع خلال 200 يوم أن يحقّق سوى الدماء والمجازر المروعة التي يتقنها كل جبان يمتلك الطائرات والقنابل الفتاكة، وأنّ عليه أن ينتظر خروج المقاومة في أي بقعة يحاول من خلالها تحقيق أيّ إنجاز يرفع به معنويات جنوده، وإطالة حكم حكومته.

وثمّن أبو عبيدة، صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة الذي أذهل العدو والصديق رغم الإبادة والمحرقة النازية، مشددا على أنّ المقاومة لن تتنازل بأي حال عن الحقوق الأساسية الإنسانية للشعب الفلسطيني الصابر، وعلى رأسها وقف العدوان وانسحاب العدو وعودة النازحين وإعادة الإعمار ورفع الحصار.

وقال إنّ تعنّت الاحتلال في هذه القضايا، يؤكّد أنّ حربه ليست سوى حرب إبادة، مضيفا “بات واضحا وجليا أنّ حكومة العدو تماطل وتتلكّأ في الوصول إلى صفقة للتبادل وتحاول عرقلة جهود الوسطاء للوصول إلى وقف لإطلاق النار، في محاولة لكسب المزيد من الوقت”.

وذكّر أبو عبيدة باستمرار وجود الأسيرين هدار غولدن وشاؤول آرون في الأسر لدى المقاومة منذ 10 سنوات، ووجّه خطابه إلى الجمهور الإسرائيلي متسائلا “أين الأسير الإسرائيلي من أصل إثيوبي أبراهام منغستو؟ وأين هشام السيد؟.. لقد طواهم النسيان لأنهم ليسوا من اهتمامات نتنياهو وزوجته وحكومته المتطرفة”. وتابع أبو عبيدة أنّ “سيناريو رون آراد ربما يكون السيناريو الأوفر حظا تكراره مع أبنائكم في غزة”.

وأضاف في هذا السياق، “ستدرك عائلات الأسرى ولكن ربما بعد فوات الأوان، أنّ حكومتها الفاشية قد ارتكبت بحقها كارثة ومأساة ستظلّ حاضرة لوقت طويل وستعاني منها كعائلات بعد أن يكون بنيامين نتنياهو قد أنهى مناوراته السياسية وألاعيبه البائسة”.

وتابع “الكرة في ملعب من يعنيه الأمر من جمهور العدو، لكن في وقت حرج وضيق وخطير، عودناكم عبر تاريخنا بأننا الأكثر مصداقية ووضوحا من حكومتكم”. ولفت أبو عبيدة إلى أنّ من أهم آثار طوفان الأقصى “استنهاض الأمة وتوحيد ساحاتها وجمع جبهاتها حول هدف واحد هو فلسطين والأقصى بعد سعي العدو إلى عزل القضية الفلسطينية والاستفراد بالقدس والأقصى لحسم الصراع وتهويد أحد أقدس مقدسات المسلمين”.

وأضاف المتحدث باسم كتائب عزالدين القسام، “نقدّر كل جهد عسكري وشعبي انضم إلى طوفان الأقصى، ونخصّ جبهات القتال في لبنان واليمن والعراق وتضحياتها الأبية، وندعو كل جماهير أمتنا إلى تصعيد الفعل المقاوم بكل أشكاله وفي كل الساحات”.

وأكّد أبو عبيدة أنّ “ردة الفعل الهستيرية تجاه الفعل المقاوم من مختلف الجبهات، تدلّ على أهمية ذلك العمل المقاوم الذي يلتئم من مختلف الجبهات لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية من حيث نطاقه وأشكاله”.

وقال أبو عبيدة، إنّ أولى الجبهات وأهمها هي جبهة الضفة المحتلة التي هي خاصرة هذا العدو وخط المواجهة الأقرب الذي يغيّر كل المعادلات، مقدّما التحية للمقاومة في الضفة، كما اعتبر أهم الساحات العربية ومن أكثرها إشغالا لبال العدو هي الجماهير الأردنية التي ندعوها إلى رفع صوتها أكثر.

وجاء ظهور أبو عبيدة بعد 200 يوم من بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، عقب آخر ظهور له والذي كان منذ نحو 45 يوما، وذلك في 8 مارس الماضي حين أكد أنه لا صفقة لتبادل الأسرى بدون وقف إطلاق النار وأنّ حياة الأسرى في غزة مهدّدة نتيجة المجاعة.

الصين تستضيف محادثات بين حماس وفتح

قالت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والتحرير الوطني الفلسطيني “فتح” ودبلوماسي مقيم في بكين، يوم الجمعة، إنّ الصين ستستضيف محادثات لمناقشة جهود المصالحة الداخلية. ونقلت رويترز عن مسؤولين في حركتي “حماس” و”فتح” قولهما إنّ وفد حماس يرأسه عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق، في حين يرأس وفد حركة فتح عزام الأحمد.

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج وينبين، يوم الجمعة، “ندعم تقوية السلطة الوطنية الفلسطينية، وندعم كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة، وزيادة التضامن عبر الحوار والتشاور”.

وأدلى وانج بهذه التصريحات في مؤتمر صحفي اعتيادي ردا على سؤال بشأن عقد اجتماع بين حركتي حماس وفتح في بكين، والدور الذي لعبته الصين في تسهيل الاجتماع. وكانت موسكو قد احتضنت اجتماعا مماثلا نهاية فيفري الماضي، لبحث تشكيل حكومة وحدة فلسطينية وإعادة إعمار قطاع غزة، وفق ما أعلن وقتها، إلا أنه لم يحقّق تقدّما كبيرا.

وستكون هذه الزيارة هي المرة الأولى التي يُعلن فيها توجّه وفد من حماس إلى الصين منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة. واجتمع الدبلوماسي الصيني وانغ كيجيان برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في قطر الشهر الماضي، بحسب وزارة الخارجية الصينية. ونقلت رويترز عن دبلوماسي مقيم في بكين، لم تذكر اسمه، قوله إنّ المحادثات المرتقبة، تستهدف دعم جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس.

وأظهرت الصين في الآونة الأخيرة، تأثيرا دبلوماسيا متزايدا في الشرق الأوسط، حيث تتمتع بعلاقات قوية مع الدول العربية وإيران، وتوسّطت بكين العام الماضي في التوصل إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. وكثّف مسؤولون صينيون جهودهم في الدفاع عن الفلسطينيين في منتديات دولية خلال الأشهر القليلة الماضية، وفي فيفري الماضي، حثّت بكين محكمة العدل الدولية على إبداء رأيها في الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، الذي قالت إنه غير قانوني.

ولاحقا، ضغطت الصين من أجل انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، وهو ما قال عنه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الأسبوع الماضي إنّ من شأنه أن “يصحّح ظلما تاريخيا طال أمده”. وفي تصريحات إعلامية، قال “يي” إنّ بكين ترفض أي تهجير قسري أو عقاب جماعي للفلسطينيين في غزة. وتطرقت صحيفة “واشنطن بوست” إلى تزايد المخاوف الدولية من تداعيات “هجوم صهيوني يبدو وشيكا” على رفح، وأشارت إلى عدم قدرة الجيش الصهيوني على القضاء على المقاومة الفلسطينية.

وجاء في التقرير “أنّ لا أدلة على أنّ “إسرائيل” مستعدة لنقل أعداد كبيرة من المدنيين إلى خارج رفح”. وفي ذات السياق، قال باحث سياسي لصحيفة “تلغراف” إنّ الهجوم على رفح سيضغط على حركة المقاومة، لكنه لن يقضي عليها، مشيرا إلى أنها قادرة على إعادة تجميع صفوفها في المناطق الوسطى والشمالية للقطاع.

ورأى الباحث أنّ إعادة تجميع حماس لقدراتها “هي أخبار سيئة لحكومة بنيامين نتنياهو التي قد تفشل في إعادة الرهائن والقضاء على حماس مما يجرّ “إسرائيل” إلى أزمة سياسية كبرى”. ووفق صحيفة ” الغارديان”، يشكّك سكان مستوطنة سديروت القريبة من غزة، “في قدرة الجيش الصهيوني على القضاء على حماس نهائيا والوفاء بالوعد الذي يكرّره نتنياهو باستمرار بتحقيق النصر الكامل”.

عنف الشرطة

ومن جهة أخرى، سلَّط موقع “ميديا بارت” الضوء على الحركة الطلابية المناهضة للاحتلال الصهيوني داخل الجامعات الأمريكية، وعلى الاعتقالات في صفوف المحتجين من الطلبة وانتقادات منظمات حقوقية لعنف الشرطة. ونقل الموقع عن مؤرخة أمريكية قولها “إنّ إرسال قوات الشرطة إلى الحرم الجامعي واعتقال طلاب مسالمين سابقة، والوضع مرشّح للاشتعال مع اقتراب الانتخابات”.

ومن جهته، قال روني براومان، الرئيس السابق لمنظمة “أطباء بلا حدود”، إنّ الخطاب الإنساني الذي تتبناه الديمقراطيات الغربية بشأن الوضع في غزة لا يغيّر شيئا دون إجراءات ملموسة مثل وقف توريد الأسلحة أو حتى إجراءات أكثر رمزية، مؤكدا أنّ “الغرب يتهرب من حقيقة أنّ “إسرائيل” قوة احتلال”.

كل السيناريوهات محسوبة سلفا..

حماس تضع كرة النار في مرمى الغرب

أفاد الأستاذ والباحث الجزائري في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ قيام حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بتنفيذ عملية “طوفان الأقصى” بتاريخ السابع من أكتوبر 2023، جاءَ بعد أن وضعت الحركة في حسبانها وبعين الاعتبار مجموعة من السيناريوهات المحتملة بما في ذلك السيناريو الموجود حاليا، ونتحدث هنا عن حالة التدمير الشبه كلي لقطاع غزّة، والدعم المنقطع النظير والإسناد الغربي المفضوح للكيان الصهيوني في حربه الشعواء التي يشنها ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل للشهر السابع على التوالي.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ كل الأحداث الجارية على الأرض في غزّة بما فيها تلك التضحيات الجسّام التي قدّمها سكان القطاع، كانت من بين السيناريوهات التي توقعتها المقاومة قبل تنفيذها لعمليتها النوعية بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، وذلك باعتبار أنّ المقاومة الفلسطينية كانت قد حضّرت وبشكلٍ جيّد لهذه العملية على مدار عدّة سنوات، ودرست تأثيراتها من كل الجوانب، لذلك نجحت وبشكلٍ لافت ومنذ بدء العدوان في إدارة المشهد وبكل احترافية، سواءً كان ذلك من الناحية السياسية أو من الناحية العسكرية.

في السياق ذاته، أشار محدّثنا إلى أنّ حماس من الناحية العسكرية كانت تواجه وتقاوم بكل بسالة العدوّ الصهيوني عندما يحاول في كل مرة التوغل والسيطرة على منطقة ما في القطاع، وتجبره على الانسحاب منها بعد خوضها لمعارك ضارية، لتعود المقاومة مجددا إلى نفس المنطقة وتطلق منها صواريخ اتجاه معاقل جيش الاحتلال، وتبدأ من جديد في تنظيم توزيع الإغاثات والمساعدات الإنسانية في نفس المنطقة دائما.

أما من الناحية السياسية، فيقول الخبير في السياسة: “إنّ حركة المقاومة الإسلامية “حماس” نجحت نجاحاً مُبهراً في إدارة المفاوضات الجارية مع الجانب الصهيوني، سواءً في جزئها الأول الذي انتهى بإطلاق سراح عدد من الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الكثير من الأسرى الفلسطينيين أو من خلال المفاوضات الحالية، والتي تديرها باحترافية منذ اجتماع باريس ومنذ اجتماع اللجنة الرباعية التي تتكون من الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، قطر بالإضافة إلى الكيان الصهيوني، فهي تدير المشهد كما  ينبغي وبهذا جعلت الحكومة الصهيونية المتطرفة في “إسرائيل” تعيش أزمةً حقيقية من خلال الانتقادات والضغط التي تواجهه حكومة الاحتلال سواءً من مواطنيها أو من المجتمع الدولي وحتى من الولايات المتحدة الأمريكية الداعم رقم واحد للاحتلال الإسرائيلي”.

على صعيدٍ متصل، أبرز الباحث في الشؤون الدولية، أنّ الكيان الصهيوني ومن ورائه الغرب كان يعوّل على انكسار المقاومة الفلسطينية واستسلامها، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، حيث أنّ الكيان الصهيوني تقريبا انسحب من قطاع غزّة بالرغم من تواصل غاراته الجوية ورغم تهديده باجتياح رفح، ويعيش اليوم أزمةً حقيقة، وينتظر فقط متى تصل مفاوضات التهدئة إلى نتيجة، لذلك فهو متحمس كثيرا للمبادرة المصرية الأخيرة التي تضمنت بعض التعديلات على غرار إطلاق سراح عدد أقل من الرهائن الإسرائيليين، وكذلك الحديث عن هدنة لمدة سنة.

وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ المقاومة الفلسطينية تجيدُ تسيير الحرب الحالية ولا أستغرب أن يصدر منها قراراً بشأن حل الجناح العسكري وتحوّلها إلى حزب سياسي مقابل قيام دولة فلسطينية لأنّ هذا هو الهدف الأساسي والجوهري للمقاومة، فصحيح أنّ القطاع كان يُعاني ويلات الحصار على مدار عدة سنوات، لكن الهدف من وراء عملية السابع من أكتوبر 2023، كان إعادة القضية الفلسطينية إلى المشهد وإلى الساحة الدولية ولكن بالطريقة التي يفهمها الإسرائيلي وبالطريقة التي يفهمها الداعمين له، لأنه تم التعويل في السابق على الحلول السلمية وعلى المفاوضات وعلى اتفاق أوسلو لكن ذلك لم يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، وحماس والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وأطيافها رأت أنّ عملية “طوفان الأقصى” هي التي ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ولو بتضحيات أكبر ولو بمأساة أكبر”.

إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ بوثلجة، أنّ حركة حماس كانت قد غيّرت من ميثاقها في عام 2017، حيث توافقُ الحركة على قبول دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967 دون الاعتراف بـ “إسرائيل”، وأن تعرض هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني تمتد لعشرات السنوات، حتى يأتي جيل آخر جيل قادم هو من يقرّر ما الذي يفعله مع أراضي 1948.

في سياق ذي صلة، أشار الباحث في الشؤون الدولية، إلى أنّ المقاومة الفلسطينية للأسف الشديد تتعرّض إلى ضغوطات كبيرة من قبل بعض الدول العربية بهدف التوصّل إلى اتفاق هدنة على مقاس الجانب الصهيوني من خلال التنازل عن بعض مطالبها، لكن المقاومة الفلسطينية الباسلة لا تزال ثابتة ومتمسّكة بشروطها التي تؤكّد في كل مرة أنها هي نفسها مطالب الشعب الفلسطيني بدايةً بمطلب وقف العدوان الصهيوني الجائر وضمان عودة كل النازحين إلى شمال غرب القطاع، وُصولا إلى ضمان دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى كل قطاع غزّة.

وفي هذا الشأن، أوضح محدثنا، أنّ حماس وضعت الكيان الصهيوني ومن ورائه الغرب وعدد من الدول العربية في أزمة حقيقية، خاصةً وأنّ كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع أصبحت أكبر من السابق، وبالتالي هذه الورقة لم يعد يعتمد عليها الاحتلال في الضغط على المقاومة، حتى أنّ العمل العسكري الذي كان الكيان الصهيوني في كل مرة يروّج على أنه يضغط من خلاله على المقاومة الفلسطينية من أجل استرجاع أسراه لم يعد متاحا، بعد الهزائم المتوالية والخسائر الفادحة التي يتكبّدها جيش الاحتلال في العتاد والأفراد، خلال المواجهات والعمليات البطولية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في معارك ضارية مع العدوّ، حيث كبّدته مئات القتلى وآلاف الجرحى والمصابين الذين يعانون من صدمات نفسية وما إلى ذلك.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ حماس ومن خلال قرار الذهاب إلى حلّ قوتها العسكرية ووضعها تحت تصرف الدولة الفلسطينية في حدود 67، قد وضعت الكرة في مرمى الغرب وكذلك في مرمى بعض حلفائه من المنطقة وبشكلٍ خاص بعض الدول العربية، ولسان حالها يقول “إذا كنتم تريدون حقيقةً السلام فنحن نريد السلام ويمكننا حتى حلّ الجناح العسكري الذي بسببه تلفّقون لنا تهمة الإرهاب، ونتحوّل إلى حزب سياسي، لكن لن يكون ذلك إلاّ من خلال السماح لنا بإقامة دولتنا الفلسطينية على حدود 67″، وهذا على الأقل الذي يتفق عليه كل العرب والمسلمين، وأغلب دول العالم.

ضمن أهداف المقاومة..

إنها توازنات الحرب والتفاوض

يرى المحلل السياسي الفلسطيني، يونس الزريعي، أنّ قرار حركة المقاومة الفلسطينية بالذهاب نحو حلّ قوتها العسكرية ووضعها تحت تصرف الدولة الفلسطينية في حدود 67، يؤكّد أن الحركة متفتحة على الحوار البناء خدمة للشعب الفلسطيني وذلك في إطار الرؤية الدولية والإقليمية لما بعد الحرب في غزة.

وأوضح الزريعي، أنه لا يمكن أن تكون التصريحات عبثية، وإنما في إطار القبول المبدئي من حماس بهذا الشأن، مشددا على أنّ ذلك يتطابق مع أهداف الحركة السياسية، وأبرزها خلق بديل لمنظمة التحرير.

ولفت الزريعي إلى أنّ قرار حركة المقاومة الفلسطينية، يمثل تقدمًا في مواقفها المتعلقة بالعدوان الصهيوني، كما أنه يأتي في إطار تعديلاتها الخاصة بوثيقتها الداخلية، متابعًا: “هذا الأمر يمثّل أحد مفرزات العدوان الإسرائيلي، ومرتبط بخطط ما بعده”.

ما وراء الرسالة..

هل غيّرت المقاومة من خطّها الفكري والسياسي؟ 

بقلم: عكنوش نور الصباح – خبير إستراتيجي جزائري

بداية، يجب أن نتّفق أنّ ليس هناك حرب من أجل الحرب، وعليه فموقف حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” يأتي في ضوء ما تحقّق في أرض المعركة، حيث يمكن البناء عليه في إطار عملية سياسية إيجابية، لأنّ من يعتقد أنّ “طوفان الأقصى” عسكري فقط يجانب الصّواب، فالموضوع سياسي في النّهاية من حيث السّياق والتوقيت والأهداف، والحركة سياسية في الأصل بجناح عسكري له عقيدة ووظيفة في إطار إستراتيجية شاملة وواضحة.

فالمقاومة المسلّحة وسيلة شرعية لغاية شرعية وهي الدولة الفلسطينية، ولا أعتقد أنّ الحركة غيّرت من خطّها الفكري والميداني عندما تقترح رؤية براغماتية للصراع مع الكيان الصهيوني، بل هي تتحرّك وفق مقتضيات المشهد ومتغيّراته من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية تخرج فيها المقاومة بشرف أولا وبقوّة ثانيا من الرّاهن الجيوسياسي بعد أكثر من نصف سنة من العدوان الصّهيوني بدعم لوجيستيكي واقتصادي أمريكي كبير، مع العلم أنّ الموقف الحمساوي هو موضوعيًا رسالة قويّة للداخل الفلسطيني بأنّ الحركة تعمل في خدمة مصلحة الشعب الفلسطيني عموما لتلبية حاجيات النضال الوطني الذي تلتزم به ولا تنفرد في تحديد مخرجاته.

كما أنّه رسالة قويّة للخارج في ظل رغبة نتنياهو والكابينت في الهجوم على رفح وذلك لإحراج الكيان الصهيوني أمام العالم وتقديم صورة حركة سلام وليس تنظيم إرهابي كما يسعى الكيان والغرب عمومًا إلى تسويقه، خاصّة في ظلّ الحراك الطلابي الأمريكي القوي ضد العدوان على غزّة، والذي يفيد الحركة على مستوى صورتها لدى الرأي العام الغربي، وبالعكس يضرّ أكثر بصورة “تل أبيب”.

وبالتّالي، نكون أمام موقف ذكي لحركة حماس من حيث القراءة الجيّدة للواقع الداخلي والدولي أولًا، ومن حيث توظيف الأحداث كفرصة للضّغط بما ينفع الجبهة الداخلية الفلسطينية، خاصة وأنّها تصبح على نفس المسافة مع حركة فتح وبما يؤثّر على العالم الغربي.

ولعلّ زيارة قيادة حماس لإسطنبول يضعنا موضوعيًا في صورة هذه الحقيقة، في إطار قواعد لعبة جديدة تستبق بها الحركة سيناريوهات أخرى جاهزة لتصفية القضيّة نهائيًا بدعم تيار التطبيع وقوى الشّر في المنطقة وفي العالم بصفة عامة، ومنه فاللحظة التاريخية الحالية مفصلية في عمر الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي تعتبر حركة المقاومة الإسلامية جزء أصيل منها أو هكذا على الأقل نفهم من خرجتها العقلانية الأخيرة داخل الصندوق الوطني والدولي، إن صحّ التعبير.

بين الحرب والسياسة..

حين تنتصر حماس لثقافة الدولة

بقلم: إبراهيم بن طه العجلوني – أكاديمي أردني

لم تكن عملية 7 أكتوبر 2023، هي من أبرزت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى ساحة الاهتمام الدولي، فالحركة التي في منتصف الثلاثين من عمرها، أشغلت العالم فعلا بإطلاقها الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم من خلف الكواليس، وأشغل اسمها المنطقة والعالم بعد أن تحوّل نضالها من شكل الانتفاضة الشعبية، إلى الجهاد المسلّح، الذي بدأ بعمليات فردية هنا وهناك، ثمّ تطوّر إلى العمليات الاستشهادية التي أوقعت العدو الصهيوني في خسائر لم يكن يتوقّعها في أسوأ كوابيسه، وتصاعد اسمها حتى طبق الآفاق، بعد أن انتقل شكل مقاومتها للعدو من المواجهات المتفرّقة، والرشقات الصاروخية، إلى خوض حروب حقيقية براً وبحراً وجواً، أبرزها عام 2014، ومعركة 7 أكتوبر 2023 وما تلاها حتى اللحظة، فما التغييرات التي طرأت على هذه الحركة المقاوِمة وما مآلاتها؟

بداية، تعتبر حركة حماس نفسها امتدادا للحركات الإسلامية الفلسطينية المناضلة، والتي قاومت الاستعمار البريطاني لفلسطين، ثمّ وريثه وربيبه الاحتلال الصهيوني، ومن هنا جاءت تسمية ذراعها المسلّح بكتائب عزّ الدّين القسّام، القائد الشّيخ المجاهد، الذي قاد الثورة ضد الإنكليز، واستشهد ورفاقه وهو يقاوم، حيث ورد في المادة السابعة من ميثاق الحركة التأسيسي: “وحركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتّصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عزّ الدّين القسّام وإخوانه المجاهدين”.

انتشر نفوذ الحركة بشكل كبير، بعد المشاركة، التي وصفها مراقبون سياسيون بالفاعلة والقوية، في مواجهة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، حملت حركة حماس السلاح عام 1987، من خلال تأسيس جهاز عسكري أسمته “المجاهدون الفلسطينيون”، بقيادة الشّيخ صلاح شحادة، وقد نشرت الحركة ميثاقها في 18 أوت 1988، وحدّدت فيه هويتها، وقدّمت نفسها على أنّها “جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين”.

وبحسب مراجع تاريخية، تمكّن “المجاهدون الفلسطينيون” من اختطاف وقتل الرقيب الإسرائيلي “آفي ساسبورتس” في 3 فيفري 1989، والجندي إيلان سعدون في 3 ماي عام 1989، وفي المقابل، شنّت “إسرائيل” في ماي 1989 حملة ضد “المجاهدون الفلسطينيون” ما أدى إلى تفكّكه، ودفع الحركة لاحقًا إلى تشكيل كتائب “عزّ الدّين القسّام”، ففي عام 1992 أسّست حركة “حماس” جناحها العسكري المسلّح، كتائب عز الدين القسّام، حيث أعلن عن اسم الكتائب في أوّل بيان صدر في 1 جانفي من ذلك العام.

التجربة السياسية

سياسيا، انخرطت حركة “حماس” في العملية السياسية الفلسطينية للمرة الأولى عندما شاركت في الانتخابات التشريعية التي عقدت عام 2006، وفازت الحركة آنذاك بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، هذا النجاح لاقى رفضا “إسرائيليا” وغربيا، وتعاطى خصوم حماس الفلسطينيون بسلبية مع تبعات فوزها الشرعي، فقد رفضت حركة فتح (المنافس السياسي لحماس) وبقية الفصائل، المشاركة في الحكومة التي شكّلتها الحركة آنذاك، برئاسة إسماعيل هنية، بحجة “عدم الاتفاق على البرنامج السياسي”، هذا وقد شهدت تلك الفترة اختلافات ومشاكل داخلية بين الطرفين حول الحكومة وشرعيتها، تطوّرت في وقت لاحق إلى اشتباكات مسلّحة، انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزّة عام 2007.

في ماي 2017، أصدرت حركة “حماس” وثيقة سياسية جديدة، سعت من خلالها إلى الحصول على القبول الإقليمي والدولي، وإبعاد سمة “الإرهاب” عنها، وفي هذه الوثيقة، وافقت حماس على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من جوان عام 1967، دون الاعتراف بشرعية “إسرائيل”، وبعدم “التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال”، واعتبرت أنّ إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 “صيغة توافقية وطنية مشتركة”.

واحتوت الوثيقة على العديد من البنود التي تؤكّد رفض الحركة للتطرف، وتؤكد على “الوسطية والاعتدال”، كما عرّفت حماس نفسها في الوثيقة على أنّها حركة فلسطينية، وأنّ صراعها مع اليهود، ليس دينيا، وأنّها لا تعاديهم، بل تقاوم من احتلّ الأرض الفلسطينية.

7 أكتوبر ومآلاته

شكّل السابع من أكتوبر 2023، ضغطا كبيرا على كل من طرفي الصراع، فقد عانت حماس من عبء تحمّل الدمار الوحشي الهائل الذي أوقعه الجيش الصهيوني على غزة، والعدد المهول للشهداء والمصابين والنازحين المدنيين الفلسطينيين، في ظل خذلان عربي وإسلامي وصل من بعضهم حد التواطؤ ضد غزة، والمساهمة في حصار أهلها وتجويعهم ومضاعفة معاناتهم، وفي ظل صمت دولي لا أخلاقي على جرائم ترتكب ليل نهار على مرأى ومسمع من الجميع.

في حين، عانى العدو الصهيوني من تحطيم سمعته العسكرية المزعومة، وسقوط وهم “الجيش الذي لا يقهر”، سواء يوم 7 أكتوبر 2023 أو ما تلاه حتى اليوم من عمليات بطولية مؤثّرة توقعها المقاومة الباسلة بآلياته وجنوده وضبّاطه، وما يرافق ذلك من تعاطف عالمي شعبي غير مسبوق، وانهيار أكاذيب معاداة السامية وانكشاف الوجه القبيح للصهيونية حتى لليهود أنفسهم. كل ذلك دون تحقيق أي من الأهداف الإستراتيجية التي أعلنها قادة الكيان عند بداية عدوانه على غزة.

وفي ظل الحديث عمّا سيكون بعد وقف إطلاق النار، وعن الوضع الذي تقبله حماس، شكّلت تصريحات بعض قادة حماس، وفي مقدّمتهم إسماعيل هنية وخليل الحيّة، مادّة دسمة لتحليلات المراقبين، حيث اعتبرها البعض تراجعا في ثوابت حماس، بزعم أنّ الحركة وافقت على الاعتراف بـ”إسرائيل”، وبإلقاء السّلاح. وبالعودة إلى ما قاله الرّجلان نجد أنّ إسماعيل هنية قال: “هناك خيارات وبدائل تطرح بوجود قوّة عربية مثلا ونرحّب بأيّ قوّة عربية أو إسلامية إذا كانت مهمّتها مساندة شعبنا الفلسطيني ومساعدته على التحرّر من الاحتلال”.

وأشار إلى أنّ “حماس ليست متمسّكة بالتّمثيل المنفرد: “نحن جزء من الشّعب الفلسطيني ويمكن أن نبني حكومة وحدة وطنية وأن نتوافق على إدارة غزّة على قاعدة الشراكة”، مشدّدًا على أنّ “إدارة غزّة يجب أن تتمّ بإرادة فلسطينية”.

وشدّد أيضا هنية على أنّ حماس تؤكّد “دائما أنّ مطالب الشعب الفلسطيني لا يمكن أن نفرّط فيها ولا يمكن أن نتنازل عنها، سواء فيما يتعلّق بقضية غزة وشروط وقف العدوان، أو فيما يتعلّق بحقوقنا الفلسطينية التاريخية الثابتة في أرضنا، وفي وطننا وعودة الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته كاملة السيادة وعاصمتها القدس بلا أيّ تفريط أو تردّد”.

فيما قال خليل الحيّة: “الحركة مستعدّة لهدنة مع “إسرائيل” مدّتها 5 سنوات أو أكثر والتخلّي عن السّلاح، شريطة إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود عام 1967″، وصرح القيادي لوكالة “أسوشيتد برس” بأنّ الحركة مستعدّة لهذا الأمر في حال جرى تلبية هذه الشّروط وأنّها ستتحوّل إلى حزب سياسي. كما عبّر عن الرّغبة في الانضمام إلى منظمة التّحرير الفلسطينية برئاسة حركة “فتح” لتشكيل حكومة موحّدة لغزّة والضفّة الغربية، وأضاف: “كلّ تجارب الذين ناضلوا ضد المحتلين، عندما استقلّوا وحصلوا على حقوقهم ودولتهم، ماذا فعلت هذه القوى؟ لقد تحوّلت إلى أحزاب سياسية، والقوات المقاتلة المدافعة عنهم تحوّلت إلى الجيش الوطني”.

وبنظرة إلى ما قاله الرجلان، نجد انسجاما بينهما وتكاملا في الطرح والأفكار، وكذلك انسجاما مع المواقف التاريخية للحركة ومع ثوابتها، فهي تعلن استعدادها لهدنة مؤقّتة مع العدو لا الاعتراف، وأنّ قوّاتها ستندمج ضمن الجيش الفلسطيني في الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، لا أنها ستلقي السلاح، وهذه رؤية وليست مجرّد مطالب، سعت إلى تحقيقها الحركة دوما وما زالت.

حركات المقاومة ومآلات النّضال

باستعراض سريع لبعض أشهر حركات النضال في التاريخ الحديث، نجد أنّ الحركات المقاومة في حالة الثبات تقطف النصر، لكن ما يحدّد مصائر الشعوب وتلك الحركات هي التفاهمات الأخيرة التي تسبق صمت المدافع، حيث يعمد المستعمر عند تراكم خسائر احتلاله العسكري للشعوب إلى إيجاد كيانات سياسية محلية، تقوم مقامه في حكم بلادها بما يحقّق مصالح المستعمر دون أن يستمرّ نزيف خسائره العسكرية، ومثال ذلك معظم دول العالم الثالث بما فيها العربية، أمّا إذا أحسّ بقرب هزيمته فإنّه يلجأ إلى إيقاع خسائر هائلة في حاضنة النضال الشعبية، ليرغم المناضل على الاستسلام صونا لشعبه كما حصل لليابان، التي رغم ثرائها الفاحش ونهضتها العلمية والصناعية لا زالت تئنّ بمهانة تحت الحذاء الأمريكي، ومن تلك الحركات من يثبت ويصمد رغم الجراح والخسائر ويصمّم على نيل حقوقه، كما فعل شعب روسيا وجنوب إفريقيا، فيتحقّق له النصر بعزة وكرامة وينال احترام العالم، فأين تقع حماس من تلك الحركات؟

إنّ الحركة التي كانت مجرّد قسم في تنظيم، ثمّ تطوّرت فأصبحت فصيلا مقاوما، ثمّ لاعبا أساسيا في العملية السياسية الفلسطينية والإقليمية، ثمّ حركة فلسطينية تحقّق منجزات على مقاس دولة، ثمّ ثبتت وصمدت رغم الجراح ولا زالت تصمّم على نيل حقوق شعبها العادلة، رغم عداوة البعيد وخذلان القريب وخيانة الشقيق، يحقّ لها أن تسعى إلى دولة هي مؤهّلة لقيادتها بما تملكه من رصيد سياسي وعسكري وعقائدي ودعم شعبي داخلي وعربي وعالمي عارم، بل يحقّ لها أن تكون طليعة صحوة أمّة طال سباتها، وشعلة حقّ وخير ونور في عالم طال ليل ظلمه.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا