خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية!

لطالما كان التاريخ شاهداً على نضال الشعوب من أجل التحرر من الاستعمار، ومع أن معظم الدول الإفريقية انتزعت استقلالها بعد كفاح مرير، لا تزال الصحراء الغربية تمثل جرحاً نازفاً في جسد القارة، وشاهداً على انتهاك صارخ للشرعية الدولية. فعلى الرغم من موجات التحرر التي اجتاحت إفريقيا، بقي الشعب الصحراوي أسير الاحتلال، محرومًا من حقه المشروع في تقرير المصير، في ظل استمرار استنزاف موارده الطبيعية لصالح قوى خارجية. وهكذا، فإن ثروات الصحراء الغربية، من فوسفات ومعادن وموارد بحرية، التي من المفترض أن تكون ركيزة لازدهار شعبها، تحولت إلى لعنة تطيل أمد الاحتلال، حيث تسعى أطراف عدة إلى الاستفادة منها على حساب حقوق الصحراويين. وهنا، تتجلى العلاقة الوثيقة بين المصالح الاقتصادية والسياسات الاستعمارية، إذ أصبح نهب الموارد عاملاً أساسياً في إدامة السيطرة على الإقليم.

في الوقت الذي تشهد فيه القارة الإفريقية حراكًا متزايدًا نحو التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة، لا يزال الشعب الصحراوي يعيش في مفترق طرق، عالقًا بين تطلعاته المشروعة إلى الحرية والاستقلال، وبين محاولات مستمرة لفرض واقع استعماري بوجه جديد. وبينما تنعم دول القارة بثمار استقلالها، يظل الصحراويون محرومين من حقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم، تحت وطأة احتلال يكرس سياسات الاستغلال ونهب الثروات.

إن استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية لا يشكل مجرد مأساة إنسانية أو أزمة سياسية عابرة، بل يمثل اختبارًا حقيقيًا لمصداقية القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان التي طالما نادت بها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. فكيف يمكن للعالم أن يرفع شعارات الحرية والعدالة، بينما يتجاهل معاناة شعبٍ يرزح تحت الاحتلال، وتتبدد موارده لصالح قوى خارجية دون أي مساءلة قانونية؟

لقد كان القرن العشرون شاهدًا على نهاية الاستعمار في معظم أرجاء إفريقيا، حيث خاضت الشعوب الإفريقية نضالات مريرة لاستعادة استقلالها، إلا أن بقاء الصحراء الغربية تحت الاحتلال المغربي يظل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، ودليلًا على ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا التحرر وتقرير المصير. فإما أن تنتصر العدالة، وينال الصحراويون حقهم المشروع في الاستقلال، أو يبقى هذا الملف شاهدًا على فشل النظام الدولي في إنصاف الشعوب المظلومة، وتراخي القوى الكبرى في مواجهة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.

المطامع الاقتصادية في الصحراء الغربية

في هذا السياق، أكد ألفين بوتس، نائب وزير العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا وعضو اللجنة التنفيذية الوطنية للمؤتمر الوطني الإفريقي، أن الأطماع الاقتصادية للمغرب في ثروات الصحراء الغربية تشكل الدافع الأساسي وراء إصراره على إدامة الاحتلال، رغم انتهاكه الصارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وفي مقال له بعنوان “لعنة الموارد والنضال من أجل تقرير المصير”، نشر بمناسبة اليوم الوطني لحقوق الإنسان في جنوب إفريقيا، شدد بوتس على أن الشعب الصحراوي ما زال محرومًا من أبسط حقوقه الأساسية، رغم مرور عقود على استقلال معظم دول القارة. ودعا إلى ضرورة إنصافه وتمكينه من ممارسة حقه المشروع في تقرير المصير وفق قرارات الأمم المتحدة، مؤكدًا أن هذا الحق غير قابل للمساومة أو التأجيل.

وأشار بوتس إلى أن استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية ليس مجرد نتيجة لصراع سياسي، بل هو امتداد لنهج استعماري يهدف إلى نهب الموارد الطبيعية واستغلال خيرات الإقليم لصالح القوى المسيطرة. فالصحراء الغربية تزخر بثروات هائلة، جعلتها مطمعًا للدول والشركات متعددة الجنسيات، وعلى رأسها الفوسفات، حيث تحتوي على واحد من أكبر الاحتياطات العالمية لهذه المادة الحيوية. ويعد منجم بوكراع مثالًا واضحًا على استغلال المغرب لهذه الثروة، إذ يشكل ركيزة أساسية لاقتصاده، ويساهم بشكل كبير في تعزيز مكانته في السوق العالمية للفوسفات.

استنزاف الثروات البحرية والنفطية

ولا يقتصر النهب المغربي على الموارد المعدنية، بل يمتد إلى الثروات البحرية، حيث تعتبر المياه الساحلية الأطلسية قبالة الصحراء الغربية من بين الأغنى في العالم من حيث الحياة البحرية، ما يجذب إليها أساطيل الصيد الدولية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات على وجود احتياطات نفطية وغازية ضخمة في المنطقة، وهو ما يفسر جزئيًا إصرار المغرب على فرض سيطرته على الإقليم.

وأكد بوتس أن المغرب، من خلال احتلاله للصحراء الغربية، يسعى إلى فرض هيمنته على “منطقة اقتصادية خالصة” شاسعة، تمكنه من إبرام اتفاقيات مربحة لمصائد الأسماك، ومنح تراخيص تصدير، وفرض رسوم جمركية تستفيد منها الشركات الأجنبية التي تتعاون معه في استغلال موارد الإقليم. وتُستخدم موانئ العيون والداخلة المحتلتين كمنصات رئيسية لهذه العمليات الاقتصادية غير المشروعة، مما يعزز اقتصاد الاحتلال على حساب الشعب الصحراوي الذي يعيش تحت وطأة القمع والتهميش.

وأشار الكاتب إلى أن “لعنة الموارد” ليست حكرًا على الصحراء الغربية، بل هي ظاهرة عالمية، حيث كانت الثروات الطبيعية على مرّ التاريخ عاملًا أساسيًا في تأجيج النزاعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان. ففي العديد من مناطق العالم، كان الصراع على الموارد سببًا مباشرًا لاندلاع الحروب وتفاقم المعاناة الإنسانية. واستدل بوتس في هذا السياق بعدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة، وسعيه المحموم للسيطرة على احتياطات الغاز المكتشفة حديثًا قبالة سواحل القطاع، مما يشير إلى أن المصالح الاقتصادية تلعب دورًا حاسمًا في استمرار الاحتلالات الاستعمارية.

مسؤولية المجتمع الدولي

وشدد بوتس على أن جنوب إفريقيا، بحكم تاريخها النضالي الطويل ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، تقع على عاتقها مسؤولية أخلاقية وقانونية لدعم نضال الشعب الصحراوي، انسجامًا مع مبادئ القانون الدولي والتضامن الإفريقي. وأوضح أن معاناة الصحراويين تعكس أسوأ أوجه الاستعمار الحديث، بما في ذلك التهجير القسري، والاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية، والحرمان الممنهج من الحقوق الأساسية.

وأكد بوتس: “إذا كنا نؤمن حقًا بالعدالة، فلا يمكننا أن نقف متفرجين بينما يُحرم شعب بأكمله من حقه في تقرير مصيره”، مشددًا على أن النضال من أجل تحرير الصحراء الغربية هو جزء لا يتجزأ من المعركة العالمية ضد الاستعمار والهيمنة الاقتصادية.

وفي ختام مقاله، وجه بوتس نداءً عاجلًا إلى المجتمع الدولي، مطالبًا بتنظيم استفتاء حر ونزيه يمكّن الصحراويين من تقرير مصيرهم. وأكد أن الوقت قد حان لإنهاء الاحتلال، وإزالة آخر بقايا الاستعمار من القارة الإفريقية، حتى يتمكن الصحراويون من بناء دولتهم المستقلة وممارسة حقوقهم كاملةً في وطنهم.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
ثلوج مرتقبة على المرتفعات التي يزيد علوها عن 1100 متر السياحة الجزائرية في قلب الحدث الدولي بكرواتيا الجيش يقضي على إرهابيين اثنين في إن قزام ويسترجع أسلحة ثقيلة وزارة البريد والمواصلات تطلق الموقع الرسمي لتظاهرة "Connected Algeria" 2025 ديوان الحج والعمرة يُجيب على أسئلة الحجاج "EpiCor".. مكمل غذائي جديد لتعزيز المناعة يدخل السوق الجزائرية الكيان الصهيوني يمنع آلاف الفلسطينيين من إحياء ليلة القدر في المسجد الأقصى من الثورة إلى المقاومة.. كيف أصبح يوم القدس رمزًا عالميًا؟ وفاة 4 أشخاص في حادث مرور خطير في تندوف الجزائر و القدس.. ارتباط تاريخي وعهد متجدد فيديو | الوزير الأول يشرف على إحياء ليلة القدر وتكريم حفظة القرآن  بعد تقليص استيراد القمح.. الطماطم الجزائرية تشق طريقها إلى فرنسا إدانة بوعلام صنصال بـ 5 سنوات حبساً نافذاً برئاسة سمسار التهويد.. لجنة القدس أم لجنة خيانة القدس؟ الأرصاد الجوية تحذر..زوابع رملية ورعود قوية في هذه الولايات تقرير يكشف.. الجزائر تتسلم أول مقاتلة "سو-35" بين محاكمة "صنصنال" وترحيل "دوالمن".. فرنسا تناور والجزائر تحصّن سيادتها بين حسابات المصالح وثبات المواقف.. هل تعيد إسبانيا ضبط بوصلتها مع الجزائر؟ وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو